العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:49 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (107) إلى الآية (110) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (107) إلى الآية (110) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:00 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني ابن لهيعة في قول الله: [{والذين اتخذوا مسجدا] ضرارا}، هم بنو عمرو بن عوف كلهم). [الجامع في علوم القرآن: 2/150]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير في قوله تعالى والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا قال هم حي يقال لهم بنو غنم). [تفسير عبد الرزاق: 1/287]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال الذين بنى فيهم المسجد الذي أسس على التقوى بنو عمرو بن عوف قال في قوله تعالى وإرصادا لمن حارب الله ورسوله أبو عامر الراهب انطلق إلى الشام فقال الذين بنوا مسجدا ضرارا إنما بنيناه ليصلي فيه أبو عامر.
عن ابن عيينة عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد قال أحسبه عن أبيه قال مسجد النبي أسس على التقوى). [تفسير عبد الرزاق: 1/287-288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}.
يقول تعالى ذكره: والّذين ابتنوا مسجدًا ضرارًا، وهم فيما ذكرنا اثنا عشر نفسًا من الأنصار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، ويزيد بن رومان، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قالوا: أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعني من تبوك حتّى نزل بذي أوان، بلدٌ بينه وبين المدينة ساعةٌ من نهارٍ. وكان أصحاب مسجد الضّرار قد كانوا أتوه وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول اللّه إنّا قد بنينا مسجدًا لذي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة واللّيلة الشّاتية، وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه فقال: إنّي على جناح سفرٍ وحال شغلٍ أو كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولو قد قدمنا أتيناكم إنّ شاء اللّه فصلّينا لكم فيه. فلمّا نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مالك بن الدّخشم أخا بني سالم بن عوفٍ، ومعن بن عديٍّ أو أخاه عاصم بن عديٍّ أخا بني العجلان، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظّالم أهله فاهدماه وحرّقاه فخرجا سريعين حتّى أتيا بني سالم بن عوفٍ، وهم رهط مالك بن الدّخشم، فقال مالك لمعنٍ: أنظرني حتّى أخرج إليك بنارٍ من أهلي فدخل أهله فأخذ سعفًا من النّخل، فأشعل فيه نارًا، ثمّ خرجا يشتدّان حتّى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرّقاه وهدماه، وتفرّقوا عنه. ونزل فيهم من القرآن ما نزل: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} إلى آخر القصّة. وكان الّذين بنوه اثني عشر رجلاً: خذام بن خالدٍ من بني عبيد بن زيدٍ أحد بني عمرو بن عوفٍ ومن داره أخرج مسجد الشّقاق، وثعلبة بن حاطبٍ من بني عبيدٍ وهو إلى بني أميّة بن زيدٍ، ومعتب بن قشيرٍ من بني ضبيعة بن زيدٍ، وأبوحبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيدٍ، وعبّاد بن حنيفٍ أخو سهل بن حنيفٍ من بني عمرو بن عوفٍ، وجارية بن عامرٍ وابناه: مجمّع بن جارية، وزيد بن جارية، ونبتل بن الحارث وهم من بني ضبيعة، وبحزج وهو إلى بني ضبيعة، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابتٍ وهو إلى بني أميّة رهط أبي لبابة بن عبد المنذر.
فتأويل الكلام: والّذين ابتنوا مسجدًا ضرارًا لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكفرًا باللّه لمحادّتهم بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويفرّقوا به المؤمنين ليصلّي فيه بعضهم دون مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وبعضهم في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا. {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل} يقول: وإعدادًا له، لأبي عامر الكافر الّذي خالف اللّه ورسوله، وكفر بهما وقاتل رسول اللّه. {من قبل} يعني من قبل بنائهم ذلك المسجد. وذلك أنّ أبا عامرٍ هو الّذي كان حزّب الأحزاب، يعني حزّب الأحزاب لقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا خذله اللّه، لحق بالرّوم يطلب النّصر من ملكهم على نبيّ اللّه، وكتب إلى أهل مسجد الضّرار يأمرهم ببناء المسجد الّذي كانوا بنوه فيما ذكر عنه ليصلّي فيه فيما يزعم إذا رجع إليهم؛ ففعلوا ذلك.
وهذا معنى قول اللّه جلّ ثناؤه: {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى} يقول جلّ ثناؤه: وليحلفنّ بانوه إن أردنا إلاّ الحسنى ببنائنا إلاّ الرّفق بالمسلمين والمنفعة والتّوسعة على أهل الضّعف والعلّة ومن عجز عن المسير إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للصّلاة فيه. وتلك هي الفعلة الحسنة. {واللّه يشهد إنّهم لكاذبون} في حلفهم ذلك، وقيلهم ما بنيناه إلاّ ونحن نريد الحسنى، ولكنّهم بنوه يريدون ببنائه السّوأى ضرارًا لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكفرًا باللّه وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لأبي عامرٍ الفاسق.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا} وهم أناسٌ من الأنصار ابتنوا مسجدًا، فقال لهم أبو عامرٍ: ابنوا مسجدكم، واستعدّوا بما استطعتم من قوّةٍ ومن سلاحٍ، فإنّي ذاهبٌ إلى قيصر ملك الرّوم فآتي بجندٍ من الرّوم فأخرج محمّدًا وأصحابه فلمّا فرغوا من مسجدهم أتوا النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحبّ أن تصلّي فيه وتدعو لنا بالبركة. فأنزل اللّه فيه: {لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه}. إلى قوله: {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين} قال: لمّا بنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسجد قباءٍ، خرج رجالٌ من الأنصار منهم بخدج جدّ عبد اللّه بن حنيفٍ، ووديعة بن حزامٍ، ومجمّع بن جارية الأنصاريّ، فبنوا مسجد النّفاق، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لبخدجٍ: ويلك ما أردت إلى ما أرى؟ فقال: يا رسول اللّه، واللّه ما أردت إلاّ الحسنى وهو كاذبٌ. فصدّقه رسول اللّه وأراد أن يعذره، فأنزل اللّه: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله} يعني رجلاً منهم يقال له أبو عامرٍ كان محاربًا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان قد انطلق إلى هرقل، فكانوا يرصدون أبا عامرٍ أن يصلّي فيه، وكان قد خرج من المدينة محاربًا للّه ورسوله. {وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل} قال: أبو عامرٍ الرّاهب انطلق إلى قيصر، فقالوا: إذا جاء يصلّي فيه. كانوا يرون أنّه سيظهر على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} قال المنافقون لمن حارب اللّه ورسوله لأبي عامرٍ الرّاهب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين} قال: نزلت في المنافقين. وقوله: {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل} قال: هو أبو عامرٍ الرّاهب.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو، عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} قال: هم بنو غنم بن عوفٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} قال: هم حيّ يقال لهم بنو غنمٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} قال: هم حيّ يقال لهم بنو غنمٍ.
- قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله} أبو عامرٍ الرّاهب انطلق إلى الشّأم، فقال الّذين بنوا مسجد الضّرار: إنّما بنيناه ليصلّي فيه أبو عامرٍ.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا} الآية، عمد ناسٌ من أهل النّفاق، فابتنوا مسجدًا بقباءٍ ليضاهوا به مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ بعثوا إلى رسول اللّه ليصلّي فيه. ذكر لنا أنّه دعا بقميصه ليأتيهم حتّى أطلعه اللّه على ذلك.
وأمّا قوله: {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله} فإنّه كان رجلاً يقال له أبو عامرٍ، فرّ من المسلمين فلحق بالمشركين فقتلوه بإسلامه، قال: إذا جاء صلّى فيه، فأنزل اللّه: {لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى} الآية.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} هم ناسٌ من المنافقين بنوا مسجدًا بقباءٍ يضارّون به نبيّ اللّه والمسلمين. {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله} كانوا يقولون: إذا رجع أبو عامرٍ من عند قيصر من الرّوم صلّى فيه. وكانوا يقولون: إذا قدم ظهر على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل} قال: مسجد قباءٍ، كانوا يصلّون فيه كلّهم، وكان رجلٌ من رؤساء المنافقين، يقال له أبو عامرٍ أبو حنظلة غسيل الملائكة، وصيفيّ وأخيه، وكان هؤلاء الثّلاثة من خيار المسلمين. فخرج أبو عامرٍ هاربًا هو وابن بالين من ثقيفٍ وعلقمة بن علاثة من قيسٍ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى لحقوا بصاحب الرّوم. فأمّا علقمة وابن بالين فرجعا فبايعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأسلما، وأمّا أبو عامرٍ فتنصّر وأقام. قال: وبنى ناسٌ من المنافقين مسجد الضّرار لأبي عامرٍ، قالوا: حتّى يأتي أبو عامرٍ يصلّي فيه.
{وتفريقًا بين المؤمنين}: يفرّقون بين جماعتهم؛ لأنّهم كانوا يصلّون جميعًا في مسجد قباءٍ. وجاءوا يخدعون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه ربّما جاء السّيل يقطع بيننا وبين الوادي ويحول بيننا وبين القوم فنصلّي في مسجدنا فإذا ذهب السّيل صلّينا معهم قال: وبنوه على النّفاق. قال: وانهار مسجدهم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: وألقى النّاس عليه النّتن والقمامة. فأنزل اللّه: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين} لئلاّ يصلّي في مسجد قباءٍ جميع المؤمنين، {وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل} أبي عامرٍ، {وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن أبي جعفرٍ، عن ليثٍ: أنّ شقيقًا، لم يدرك الصّلاة في مسجد بني عامرٍ، فقيل له: مسجد بني فلانٍ لم يصلّوا بعد فقال: لا أحبّ أن أصلّي فيه فإنّه بني على ضرارٍ، وكلّ مسجدٍ بني ضرارًا أو رياءً أو سمعةً فإنّ أصله ينتهي إلى المسجد الّذي بني على ضرارٍ). [جامع البيان: 11/673-680]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلّا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون (107)
قوله تعالى: والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارا وهم أناسٌ من الأنصار ابتنوا مسجدًا فقال لهم أبو عامرٍ: ابنوا مسجدكم واستمدّوا بما استطعتم من قوّةٍ وسلاحٍ فإنّي ذاهبٌ إلى قيصر ملك الرّوم فآتي بجندٍ من الرّوم، فأخرج محمّدًا وأصحابه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا: المنافقون.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن أيّوب عن سعيد بن جبيرٍ قوله: والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا قال: هم حيّ يقال لهم: بنو غنمٍ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ الأشجّ ثنا المحاربيّ عن جويبرٍ عن الضّحّاك والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا قال: هم ناسٌ من الأنصار ابتنوا مسجدًا قريبًا من مسجد قباءٍ، ومسجد قباءٍ بلغنا أنّه أوّل مسجدٍ بني في الإسلام.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا شعيد بن بشيرٍ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: اتّخذوا مسجدًا ضرارًا أنّ نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بنى مسجدًا بقباء فعارضه المنافقون بآخر، ثمّ بعثوا إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي فيه، ودعا بقميصه ليأتيهم فأطلع اللّه نبيّه على ذلك.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا أمّا ضرارًا: فضاروا أهل قباءٍ، بالمسجد الّذي بنى لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا قال: لمّا بنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسجد قباءٍ خرج رجالٌ من الأنصار منهم بحزجٌ جدّ عبد اللّه بن حنيفٍ ووديعة بن خذامٍ ومجمّع بن جارية الأنصاري فبنوا مسجد النفاق فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لبحزجٍ: ويلك يا بحزج ما أردت إليّ ما أرى؟
قال: يا رسول اللّه، واللّه ما أردت إلا الحسنى وهو كاذبٌ، فصدّقه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- وأراد أن يعذره، فأنزل اللّه والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال محمّد: ونزل فيهم من القرآن ما نزل والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وكان الّذين بنوا اثني عشر رجلا: خذام بن خالدٍ من بني عبيد بن زيدٍ أحد بني عمرو بن عوفٍ ومن داره أخرج مسجد الشّقاق، وثعلبة بن حاطبٍ من بني عبيدٍ وهزّال بن أميّة بن زيدٍ، ومعتب بن عشير من بني ضبيعة بن زيدٍ، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيدٍ، وعباد بن حنيف أخوا سهل بن حنيفٍ من بني عمرو بن عوفٍ، وجارية بن عامرٍ وابناه: مجمّع بن جارية وزيد بن جارية، ونبتل بن الحارث وهو من بني ضبيعة وبحزج ووديعة بن ثابت وهو إلىء بني أميّة رهط أبي لبابة بن عبد المنذر.
قوله تعالى: وتفريقًا بين المؤمنين.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا أبو العبّاس الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: وتفريقًا بين المؤمنين قال: فإنّ أهل قباءٍ كانوا يصلّون في مسجد قباءٍ كلّهم، فلمّا بني ذلك أقصر عن مسجد قباءٍ من كان يحضره وصلّوا فيه.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ ابن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: وتفريقًا بين المؤمنين: يفرقون جماعتهم لأنّهم كانوا يصلّون جميعًا في مسجد قباء لئلا يصلوا في مسجد قباءٍ جميع المؤمنين.
قوله تعالى: وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق ، عن معمرٍ عن الزّهريّ عن عروة بن الزّبير: وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل أبو عامرٍ الرّاهب، انطلق إلى الشّام فقال الّذين بنوا مسجد الضّرار: إنّما بنيناه ليصلّي فيه أبو عامرٍ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله يعني: رجلا يقال له أبو عامرٍ، كان محاربًا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكان قد انطلق إلى هرقل، فكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامرٍ أن يصلّي فيه وكان قد خرج من المدينة محاربًا للّه ولرسوله.
قوله تعالى: وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون.
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون قال: لمّا بنى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- مسجد قباءٍ خرج رجالٌ من الأنصار، منهم: بحزجٌ جدّ عبد اللّه بن حنيفٍ، ووديعة بن خذامٍ، ومجمّع بن جارية الأنصاريّ، فبنوا مسجد النّفاق، فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- لبحزجٍ: ويلك يا بحزج ما أردت إليّ ما أرى؟ قال: يا رسول اللّه، واللّه ما أردت إلا الحسنى وهو كاذبٌ فصدّقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأراد أن يعذره، فأنزل اللّه تعالى وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامرٌ عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى فحلفوا ما أرادوا به إلا الخير). [تفسير القرآن العظيم: 6/1878-1881]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد والذين اتخذوا مسجدا ضرارا قال لهم المنافقون وإرصادا لمن حارب الله ورسوله يعني أبا عامر الراهب). [تفسير مجاهد: 286]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا عبد العزيز بن المختار، (حدّثني طلق) بن حبيبٍ، قال سمعت جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما، يقول: لقد رأيت الدّخان في مسجد الضّرار حيث انهار). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/706]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 107.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} قال: هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فأتي بجنده من الروم فأخرج محمدا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة، فأنزل الله {لا تقم فيه أبدا}.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء خرج رجال من الأنصار منهم يخدج جد عبد الله بن حنيف ووديعة بن حزام ومجمع بن جارية الأنصاري فبنوا مسجد النفاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدج ويلك يا يخدج، ما أردت إلى ما أرى قال: يا رسول الله والله ما أردت إلا الحسنى - وهو كاذب - فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يعذره فأنزل الله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله} يعني رجلا يقال له أبو عامر كان محاربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد انطلق إلى هرقل وكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه وكان قد خرج من المدينة محاربا لله ولرسوله
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال ذكر أن بني عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فيصلي في مسجدهم فأتاهم فصلى فيه فلما رأوا ذلك إخوتهم بنو غنم بن عوف حسدوهم فقالوا: نبني نحن أيضا مسجدا كما بنى إخواننا فنرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه ولعل أبا عامر أن يمر بنا فيصلي فيه فبنوا مسجدا فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فيصلي في مسجدهم كما صلى في مسجد إخوتهم فلما جاء الرسول قام ليأتيهم أو هم ليأتيهم فأنزل الله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} إلى قوله {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {والذين اتخذوا مسجدا} قال: المنافقون، وفي قوله {وإرصادا لمن حارب الله ورسوله} قال: لأبي عامر الراهب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم بنى مسجدا بقباء فعارضه المنافقون بآخر ثم بعثوا إليه ليصلي فيه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وأخرج ابن إسحاق، وابن مردويه عن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم فقال: مالك لعاصم أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل على أهله فأخذ سعفات من نار ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وخرج أهله فتفرقوا عنه فأنزل الله في شأن المسجد {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا} إلى قوله {عليم حكيم}.
وأخرج ابن إسحاق، وابن مردويه عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري - وكان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة - قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان بنى مسجد الضرار فأتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، قال: إني على جناح سفر ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي أحد بلعجلان فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فأهدماه وأحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم هط مالك بن الدخشم فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك، فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرج يشتدان وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه وفيهم نزل من القرآن ما نزل {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا} إلى أخر القصة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {والذين اتخذوا مسجدا} قال: هم ناس من الأنصار ابتنوا مسجدا قريبا من مسجد قباء بلغنا أنه أول مسجد بني في الإسلام.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق قال: كان الذين بنوا مسجد الضرار اثني عشر رجلا، جذام بن خالد بن عبيد بن زيد وثعلبة بن حاطب وهزال بن أمية ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف وجارية بن عامر وأبناء محمع وزيد ونبتل بن الحارث ويخدج بن عثمان ووديعة بن ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} قال: ضاروا أهل قباء {وتفريقا بين المؤمنين} قال: فإن أهل قباء كانوا يصلون في مسجد قباء كلهم فلما بني ذلك أقصر من مسجد قباء من كان يحضره وصلوا فيه {وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى} فحلفوا ما أرداوا به إلا الخير، أما قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى، وابن جرير وابن
المنذر، وابن أبي حاتم، وابن خزيمة، وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال: اختلف رجلان رجل من بني خدرة وفي لفظ: تماريت أنا ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال الخدري: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال العمري: هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا المسجد لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: في ذلك خير كثير يعني مسجد قباء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو يعلى، وابن حبان والطبراني والحاكم في الكنى، وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: هو مسجد قباء، فأتيا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال هو مسجدي هذا
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن المنذر وأبو الشيخ، وابن مردويه والخطيب والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدي هذا.
وأخرج الطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدي هذا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه والطبراني من طريق عروة عن زيد بن ثابت قال: المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال عروة: مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم خير منه إنما أنزلت في مسجد قباء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه عن ابن عمر قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الزبير بن بكار، وابن جرير، وابن المنذر من طريق عثمان بن عبيد الله عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت قالوا: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجد المدينة الأعظم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {لمسجد أسس على التقوى} يعني مسجد قباء.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {لمسجد أسس على التقوى} قال: هو مسجد قباء.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم وصححه، وابن ماجة عن أسيد بن ظهيرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدة قباء كعمرة قال الترمذي: لا نعرف لأسيد بن ظهيرة شيء يصح غير هذا الحديث.
وأخرج ابن سعد عن ظهير بن رافع الحارثي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من صلى في قباء يوم الإثنين والخميس انقلب بأجرة عمرة.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الإختلاف إلى قباء راكبا وماشيا.
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي، وابن ماجة عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فيصلي فيه كان كعدل عمرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين، أنه كان يرى كل مسجد بني بالمدينة أسس على التقوى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمار الذهبي قال: دخلت مسجد قباء أصلي فيه فأبصرني أبو سلمة فقال: أحببت أن تصلي في مسجد أسس على التقوى من أول يوم، فأخبرني أن ما بين الصومعة إلى القبلة زيادة زادها عثمان). [الدر المنثور: 7/522-530]

تفسير قوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني سليمان بن بلال عن جعفر بن ربيعة [ .... نزلت] في أهل قباء: {فيه رجالٌ يحبون [أن يتطهروا والله يحب المطهرين]}، وكانوا [ .... .). [الجامع في علوم القرآن: 2/47]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني اللّيث عن عمران بن أبي أنسٍ عن ابن أبي سعيدٍ الخدريّ عن أبيه أنّه قال: تمارا رجلان في المسجد الّذي {أسّس على التّقوى من أول يومٍ}، فقال رجلٌ: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللّه؛ فقال رسول اللّه: هو مسجدي هذا). [الجامع في علوم القرآن: 2/63-64]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة ابن زيد بن ثابتٍ أنّ أباه كان يقول: المسجد الّذي ذكر اللّه في القرآن أنّه {أسس على التقوى من أول يومٍ}، هو مسجد رسول اللّه). [الجامع في علوم القرآن: 2/64]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني سحبل بن محمّد بن أبي يحيى قال: سمعت عمّي أنيس بن أبي يحيى يحدّث [عن أبيه] عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّه قال: قال رسول اللّه: المسجد الّذي {أسّس على التّقوى}، [هو مسجدي هذا]، يعني مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [الجامع في علوم القرآن: 2/64]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال لما نزلت فيه رجال يحبون أن يتطهروا قال النبي يا معشر الأنصار ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم فيه قالوا إنا لنستطيب بالماء إذا جئنا من الغائط). [تفسير عبد الرزاق: 1/288]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (108) : قوله تعالى: {لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه... } الآية]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن أبي الزّناد، عن خارجة بن زيدٍ، قال: المسجد الّذي أسّس على التّقوى، قال: ذاك مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهني، قال: دخلت مسجد قباء أصلّي فيه، فالتفتّ عن يميني فأبصرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، فقال: أحببت أن تصلّي في المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أول يوم؟). [سنن سعيد بن منصور: 5/274-275]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا اللّيث، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّه قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، فقال رجلٌ: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: هو مسجدي هذا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ من حديث عمران بن أبي أنسٍ وقد روي هذا عن أبي سعيدٍ من غير هذا الوجه، ورواه أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ). [سنن الترمذي: 5/131]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن العلاء أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، قال: حدّثنا يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم.
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وفي الباب عن أبي أيّوب، وأنس بن مالكٍ، ومحمّد بن عبد الله بن سلامٍ). [سنن الترمذي: 5/131-132]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا اللّيث، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن ابن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّه قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، فقال رجلٌ: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هو مسجدي هذا»
- أخبرني زكريّا بن يحيى، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن أبي الزّناد، عن خارجة بن زيدٍ، عن أبيه، قال: «المسجد الّذي أسّس على التّقوى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/119-120]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يّحبّون أن يتطهّروا والله يحبّ المطّهّرين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تقم يا محمّد في المسجد الّذي بناه هؤلاء المنافقون ضرارًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله. ثمّ أقسم جلّ ثناؤه فقال: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم} أنت فيه.
يعني بقوله: {أسّس على التّقوى} ابتدئ أساسه وأصله على تقوى اللّه وطاعته من أوّل يومٍ ابتدئ في بنائه {أحقّ أن تقوم فيه} يقول: أولى أن تقوم فيه مصلّيًا.
وقيل: معنى قوله: {من أوّل يومٍ} مبدأ أوّل يومٍ كما تقول العرب: لم أره من يوم كذا، بمعنى مبدؤه، ومن أوّل يومٍ يراد به من أوّل الأيّام، كقول القائل: لقيت كلّ رجلٍ، بمعنى كلّ الرّجال.
واختلف أهل التّأويل في المسجد الّذي عناه بقوله: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ} فقال بعضهم: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي فيه منبره وقبره اليوم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إبراهيم بن طهمان، عن عثمان بن عبيد اللّه، قال: أرسلني محمّد بن أبي هريرة إلى ابن عمر أسأله عن المسجد الّذي، أسّس على التّقوى، أيّ مسجدٍ هو؟ مسجد المدينة، أو مسجد قباءٍ؟ قال: لا، مسجد المدينة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا القاسم بن عمرٍو العنقزيّ، عن الدّراورديّ، عن عثمان بن عبيد اللّه، عن ابن عمر، وزيد بن ثابتٍ، وأبي سعيدٍ، قالوا: المسجد الّذي أسّس على التّقوى: مسجد الرّسول.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ربيعة بن عثمان، عن عثمان بن عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، قال: سألت ابن عمر عن المسجد الّذي أسّس على التّقوى؟ قال: هو مسجد الرّسول.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن أبي الزّناد، عن خارجة بن زيدٍ، عن زيدٍ، قال: هو مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن ذكوان، عن أبيه، عن خارجة بن زيدٍ، عن زيدٍ، قال: هو مسجد الرّسول.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أسامة بن زيدٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ، عن أبيه، قال: المسجد الّذي أسّس على التّقوى: هو مسجد النّبيّ الأعظم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا حميدٌ الخرّاط المدنيّ، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرّحمن، قال: مرّ بي عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ، فقلت: كيف سمعت أباك يقول في المسجد الّذي أسّس على التّقوى؟ فقال لي: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدخلت عليه في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول اللّه، أيّ مسجدٍ الّذي أسّس على التّقوى؟ قال: فأخذ كفًّا من حصباء فضرب به الأرض، ثمّ قال: هو مسجدكم هذا هكذا سمعت أباك يذكره.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا داود، عن سعيد بن المسيّب، قال: إنّ المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، هو مسجد المدينة الأكبر.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، قال: قال سعيد بن المسيّب، فذكر مثله، إلاّ أنّه قال: الأعظم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيّب، قال: هو مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزّناد، عن خارجة بن زيدٍ قال: أحسبه عن أبيه قال: مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي أسّس على التّقوى.
وقال آخرون: بل عني بذلك مسجد قباءٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ} يعني مسجد قباءٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، نحوه.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ} هو مسجد قباءٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن صالح بن حيّان، عن ابن بريدة، قال: مسجد قباءٍ الّذي أسّس على التّقوى، بناه نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: المسجد الّذي أسّس على التّقوى: مسجد قباءٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، الّذين بني فيهم المسجد الّذي أسّس على التّقوى، بنو عمرو بن عوفٍ.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصّواب قول من قال: هو مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لصحّة الخبر بذلك عن رسول اللّه.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قال أبو كريبٍ: حدّثنا وكيعٌ، وقال ابن وكيعٍ، حدّثنا أبي، عن ربيعة بن عثمان التّيميّ، عن عمران بن أبي أنسٍ، رجلٍ من الأنصار، عن سهل بن سعدٍ، قال: اختلف رجلان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال أحدهما: هو مسجد النّبيّ؛ وقال الآخر: هو مسجد قباءٍ. فأتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألاه، فقال: هو مسجدي هذا.
اللّفظ لحديث أبي كريبٍ، وحديث سفيان نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، عن عبد اللّه بن عامرٍ الأسلميّ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سهل بن سعدٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال: مسجدي هذا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرني ابن وهبٍ، قال: ثني اللّيث، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن ابن أبي سعيدٍ، عن أبيه، قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، فقال رجلٌ: هو مسجد قباءٍ، وقال آخر: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه: هو مسجدي هذا.
- حدّثني بحر بن نصرٍ الخولانيّ، قال: قرئ على شعيب بن اللّيث، عن أبيه، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: تمارى رجلان، فذكر مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: ثني سحبل بن محمّد بن أبي يحيى، قال: سمعت عمّي، أنيس بن أبي يحيى يحدّث، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: المسجد الّذي أسّس على التّقوى مسجدي هذا، وفي كلٍّ خيرٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: ثني الحمّانيّ، قال: حدّثنا عبد العزيز، عن أنيسٍ، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ: أنّ رجلاً من بني خدرة، ورجلاً من بني عمرو بن عوفٍ امتريا في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال الخدريّ: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال العوفيّ: هو مسجد قباءٍ، فأتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وسألاه، فقال: هو مسجدي هذا، وفي كلٍّ خيرٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}.
