العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة يوسف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 09:16 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل هذه سبيلي} الآية، إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة بأسرها، قال ابن زيد: المعنى: هذا أمري وسنتي ومنهاجي. وقرأ ابن مسعود: "قل هذا سبيلي"، والسبيل: المسلك، وتؤنث وتذكر، وكذلك الطريق.
[المحرر الوجيز: 5/159]
و"البصيرة": اسم لمعتقد الإنسان في الأمر من الحق واليقين، والبصيرة أيضا -في كلام العرب -: الطريقة في الدم، وفي الحديث المشهور: "تنظر في النصل فلا ترى بصيرة"، وبها فسر بعض الناس قول الأشعر الجعفي:
راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأى
يصف قوما باعوا دم وليهم، فكأن دمه حصلت منه طرائق على أكتافهم إذ هم موسومون عند الناس ببيع ذلك الدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويجوز أن تكون البصيرة في بيت الأشعر على المعتقد الحق، أي: جعلوا اعتقادهم طلب النار وبصيرتهم في ذلك وراء ظهورهم، كما تقول: طرح فلان أمري وراء ظهره.
وقوله: {أنا ومن اتبعني} يحتمل أن يكون تأكيدا للضمير في "أدعوا"، ويحتمل أن تكون الآية كلها أمارة بالمعروف داعية إلى الله الكفرة به والعصاة. و" سبحان الله " تنزيه لله، أي وقل: سبحان الله، وقل متبرئا من الشرك.
وروي أن هذه الآية قل هذه سبيلي إلى آخرها كانت مرقومة على رايات يوسف عليه السلام). [المحرر الوجيز: 5/160]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}

هذه الآية تتضمن الرد على مستغربي إرسال الرسل من البشر، كالطائفة التي قالت: أبعث الله بشرا رسولا، وكالطائفة التي اقترحت ملكا، وغيرهما.
وقرأ الجمهور: "يوحى إليهم" بالياء وفتح الحاء، وهي قراءة عاصم في رواية أبي بكر، وقرأ في رواية حفص "نوحي" بالنون وكسر الحاء، وهي قراءة أبي عبد الرحمن، وطلحة.
و"القرى": المدن، وخصصها دون القوم المنتوين أهل العمود، فإنهم في كل أمة أهل جفاء وجهالة مفرطة، قال ابن زيد: أهل القرى أعلم وأحلم من أهل العمود.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فإنهم قليل نبلهم، ولم ينبئ الله منهم قط رسولا. وقال الحسن: لم يبعث الله رسولا قط من أهل البادية، ولا من النساء، ولا من الجن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتبدي مكروه إلا في الفتن وحين يفر بالدين، كقوله عليه الصلاة والسلام: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما" الحديث. وفي ذلك أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الأكوع.
[المحرر الوجيز: 5/161]
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تعرب في الإسلام"، وقال: "من بدا جفا"، وروى عنه معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالمساجد والجماعات والعامة).
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويعترض هذا ببدو يعقوب، وينفصل عن ذلك بوجهين:
أحدهما: أن ذلك البدو لم يكن في أهل عمود، بل هو بتقر وفي منازل وربوع، والثاني: أنه إنما جعله بدوا بالإضافة إلى مصر، كما هي بنات الحواضر بدو بالإضافة إلى الحواضر.
ثم أحالهم على الاعتبار في الأمم السالفة في أقطار الأرض التي كذبت رسلها فحاق بها عذاب الله، ثم حض على الآخرة والاستعداد لها والاتقاء من الموبقات فيها، ثم وقفهم موبخا بقوله: {أفلا تعقلون}.
وقوله: {ولدار الآخرة} زيادة في وصف إنعامه على المؤمنين، أي: عذب الكفار ونجى المؤمنين ولدار الآخرة أحسن لهم.
وأما إضافة الدار إلى الآخرة فقال الفراء: هي إضافة الشيء إلى نفسه، كما قال الشاعر:
فإنك لو حللت ديار عبس ... عرفت الذل عرفان اليقين
[المحرر الوجيز: 5/162]
وفي رواية: "فلو أقوت عليك ديار عبس" - وكما يقال: "مسجد الجامع" ونحو هذا، وقال البصريون: هذه على حذف مضاف تقديره: "ولدار الحياة الآخرة"، أو "المدة الآخرة".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الأسماء التي هي للأجناس كمسجد وثوب وحق وجبل ونحو ذلك- إذا نطق بها الناطق لم يدر ما يريد بها فتضاف إلى معرف مخصص للمعنى المقصود، فقد تضاف إلى جنس آخر كقولك: "ثوب خز" و"جبل تراب"، وقد تضاف إلى صفة كقولك: "مسجد الجامع" و"حق اليقين"، وقد تضاف إلى اسم خاص كقولك: "جبل أحد" ونحوه.
وقرأ الحسن، والأعمش، والأعرج، وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وعلقمة: "يعقلون" بالياء، واختلف عن الأعمش، قال أبو حاتم: قراءة العامة: "أفلا تعقلون" بالتاء من فوق.
ويتضمن قوله: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى دعوا أممهم فلم يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم المثلات، فصاروا في حيز من يعتبر بعاقبته، فلهذا المضمن حسن أن تدخل "حتى" في قوله: {حتى إذا استيئس الرسل} ). [المحرر الوجيز: 5/163]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والحسن، وعائشة -بخلاف- وعيسى، وقتادة، ومحمد بن كعب، والأعرج، وأبو رجاء، وابن أبي مليكة: "كذبوا" بتشديد الذال وضم الكاف، وقرأ الباقون: "كذبوا" بضم الكاف وكسر الذال وتخفيفها، وهي قراءة علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وطلحة، والأعمش، وابن جبير، ومسروق، والضحاك، وإبراهيم، وأبي جعفر، ورواها شيبة بن نصاح عن القاسم عن عائشة. وقرأ مجاهد، والضحاك، وابن عباس، وعبد الله بن الحارث -بخلاف عنهم-: "كذبوا" بفتح الكاف والذال.
فأما الأولى فتحتمل أن يكون الظن بمعنى اليقين، ويكون الضمير في "ظنوا" وفي "كذبوا" للرسل، ويكون المكذبون مشركي من أرسل إليه، والمعنى: وتيقن الرسل أن المشركين كذبوهم وصمموا على ذلك، وأن لا انحراف عنه. ويحتمل أن يكون الظن على بابه، والضميران للرسل، والمكذبون مؤمنو من أرسل إليه، أي: لما طالت المواعيد حسب الرسل أن المؤمنين أولا قد كذبوهم وارتابوا بقولهم.
وأما القراءة الثانية -وهي ضم الكاف وكسر الذال وتخفيفها- فيحتمل أن يكون المعنى: حتى إذا استيأس الرسل من النصر، أو من إيمان قومهم -على اختلاف تأويل المفسرين في ذلك- وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوة، أو فيما توعدوهم به من العذاب، لما طال الإمهال واتصلت العافية، فلما كان المرسل إليهم -على هذا التأويل- مكذبين، بني الفعل للمفعول في قوله: "كذبوا"، هذا مشهور قول ابن عباس، وابن جبير. وأسند الطبري أن مسلم بن يسار قال لسعيد بن جبير: يا أبا عبد الله، آية بلغت مني كل مبلغ، حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا، فهذا هو أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا مخففة، فقال له ابن جبير: "يا أبا عبد الرحمن، إنما يئس الرسل من قومهم أن يجيبوهم، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم، فحينئذ جاء النصر"، فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال: فرجت عني فرج الله عنك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فرضي الله عنهم، كيف كان خلقهم في العلم، وقال بهذا التأويل -في هذه
[المحرر الوجيز: 5/164]
القراءة- ابن مسعود ومجاهد، ورجح أبو علي الفارسي هذا التأويل، وقال: إن رد الضمير في "ظنوا" وفي "كذبوا" على المرسل إليهم -وإن كان لم يتقدم لهم ذكر صريح- جائز لوجهين:
أحدهما: أن ذكر الرسل يقتضي ذكر مرسل إليه.
والآخر: أن ذكرهم قد أشير إليه في قوله: {عاقبة الذين من قبلهم}.
