العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (111) إلى الآية (115) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (111) إلى الآية (115) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال الحسن في قول الله: {وأوحى ربك إلى النحل}، وقوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريين}، {وأوحينا إلى أم موسى}، إلهامٌ ألهمهم). [الجامع في علوم القرآن: 2/53-54] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عن الكلبي في قوله تعالى وإذ أوحيت إلى الحواريين قال قذف في قلوبكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/200]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة الحواري الوزير). [تفسير عبد الرزاق: 1/200]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون}
- أخبرنا عمران بن يزيد، حدّثنا مروان، حدّثنا عثمان بن حكيمٍ، حدّثني سعيد بن يسارٍ: أنّ ابن عبّاسٍ، أخبره، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية إلى قوله: {آمنّا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] إلى آخر الآية، وفي الأخرى {آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون} [المائدة: 111]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/89]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (الحواريّون
أخبرنا القاسم بن زكريّا، حدّثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، وسفيان، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأتينا بخبر القوم؟» فقال الزّبير: أنا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ نبيٍّ حواريًّا، وحواريّ الزّبير»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون}.
يقول تعالى ذكره: واذكر أيضًا يا عيسى إذ ألقيت إلى الحواريّين، وهم وزراء عيسى على دينه.
وقد بيّنّا معنى ذلك، ولم قيل لهم الحواريّون فيما مضى بما أغنى عن إعادته..
وقد اختلفت ألفاظ أهل التّأويل في تأويل قوله: {وإذ أوحيت} وإن كانت متّفقة المعاني، فقال بعضهم.
- بما حدّثني به، محمّد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين} يقول: قذفت في قلوبهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ألهمتهم.
فتأويل الكلام إذن: وإذ ألقيت إلى الحواريّين أن صدّقوا بي وبرسولي عيسى، فقالوا: آمنّا: أي صدّقنا بما أمرتنا أن نؤمن يا ربّنا. {واشهد} علينا {بأنّنا مسلمون}، يقول: واشهد علينا بأنّنا خاضعون لك بالذّلّة سامعون، مطيعون لأمرك). [جامع البيان: 9/116-117]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون (111)
قوله تعالى: وإذ أوحيت
- أخبرنا أحمد بن عثمان ابن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، أنبأ أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وإذ أوحيت إلى الحواريّين يقول: قذفت في قلوبهم
- وروي عن الحسن أنّه قال: ألهمتهم.
قوله تعالى: إلى الحواريّين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي عثمان النّهديّ عن المنهال بن عمرٍو عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: إنّما سمّي الحواريّين، قال كانوا صيّادين أبياض ثيابهم- وروي عن مسلمٍ البطين نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك قوله تعالى: الحواريّون قال: أصفياء الأنبياء.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا الوليد بن القاسم عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله الحواريّون قال: مرّ عيسى عليه الصّلاة والسّلام بقومٍ ضاليين فدعاهم فأجابوه قال: فلذلك سمّاهم الحواريّين قال: وبالنّبطيّة هواري- وبالعربيّة المجوّر.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن الطّبّاع، ثنا إسماعيل بن عليّة عن روح بن القسم عن قتادة أنّه قال: الحواريّون هم الزمق تصلح لهم الخلافة.
الوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق قال: معمرٌ قال قتادة الحواريّ: الوزير.
الوجه السّادس:
- ذكر عن سفيان بن عيينة عن مسعرٍ عن يزيد بن أبي سلمٍ قال: كانوا أبناء ملوكٍ. يعني: الحواريّين.
الوجه السّابع:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا سفيان قال: الحواريّ: النّاصر.
قوله تعالى: قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق واشهد بأنّنا مسلمون لا ما يقول هؤلاء الّذين يحاجّونك فيه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1242-1243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {وإذ أوحيت إلى الحواريين} يقول: قذفت في قلوبهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وإذ أوحيت إلى الحواريين} قال: وحي قذف في قلوبهم ليس بوحي نبوة والوحي وحيان: وحي تجيء به الملائكة ووحي يقذف في قلب العبد). [الدر المنثور: 5/592]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا (أبو) محمّدٍ مولى قريشٍ، عن عبّاد بن الرّبيع، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنه كان يقرأ: (تستطيع).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا حصينٌ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثل ذلك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حصين، عن ابن أبي إسماعيل، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأ: (هل تستطيع ربّك).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عوفٌ، عن الحسن، أنّه كان يقرأ: {هل يستطيع}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان أصحابنا يقرؤون كذلك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: (هل تستطيع ربّك).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن، أنّه كان يقرأ: (هل تستطيع) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1677-1681]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (المائدة: أصلها مفعولةٌ، كعيشةٍ راضيةٍ، وتطليقةٍ بائنةٍ، والمعنى: ميد بها صاحبها من خيرٍ، يقال: مادني يميدني "). [صحيح البخاري: 6/54-55] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (والمائدة فاعلةٌ بمعنى مفعولةٍ أي ميد بها صاحبها وقيل على بابها وسيأتي ذكر ذلك مبيّنًا بعد). [فتح الباري: 8/268]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله المائدة أصلها مفعولةٌ كعيشةٍ راضيةٍ وتطليقةٍ بائنةٍ والمعنى ميد بها صاحبها من خيرٍ يقال ما دنى يميدني قال ابن التّين هو قول أبي عبيدة وقال غيره هي من ماد يميد إذا تحرّك وقيل من ماد يميد إذا أطعم قال بن التّين). [فتح الباري: 8/283]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (باب تفسير سورة المائدة)
أي: هذا بيان تفسير بعض شيء من سورة المائدة، وهي على وزن فاعلة. بمعنى: مفعولة. أي: ميد بها صاحبها، وقال الجوهري: ما دهم يميدهم، لغة في مارهم من الميرة، ومنه المائدة، وهي خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة، وإنّما هو خوان، وقال أبو عبيدة مائدة. فاعلة بمعنى مفعولة، مثل: {عيشة راضية} (الحاقة: 21) بمعنى: مرضية). [عمدة القاري: 18/195]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (المائدة أصلها مفعولةٌ كعيشةٍ راضيةٍ وتطليقةٍ بائنةٍ والمعنى ميد بها صاحبها من خيرٍ يقال مادني يميدني.
أشار به إلى بيان لفظ مائدة في قوله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السّماء} (المائدة: 112) فقوله: (المائدة أصلها مفعولة) ليس على طريق أهل الفنّ في هذا الباب لأن أصل كل كلمة حروفها وليس المراد هنا بيان الحروف الأصول، وإنّما المراد أن لفظ المائدة، وإن كان على لفظ فاعلة، فهو بمعنى مفعولة يعني: مميودة، لأن ماد أصله ميد. قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والمفعول منها للمؤنث. مميودة، ولكن تنقل حركة الياء إلى ما قبلها فتحذف الواو فتبقى مميدة، فيفعل في إعلال هذا كما يفعل في إعلال مبيعة، لأن أصلها مبيوعة فأعل بما ذكرنا ولا يستعمل إلاّ هكذا على أن في بعض اللّغات استعمل على الأصل حيث قالوا: تفاحة مطيوبة على الأصل ثمّ إن تمثيل البخاريّ بقوله: كعيشة راضية صحيح لأن لفظ راضية. وإن كان وزنها فاعلة، في الظّاهر ولكنها بمعنى المرضية، لامتناع وصف العيشة بكونها راضية، وإنّما الرّضا وصف صاحبها، وتمثيله بقوله وتطليقة بائنة غير صحيح لأن لفظ بائنة هنا على أصله بمعنى قاطعة لأن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد حيث لا يبقى للمطلق بالطّلاق البائن رجوع إلى المرأة إلاّ بعقد جديد برضاها، بخلاف حكم الطّلاق الغير البائن كما علم في موضعه. قوله: (والمعنى)، إلى آخره، إشارة إلى بيان معنى المائدة من حيث اللّغة، وإلى بيان اشتقاقها، أما معناها، فميد بها صاحبها يعني: امتير بها، لأن معنى ماده يميده لغة في ماره يميره من الميرة، وأما اشتقاقها فمن ماد يميد من باب: فعل يفعل، بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل، وهو اجوف يائي، كباع يبيع، وقال الجوهري: الممتار مفعتل من الميرة، ومنه المائدة، وهو خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنّما هو خوان). [عمدة القاري: 18/214]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (المائدة) في قوله: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} [المائدة: 112] (أصلها مفعولة)، مراده أن لفظ المائدة وإن كان على لفظ فاعلة فهو بمعنى مفعولة يعني ميمودة لأن ماد أصله ميد قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها والمفعول منها للمؤنث مميودة (كعيشة راضية) وإن كانت على وزن فاعلة فهي بمعنى مرضية لامتناع وصف المعيشة بكونها راضية وإنما الرضا وصف صاحبها (وتطليقة بائنة) التمثيل بهذه غير واضح لأن لفظ بائنة هنا على أصله بمعنى قاطعة لأن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد (والمعنى) من حيث اللغة (ميد بها صاحبها من خير)، يعني امتير بها لأن ماده يميده لغة في ماره يميره من الميرة ومن حيث الاشتقاق (يقال مادني يميدني). من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل وقال أبو حاتم المائدة الطعام نفسه والناس يظنونها الخوان. اهـ.
لكن قال في الصحاح: المائدة خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان). [إرشاد الساري: 7/112]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: واذكر يا عيسى أيضًا نعمتي عليك، إذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قالوا لعيسى ابن مريم: هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء فـ {إذ} الثّانية من صلة {أوحيت}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {يستطيع ربّك}، فقرأ ذلك جماعةٌ من الصّحابة والتّابعين: (هل تستطيع) بالتّاء، (ربّك) بالنّصب، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربّك، وهل تستطيع أن تدعو ربّك، أو هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريّون شاكّين أنّ اللّه تعالى ذكره قادرٌ أن ينزّل عليهم ذلك، وإنّما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة: كان الحواريّون لا يشكّون أنّ اللّه قادرٌ أن ينزّل عليهم مائدةً، ولكن قالوا: يا عيسى، هل تستطيع ربّك؟.
- حدّثني أحمد بن يوسف الثّعلبيّ، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن حيّان بن مخارقٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قرأها كذلك: (هل تستطيع ربّك)، وقال: تستطيع أن تسأل ربّك؟ وقال: ألا ترى أنّهم مؤمنون؟.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والعراق: {هل يستطيع} بالياء {ربّك}، بمعنى أن ينزّل علينا ربّك، كما يقول الرّجل لصاحبه: أتستطيع أن تنهض معنا في كذا؟ وهو يعلم أنّه يستطيع، ولكنّه إنّما يريد: أتنهض معنا فيه؟ وقد يجوز أن يكون مراد قارئه كذلك: هل يستجيب لك ربّك ويطيعك أن تنزّل علينا؟.
وأولى القراءتين عندي بالصّواب قراءة من قرأ ذلك: {هل يستطيع} بالياء {ربّك} برفع الرّبّ، بمعنى: هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه؟
وإنّما قلنا ذلك أولى القراءتين بالصّواب لما بيّنّا قبل من أنّ قوله: {إذ قال الحواريّون} من صلة {إذ أوحيت}، وأنّ معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك}، فبيّنٌ إذ كان ذلك كذلك، أنّ اللّه تعالى ذكره قد كره منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه، وأمرهم بالتّوبة ومراجعة الإيمان من قيلهم ذلك، والإقرار للّه بالقدرة على كلّ شيءٍ، وتصديق رسوله فيما أخبرهم عن ربّهم من الأخبار. وقد قال عيسى لهم عند قيلهم ذلك له استعظامًا منه لما قالوا: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين}، ففي استتابة اللّه إيّاهم، ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم عند قيلهم ما قالوا من ذلك، واستعظام نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلمتهم، الدّلالة الكافية من غيرها على صحّة القراءة في ذلك بالياء ورفع الرّبّ، إذ كان لا معنى في قولهم لعيسى لو كانوا قالوا له: هل تستطيع أن تسأل ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء؟ أن تستكبر هذا الاستكبار.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ قولهم ذلك له إنّما هو استعظامٌ منهم، لأنّ ذلك منهم كان مسألة آيةٍ، فإنّ الآية إنّما يسألها الأنبياء من كان بها مكذّبًا، ليتقرّر عنده حقيقة ثبوتها وصحّة أمرها، كما كانت مسألة قريشٍ نبيّنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحوّل لهم الصّفا ذهبًا، ويفجّر فجاج مكّة أنهارًا من سأله من مشركي قومه، وكما كانت مسألة صالحٍ النّاقة من مكذّبي قومه، ومسألة شعيبٍ أن يسقط كسفًا من السّماء من كفّار من أرسل إليهم.
وكان الّذين سألوا عيسى أن يسأل ربّه أن ينزّل عليهم مائدةً من السّماء، على هذا الوجه كانت مسألتهم، فقد أحلّهم الّذين قرءوا ذلك بالتّاء ونصب الرّبّ محلًّا أعظم من المحلّ الّذي ظنّوا أنّهم نزّهوا ربّهم عنه، أو يكونوا سألوا ذلك عيسى وهم موقنون بأنّه للّه نبيّ مبعوثٌ ورسولٌ مرسلٌ، وأنّ اللّه تعالى على ما سألوا من ذلك قادرٌ.
فإن كانوا سألوا ذلك وهم كذلك، وإنّما كانت مسألتهم إيّاه ذلك على نحو ما يسأل أحدهم نبيّه، إذا كان فقيرًا أن يسأل له ربّه أن يغنيه، وإن عرضت به حاجةٌ أن يسأل له ربّه أن يقضيها، فأنّى ذلك من مسألة الآية في شيءٍ؟ بل ذلك سؤال ذي حاجةٍ عرضت له إلى ربّه، فسأل نبيّه مسألة ربّه أن يقضيها له.