يقول تعالى ذكره: في حاضري المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ رجالٌ يحبّون أن ينظّفوا مقاعدهم بالماء إذا أتوا الغائط واللّه يحبّ المتطهّرين بالماء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا همّام بن يحيى، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، قال: لمّا نزل: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الطّهور الّذي أثنى اللّه عليكم؟ قالوا: يا رسول اللّه نغسل أثر الغائط.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأهل قباءٍ: إنّ اللّه قد أحسن عليكم الثّناء في الطّهور، فما تصنعون؟ قالوا: إنّا نغسل عنّا أثر الغائط والبول.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: لمّا نزلت: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار ما هذا الطّهور الّذي أثنى اللّه عليكم فيه؟ قالوا: إنّا نستطيب بالماء إذا جئنا من الغائط.
- حدّثني جابر بن الكرديّ، قال: حدّثنا محمّد بن سابقٍ، قال: حدّثنا مالك بن مغولٍ، عن سيّار أبي الحكم، عن شهر بن حوشبٍ، عن محمّد بن عبد اللّه بن سلامٍ، قال: قام علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ألا أخبروني، فإنّ اللّه قد أثنى عليكم بالطّهور خيرًا فقالوا: يا رسول اللّه إنّا نجد عندنا مكتوبًا في التّوراة الاستنجاء بالماء.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن رافعٍ، عن مالك بن مغولٍ، قال: سمعت سيّارًا أبا الحكم غير مرّةٍ، يحدّث عن شهر بن حوشبٍ، عن محمّد بن عبد اللّه بن سلاّمٍ، قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أهل قباءٍ قال: إنّ اللّه قد أثنى عليكم بالطّهور خيرًا، يعني قوله: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} قالوا: إنّا نجده مكتوبًا عندنا في التّوراة: الاستنجاء بالماء.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن رافعٍ، قال: حدّثنا مالك بن مغولٍ، عن سيّارٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن محمّد بن عبد اللّه بن سلاّمٍ، قال يحيى: ولا أعلمه إلاّ عن أبيه قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأهل قباءٍ: إنّ اللّه قد أثنى عليكم في الطّهور خيرًا قالوا: إنّا نجده مكتوبًا علينا في التّوراة: الاستنجاء بالماء. وفيه نزلت: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا}.
- حدّثني عبد الأعلى بن واصلٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن صبيحٍ اليشكريّ، قال: حدّثنا أبو أويسٍ المدنيّ، عن شرحبيل بن سعدٍ، عن عويم بن ساعدة، وكان، من أهل بدرٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأهل قباءٍ: إنّي أسمع اللّه قد أثنى عليكم الثّناء في الطّهور، فما هذا الطّهور؟ قالوا: يا رسول اللّه ما نعلم شيئًا إلاّ أنّ جيرانًا لنا من اليهود رأيناهم يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا محمّد بن سعيدٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ، عن شرحبيل بن سعدٍ، قال: سمعت خزيمة بن ثابتٍ، يقول: نزلت هذه الآية: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قال: كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي ليلى، عن عامرٍ، قال: كان ناسٌ من أهل قباءٍ يستنجون بالماء، فنزلت: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا شبابة بن سوّارٍ، عن شعبة، عن مسلمٍ القرّيّ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: أصبّ على رأسي؟ - وهو محرمٌ - قال: ألم تسمع اللّه يقول: {" إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، قال: لمّا نزلت: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأهل قباءٍ ما هذا الّذي أثنى اللّه عليكم؟ قالوا: ما منّا من أحدٍ إلاّ وهو يستنجي من الخلاء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن عبد الحميد المدنيّ، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعويم بن ساعدة: ما هذا الّذي أثنى اللّه عليكم {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قال: نوشك أن نغسل الأدبار بالماء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ، عن حصينٍ، عن موسى بن أبي كثيرٍ، قال: بدء حديث هذه الآية في رجالٍ من الأنصار من أهل قباءٍ: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} فسألهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: نستنجي بالماء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أصبغ بن الفرج، قال أخبرني ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن أبي الزّناد، قال: أخبرني عروة بن الزّبير، عن عويم بن ساعدة، من بني عمرو بن عوفٍ، ومعن بن عديٍّ من بني العجلان، وأبي الدّحداح، فأمّا عويم بن ساعدة، فهو الّذي بلغنا أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الّذين قال اللّه فيهم: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نعم الرّجال منهم عويم بن ساعدة لم يبلغنا أنّه سمّى منهم رجلاً غير عويمٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشام بن حسّان، قال: حدّثنا الحسن، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما هذا الّذي ذكركم اللّه به في أمر الطّهور، فأثنى به عليكم؟ قالوا: نغسل أثر الغائط والبول.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مالك بن مغولٍ، قال: سمعت سيّارًا أبا الحكم يحدّث عن شهر بن حوشبٍ، عن محمّد بن عبد اللّه بن سلاّمٍ، قال: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، أو قال: قدم علينا رسول اللّه فقال: إنّ اللّه قد أثنى عليكم في الطّهور خيرًا أفلا تخبروني؟ قالوا: يا رسول اللّه، إنّا نجد علينا مكتوبًا في التّوراة: الاستنجاء بالماء قال مالكٌ: يعني قوله: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا}.
- حدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} سألهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما طهوركم هذا الّذي ذكر اللّه؟ قالوا: يا رسول اللّه كنّا نستنجي بالماء في الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام لم ندعه؛ قال: فلا تدعوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: كان في مسجد قباءٍ رجالٌ من الأنصار يوضّئون سفلتهم بالماء يدخلون النّخل، والماء يجري، فيتوضّئون. فأثنى اللّه بذلك عليهم، فقال: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} الآية.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، قال: أحدث قومٌ الوضوء بالماء من أهل قباءٍ، فنزلت فيهم: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}.
وقيل: {واللّه يحبّ المطّهّرين} وإنّما هو المتطهّرين، ولكن أدغمت التّاء في الطّاء، فجعلت طاءٌ مشدّدةٌ لقرب مخرج إحداهما من الأخرى). [جامع البيان: 11/681-693]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108)
قوله تعالى: لا تقم فيه أبدًا.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالح بن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: فلمّا فرغوا من مسجدهم أتوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحبّ أن تصلّي فيه وتدعو بالبركة، فأنزل اللّه: لا تقم فيه أبدًا
قوله تعالى: لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أول يوم آية 108.
[الوجه الأول]
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأنا أنس بن عياضٍ عن أنس بن أبي يحيى مولى الأسلميّين قال: سمعت أبي يحدّث عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رجلا من بني خدرة، ورجلا من بني عوفٍ إمتريا في المسجد الّذي أسّس على التّقوى فقال العوفيّ: هو مسجدنا بقباءٍ، وقال الخدريّ: هو هذا المسجد، مسجد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فسألاه عن ذلك، فقال: هو هذا المسجد، مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي ذلك خيرٌ كثيرٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: لمسجدٌ أسّس على التّقوى يعني: مسجد قباءٍ أحقّ أن تقوم فيه
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ ثنا عبيدة بن حميدٍ حدّثني عمّارٌ الدّهنيّ قال: دخلت مسجد قباءٍ أصلّي فيه، فالتفت عن يميني فأبصرني أبو سلمة فقال: أحببت أن تصلّي في مسجدٍ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ؟ قال عمّارٌ: فأخبرني أنّ ما بين الصّومعة إلى القبلة زيادةٌ زادها عثمان، وروي عن عروة بن الزّبير وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك وعطيّة وابن بريدة وقتادة وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن سعيد بن الوليد الخزاعيّ ثنا الحسن بن عبد الرّحمن بن العريان الحارثيّ عن ابن عونٍ عن محمّدٍ: أنّه كان يرى كلّ مسجدٍ بني بالمدينة أسّس على التّقوى.
قوله تعالى: فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً أخبرني محمّد بن شعيبٍ ثنا عتبة بن أبي حكيمٍ ثنا طلحة بن نافعٍ ثنا أبو أيّوب الأنصاريّ وجابر بن عبد اللّه وأنس بن مالكٍ الأنصاريّ: أنّ هذه الآية لمّا نزلت فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهروا والله يحب المطهرين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار، إنّ اللّه قد أثنى عليكم خيرًا، فما طهوركم هذا؟ قالوا: يا رسول اللّه، نتوضّأ للصّلاة، ونغتسل من الجنابة، فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فهل مع ذلك غيره؟
قالوا لا، غير أنّ أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحبّ أن يستنجي بالماء، قال: هو ذاك فعليكموه.
- حدّثنا أبو البرداد عبد اللّه بن عبد السّلام المصريّ ثنا وهب اللّه بن راشدٍ عن يونس قال: قال أبو الزّناد: أخبرني عروة عن عويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوفٍ فأمّا عويم بن ساعدة: فهو الّذي بلغنا أنّه قال: يا رسول اللّه، من الّذين قال اللّه عزّ وجلّ: فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطهرين؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نعم القوم منهم عويم بن ساعدة.
- حدّثنا أبي ثنا ضرار بن صردٍ ثنا عبد الرّحيم بن سليمان عن واصل بن السّائب الرّقاشيّ عن أبي سورة عن عمّه أبي أيّوب الأنصاريّ قال: قيل: يا رسول الله من الذين ذكر الله فيهم رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين؟ قال: كانوا يستنجون بالماء.
قوله تعالى: واللّه يحب المطهرين.
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ ثنا أبو داود الحفريّ عن سفيان عن طلحة بن عمرٍو عن عطاءٍ في قوله: يحبّ المطهرين قال: المتطهّرين بالماء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة عن عوفٍ عن أبي المنهال قال: كنت عند أبي العالية فتوضّأ أو توضّأت، فقلت: إنّ اللّه يحبّ المتطهّرين فقال: إنّ الطّهور بالماء لحسنٌ، ولكنّهم المتطهّرون من الذّنوب.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا سليمان بن داود القزّاز ثنا أبو داود ثنا إبراهيم بن نافعٍ عن سليمان مولى أمّ عليٍّ عن مجاهدٍ قال: من فعله فليس من المتطهّرين، يعني: من أتى امرأته في دبرها.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا سهل بن زنجلة ثنا أبو يحيى التّيميّ عن الأعمش في قوله: واللّه يحبّ المطّهّرين قال: التّوبة من الذّنب، والمتطهّر من الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1881-1883]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن صالح بن هانئٍ وأبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن دينارٍ قالا: ثنا أحمد بن محمّد بن نصرٍ، ثنا أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، ثنا عبد اللّه بن عامرٍ الأسلميّ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سهل بن سعدٍ السّاعديّ، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، قال: سئل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن المسجد الّذي أسّس على التّقوى، قال: «هو مسجدي هذا» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه " وشاهده حديث أبي سعيدٍ الخدريّ أصحّ منه
- حدّثناه أبو بكر بن إسحاق، أنبأ موسى بن إسحاق الأنصاريّ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيعٌ، ثنا أسامة بن زيدٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن أبيه رضي اللّه عنه، أنّه قال: «المسجد الّذي أسّس على التّقوى، مسجد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم»
- أخبرناه أبو جعفرٍ أحمد بن عبيد بن إبراهيم الحافظ بهمدان، ثنا عمير بن مرداسٍ، ثنا مطرّف بن عبد اللّه، ثنا سحبلٌ عبد اللّه بن محمّد بن أبي يحيى، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: تلاحى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال أحدهما: هو مسجد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقال الآخر: هو مسجد قباء فتساوقا إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن ذلك فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «المسجد الّذي أسّس على التّقوى هو مسجدي هذا»). [المستدرك: 2/364]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أحمد بن محمّد بن سلمة العنبريّ، ثنا عثمان بن سعيدٍ الدّارميّ، ثنا هشام بن عمّارٍ السّلميّ، ثنا صدقة بن خالدٍ، عن عتبة بن أبي حكيمٍ، حدّثني طلحة بن نافعٍ، حدّثني أبو أيّوب الأنصاريّ، وجابر بن عبد اللّه، وأنس بن مالكٍ رضي اللّه عنهم، أنّ هذه الآية لمّا نزلت {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} [التوبة: 108] قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار، إنّ اللّه قد أثنى عليكم في الطّهور خيرًا، فما طهوركم هذا؟» قالوا: نتوضّأ للصّلاة، ونغتسل من الجنابة، ونستنجي بالماء " قال: هو ذاك فعليكم به «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/365]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) - أبو هريرة- رضي الله عنه-: قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهروا والله يحبّ المطّهّرين} [التوبة: 108] قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم. أخرجه الترمذي وأبو داود). [جامع الأصول: 2/170]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى} [التوبة: 108].
- عن سهل بن سعدٍ قال: «اختلف رجلان على عهد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال أحدهما: هو مسجد الرّسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - وقال الآخر: هو مسجد قباءٍ. فأتيا النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم -، فسألاه، فقال: " هو مسجدي هذا.
- وفي روايةٍ: كان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا سئل عن المسجد الّذي أسّس على التّقوى قال: " هو مسجدي».
رواه كلّه أحمد والطّبرانيّ باختصارٍ، ورجالهما رجال الصّحيح.
- وعن زيد بن ثابتٍ «أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - سئل عن المسجد الّذي أسّس على التّقوى قال: " هو مسجدي هذا».
رواه الطّبرانيّ مرفوعًا وموقوفًا، وفي إسناد المرفوع عبد اللّه بن عامرٍ الأسلميّ هو ضعيفٌ، وأحد إسنادي الموقوف رجاله رجال الصّحيح، وزاد في الطّريق الآخر: قال عروة - يعني ابن الزّبير -: مسجد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - خيرٌ منه، إنّما أنزلت في مسجد قباءٍ. قلت: إنّما قال عروة هذا لأنّه لم يطّلع على المرفوع، واللّه أعلم). [مجمع الزوائد: 7/34]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} [التوبة: 108].