وتحتمل هذه القراءة أيضا أن يكون الضمير في "ظنوا" وفي "كذبوا" عائد على الرسل، والمعنى: كذبهم من أخبرهم عن الله، والظن على بابه، وحكى هذا التأويل قوم من أهل العلم، والرسل بشر، فضعفوا وساء ظنهم، قاله ابن عباس، وابن مسعود أيضا، وابن جبير وقال: ألم يكونوا بشرا؟ وقال ابن مسعود لمن سأله عن هذا: "هو الذي نكره"، وردت هذا التأويل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وجماعة من أهل العلم، وأعظموا أن توصف الرسل بهذا، وقال أبو علي الفارسي: "هذا غير جائز على الرسل".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا هو الصواب، وأين العصمة والعلم؟
وأما القراءة الثالثة، وهي فتح الكاف والذال، فالضمير في "ظنوا" للمرسل إليهم، والضمير في "كذبوا" للرسل. ويحتمل أن يكون الضميران للرسل، أي: ظن الرسل أنهم قد كذبوا من حيث نقلوا الكذب وإن كانوا لم يتعمدوه، فيرجع هذا التأويل إلى المعنى المردود الذي تقدم ذكره.
وقوله: {جاءهم نصرنا} أي: بتعذيب أممهم الكافرة.
ثم وصف حال مجيء العذاب في أنه ينجي الرسل وأتباعهم، وهم الذين شاء رحمتهم، ويحل بأسه بالمجرمين الكفرة. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: "فننجي" بنونين، من أنجى. وقرأ الحسن: "فننجي"، النون الثانية مفتوحة والجيم مشددة، وهو من نجى ينجي. وقرأ أبو عمرو أيضا وقتادة "فنجي" بنون واحدة وشد الجيم وسكون الياء، فقالت فرقة: إنها كالأولى أدغمت النون الثانية في الجيم، ومنع بعضهم أن يكون هذا موضع إدغام لتنافر النون والجيم في الصفات لا في
[المحرر الوجيز: 5/165]
المخارج، وقال: إنما حذفت النون في الكتاب لا في اللفظ، وقد حكيت هذه القراءة عن الكسائي، ونافع. وقرأ عاصم، وابن عامر "فنجي" بفتح الياء، على وزن فعل، وقرأت فرقة: "فننجي" بنونين وفتح الياء، رواها هبيرة عن حفص عن عاصم، وهي غلط من هبيرة. وقرأ ابن محيصن، ومجاهد: "فنجا" فعل ماض بتخفيف الجيم، وهي قراءة نصر بن عاصم، والحسن بن أبي الحسن، وابن السميفع، وأبي حيوة. قال أبو عمرو الداني: "وقرأت لابن محيصن: "فنجى" بشد الجيم، على معنى: فنجى النصر".
و "البأس": العذاب، وقرأ أبو حيوة: "من يشاء" بالياء، وجاء الإخبار عن هلاك الكافرين بقوله: {ولا يرد بأسنا} الآية، إذ في هذه الألفاظ وعيد بين، وتهديد لمعاصري محمد عليه الصلاة والسلام، وقرأ الحسن: "بأسه" بالهاء). [المحرر الوجيز: 5/166]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
الضمير في "قصصهم" عام ليوسف وأبويه وإخوته وسائر الرسل الذين ذكروا على الجملة، ولما كان ذلك كله في القرآن قال عنه: ما كان حديثا يفترى، فإذا تأملت قصة يوسف ظهر أن في غرائبها، وامتحان الله فيها لقوم في مواضع، ولطفه لقوم في مواضع، وإحسانه لقوم في مواضع -معتبرا لمن له لب وأجاد النظر حتى يعلم أن كل أمر من عند الله تبارك وتعالى وإليه.
وقوله: "ما كان" صيغة منع، وقرينة الحال تقتضي أن البرهان يقوم على أن ذلك لا يفترى، وذلك بأدلة النبوة وأدلة الإعجاز.
[المحرر الوجيز: 5/166]
و"الحديث" هنا واحد الأحاديث، وليس للذي هو خلاف القديم هاهنا مدخل.
ونصب "تصديق" إما على إضمار معنى كان، وإما على أن تكون "لكن" بمعنى "لكن" المشددة. وقرأ عيسى الثقفي: "تصديق" بالرفع، وكذلك كل ما عطف عليه، وهذا على حذف المبتدأ، التقدير: "هو تصديق"، وقال أبو حاتم: النصب على تقدير: "ولكن كان"، والرفع على تقدير: "ولكن هو"، وينشد بيت ذي الرمة بالوجهين:
وما كان مالي من تراث ورثته ... ولا دية كانت ولا كسب مأثم
ولكن عطاء الله من كل رحلة
... إلى كل محجوب السرادق خضرم
رفع "عطاء الله"، والنصب أجود.
و الذي بين يديه هو التوراة والإنجيل، والضمير في "يديه" عائد على القرآن، وهو اسم "كان"، وقوله: {كل شيء} يعني من العقائد والأحكام والحلال والحرام.
وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 5/167]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:55 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:59 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرةٍ أنا ومن اتّبعني وسبحان اللّه وما أنا من المشركين (108)}
يقول [الله] تعالى لعبد ورسوله إلى الثّقلين: الإنس والجنّ، آمرًا له أن يخبر النّاس: أنّ هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنّته، وهي الدّعوة إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، يدعو إلى اللّه بها على بصيرة من ذلك، ويقينٍ وبرهانٍ، هو وكلّ من اتّبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بصيرةٍ ويقينٍ وبرهانٍ شرعيٍّ وعقليٍّ.
وقوله: {وسبحان اللّه} أي: وأنزّه اللّه وأجلّه وأعظّمه وأقدّسه، عن أن يكون له شريكٌ أو نظيرٌ، أو عديلٌ أو نديدٌ، أو ولدٌ أو والدٌ أو صاحبةٌ، أو وزيرٌ أو مشيرٌ، تبارك وتعالى وتقدّس وتنزّه عن ذلك كلّه علوًّا كبيرًا، {تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليمًا غفورًا} [الإسراء: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 422]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم ولدار الآخرة خيرٌ للّذين اتّقوا أفلا تعقلون (109)}
يخبر تعالى أنّه إنّما أرسل رسله من الرّجال لا من النّساء. وهذا قول جمهور العلماء، كما دلّ عليه سياق هذه الآية الكريمة: أنّ اللّه تعالى لم يوح إلى امرأةٍ من بنات بني آدم وحي تشريعٍ.
وزعم بعضهم: أنّ سارّة امرأة الخليل، وأمّ موسى، ومريم أمّ عيسى نبيات، واحتجوا بأن الملائكة بشّرت سارّة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وبقوله: {وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه} الآية. [القصص: 7]، وبأنّ الملك جاء إلى مريم فبشّرها بعيسى، عليه السّلام، وبقوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين} [آل عمران: 42، 43].
وهذا القدر حاصلٌ لهنّ، ولكن لا يلزم من هذا أن يكنّ نبيّاتٍ بذلك، فإن أراد القائل بنبوّتهنّ هذا القدر من التّشريف، فهذا لا شكّ فيه، ويبقى الكلام معه في أنّ هذا: هل يكفي في الانتظام في سلك النّبوّة بمجرّده أم لا؟ الّذي عليه [أئمّة] أهل السّنّة والجماعة، وهو الّذي نقله الشّيخ أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ عنهم: أنّه ليس في النّساء نبيّةٌ، وإنّما فيهنّ صدّيقاتٌ، كما قال تعالى مخبرًا عن أشرفهنّ مريم بنت عمران حيث قال: {ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام} [المائدة: 75] فوصفها في أشرف مقاماتها بالصّدّيقية، فلو كانت نبيّةً لذكر ذلك في مقام التّشريف والإعظام، فهي صدّيقةٌ بنصّ القرآن.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} أي: ليسوا من أهل السّماء كما قلتم. وهذا القول من ابن عبّاسٍ يعتضد بقوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق} الآية [الفرقان: 20] وقوله تعالى: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين ثمّ صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} [الأنبياء: 8، 9] وقوله تعالى: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل} الآية [الأحقاف: 9].
وقوله: {من أهل القرى} المراد بالقرى: المدن، لا أنّهم من أهل البوادي، الّذين هم أجفى النّاس طباعًا وأخلاقًا. وهذا هو المعهود المعروف أنّ أهل المدن أرقّ طباعًا، وألطف من أهل سوادهم، وأهل الرّيف والسّواد أقرب حالًا من الّذين يسكنون في البوادي؛ ولهذا قال تعالى: {الأعراب أشدّ كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله} [التّوبة: 97].
وقال قتادة في قوله: {من أهل القرى} لأنّهم أعلم وأحلم من أهل العمود.
وفي الحديث الآخر: أنّ رجلًا من الأعراب أهدى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ناقةً، فلم يزل يعطيه ويزيده حتّى رضي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد هممت ألّا أتّهب هبةً إلّا من قرشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثقفيٍّ، أو دوسي".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا شعبة، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّابٍ، عن شيخٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -قال الأعمش: هو [ابن] عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "المؤمن الّذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الّذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم".
وقوله: {أفلم يسيروا في الأرض} [يعني: هؤلاء المكذّبين لك يا محمّد في الأرض،] {فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم} أي: من الأمم المكذّبة للرّسل، كيف دمّر اللّه عليهم، وللكافرين أمثالها، كقوله: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحجّ: 46]، فإذا استمعوا خبر ذلك، رأوا أنّ اللّه قد أهلك الكافرين ونجّى المؤمنين، وهذه كانت سنّته تعالى في خلقه؛ ولهذا قال تعالى: {ولدار الآخرة خيرٌ للّذين اتّقوا} أي: وكما أنجينا المؤمنين في الدّنيا، كذلك كتبنا لهم النّجاة في الدّار الآخرة أيضًا، وهي خيرٌ لهم من الدّنيا بكثيرٍ، كما قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافرٍ: 50، 51].
وأضاف الدّار إلى الآخرة فقال: {ولدار الآخرة} كما يقال: "صلاة الأولى" و"مسجد الجامع" و"عام الأوّل" و "بارحة الأولى" و"يوم الخميس". قال الشّاعر:
أتمدح فقعسًا وتذمّ عبسًا = ألا للّه أمّك من هجين
ولو أقوت عليك ديار عبسٍ = عرفت الذّلّ عرفان اليقين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 422-424]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({حتّى إذا استيئس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين (110)}
يخبر تعالى أنّ نصره ينزل على رسله، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، عند ضيّق الحال وانتظار الفرج من اللّه تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك، كما في قوله تعالى: {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214]، وفي قوله: {كذبوا} قراءتان، إحداهما بالتّشديد: "قد كذّبوا"، وكذلك كانت عائشة، رضي اللّه عنها، تقرؤها، قال البخاريّ:
حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه، حدّثنا إبراهيم بن سعد، بن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزّبير، عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول اللّه: {حتّى إذا استيئس الرّسل} قال: قلت: أكذبوا أم كذّبوا؟ فقالت عائشة: كذّبوا. فقلت: فقد استيقنوا أنّ قومهم قد كذّبوهم فما هو بالظّنّ؟ قالت: أجل، لعمري لقد استيقنوا بذلك. فقلت لها: وظنّوا أنّهم قد كذّبوا؟ قالت معاذ اللّه، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النّصر، {حتّى إذا استيئس الرّسل} ممّن كذّبهم من قومهم، وظنّت الرّسل أنّ أتباعهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر اللّه عند ذلك.
حدّثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيبٌ، عن الزّهريّ قال: أخبرنا عروة، فقلت: لعلّها قد كذبوا مخفّفةً؟ قالت: معاذ اللّه. انتهى ما ذكره.
وقال ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة: أنّ ابن عبّاسٍ قرأها: {وظنّوا أنّهم قد كذبوا} خفيفةً -قال عبد اللّه هو ابن مليكة: ثمّ قال لي ابن عبّاسٍ: كانوا بشرًا وتلا ابن عبّاسٍ: {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214]، قال ابن جريجٍ: وقال لي ابن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة: أنّها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من شيءٍ إلّا قد علم أنّه سيكون حتّى مات، ولكنّه لم يزل البلاء بالرّسل حتّى ظنّوا أنّ من معهم من المؤمنين قد كذّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها "وظنّوا أنّهم قد كذّبوا" مثقلةً، للتّكذيب.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنا ابن وهبٍ، أخبرني سليمان بن بلالٍ، عن يحيى بن سعيدٍ قال: جاء إنسانٌ إلى القاسم بن محمّدٍ فقال: إنّ محمّد بن كعبٍ القرظيّ يقول هذه الآية: {حتّى إذا استيئس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} فقال القاسم: أخبره عنّي أنّي سمعت عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تقول: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} تقول: كذّبتهم أتباعهم. إسنادٌ صحيحٌ أيضًا.
والقراءة الثّانية بالتّخفيف، واختلفوا في تفسيرها، فقال ابن عبّاسٍ ما تقدّم، وعن ابن مسعودٍ، فيما رواه سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه أنّه قرأ: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} مخفّفةً، قال عبد اللّه: هو الّذي تكره.
وهذا عن ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، مخالفٌ لما رواه آخرون عنهما. أمّا ابن عبّاسٍ فروى الأعمش، عن مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} قال: لمّا أيست الرّسل أن يستجيب لهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذّبوهم، جاءهم النّصر على ذلك، {فنجّي من نشاء}
وكذا روي عن سعيد بن جبيرٍ، وعمران بن الحارث السّلميّ، وعبد الرّحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ بمثله.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا عارمٌ أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا شعيبٌ حدّثنا إبراهيم بن أبي حرة الجزريّ قال: سأل فتى من قريشٍ سعيد بن جبيرٍ فقال له: يا أبا عبد اللّه، كيف هذا الحرف، فإنّي إذا أتيت عليه تمنّيت أنّي لا أقرأ هذه السّورة: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا}؟ قال: نعم، حتّى إذا استيأس الرّسل من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّ المرسل إليهم أنّ الرّسل كذبوا. فقال الضّحّاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجل يدعى إلى علمٍ فيتلكّأ! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلًا.
ثمّ روى ابن جريرٍ أيضًا من وجهٍ آخر: أنّ مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبيرٍ عن ذلك، فأجابه بهذا الجواب، فقام إلى سعيدٍ فاعتنقه، وقال: فرّج اللّه عنك كما فرجت عنّي.
وهكذا روي من غير وجهٍ عن سعيد بن جبيرٍ أنّه فسّرها كذلك، وكذا فسّرها مجاهد بن جبر، وغير واحدٍ من السّلف، حتّى إنّ مجاهدًا قرأها: "وظنّوا أنّهم قد كذبوا"، بفتح الذّال. رواه ابن جريرٍ، إلّا أنّ بعض من فسّرها كذلك يعيد الضّمير في قوله: {وظنّوا أنّهم قد كذبوا} إلى أتباع الرّسل من المؤمنين، ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم، أي: وظنّ الكفّار أنّ الرّسل قد كذبوا -مخفّفةً -فيما وعدوا به من النّصر.
وأمّا ابن مسعودٍ فقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا محمّد بن فضيلٍ عن جحش بن زيادٍ الضّبّيّ، عن تميم بن حذلم قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول في هذه الآية: {حتّى إذا استيأس الرّسل} من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظنّ قومهم حين أبطأ الأمر أنّهم قد كذبوا، بالتّخفيف.
فهاتان الرّوايتان عن كلٍّ من ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ، وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسّرها بذلك، وانتصر لها ابن جريرٍ، ووجّه المشهور عن الجمهور، وزيّف القول الآخر بالكلّيّة، وردّه وأباه، ولم يقبله ولا ارتضاه، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 424-426]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الّذي بين يديه وتفصيل كلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً لقومٍ يؤمنون (111)}
يقول تعالى: لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا الكافرين {عبرةٌ لأولي الألباب} وهي العقول، {ما كان حديثًا يفترى} أي: وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون اللّه، أي: يكذّب ويختلق، {ولكن تصديق الّذي بين يديه} أي: من الكتب المنزّلة من السّماء، وهو يصدّق ما فيها من الصّحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريفٍ وتبديلٍ وتغييرٍ، ويحكم عليها بالنّسخ أو التّقرير، {وتفصيل كلّ شيءٍ} من تحليلٍ وتحريمٍ، ومحبوبٍ ومكروهٍ، وغير ذلك من الأمر بالطّاعات والواجبات والمستحبّات، والنّهي عن المحرّمات وما شاكلها من المكروهات، والإخبار عن الأمور على الجليّة، وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتّفصيليّة، والإخبار عن الرّبّ تبارك وتعالى بالأسماء والصّفات، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقات، فلهذا كان: {هدًى ورحمةً لقومٍ يؤمنون} تهتدي به قلوبهم من الغيّ إلى الرّشاد، ومن الضّلالة إلى السّداد، ويبتغون به الرّحمة من ربّ العباد، في هذه الحياة الدّنيا ويوم المعاد. فنسأل اللّه العظيم أن يجعلنا منهم في الدّنيا والآخرة، يوم يفوز بالرّبح المبيضّة وجوههم النّاضرة، ويرجع المسودّة وجوههم بالصّفقة الخاسرة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 426-427]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:13 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة