أسماء الله مشتقة من صفاته وأفعاله القائمة به
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( [الحاديَ عشرَ]: ([أنَّ] الربَّ - تعالى – يُشتَقُّ لهُ مِنْ أوصافِهِ وأفعالِهِ أسماءٌ، ولا يُشْتَقُّ لهُ مِنْ مَخلوقاتِهِ. وكلُّ اسمٍ مِنْ أسمائِهِ فهوَ مُشْتَقٌّ مِنْ صفةٍ مِنْ صفاتِهِ، أوْ فـعـلٍ قـائـمٍ بهِ، فـلوْ كانَ يُشتَقُّ لهُ اسمٌ باعتبارِ المخلوقِ المنفصِلِ [كان] يُسَمَّى مُتَكَوِّناً ومُتَحَرِّكاً وساكناً وطويلاً وأبيضَ وغيرَ ذلكَ؛ لأنَّهُ خالقُ هذهِ الصِّفَاتِ. فلَمَّا لم يُطْلَقْ عليهِ اسمٌ مِنْ ذلكَ معَ أنَّهُ خالقُهُ عُلِمَ أنَّهُ يَشْتَقُّ أسماءَهُ مِنْ أفعالِهِ وأوصافِهِ القائمةِ بهِ. وهوَ سُبحانَهُ لا يَتَّصِفُ بما هوَ مخلوقٌ منفصِلٌ عنهُ، ولا يَتَسَمَّى باسمِهِ.
ولهذا كانَ قولُ مَنْ قالَ: إنَّهُ يُسَمَّى مُتَكَلِّماً بكلامٍ مُنفصِلٍ عنهُ وَخَلَقَهُ في غيرِهِ، ومُريداً بإرادةٍ منفصِلةٍ عنهُ، وعادلاً بِعَدْلٍ مخلوقٍ منفصلٍ عنهُ، وخالقاً بِخَلْقٍ منفصلٍ عنهُ هوَ المخلوقُ، قَوْلاً باطلاً مخالِفاً للعقْلِ والنقْلِ واللغةِ، معَ تناقُضِهِ في نفسِهِ. فإن اشتُقَّ لهُ اسمٌ باعتبارِ مخلوقاتِهِ لَزِمَ طَرْدُ ذلكَ في كلِّ صِفَةٍ أوْ فعلٍ خَلَقَهُ ([28])، وإن خُصَّ ذلكَ ببعضِ الأفعالِ والصفاتِ دونَ بعضٍ كانَ تَحَكُّماً لا مَعْنَى لهُ.
وحقيقةُ قولِ هؤلاءِ أنَّهُ لم يَقُمْ بهِ عَدْلٌ ولا إحسانٌ ولا كلامٌ ولا إرادةٌ، ولا فِعْلٌ الْبَتَّةَ، ومَنْ تَجَهَّمَ منهم نَفَى حقائقَ الصِّفَاتِ، وقالَ: لم تَقُمْ بهِ صفةٌ ثُبوتيَّةٌ؛ فنَفَوْا صفاتِهِ ورَدُّوهَا إلى السُّلوبِ والإضافاتِ، ونَفَوْا أفعالَهُ ورَدُّوهَا إلى المصنوعاتِ المخلوقاتِ.
وحقيقةُ هذا أنَّ أسماءَهُ تعالى ألفاظٌ فارغةٌ عن المعاني لا حقائقَ لها، وهذا مِن الإلحادِ فيها، وإنكارِ أن تكونَ حُسْنَى. وقدْ قالَ تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف: 180].
وقدْ دَلَّ القرآنُ والسُّنَّةُ على إثباتِ مصادرِ هذهِ الأسماءِ لهُ سُبحانَهُ وَصْفاً كقولِهِ تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[البقرة: 165]، وقولِهِ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}[الذاريات: 58] وقولِهِ: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14]. وقولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:((لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ما انتهى إليهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) ([29])، وقولِ عائشةَ: ((الْحَمْدُ للهِ الذي وَسِعَ سمْعُهُ الأصواتَ)) ([30])، وقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ)). ([31]) وقولِهِ: ((أَسْأَلُكَ [بِعِلْمِكَ] الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ)) ([32])، وقولِهِ: ((أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ أَنْ تُضِلَّني)) ([33])، ولولا هذهِ المصادِرُ لانْتَفَتْ حقائقُ الأسماءِ والصفاتِ والأفعالِ، فإنَّ أفعالَهُ غيرُ صفاتِهِ، وأسماءَهُ غيرُ صِفاتِهِ، فإذا لم يَقُمْ بهِ فِعْلٌ ولا صفةٌ فلا معنَى للاسمِ المُجَرَّدِ، وهوَ بمنـزِلةِ صوتٍ لايُفيدُ شيئاً، وهذا غايَةُ الإلحادِ) ([34]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([28]) هكذا في الأصلِ، ولعلَّ الصوابَ: أو فِعْلٌ من أَفعالِ خَلْقِه.
([29]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 76.
([30]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 76.
([31]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 117.
([32]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (17861)، والنَّسَائِيُّ في كتابِ السهوِ / بابُ (63)، الحديثُ رقْمُ (1304،1305)، من حديثِ عمَّارِ بنِ ياسرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما.
([33]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (2743)، ومسلمٌ في كتابِ الذكرِ والدعاءِ / بابُ التعوُّذِ مِن شَرِّ ما عَمِلَ ومِنْ شَرِّ مَا لَمْ يَعْمَلْ (6837)، من حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
([34]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 262-264).