- عن ابن عبّاسٍ قال: «لمّا نزلت هذه الآية {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} [التوبة: 108] بعث رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إلى عويم بن ساعدة، فقال: " ما هذا الطّهور الّذي أثنى اللّه عليكم؟ ". فقالوا: يا رسول اللّه، ما خرج منّا رجلٌ ولا امرأةٌ من الغائط إلّا غسل فرجه - أو قال: مقعدته - فقال النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " هو هذا».
رواه الطّبرانيّ، وفيه ابن إسحاق وهو مدلّسٌ، وبقيّة رجاله وثّقوا. وقد تقدّمت أحاديث في الطّهارة من هذا النّحو). [مجمع الزوائد: 7/34]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو بكر بن أبي شيبة: وثنا عبد الرّحيم بن سليمان، عن واصل بن السّائب الرّقاشيّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن أبي سورة، عن عمّه أبي أيّوب قال: "قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من هؤلاء الّذين قال فيهم: (رجالٌ يحبّون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) ؟ قال؟ كانوا يستنجون بالماء وكانوا لا ينامون اللّيل كلّه".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؟ لضعف التّابعيّ أبي سورة، قال يحيى بن معينٍ: ضعيفٌ. قال البخّاريّ: منكر الحديث، يروي عن أبي أيّوب مناكير لا يتابع عليها. وقال السّاجيّ: منكر الحديث. وقال التّرمذيّ: ضعيفٌ في الحديث. وذكره ابن حبّان في الثّقات، وقال الدّارقطنيّ: مجهولٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/217]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو بكرٍ: حدثنا عبد الرّحيم بن سليمان، عن واصل بن السّائب الرّقاشيّ، عن عطاء ابن أبي رباحٍ، وعن أبي سورة، عن عمّه أبي أيّوب رضي الله عنه، قال: قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من هؤلاء الّذين قال فيهم: {رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قال صلّى اللّه عليه وسلّم: كانوا يستنجون بالماء، وكانوا لا ينامون اللّيل كلّه.
أبو سورة ضعيفٌ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/689]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 108.
أخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أنزلت هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة قال ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم فقالوا: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو قال: مقعدته، فقال النّبيّ: هو هذا.
وأخرج أحمد، وابن خزيمة والطبراني والحاكم، وابن مردويه عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا.
وأخرج ابن ماجة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الجارود في المنتقي والدارقطني والحاكم، وابن مردويه، وابن عساكر عن طلحة بن نافع قال: حدثني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك رضي الله عنهم أن هذه الآية لما نزلت {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال: فهل مع ذلك غيره قالوا: لا غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء، قال: هو ذاك فعليكموه.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجمع بن يعقوب بن مجمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم فقالوا: نغسل الأدبار.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه، وابن جرير والبغوي في معجمه والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن محمد بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الذي أسس على التقوى فقال إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني يعني قوله {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}
فقالوا: يا رسول الله إنا لنجد مكتوبا في التوراة الاستنجاء بالماء ونحن نفعله اليوم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء ما هذا الثناء الذي أثنى الله عليكم قالوا: ما منا أحد إلا وهو يستنجي بالماء من الخلاء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه أن هذه الآية نزلت في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء ما هذا الطهور الذي خصصتم به في هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قالوا: يا رسول الله ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته.
وأخرج عبد الرزاق، وابن مردويه عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أهل قباء فقال: إن الله قد أثنى عليكم فقالوا: إنا نستنجي بالماء، فقال: إنكم قد أثنى عليكم فدوموا.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: أحدث قوم الوضوء بالماء من أهل قباء فأنزلت فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن خزيمة بن ثابت قال: كان رجال منا إذا خرجوا من الغائط يغسلون أثر الغائط فنزلت فيهم هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذي قال الله فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قال: كانوا يستنجون بالماء وكانوا لا ينامون الليل كله وهم على الجنابة.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه من طريق عروة بن الزبير أن عويم بن ساعدة قال: يا رسول الله من الذين قال الله فيهم {رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم القوم منهم عويم بن ساعدة ولم يبلغنا أنه سمى رجلا غير عويم.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم قالوا: نستنجي بالماء من البول والغائط:.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} الآية، قال سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طهورهم الذي أثنى الله به عليهم، قالوا: كنا نستنجي بالماء في الجاهلية فلما جاء الله بالإسلام لم ندعه، قال: فلا تدعوه.
وأخرج ابن مردويه من طريق يعقوب بن مجمع عن عبد الرحمن بن يزيد عن مجمع بن جارية عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية نزلت في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} وكانوا يغسلون أدبارهم بالماء.
وأخرج ابن سعد من طريق موسى بن يعقوب عن السري بن عبد الرحمن عن عباد بن حمزة، أنه سمع جابر بن عبد الله يخبر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة عويم بن ساعدة، قال موسى: وبلغني أنه لما نزلت {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منهم عويم أول من غسل مقعدته بالماء فيما بلغني
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل الخلاء إلا توضأ أو مس ماء.
وأخرج عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق الوليد بن سندر الأسلمي عن يحيى بن سهل الأنصاري عن أبيه، إن هذه الآية نزلت في أهل قباء كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} الآية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لبعض الأنصار: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قالوا: نستطيب بالماء إذا جئنا من الغائط). [الدر المنثور: 7/530-536]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (الشّفا: شفيرٌ، وهو حدّه، والجرف ما تجرّف من السّيول والأودية "، {هارٍ} [التوبة: 109] : " هائرٍ، يقال: تهوّرت البئر إذا انهدمت، وانهار مثله "). [صحيح البخاري: 6/64]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الشّفا الشّفير وهو حدّه في رواية الكشميهنيّ وهو حرفه قوله والجرف ما تجرّف من السّيول والأودية قال أبو عبيدة في قوله تعالى على شفا جرف الشّفا الشّفير والجرف ما لم يبن من الرّكايا قال والآية على التّمثيل لأنّ الّذي يبني على الكفر فهو على شفا جرفٍ وهو ما تجرّف من السّيول والأودية ولا يثبت البناء عليه قوله هارٍ هائرٍ تهوّرت البئر إذا انهدمت وانهار مثله قال أبو عبيدة في قوله تعالى هارٍ أي هائرٍ والعرب تنزع الياء الّتي في الفاعل وقيل لا قلب فيه وإنّما هو بمعنى ساقطٍ وقد تقدّم شيءٌ من هذا في آل عمران). [فتح الباري: 8/315]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الشّفا شفيٌ وهو حدّه
أشار به إلى قوله تعالى: {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار} (التّوبة: 109) فسر الشفا بقوله شفير، ثمّ قال: وهو حده أي: طرفه، وفي رواية الكشميهني وهو حرفه.
والجرف ما تجرّف من السّيول والأوديّة هار هائرٍ
أشار به إلى قوله تعالى: {شفا جرف هار} (التّوبة: 109) ثمّ فسره الجرف بقوله: ما تجرف من السّيول وهو الّذي ينحفر بالماء فيبقى واهيا، وفسّر قوله: هار، بقوله: هائر، يقال: تهورت البئر إذا انهدمت وانهار مثله، وفيه إشارة أيضا إلى أن لفظ: هار، مقلوب من هائر ومعلول إعلال قاض، وقيل: لا حاجة إليه بل أصله: هور وألفه ليست بألف فاعل وإنّما هي عينه وهو بمعنى: ساقط). [عمدة القاري: 18/256-257]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الشفا) بفتح الشين المعجمة والفاء مقصورًا يريد قوله تعالى: {على شفا جرف هار} [التوبة: 109] وفسر الشفا بقوله: (شفير) ولأبي ذر الشفير ثم قال: (وهو) أي الشفير (حده) بالدال بعد الحاء المهملتين وللكشميهني وهو حرفه أي جانبه.
(والجرف ما تجرف من السيول والأودية) أي يحفر بالماء فصار واهيًا.
({هار}) أي (هائر) يقال انهارت البئر إذا تهدمت. قال القاضي: وإنما وضع شفا الجرف وهو ما جرفه الوادي الهائر في مقابلة التقوى تمثيلاً لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ثم رشحه بانهياره به في النار ووضعه في مقابلة الرضوان تنبيهًا على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه عن النار ويوصله إلى رضوان الله تعالى ومقتضياته التي الجنة أدناها وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعدة ثم إن مصيرهم إلى النار لا محالة اهـ). [إرشاد الساري: 7/139-140]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم مّن أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {أفمن أسّس بنيانه} فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة: أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أمّن أسّس بنيانه على وجه ما لم يسمّ فاعله في الحرفين كليهما.
وقرأت ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه} على وصفٍ من بناء الفاعل الّذي أسّس بنيانه.
وهما قراءتان متّفقتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ؛ غير أنّ قراءته بتوجيه الفعل إلى من إذ كان هو المؤسّس أعجب إليّ.
فتأويل الكلام إذًا: أيّ هؤلاء الّذين بنوا المساجد خيرٌ أيّها النّاس عندكم، الّذين ابتدءوا بناء مسجدهم على اتّقاء اللّه بطاعتهم في بنائه، وأداء فرائضه ورضًا من اللّه لبنائهم ما بنوه من ذلك، وفعلهم ما فعلوه خيرٌ، أم الّذين ابتدءوا بناء مسجدهم على شفا جرفٍ هارٍ.
يعني بقوله: {على شفا جرفٍ} على حرف جرٍّ.
والجرف من الرّكيّ ما لم يبن له جولٌ.
{هارٍ} يعني متهوّرٌ، وإنّما هو هائرٌ ولكنّه قلب، فأخّرت ياؤها، فقيل هارٍ كما قيل: هو شاك السّلاح وشائك، وأصله من هار يهور فهو هائرٌ؛ وقيل: هو من هار يهار: إذا انهدم، ومن جعله من هذه اللّغة قال: هرت يا جرف؛ ومن جعله من هار يهور قال: هرت يا جرف.
وإنّما هذا مثلٌ، يقول تعالى ذكره: أيّ هذين الفريقين خيرٌ، وأيّ هذين البناءين أثبت، أمّن ابتدأ أساس بنائه على طاعة اللّه وعلم منه بأنّ بناءه للّه طاعةً واللّه به راضٍ، أم مّن ابتدأه بنفاقٍ وضلالٍ وعلى غير بصيرةٍ منه بصواب فعله من خطئه، فهو لا يدري متى يتبيّن له خطأ فعله وعظيم ذنبه فيهدمه، كما يأتي البناء على جرفٍ ركيّةً لا حابسٌ لماء السّيول عنها ولغيره من المياه ترى به التّراب متناثرًا لا تلبث السّيول أن تهدمه وتنثره؟
يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فانهار به في نار جهنّم} يعني فانتثر الجرف الهاري ببنائه في نار جهنّم.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، فانهار به قواعده في نار جهنّم.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فانهار به} يقول: فخرّ به.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه}، إلى قوله: {فانهار به في نار جهنّم} قال: واللّه ما تناهى أن وقع في النّار. ذكر لنا أنّه حفرت بقعةٌ منه فرئي منها الدّخان.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: بنو عمرو بن عوفٍ استأذنوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بنيانه، فأذن لهم ففرغوا منه يوم الجمعة فصلّوا فيه الجمعة ويوم السّبت ويوم الأحد. قال: وانهار يوم الإثنين. قال: وكان قد استنظرهم ثلاثًا: السّبت والأحد والإثنين، فانهار به في نار جهنّم، مسجد المنافقين انهار فلم يتناه دون أن وقع في النّار.
قال ابن جريجٍ: ذكر لنا أنّ رجالاً حفروا فيه، فأبصروا الدّخان يخرج منه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد اللّه الدّاناج، عن طلق بن حبيبٍ، عن جابرٍ، قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا} قال: رأيت المسجد الّذي بني ضرارًا يخرج منه الدّخان على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن مرزوقٍ البصريّ، قال: حدّثنا أبو سلمة، قال: حدّثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد اللّه الدّاناج، قال: ثني طلق العنزيّ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: رأيت الدّخان يخرج من مسجد الضّرار.
- حدّثني سلاّم بن سالمٍ الخزاعيّ، قال: حدّثنا خلف بن ياسين الكوفيّ، قال: حججت مع أبي في ذلك الزّمان يعني زمان بني أميّة فمررنا بالمدينة، فرأيت مسجد القبلتين يعني مسجد الرّسول وفيه قبلة بيت المقدس. فلمّا كان زمان أبي جعفرٍ، قالوا: يدخل الجاهل فلا يعرف القبلة، فهذا البناء الّذي يرون جرى على يد عبد الصّمد بن عليٍّ. ورأيت مسجد المنافقين الّذي ذكره اللّه في القرآن، وفيه حجرٌ يخرج منه الدّخان، وهو اليوم مزبلةٌ.
وقوله: {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} يقول: واللّه لا يوفّق للرشاد في أفعاله من كان بانيًا بناءه في غير حقّه وموضعه، ومن كان منافقًا مخالفًا بفعله أمر اللّه وأمر رسوله). [جامع البيان: 11/694-697]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (109)
قوله تعالى: أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خير.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير:
هذا مسجد قباءٍ.
قوله تعالى: أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ.
- حدّثنا أبي ثنا هارون بن زيد بن أبي الزّرقاء ثنا أبي ثنا عبد اللّه بن زيد بن أسلم عن أبيه في قول اللّه عزّ وجلّ: أفمن أسّس بنيانه قال: هذا مسجد قباءٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ قال: هذا مسجد الضّرار.
قوله تعالى: فانهار به في نار جهنّم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: فانهار به في نار جهنّم يعني: قواعده في نار جهنّم.
قوله تعالى: واللّه لا يهدي القوم الظّالمين.
- حدّثنا أبي حدّثنا المعلّى بن أسدٍ حدّثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد اللّه الدّاناج عن طلق بن حبيبٍ عن جابر بن عبد اللّه قال: رأيت الدّخان يخرج من مسجد الضّرار حين أنهار.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: فانهار به في نار جهنّم واللّه ما تناهى أن وقع في النّار وذكر لنا أنّه حفرت فيه بقعةٌ فرئي منها الدّخان.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامرٌ عن أسباطٍ عن السّدّيّ في قوله: فانهار به في نار جهنّم فمضى حين خسف به.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: وذكر سفيان بن عيينة: أنّه لا يزال منه دخانٌ يفور لقوله فانهار به في نار جهنّم ويقال: إنّه بقعةٌ من نار جهنّم.
قوله تعالى: واللّه لا يهدي القوم الظّالمين.
تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 6/1883-1884]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 109
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير} قال: هذا مسجد قباء {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار} قال: هذا مسجد الضرار.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: مسجد الرضوان أول مسجد بني في المدينة في الإسلام
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: لما أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الذي أسسه على التقوى كان كلما رفع لبنة قال اللهم إن الخير خير الآخرة، ثم يناولها أخاه فيقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تنتهي اللبنة منتهاه ثم يرفع الأخرى فيقول: اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة ثم يناولها أخاه فيقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تنتهي اللبنة منتهاها.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم}
قال: بنى قواعده في نار جهنم.
وأخرج مسدد في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: لقد رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حيث انهار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {فانهار به في نار جهنم} قال: والله ما تناهى أن وقع في النار ذكر لنا أنه حفرت فيه بقعة فرؤي منها الدخان
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {فانهار به في نار جهنم} قال: مسجد المنافقين انهار فلم يتناه دون أن وقع في النار، ولقد ذكر لنا: أن رجالا حفروا فيه فرأوا الدخان يخرج منه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فانهار به في نار جهنم} قال: فمضى حين خسف به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة، أنه لا يزال منه دخان يفور لقوله {فانهار به في نار جهنم} ويقال: إنه بقعة في نار جهنم.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: في قراءة عبد الله بن مسعود فانهار به قواعده في نار جهنم يقول: خر من قواعده في نار جهنم). [الدر المنثور: 7/536-538]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم قال شك في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم يقول إلى أن يموتوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/288]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ: {إلّا أن تقطّع قلوبهم} قال: الموت). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 389]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: لا يزال بنيان هؤلاء الّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا {ريبةً} يقول: لا يزال مسجدهم الّذي بنوه ريبةً في قلوبهم، يعني شكًّا ونفاقًا في قلوبهم، يحسبون أنّهم كانوا في بنائه محسنين. {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} يعني إلاّ أن تتصدّع قلوبهم فيموتوا، واللّه عليمٌ بما عليه هؤلاء المنافقون الّذين بنوا مسجد الضّرار من شكّهم في دينهم وما قصدوا في بنائهم وأرادوه وما إليه صائرٌ أمرهم في الآخر وفي الحياة ما عاشوا، وبغير ذلك من أمرهم وأمر غيرهم، حكيمٌ في تدبيره إيّاهم وتدبير جميع خلقه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم} يعني شكًّا {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} يعني الموت.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {ريبةً في قلوبهم} قال: شكًّا في قلوبهم، {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} إلاّ أن يموتوا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم} يقول: حتّى يموتوا.
- حدّثني مطر بن محمّدٍ الضّبّيّ، قال: حدّثنا أبو قتيبة، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قوله: {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} قال: إلاّ أن يموتوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ: {إلاّ أن تقطّع قلوبهم}، قال: إلاّ أن يموتوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} قال: يموتوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} قال: يموتوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن قتادة، والحسن، {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم} قالا: شكًّا في قلوبهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق الرّازيّ، قال: حدّثنا أبو سنانٍ، عن حبيبٍ، {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم} قال: غيظًا في قلوبهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} قال: يموتوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق الرّازيّ، عن أبي سنانٍ، عن حبيبٍ، {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} إلاّ أن يموتوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن السّدّيّ، {ريبةً في قلوبهم} قال: كفرٌ. قلت: أكفر مجمّع بن جارية؟ قال: لا، ولكنّها حزازةٌ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم} قال: حزازةٌ في قلوبهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم} لا يزال ريبةٌ في قلوبهم راضين بما صنعوا، كما حبّب العجل في قلوب أصحاب موسى. وقرأ: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} قال: حبّه. {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} قال: لا يزال ذلك في قلوبهم حتّى يموتوا؛ يعني المنافقين.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا قيسٌ، عن السّدّيّ، عن إبراهيم، {ريبةً في قلوبهم} قال: شكًّا. قال: قلت: يا أبا عمران تقول هذا وقد قرأت القرآن؟ قال: إنّما هي حزازةٌ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إلاّ أن تقطّع قلوبهم}.
فقرأ ذلك بعض قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة: إلاّ أن تقطّع قلوبهم بضمّ التّاء من تقطّع، على أنّه لم يسمّ فاعله، وبمعنى: إلاّ أن يقطع اللّه قلوبهم.
وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة: {إلاّ أن تقطّع قلوبهم} بفتح التّاء من تقطّع على أنّ الفعل للقلوب. بمعنى: إلاّ أن تنقطع قلوبهم، ثمّ حذفت إحدى التّاءين.
وذكر أنّ الحسن كان يقرأ: إلى أن تقطّع قلوبهم بمعنى: حتّى تتقطّع قلوبهم. وذكر أنّها في قراءة عبد اللّه: ولو قطعت قلوبهم وعلى الاعتبار بذلك قرأ من ذلك: إلاّ أن تقطع بضمّ التّاء.
والقول عندي في ذلك أنّ الفتح في التّاء والضّم متقاربا المعنى، لأنّ القلوب لا تتقطّع إذا تقطّعت إلاّ بتقطيع اللّه إيّاها، ولا يقطعها اللّه إلاّ وهي متقطّعةٌ. وهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرّاء، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب في قراءته.
وأمّا قراءة من قرأ ذلك: إلى أن تقطّع، فقراءةٌ لمصاحف المسلمين مخالفةٌ، ولا أرى القراءة بخلاف ما في مصاحفهم جائزةً). [جامع البيان: 11/698-702]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلّا أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (110)
قوله تعالى: لا يزال بنيانهم الّذي بنوا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: لا يزال بنيانهم الّذي بنوا هذا المسجد الضّرار، ريبةً في قلوبهم راضين بما صنعوا، أولئك المنافقون، يرون أنّهم قد أحسنوا وصنعوا كما كان حب العجل في قلوب أصحابه وقرأ: وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قال.
قوله تعالى: ريبة في قلوبهم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي حدّثنا أبو صالحٍ حدّثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم يعني: الشّك- وروي عن الضّحّاك وقتادة والسّدّيّ: مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو يحيى الرّازيّ إسحاق بن سليمان عن حبيب بن أبي ثابتٍ لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم قال: غيظًا في قلوبهم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا عيسى بن زيادٍ أنبأ يحيى بن الضّريس عن سفيان عن السّدّيّ في قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم قال: حزازةٌ في قلوبهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسن حدّثنا أبو الجماهر حدّثنا سعيد بن بشيرٍ عن سعيد بن أبي عروبة لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم قال: شكًا، وقال غيره: حزازةً.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جريرٌ عن حمزة في قول اللّه: لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم قال: ندامةً بما صنعوا.
قوله تعالى: في قلوبهم.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ محمّد بن عبد اللّه بن أبي جعفرٍ الرّازيّ ثنا يحيى بن الضّريس عن سفيان عن السّدّيّ قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم قال: حزازةٌ في صدورهم.
قوله تعالى: إلّا أن تقطع قلوبهم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إلا أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ يعني: الموت- وروي عن مجاهدٍ والضّحّاك وقتادة وحبيب بن أبي ثابتٍ والسّدّيّ وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حربٍ والسّياق لسليمان قالا: ثنا حمّاد بن زيدٍ عن أيّوب قال: كان عكرمة يقرأ إلا أن تقطّع قلوبهم في القبر.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا سعيدٌ حدّثنا عبد العزيز قال سفيان إلا أن تقطّع قلوبهم: إلا أن يتوبوا، وكان أصحاب عبد اللّه يقرءونها ريبةً في قلوبهم ولو قطعت قلوبهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1884-1886]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم يقول إلا أن يموتوا). [تفسير مجاهد: 287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 110.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} قال: يعني الشك {إلا أن تقطع قلوبهم} يعني الموت.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: قلت لإبراهيم: أرأيت قول الله {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} قال: الشك، قلت: لا، قال: فما تقول أنت قلت: القوم بنوا مسجدا ضرارا وهم كفارا حين بنوا فلما دخلوا في الإسلام جعلوا لا يزالون يذكرون فيقع في قلوبهم مشقة من ذلك فتراجعوا له فقالوا: يا ليتنا لم نكن فعلنا وكلما ذكروه وقع من ذلك في قلوبهم مشقة وندموا، فقال إبراهيم: استغفر الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت في قوله {ريبة في قلوبهم} قال: غيظا في قلوبهم {إلا أن تقطع قلوبهم} قال: إلى أن يموتوا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {إلا أن تقطع} قال: الموت أن يموتوا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أيوب قال: كان عكرمة يقرأها لا أن تقطع قلوبهم في القبر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله {إلا أن تقطع قلوبهم} قال: إلا أن يتوبوا وكان أصحاب عبد الله يقرؤونها ريبة في قلوبهم ولو تقطعت قلوبهم). [الدر المنثور: 7/538-539]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 09:57 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً...}
هم بنو عمرو بن عوف من الأنصار، بنوا مسجدهم ضرارا لمسجد قباء. ومسجد قباء أول مسجد بني على التقوى. فلمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر بإحراق مسجد الشقاق وهدمه). [معاني القرآن: 1/452]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مسجداً ضراراً} أي مضارّة.
{وإرصاداً} أي ترقّبا بالعداوة، يقال: رصدته بالمكافاة أرصده، إذا ترقبته. وأرضدت له في العداوة. وقال أبو زيد: رصدته بالخير وغيره أرصده رصدا وأنا راصده، وأرصدت له بالخير وغيره إرصادا وأنا مرصد له.
وقال ابن الأعرابي: أرصدت له بالخير والشر جميعا بالألف). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلّا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}
" الذين " في وضع رفع، المعنى ومنهم الّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا.
انتصب {ضرارا} مفعولا له.
المعنى اتخذوه للضرار والكفر والتفريق والإرصاد.
فلما حذفت اللام أفضى الفعل فنصب، ويجوز أن يكون مصدرا محمولا على المعنى؛ لأن اتخاذهم المسجد على غير التقوى معناه ضارّوا به ضرارا.
وتفسير الآية أن قوما من منافقي الأنصار أرادوا أن يفرقوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من يصلي معه من المؤمنين فاتخذوا مسجدا يقطعون به المؤمنين والنبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسجد قباء.
(وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل).
كان رجل يقال له: أبو عمرو الراهب حارب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضى إلى هرقل، وكان أحد المنافقين، فقالوا نبني هذا المسجد وننتظر أبا عامر حتى يجيء، فيصلي فيه، فالإرصاد، الانتظار.
واتخذوا هذا المسجد مضارة وكفرا، لأن عناد النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر وأطلع اللّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - على طويتهم، وعلى أنهم سيحلفون كاذبين، فقال جلّ وعزّ:
{وليحلفنّ إن أردنا إلّا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}.
وكانوا دعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلّي فيه فأنزل اللّه جل ثناؤه: {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108)} ). [معاني القرآن: 2/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا}
أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا أي مضارة
ثم قال تعالى: {وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل}
قال مجاهد هو أبو عامر خرج إلى الشام يستنجد قيصر على قتال المسلمين وكانوا يرصدون له
وقال أبو زيد يقال رصدته في الخير وأرصدت له في الشر
وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقيت). [معاني القرآن: 3/252-253]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وإرصادا} أي: إعدادا). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَإِرْصَاداً} أي ترقباً بالعداوة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تقم فيه أبداً...}
يعني مسجد بني عمرو. ثم انقطع الكلام فقال: {لّمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه}. ثم قال: {فيه رجال} الأولى صلة لقوله: {تقوم} والثانية رفعت الرجال). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أسّس...}
و(أسّس) ويجوز أساس، وآساس. ويخيّل إليّ أني قد سمعتها في القراءة). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لا تقم فيه أبداً لّمسجدٌ أسّس على التّقوى من أول يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}
وقال: {أسّس على التّقوى من أول يومٍ أحقّ} يريد: "منذ أول يومٍ" لأن من العرب من يقول "لم أره من يوم كذا" يريد "منذ أول يوم" يريد به "من أول الأيّام" كقولك "لقيت كلّ رجلٍ" تريد به "كلّ الرجّال"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}
ثم بين الله عزّ وجلّ: أي المسجدين أحق بالقيام فيه فقال:
{لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم}.
يعني به مسجد قباء.
{أحقّ أن تقوم فيه}.
{أن} في موضع نصب، المعنى: لمسجد أسس على التقوى أحقّ بأن نقوم فيه.
{فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا}.
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بباب المسجد فقال: ((إن الله أحسن عليكم الثناء في طهوركم فبم تطهرون؟
فقالوا نغسل إثر الغائط بالماء)).
وهؤلاء قوم من الأنصار). [معاني القرآن: 2/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}
يروى أنهم دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فيه كما صلى في مسجد قباء
قال سهل بن سعيد وأبو سعيد الخدري اختلف رجلان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر هو مسجد قباء فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو مسجدي هذا
وفي حديث أبي سعيد وذلك خير كثير
ثم قال جل وعز: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن طهورهم فقالوا إنا نستنجي بالماء فقال أحسنتم
والهاء في قوله: {أحق أن تقوم فيه} يعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
والهاء في قوله: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} يعود على مسجد قباء ويجوز أن تكون تعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 3/253-255]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على شفا جرف هارٍ} مجاز شفا جرف شفير، والجرف ما لم يبن من الرّكايا لها جول، قال:
جرفٌ هيامٌ جوله يتهدّم
وهار مجاره هائر، والعرب تنزع هذه الياء من فاعل، قال العجاج:
لاثٍ به الأشاء والعبريّ
أي لائث. ويقال: كيدٌ خاب أي خائب، لات: بعضه فوق بعض كما تلوث العمامة؛ مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساساً من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف، وهو ما يجرف من سيول الأودية فلا يثبت البناء عليه). [مجاز القرآن: 1/269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خيرٌ أم مّن أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
وقال: {هارٍ فانهار به} فذكروا أنه من "يهور" وهو مقلوب وأصله "هائرٌ" ولكن قلب مثل ما قلب "شاك السّلاح" [و] إنما هو "شائك"). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة زيد بن ثابت {أفمن أسس بنيانه} {خير أم من أسس بنيانه}.
أبو جعفر والحسن وأبو عمرو {أسس} فيهما جميعًا.
أبو عمرو {شفا جرف هار} وكان لا يرى بالتخفيف بأسًا، وهي حسنة؛ مثل الربع والربع). [معاني القرآن لقطرب: 636]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {هار فانهار به} كان أبو عمرو يقول: هويار، إذا صغره رده إلى الأصل إلى هاير؛ وقالوا: هرت الجرف أهوره هورًا، وأهرته إهارة لغة، وهرت الرمل حتى هار؛ وهار الجرف يهور هورًا، وتهور وتهير، أو انهار انهيارًا؛ كله انتثر.
وقالوا: أيضًا هرت فلانًا؛ أي ظننت به خيرًا؛ وإني لأهور بخير.
قال ذو الرمة:
ومن رملة عذرآء من كل مطلع = فيمرق من هاري التراب ركام). [معاني القرآن لقطرب: 648]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({على شفا جرف}: الشفا شفير. {الجرف} بقيته ويقال
سرنا بشفا قمير: بقيته. ويثنى شفوان. والجرف ما تجرف من السيول والأودية.
{هار}: هائر، وهو ما انهار). [غريب القرآن وتفسيره: 166-167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {على شفا جرفٍ هارٍ} أي على حرف جرف هائر.
والجرف: ما ينجرف بالسيول من الأودية. والهائر: الساقط، ومنه يقال:
تهوّر البناء: إذا سقط وانهار). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير أم من أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
ويجوز " أفمن أسّس بنيانه "، ويجوز " أفمن أساس بنيانه " ويجوز " أفمن أسس بنيانه ".
فأمّا {أسّس بنيانه}، و {أسّس بنيانه}، فقراءتان جيدتان، والذي ذكر غير هاتين جائز في العربية، غير جائز في القراءة، إلا أن تثبت به رواية.
المعنى أن من أسس بنيانه على التقوى خير ممن أسّس بنيانه على الكفر فقال: {على شفا جرف هار}.
وشفا الشيء حرفه وحدّه، والشفا مقصور يكتب الألف ويثنى شفوين.
ومعنى (هار) هائر وهذا من المقلوب، كما قالوا في لاث الشيء إذا دار فهو لاث والأصل لائث وكما قالوا شاك السلاح وشائك.
قال الشاعر:
فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم..=. شاك سلاحي في الحوادث معلم
وكما قال العجاج:
لاث به الأشاء والعبريّ
الأشاء النخل، والعبريّ السدر الذي على شاطئ الأنهار ومعنى لاث به مطيف به.
{فانهار به في نار جهنّم}.
وهذا مثل، المعنى أن بناء هذا المسجد الذي بني ضرارا وكفرا كبناء
على جرف جهنم يتهور بأهله فيها). [معاني القرآن: 2/469-470]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم}
والشفا الحرف والحد
والجرف ما جرفه السيل
والهاري المتهدم الساقط). [معاني القرآن: 3/255]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شَفَا}: حد
{جُرُفٍ}: ما تجرف من السيل
{هَارٍ}: سائل). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يزال بنيانهم...}
يعني مسجد النفاق {ريبةً} يقال: شكّا {إلا أن تقطّع} و{تقطّع} معناه: إلا أن يموتوا. وقرأ الحسن {إلى أن تقطّع} بمنزلة حتّى، أي حتى تقطّع. وهي في قراءة عبد الله {ولو قطّعت قلوبهم} حجة لمن قال {إلا أن تقطع} بضم التاء). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلا أن تقطّع قلوبهم} إلا ها هنا غاية). [مجاز القرآن: 1/270]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع} و{تقطّع} في قول بعضهم وكل حسن). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {إلى أن تقطع قلوبهم}.
أبو عمرو {إلا أن تقطع قلوبهم}.
الأعرج {إلا أن تقطع قلوبهم} يقوي قراءة الحسن؛ لأن "حتى" غاية للشيء، وإلى قريبة منها.
[زاد محمد بن صالح]:
وهو أساس البيت الواحد، وإساس جمع أس البيت، وءاساس.
وقال أمية:
وبنينا البنيان سبعين حولا = ووطأنا أساسه بابتذال). [معاني القرآن لقطرب: 636]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبة في قلوبهم إلّا أن تقطّع قلوبهم واللّه عليم حكيم}
قال بعضهم لا يزال كفرا، وقال بعضهم لا يزال شكا.
والريبة من الريب، والريب الشّكّ.
فأعلم اللّه جلّ وعز أن بناءهم لا يزالون شاكين فيه، وجائز أن يكون اللّه جل ثناؤه جعل عقوبتهم أن ألزمهم الضلال بركوبهم هذا الأمر الغليظ.
{إلّا أن تقطّع قلوبهم}.
ويجوز: " إلا أن يقطع قلوبهم " معناه إلا أن يموتوا.
وقال بعضهم: إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم). [معاني القرآن: 2/470-471]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم}
قال قتادة أي شكا كأنهم عوقبوا بهذا
وقال السدي أي حزازة
ثم قال جل وعز: {إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم}
قال عطاء ومجاهد وقتادة {إلا أن تقطع قلوبهم} إلا أن يموتوا
وقال غيرهم أي إلا أن يتوبوا توبة يندمون فيها على ما فعلوا حتى يكونوا بمنزلة من قد قطع قلبه
وقرأ عكرمة إلى أن على الغاية). [معاني القرآن: 3/256-257]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:11 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) }

تفسير قوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) }

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
من كل مبسقة العجان كأنها = جفر تغضف من جوية هار
...
وهار: منهار وهو من قول الله عز وجل: {هار فانهار به} أي انهار فذهب سيلانا). [نقائض جرير والفرزدق: 857]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال أبو ذؤيب الهذلي:

وسود ماء المرد فاها فلونه = كلون النؤور فهي أدماء سارها
...
وقوله: «سارها» يريد: سائرها. وفي القرآن {شفا جرف هار} يفسر هائر والله أعلم). [النوادر في اللغة: 198]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه سار ليلة حتى
ابهار الليل ثم سار حتى تهور الليل.
قال: حدثناه هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الأصمعي: قوله " ابهار الليل " يعني انتصف الليل، وهو مأخوذ من بهرة الشيء أي وسطه.
وقوله: ثم سار حتى تهور الليل يعني أدبر وانهدم، كما يتهور البناء وغيره فيسقط.
قال غيره: ومنه قول الله جل ثناؤه: {على شفا جرف هار فانهار به} ). [غريب الحديث: 1/215-217]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:16 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:17 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ عاصم وعوام القراء والناس في كل قطر إلا بالمدينة «والذين اتخذوا»، وقرأ أهل المدينة نافع وأبو جعفر وشيبة وغيرهم «الذين اتخذوا» بإسقاط الواو، وكذلك في مصحفهم، قاله أبو حاتم، وقال الزهراوي: وهي قراءة ابن عامر وهي في مصاحف أهل الشام بغير واو، فأما من قرأ بالواو فذلك عطف على قوله وآخرون أي ومنهم الذين اتخذوا، وأما من قرأ بإسقاطها فرفع الّذين بالابتداء.
واختلف في الخبر فقيل الخبر لا تقم فيه أبداً [التوبة: 108] قاله الكسائي ويتجه بإضمار إما في أول الآية
وإما في آخرها، بتقدير لا تقم في مسجدهم وقيل الخبر لا يزال بنيانهم قاله النحاس وهذا أفصح، وقد ذكرت كون الّذين بدلا من، آخرون، آنفا، وقال المهدوي: الخبر محذوف تقديره معذبون أو نحوه، وأما الجماعة المرادة ب الّذين اتّخذوا، فهم منافقو بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف، وأسند الطبري عن ابن إسحاق عن الزهري وغيره أنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنّا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال إني على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما أقبل ونزل بذي أوان نزل عليه القرآن في شأن مسجد الضرار، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه، فانطلقا مسرعين ففعلا وحرقاه بنار في سعف، وذكر النقاش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث لهدمه وتحريقه عمار بن ياسر ووحشيا مولى المطعم بن عدي، وكان بانوه اثني عشر رجلا، خذام بن خالد، ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومتعب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف، وجارية بن عمرو وابناه مجمع بن جارية وهو كان إمامهم، وحلف لعمر بن الخطاب في خلافته أنه لم يشعر بأمرهم وزيد بن جارية ونبتل بن الحارث، ويخرج وهو من بني ضبيعة وبجاد بن عثمان ووديعة بن ثابت ويخرج منهم هو الذي حلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أردت إلا الحسنى» والتوسعة علينا وعلى من عجز أو ضعف عن المسير إلى مسجد قباء، وقرأ ابن أبي عبلة «ما أردنا إلا الحسنى»، والآية تقتضي شرح شيء من أمر هذه المساجد، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقت الهجرة بني مسجدا في بني عمرو بن عوف وهو مسجد قباء، وقيل وجده مبنيا قبل وروده، وقيل وجده موضع صلاة فبناه وتشرف القوم بذلك، فحسدهم من حينئذ رجال من بني عمهم من بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف، فكان فيهم نفاق، وكان موضع مسجد قباء مربطا لحمار امرأة من الأنصار اسمها لية، فكان المنافقون يقولون والله لا نصبر على الصلاة في مربط حمار لية ونحو هذا من الأقوال، وكان أبو عامر عبد عمرو المعروف بالراهب منهم، وكانت أمه من الروم فكان يتعبد في الجاهلية فسمي الراهب، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة وكان سيدا نظيرا وقريبا من عبد الله بن أبي ابن سلول، فلما جاء الله بالإسلام نافق ولم يزل مجاهرا بذلك فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، ثم خرج في جماعة من المنافقين فحزب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزاب، فلما ردهم الله بغيظهم أقام أبو عامر بمكة مظهرا لعداوته، فلما فتح الله مكة هرب إلى الطائف.
فلما أسلم أهل الطائف خرج هاربا إلى الشام يريد قيصر مستنصرا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى قومه المنافقين منهم أن ابنوا مسجدا مقاومة لمسجد قباء وتحقيرا له، فإني سآتي بجيش من الروم أخرج به محمدا وأصحابه من المدينة فبنوه، وقالوا سيأتي أبو عامر ويصلي فيه ويتخذه متعبدا ويسر به، ثم إن أبا عامر هلك عند قيصر ونزل القرآن في أمر مسجد الضرار فذلك قوله وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله يعني أبا عامر وقولهم سيأتي أبو عامر، وقرأ الأعمش «للذين حاربوا الله» وقوله ضراراً أي داعية للتضار من جماعتين فلذلك قال ضراراً وهو في الأكثر مصدر ما يكون من اثنين وإن كان المصدر الملازم لذلك مفاعلة كما قال سيبويه، ونصب «ضرار» وما بعده على المصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون على المفعول من أجله، وقوله بين المؤمنين يريد بين الجماعة التي كانت تصلي في مسجد قباء فإن من جاوز مسجدهم كانوا يصرفونه إليه وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان، وقيل أراد بقوله بين المؤمنين جماعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بحسب الخلاف في المسجد المؤسس على التقوى وسيأتي ذلك، قال النقاش يلزم من هذا أن لا يصلى في كنيسة ونحوها لأنها بنيت على شر من هذا كله وقد قيل في هذا لا تقم فيه أبدا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تفقه غير قوي، و «الإرصاد» الإعداد والتهيئة، والذي حارب الله ورسوله هو أبو عامر الفاسق، وقوله من قبل يريد في غزوة الأحزاب وغيرها، والحالف المراد في قوله ليحلفنّ هو يخرج ومن حلف من أصحابه، وكسرت الألف من قوله إنّهم لكاذبون لأن الشهادة في معنى القول، وأسند الطبري عن شقيق أنه جاء ليصلي في مسجد بني غاضرة فوجد الصلاة قد فاتته فقيل له إن مسجد بني فلان لم يصل فيه بعد، فقال: لا أحب أن أصلي فيه فإنه بني على ضرار وكل مسجد بني ضرارا ورياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار، وروي أن مسجد الضرار لما هدم وأحرق اتخذ مزبلة ترمى فيه الأقذار والقمامات). [المحرر الوجيز: 4/ 403-406]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لا تقم فيه أبداً لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108) أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (109)
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت لا تقم فيه أبداً كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد، وهذا النهي إنما هو لأن البانين لمسجد الضرار قد كانوا خادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بنينا مسجدا للضرورات والسيل الحائل بيننا وبين قومنا فنريد أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم إلى ذلك، واستدعى قميصه لينهض فنزلت الآية لا تقم فيه أبداً وقوله: لمسجدٌ قيل إن اللام لام قسم، وقيل هي لام الابتداء كما تقول: لزيد أحسن الناس فعلا، وهي مقتضية تأكيدا، وقال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين: المراد «بالمسجد الذي أسس على التقوى» هو مسجد قباء.
وروي عن عمر وأبي سعيد وزيد بن ثابت أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ويليق القول الأول بالقصة، إلا أن القول الثاني روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نظر مع الحديث،
وأسند الطبري في ذلك عن أبي سعيد الخدري أنه قال: اختلف رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف فقال الخدري: هو مسجد الرسول وقال الآخر: هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: هو مسجدي هذا، وفي الآخر خير كثير إلى كثير من الآثار في هذا عن أبي بن كعب وسهل بن سعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في بقعته نخل وقبور مشركين ومربد ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة، وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، الأولى بالسميط وهي لبنة أمام لبنة، والثانية بالصعيدة، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان، وكان في طوله سبعون ذراعا وكان عمده النخل وكان عريشا يكف في المطر، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيانه ورفعه فقال: لا بل يكون عريشا كعريش أخي موسى كان إذا قام ضرب رأسه في سقفه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل فيه اللبن على صدره، ويقال إن أول من وضع في أساسه حجرا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع أبو بكر حجرا، ثم وضع عمر حجرا، ثم وضع عثمان حجرا، ثم رمى الناس بالحجارة فتفاءل بذلك بعض الصحابة في أنها الخلافة فصدق فأله، قوله: من أوّل يومٍ قيل معناه منذ أول يوم، وقيل معناه من تأسيس أول يوم، وإنما دعا إلى هذا الاختلاف أن من أصول النحويين أن «من» لا تجر بها الأزمان، وإنما تجر الأزمان بمنذ، تقول ما رأيته منذ يومين أو سنة أو يوم، ولا تقول من شهر ولا من سنة ولا من يوم، فإذا وقعت «من» في الكلام وهي تلي زمنا فيقدر مضمر يليق أن تجره «من» كقول الشاعر: [زهير بن أبي سلمى]
لمن الديار كقنة الحجر = أقوين من حجج ومن دهر
ومن شهر رواية، فقدروه من مر حجج ومن مر دهر، ولما كان «أول يوم» يوما وهو اسم زمان احتاجوا فيه إلى تقدير من تأسيس، ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير وأن تكون «من» تجر لفظة «أول» لأنها بمعنى البدأة كأنه قال من مبتدأ الأيام، وهي هاهنا تقوم مقام المر في البيت المتقدم، وهي كما تقول جئت من قبلك ومن بعدك وأنت لا تدل بهاتين اللفظتين إلا على الزمن، وقد حكي لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو، ومعنى أن تقوم فيه أي بصلاتك وعبادتك، وقرأ جمهور الناس «أن تقوم فيه فيه رجال» بكسر الهاء، وقرأ عبد الله بن زيد «أن تقوم فيه فيه» بضم الهاء الثانية على الأصل ويحسنه تجنب تكرار لفظ واحد، وقال قتادة وغيره: الضمير عائد على مسجد الرسول، و «الرجال» جماعة الأنصار.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: يا معشر الأنصار إني رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون؟ فقالوا يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد الاستنجاء بالماء، ففعلنا نحن ذلك فلما جاء الإسلام لم ندعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تدعوه أبدا، وقال عبد الله بن سلام وغيره ما معناه: إن الضمير عائد على مسجد قباء والمراد بنو عمرو بن عوف.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال المقالة المتقدمة لنبي عمرو بن عوف والأول أكثر، واختلف أهل العلم في الأفضل بين الاستنجاء بالماء أو بالحجارة فقيل هذا وقيل هذا، ورأت فرقة من أهل العلم الجمع بينهما فينقي بالحجارة ثم يتبع بالماء، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض علماء القيروان كانوا يتخذون في متوضياتهم أحجارا في تراب ينقون بها، ثم يستنجون بالماء أخذا بهذا القول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما يتصور الخلاف في البلاد التي يمكن فيها أن تنقى الحجارة، وابن حبيب لا يجيز الاستنجاء بالحجارة حيث يوجد الماء، وهو قول شذ فيه، وقرأ جمهور الناس «يتطهروا»، وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش «يطهروا» بالإدغام، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «المتطهرين» بالتاء، وأسند الطبري عن عطاء أنه قال: أحدث قوم من أهل قباء الاستنجاء بالماء فنزلت الآية فيهم.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منهم عويم بن ساعدة ولم يسم أحد منهم غير عويم). [المحرر الوجيز: 4/ 407-410]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: أفمن أسّس بنيانه الآية استفهام بمعنى تقرير، وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «أسس بنيانه» على بناء «أسس» للمفعول ورفع «بنيان» فيهما، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وجماعة «أسس بنيانه» على بناء الفعل للفاعل ونصب «بنيان» فيهما، وقرأ عمارة بن ضبا رواه يعقوب الأول على بناء الفعل للمفعول والثاني على بنائه للفاعل، والآية تتضمن معادلة بين شيئين، فإما بين البناءين وإما بين البانين، فالمعادلة الأولى هي بتقدير أبناء من أسس، وقرأ نصر بن علي ورويت عن نصر بن عاصم: «أفمن أس بنيانه» على إضافة «أس» إلى «بنيان» وقرأ نصر بن عاصم وأبو حيوة أيضا «أساس بنيانه»، وقرأ نصر بن عاصم أيضا «أسس بنيانه» على وزن فعل بضم الفاء والعين وهو جمع أساس كقذال وقذل حكى ذلك أبو الفتح، وذكر أبو حاتم أن هذه القراءة لنصر إنما هي «أسس» بهمزة مفتوحة وسين مفتوحة وسين مضمومة، وعلى الحكايتين فالإضافة إلى البنيان، وقرأ نصر بن علي أيضا «أساس» على جمع «أس» و «البنيان» يقال بنى يبني بناء وبنيانا كالغفران والطغيان فسمي به المبنى مثل الخلق إذا أردت به المخلوق، وقيل هو جمع واحده بنيانة، وأنشد في ذلك أبو علي: [الطويل]
كبنيانة القاري موضع رجلها = وآثار نسعيها من الدق أبلق
وقرأ الجمهور على تقوى وقرأ عيسى بن عمر «على تقوّى» بتنوين الواو حكى هذه القراءة سيبويه وردها الناس، قال أبو الفتح: قياسها أن تكون الألف للإلحاق كأرطى ونحوه، وأما المراد بالبنيان الذي أسس على التقوى والرضوان فهو في ظاهر اللفظ وقول الجمهور المسجد المذكور قبل ويطرد فيه الخلاف المتقدم، وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: المراد بالمسجد المؤسس على التقوى هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بأنه أسس على تقوى من الله، ورضوانٍ خيرٌ هو مسجد قباء، وأما البنيان الذي أسس على شفا جرفٍ هارٍ فهو مسجد الضرار بإجماع.
و «الشفا» الحاشية والشفير.
و «الجرف» حول البئر ونحوه مما جرفته السيول والندوة والبلى. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وجماعة «جرف» بضم الراء، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وجماعة «جرف» بسكون الراء، واختلف عن عاصم. وهما لغتان، وقيل الأصل ضم الراء وتخفيفها بعد ذلك مستعمل وهارٍ: معناه متهدم منهال وهو من هار يهور ويقال هار يهير ويهير، وأصله هاير أو هاور، فقيل قلبت راؤه قبل حرف العلة فجاء هارو أو هاري فصنع به ما صنع بقاض وغاز، وعلى هذا يقال في حال النصب هاريا، ومثله في يوم راح أصله رايح ومثله شاكي السلاح أصله شايك ومثله قول العجاج: [الوافر]
لاث به الأشاء والعبري
أصله لايث. ومثله قول الشاعر [الأجدع الهمداني]: [الكامل]
... ... ... ... = خفضوا أسنتهم فكلّ ناع
على أحد الوجهين:
فإنه يحتمل أنه من نعى ينعي والمراد أنهم يقولون يا ثارات فلان، ويحتمل أن يريد فكلهم نايع أي عاطش كما قال عمير بن شييم،
... ... ... ... = ... ... والأسل النياعا
وقيل في هارٍ إن حرف علته حذف حذفا فعلى هذا يجري بوجوه الإعراب، فتقول: جرف هار ورأيت جرفا هارا، ومررت بحرف هار.
واختلف القراء في إمالة هارٍ وانهار، وتأسيس البناء على تقوى إنما هو بحسن النية فيه وقصد وجه الله تعالى وإظهار شرعه، كما صنع بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفي مسجد قباء.
والتأسيس على شفا جرفٍ هارٍ إنما هو بفساد النية وقصد الرياء والتفريق بين المؤمنين، فهذه تشبيهات صحيحة بارعة، وخيرٌ في هذه الآية تفضيل ولا شركة بين الأمرين في خير إلا على معتقد يأتي مسجد الضرار، فبحسب ذلك المعتقد صح التفضيل، وقوله فانهار به في نار جهنّم الظاهر منه وما صح من خبرهم وهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدهم أنه خارج مخرج المثل، أي مثل هؤلاء المضارين من المنافقين في قصدهم معصية الله وحصولهم من ذلك على سخطه كمن ينهار بنيانه في نار جهنم، ثم اقتضب الكلام اقتضابا يدل عليه ظاهره، وقيل بل ذلك حقيقة وإن ذلك المسجد بعينه انهار في نار جهنم، قاله قتادة وابن جريج.
وروي عن جابر بن عبد الله وغيره أنه قال: رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه حين انهار حتى بلغ الأرض السابعة ففزع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي أنهم لم يصلوا فيه أكثر من ثلاثة أيام أكملوه يوم الجمعة وصلوا فيه يوم الجمعة وليلة السبت وانهار يوم الاثنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله بإسناد لين، وما قدمناه أصوب وأصح، وكذلك بقي أمره والصلاة فيه من قبل سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك إلى أن يقبل صلى الله عليه وسلم.
وقوله واللّه لا يهدي القوم الظّالمين: طعن على هؤلاء المنافقين وإشارة إليهم، والمعنى لا يهديهم من حيث هم الظالمون، أو يكون المراد الخصوص فيمن يوافي على ظلمه، وأسند الطبري عن خلف بن ياسين أنه قال: رأيت مسجد المنافقين الذين ذكر الله في القرآن، فرأيت فيه مكانا يخرج منه الدخان، وذلك في زمن أبي جعفر المنصور.
وروي شبيه بهذا أو نحوه عن ابن جريج أسنده الطبري). [المحرر الوجيز: 4/ 410-414]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (110) إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)
الضمير في بنيانهم عائد على المنافقين البانين للمسجد ومن شاركهم في غرضهم، وقوله الّذي بنوا تأكيد وتصريح بأمر المسجد ورفع للإشكال، و «الريبة» الشك، وقد يسمى ريبة فساد المعتقد واضطرابه والاعتراض في الشيء والتحفظ فيه والحزازة من أجله وإن لم يكن شكا، فقد يرتاب من لا يشك، ولكنها في معتاد اللغة تجري مع الشك، ومعنى «الريبة» في هذه الآية أمر يعم الغيظ والحنق ويعم اعتقاد صواب فعلهم ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الريبة في الإسلام، فمقصد الكلام لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقي في قلوبهم حزازة وأثر سوء، وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا، وفسرها السدي بالكفر، وقيل له أفكفر مجمع بن جارية؟ قال: لا ولكنها حزازة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومجمع رحمه الله قد أقسم لعمر أنه ما علم باطن القوم ولا قصد سوءا، والآية إنما عنت من أبطن سوءا فليس مجمع منهم، ويحتمل أن يكون المعنى لا يزالون مريبين بسبب بنائهم الذي اتضح فيه نفاقهم، وجملة هذا أن الريبة في الآية تعم معاني كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «إلا أن تقطع قلوبهم» بضم التاء وبناء الفعل للمفعول، وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم بخلاف عنه «إلا أن تقطع» بفتح التاء على أنها فاعلة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب: «إلى أن تقطع» على معنى إلى أن يموتوا، وقرأ بعضهم: «إلى أن تقطع»، وقرأ أبو حيوة «إلا أن يقطع» بالياء مضمومة وكسر الطاء ونصب «القلوب» أي بالقتل، وأما على القراءة الأولى فقيل بالموت قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم، وقيل، بالتوبة وليس هذا بالظاهر إلا أن يتأول: أو يتوبوا توبة نصوحا يكون معها من الندم والحسرة على الذنب ما يقطع القلوب هما وفكرة، وفي مصحف ابن مسعود «ولو قطعت قلوبهم»، وكذلك قرأها أصحابه وحكاها أبو عمرو «وأن قطعت» بتخفيف الطاء، وفي مصحف أبيّ «حتى الممات» وفيه «حتى تقطع»). [المحرر الوجيز: 4/ 414-415]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون (107) لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108)}
سبب نزول هذه الآيات الكريمات: أنّه كان بالمدينة قبل مقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليها رجلٌ من الخزرج يقال له: "أبو عامرٍ الراهب"، وكان قد تنصّر في الجاهليّة وقرأ علم أهل الكتاب، وكان فيه عبادةٌ في الجاهليّة، وله شرفٌ في الخزرج كبيرٌ. فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مهاجرًا إلى المدينة، واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمةٌ عاليةٌ، وأظهرهم اللّه يوم بدرٍ، شرق اللّعين أبو عامرٍ بريقه، وبارز بالعداوة، وظاهر بها، وخرج فارًّا إلى كفّار مكّة من مشركي قريشٍ فألّبهم على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام أحدٍ، فكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم اللّه، وكانت العاقبة للمتّقين.
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصّفّين، فوقع في إحداهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأصيب ذلك اليوم، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السّفلى، وشجّ رأسه، صلوات اللّه وسلامه عليه.
وتقدّم أبو عامرٍ في أوّل المبارزة إلى قومه من الأنصار، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلمّا عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم اللّه بك عينًا يا فاسق يا عدوّ اللّه، ونالوا منه وسبّوه. فرجع وهو يقول: واللّه لقد أصاب قومي بعدي شر. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد دعاه إلى اللّه قبل فراره، وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يسلم وتمرّد، فدعا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يموت بعيدًا طريدًا، فنالته هذه الدّعوة.
وذلك أنّه لمّا فرغ النّاس من أحدٍ، ورأى أمر الرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه في ارتفاعٍ وظهورٍ، ذهب إلى هرقل، ملك الرّوم، يستنصره على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوعده ومنّاه، وأقام عنده، وكتب إلى جماعةٍ من قومه من الأنصار من أهل النّفاق والرّيب يعدهم ويمنّيهم أنّه سيقدم بجيشٍ يقاتل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويغلبه ويردّه عمّا هو فيه، وأمرهم أن يتّخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدًا له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجدٍ مجاورٍ لمسجد قباءٍ، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي إليهم فيصلّي في مسجدهم، ليحتجّوا بصلاته، عليه السّلام، فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنّهم إنّما بنوه للضّعفاء منهم وأهل العلّة في اللّيلة الشّاتية، فعصمه اللّه من الصّلاة فيه فقال: "إنّا على سفرٍ، ولكن إذا رجعنا إن شاء اللّه".
فلمّا قفل، عليه السّلام راجعًا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلّا يومٌ أو بعض يومٍ، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضّرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتّفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء، الّذي أسّس من أوّل يومٍ على التّقوى. فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة، كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا [وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين]} وهم أناسٌ من الأنصار، ابتنوا مسجدًا، فقال لهم أبو عامرٍ، ابنوا مسجدًا واستعدّوا بما استطعتم من قوّةٍ ومن سلاحٍ، فإنّي ذاهبٌ إلى قيصر ملك الرّوم، فآتي بجندٍ من الرّوم وأخرج محمّدًا وأصحابه. فلمّا فرغوا من مسجدهم أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحبّ أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة. فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ} إلى {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
وكذا روي عن سعيد بن جبير، ومجاهدٍ، وعروة بن الزّبير، وقتادة وغير واحدٍ من العلماء.
وقال محمّد بن إسحاق بن يسار، عن الزّهريّ، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، قالوا: أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني: من تبوك -حتّى نزل بذي أوانٍ -بلدٌ بينه وبين المدينة ساعةٌ من نهارٍ -وكان أصحاب مسجد الضّرار قد كانوا أتوه وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا قد بنينا مسجدًا لذي العلّة والحاجة، واللّيلة المطيرة، واللّيلة الشّاتية، وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه. فقال: "إنّي على جناح سفر وحال شغل -أو كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -ولو قد قدمنا إن شاء اللّه تعالى أتيناكم فصلّينا لكم فيه". فلمّا نزل بذي أوانٍ أتاه خبر المسجد، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مالك بن الدّخشم أخا بني سالم بن عوفٍ، ومعن بن عديٍّ -أو: أخاه عامر بن عديٍّ -أخا بلعجلان فقال: "انطلقا إلى هذا المسجد الظّالم أهله، فاهدماه وحرّقاه". فخرجا سريعين حتّى أتيا بني سالم بن عوفٍ، وهم رهط مالك بن الدّخشم، فقال مالكٌ لمعنٍ: أنظرني حتّى أخرج إليك بنارٍ من أهلي. فدخل أهله فأخذ سعفا من النّخل، فأشعل فيه نارًا، ثمّ خرجا يشتدّان حتّى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرقاه وهدماه وتفرّقوا عنه. ونزل فيهم من القرآن ما نزل: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} إلى آخر القصّة. وكان الّذين بنوه اثني عشر رجلًا خذام بن خالدٍ، من بني عبيد بن زيدٍ، أحد بني عمرو بن عوفٍ، ومن داره أخرج مسجد الشّقاق، وثعلبة بن حاطبٍ من بني عبيدٍ وهو إلى بني أميّة بن زيدٍ، ومعتّب بن قشير، من [بني] ضبيعة بن زيدٍ، وأبو حبيبة بن الأذعر، من بني ضبيعة بن زيدٍ، وعبّاد بن حنيف، أخو سهل بن حنيفٍ، من بني عمرو بن عوفٍ، وجارية بن عامرٍ، وابناه: مجمّع بن جارية، وزيد بن جارية ونبتل [بن] الحارث، وهم من بني ضبيعة، وبحزجٌ وهو من بني ضبيعة، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة، [ووديعة بن ثابتٍ، وهو إلى بني أميّة] رهط أبي لبابة بن عبد المنذر.
وقوله: {وليحلفنّ} أي: الّذين بنوه {إن أردنا إلا الحسنى} أي: ما أردناه ببنيانه إلّا خيرًا ورفقًا بالنّاس، قال اللّه تعالى: {واللّه يشهد إنّهم لكاذبون} أي: فيما قصدوا وفيما نووا، وإنّما بنوه ضرارا لمسجد قباء، وكفرًا باللّه، وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله، وهو أبو عامرٍ الفاسق، الّذي يقال له: "الرّاهب" لعنه اللّه.
وقوله: {لا تقم فيه أبدًا} نهيٌ من اللّه لرسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه، والأمّة تبع له في ذلك، عن أن يقوم فيه، أي: يصلّي فيه أبدًا.
ثمّ حثّه على الصّلاة في مسجد قباء الّذي أسّس من أوّل يوم بنائه على التّقوى، وهي طاعة اللّه، وطاعة رسوله، وجمعًا لكلمة المؤمنين ومعقلا وموئلًا للإسلام وأهله؛ ولهذا قال تعالى: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه} والسّياق إنّما هو في معرض مسجد قباء؛ ولهذا جاء في الحديث الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "صلاةٌ في مسجد قباء كعمرة". وفي الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يزور مسجد قباء راكبًا وماشيًا وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا بناه وأسّسه أوّل قدومه ونزوله على بني عمرو بن عوفٍ، كان جبريل هو الّذي عيّن له جهة القبلة فاللّه أعلم.
وقال أبو داود: حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: "نزلت هذه الآية في أهل قباءٍ: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم الآية.
ورواه التّرمذيّ وابن ماجه، من حديث يونس بن الحارث، وهو ضعيفٌ، وقال التّرمذيّ: غريبٌ من هذا الوجه.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا الحسن بن عليٍّ المعمريّ، حدّثنا محمّد بن حميدٍ الرّازيّ، حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عويم بن ساعدة فقال: "ما هذا الطّهور الّذي أثنى اللّه عليكم؟ ". فقال: يا رسول اللّه، ما خرج منّا رجلٌ ولا امرأةٌ من الغائط إلّا غسل فرجه -أو قال: مقعدته -فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. "هو هذا".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا أبو أويسٍ، حدّثنا شرحبيل، عن عويم بن ساعدة الأنصاريّ: أنّه حدّثه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتاهم في مسجد قباء، فقال: "إنّ اللّه تعالى قد أحسن [عليكم الثّناء] في الطّهور في قصّة مسجدكم، فما هذا الطّهور الّذي تطهّرون به؟ " فقالوا: واللّه -يا رسول اللّه -ما نعلم شيئًا إلّا أنّه كان لنا جيرانٌ من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه.
وقال هشيم، عن عبد الحميد المدنيّ، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاريّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة. "ما هذا الّذي أثنى اللّه عليكم: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قالوا: يا رسول اللّه، إنّا نغسل الأدبار بالماء.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، حدّثنا محمّد بن سعدٍ، حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ، عن شرحبيل بن سعدٍ قال: سمعت خزيمة بن ثابتٍ يقول: نزلت هذه الآية: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قال: كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا مالكٌ -يعني: ابن مغول -سمعت سيّارًا أبا الحكم، عن شهر بن حوشبٍ، عن محمّد بن عبد اللّه بن سلامٍ قال: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يعني: قباء، فقال: "إنّ اللّه، عزّ وجلّ، قد أثنى عليكم في الطّهور خيرًا، أفلا تخبروني؟ ". يعني: قوله تعالى: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا نجده مكتوبًا علينا في التّوراة: الاستنجاء بالماء.
وقد صرّح بأنّه مسجد قباءٍ جماعةٌ من السّلف، رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ. ورواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير. وقاله عطيّة العوفيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، والشّعبيّ، والحسن البصريّ، ونقله البغويّ عن سعيد بن جبير، وقتادة.
وقد ورد في الحديث الصّحيح: أنّ مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي هو في جوف المدينة، هو المسجد الّذي أسّس على التّقوى. وهذا صحيحٌ. ولا منافاة بين الآية وبين هذا؛ لأنّه إذا كان مسجد قباءٍ قد أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، فمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بطريق الأولى والأحرى؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا عبد اللّه بن عامرٍ الأسلميّ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سهل بن سعدٍ، عن أبيّ بن كعبٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "المسجد الّذي أسّس على التّقوى مسجدي هذا". تفرّد به أحمد.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا ربيعة بن عثمان التّيميّ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سهل بن سعدٍ السّاعديّ قال: اختلف رجلان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد الّذي أسّس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الآخر: هو مسجد قباء.
فأتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألاه، فقال: "هو مسجدي هذا" تفرّد به أحمد أيضًا.
حديثٌ آخر: قال أحمد: حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا ليثٌ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال أحدهما: هو مسجد قباءٍ، وقال الآخر: هو مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "هو مسجدي هذا" تفرّد به أحمد.
طريقٌ أخرى: قال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا ليثٌ، حدّثني عمران بن أبي أنسٍ، عن ابن أبي سعيدٍ، عن أبيه أنّه قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، فقال رجلٌ: هو مسجد قباءٍ، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هو مسجدي".
وكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ عن قتيبة، عن اللّيث وصحّحه التّرمذيّ، ورواه مسلمٌ كما سيأتي.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا يحيى، عن أنيس بن أبي يحيى، حدّثني أبي قال: سمعت أبا سعيدٍ الخدريّ قال: اختلف رجلان: رجلٌ من بني خدرة، ورجلٌ من بني عمرو بن عوفٍ في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال الخدريّ: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال العمري: هو مسجد قباءٍ، فأتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألاه عن ذلك، فقال: "هو هذا المسجد" لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال: "في ذاك [خيرٌ كثيرٌ] يعني: مسجد قباءٍ.
طريقٌ أخرى: قال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ -حدّثنا حميدٌ الخرّاط المدنيّ، سألت أبا سلمة بن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ فقلت: كيف سمعت أباك يقول في المسجد الّذي أسّس على التّقوى؟ فقال أبي: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدخلت عليه في بيتٍ لبعض نسائه، فقلت: يا رسول اللّه، أين المسجد الّذي أسّس على التّقوى؟ قال: فأخذ كفًّا من حصباء فضرب به الأرض، ثمّ قال: "هو مسجدكم هذا". ثمّ قال: [فقلت له: هكذا] سمعت أباك يذكره؟.
رواه مسلمٌ منفردًا به عن محمّد بن حاتمٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، به ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن حاتم بن إسماعيل، عن حميدٍ الخرّاط، به.
وقد قال بأنّه مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جماعةٌ من السّلف والخلف، وهو مرويٌّ عن عمر بن الخطّاب، وابنه عبد اللّه، وزيد بن ثابتٍ، وسعيد بن المسيّب. واختاره ابن جريرٍ.
وقوله: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} دليلٌ على استحباب الصّلاة في المساجد القديمة المؤسّسة من أوّل بنائها على عبادة اللّه وحده لا شريك له، وعلى استحباب الصّلاة مع جماعة الصّالحين، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء، والتّنزّه عن ملابسة القاذورات.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن عبد الملك بن عميرٍ، سمعت شبيبًا أبا روحٍ يحدّث عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم الصّبح فقرأ بهم الرّوم فأوهم، فلمّا انصرف قال: "إنّه يلبس علينا القرآن، إن أقوامًا منكم يصلّون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصّلاة معنا فليحسن الوضوء".
ثمّ رواه من طريقين آخرين، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن شبيبٍ أبي روحٍ من ذي الكلاع: أنّه صلّى مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره فدلّ هذا على أنّ إكمال الطّهارة يسهّل القيام في العبادة، ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها.
وقال أبو العالية في قوله تعالى: {واللّه يحبّ المطّهّرين} إنّ الطّهور بالماء لحسنٌ، ولكنّهم المطّهّرون من الذّنوب.
وقال الأعمش: التّوبة من الذّنب، والتّطهير من الشّرك.
وقد ورد في الحديث المرويّ من طرقٍ، في السّنن وغيرها، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباءٍ: "قد أثنى اللّه عليكم في الطّهور، فماذا تصنعون؟ " فقالوا: نستنجي بالماء.
وقد قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا عبد اللّه بن شبيبٍ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد العزيز قال: وجدته في كتاب أبي، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: نزلت هذه الآية في أهل قباءٍ. {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} فسألهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّا نتبع الحجارة الماء.
ثمّ قال: تفرّد به محمّد بن عبد العزيز، عن الزّهريّ، ولم يرو عنه سوى ابنه.
قلت: وإنّما ذكرته بهذا اللّفظ لأنّه مشهورٌ بين الفقهاء ولم يعرفه كثيرٌ من المحدّثين المتأخّرين، أو كلّهم، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 210-217]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (109) لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلا أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (110)}
يقول تعالى: لا يستوي من أسّس بنيانه على تقوى اللّه ورضوانٍ، ومن بنى مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل، فإنّما بنى هؤلاء بنيانهم {على شفا جرفٍ هارٍ} أي: طرف حفيرة مثاله {في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} أي: لا يصلح عمل المفسدين.
قال جابر بن عبد اللّه: رأيت المسجد الّذي بني ضرارًا يخرج منه الدّخان على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن جريج ذكر لنا أنّ رجالًا حفروا فوجدوا الدّخان يخرج منه. وكذا قال قتادة.
وقال خلف بن ياسين الكوفيّ: رأيت مسجد المنافقين الّذي ذكره اللّه تعالى في القرآن، وفيه جحرٌ يخرج منه الدّخان، وهو اليوم مزبلة. رواه ابن جريرٍ رحمه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 217]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم} أي: شكًّا ونفاقًا بسبب إقدامهم على هذا الصّنيع الشّنيع، أورثهم نفاقًا في قلوبهم، كما أشرب عابدو العجل حبّه.
وقوله: {إلا أن تقطّع قلوبهم} أي: بموتهم. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وزيد بن أسلم، والسّدّيّ، وحبيب بن أبي ثابتٍ، والضّحّاك، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ من علماء السّلف.
{واللّه عليمٌ} أي: بأعمال خلقه، {حكيمٌ} في مجازاتهم عنها، من خيرٍ وشرٍّ).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 217]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة