تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل من يرزقكم من السّموات والأرض} [سبأ: 24] يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل للمشركين.
ثمّ قال: {قل اللّه وإنّا أو إيّاكم} [سبأ: 24]، أي: أنّ أحد الفريقين نحن وأنتم {لعلى هدًى أو في ضلالٍ مبينٍ} [سبأ: 24] وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه {لعلى هدًى} [سبأ: 24] أحد الفريقين، أي: فنحن على الهدى، وأنتم في ضلالٍ مبينٍ، وهي كلمةٌ عربيّةٌ يقول الرّجل لصاحبه: إنّ أحدنا لصادقٌ، يعني: نفسه، وكقوله: إنّ أحدنا لكاذبٌ، يعني: صاحبه، وكان هذا بمكّة وأمر المسلمين يومئذٍ ضعيفٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/760]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى...}
قال المفسّرون معناه: {وإنا لعلى هدىً وأنتم في ضلالٍ مبين}: معنى (أو) : معنى الواو عندهم, وكذلك هو في المعنى, غير أن العربيّة على غير ذلك: لا تكون (أو) بمنزلة الواو, ولكنها تكون في الأمر المفوّض، كما تقول: إن شئت فخذ درهماً أو اثنين، فله أن يأخذ واحداً أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثةً.
وفي قول من لا يبصر العربيّة , ويجعل (أو) بمنزلة الواو يجوز له أن يأخذ ثلاثة؛ لأنه في قولهم بمنزلة قولك: خذ درهماً واثنين, والمعنى في قوله: {وإنّا أو إيّاكم}: إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضاً لضالون أو مهتدون، وهو يعلم أن رسوله المهتدي , وأن غيره الضّال: الضالون, فأنت تقول في الكلام للرجل: إن أحدنا لكاذب , فكذّبته تكذيباً غير مكشوف, وهو في القرآن وفي كلام العرب كثير: أن يوجّه الكلام إلى أحسن مذاهبه إذا عرف؛ كقولك: والله لقد قدم فلان , وهو كاذب , فيقول العالم: قل: إن شاء الله , أو قل فيما أظنّ , فيكذّبه بأحسن من تصريح التكذيب، ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله, ثم يستقبحونها، فيقولون: قاتعه وكاتعه, ويقولون جوعاً , دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها , فيقولون: جوداً، وبعضهم: جوساً, ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، إنما هي ويلك إلاّ أنها دونها بمنزلة ما مضى.). [معاني القرآن: 2/362]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وإنا وإيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مّبين }: مجازه: إنا لعلى هدى وإياكم إنكم في ضلال مبين ؛ لأن العرب تضع " أو " في موضع واو الموالاة قال:
أثعلبة الفوارس أو رياحا= عدلت بهم طهيّة والخشابا
يعنى : أثعلبة , ورياحا, وقال: قوم قد يتكلم بهذا من لا يشك في دينه وقد علموا أنهم على هدى , وأولئك في ضلال مبين , فيقال : هذا , وإن كان كلاماً واحداً على وجه الاستهزاء , يقال هذا لهم، قال أبو الأسود:
يقول الأرذلون بنو قشير= طوال الدهر ما تنسى عليا
بنو عمّ النبيّ وأقربوه= أحبّ الناس كلّهم إليّا
فإن يك حبّهم رشداً أصبه= ولست بمخطئ إن كان غيّا). [مجاز القرآن: 2/148]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل من يرزقكم مّن السّماوات والأرض قل اللّه وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مّبينٍ}
وقال: {وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى}: فليس هذا لأنه شك , ولكن هذا في كلام العرب على أنه هو المهتدي, وقد يقول الرجل لعبده "احدنا ضاربٌ صاحبه" , فلا يكون فيه إشكال على السامع : أن المولى هو الضارب.). [معاني القرآن: 3/33]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإنّا أو إيّاكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبينٍ} هذا: كما تقول: أحدنا على باطل، وأنت تعلم أن صاحبك على الباطل، وأنك على الحق.
وقال أبو عبيدة: «معناها» إنك لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين».). [تفسير غريب القرآن: 357]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن هذا الباب قول الله عز وجل: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. والمعنى: إنّا لضالّون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون، أو مهتدون، وهو جل وعز يعلم أن رسوله المهتدي وأن مخالفه الضالّ، وهذا كما تقول للرّجل يكذبك ويخالفك: إنّ أحدنا لكاذب. وأنت تعنيه، فكذّبته من وجه هو أحسن من التصريح، كذلك قال الفرّاء). [تأويل مشكل القرآن: 269]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل من يرزقكم من السّماوات والأرض قل اللّه وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (24)}
روي في التفسير : أن المعنى : وإنا لعلى هدى , وإنكم لفي ضلال مبين، وهذا في اللغة غير جائز , ولكنه في التفسير : يؤول إلى هذا المعننى , إنا لعلى هدى, أو في ضلال مبين, أو إنكم لعلى هدى , أو في ضلال مبين، وإنكم لعلى هدى , أو في ضلال مبين.
فهذا كما يقول القائل: إذا كانت الحال تدل على أنه صادق أحدنا صادق، وأحدنا كاذب، والمعنى: أحدنا صادق , أو كاذب. ويؤول معنى الآية إلى: إنا لما أقمنا من البرهان , لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين.). [معاني القرآن: 4/253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}
المعنى : وإنا لعلى هدى , أو في ضلال مبين , أو إياكم لعلى هدى , أو في ضلال مبين , ثم حذف .
وهذا على حسن المخاطبة , والتقرير , أي: قد ظهرت البراهين , وتبين الحق كما يقال : قد علمت أينا الكاذب.
قال قتادة: {ثم يفتح بيننا }: (أي: يقضي بيننا)). [معاني القرآن: 5/418]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {قل لا تسألون عمّا أجرمنا ولا نسأل عمّا تعملون} [سبأ: 25] كقوله: {قل إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريءٌ ممّا تجرمون} [هود: 35].
وكقوله: {وإن كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريءٌ ممّا تعملون} [يونس: 41] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/760]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قل يجمع بيننا ربّنا} [سبأ: 26] يوم القيامة.
{ثمّ يفتح بيننا بالحقّ} [سبأ: 26]، يعني: ثمّ يقضي بيننا ربّنا الحقّ.
{وهو الفتّاح} [سبأ: 26]، يعني: القاضي.
{العليم} وهو تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/760]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ثمّ يفتح بيننا بالحقّ }: أي يحكم بيننا.). [مجاز القرآن: 2/149] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ثمّ يفتح بيننا بالحقّ}: أي: يقضي, ومنه قوله تعالى: {وأنت خير الفاتحين} , أي : القضاة.). [تفسير غريب القرآن: 357]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{قل يجمع بيننا ربّنا ثمّ يفتح بيننا بالحقّ وهو الفتّاح العليم (26)}: معنى يفتح: يحكم، وكذلك الفتاح: الحاكم.). [معاني القرآن: 4/254]
تفسير قوله تعالى:{قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل أروني الّذين ألحقتم به شركاء} [سبأ: 27] جعلتموهم شركاءه فعبدتموهم، يعني: أوثانهم ما نفعوكم وأجابوكم به.
[تفسير القرآن العظيم: 2/760]
كلا لستم بالّذين تأتون بما نفعوكم وأجابوكم به إذ كنتم تدعونهم، أي: لم ينفعوكم ولم يجيبوكم ولا ينفعونكم ولا أنفسهم، ثمّ استأنف الكلام فقال: {بل هو اللّه} [سبأ: 27] الّذي لا شريك له ولا ينفع إلا هو.
{العزيز} الّذي ذلّت له الخلائق.
{الحكيم} الّذي أحكم كلّ شيءٍ في تفسير الحسن.
وتفسير قتادة {الحكيم} في أمره , وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/761]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال عز وجل: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} أي: يقضي، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} : أي خير القضاة. وقال أعرابي لآخر ينازعه: بيني وبينكم الفتاح، يعني الحاكم.
وقال ابن عباس في قول الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (كنت أقرؤها ولا أدري ما هي، حتى تزوجت بنت مشرح فقالت: فتح الله بيني وبينك، أي حكم الله بيني وبينك)). [تأويل مشكل القرآن: 492-493] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -:{قل أروني الّذين ألحقتم به شركاء كلّا بل هو اللّه العزيز الحكيم (27)}
المعنى ألحقتموهم به، ولكنه حذف لأنه في صلة الذين.
وقوله:{كلّا بل هو اللّه العزيز الحكيم}: معنى (كلّا) ردع وتنبيه، المعنى: ارتدعوا عن هذا القول , وتنبّهوا عن ضلالتكم، بل هو اللّه الواحد الذي ليس كمثله شيء.). [معاني القرآن: 4/254]
تفسير قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وما أرسلناك إلا كافّةً للنّاس} [سبأ: 28] إلى جماعة الخلق، الجنّ والإنس {بشيرًا} [سبأ: 28] بالجنّة.
{ونذيرًا} من النّار.
{ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} أنّهم مبعوثون ومجازون). [تفسير القرآن العظيم: 2/761]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما أرسلناك إلاّ كافّة للنّاس}: أي: إلا عاماً.). [مجاز القرآن: 2/149] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إلّا كافّةً للنّاس}: أي : عامة.). [تفسير غريب القرآن: 357]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: {وما أرسلناك إلّا كافّة للنّاس بشيرا ونذيرا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (28)}
معنى كافة الإحاطة في اللغة، والمعنى أرسلناك جامعا للناس في الإنذار والإبلاغ، فأرسل اللّه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب والعجم، وقال: ((أنا سابق العرب إلى الإسلام، وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبشة وسلمان سابق الفرس))، أي الرسالة عامة، والسابقون من العجم هؤلاء). [معاني القرآن: 4/254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما أرسلناك إلا كافة للناس}
قال مجاهد: (أي إلى الناس جميعا).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أرسلت إلى كل أحمر وأسود))). [معاني القرآن: 5/418]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا كافة}: أي: جماعة الخلق من الثقلين من الجن والإنس من قوله: {يا معشر الجن والإنس}.). [ياقوتة الصراط: 415]
تفسير قوله تعالى:{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ويقولون}، يعني: المشركين.
{متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [سبأ: 29] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/761]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({متى هذا الوعد }: والوعيد , والميعاد واحد.).
[مجاز القرآن: 2/149]
تفسير قوله تعالى:{قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {قل لكم ميعاد يومٍ لا تستأخرون عنه ساعةً ولا تستقدمون} [سبأ: 30].
كانوا يسألون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم متى هذا العذاب الّذي تعذّبنا به؟ وذلك منهم استهزاءٌ وتكذيبٌ، فهذا جوابٌ لقولهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/761]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لّكم مّيعاد يومٍ...} ولو قرئت: ميعادٌ يوم, ولو كانت في الكتاب (يوماً) بالألف لجاز، تريد: ميعاد في يوم.). [معاني القرآن: 2/362]