سورة النساء
[ من الآية (94) إلى الآية (96) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فتثبّتوا... (94).
قرأ حمزة والكسائي بالثاء في السورتين.
وقرأ الباقون (فتبيّنوا) بالنون من البيان.
قال أبو منصور: التثبت والتبين بمعنى واحد، قال الفراء: تقول العرب للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين، وحتى تثبت). [معاني القراءات وعللها: 1/315]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لمن ألقى إليكم السّلام... (94)
قرأ نافع وابن عامر وحمزة: (السّلم) بغير ألف، وقرأ الباقون: (السّلام) بألف، وروى شيبان عن أبان عن عاصم: (إليكم السّلم) بكسر السين.
قال أبو منصور: من قرأ (إليكم السّلام) فقد جاء في التفسير أن رجلا سلم على بعض سرايا المسلمين وظنوا أنه عائذ بالإسلام
[معاني القراءات وعللها: 1/315]
وليس مسلمًا فقتل، ومن قرأ (السّلم) فمعناه: الاستسلام، و(السّلم) يكون بمعنى الصلح، ويكون بمعنى الإسلام). [معاني القراءات وعللها: 1/316]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} [94].
قرأ حمزة والكسائي {فتثبتوا}.
وقرأ الباقون بالباء، والأمر بينهما قريب، وذلك أن العرب تقول: تثبت في أمري وتبينت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن التبيين من الله والعجلة من الشيطان فتبينوا»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/136]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {لمن ألقى إليكم السلم} [94].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي {السلم} بألف.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/136]
وقرأ الباقون بغير ألف {السلم} وفتح اللام، يعني المقادة، وهو أن يُعطي الرجل بيده ويستسلم. والسلام: هو السلام المعروف، وهو الاختيار: لما روى عن ابن عباس أن رجلاً سلم عليهم فقتلوه، قدروا أنه فعل ذلك خوفًا، فأنزل الله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/137]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الثاء والنون من قوله [جلّ وعز]: فتثبتوا [النساء/ 94].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: فتبينوا بالنون، وكذلك في الحجرات [الآية/ 6].
وقرأ حمزة والكسائي: فتثبتوا بالتاء وكذلك في الحجرات.
[الحجة للقراء السبعة: 3/173]
[قال أبو علي]: حجة من قال: تثبتوا: أن التثبّت هو خلاف الإقدام، والمراد التأنّي، وخلاف التقدّم، والتثبّت أشد اختصاصا بهذا الموضع. ومما يبين ذلك قوله: وأشد تثبيتا [النساء/ 66] أي: أشدّ وقفا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه.
ومما يقوّي ذلك قولهم: تثبّت في أمرك. ولا يكاد يقال في هذا المعنى: تبيّن.
ومن قرأ: فتبينوا فحجته أنّ التبيّن ليس وراءه شيء، وقد يكون تبينت أشدّ من تثبّت، وقد جاء
أنّ التبيّن من الله، والعجلة من الشيطان
» فمقابلة التبيّن بالعجلة دلالة على تقارب التثبت والتبيّن وقد قال الأعشى:
كما راشد تجدنّ امرأ* تبيّن ثمّ ارعوى أو قدم
[الحجة للقراء السبعة: 3/174]
فاستعمل التبين في الموضع الذي يقف فيه ناظرا في الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه. فالتبين على هذا أولى من التثبت، وقال في موضع الزجر والنهي والتوقف:
أزيد مناة توعد يا بن تيم... تبيّن أين تاه بك الوعيد). [الحجة للقراء السبعة: 3/175]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [جلّ وعز]: ألقى إليكم السلام [النساء/ 94].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر، وحفص عن عاصم والكسائي: السلام بألف.
وروى قنبل والبزّيّ ومطرّف بن معقل الشّقريّ عن ابن كثير، وحكيم عن شبل عن ابن كثير (السلام) بألف.
وروى محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير السلم* بغير ألف. وروى عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير: ألقى إليكم السلم بغير ألف.
[الحجة للقراء السبعة: 3/175]
قال عبيد: وهم يقرءون كلّ شيء في القرآن من الاستسلام بغير ألف.
وروى علي بن نصر عن أبان عن عاصم إليكم السلام بألف.
[حدّثنا أحمد قال] حدّثني الحسين بن علي بن مالك قال: حدّثنا أحمد بن صالح قال: حدّثنا حرميّ عن أبان عن عاصم، وحدثني موسى بن هارون عن شيبان عن أبان عن عاصم ألقى إليكم السلم بالكسر وتسكين اللام. المفضّل عن عاصم: السلم* مثل حمزة.
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة: السلم* بغير ألف.
قال أبو علي: من قرأ: السلام احتمل ضربين:
أحدهما: أن يكون السلام الذي هو تحيّة المسلمين، أي:
لا تقولوا لمن حيّاكم هذه التحيّة: إنّما قالها تعوّذا، فتقدموا
[الحجة للقراء السبعة: 3/176]
عليه بالسيف، ولكن كفّوا عنه، واقبلوا منه ما أظهره من ذلك وارفعوا عنه السيف.
والآخر: أن يكون المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم، وكفّوا أيديهم عنكم، ولم يقاتلوكم: لست مؤمنا.
قال أبو الحسن: يقولون: إنّما فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا، فكأنّ المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم، ولم يخالطكم في القتال: لست مؤمنا. ومن قال: السلم* أراد الانقياد والاستسلام إلى المسلمين، ومنه قوله تعالى: وألقوا إلى الله يومئذ السلم [النحل/ 87] أي: استسلموا لأمره، ولما يراد منهم، ولم يكن لهم من ذلك محيص ومنه قوله: ورجلا سلما لرجل [الزمر/ 29] أي: منقاد له غير مخالف عليه ولا متشاكس. ومن قال: السلم* بكسر السين وسكون اللام، فمعناه: الإسلام.
والإسلام: مصدر أسلم، أي: صار سلما، وخرج عن أن يكون حربا.
قال الشاعر:
فإن السّلم زائدة نوالا... وإنّ نوى المحارب لا تئوب
وقال آخر:
تبين صلاة الحرب منّا ومنهم... إذا ما التقينا والمسالم بادن
[الحجة للقراء السبعة: 3/177]
فالمسالم: خلاف المحارب. وقال تعالى: ادخلوا في السلم كافة [البقرة/ 208] والسّلم: الصلح، وقد يفتح فيقال: السّلم، ومنه قوله سبحانه: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم... [محمد/ 35]. أي: لا تدعو إلى الصلح والمكافّة، ولكن قاوموهم وقاتلوهم، تعلوا عليهم وتعل كلمتكم.
ولا يجوز أن يكون المراد فيمن قرأ هذه الآية السلم*: الصلح، ولكن الإسلام كقوله: ادخلوا في السلم [البقرة/ 208] ألا ترى أنّ الحربي إذا حاول من المسلم الصلح كان له الخيار في قتاله ومصالحته، وإذا أظهر له الإسلام لم يجز قتاله.
والمعنى في الآية: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام لست مسلما. والسّلم الذي هو: الصلح، تفتح فاؤه وتكسر، ويؤنّث ويذكّر، قال تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [الأنفال/ 61] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/178]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا} 94
[حجة القراءات: 208]
قرأ حمزة والكسائيّ (فتثبتوا) بالثاء وكذلك في الحجرات أي فتأنوا وتوقفوا حتّى تتيقنوا صحة الخبر
وقرأ الباقون {فتبيّنوا} بالياء والنّون أي فافحصوا واكشفوا وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه
ألا إن التبين من الله والعجلة من الشّيطان فتبيّنوا
قرأ نافع وابن عامر وحمزة (لمن ألقى إليكم السّلم) بغير ألف أي المقادة والاستسلام وعن الرّبيع قال الصّلح
وقرأ الباقون {السّلام} أي التّحيّة وحجتهم في ذلك أن المقتول قال لهم السّلام عليكم فقتلوه وأخذوا سلبه فأعلم الله أن حق من ألقى السّلام أن يتبيّن أمره). [حجة القراءات: 209]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {فتبينوا} قرأه حمزة والكسائي بالثاء، من التثبت في موضعين، في هذه السورة وفي موضع في الحجرات وقرأ الباقون بالياء، من التبيين.
62- وحجة من قرأ بالثاء، أنه لما كان معنى الآية الحض للمؤمنين على التأنين وترك الإقدام على القتل، دون تثبت وتبين، أتى بالتثبت، لأنه خلاف الإقدام، والتثبت أفسح للمأمور من التبيين لأن كل من أراد أن يتثبت قدر على ذلك، وليس كل من أراد أن يتبين قدر على ذلك؛ لأنه قد يتبين ولا يتبين له ما أراد بيانه.
63- وحجة من قرأ بالياء من البيان أنه لما كان معنى الآية: افحصوا عن أمر من لقيتموه، واكشفوا عن حاله قبل أن تبطشوا بقتله، حتى تتبين لكم حقيقة ما هو عليه من الدين حمل على التبين؛ لأنه به يظهر الأمر، وأيضًا فإن التبين يعم التثبت، لأن كل من تبين أمرًا فليس يتبينه؛ إلا بعد تثبت، ظهر له ذلك الأمر أو لم يظهر له، لابد من التثبت مع التبين، ففي التبين معنى التثبت، وليس كل من تثبت في أمر تبينه، قد يثبت ولا يتبين له الأمر، فالتبين أعم من التثبت
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/394]
في المعنى لاشتماله على التثبت، وقد جاء عن النبي عليه السلام أنه قال: «التبين والعجلة من الشيطان، فتبينوا» والاختيار القراءة بالياء، لعموم لفظها ولأن أكثر القراء عليها، ولأن بها قرأ أبو عبد الرحمن والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وقتادة وابن جبير، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد، وقرأ ابن مسعود وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بالثاء، وهو اختيار الطبري). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/395]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {السلام لست مؤمنًا} قرأه حمزة ونافع وابن عامر بغير ألف، على معنى الاستسلام والانقياد، ومنه قوله: {وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم} «النحل 87» فالمعنى: لا تقولوا لمن استسلم إليكم وانقاد لست مسلمًا فتقتلوه حتى تتبينوا أمره، وقرأ الباقون «السلام» بألف، على معنى السلام، الذي هو تحية الإسلام، وعلى معنى: لا تقولوا لمن حياكم تحية الإسلام لست مؤمنًا، فتقتلوه، لتأخذوا سلبه، ويجوز أن يكون المعنى: لا تقولوا لمن كف يده عنكم واعتزلكم لست مؤمنًا، حكى الأخفش أنه يقال: أنا سلام، أي معتزل عنكم، لا نخالطكم، ومنه قوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} «الفرقان 63» لم يخبر عنهم أنهم حيوهم بالسلام إنما معناه: قالوا براء منكم لا نخالطم، وبالألف قرأ ابن عباس وابن جبير وابن هرمز وقتادة والجحدري وابن سيرين، والألف أحب إلي؛ لأن أكثر القراء عليه، ولأنه أبين في المعنى، وقد روي في ما قال لهم الرجل الذي قتلوه، ونزلت هذه الآية بسببه، أنه قال لهم: إني مسلم، وروي أنه شهد أن لا إله إلا الله فلم يصدقوه، وقتلوه وروي أنه قال لهم: السلام عليكم، فاتهموه وقتلوه، وهذا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/395]
كله يدل على السلام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/396]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {فَتَثَبَّتُوا} [آية/ 94]:-
بالثاء والتاء من الثبات، قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في الحجرات {فَتَثَبَّتُوا}، وذلك لأن التثبت الذي يراد به التأني أشد اختصاصًا بهذا الموضع؛ لأن العرب تقول: تثبت في أمرك، أي لا تعجل، والمعنى: أرفقوا ولا تعجلوا.
وقرأ الباقون {فَتَبَيَّنُوا}.
وهو قريب من الأول؛ إذ يتضمن ثباتًا مع حصول علمٍ ومعرفةٍ، يدل على تقارب التثبت والتبين قول الأعشى:-
26- كما راشد تجدن امرءًا = تبين ثم ارعوى أو قدم
[الموضح: 423]
وقد جاء أن التبين من الله والعجلة من الشيطان، فمقابلة التبين بالعجلة تدل على تقاربهما). [الموضح: 424]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} [آية/ 94]:-
بغير ألف، قرأها نافع وابن عامر وحمزة.
ومعنى السلم: الاستسلام والانقياد، كما قال تعالى {وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ}. والمراد: ولا تقولوا لمن لم يقاتلكم، وانقاد لكم: لست مؤمنًا.
وقرأ الباقون {السَلاَمَ} بالألف.
وهو التحية، أي لا تقولوا لمن حياكم بتحية المسلمين: إنما قالها تعوذًا، بل كفوا عنه واقبلوا منه ظاهر ما أبداه لكم من الإسلام، وارفعوا عنه السيف). [الموضح: 425]
قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (غير أولي الضّرر... (95)
قرأ نافع وابن عامر والكسائي: (غير أولي الضّرر) نصبًا، وكذلك روى شبل عن ابن كثيرٍ، وقرأ الباقون: (غير) بالرفع.
قال أبو منصور: من نصب (غير) فعلى الحال، ومن رفع فعلى أنه نعت للقاعدين، وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون (غير) منصوبا على الاستثناء من (القاعدين)، المعنى: لا يستوي القاعدون إلا أولي الضرر، قال وبجوز أن تكون (غير) منصوبة على الحال: لا يستوي القاعدون في حال صحتهم.
وقال ابن الأنباري: يجوز النصب في (غير) على القطع، وعلى الاستثناء). [معاني القراءات وعللها: 1/316]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {غير أولي الضرر} [95].
قرأ نافع والكسائي وابن عامر {غير} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع نعتًا للقاعدين، ومن نصبه جعله استثناء بمعنى «إلا»، وهو الاختيار؛ لأن ابن [أمُّ] مكتوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حاله وضره فأنزل الله تعالى: {غير أولي الضرر}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/137]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله [جلّ وعز]: غير أولي الضرر [النساء/ 95].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة غير أولي الضرر برفع الراء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/178]
[حدّثنا أحمد قال]: حدّثني الصّوفي الحسين بن بشر قال: حدثنا روح بن عبد المؤمن قال: حدثنا محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير أنّه قرأ: غير أولي الضرر بنصب الراء.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي: غير أولي* بنصب الراء.
قال أبو علي: من رفع الراء جعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه، وكذلك من قال: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب [الفاتحة/ 7] فجرّ غير* كان عنده أيضا صفة، ومثل ذلك قول لبيد:
وإذا جوزيت قرضا فاجزه... إنّما يجزي الفتى غير الجمل
[الحجة للقراء السبعة: 3/179]
فغير صفة للفتى. ومثله في «إلّا» في قول الشاعر:
لو كان غيري سليمى اليوم غيّره... وقع الحوادث إلّا الصارم الذّكر
كأنه قال: لو كان غيري غير الصارم الذّكر، غيّره وقع الحوادث، قال: والمعنى: أنّ الصارم الذكر لا يغيره شيء.
ومن نصب غيرا جعله استثناء من القاعدين. قال أبو الحسن: وبها نقرأ. قال: وبلغنا أنّها نزلت من بعد قوله: لا يستوي القاعدون، ولم تنزل معها؛ استثني بها قوم لم يقدروا على الخروج. والقاعدون مرتفع بقوله: يستوي ويستوي هذا يقتضي فاعلين فصاعدا.
وقوله: والمجاهدون معطوف عليه التقدير: لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضرر والمجاهدون). [الحجة للقراء السبعة: 3/180]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون} 95
[حجة القراءات: 209]
قرأ نافع وابن عامر والكسائيّ {غير أولي الضّرر} بنصب الرّاء وقرأ الباقون بالرّفع
قال الزّجاج فأما الرّفع فمن جهتين إحداهما أن يكون {غير} صفة للقاعدين وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة المعنى لا يستوي القاعدون الّذين هم غير أولي الضّرر أي لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين قال ويجوز أن يكون {غير} رفعا على جهة الاستثناء المعنى لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلّا أولو الضّرر فإنّهم يساوون المجاهدين لأن الّذين أقعدهم عن الجهاد الضّرر
ومن نصب جعله استثناء من القاعدين وهو استثناء منقطع عن الأول المعنى لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضّرر فإنّهم يساوون وحجتهم أن الأخبار تظاهرت بأن هذه الآية لما نزلت شكا ابن أم مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه عجزه عن الجهاد في سبيل الله فاستثنى الله أهل الضّرر من القاعدين وأنزل {غير أولي الضّرر}
[حجة القراءات: 210]
ويروي عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول اله صلى الله عليه فقال لي اكتب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) فجاء عبد الله بن أم مكتوم فقال يا رسول الله إنّي أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما قد ترى ذهب بصري قال زيد فثقلت فخذ رسول الله صلى الله عليه على فخذي حتّى خشيت أن ترضها ثمّ سري عنه ثمّ قال اكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر}
ويجوز أن يكون غير منصوبًا على الحال المعنى لا يستوي القاعدون في حال صحتهم والمجاهدون كما تقول جاءني زيد غير مريض أي جاءني زيد صحيحا). [حجة القراءات: 211]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (65- قوله: {غير أولي الضرر} قرأ الكسائي ونافع وابن عامر بالنصب، على الاستثناء من القاعدين؛ لأنه ثبت أنه نزل بعد نزول لا {يستوي القاعدون} فلو كان صفة لم يكن النزول فيهما إلا في وقت واحد، فلما نزل {غير أولي الضرر} في وقت بعد وقت نزل {لا يستوي القاعدون} علم أنه استثناء، إذ لو كان صفة لنزل مع القاعدين في وقت، وقد ثبت أنهما نزلا في وقتين، وروى زيد بن ثابت أن ابن أم مكتوم الأعمى لما نزل {لا يستوي القاعدون} فلو كان صفة لم يكن النزول فيهما إلا في وقت واحد، فلما نزل {غير أولي الضرر} في وقت بعد وقت نزل {لا يستوي القاعدون}، علم أنه أن النبي عليه السلام قرأه بالنصب، وبه قرأ زيد بن ثابت وأبو جعفر وشيبة وأبو الزناد وشبل وابن الهادي هو أحب إلي، وهو اختيار أبي عبيد والطبري وأبي طاهر، وقرأ الباقون بالرفع على أن «غير» صفة لـ «القاعدين»، كما قال: {غير المغضوب عليهم} «الفاتحة 7» فأتت غير صفة لـ «الذين»، إذ لا يقصد بهم قصد أشخاص بأعيانهم، فاللفظ لفظ المعرفة، والمعنى معنى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/396]
النكرة، وكذلك «القاعدون» فلذلك وصفوا بـ «غير» وهي لا تكون إلا صفة النكرة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/397]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {غَيْرَ أولِي الضَرَرِ} [آية/ 95]:-
بالنصب، قرأها نافع وابن عامر والكسائي.
ووجه نصبه أنه استثناء من القاعدين، وهو ضعيف؛ لأن الاستثناء ينبغي له أن يكون بعد التمام، وليس الكلام عند قوله {غير أولِي الضَرَرِ} بتامٍّ.
[الموضح: 425]
ويجوز أن يكون نصبًا على الحال.
وقرأ الباقون {غَيْرُ أُولِي الضَرَرِ} بالرفع.
على أنه صفة للقاعدين، كما أنها صفة في قوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وكما قال {التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ}). [الموضح: 426]
قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين