تفسير قوله تعالى: (قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون} يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم بعضهم لبعضٍ: فأتوا بالّذي فعل هذا بآلهتنا الّذي سمعتموه يذكرها بعيبٍ، ويسبّها، ويذمّها على أعين النّاس، فقيل: معنى ذلك: على رءوس النّاس، وقال بعضهم: معناه: بأعين النّاس ومرأًى منهم، وقالوا: إنّما أريد بذلك: أظهروا الّذي فعل ذلك للنّاس، كما تقول العرب إذا ظهر الأمر وشهر: كان ذلك على أعين النّاس، يراد به كان بأيدي النّاس.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {لعلّهم يشهدون} فقال بعضهم: لعلّ النّاس يشهدون عليه أنّه الّذي فعل ذلك، فتكون شهادتهم عليه حجّةً لنا عليه وقالوا إنّما فعلوا ذلك لأنّهم كرهوا أن يأخذوه بغير بيّنةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون} عليه أنّه فعل ذلك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون} قال: كرهوا أن يأخذوه بغير بيّنةٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لعلّهم يشهدون ما يعاقبونه به فيعاينونه ويرونه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بلغ ما فعل إبراهيم بآلهة قومه نمرود، وأشراف قومه، فقالوا: {فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون} أي ما يصنع به.
وأظهر معنى ذلك: أنّهم قالوا: فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون عقوبتنا إيّاه، لأنّه لو أريد بذلك: ليشهدوا عليه بفعله، كان يقال: انظروا من شهده يفعل ذلك، ولم يقل: أحضروه بمجمعٍ من النّاس). [جامع البيان: 16/298-299]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قال: ترى أنه قال ذلك من حيث لا يسمعون {فجعلهم جذاذا} قال: قطعا {إلا كبيرا لهم} يقول: إلا كبير آلهتهم وأنفسها وأعظمها في أنفسهم، {لعلهم إليه يرجعون} قال: كايدهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون، وفي قوله: {قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون} قال: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، وفي قوله: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} إلى قوله: {أنتم الظالمون} قال: وهذه هي الخصلة التي كايدهم بها {ثم نكسوا على رؤوسهم} قال: أدركت القوم غيرة سوء فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} ). [الدر المنثور: 10/304] (م)
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم (62) قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}.
يقول تعالى ذكره: فأتوا بإبراهيم، فلمّا أتوا به قالوا له: أأنت فعلت هذا بآلهتنا من الكسر بها يا إبراهيم؟ فأجابهم إبراهيم: بل فعله كبيرهم هذا وعظيمهم، فاسألوا الآلهة: من فعل بها ذلك وكسرها إن كانت تنطق أو تعبّر عن نفسها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لمّا أتي به واجتمع له قومه عند ملكهم نمرود {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم (62)} ). [جامع البيان: 16/299-300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قال: ترى أنه قال ذلك من حيث لا يسمعون {فجعلهم جذاذا} قال: قطعا {إلا كبيرا لهم} يقول: إلا كبير آلهتهم وأنفسها وأعظمها في أنفسهم، {لعلهم إليه يرجعون} قال: كايدهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون، وفي قوله: {قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون} قال: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، وفي قوله: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} إلى قوله: {أنتم الظالمون} قال: وهذه هي الخصلة التي كايدهم بها {ثم نكسوا على رؤوسهم} قال: أدركت القوم غيرة سوء فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} ). [الدر المنثور: 10/304] (م)
تفسير قوله تعالى: (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال مر إبراهيم وسارة بجبار من الجبابرة فأخبر الجبار بهما فأرسل إلى إبراهيم فقال من هذه معك فقال أختي قال أبو هريرة ولم يكذب إبراهيم قط إلا ثلاث مرات مرتين في الله وواحدة في امرأته قوله {إني سقيم} وقوله {بل فعله كبيرهم} هذا وقوله للجبار في امرأته هي أختي فلما خرج من عند الجبار دخل على سارة فقال لها إن الجبار سألني عنك فأخبرته أنك أختي فأنت أختي في الله فإن سألك فأخبريه أنك أختي فأرسل إليها الجبار فلما دخلت عليه دعت الله أن يكفه عنها قال أيوب فضبث بيده فأخذ أخذة شديدة فعاهدها لئن خلي عنه لا يقربها فدعت الله فخلي عنه ثم هم بها الثانية فأخذ أخذة هي أشد من الأولى فعاهدها أيضا لئن خلي عنه لا يقربها فدعت الله فخلي عنه ثم هم بها الثالثة فأخذ أخذة أشد من الأوليين فعاهدها أيضا لئن خلي عنه لا يقربها فدعت الله فخلي عنه فقال للذي أدخلها عليه أخرجها عني فإنك إنما أدخلت علي شيطانا ولم تدخل علي إنسانا وأخدمها هاجر فرجعت إلى إبراهيم وهو يصلي ويدعو الله فقالت فقد كف الله يد الفاجر الكافر وأخدم هاجر ثم صارت هاجر لإبراهيم بعد فولدت له إسماعيل قال أبو هريرة فتلكم أمكم يا بني ماء السماء كانت أمة لأم إسحاق يعني العرب.
أنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: قال النبي إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم فإن لهم ذمة وإن لهم رحما). [تفسير عبد الرزاق: 2/35-36] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} قال: صنمهم [الآية: 63]). [تفسير الثوري: 202]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن أبي الزّناد، عن عبد الرّحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: لم يكذب إبراهيم في شيءٍ قطّ إلاّ في ثلاثٍ: قوله: {إنّي سقيمٌ} ولم يكن سقيمًا، وقوله: لسارّة أختي، وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/172]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} غضب من أن يعبدوا معه هذه الصّغار، وهو أكبر منها، فكسّرهنّ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} الآية، وهي هذه الخصلة الّتي كادهم بها.
وقد زعم بعض من لا يصدّق بالآثار، ولا يقبل من الأخبار إلاّ ما استفاض به النّقل من العوامّ، أنّ معنى قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} إنّما هو: بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم، أي: إن كانت الآلهة المكسورة تنطق، فإنّ كبيرهم هو الّذي كسّرهم.
وهذا قولٌ خلاف ما تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ إبراهيم لم يكذب إلاّ ثلاث كذباتٍ، كلّها في اللّه، قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} وقوله: {إنّي سقيمٌ} وقوله لسارة: هي أختي. وغير مستحيلٍ أن يكون اللّه تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك، ليقرّع قومه به، ويحتجّ به عليهم، ويعرّفهم موضع خطئهم، وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذّن يوسف لإخوته: {أيّتها العير إنّكم لسارقون}، ولم يكونوا سرقوا شيئًا). [جامع البيان: 16/300-301]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فعله كبيرهم هذا قال جعل إبراهيم عليه السلام الفأس التي أهلك بها أصنامهم مسندة إلى صدر كبيرهم الذي تركه ولم يكسره). [تفسير مجاهد: 412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} قال: عظيم آلهتهم). [الدر المنثور: 10/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود والترمذي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهن في الله: قوله إني سقيم ولم يكن سقيما وقوله لسارة أختي وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} ). [الدر المنثور: 10/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى عن أبي سعيد أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الناس إبراهيم فيقولون له: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله قوله: (إني سقيم) (الصافات آية 89) وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} وقوله لسارة أنها أختي). [الدر المنثور: 10/305]
تفسير قوله تعالى: (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظّالمون (64) ثمّ نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}.
يقول تعالى ذكره: فذكروا حين قال لهم إبراهيم صلوات اللّه عليه: {بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} في أنفسهم، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعضٍ، فقالوا: إنّكم معشر القوم الظّالمون هذا الرّجل في مسألتكم إيّاه، وقيلكم له: من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم وهذه آلهتكم الّتي فعل بها ما فعل حاضرتكم، فاسألوها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظّالمون} قال: ارعووا ورجعوا عنه يعني عن إبراهيم فيما ادّعوا عليه من كسرهنّ إلى أنفسهم فيما بينهم، فقالوا: لقد ظلمناه، وما نراه إلاّ كما قال.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فرجعوا إلى أنفسهم} قال: نظر بعضهم إلى بعضٍ {فقالوا إنّكم أنتم الظّالمون} ). [جامع البيان: 16/301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قال: ترى أنه قال ذلك من حيث لا يسمعون {فجعلهم جذاذا} قال: قطعا {إلا كبيرا لهم} يقول: إلا كبير آلهتهم وأنفسها وأعظمها في أنفسهم، {لعلهم إليه يرجعون} قال: كايدهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون، وفي قوله: {قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون} قال: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، وفي قوله: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} إلى قوله: {أنتم الظالمون} قال: وهذه هي الخصلة التي كايدهم بها {ثم نكسوا على رؤوسهم} قال: أدركت القوم غيرة سوء فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} ). [الدر المنثور: 10/304] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فرجعوا إلى أنفسهم} قال: نظر بعضهم إلى بعض). [الدر المنثور: 10/305]
تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({نكسوا} [الأنبياء: 65] : «ردّوا»). [صحيح البخاري: 6/97]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله نكسوا ردّوا قال أبو عبيدة في قوله ثمّ نكسوا على رؤوسهم أي قلبوا وتقول نكسته على رأسه إذا قهرته وقال الفرّاء نكسوا رجعوا وتعقّبه الطّبريّ بأنّه لم يتقدّم شيءٌ يصحّ أن يرجعوا إليه ثمّ أختار ما رواه بن إسحاق وحاصله أنّهم قلبوا في الحجّة فاحتجّوا على إبراهيم بما هو حجّةٌ لإبراهيم عليه السّلام وهذا كلّه على قراءة الجمهور وقرأ بن أبي عبلة نكسوا بالفتح وفيه حذفٌ تقديره نكسوا أنفسهم على رؤوسهم). [فتح الباري: 8/436-437]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (نكسوا ردّوا
أشار به إلى قوله تعالى: {نكسوا على رؤوسهم} (الأنبياء: 65) . وفسره بقوله: ردوا، على صيغة المجهول من الماضي، وعن أبي عبيدة، أي: قلبوا وقال الثّعلبيّ: نكسوا متحيرين وعلموا أن الأصنام لا تنطق ولا تبطش، يقال: نكسته قلبته فجعلت أسفله أعلاه، وانتكس انقلب، وقيل: انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه السّلام). [عمدة القاري: 19/64]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({نكسوا}) بتشديد الكاف مبنيًّا للمفعول وهي قراءة أبي حيوة وغيره لغة في المخففة في قوله: {ثم نكسوا على رؤوسهم} [الأنبياء: 65] أي (ردّوا) بضم الراء إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة بفرط إطراقهم خجلًا وانكسارًا وانخزالًا مما بهتهم إبراهيم عليه السلام فما أحاروا جوابًا إلا ما حجة لإبراهيم حين جادلهم فقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فأقروا بهذه الحجة التي لحقتهم). [إرشاد الساري: 7/241]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ثمّ نكسوا على رءوسهم} يقول جلّ ثناؤه: ثمّ غلبوا في الحجّة، فاحتجّوا على إبراهيم بما هو حجّةٌ لإبراهيم عليهم، فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء الأصنام ينطقون. كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثمّ قالوا: يعني قوم إبراهيم، وعرفوا أنّها، يعني آلهتهم، لا تضرّ ولا تنفع ولا تبطش: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} أي: لا تتكلّم فتخبرنا من صنع هذا بها، وما تبطش بالأيدي فنصدّقك، يقول اللّه: {ثمّ نكسوا على رءوسهم} في الحجّة عليهم لإبراهيم حين جادلهم، فقال عند ذلك إبراهيم حين ظهرت الحجّة عليهم بقولهم: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال اللّه: {ثمّ نكسوا على رءوسهم} أدركت النّاس حيرة سوءٍ.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثمّ نكسوا في الفتنة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ثمّ نكسوا على رءوسهم} قال: نكسوا في الفتنة على رءوسهم، فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.
وقال بعض أهل العربيّة: معنى ذلك: ثمّ رجعوا عمّا عرفوا من حجّة إبراهيم، فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.
وإنّما اخترنا القول الّذي قلنا في معنى ذلك، لأنّ نكس الشّيء على رأسه: قلبه على رأسه، وتصيير أعلاه أسفله، ومعلومٌ أنّ القوم لم يقلبوا على رءوس أنفسهم، وأنّهم إنّما نكست حجّتهم، فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجّتهم. وإذ كان ذلك كذلك، فنكس الحجّة لا شكّ إنّما هو احتجاج المحتجّ على خصمه بما هو حجّةٌ لخصمه.
وأمّا قول السّدّيّ: ثمّ نكسوا في الفتنة، فإنّهم لم يكونوا خرجوا من الفتنة قبل ذلك فنكسوا فيها.
وأمّا قول من قال من أهل العربيّة ما ذكرنا عنه، فقولٌ بعيدٌ من الفهوم، لأنّهم لو كانوا رجعوا عمّا عرفوا من حجّة إبراهيم، ما احتجّوا عليه بما هو حجّةٌ له، بل كانوا يقولون له: لا تسألهم، ولكن نسألك، فأخبرنا من فعل ذلك بها؟ وقد سمعنا أنّك فعلت ذلك، ولكن صدقوا القول فقالوا {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} وليس ذلك رجوعًا عمّا كانوا عرفوا، بل هو إقرارٌ به). [جامع البيان: 16/302-303]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قال: ترى أنه قال ذلك من حيث لا يسمعون {فجعلهم جذاذا} قال: قطعا {إلا كبيرا لهم} يقول: إلا كبير آلهتهم وأنفسها وأعظمها في أنفسهم، {لعلهم إليه يرجعون} قال: كايدهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون، وفي قوله: {قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون} قال: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، وفي قوله: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} إلى قوله: {أنتم الظالمون} قال: وهذه هي الخصلة التي كايدهم بها {ثم نكسوا على رؤوسهم} قال: أدركت القوم غيرة سوء فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} ). [الدر المنثور: 10/304] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد {ثم نكسوا على رؤوسهم} قال: في الرأي). [الدر المنثور: 10/306]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أفتعبدون من دون اللّه ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضرّكم (66) أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون اللّه أفلا تعقلون}.
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أفتعبدون أيّها القوم ما لا ينفعكم شيئًا، ولا يضرّكم، وأنتم قد علمتم أنّها لم تمنع نفسها ممّن أرادها بسوءٍ، ولا هي تقدر أن تنطق إن سئلت عمّن يأتيها بسوءٍ، فتخبر به، أفلا تستحيون من عبادة ما كان هكذا؟ كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {قال أفتعبدون من دون اللّه ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضرّكم} الآية، يقول يرحمه اللّه: ألا ترون أنّهم لم يدفعوا عن أنفسهم الضّرّ الّذي أصابهم، وأنّهم لا ينطقون فيخبرونكم من صنع ذلك بهم، فكيف ينفعونكم أو يضرّون). [جامع البيان: 16/303-304]
تفسير قوله تعالى: (أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أفٍّ لكم} يقول: قبحًا لكم وللآلهة الّتي تعبدون من دون اللّه، أفلا تعقلون قبح ما تفعلون من عبادتكم ما لا يضرّ ولا ينفع، فتتركوا عبادته، وتعبدوا اللّه الّذي فطر السّماوات والأرض، والّذي بيده النّفع والضّرّ؟). [جامع البيان: 16/304]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {أف} يعني الرديء من الكلام). [الدر المنثور: 10/306]