أسباب نزول سورة عبس:
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مالك بن أنسٍ، عن هشام بن عروة أنّه قال: نزلت: {عبس وتولّى}، في ابن أمّ مكتومٍ، أتى النّبيّ عليه السّلام، فجعل يقول: يا محمّد، استدنيني، قال: وعند النّبيّ رجلٌ من عظماء المشركين، قال: فجعل النّبيّ يعرض عنه ويقبل على الآخر، فقال: يا أبا فلانٍ، هل ترى بما أقول بأسًا، فيقول: لا، والدّمى، ما أرى بما تقول بأسًا، فأنزلت {عبس وتولّى (1) أن جاءه الأعمى}). [الجامع في علوم القرآن: 1/110-111]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيدٍ الأمويّ، قال: حدّثني أبي، قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: (أنزل: {عبس وتولّى} [عبس: 1] في ابن أمّ مكتومٍ الأعمى، أتى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول: أترى بما أقول بأسًا؟ فيقول: ((لا))، ففي هذا أنزل).
هذا حديثٌ غريبٌ.
وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أنزل {عبس وتولّى} [عبس: 1] في ابن أمّ مكتومٍ، ولم يذكر فيه عن عائشة). [سنن الترمذي: 5/289]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وذُكِرَ أنَّ الأعمَى الذي ذَكَرَهُ اللَّهُ في هذهِ الآيَةِ هوَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، عُوتِبَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ.
ذِكْرُ الأَخْبَارِ الوَارِدَةِ بِذَلِكَ:
حدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ قالَ: ثَنَا أَبِي، عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مِمَّا عَرَضَهُ عليهِ عَنْ عُرْوَةَ، عنْ عائِشَةَ قالَتْ: أُنْزِلَتْ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، قالَتْ: أتَى إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجَعَلَ يَقُولُ: أَرْشِدْنِي. قالَتْ: وعندَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ، قالَتْ: فَجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عنهُ، ويُقْبِلُ على الآخَرِ، ويقولُ: ((أَتَرَى بِمَا أَقُولُهُ بَأْساً؟)) فيقولُ: لا. ففي هذا أُنْزِلَتْ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}.
حَدَثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ قالَ: ثَنِي أَبِي قالَ: ثَنِي عَمِّي قالَ: ثَنِي أَبِي، عنْ أبِيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: قولُهُ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}، قالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ وَأَبَا جَهْلِ بنَ هِشامٍ والعبَّاسَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، وكانَ يَتَصَدَّى لَهم كثيراً، وجَعَلَ عليهم أنْ يُؤْمِنُوا، فأَقْبَلَ إليهِ رَجُلٌ أَعْمَى، يُقالُ لهُ: عبدُ اللَّهِ بنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، يَمْشِي وهوَ يُناجِيهم، فجَعَلَ عبدُ اللَّهِ يَسْتَقْرِئُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً مِن القرآنِ، وقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. فأَعْرَضَ عنهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعَبَسَ في وَجْهِهِ وَتَوَلَّى، وكَرِهَ كَلامَهُ، وأَقْبَلَ على الآخَرِينَ. فلَمَّا قَضَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَخَذَ يَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ، أَمْسَكَ اللَّهُ بَعْضَ بَصَرِهِ، ثمَّ خَفَقَ بِرَأْسِهِ، ثمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}.
فلَمَّا نَزَلَ فيهِ أَكْرَمَهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكَلَّمَهُ، وقالَ لهُ: ((مَا حَاجَتُكَ؟ هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟))). وإِذَا ذَهَبَ مِنْ عندِهِ قالَ لهُ: ((هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ؟))). وذلكَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى}.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ هِشامٍ، عنْ أبيهِ قالَ: نَزَلَتْ في ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قالَ: ثَنَا عيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ، في قوْلِ اللَّهِ: {أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}، قالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ، يُقالُ لَهُ: ابنُ أُمِّ مكتومٍ.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}: عَبْدُ اللَّهِ بنُ زَائِدَةَ، وهوَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وجاءَهُ يَسْتَقْرِئُهُ، وهوَ يُناجِي أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، رجلٌ مِنْ عِلْيَةِ قُرَيْشٍ، فأَعْرَضَ عَنهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فيهِ ما تَسْمَعُونَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} إلى قولِهِ: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}. ذُكِرَ لنا أنَّ نبيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَهُ بعدَ ذلكَ مَرَّتَيْنِ على المدينةِ في غَزْوَتَيْنِ غَزَاهُمَا يُصَلِّي بِأَهْلِهَا.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أنَّهُ رَآهُ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ معَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ، وعليهِ دِرْعٌ لَهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ قالَ: جاءَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهوَ يُكَلِّمُ أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ، فأَعْرَضَ عنهُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ عليهِ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، فكانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ. قالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُهُ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ عليهِ دِرْعٌ، ومعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ.
حُدِّثْتُ عن الحُسَيْنِ قالَ: سَمِعْتُ أبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عَبِيدٌ قالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقولُ في قَوْلِهِ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}: تَصَدَّى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ كَثِيرِ المالِ، ورَجَا أنْ يُؤْمِنَ، وجاءَ رجلٌ مِن الأنصارِ أَعْمَى، يُقالُ لهُ: عبدُ اللَّهِ بنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فجَعَلَ يَسْأَلُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكَرِهَهُ نبيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَوَلَّى عنهُ، وأقْبَلَ على الغَنِيِّ، فوَعَظَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، فأَكْرَمَهُ نبيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسْتَخْلَفَهُ على المدينةِ مَرَّتَيْنِ في غَزْوَتَيْنِ غَزَاهُمَا.
حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، وسَأَلْتُهُ عنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}، قالَ: جَاءَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقائِدُهُ يُبْصِرُ، وهوَ لا يُبْصِرُ، قالَ: ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إلى قائِدِهِ يَكُفُّ، وابنُ أُمِّ مكتومٍ يَدْفَعُهُ ولا يُبْصِرُ. قالَ: حتَّى عَبَسَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَاتَبَهُ اللَّهُ في ذلكَ فقالَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} إلى قولِهِ: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}.
قالَ ابنُ زَيْدٍ: كانَ يُقالُ: لوْ أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ مِن الوَحْيِ شَيئاً، كَتَمَ هذا عنْ نَفْسِهِ. قالَ: وكانَ يَتَصَدَّى لهذا الشريفِ في جاهِلِيَّتِهِ؛ رجاءَ أنْ يُسْلِمَ، وكانَ عنْ هذا يَتَلَهَّى). [جامع البيان: 24 / 102-105]
قالَ عبد الرحمنِ بنُ محمدٍ ابنُ أبي حاتمٍ الرازيُّ (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {عبس وتولّى أن جاءه الأعمى}
عن ابن عبّاسٍ قوله: {عبس وتولّى أن جاءه الأعمى} [عبس: 1-2] قال: (بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشامٍ والعبّاس بن عبد المطّلب، وكان يتصدّى لهم كثيرًا، ويحرص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجلٌ أعمى- يقال له عبد اللّه بن أمّ مكتومٍ يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد اللّه يستقرئ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم آيةً من القرآن، وقال: يا رسول اللّه، علّمني ممّا علّمك اللّه.
فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعبس في وجهه، وتولّى وكره كلامه، وأقبل على الآخرين، فلمّا قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكلّمه وقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ما حاجتك؟ هل تريد من شيءٍ؟)) وإذا ذهب من عنده قال: ((هل لك حاجةٌ في شيءٍ؟)) وذلك لمّا أنزل اللّه تعالى {أمّا من استغنى فأنت له تصدّى وما عليك ألا يزّكّى} [عبس: 6-7] ؟!)). [تفسير القرآن العظيم: 10/3399]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا عليّ بن عيسى الحيريّ، ثنا الحسين بن محمّد بن زيادٍ، ثنا سعيد بن يحيى بن سعيدٍ الأمويّ، ثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: أنزلت عبس وتولّى في ابن أمّ مكتومٍ الأعمى فقالت: أتى إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم من عظماء المشركين، قالت: فجعل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: «أترى ما أقول بأسًا» فيقول: «لا» ففي هذا أنزلت عبس وتولّى «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه، فقد أرسله جماعةٌ عن هشام بن عروة»). [المستدرك: 2 / 558]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ط ت) عروة بن الزبير بن العوام - رضي الله عنهم -: أنّ عائشة -رضي الله عنها - قالت: أنزلت {عبس وتولّى} [عبس: 1] في ابن أم مكتومٍ الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: يا رسول الله، أرشدني - وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين - فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخرين، ويقول: «أترى بما أقول بأساً؟» فيقول: لا، ففي هذا أنزل. أخرجه الموطأ والترمذي عن عروة، ولم يذكرا عائشة. وأخرجه الترمذي أيضاً عن عائشة). [جامع الأصول: 2 / 423]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا الحسن بن سفيان حدّثنا عبد اللّه بن عمر الجعفيّ حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت نزلت: {عبس وتولّى} في ابن أمّ مكتومٍ الأعمى قالت أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل يقول يا نبيّ اللّه أرشدني قالت وعند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلٌ من عظماء المشركين فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعرض عنه ويقبل على الآخر فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "يا فلان أترى بما أقول بأسًا" فيقول: لا فنزلت {عبس وتولّى}). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1 / 438]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ والحَاكِمُ مِن طَرِيقِ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيِّ، وابنُ حِبَّانَ من طَرِيقِ عَبدِ الرَّحِيمِ بنِ سُلَيْمَانَ كِلاهُمَا عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن عَائِشَة قَالَتْ: نَزَلَتْ في ابنِ أُمِّ مَكتُومٍ الأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرشِدنِي، وعِندَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ رَجُلٌ مِن عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ، فجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ يُعرِضُ عنه ويُقبِلُ على الآخَرِ فيقُولُ لَه: ((أَتَرَى بمَا أَقُولُ بَأسًا؟)) فَيقُولُ: لا. فَنَزَلَت عَبَسَ وتَوَلَّى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَريبٌ. وقد أَرسَلَهُ بعضُهم عن عُرْوَةَ لَم يَذكُرْ عَائِشَةَ، وذَكَرَ عَبدُ الرَّزَّاقِ عَن مَعْمَرٍ عن قَتَادَةَ أن الذي كَانَ يُكَلِّمُهُ أُبَيُّ بنُ خَلَفٍ.
ورَوَى سَعيدُ بنُ مَنصُورٍ من طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ أنه أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ، ورَوَى ابنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ أنَّه كَانَ يُخَاطِبُ عُتبَةَ وشَيبَةَ ابنَيْ رَبِيعَةَ ومن طَريقِ العَوْفِيِّ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عُتْبَةُ وأَبُو جَهلٍ وعَيَّاشٌ، ومن وَجهٍ آخَرَ عن عَائِشَةَ: كانَ في مَجلِسٍ فيه ناسٌ مِن وُجُوهِ المُشْرِكِينَ منهم أَبُو جَهلٍ وعُتبَةُ. فهذا يَجمَعُ الأَقوَالَ). [فتح الباري: 8 / 692]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قَوْلُه تعالَى: {عَبَسَ وتَوَلَّى} الآياتِ.
أخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنه وابنُ المُنْذِرِ وابنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ وصَحَّحه وابنُ مَرْدُويَهْ, عن عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ سُورَةُ: {عَبَسَ وتَوَلَّى} فِي ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى؛ أتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ فجَعَل يَقولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ, أَرْشِدْنِي. وعندَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ رجُلٌ مِن عُظماءِ المشركينَ، فجعَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يُعْرِضُ عنه، ويُقْبِلُ على الآخَرِ، ويَقُولُ: ((أتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْساً)). فيَقُولُ: لا. ففي هذا أُنْزِلَتْ). [الدر المنثور: 15 / 240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ وابنُ مَرْدُويَهْ, عن عائشةَ قَالَتْ: كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في مَجْلِسٍ في ناسٍ مِن وُجُوهِ قُرَيْشٍ, مِنْهم أبو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ وعُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ, فيقولُ لَهُم: ((أَلَيْسَ حَسَناً أَنْ جِئْتُ بِكَذَا وَكَذَا؟))؛ فيَقُولُونَ: بلَى واللَّهِ. فجَاءَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وهو مُشْتَغِلٌ بِهِم, فسَأَلَهُ فأَعْرَضَ عنه؛ فأَنْزَل اللَّهُ: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى وأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}. يَعْنِي ابنَ أُمِّ مَكْتُومٍ). [الدر المنثور: 15 / 240-241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وأبو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جاءَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ وهو يُكَلِّمُ أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ، فأَعْرَضَ عنه؛ فأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَبَسَ وتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}. فكانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بعدَ ذلك يُكْرِمُه). [الدر المنثور: 15 / 241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ مَرْدُويَهْ, عن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يُناجِي عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ والعَبَّاسَ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ وأبا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ، وكانَ يَتَصَدَّى لَهُم كَثِيراً، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنوا، فأقْبَلَ إليه رَجُلٌ أعْمَى, يُقَالُ له: عَبْدُ اللَّهِ ابنُ أُمِّ مَكتُومٍ يَمْشِي وهو يُناجِيهِم، فجَعَل عَبْدُ اللَّهِ يَسْتَقْرِئُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ آيةً مِن القُرْآنِ, قَالَ: يا رسولَ اللَّهِ, عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. فأَعْرَضَ عنه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ وعَبَسَ في وَجْهِهِ، وتَوَلَّى، وكَرِهَ كَلامَهُ، وأَقْبَل علَى الآخَرِينَ, فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ نَجْوَاهُ، وأَخَذَ يَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِه أَمْسَكَ اللَّهُ ببَعْضِ بَصَرِه ثُمَّ خَفَقَ برَأْسِه؛ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: {عَبَسَ وتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}. فَلَمَّا نَزَلَ فيهِ مَا نزَلَ أَكْرَمَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ وكَلَّمَهُ, يَقُولُ لَهُ: ((مَا حَاجَتُكَ؟ هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟))). [الدر المنثور: 15 / 241-242]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وابنُ مَرْدُويَهْ, عن أبي أُمَامَةَ قَالَ: أَقْبَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى, وهو الذي نزَلَ فيهِ: {عَبَسَ وتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}. فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, كما تَرَى قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي, ورَقَّ عَظْمِي وذَهَبَ بَصَرِي ولِي قَائِدٌ لا يُلائِمُنِي قِيَادُه إِيَّايَ, فَهَلْ تَجِدُ لِي مِن رُخْصَةٍ أُصَلِّي الصَّلوَاتِ في بَيْتِي؟ قَالَ: ((هَلْ تَسْمَعُ المُؤَذِّنَ؟)) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ((مَا أَجِدُ لَكَ مِنْ رُخْصَةٍ)) ). [الدر المنثور: 15 / 242]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ, أَنَّ الأَعْمَى الذي أَنْزَلَ اللَّهُ فيه: {عَبَسَ وتَوَلَّى}. أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ فقَالَ: يَا رَسولَ اللَّهِ, إِنِّي أَسْمَعُ النِّداءَ ولَعَلِّي لا أَجِدُ قَائِداً. فقَالَ: ((إِذَا سَمِعْتَ النِّداءَ فأَجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ)) ). [الدر المنثور: 15 / 243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ الحَاكِمُ وصَحَّحَهُ وابنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمانِ, عن مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ علَى عَائِشَةَ وعندَها رجلٌ مَكْفُوفٌ, تَقْطَعُ لَهُ الأُتْرُجَّ وتُطْعِمُهُ إِيَّاهُ بالعَسَلِ، فقُلْتُ: مَن هذا يَا أُمَّ المؤمنينَ؟ فقَالَتْ: هذا ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الذي عَاتَبَ اللَّهُ فيهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ. قَالَتْ: أتَى النَبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ وعندَه عُتْبَةُ وشَيْبَةُ؛ فأَقْبَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ عليهِمَا؛ فنَزَلَتْ: {عَبَسَ وتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}: ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ). [الدر المنثور: 15 / 243-244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ مُسْتَخْلِياً بصِنْديدٍ مِن صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ, وهو يَدْعوهُ إلى اللَّهِ, وهو يَرْجو أَنْ يُسْلِمَ؛ إِذْ أقبَلَ عَبْدُ اللَّهِ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ كَرِهَ مَجِيئَهُ، وقَالَ في نَفْسِه: يَقُولُ هذا القُرَشِيُّ: إِنَّمَا أَتْبَاعُه العِمْيَانُ والسِّفْلَةُ والعَبِيدُ. فعَبَسَ؛ فنَزَل الوَحْيُ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} إلى آخرِ الآيةِ). [الدر المنثور: 15 / 244]