وخبر اللّه تعالى عن القوم ينبئ بخلاف ذلك، وذلك أنّهم قالوا لعيسى، إذ قال لهم: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين، قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا}، فقد أنبأ هذا من قيلهم أنّهم لم يكونوا يعلمون أنّ عيسى قد صدقهم، ولا اطمأنّت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته، فلا بيان أبين من هذا الكلام في أنّ القوم كانوا قد خالط قلوبهم مرضٌ وشكٌّ في دينهم وتصديق رسولهم، وأنّهم سألوا ما سألوا من ذلك اختبارًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ليثٍ، عن عقيلٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يحدّث عن عيسى، صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا للّه ثلاثين يومًا، ثمّ تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإنّ أجر العامل على من عمل له، ففعلوا ثمّ قالوا: يا معلّم الخير، قلت لنا: إنّ أجر العامل على من عمل له، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحدٍ ثلاثين يومًا إلاّ أطعمنا حين نفرغ طعامًا، ف {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال} عيسى {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين، قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين} إلى قوله: {لا أعذّبه أحدًا من العالمين}، قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدةٍ من السّماء عليها سبعة أحواتٍ وسبعة أرغفةٍ، حتّى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر النّاس كما أكل منها أوّلهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}، قالوا: هل يطيعك ربّك إن سألته؟ فأنزل اللّه عليهم مائدةً من السّماء فيها جميع الطّعام إلاّ اللّحم، فأكلوا منها.
- وأمّا المائدة فإنّها الفاعلة، من ماد فلانٌ القوم يميدهم ميدًا: إذا أطعمهم ومارهم، ومنه قول رؤبة:
نهدي رءوس المترفين الأنداد = إلى أمير المؤمنين الممتاد
يعني بقوله: الممتاد: المستعطي، فالمائدة المطعمة سمّيت (الخوان) بذلك، لأنّها تطعم الآكل ممّا عليها. والمائد: المدار به في البحر، يقال: ماد يميد ميدًا.
وأمّا قوله: {قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين}، فإنّه يعني: قال عيسى للحواريّين القائلين له: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}: راقبوا اللّه أيّها القوم، وخافوا أن ينزل بكم من اللّه عقوبةٌ على قولكم هذا، فإنّ اللّه لا يعجزه شيءٌ أراده، وفي شكّكم في قدرة اللّه على إنزال مائدةٍ من السّماء كفرٌ به، فاتّقوا اللّه أن ينزّل بكم نقمته. {إن كنتم مؤمنين}، يقول: إن كنتم مصدّقيّ على ما أتوعّدكم به من عقوبة اللّه إيّاكم على قولكم: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}). [جامع البيان: 9/117-122]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (112)
قوله تعالى: إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا إسماعيل بن عليّة ثنا عبد الرّحمن بن إسحاق عن شيبة بن نصاح عن القسم بن محمّدٍ قال: قالت عائشة: هم أعلم باللّه من أن يقولوا هل يستطيع ربّك إنّما قالوا هل تستطيع أنت وربّك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا حفص بن عمر، ثنا ابن الأصبهانيّ عن شريكٍ عن جابرٍ عن عامرٍ أنّه كان يقرأها يعني عليًّا: هل تستطيع قال: هل يطيعك ربك.
قوله تعالى: أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ وأخبرني اللّيث بن سعدٍ عن عقيلٍ قال: ابن شهابٍ وكان ابن عبّاسٍ يحدث أن عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل، يا بني إسرائيل، هل لكم أن تصوموا للّه ثلاثين يومًا، ثمّ تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإنّ أجر العامل على من عمل له. ففعلوا ثمّ قالوا: يا معلّم الخير قلت لنا إنّ أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم للّه ثلاثين يومًا ففعلنا، ولم نكن لنعمل لأحدٍ ثلاثون يومًا إلا أطعمتنا يوم نفرغ طعامًا هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال: اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 4/1243-1244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك إنما قالوا: هل تستطيع أنت ربك هل تستطيع أن تدعوه
وأخرج الحاكم وصححه والطبراني، وابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل عن قول الحواريين {هل يستطيع ربك} أو تستطيع ربك فقال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تستطيع ربك) بالتاء.
وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها (هل تستطيع ربك) بالتاء ونصب ربك.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قرأها (هل تستطيع ربك) قال: هل تستطيع أن تسأل ربك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أن عليا كان يقرأها (هل يستطيع ربك) قال: هل يعطيك ربك.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب وأبي رجاء أنهما قرآ (هل يستطيع ربك) بالياء والرفع.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} قال: قالوا: هل يطيعك ربك إن سألته فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطعام إلا اللحم فأكلوا منها). [الدر المنثور: 5/592-593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {مائدة} قال: المائدة الخوان، وفي قوله {وتطمئن} قال: توقن). [الدر المنثور: 5/593-594]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: قال الحواريّون مجيبي عيسى على قوله لهم: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين} في قولكم {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}: إنّا إنّما قلنا ذلك وسألناك أن تسأل لنا ربّنا لنأكل من المائدة، فنعلم يقينًا قدرته على كلّ شيءٍ. {وتطمئنّ قلوبنا}، يقول: وتسكن قلوبنا وتستقرّ على وحدانيّته وقدرته على كلّ ما شاء وأراد.
{ونعلم أن قد صدقتنا}، ونعلم أنّك لم تكذبنا في خبرك أنّك للّه رسولٌ مرسلٌ، ونبيّ مبعوثٌ {ونكون عليها}، يقول: ونكون على المائدة، {من الشّاهدين} يقول: ممّن يشهد أنّ اللّه أنزلها حجّةً لنفسه علينا في توحيده وقدرته على ما شاء، ولك على صدقك في نبوّتك). [جامع البيان: 9/122-123]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين (113)
قوله تعالى: قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ المعروف بأبي أذك الحواريّ فيما كتب إلي، ثنا إسماعيل ابن أبي أويسٍ، حدّثني أبو عبد اللّه عبد القدّوس بن إبراهيم بن عبيد اللّه بن مرداسٍ العبدريّ مولى بني عبد الدّار الصّنعانيّ، عن إبراهيم بن عمر، عن وهب ابن منبه، عن أبي عثمان النهدي، عن سليمان الخير أنّه قال: لمّا سأل الحواريّون عيسى بن مريم المائدة من السّماء، فإنّها نزلت عليكم كانت آيةً من ربّكم وإنّما نكلت ثمود حين سألوا نبيّهم آيةً فابتلوا بها حتّى كان بوارهم فيها فأبو إلا أن يأتيهم بها فلذلك قالوا، نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن قيس بن مسلمٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: تطمئنّ قال: توقن). [تفسير القرآن العظيم: 4/1244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {مائدة} قال: المائدة الخوان، وفي قوله {وتطمئن} قال: توقن). [الدر المنثور: 5/593-594] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن المنذر بن النعمان أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله تعالى أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا قال أنزل عليهم أقرصة من شعير وأحوات فحدثت به عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهبا يقول وقيل له وما كان ذلك يغني عنهم قال لا شيء ولكن الله تعالى حشا بين أضعافهن البركة فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون حتى أكلوا جميعهم وأفضلوا منها). [تفسير عبد الرزاق: 1/200-201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن نبيّه عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أجاب القوم إلى ما سألوه من مسألة ربّه مائدةً تنزل عليهم من السّماء.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا}، فقال بعضهم: معناه: نتّخذ اليوم الّذي نزلت فيه عيدًا نعظّمه نحن ومن بعدنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا} يقول: نتّخذ اليوم الّذي نزلت فيه عيدًا نعظّمه نحن ومن بعدنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا}، قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا} قال: الّذين هم أحياء منهم يومئذٍ، {وآخرنا} من بعدهم منهم.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: قال سفيان: {تكون لنا عيدًا} قالوا: نصلّي فيه، نزلت مرّتين.
وقال آخرون: معناه: نأكل منها جميعًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ليثٍ، عن عقيلٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: أكل منها يعني من المائدة حين وضعت بين أيديهم آخر النّاس كما أكل منها أوّلهم.
وقال آخرون: معنى قوله: {عيدًا}: عائدةٌ من اللّه تعالى علينا حجّةً وبرهانًا.
وأولى الأقوال بالصّواب قول من قال: معناه: تكون لنا عيدًا، نعبد ربّنا في اليوم الّذي تنزل فيه ونصلّي له فيه، كما يعيّد النّاس في أعيادهم. لأنّ المعروف من كلام النّاس المستعمل بينهم في العيد ما ذكرنا دون القول الّذي قاله من قال معناه: عائدةٌ من اللّه علينا، وتوجيه معاني كلام اللّه إلى المعروف من كلام من خوطب به أولى من توجيهه إلى المجهول منه ما وجد إليه السّبيل.
وأمّا قوله: {لأوّلنا وآخرنا}، فإنّ الأولى من تأويله بالصّواب قول من قال: تأويله للأحياء منّا اليوم ومن يجيء بعدنا منّا للعلّة الّتي ذكرناها في قوله: {تكون لنا عيدًا}، لأنّ ذلك هو الأغلب من معناه.
وأمّا قوله: {وآيةً منك} فإنّ معناه: وعلامةً وحجّةً منك يا ربّ على عبادك في وحدانيّتك، وفي صدقي على أنّي رسولٌ إليهم بما أرسلتني به. {وارزقنا وأنت خير الرّازقين}: وأعطنا من عطائك، فإنّك يا ربّ خير من يعطي، وأجود من تفضّل، لأنّه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكدٌ.
وقد اختلف أهل التّأويل في المائدة، هل أنزلت عليهم أم لا؟ وما كانت؟ فقال بعضهم: نزلت وكانت حوتًا وطعامًا، فأكل القوم منها، ولكنّها رفعت بعدما نزلت بأحداثٍ منهم أحدثوها فيما بينهم وبين اللّه تعالى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، قال: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا أبي، عن الفضيل، عن عطيّة، قال: المائدة سمكةٌ فيها طعم كلّ طعامٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن فضيلٍ، عن مسروقٍ، عن عطيّة قال: المائدة: سمكٌ فيه من طعم كلّ طعامٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرّحمن قال: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: نزلت على عيسى ابن مريم والحواريّين خوانٌ عليه خبزٌ وسمكٌ يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاءوا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا المنذر بن النّعمان، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول في قوله: {أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا} قال: نزّل عليهم قرصةً من شعيرٍ وأحواتٍ. قال الحسن: قال أبو بكرٍ: فحدّثت به عبد الصّمد بن معقلٍ، فقال: سمعت وهبًا، وقيل له: وما كان ذلك يغني عنهم؟ فقال: لا شيء، ولكنّ اللّه حثا بين أضعافهنّ البركة، فكان قومٌ يأكلون ثمّ يخرجون، ويجيء آخرون فيأكلون ثمّ يخرجون، حتّى أكلوا جميعهم وأفضلوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: هو الطّعام ينزل عليهم حيث نزلوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {مائدةً من السّماء} قال: مائدةً عليها طعامٌ أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تنزل عليهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن إسحاق بن عبد اللّه: أنّ المائدة، نزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفةٍ وسبعة أحواتٍ، يأكلون منها ما شاءوا. قال: فسرق بعضهم منها، وقال: لعلّها لا تنزل غدًا فرفعت.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن سماك بن حربٍ، عن رجلٍ، من بني عجلٍ قال: صلّيت إلى جنب عمّار بن ياسرٍ، فلمّا فرغ قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال: فقلت: لا. قال: إنّهم سألوا عيسى ابن مريم مائدةً يكون عليها طعامٌ يأكلون منه لا ينفد، قال: فقيل لهم: فإنّها مقيمةٌ لكم ما لم تخبّئوا أو تخونوا أو ترفعوا، فإن فعلتم فإنّي أعذّبكم عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين. قال: فما تمّ يومهم حتّى خبّئوا ورفعوا وخانوا، فعذّبوا عذابًا لم يعذّبه أحدًا من العالمين. وإنّكم معشر العرب كنتم تتّبعون أذناب الإبل والشّاء، فبعث اللّه فيكم رسولاً من أنفسكم تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم على لسان نبيّكم أنّكم ستظهرون على العرب، ونهاكم أن تكنزوا الذّهب والفضّة، وايم اللّه لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تكنزوهما ويعذّبكم عذابًا أليمًا.
- حدّثنا الحسن بن قزعة البصريّ، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّار بن ياسرٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نزلت المائدة خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا ولا يرفعوا لغدٍ، فخانوا وادّخروا ورفعوا، فمسخوا قردةً وخنازير.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ قال: حدّثنا يوسف بن خالدٍ قال: حدّثنا نافع بن مالكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في المائدة قال: كانت طعامًا ينزل عليهم من السّماء حيثما نزلوا.
وقال آخرون: كانت المائدة عليها من ثمار الجنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّارٍ، قال: نزلت المائدة، وعليها ثمرٌ من ثمر الجنّة، فأمروا أن لا يخبّئوا ولا يخونوا ولا يدّخروا. قال: فخان القوم وخبّئوا وادّخروا، فحوّلهم اللّه قردةً وخنازير.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّها كانت مائدةً ينزل عليها الثّمر من ثمار الجنّة، وأمروا أن لا يخبّئوا ولا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، بلاءٌ ابتلاهم اللّه به، وكانوا إذا فعلوا شيئًا من ذلك أنبأهم به عيسى، فخان القوم فيه فخبّئوا وادّخروا لغدٍ.
وقال آخرون: كان عليها من كلّ طعامٍ إلاّ اللّحم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن ميسرة، قال: كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل، اختلفت عليها الأيدي بكلّ طعامٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن ميسرة، وزاذان، قالا: كانت الأيدي تختلف عليها بكلّ طعامٍ.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن عطاء بن السّائب، عن زاذان وميسرة، في: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}، قالا: رأوا الأيدي تختلف عليها بكلّ شيءٍ إلاّ اللّحم.
وقال آخرون: لم ينزّل اللّه على بني إسرائيل مائدةً.
ثمّ اختلف قائلو هذه المقالة، فقال بعضهم: إنّما هذا مثلٌ ضربه اللّه تعالى لخلقه نهاهم به عن مسألة نبيّ اللّه الآيات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أنزل علينا مائدةً من السّماء}، قال: مثلٌ ضرب، لم ينزل عليهم شيءٌ.
وقال آخرون: إنّ القوم لمّا قيل لهم: {فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} استعفوا منها فلم تنزل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول لمّا قيل لهم: {فمن يكفر بعد منكم} إلى آخر الآية، قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنّه قال في المائدة: لم تنزل.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: مائدةٌ عليها طعامٌ أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تنزل، عليهم.
والصّواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تعالى أنزل المائدة على الّذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربّه.
وإنّما قلنا ذلك للخبر الّذي روّينا بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وأهل التّأويل من بعدهم غير من انفرد بما ذكرنا عنه.
وبعد، فإنّ اللّه تعالى لا يخلف وعده ولا يقع في خبره الخلف، وقد قال تعالى مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيّه عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم حين سأله ما سأله من ذلك: {إنّي منزّلها عليكم}، وغير جائزٍ أن يقول تعالى ذكره: {إنّي منزّلها عليكم}، ثمّ لا ينزّلها، لأنّ ذلك منه تعالى خبرٌ، ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن يقول: {إنّي منزّلها عليكم}، ثمّ لا ينزّلها عليهم، جاز أن يقول: {فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين}، ثمّ يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذّبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقةٌ ولا صحّةٌ، وغير جائزٍ أن يوصف ربّنا تعالى بذلك.
وأمّا الصّواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكولٌ، وجائزٌ أن يكون كان سمكًا وخبزًا، وجائزٌ أن يكون كان ثمرًا من ثمر الجنّة، وغير نافعٍ العلم به ولا ضارٌّ الجهل به، إذا أقرّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التّنزيل). [جامع البيان: 9/123-131]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين (114)
قوله تعالى: قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا
- أخبرنا أبو جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ حدّثني أبو عبد اللّه عبد القدّوس بن إبراهيم بن عبيد اللّه عن إبراهيم بن عمر عن وهب بن منبه عن عثمان الهدى عن سلمان الخير قال: فلمّا رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها، قام فألقى عنه الصّوف ولبس الشّعر الأسود وجبة من شعر وعباءة من شعرٍ، ثمّ توضّأ واغتسل ودخل مصلاه، فصلّى ما شاء اللّه، فلمّا قضى صلاته قام قائمًا مستقبل القبلة وصفّ قدميه حتّى استويا فألصق الكعب وحاذ الأصابع بالأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغضّ بصره وطأطأ رأسه خشوعًا، ثمّ أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خدّيه وتقطر من أطراف لحيته حتّى ابتلّت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلمّا رأى ذلك دعا اللّه فقال: اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء.
قوله تعالى: أنزل علينا مائدة
[الوجه الأول]
من فسّره أنّه سفرةٌ:
- وبه عن سلمان أنزل علينا مائدةً من السّماء فأنزل اللّه عليهم سفرةً حمراء بين غمامتين غمامةٍ فوقها، وغمامة تحتها.
[الوجه الثاني]
من فسّره على أنّه الخوان:
- ذكر أبي، ثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا محمّد بن الصّلت قال: سمعت قيسًا عن الأعمش عن سعيد بن جبيرٍ قال: المائدة الخوان.
قوله تعالى: أنزل علينا مائدةً من السّماء
[الوجه الأول]
- حدثنا أبي، ثنا الحسن ابن قزعة الباهليّ، ثنا سفيان بن حبيبٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاسٍ عن عمّار بن ياسرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: نزلت المائدة من السّماء خبزٌ ولحمٌ وأمروا أن لا يخونوا ولا يخبّئوا ولا يدّخروا قال: فخان القوم وخبّئوا وادّخروا فمسخهم اللّه قردةً وخنازير.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الفضل بن يعقوب الرّخاميّ، ثنا أبو عاصمٍ النّبيل، ثنا سعيدٌ عن قتادة عن خلاص عن عمّارٍ قال: نزلت المائدة ثمرٌ من ثمر الجنة.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا سعيد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، ثنا أبو زرعة وهب اللّه بن راشدٍ، ثنا عقيل بن خالدٍ ابن شهابٍ أخبره عن ابن عبّاسٍ: أنّ عيسى بن مريم قالوا له: ادع اللّه أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء فنزّلت الملائكة مائدةً يحملونها عليها سبعة أحواتٍ وسبعة أرغفةٍ فأكل كل منهما آخر الناس كما أكل منه أوّلهم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن نفيلٍ الحرّانيّ، ثنا يونس بن راشدٍ عن خصيفٍ عن عكرمة ومقسمٍ عن ابن عبّاسٍ قال: المائدة سمكةٌ وأرغفةٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا فضيل بن مرزوقٍ عن عطيّة قال: المائدة سمكةٌ فيها طعمٌ من كلّ الطّعام.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنبأ المنذر بن النّعمان أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول في قوله: أنزل علينا مائدةً من السّماء قال: أنزل عليهم أقرصةٌ من شعيرٍ وأحواتٍ.
ومن قال: إنه كان خبزا وأرز.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسين عن أبيه عن يزيد عن عكرمة حدّثه: أنّ الخبز الّذي أنزل مع المائدة كان من أرزٍ.
الوجه الرّابع:
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم الصّنعانيّ عن إبراهيم بن عمر عن وهب بن منبّهٍ عن أبي عثمان النّهديّ عن سلمان الخير قال: فقال عيسى اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء فأنزل اللّه تعالى عليهم سفرةً حمراء بين غمامتين، غمامةٍ فوقها وغمامةٍ تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضّةً من فلك السّماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفًا للشّروط الّتي أخذ اللّه عليهم فيها أنّه يعذّب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابًا لم يعذّبه أحدًا من العالمين.
وهو يدعو اللّه في مكانه ويقول: إلهي اجعلها رحمةً، إلهي لا تجعلها عذابًا، إلهي كم من عجيبةٍ سألتك فأعطيتني، إلهي اجعلنا لك شاكرين، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبًا وجزاءً، إلهي اجعلها سلامةً وعافيةً ولا تجعلها فتنةً ومثلةً.
فما زال يدعو حتّى استقرّت السّفرة بين يدي عيسى والحواريّين وأصحابه حوله يجدون رائحةً طيّبةً لم يجدوا فيما مضى مثلها قطّ، وخرّ عيسى والحواريّون للّه سجّدًا شكرًا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا، وأراهم فيه آيةً عظيمةً ذات عجبٍ وعبرةٍ.
وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرًا عجيبا أورثهم محمدا وغمًّا، ثمّ انصرفوا بغيظٍ شديدٍ، وأقبل عيسى والحواريّون وأصحابه حتّى جلسوا حول السّفرة، فإذا عليها منديلٌ مغطًّى. قال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه الآية حتّى نراها، ونحمد ربنا ونذكر باسمه ونأكل من رزقه الّذي رزقنا. فقال الحواريّون: يا روح اللّه وكلمته أنت أولانا بذلك، وأحقّنا بالكشف عنها. فقام عيسى عليه الصّلاة والسّلام فاستأنف وضوءًا جديدًا ثمّ دخل مصلاه فصلّى بذلك ركعاتٍ ثمّ بكى طويلا. ودعى اللّه تعالى أن يأذن له في الكشف عنها، ويجعل له ولقومه فيها بركةً ورزقًا ثمّ انصرف فجلس إلى السّفرة وتناول المنديل، وقال باسم اللّه خير الرّازقين، وكشف السّفرة، فإذا هو عليها سمكةٌ ضخمةٌ مشويّةٌ، ليس عليه بواسير وليس في جوفها شوكٌ، يسيل السّمن منها سيلا، قد نفد حولها بقولٌ من كلّ صنفٍ غير الكرّاث، وعند رأسها خلٌّ، وعند ذنبها ملحٌ، وحول البقول الخمسة أرغفةٌ، على واحدٍ منها زيتونٌ، وعلى الآخر ثمراتٌ، وعلى الآخر خمس رمّاناتٍ، فقال شمعون رأس الحواريّين لعيسى: يا روح اللّه وكلمته، أمن طعام الدّنيا هذا أم من طعام الجنّة؟ فقال: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفن عليكم أن تعاقبوا في سبب هذه الآية، فقال شمعون: لا وإله إسرائيل، ما أردت بها سؤالا يا ابن الصّدّيقة، فقال عيسى عليه السّلام: ليس شيءٌ ممّا ترون من طعام الجنّة ولا من طعام الدّنيا، إنّما هو شيءٌ ابتدعه اللّه في الهواء بالقدرة العالية القاهرة فقال له: كن فكان أسرع من طرفة عينٍ، فكلوا ممّا سألتم باسم اللّه، واحمدوا عليه ربّكم يمدّكم منه ويزدكم، فإنه بديع قادر شاكر.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد اللّه بن أبي شيبة، ثنا عبيد بن يعيش، ثنا حسن بن عطيّة، ثنا قيسٌ، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال:
أنزل على المائدة كلّ شيءٍ إلا اللّحم.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ قال: قال اللّيث: أمّا القرظيّ فيقول: من كلّ طعامٍ حلالٍ في الدّنيا.
- حدّثنا إسحاق بن وهب بن زيادٍ العلاف الواسطيّ، ثنا عمر بن يونس بن القاسم الحنفيّ اليماميّ، حدّثني أبي، عن إسماعيل بن الضّحّاك بن فيروز أنّهم سألوا وهب بن منبّهٍ عن المائدة الّتي أنزلها اللّه من السّماء على بني إسرائيل قال: فكان ينزل عليهم في كلّ يومٍ في تلك المائدة من ثمار الجنّة، فأكلوا ما شاءوا من ضروبٍ شتّى، فكانت تقعد عليها أربعة آلافٍ فإذا أكلوا بدّل اللّه مكان ذلك بمثله، فليبيتوا بذلك ما شاء اللّه تعالى.
الوجه السّادس:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة العجليّ، ثنا يحيى بن آدم، ثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: أنزل علينا مائدةً من السّماء قال: هو مثلٌ ضرب، ولم ينزل شيءٌ.
قوله تعالى: تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا
[الوجه الأول]
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم عن إبراهيم، بن عمر، عن وهب بن منبّهٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الخير أنّه قال: أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا أي:
تكون لنا عظةً لأوّلنا وآخرنا.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد ابن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: تكون لنا عيدًا يقول: نتّخذ اليوم الّذي أنزلت فيه عيدًا نعظّمه نحن ومن بعدنا.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد، ثنا مهران، عن سفيان: أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا قال: يومًا نصلّي فيه.
قوله تعالى: وآخرنا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
قوله تعالى: وآيةً منك
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم بن عمر بن وهب بن منبه، عن أبيه عثمان، عن سلمان وآيةً منك أي: وعلامةً منك تكون بيننا وبينك.
قوله تعالى: وارزقنا وأنت خير الرّازقين
- وبه عن سلمان: وارزقنا وأنت خير الرّازقين قال: وارزقنا عليها طعامًا نأكله، وأنت خير الرّازقين، فأنزل اللّه تعالى عليهم سفرةً حمراء، عليها ممّا تقدّم ذكره). [تفسير القرآن العظيم: 4/1244-1249]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وأبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة بالغيلانيات عن سلمان الفارسي قال: لما سأل الحواريون عيسى بن مريم المائدة كره ذلك جدا وقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض ولا تسألوا المائدة من السماء فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها فأبوا إلا أن يأتيهم بها فلذلك {قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين}، فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعوا لهم بها قام فألقى عنه الصوف ولبس الشعر الأسود وجبة من شعر وعباءة من شعر ثم توضأ واغتسل ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع بالأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغض بصره وطاطا رأسه خشوعا ثم أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه فلما رأى ذلك دعا الله فقال {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} تكون عظة منك لنا {وآية منك} أي علامة منك تكون بيننا وبينك وارزقنا عليها طعاما نأكله {وأنت خير الرازقين}، فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وغمامة تحتها وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفا للشروط التي اتخذ الله فيها عليهم إنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين وهو يدعو الله في مكانه ويقول: إلهي اجعلها رحمة إلهي لا تجعلها عذابا إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني إلهي اجعلنا لك شاكرين إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا ورجزا إلهي اجعلها سلامة وعافية ولا تجعلها فتنة ومثلة فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريون وأصحابه حوله يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط وخر عيسى والحواريون لله سجدا شكرا له بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجبا أورثهم كمدا وغما ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة فإذا عليه منديل مغطى قال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة وأوثقنا بنفسه وأحسننا بلاء عند ربه فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ونحمد ربنا ونذكر باسمه ونأكل من رزقه الذي رزقنا فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته أنت أولانا بذلك وأحقنا بالكشف عنها، فقام عيسى: فاستأنف وضوءا جديدا ثم دخل مصلاه فصلى بذلك ركعات ثم بكى طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا ثم انصرف وجلس إلى السفرة وتناول المنديل وقال: بسم الله خير الرازقين وكشف عن السفرة وإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية ليس عليها بواسير وليس في جوفها سوك يسيل منها السمن سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث وعند رأسها خل وعند ذنبها ملح وحول البقول خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الآخر تمرات وعلى الآخر خمس رمانات فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى: يا روح الله وكلمته أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة فقال: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات وتنتهوا عن تنقير المسائل ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب هذه الآية، فقال شمعون: لا وإله إسرائيل ما أردت بها سوءا يا ابن الصديقة، فقال عيسى: ليس شيء مما ترون عليها من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة فقال له كن فكان أسرع من طرفة عين فكلوا مما سألتم بسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم فإنه بديع قادر شاكر، فقال يا روح الله وكلمته إنا نحب أن ترينا آية في هذه الآية، فقال عيسى: سبحان الله، أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى ثم أقبل عيسى على السمكة فقال: يا سمكة عودي بإذن الله حية كما كنت فأحياها الله بقدرته فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية تلمظ كما يتلمظ الأسد تدور عيناها لها بصيص وعادت عليها بواسيرها ففزع القوم منها وانحاسوا فلما رأى عيسى ذلك منهم قال: ما لكم تسألون الآية فإذا أراكموها ربكم كرهتموها ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون يا سمكة عودي بإذن الله كما كنت فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول، فقالوا لعيسى: كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ثم نحن بعد، فقال: معاذ الله من ذلك يبدأ بالأكل كل من طلبها، فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة فتحاموها فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزمنى وقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واحمدوا الله الذي أنزلها لكم يكون مهناها لكم وعقوبتها على غيركم وافتتحوا أكلكم بسم الله واختتموه بحمد الله ففعلوا فأكل منها ألف وثلثمائة إنسان بين رجل وامرأة يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئة إذ نزلت من السماء لم ينتقص منه شيء ثم انها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منها وبريء كل زمن منهم أكل منها فلم يزالوا أغنياء صحاحا حتى خرجوا من الدنيا وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبو أن يأكلوا منها ندامة سالت منها أشفارهم وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات، قال: فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضا الأغنياء والفقراء والنساء والصغار والكبار والأصحاء والمرضى يركب بعضهم بعضا فلما رأى عيسى ذلك جعلها نوبا بينهم فكانت تنزل يوما ولا تنزل يوما فلبثوا في ذلك أربعين يوما تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قالوا ارتفعت عنهم بإذن الله إلى جو السماء وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم.
فأوحى الله إلى عيسى أن اجعل رزقي في المائدة لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس فلما فعل الله ذلك ارتاب بها الأغنياء وغمصوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر وأدرك الشيطان منهم حاجته وقذف وساوسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة ونزولها من السماء حق فإنه ارتاب بها بشر منا كثير، قال عيسى: كذبتم وإله المسيح طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم فلما أن فعل وأنزلها الله عليكم رحمة ورزقا وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها وشككتم فيها فأبشروا بالعذاب فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله وأوحى الله إلى عيسى إني آخذ المكذبين بشرطي فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة من نسائهم آمنين فلما كان من آخر الليل مسخهم الله خنازير وأصبحوا يتتبعون الأقذار في الكناسات.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس، أنه كان يحدث عن عيسى بن مريم أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا: يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} إلى قوله {أحدا من العالمين} فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم.
وأخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن عمار بن ياسر موقوفا مثله، قال الترمذي: والوقف أصح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال: نزلت المائدة عليها ثمر من ثمر الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: المائدة سمكة وأريغفة.
وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا بنو إسرائيل ما خنز الخبز ولا أنتن اللحم ولكن خبأوه لغد فأنتن اللحم وخنز الخبز
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن أبي عبد الرحمن السلمي في قوله {أنزل علينا مائدة من السماء} قال: خبزا وسمكا.
وأخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير قال: نزلت المائدة وهي طعام يفور فكانوا يأكلون منها قعودا فأحدثوا فرفعت شيئا فأكلوا على الركب ثم أحدثوا فرفعت البتة.
وأخرج ابن الأنباري عن وهب بن منبه قال: كانت مائدة يجلس عليها أربعة آلاف فقالوا لقوم من وضعائهم: إن هؤلاء يلطخون ثيابنا علينا فلو بنينا لها دكانا يرفعها فبنوا لها دكانا فجعلت الضعفاء لا تصل إلى شيء فلما خالفوا أمر الله عز وجل رفعها عنهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ عن عطية العوفي قال: المائدة سمكة فيها من طعم كل طعام
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة، أن الخبز الذي أنزل مع المائدة كان من أرز.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: نزل على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه أينما تولوا إذا شاؤوا.
وأخرج ابن جرير، وابن الأنباري في كتاب الأضداد من طريق عكرمة عن ابن عباس في المائدة قال: كان طعاما ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا.
وأخرج ابن جرير عن إسحاق بن عبد الله، أن المائدة نزلت على عيسى بن مريم عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات يأكلون منها ما شاؤوا فسرق بعضهم منها وقال: لعلها لا تنزل غدا فرفعت
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن الأنباري وأبو الشيخ عن قتادة قال: ذكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمر من ثمار الجنة وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد بلاء أبلاهم الله به وكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أنبأهم به عيسى فخان القوم فيه فخبأوا وادخروا لغد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: أنزل على المائدة كل شيء إلا اللحم، والمائدة الخوان.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ميسرة وزاذان قالا: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت الأيدي فيها بكل طعام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن المائدة التي أنزلها الله من السماء على بني إسرائيل قال: كان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى فكانت يقعد عليها أربعة آلاف فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك بمثله فلبثوا بذلك ما شاء الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أنزل علينا مائدة من السماء} قال: هو مثل ضرب ولم ينزل عليهم شيء). [الدر المنثور: 5/594-604]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) )
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسن بن قزعة، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّار بن ياسرٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أنزلت المائدة من السّماء خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، فخانوا وادّخروا ورفعوا لغدٍ، فمسخوا قردةً وخنازير.
هذا حديثٌ غريبٌ قد رواه أبو عاصمٍ، وغير واحدٍ عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاسٍ، عن عمّار بن ياسرٍ، موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلاّ من حديث الحسن بن قزعة.
حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، نحوه، ولم يرفعه وهذا أصحّ من حديث الحسن بن قزعة ولا نعلم للحديث المرفوع أصلاً). [سنن الترمذي: 5/110]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين}.
وهذا جوابٌ من اللّه تعالى القوم فيما سألوا نبيّهم عيسى مسألة ربّهم من إنزاله مائدةً عليهم، فقال تعالى ذكره: إنّي منزّلها عليكم أيّها الحواريّون فمطعمكوها {فمن يكفر بعد منكم} يقول: فمن يجحد بعد إنزالها عليكم وإطعامكموها منكم رسالتي إليه، وينكر نبوّة نبيّي عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم، ويخالف طاعتي فيما أمرته ونهيته، فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من عالمي زمانه. ففعل القوم، فجحدوا وكفروا بعدما أنزلت عليهم فيما ذكر لنا، فعذّبوا فيما بلغنا بأن مسخوا قردةً وخنازير.
- كالّذي حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّي منزّلها عليكم} الآية، ذكر لنا أنّهم حوّلوا خنازير.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، ومحمّد بن أبي عديٍّ، ومحمّد بن جعفرٍ، عن عوفٍ، عن أبي المغيرة القوّاس، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: إنّ أشدّ النّاس عذابًا ثلاثةٌ: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.
- حدّثنا الحسن بن عرفة قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن عوفٍ قال: سمعت أبا المغيرة القوّاس يقول: قال عبد اللّه بن عمرٍو: إنّ أشدّ النّاس عذابًا يوم القيامة: من كفر من أصحاب المائدة، والمنافقون، وآل فرعون.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فمن يكفر بعد منكم} بعدما جاءته المائدة، {فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} يقول: أعذّبه بعذابٍ لا أعذّبه أحدًا من العالمين غير أهل المائدة). [جامع البيان: 9/131-132]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين (115)
قوله تعالى: قال اللّه إنّي منزّلها عليكم
- وبه عن سلمان الخير قال: قال اللّه تعالى: إنّي منزّلها عليكم فأنزل اللّه عليهم سفرةً حمراء وأقبل عيسى والحواريّون وأصحابه حتّى جلسوا حول السّفرة فقالوا: يا روح اللّه وكلمته إنّا نحبّ أن ترينا آيةً في هذه الآية. فقال عيسى: سبحان اللّه، أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الآية حتّى تسألوا فيها آيةً أخرى؟ ثمّ أقبل عيسى على السّمكة فقال: يا سمكة، عودي بإذن اللّه حيّةً كما كنت، فأحياها اللّه تعالى بقدرته، فاضطربت، وعادت بإذن اللّه حيّةً طريّةً تلمّط كما يتلمّط الأسد تدور عيناها، لها بصيصٌ، وعادت عليها بواسيرها. ففزع القوم منها وانحازوا، فلمّا رأى عيسى ذلك منهم فقال: مالكم تسألون الآية فإذا أراكموها ربّكم كرهتموها؟ ما أخوفن عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون. يا سمكة عودي بإذن اللّه كما كنت. فعادت بإذن اللّه مشويّةً كما كانت في خلقها الأوّل، فقالوا لعيسى: كن أنت يا روح اللّه الّذي تبدأ بالأكل من طلبها، فلمّا رأى الحواريّون وأصحابهم امتناع نبيّهم منها- خافوا أن يكون في نزولها سخطٌ، وفي أكلها مثله فتخافوها، فلما رأى ذلك عيسى دعى لها الفقراء والزّمنى ، وقال: كلوا من رزق ربّكم ودعوة نبيّكم، واحمدوا اللّه الّذي أنزلها لكم فيكون مهيئوها لكم، وعقوبتها على غيركم، وافتتحوا كلكم باسم الله، واختتموه بالحمد للّه، ففعلوا، فأكل منها ألفٌ وثلاثمائة إنسانٍ بين رجلٍ وامرأةٍ، يصدرون عنها كلّ واحدٍ منهم شبعان يتجشّأ، ونظر عيسى والحواريّون فإذا ما عليها كهيئة إذ نزلت من السماء، لمن ينتقص منها شيءٌ، ثمّ إنّها رفعت إلى السّماء وهم ينظرون، استغنى كلّ فقيرٍ أكل منها، وبرأ كلّ زمنٍ أكل منها، فلم يزالوا أغنياء صحاحًا حتّى خرجوا من الدّنيا.
وندم الحواريّون وأصحابهم الّذين أبوا أن يأكلوا منها ندامةً، سألت منها أشفاءهم، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى الأغنياء والفقراء، والصّغار والكبار والأصحّاء والمرضى، يركب بعضهم بعضًا.
فلمّا رأى ذلك جعلها نوائب، تنزل يومًا ولا تنزل يومًا. فلبثوا في ذلك أربعين يومًا تنزل عليهم غبًّا عند ارتفاع الضّحى، فلا تزال موضوعةً يؤكل منها، حتّى إذا قاموا ارتفعت عنهم بإذن اللّه إلى جوّ السّماء وهم ينظرون إلى ظلّها في الأرض حتّى توارى عنهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا مهران، عن سفيان قال: يذكرون أنّها نزلت المائدة مرّتين.
قوله تعالى: فمن يكفر بعد منكم
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم بن عمر، عن وهب بن منبّهٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الخير، فمن يكفر بعد منكم فأوحى اللّه إلى نبيّه عيسى عليه السّلام، أن اجعل رزقي في المائدة لليتامى والفقراء والزّمنى دون الأغنياء من النّاس.
فلمّا فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من النّاس، وغمطوا ذلك حتّى شكّوا فيها في أنفسهم، وشكّكوا فيها النّاس، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر. وأدرك الشّيطان منهم حاجته، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين، حتّى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة، ونزولها من السّماء أحقٌّ، فإنّه قد ارتاب منها بشرٌ كثيرٌ؟ فقال عيسى عليه السّلام: هلكتم وإله المسيح، طلبتم المائدة إلى نبيّكم أن يطلبها لكم إلى ربّكم فلمّا أن فعل، وأنزلها عليكم رحمةً ورزقًا، وأراكم الآيات والعبر، وكذّبتم بها وشككتم فيها فأبشروا بالعذاب. فإنّه نازلٌ بكم إلا أن يرحمكم اللّه، وأوحى اللّه إلى عيسى بأنّي آخذٌ المكذّبين بشرطي فإنّي معذّبٌ منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها- عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فمن يكفر بعد منكم: بعد ما جاءته المائدة.
قوله تعالى: فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم، عن إبراهيم بن عمر، عن وهب بن منبّهٍ عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الخير فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين قال: فلمّا أمسى المرتابون بها، وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورةٍ مع نسائهم آمنين، فلمّا كان في آخر اللّيل مسخهم اللّه خنازير، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن قزعة الباهليّ، ثنا سفيان بن حبيبٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلادٍ، عن عمّار بن ياسرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: نزّل اللّه المائدة من السّماء، وأمروا ألا يخونوا، ولا يرفعوا الغدٍ، فخانوا وادّخروا، ورفعوا فمسخوا قردةً وخنازير».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن سعيدٍ، عن قتادة، عن عمّار بن ياسرٍ قوله: إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين ذكر لنا أنّهم حوّلوا خنازير.
قال: وكان الحسن يقول: لمّا قيل لهم فمن يكفر... فإنّي أعذّبه عذابًا. قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.
قوله تعالى: أحدًا من العالمين
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين يقول:
أعذّبه عذابًا لا يعذّب به أحدٌ من العالمين غير أهل المائدة). [تفسير القرآن العظيم: 4/1249-1252]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا هارون بن سليمان الأصبهانيّ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عمران بن الحكم، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: قالت قريشٌ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ادع اللّه ربّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبًا، ونؤمن بك. قال: «أو تفعلون؟» قالوا: نعم فدعا اللّه فأتاه جبريل فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام، ويقول: إن شئت أصبح لهم الصّفا ذهبًا، فمن كفر منهم عذّبته عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم أبواب التّوبة والرّحمة؟ قال: «يا ربّ باب التّوبة والرّحمة» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/344]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) عمار بن ياسر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغدٍ فخانوا، وادّخروا ورفعوا لغدٍ، فمسخوا قردة وخنازير»
أخرجه الترمذي، وقال: وقد روي عن عمار بن ياسر من غير طريق موقوفاً). [جامع الأصول: 2/131]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال: مائدة عليها طعام أبوها حين عرض عليهم العذاب أن كفروا فأبوا أن ينزل عليهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن الحسن قال: لما قيل لهم {فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا} قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل عليهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} قال: ذكر لنا أنهم لما صنعوا في المائدة ما صنعوا حولوا خنازير.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فمن يكفر بعد منكم} بعد ما جاءته المائدة {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} يقول: أعذبه بعذاب لا أعذبه أحدا غير أهل المائدة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {إني منزلها} مثقلة). [الدر المنثور: 5/604-605]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي...}
يقول: ألهمتهم؛ كما قال {وأوحى ربّك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا} أي ألهمها). [معاني القرآن: 1/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذ أوحيت إلى الحواريّين) (111) أي ألقيت في قلوبهم، وقد فرغنا من تفسيرهم في موضع قبل هذا، وليس من وحي النبوة إنما هو أمرت، قال العجّاج:
وحي لها القرار فاستقرّت
أي: أمرها بالقرار. يقال: وحى وأوحى). [مجاز القرآن: 1/182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وإذ أوحيت إلى الحواريّين} أي قذفت في قلوبهم،
كما قال: {وأوحى ربّك إلى النّحل} ). [تفسير غريب القرآن: 148-149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحيُ: كلُّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إلهام، كقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ}، و{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ، أي ألهمها). [تأويل مشكل القرآن: 489]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون (111)
قال بعضهم: (أوحيت إلى الحواريّين) أي ألهمتهم كما قال: (وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتا) أي ألهمها.
وقال بعضهم (أوحيت إلى الحواريين) معناه: أمرهم.
وأنشدوا قول الشاعر:
الحمد للّه الذي استهلّت
=
=بإذنه السّماء واطمأنّت

=
أوحى لها القرار فاستقرت
قالوا معناه: أمرها.
وقال بعضهم: معنى (وإذ أوحيت إلى الحواريّين) أتيتهم في الوحي إليك بالبراهين والآيات التي استدلوا بها على الإيمان فآمنوا بي). [معاني القرآن: 2/219-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي} قيل معنى أوحيت ههنا: ألهمت كما قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} وقيل: معناه: أمرت، كما قال الشاعر:
=أوحى لها القرار فاستقرت
وقيل معنى أوحيت ههنا: بينت ودللت بالآيات والبراهين). [معاني القرآن: 2/383-384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} أي قذفت في قلوبهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 73]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل يستطيع ربّك...}
بالتاء والياء.
قرأها أهل المدينة وعاصم بن أبى النجود والأعمش بالياء: (يستطيع ربّك)، وقد يكون ذلك على قولك: هل يستطيع فلان القيام معنا؟ وأنت تعلم أنه يستطيعه، فهذا وجه.
وذكر عن عليّ وعائشة رحمهما الله أنهما قرأ (هل تستطيع ربّك) بالتاء.
وذكر عن معاذ أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تستطيع ربّك) بالتاء، وهو وجه حسن. أي هل تقدر على أن تسأل ربك {أن ينزّل علينا مائدةً مّن السّماء}). [معاني القرآن: 1/325]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل يستطيع ربّك) (112) أي هل يريد ربك.
(أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء) (112) أصلها أن تكون مفعولة، فجاءت فاعلة كما يقولون: تطليقة بائنة، وعيشة راضية؛ وإنما ميد صاحبها بما عليها من الطعام، فيقال: مادنى يميدنى، قال رؤبة:
=إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطى المسئول به؛ امتدتك، ومدتنى أنت). [مجاز القرآن: 1/182-183]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قال: وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم "هل تستطيع ربك" أي هل تقدر على هذا من ربك.
وعلي وعائشة وابن عباس رضوان الله عليهم بمثل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
الحسن وأبو عمرو وأصحاب عبد الله {هل يستطيع ربك} ). [معاني القرآن لقطرب: 487]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {إذ قال الحواريون} فقالوا: الحواري المتنظف في دينه؛ وقال بعضهم: الحواري: القصار؛ وإنما ذلك من حرث الثوب؛ أي
[معاني القرآن لقطرب: 502]
غسلته وبيضته، واحورت القدر: إذا ابيض لحمها قبل أن تنضج؛ وكان الحسن يقول في "الحور العين": الحور: البيض؛ وسنخبر عن الحور في موضعها إن شاء الله.
وقال بعضهم: الحواريون: صفوة الأنبياء الذين اصطفوهم؛ وقد قالوا: الحواري عند العرب: المجاهد؛ وكل مجاهد في حسبة حواري عندهم؛ وقالوا أيضًا: الحورايات أرباب القرى.
وقال الأخطل:
حوارية لا يدخل الذم بيتها = مطهرة يأوي إليها مطهر
وقال أبو جلدة من بني يشكر:
فقل للحواريات يبكين غيرنا = ولا يبكنا إلا الكلاب النوابح
وقال آخر:
ولست عرابيًا فأحرث ضيعة = ولا بحواري فآخذ درهما
وأما قوله عز وجل {هل يستطيع ربك} فاللغات فيها - وقد ذكرنا القراءتين - قالوا: فيها استطاع يستطيع استطاعة؛ وإنما هو من أطاع وطاع لغة؛ وقالوا: طعت أطع، وطعت أطاع، مثل خفت أخاف؛ وقريش تقول: هو يطيع لك، مثل يبيع؛ وهي شاذة قليلة؛ وقالوا أيضًا: انطاع لي فلان، ينطاع انطياعًا.
[معاني القرآن لقطرب: 503]
واللغة الثانية اسطاع بحذف التاء؛ والفعل من هذا هو: يستطيع بفتح الياء، والمصدر في القياس: اسطاعة بحذف التاء كما حذفتها من الفعل، والألف موصولة، مثل: استجار استجارة؛ وعلى هذه اللغة القراءة {فما اسطاعوا أن يظهروه} {وما استطاعوا له} الثانية على التمام.
وقالوا: "قد أسطاع فلان" بقطع الألف، فهو يسطيع بضم الياء؛ صيروا هذه الألف بمنزلة ألف أهراق؛ فالقياس في مصدرها إسطاعة، وألف المصدر مقطوعة، مثل أهراق إهراقة.
وقال بعضهم وقد حكيت أيضًا عن عبد القيس: "أنا أستيع، أنا أفعل؛ وهو يستيع؛ فرمى بالطاء وترك التاء، كما رمى الأولون بالتاء وأبقوا الطاء؛ فالمصدر في "يستيع" في القياس استاعة، مثل إسطاعة التي ذكرنا.
وقد حكي لنا: "هو يستيع" بضم الياء، كما قالوا يسطيع؛ وكأن فعل يستيع إستاع مقطوعة على مثل إسطاع إسطاعة.
وقال طرفة فيما حذف فيه التاء:
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي = فدعني أبادرها بما ملكت يدي). [معاني القرآن لقطرب: 504]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ((المائدة) الطعام. من مادني يميدني. كأنها تميد للآكلين.
أي تعطيهم. أو تكون فاعلة بمعنى مفعول بها. أي ميد بها الآكلون). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدة من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (112)
جائز أن يكون موضع " عيسى " نصبا، كما تقول: يا زيد بن عمرو؛ لأن ابنا إذا أضيف إلى اسم معروف علم أو أضيف إلى كنية معروفة جعل وما قبله كالشيء الواحد فجميع النحويين يختارون يا زيد بن عمرو، وكلهم يجيزون: " يا زيد بن عمرو.
وعلى هذا جائز أن يكون موضع عيسى موضع اسم مبني على الضمّ، قالوا كلّهم، فإن قلت: يا زيد بن أخينا، ويا زيد ابن الرجل الصالح فضممت زيدا لا غير. لأن النصب إنما يكون إذا أضيف ابن إلي علم كما وصفنا.
وقد قرئ: (هل تستطيع ربّك) و (هل يستطيع ربّك).
فمن قرأ (هل تستطيع ربّك). فالمعنى هل تستدعي إجابته وطاعته في أن ينزل علينا، ومن قراها (هل يستطيع ربّك) كان معناه هل يقدر ربّك.
قال أبو إسحاق: وليس المعنى عندي - واللّه أعلم - أنهم جهلوا أن اللّه يقدر على أن ينزل مائدة، ولكن وجه السؤال هل ترينا أنت أن ربّك يرينا ما سألنا من أجلك من آياتك التي تدل على نبوتك.
فأمّا المائدة فقال أبو عبيدة: إنها في المعنى مفعولة ولفظها فاعلة، قال: وهي مثل عيشة راضية، وقال إن المائدة من العطاء، والممتاد المفتعل المطلوب منه العطاء.
قال الشاعر:
=إني أمير المؤمنين الممتاد
وماد زيد عمرا إذا أعطاه. والأصل عندي في مائدة أنها فاعلة من ماد يميد إذا تحرّك فكأنّها تميد بما عليها.
وقيل في التفسير إنها أنزلت عليهم في يوم الأحد وكان عليها خبز وسمك، فالنصارى تجعل الأحد عيدا - فيما قيل - لذلك.
وقال بعضهم إنها لم تنزل للتّهوّد الذي وقع في الكفر بعد نزولها، والأشبه أن تكون لأن نزولها قد جاء ذكره في هذه القصة.
قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّي منزّلها عليكم) وقال غير أهل الإسلام إنها نزلت، والأخبار أنها انتهت، فالتصديق بها واجب.
فأمّا وجه مسألة الحواريين عيسى المائدة فيحمل ضربين أحدهما أن يكونوا ازدادوا تثبيتا، كما قال إبراهيم: (ربّ أرني كيف تحي الموتى).
وجائز أن تكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الأكمه والأبرص وأنّه أحيا الموتى.
وأما قول عيسى للحواريين: (اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين).
فإنّما أمرهم ألّا يقترحوا هم الآيات، وألّا يقوموا بين يدي الله ورسوله.
لأن الله قد أراهم الآيات والبراهين بإحياء الموتى وهو أوكد فيما سألوا وطلبوا). [معاني القرآن: 2/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} روى شيبة بن نصاح المقري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا {هل يستطيع ربك} ولكن قالوا هل تستطيع ربك وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ومعاذ وابن عباس (هل تستطيع ربك) وكذلك قرأ سعيد بن جبير
وقال سعيد: إنما هو هل تستطيع أن تسأل ربك والتقدير عند أهل العربية على هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك ثم حذف كما قال {واسأل القرية} و{هل يستطيع ربك} حسن بغير حذف معروف في كلام العرب أن يقال: هل يستطيع أن يقوم بمعنى هل يستطيع أن يفعل ذلك بمسألتي وأنت تعرف أنه يستطيعه وفي سؤال الحواريين تنزيل المائدة قولان:
أحدهما أنهم سألوا ذلك ليتبينوا كما قال إبراهيم عليه السلام: رب أرني كيف تحيي الموتى
والقول الآخر أن يكون سؤالهم هذا من قبل أن يعلموا أن عيسى يبرئ الأكمه والأبرص

فأما قول عيسى: لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، فيعني أن لا تقترحوا الآيات ولا تسألوا ما لم يسأل غيركم من الأمم.
قال أبو عبيدة: مائدة من الطعام وهي فاعلة بمعنى مفعولة كما قال جل وعز: {في عيشة راضية}.
وقال أبو إسحاق: مائدة عندي من ماد يميد إذا تحرك.
وقرأ عاصم الجحدري: (تكون لنا عيدا لأولانا وأخرانا) وقرأ الأعمش (تكن لنا عيدا)

وقيل: إنها أنزلت وقيل إنها لم تنزل، والصواب، أن يقال: إنها أنزلت لقوله جل وعز: {قال الله إني منزلها عليكم}.
وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر -وبعضهم يرفعه- قال: أنزلت المائدة خبزا ولحما وأمروا أن لا يخزنوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا خنازير.
حدثنا القاسم بن زكريا المطرز نا الحسين بن قرعة قال نا ابن حبيب عن سعيد بن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة خبزا ولحما فأمروا أن لا يدخروا ولا يرفعوا فادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير.

ويروى: أن هذه محنة أمر الله جل وعز امتحانهم بها.
قال عبد الله بن مسعود: أشد الناس عذابا أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون.
وقال الحسن: لما أوعدوا بالعذاب إن هم عصوا قالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل.
وقال مجاهد: لما قيل لهم: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين امتنعوا من نزولها لم تنزل وقيل إن هذا العذاب في الآخرة). [معاني القرآن: 2/384-388]


تفسير قوله تعالى: (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) )

تفسير قوله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تكون لنا عيداً...}
(وتكن لنا). وهي في قراءة عبد الله (تكن لنا عيدا) بغير واو. وما كان من نكرة قد وقع عليها أمر جاز في الفعل بعده الجزم والرفع.
وأمّا المائدة فذكر
أنها نزلت، وكانت خبزا وسمكا. نزلت - فيما ذكر - يوم الأحد مرّتين، فلذلك اتخذوه عيدا.
وقال بعض المفسّرين: لم تنزل؛ لأنه اشترط عليهم أنه إن أنزلها فلم يؤمنوا عذّبهم، فقالوا: لا حاجة لنا فيها). [معاني القرآن: 1/325-326]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا) (114) مجاز العيد ها هنا: عائدة من الله علينا، وحجة وبرهان.
(وآيةً منك) (114) أي: علماً وعلامة). [مجاز القرآن: 1/183]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً مّن السّماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا وآيةً مّنك وارزقنا وأنت خير الرّازقين}
[وقال] {قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً مّن السّماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} فجعل {تكون} من صفة "المائدة" كما قال: {هب لي من لّدنك وليّاً يرثني} رفع إذا جعله صفة وجزم إذا جعله جوابا كما تقول: "أعطني ثوباً يسعني" إذا أردت واسعا و"يسعني" إذا جعلته جوابا كأنك تشترط أنه يسعك.
[و] قال: {وآيةً مّنك} عطف على "العيد" كأنه قال: "يكون عيداً وآيةً" وذكر أن قراءة ابن مسعود (تكن لنا عيداً).
وليس قولهم {هل يستطيع} [112] لأنهم ظنوا أنه لا يطيق. ولكنه كقول العرب: أتستطيع أن تذهب في هذه الحاجة وتدعنا من كلامك"، وتقول: "أتستطيع أن تكفّ عنّي فإنّي مغموم". فليس هذا لأنه لا يستطيع ولكنه يريد "كفّ عنّي" ويذكر له الاستطاعة ليحتج عليه أي: إنّك تستطيع. فإذا ذكّره إياها علم أنها حجة عليه. وإنما قرئت (هل تستطيع ربّك) فيما لديّ لغموض هذا المعنى الآخر والله أعلم. وهو جائز كأنه أضمر الفعل فأراد "هل تستطيع أن تدعو ربّك" أو "هل تستطيع ربّك أن تدعوه"، فكل هذا جائز.
و"المائدة" الطعام. و"فعلت" منها: "مدت" "أميد". قال الشاعر:
نهدى رؤوس المجرمين الأنداد = إلى أمير المؤمنين الممتاد
و["الممتاد"] هو "مفتعلٌ" من "مدت"). [معاني القرآن: 1/233]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {أنزل علينا مائدة} فالمعنى في المائدة عندنا وكذلك سمعناه يحكي: ميد بها صاحبها بما عليها من الخير؛ ويقول مادني فلان يميدني فتكون في معنى مفعولة؛ كأنه قال: مائدة مميد بها أهلها؛ وقد فسرنا هذا الباب بما فيه في صدر الكتاب.
وقال رؤبة:
................. = إلى أمير المؤمنين الممتاد.
[معاني القرآن لقطرب: 504]
أي المسؤول المستعطي.
ويقال: امتاد فلان فلانًا، فماده؛ أي أعطاه.
وقد يكون المعنى على: أنها هي مادت أهلها، على سعة الكلام؛ فتكون فاعلة في معناها.
وأما قوله {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} فقالوا: فيها عائدة من الله عز وجل علينا؛ ويكون أصل عيد الواو، من عاد عليه يعود، فانقلبت ياء للكسرة قبلها). [معاني القرآن لقطرب: 505]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تكون لنا عيداً} أي مجمعا. {وآيةً منك} أي علامة). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدة من السّماء تكون لنا عيدا لأوّلنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين (114)
ذكر سيبويه أن (اللّهمّ) كالصوت وأنه لا يوصف، وأن (ربّنا) منصوب على نداء آخر، وقد شرحنا هذا قبل شرحا تاما.
ومعنى قوله: (وآية منك).
أي فتكون لنا علامة منك). [معاني القرآن: 2/221-222]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) )
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {إني منزلها عليكم} من أنزل.
الحسن {منزلها} من نزل). [معاني القرآن لقطرب: 487]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وأمّا قوله: (قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين (115)
فجائز، أن يكون يعجّل لهم العذاب في الدنيا، وجائز أن يكون في الآخرة لقوله: (لا أعذّبه أحدا من العالمين) ). [معاني القرآن: 2/222]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:52 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي)).
قال: حدثناه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم:
يقال والله أعلم: إن أصل هذا إنما كان بدؤه من الحواريين أصحاب عيسى ابن مريم صلوات الله عليه وعلى نبينا.
وإنما سموا حواريين لأنهم كانوا يغسلون الثياب يحورونها، وهو التبييض.
يقال: حورت الشيء إذا بيضته.
ومنه قيل: امرأة حوارية إذا كانت بيضاء قال الشاعر:

فقل للحواريات يببكين غيرنا = ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
قال وكان أبو عبيدة يذهب بالحواريات إلى نساء الأمصار دون أهل البوادي.
وهذا عندي يرجع إلى ذلك المعنى؛ لأن عند هؤلاء من البياض ما ليس عند أولئك، فسماهن حواريات لهذا.
فلما كان عيسى ابن مريم.
صلى الله عليه وسلم نصره هؤلاء الحواريون فكانوا شيعته وأنصاره دون الناس، فقيل: فعل الحواريون كذا ونصره الحواريون بكذا، جرى هذا على ألسنة الناس حتى صار مثلا لكل ناصر، فقيل: حواري إذا كان مبالغا في نصرته تشبيها بأولئك.
هذا كما بلغنا والله أعلم.
وهذا مما قلت لك: إنهم يحولون اسم الشيء إلى غيره إذا كان من سببه). [غريب الحديث: 2/248-251]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) }

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
فيا قوم هل من حيلة تعرفونها
موضع "تعرفونها" خفضٌ، لأنه نعت للحيلة وليس بجواب، ولو كان ههنا شرط يوجب جوابًا لا نجزم، تقول: ائتني بدابة أركبها، أي بدابةٍ مركوبة، فإذا أردت معنى: فإنك إن أتيتني بدابة ركبتها قلت: "أركبها"، لأنه جواب الأمر، كما أن الأول جواب الاستفهام، وفي القرآن: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، أي مطهرة لهم، وكذلك: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا} أي كائنة لنا عيدًا، وفي الجواب: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا}، أي إن تركوا خاضوا ولعبوا، وأما قوله عز وجل: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} فإنما هو فذرهم في هذه الحال لأنهم كانوا يلعبون، وكذلك: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، إنما هو ولا تمنن مستكثرًا فمعنى ذا: هل معروفة عندكم?). [الكامل: 1/373-374] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال في قوله عز وجل: {عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ}: أي علامة.
وسئل هل قرئ: (وإنه منك)؟ قال: لا أعرفه). [مجالس ثعلب: 270]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ الحَارِثِيُّ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ من أبواب إن
تقول قال عمرو إن زيدا خيرٌ منك وذلك لأنك أردت أن تحكي قوله ولا يجوز أن تعمل قال في إن كما لا يجوز لك أن تعملها في زيد وأشباهه إذا قلت قال زيدٌ عمروٌ خير الناس فأن لا تعمل فيها قال كما لا تعمل قال فيما تعمل فيه أن لأن أن تجعل الكلام شأنا وأنت لا تقول قال الشأن متفاقماً كما تقول زعم الشأن متفاقماً فهذه الأشياء بعد قال حكايةٌ.
ومثل ذلك: {وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}.
وقال أيضا: {قال الله إني منزلها عليكم} وكذلك جميع ما جاء من ذا في القرآن). [الكتاب: 3/142] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب إن المكسورة ومواقعها
اعلم أن مكانها في الكلام في أحد ثلاثة مواضع ترجع إلى موضع واحد وهو الابتداء؛ لأنه موضع لا يخلص للاسم دون الفعل.
وإنما تكون المفتوحة في الموضع الذي لا يجوز أن يقع فيه الاسم. وذلك قولك: إن زيداً منطلق، وإن عمراً قائم، لا يكون في هذا الموضع إلا الكسر. فأما قوله: (وأن هذه أمتكم أمةً واحدةً) فإنما المعنى معنى اللام، والتقدير: ولأن هذه أمتكم أمةً واحدة، وأنا ربكم فاعبدون.
وكذلك قوله عند الخليل: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} أي: ولأن.
وأما المفسرون فقالوا: هو على أوحي. وهذا وجهٌ حسن جميل وزعم قوم من النحويين موضع أن خفض في هاتين الآيتين وما أشبههما، وأن اللام مضمره وليس هذا بشيء. واحتجوا بإضمار رب في قوله:
وبلدٍ ليس به أنيس
وليس كما قالوا؛ لأن الواو بدل من رب كما ذكرت لك، والواو في قوله تبارك وتعالى: {وأن المساجد لله} واو عطف. ومحالٌ أن يحذف حرف الخفض ولا يأتي منه بدلٌ.
واحتج هؤلاء بأنك لا تقول: أنك منطلق بلغني أو علمت.
فقيل لهم: هي لا تتقدم إلا مكسورةٌ، وإنما كانت هاهنا بعد الواو منصوبة لأن المعنى معنى اللام؛ كما تقول: جئتك ابتغاء الخير، فتنصب والمعنى معنى اللام، وكذلك قال الشاعر:

وأغفر عوراء الكريم ادخـاره = وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
فإذا قلت: جئتك أنك تحب المعروف فالمعنى معنى اللام، فعلى هذا قدمت، وهذا قد مر. فهذا قول الخليل.
والموضع الآخر للمكسورة: أن تدخل اللام في الخبر. وقد مضى قولنا في هذا، لأن اللام تقطعها مما قبلها، فتكون مبتدأة. فهذا مما ذكرت لك أنها ترجع إلى الابتداء.
والموضع الثالث: أن تقع بعد القول حكايةً فتكون مبتدأة. كما تقول: قال زيد: عمروٌ منطلقٌ، وقلت: الله أكبر. وقد مضى هذا في باب الحكاية.
فعلى هذا تقول: قال زيد: إن عمراً منطلق، وقال عبد الله: إنك خير منه. من ذلك قوله عز وجل: {قال الله إني منزلها عليكم}. وقال: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك} وقال: {قال يا قوم إني لكم نذيرٌ مبين} ). [المقتضب: 2/346-348] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومما يفسر من كتاب الله جل وعز تفسيرين متضادين، قوله تعالى: {قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}، قال بعض المفسرين: نزلت المائدة، وقال بعضهم: لم تنزل. أخبرنا أبو علي العنزي، قال: حدثنا الحسن بن قزعة، قال: حدثنا سفيان بن حبيب، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نزلت المائدة خبزا ولحما، وأمروا ألا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدخروا، فخانوا، وخبئوا وادخروا، فمسخوا قردة وخنازير)).
وحدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي، قال: حدثنا إسماعيل بن فيروز، عن أبيه، عن وهب بن منبه، قال: كانت مائدة يجلس عليها أربعة آلاف، فقالوا لقوم من وضعائهم: إن هؤلاء يلطخون ثيابنا علينا، فلو بنينا لها دكانا يرفعها! فبنوا لها دكانا، فجعلت الضعفاء لا تصل إلى شيء، فلما خالفوا أمر الله جل وعز رفعها عنهم.
وحدثنا محمد، قال: حدثنا الحكم بن مروان، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {أنزل علينا مائدة من السماء}، قال: مائدة طعام.
وحدثنا محمد، قال: خبرنا بشر بن عمر، قال: خبرنا شعبة عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي، في قوله: {أنزل علينا مائدة من السماء}، قال: خبزا وسمكا.
وحدثنا محمد، قال: حدثنا الحكم بن مروان، قال: أخبرنا الفضل بن مرزوق، عن عطية، قال: كانت سمكة وجدوا فيها كل شيء.
وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: خبرنا يوسف القطان، قال: حدثنا جرير، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، قال: نزلت المائدة وهي طعام يفور؛ فكانوا يأكلون منها قعودا، فأحدثوا فرفعت شيئا، فأكلوا على الركب، ثم أحدثوا، فرفعت شيئا، فأكلوا قياما، ثم أحدثوا، فرفعت البتة.
وأخبرنا عبد الله، قال: خبرنا يوسف، قال: خبرنا عمرو بن حمران، عن سعيد، عن قتادة، قال: كانت مائدة ينزل عليها ثمر من ثمار الجنة. وأمروا ألا يخونوا، ولا يخبئوا ولا يدخروا، بلاء ابتلاهم الله به، فكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أخبرهم به عيسى عليه السلام، قال: فخانوا وخبئوا وادخروا.
وأخبرنا عبد الله، قال: خبرنا يوسف، قال: أخبرنا
عمرو بن حمران، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: لما قال الله عز وجل: {إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}, قالوا: لا حاجة لنا فيها، فلم تنزل عليهم ). [كتاب الأضداد: 350-352]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 08:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 08:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 08:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 08:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون (111) إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (112) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين (113)
قوله تعالى: وإذ أوحيت هو من جملة تعديد النعمة على عيسى وأوحيت في هذا الموضع إما أن يكون وحي إلهام أو وحي أمر كما قال الشاعر:
.... .... .... ..... = أوحى لها القرار فاستقرت
وبالجملة فهو إلقاء معنى في خفاء أوصله تعالى إلى نفوسهم كيف شاء والرسول في هذه الآية عيسى عليه السلام وقول الحواريين واشهد يحتمل أن يكون مخاطبة منهم لله تعالى ويحتمل أن يكون لعيسى عليه السلام، وقد تقدم تفسير لفظة الحواريين في آل عمران). [المحرر الوجيز: 3/298]


تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إذ قال الحواريّون.. الآية اعتراض أثناء وصف حال قول الله لعيسى يوم القيامة، مضمن الاعتراض إخبار محمد عليه السلام وأمته بنازلة الحواريين في المائدة. إذ هي مثال نافع لكل أمة مع نبيها يقتدى بمحاسنه ويزدجر عما ينقد منه من طلب الآيات ونحوه، وقرأ جمهور الناس «هل يستطيع ربّك» بالياء ورفع الباء من ربك. وهي قراءة السبعة حاشا الكسائي، وهذا ليس لأنهم شكوا في قدرة الله على هذا الأمر كامنة بمعنى هل يفعل تعالى هذا وهل تقع منه إجابة إليه؟ وهذا كما قال لعبد الله بن زيد هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فالمعنى هل يخف عليك وهل تفعله؟
أما أن في اللفظة بشاعة بسببها قال عيسى اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين وبسببها مال فريق من الصحابة وغيرهم إلى غير هذه القراءة فقرأ علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن عباس وعائشة وسعيد بن جبير «هل تستطيع ربّك» بالتاء ونصب الباء من ربك. المعنى هل تستطيع أن تسأل ربك؟ قالت عائشة رضي الله عنها: كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: نزهتهم عائشة عن بشاعة اللفظ وإلا فليس يلزمهم منه جهل بالله تعالى على ما قد تبين آنفا. وبمثل هذه القراءة قرأ الكسائي وزاد أنه أدغم اللام في التاء. قال أبو علي: وذلك حسن، وأن في قوله أن ينزّل على هذه القراءة متعلقة بالمصدر المحذوف الذي هو سؤال. وأن مفعول به إذ هو في حكم المذكور في اللفظ وإن كان محذوفا منه إذ لا يتم المعنى إلا به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد يمكن أن يستغنى عن تقدير سؤال على أن يكون المعنى هل يستطيع أن ينزل ربك بدعائك أو بأثرتك عنده ونحوه هذا، فيردك المعنى ولا بد إلى مقدر يدل عليه ما ذكر من اللفظ، و «المائدة» فاعلة من ماد إذا تحرك، هذا قول الزجّاج أو من ماد إذا ماد وأطعم كما قال رؤبة:
تهدى رؤوس المترفين الأنداد = إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي الذي يستطعم ويمتاد منه، وقول عيسى عليه السلام اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين تقرير لهم كما تقول افعل كذا وكذا إن كنت رجلا، ولا خلاف احفظه في أن الحواريين كانوا مؤمنين، وهذا هو ظاهر الآية، وقال قوم قال الحواريون هذه المقالة في صدر الأمر قبل علمهم بأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويظهر من قوله عليه السلام اتّقوا اللّه إنكار لقولهم ذلك، وذلك على قراءة من قرأ «يستطيع» بالياء من أسفل متوجه على أمرين: أحدهما: بشاعة اللفظ، والآخر إنكار طلب الآيات والتعرض إلى سخط الله بها والنبوات ليست مبنية على أن تتعنت وأما على القراءة الأخرى فلم ينكر عليهم إلا الاقتراح وقلة طمأنينتهم إلى ما قد ظهر من آياته). [المحرر الوجيز: 3/298-300]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (فلما خاطبهم عليه السلام بهذه المقالة صرحوا بالمذاهب التي حملتهم على طلب المائدة، فقالوا: نريد أن نأكل منها فنشرف في العالم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لأن هذا الأكل ليس الغرض منه شبع البطن. وتطمئنّ قلوبنا معناه يسكن فكرنا في أمرك بالمعاينة لأمر نازل من السماء بأعيننا ونعلم علم الضرورة والمشاهدة أن قد صدقتنا فلا تعترضنا الشبه التي تعرض في علم الاستدلال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبهذا يترجح قول من قال كان هذا قبل علمهم بآياته. ويدل أيضا على ذلك أن وحي الله إليهم أن آمنوا إنما كان في صدر الأمر وعند ذلك قالوا هذه المقالة ثم آمنوا ورأوا الآيات واستمروا وصبروا. وهلك من كفر وقرأ سعيد بن جبير و «يعلم» بالياء مضمومة على ما لم يسم فاعله، وقولهم ونكون عليها من الشّاهدين معناه من الشاهدين بهذه الآية الناقلين لها إلى غيرنا الداعين إلى هذا الشرع بسببها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وروي أن الذي نحا بهم هذا المنحى من الاقتراح هو أن عيسى عليه السلام قال لهم مرة هل لكم في صيام ثلاثين يوما لله، ثم إن سألتموه حاجة قضاها؟ فلما صاموها قالوا: يا معلم الخير إن حق من عمل عملا أن يطعم، فهل يستطيع ربك؟ فأرادوا أن تكون المائدة عند ذلك الصوم). [المحرر الوجيز: 3/300-301]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين (114) قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين (115)
ذكر الله تعالى عن عيسى أنه أجابهم إلى دعاء الله في أمر المائدة. فروي أنه لبس جبة شعر ورداء شعر وقام يصلي ويبكي ويدعو. واللّهمّ عند سيبويه أصلها يا الله فجعلت الميمان بدلا من ياء وربّنا منادى آخر، ولا يكون صفة لأن اللّهمّ يجري مجرى الأصوات من أجل ما لحقه من التغيير، وقرأ الجمهور «تكون لنا» على الصفة للمائدة. وقرأ ابن مسعود والأعمش «تكن لنا» على جواب أنزل والعيد:
المجتمع واليوم المشهود، وعرفه أن يقال فيما يستدير بالسنة أو بالشهر والجمعة ونحوه. وهو من عاد يعود.
فأصله الواو ولكن لزمته الياء من أجل كسرة العين، وقرأ جمهور الناس «لأولنا وآخرنا» وقرأ زيد بن ثابت وابن محيصن والجحدري: «لأولنا وأخرنا». واختلف المتأولون في معنى ذلك، فقال السدي وقتادة وابن جريج وسفيان: لأولنا معناه لأول الأمة ثم لمن بعدهم حتى لآخرها يتخذون ذلك اليوم عيدا. وروي عن ابن عباس أن المعنى يكون مجتمعا لجميعنا أولنا وآخرنا، قال: وأكل من المائدة حين وضعت أول الناس كما أكل آخرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالعيد على هذا لا يراد به المستدير، وقوله وآيةً منك أي علامة على صدقي وتشريفي. فأجاب الله دعوة عيسى). [المحرر الوجيز: 3/301-302]


تفسير قوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال إنّي منزّلها عليكم ثم شرط عليهم شرطه المتعارف في الأمم أنه من كفر بعد آية الاقتراح عذب أشد عذاب، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم «إني منزّلها» بفتح النون وشد الزاي، وقرأ الباقون «منزلها» بسكون النون، والقراءتان متجهتان نزل وأنزل بمعنى واحد، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف، «قال الله إني سأنزلها عليكم»، واختلف الناس في نزول المائدة، فقال الحسن بن أبي الحسن ومجاهد: إنهم لما سمعوا الشرط في تعذيب من كفر استعفوها فلم تنزل. قال مجاهد فهو مثل ضربه الله تعالى للناس لئلا يسألوا هذه الآيات، وقال جمهور المفسرين: نزلت المائدة، ثم اختلفت الروايات في كيفية ذلك، فروى الشعبي عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: نزلت المائدة خبزا وسمكا، وقال عطية: المائدة سمكة فيها طعم كل طعام، قال ابن عباس نزل خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه أين ما نزلوا إذا شاؤوا، وقاله وهب بن منبه، قال إسحاق بن عبد الله: نزلت المائدة عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات، قال: فسرق منها بعضهم فرفعت، وقال عمار بن ياسر: سألوا عيسى عليه السلام مائدة يكون عليها طعام لا ينفد، فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم وما لم تخبئوا أو تخونوا، فإن فعلتم عذبتم قال فما مضى يوم حتى خبؤوا وخانوا فمسخوا قردة وخنازير، وقال ابن عباس في المائدة أيضا، كان طعام ينزل عليهم حيث ما نزلوا، وقال عمار بن ياسر: نزلت المائدة عليها ثمار من ثمار الجنة، وقال ميسرة: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليها الأيدي بكل طعام إلا اللحم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكثر الناس في قصص هذه المائدة بما رأيت اختصاره لعدم سنده وقال قوم:
لا يصح أن لا تنزل المائدة لأن الله تعالى أخبر أنه منزلها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذ غير لازم لأن الخبر مقرون بشرط يتضمنه قوله فمن يكفر بعد منكم، وسائغ ما قال الحسن، أما أن الجمهور على أنها نزلت وكفرت جماعة منهم فمسخهم الله خنازير قاله قتادة وغيره. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون، ويذكر أن شمعون رأس الحواريين قال لعيسى حين رأى طعام المائدة، يا روح الله أمن طعام الدنيا هو أم من طعام الآخرة؟ قال عيسى عليه السلام: ألم ينهكم الله عن هذه السؤالات، هذا طعام ليس من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة. بل هو بالقدرة الغالبة، قال الله له كن فكان، وروي أنه كان على المائدة بقول سوى الثوم والكراث والبصل، وقيل كان عليها زيتون وتمر وحب رمان). [المحرر الوجيز: 3/302-303]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 08:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 08:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي} وهذا أيضًا من الامتنان عليه، عليه السّلام، بأن جعل له أصحابًا وأنصارًا. ثمّ قيل: المراد بهذا الوحي وحي إلهامٍ، كما قال: {وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه} الآية [القصص:7]، وهذا وحي إلهامٍ بلا خوفٍ، وكما قال تعالى: {وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتًا ومن الشّجر وممّا يعرشون. ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا} الآية [النّحل:68، 69]. وهكذا قال بعض السّلف في هذه الآية: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا} [أي: باللّه وبرسول اللّه] {واشهد بأنّنا مسلمون} أي: ألهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا.
قال الحسن البصريّ: ألهمهم اللّه. عزّ وجلّ ذلك، وقال السّدّي: قذف في قلوبهم ذلك.
ويحتمل أن يكون المراد: وإذ أوحيت إليهم بواسطتك، فدعوتهم إلى الإيمان باللّه وبرسوله، واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك، فقالوا: {آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/224]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (112) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين (113) قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين (114) قال اللّه إنّي منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين (115)}
هذه قصّة المائدة، وإليها تنسب السّورة فيقال: "سورة المائدة". وهي ممّا امتنّ اللّه به على عبده ورسوله عيسى، عليه السّلام، لمّا أجاب دعاءه بنزولها، فأنزلها اللّه آيةً ودلالةً معجزةً باهرةً وحجّةً قاطعةً.
وقد ذكر بعض الأئمّة أنّ قصّة المائدة ليست مذكورةً في الإنجيل، ولا يعرفها النّصارى إلّا من المسلمين، فاللّه أعلم.
فقوله تعالى: {إذ قال الحواريّون} وهم أتباع عيسى عليه السّلام: {يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك} هذه قراءة كثيرين، وقرأ آخرون: "هل تستطيع ربّك" أي: هل تستطيع أن تسأل ربّك {أن ينزل علينا مائدةً من السّماء}.
والمائدة هي: الخوان عليه طعامٌ. وذكر بعضهم أنّهم إنّما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوا أن ينزل عليهم مائدةٌ كلّ يومٍ يقتاتون منها، ويتقوّون بها على العبادة.
قال: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين} أي: فأجابهم المسيح، عليه السّلام، قائلًا لهم: اتّقوا اللّه، ولا تسألوا هذا، فعساه أن يكون فتنةً لكم، وتوكّلوا على اللّه في طلب الرّزق إن كنتم مؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 3/225]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قالوا نريد أن نأكل منها} أي: نحن محتاجون إلى الأكل منها {وتطمئنّ قلوبنا} إذا شاهدنا نزولها رزقًا لنا من السّماء {ونعلم أن قد صدقتنا} أي: ونزداد إيمانًا بك وعلمًا برسالتك، {ونكون عليها من الشّاهدين} أي: ونشهد أنّها آيةٌ من عند اللّه، ودلالةٌ وحجّةٌ على نبوّتك وصدق ما جئت به). [تفسير القرآن العظيم: 3/225]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا} قال السّدّي: أي نتّخذ ذلك اليوم الّذي نزلت فيه عيدًا نعظّمه نحن ومن بعدنا، وقال سفيان الثّوريّ: يعني يومًا نصلّي فيه، وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم، وعن سلمان الفارسيّ: عظةً لنا ولمن بعدنا. وقيل: كافيةً لأوّلنا وآخرنا.
{وآيةً منك} أي: دليلًا تنصبه على قدرتك على الأشياء، وعلى إجابتك دعوتي، فيصدّقوني فيما أبلّغه عنك {وارزقنا} أي: من عندك رزقًا هنيئًا بلا كلفةٍ ولا تعبٍ {وأنت خير الرّازقين}). [تفسير القرآن العظيم: 3/225]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قال اللّه إنّي منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم} أي: فمن كذّب بها من أمّتك يا عيسى وعاندها {فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} أي: من عالمي زمانكم، كقوله: {ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب} [غافرٍ:46]، وكقوله: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} [النساء:145].
وقد روى ابن جريرٍ، من طريق عوف الأعرابيّ، عن أبي المغيرة القوّاس، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ أشدّ النّاس عذابًا يوم القيامة ثلاثةٌ: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.
ذكر أخبارٍ رويت عن السّلف في نزول المائدة على الحواريّين:
قال أبو جعفر بن جريرٍ حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثني حجّاجٌ، عن ليث، عن عقيلٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّه كان يحدّث عن عيسى ابن مريم أنّه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا للّه ثلاثين يومًا، ثمّ تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإنّ أجر العامل على من عمل له. ففعلوا، ثمّ قالوا: يا معلّم الخير، قلت لنا: إنّ أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا، ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحدٍ ثلاثين يومًا إلّا أطعمنا حين نفرغ طعامًا، فهل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء؟ قال عيسى: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين. قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين. قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين. قال اللّه إنّي منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدةٍ من السّماء، عليها سبعة أحواتٍ وسبعة أرغفةٍ، حتّى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر النّاس كما أكل منها أوّلهم.
كذا رواه ابن جريرٍ ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ، عن اللّيث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: كان ابن عبّاسٍ يحدّث، فذكر نحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، حدّثنا أبو زرعة وهب اللّه بن راشدٍ، حدّثنا عقيل بن خالدٍ، أنّ ابن شهابٍ أخبره عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ عيسى ابن مريم قالوا له: ادع اللّه أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء، قال: فنزلت الملائكة بمائدةٍ يحملونها، عليها سبعة أحواتٍ، وسبعة أرغفةٍ، فأكل منها آخر النّاس كما أكل منها أوّلهم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا الحسن بن قزعة الباهليّ، حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، عن عمّار بن ياسرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "نزلت المائدة من السّماء، عليها خبزٌ ولحمٌ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغدٍ، فخانوا وادّخروا ورفعوا، فمسخوا قردةً وخنازير"
وكذا رواه ابن جريرٍ، عن الحسن بن قزعة ثمّ رواه ابن جريرٍ، عن ابن بشّارٍ، عن ابن أبي عديّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن خلاسٍ، عن عمّارٍ، قال: نزلت المائدة وعليها ثمرٌ من ثمار الجنّة، فأمروا ألّا يخونوا ولا يخبّئوا ولا يدّخروا. قال: فخان القوم وخبئوا وادّخروا، فمسخهم اللّه قردةً وخنازير.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا داود، عن سماك بن حربٍ، عن رجلٍ من بني عجلٍ، قال: صلّيت إلى جنب عمّار بن ياسرٍ، فلمّا فرغ قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال: قلت: لا قال: إنّهم سألوا عيسى ابن مريم مائدةً يكون عليها طعامٌ يأكلون منه لا ينفد، قال: فقيل لهم: فإنّها مقيمةٌ لكم ما لم تخبؤوا، أو تخونوا، أو ترفعوا، فإن فعلتم فإنّي معذّبكم عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، قال: فما مضى يومهم حتّى خبّؤوا ورفعوا وخانوا، فعذّبوا عذابًا لم يعذّبه أحدٌ من العالمين. وإنّكم -معشر العرب-كنتم تتّبعون أذناب الإبل والشّاء، فبعث اللّه فيكم رسولًا من أنفسكم، تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم أنّكم ستظهرون على العجم، ونهاكم أن تكتنزوا الذّهب والفضّة. وأيم اللّه، لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تكنزوهما ويعذّبكم اللّه عذابًا أليمًا.
وقال: حدّثنا القاسم، حدّثنا حسينٌ، حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشر، عن إسحاق بن عبد اللّه، أنّ المائدة نزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفةٍ وسبعة أحواتٍ، يأكلون منها ما شاؤوا. قال: فسرق بعضهم منها وقال: "لعلّها لا تنزل غدًا". فرفعت.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: نزلت على عيسى ابن مريم والحواريّين، خوانٌ عليه خبزٌ وسمكٌ، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا. وقال خصيف، عن عكرمة ومقسم، عن ابن عبّاسٍ: كانت المائدة سمكةً وأرغفةً. وقال مجاهدٌ: هو طعامٌ كان ينزل عليهم حيث نزلوا. وقال أبو عبد الرّحمن السّلميّ: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا. وقال عطيّة العوفي: المائدة سمكٌ فيه طعم كلّ شيءٍ.
وقال وهب بن منبّه: أنزلها من السّماء على بني إسرائيل، فكان ينزل عليهم في كلّ يومٍ في تلك المائدة من ثمار الجنّة، فأكلوا ما شاؤوا من ضروبٍ شتّى، فكان يقعد عليها أربعة آلافٍ، فإذا أكلوا أبدل اللّه مكان ذلك لمثلهم. فلبثوا على ذلك ما شاء اللّه عزّ وجلّ.
وقال وهب بن منبّه: نزّل عليهم قرصةً من شعيرٍ وأحواتٍ، وحشا اللّه بين أضعافهنّ البركة، فكان قومٌ يأكلون ثمّ يخرجون، ثمّ يجيء آخرون فيأكلون ثمّ يخرجون، حتّى أكل جميعهم وأفضلوا.
وقال الأعمش، عن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: أنزل عليها كلّ شيءٍ إلّا اللّحم.
وقال سفيان الثّوريّ، عن عطاء بن السّائب، عن زاذان وميسرة، وجريرٍ، عن عطاءٍ، عن ميسرة قال: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي بكلّ طعامٍ إلّا اللّحم.
وعن عكرمة: كان خبز المائدة من الأرز. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدّثني أبو عبد اللّه عبد القدّوس بن إبراهيم بن عبيد اللّه بن مرداس العبدريّ -مولى بني عبد الدّار-عن إبراهيم بن عمر، عن وهب بن منبّهٍ، عن أبي عثمان النّهدي، عن سلمان الخير؛ أنّه قال: لمّا سأل الحواريّون عيسى ابن مريم المائدة، كره ذلك جدًّا وقال: اقنعوا بما رزقكم اللّه في الأرض، ولا تسألوا المائدة من السّماء، فإنّها إن نزلت عليكم كانت آيةً من ربّكم، وإنّما هلكت ثمود حين سألوا نبيّهم آيةً، فابتلوا بها حتّى كان بوارهم فيها. فأبوا إلّا أن يأتيهم بها، فلذلك قالوا: {نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا} الآية.
فلمًا رأى عيسى أن قد أبوا إلّا أن يدعو لهم بها، قام فألقى عنه الصّوف، ولبس الشّعر الأسود، وجبّةً من شعرٍ، وعباءةً من شعرٍ، ثمّ توضّأ واغتسل، ودخل مصلّاه فصلّى ما شاء اللّه، فلمّا قضى صلاته قام قائمًا مستقبل القبلة وصفّ قدميه حتّى استويا، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وغضّ بصره، وطأطأ رأسه خشوعًا، ثمّ أرسل عينيه بالبكاء، فما زالت دموعه تسيل على خدّيه وتقطر من أطراف لحيته حتّى ابتلّت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلمّا رأى ذلك دعا اللّه فقال: {اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء} فأنزل اللّه عليهم سفرة حمراء بين غمامتين: غمامةٌ فوقها وغمامةٌ تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضّةً من فلك السّماء تهوي إليهم، وعيسى يبكي خوفًا للشّروط الّتي اتّخذها اللّه عليهم -فيها: أنّه يعذّب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابًا لم يعذّبه أحدًا من العالمين -وهو يدعو اللّه من مكانه ويقول: اللّهمّ اجعلها رحمةً، إلهي لا تجعلها عذابًا، إلهي كم من عجيبةٍ سألتك فأعطيتني، إلهي اجعلنا لك شكّارين، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبًا وجزاءً، إلهي اجعلها سلامةً وعافيةً، ولا تجعلها فتنةً ومثلةً.
فما زال يدعو حتّى استقرّت السّفرة بين يدي عيسى، والحواريّين وأصحابه حوله، يجدون رائحةً طيّبةً لم يجدوا فيما مضى رائحةً مثلها قطّ، وخرّ عيسى والحواريّون للّه سجّدًا شكرًا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آيةً عظيمةً ذات عجبٍ وعبرةٍ، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرًا عجيبًا أورثهم كمدًا وغمًّا، ثمّ انصرفوا بغيظٍ شديدٍ وأقبل عيسى. والحواريّون وأصحابه حتّى جلسوا حول السّفرة، فإذا عليها منديلٌ مغطّي. قال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السّفرة، وأوثقنا بنفسه، وأحسننا بلاءً عند ربّه؟ فليكشف عن هذه الآية حتّى نراها، ونحمد ربّنا، ونذكّر باسمه، ونأكل من رزقه الّذي رزقنا. فقال الحواريّون: يا روح الله وكلمته، أنت أولانا بذلك، وأحقنا بالكشف عنها. فقام عيسى، عليه السّلام، واستأنف وضوءًا جديدًا، ثمّ دخل مصلّاه فصلّى كذلك ركعاتٍ، ثمّ بكى بكاءً طويلًا ودعا اللّه أن يأذن له في الكشف عنها، ويجعل له ولقومه فيها بركةً ورزقًا. ثمّ انصرف فجلس إلى السّفرة وتناول المنديل، وقال: "باسم اللّه خير الرّازقين"، وكشف عن السّفرة، فإذا هو عليها سمكةٌ ضخمةٌ مشويّةٌ، ليس عليها بواسير، وليس في جوفها شوكٌ، يسيل السّمن منها سيلًا قد نضّد حولها بقولٌ من كلّ صنفٍ غير الكرّاث، وعند رأسها خلٌّ، وعند ذنبها ملحٌ، وحول البقول خمسة أرغفةٍ، على واحدٍ منها زيتونٌ، وعلى الآخر ثمراتٌ، وعلى الآخر خمس رمّاناتٍ.
فقال شمعون رأس الحواريّين لعيسى: يا روح اللّه وكلمته، أمن طعام الدّنيا هذا أم من طعام الجنّة؟ فقال: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية! فقال شمعون: وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالًا يا ابن الصّدّيقة. فقال عيسى، عليه السّلام: ليس شيءٌ ممّا ترون من طعام الجنّة ولا من طعام الدّنيا، إنّما هو شيءٌ ابتدعه اللّه في الهواء بالقدرة العالية القاهرة، فقال له: كن. فكان أسرع من طرفة عينٍ، فكلوا ممّا سألتم باسم اللّه واحمدوا عليه ربّكم يمدكم منه ويزدكم، فإنّه بديعٌ قادرٌ شاكرٌ.
فقالوا: يا روح اللّه وكلمته، إنّا نحبّ أن ترينا آيةً في هذه الآية. فقال عيسى: سبحان اللّه! أما اكتفيتم بما رأيتم في هذه الآية حتّى تسألوا فيها آيةً أخرى؟ ثمّ أقبل عيسى، عليه السّلام، على السّمكة، فقال: يا سمكة، عودي بإذن اللّه حيّةً كما كنت. فأحياها اللّه بقدرته، فاضطربت وعادت بإذن اللّه حيّةً طريّةً، تلمّظ كما يتلمّظ الأسد، تدور عيناها لها بصيصٌ، وعادت عليها بواسيرها. ففزع القوم منها وانحازوا. فلمّا رأى عيسى ذلك منهم قال: ما لكم تسألون الآية، فإذا أراكموها ربّكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون! يا سمكة، عودي بإذن اللّه كما كنت. فعادت بإذن اللّه مشويّةً كما كانت في خلقها الأوّل.
فقالوا لعيسى: كن أنت يا روح اللّه الّذي تبدأ بالأكل منها، ثمّ نحن بعد فقال عيسى: معاذ اللّه من ذلك! يبدأ بالأكل من طلبها. فلمّا رأى الحواريّون وأصحابهم امتناع نبيّهم منها، خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلةً، فتحاموها. فلمّا رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزّمنى، وقال: كلوا من رزق ربّكم، ودعوة نبيّكم، واحمدوا اللّه الّذي أنزلها لكم، فيكون مهنؤها لكم، وعقوبتها على غيركم، وافتتحوا أكلكم باسم اللّه، واختموه بحمد اللّه، ففعلوا، فأكل منها ألفٌ وثلاثمائة إنسانٍ بين رجلٍ وامرأةٍ، يصدرون عنها كلّ واحدٍ منهم شبعان يتجشّأ، ونظر عيسى والحواريّون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنزلت من السّماء، لم ينتقص منها شيءٌ، ثمّ إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون، فاستغنى كلّ فقيرٍ أكل منها، وبرئ كلّ زمنٍ أكل منها، فلم يزالوا أغنياء صحاحًا حتّى خرجوا من الدّنيا.
وندم الحواريّون وأصحابهم الّذين أبوا أن يأكلوا منها ندامةً، سالت منها أشفارهم، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات، قال: فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كلّ مكانٍ يسعون يزاحم بعضهم بعضًا: الأغنياء والفقراء، والصّغار والكبار، والأصحّاء والمرضى، يركب بعضهم بعضًا. فلمّا رأى ذلك جعلها نوائب، تنزل يومًا ولا تنزل يومًا. فلبثوا في ذلك أربعين يومًا، تنزل عليهم غبًّا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعةً يؤكل منها، حتّى إذا قاموا ارتفعت عنهم. بإذن اللّه إلى جوّ السّماء، وهم ينظرون إلى ظلّها في الأرض حتّى توارى عنهم.
قال: فأوحى اللّه إلى نبيّه عيسى، عليه السّلام، أن اجعل رزقي المائدة لليتامى والفقراء والزّمنى دون الأغنياء من النّاس، فلمّا فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من النّاس، وغمطوا ذلك، حتّى شكّوا فيها في أنفسهم وشكّكوا فيها النّاس، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر، وأدرك الشّيطان منهم حاجته، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتّى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة، ونزولها من السّماء أحقٌّ، فإنّه قد ارتاب بها بشرٌ منّا كثيرٌ؟ فقال عيسى، عليه السّلام: هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيّكم أن يطلبها لكم إلى ربّكم، فلمّا أن فعل وأنزلها عليكم رحمةً ورزقًا، وأراكم فيها الآيات والعبر كذّبتم بها، وشكّكتم فيها، فأبشروا بالعذاب، فإنّه نازلٌ بكم إلّا أن يرحمكم اللّه.
وأوحى اللّه إلى عيسى: إنّي آخذ المكذّبين بشرطي، فإنّي معذّبٌ منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين. قال فلمّا أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورةٍ مع نسائهم آمنين، فلمّا كان في آخر اللّيل مسخهم اللّه خنازير، فأصبحوا يتّبعون الأقذار في الكنّاسات.
هذا أثرٌ غريبٌ جدًّا. قطّعه ابن أبي حاتمٍ في مواضع من هذه القصّة، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتمّ وأكمل، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
وكلّ هذه الآثار دالّةٌ على أنّ المائدة نزلت على بني إسرائيل، أيّام عيسى ابن مريم، إجابةً من اللّه لدعوته، وكما دلّ على ذلك ظاهر هذا السّياق من القرآن العظيم: {قال اللّه إنّي منزلها عليكم} الآية.
وقد قال قائلون: إنّها لم تنزل. فروى ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {أنزل علينا مائدةً من السّماء} قال: هو مثلٌ ضرب، ولم ينزل شيءٌ.
رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ. ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثني الحارث، حدّثنا القاسم -هو ابن سلّامٍ-حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريج، عن مجاهدٍ قال: مائدةٌ عليها طعامٌ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تنزل عليهم.
وقال أيضًا: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن؛ أنّه قال في المائدة: لم تنزل.
وحدّثنا بشر، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: لمّا قيل لهم: {فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} قالوا: لا حاجة لنا فيها، فلم تنزل.
وهذه أسانيدٌ صحيحةٌ إلى مجاهدٍ والحسن، وقد يتقوّى ذلك بأنّ خبر المائدة لا تعرفه النّصارى وليس هو في كتابهم، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك ممّا يتوفّر الدّواعي على نقله، وكان يكون موجودًا في كتابهم متواترًا، ولا أقلّ من الآحاد، واللّه أعلم. ولكنّ الّذي عليه الجمهور أنّها نزلت، وهو الّذي اختاره ابن جريرٍ، قال: لأنّه تعالى أخبر بنزولها بقوله تعالى: {إنّي منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} قال: ووعد اللّه ووعيده حقٌّ وصدقٌ.
وهذا القول هو -واللّه أعلم-الصّواب، كما دلّت عليه الأخبار والآثار عن السّلف وغيرهم. وقد ذكر أهل التّاريخ أنّ موسى بن نصيرٍ نائب بني أميّة في فتوح بلاد المغرب، وجد المائدة هنالك مرصّعةً باللّآلئ وأنواع الجواهر، فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، باني جامع دمشق، فمات وهي في الطّريق، فحملت إلى أخيه سليمان بن عبد الملك الخليفة بعده، فرآها النّاس وتعجّبوا منها كثيرًا لما فيها من اليواقيت النّفيسة والجواهر اليتيمة. ويقال إنّ هذه المائدة كانت لسليمان بن داود، عليهما السّلام، فاللّه أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن عمران بن الحكم، عن ابن عبّاسٍ قال: قالت قريشٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ادع لنا ربّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبًا ونؤمن بك قال: "وتفعلون؟ " قالوا: نعم. قال: فدعا، فأتاه جبريل فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام، ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصّفا ذهبًا، فمن كفر منهم بعد ذلك عذّبته عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التّوبة والرّحمة. قال: " بل باب التوبة والرحمة".
ثمّ رواه أحمد، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه، من حديث سفيان الثّوريّ، به). [تفسير القرآن العظيم: 3/225-232]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة