العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة إبراهيم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 04:45 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقال الّذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم مّن أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا...}
قال {أو لتعودنّ} فجعل فيها لاماً كجواب اليمين وهي في معنى شرط، مثله من الكلام أن تقول: والله لأضربنّك أو تقرّ لي: فيكون معناه معنى حتّى أو إلاّ، إلا أنها جاءت بحرف نسق. فمن العرب من يجعل الشرط متبعاً للذي قبله، إن كانت في الأول لام كان في الثاني لام، وإن كان الأول منصوبا أو مجزوماً نسقوا عليه كقوله: {أو لتعودنّ} ومن العرب من ينصب ما بعد أو ليؤذن نصبه بالانقطاع عمّا قبله.
وقال الشاعر:

لتقعدنّ مقعد القصي = منّي ذي القاذورة المقلي
أو تحلفي بربّك العليّ = أنيّ أبو ذيّالك الصبيّ
فنصب (تحلفي) لأنه أراد: أن تحلفي. ولو قال أو لتحلفنّ كان صوابا
ومثله قول امرئ القيس:

بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دونه = وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنّما = نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
فنصب آخره ورفع (نحاول) على معنى إلاّ أو حتى. وفي إحدى القراءتين: {تقاتلونهم أو يسلموا} والمعنى - والله أعلم - تقاتلونهم حتى يسلموا.
وقال الشاعر:
لا أستطيع نزوعاً عن مودّتها = أو يصنع الحبّ بي غير الذي صنعا
وأنت قائل في الكلام: لست لأبي إن لم أقتلك أو تسبقني في الأرض فتنصب (تسبقني) وتجزمها. كأنّ الجزم في جوازه: لست لأبي إن لم يكن أحد هذين، والنصب على أنّ آخره منقطع عن أوّله؛ كما قالوا: لا يسعني شيء ويضيق عنك، فلم يصلح أن تردّ (لا) على (ويضيق) فعلم أنها منقطعة من معناها.
كذلك قول العرب: لو تركت والأسد لأكلك لمّا جاءت الواو تردّ اسماً على اسم قبله، وقبح أن تردّ الفعل الذي رفع الأوّل على الثاني نصب؛ ألا ترى أنك لا تقول لو تركت وترك الأسد لأكلك. فمن ها هنا أتاه النصب. وجاز الرفع لأن الواو حرف نسق معروف فجاز فيه الوجهان للعلّتين). [معاني القرآن: 2/71-70]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو لتعودنّ في ملّتنا} أي في ديننا وأهل ملتنا). [مجاز القرآن: 1/336]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ذلك لمن خاف مقامي...}
معناه: ذلك لمن خاف مقامه بين يديّ ومثله قوله: {وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون} معناه: رزقي إيّاكم أنكم تكذّبون والعرب تضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عليه، فيقولون: قد ندمت على ضربي إيّاك وندمت على ضربك فهذا من ذلك والله أعلم). [معاني القرآن: 2/71]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خاف مقامي} مجازه: حيث أقيمه بين يدي للحساب). [مجاز القرآن: 1/337]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}
أي ذلك لمن خاف مقامه بين يديه والمصدر يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول لأنه متشبث بهما). [معاني القرآن: 3/520]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {واستفتحوا} مجازه: واستنصروا.
عنود وعنيدٍ وعاند كلها، واحد والمعنى جائر عاند عن الحق، قال:
إذا نزلت فاجعلاني وسطا=إنّي كبير لا أطيق العنّدا).
[مجاز القرآن: 1/337]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله: {كل جبار عنيد} فالمصدر: بين الجبرية، والجبرية بكسر الباء والراء، والجبروة والجبروة والجبروت والجبرية والجبورة والجبرية والجبورة والجبرياء والتجبارة، وهو في بيت لابن الرقاع). [معاني القرآن لقطرب: 779]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واستفتحوا} أي استنصروا. {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} ). [تفسير غريب القرآن: 231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {واستفتحوا وخاب كلّ جبّار عنيد}
{استفتحوا} يعنى به الرسل، سألوا اللّه أن يفتح عليهم أي ينصرهم.
وكل نصر فهو فتح، والجبّار الذي لا يرى لأحد عليه حقّا، والعنيد الذي يعدل عن القصد، يقال جبّار بين الجبريّة، والجبريّة - بكسر الجيم - والجبرية بكسر الجيم والباء، والجبروّة والجبروّة، والتجبار والجبرياء، والجبّورة والجبروت).
[معاني القرآن: 3/156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {واستفتحوا}
قال مجاهد وقتادة واستنصروا
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح القتال بصعاليك المهاجرين
ثم قال تعالى: {وخاب كل جبار عنيد}
قال أبو إسحاق الجبار عند أهل اللغة الذي لا يرى لأحد عليه حقا
قال مجاهد العنيد المعاند المجانب للحق
وقال قتادة العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله). [معاني القرآن: 3/521]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {واستفتحوا} أي استنصروا.
{وخاب كل جبار عنيد} أي خسر، و(عنيد) مثل معاند). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من ورائه جهنّم} مجازه: قدامه وأمامه، يقال إن الموت من ورائك أي قدامك، وقال:
أتوعدني وراء بني رياحٍ= كذبت لتقصرنّ يداك دوني
أي قدام بني رياح وأمامهم، وهم دوني أي بيني وبينك، وقال:
أترجو بني مروان سمعي وطاعتي= وقومي تميم والفلاة ورائيا
وقال: {من ماءٍ صديدٍ} والصديد القيح والدّم). [مجاز القرآن: 1/338-337]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {مّن ورائه جهنّم ويسقى من مّاء صديدٍ}
وقال: {مّن ورائه} أي: من أمامه. وإنما قال: {وراء} أي: أنه وراء ما هو فيه كما تقول للرجل: "هذا من ورائك" أي: "سيأتي عليك" و"هو من وراء ما أنت فيه" لأنّ ما أنت فيه قد كان مثل ذلك فهو وراؤه. وقال: {وكان وراءهم مّلكٌ} في هذا المعنى. أي: كان وراء ما هم فيه). [معاني القرآن: 2/58]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن ورائه جهنّم} أي أمامه.
{ويسقى من ماءٍ صديدٍ} والصديد: القيح والدم. أي يسقى الصديد مكان الماء. كأنه قال: يجعل ماؤه صديدا.
ويجوز أن يكون على التشبيه. أي يسقى ماء كأنه صديد). [تفسير غريب القرآن: 231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {من ورائه جهنّم ويسقى من ماء صديد} أي جهنم بين يديه، و " وراء " يكون لخلف وقدّام، وإنما معناه ما توارى عنك
أي ما استتر عنك، وليس من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة، قال النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة= وليس وراء الله للمرء مذهب
أي ليس بعد مذاهب الله للمرء مذهب.
{ويسقى من ماء صديد} أي مما يسيل من أهل النّار من الدّم والقيح). [معاني القرآن: 3/157-156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {من ورائه جهنم} أي من أمامه وليس من الأضداد ولكنه من توارى أي استتر
ثم قال تعالى: {ويسقى من ماء صديد}
قال ابن عباس أي قد خالط لحمه ودمه
قال الضحاك يعني القيح والصديد
وقال مجاهد هو القيح والصديد
وقال غيره يجوز أن يكون هذا تمثيلا أي يسقى ما هو بمنزلة القيح والصديد
ويجوز أن يكون يسقى القيح والصديد). [معاني القرآن: 3/522-521]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {من ورائه جهنم} أي من أمامه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ وَرَائِهِ}: قدامه.
(الصَّديدُ): ما يسيل من جلودهم). [العمدة في غريب القرآن: 169]

تفسير قوله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يكاد يسيغه...}
فهو يسيغه. والعرب قد تجعل (لا يكاد) فيما قد فعل وفيما لم يفعل. فأمّا ما قد فعل فهو بيّن هنا من ذلك لأن الله عزّ وجلّ يقول لما جعله لهم طعاماً
{إنّ شجرّة الزّقّوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون} فهذا أيضاً عذاب في بطونهم يسيغونه. وأمّا ما دخلت فيه (كاد) ولم يفعل فقولك في الكلام: ما أتيته ولا كدت،
وقول الله عزّ وجلّ في النور {إذا أخرج يده لم يكد يراها} فهذا عندنا - والله أعلم - أنه لا يراها. وقد قال ذلك بعض الفقهاء لأنها لا ترى فيما هو دون هذا من الظلمات،
وكيف بظلمات قد وصفت بأشدّ الوصف.
وقوله: {ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ}: ... حدثني حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (يأتيه الموت) يعني: يأتيه العذاب من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله. حدثني هشيم عن العوّام بن حوشب عن إبراهيم التّيمي قال: من كل شعرة.
وقوله: {وما هو بميّتٍ} العرب إذا كان الشيء قد مات قالوا: ميت وميّت. فإن قالوا: هو ميت إن ضربته قالوا: مائت وميّت. وقد قرأ بعض القراء {إنّك مائتٌ وإنّهم مائتون} وقراءة العوامّ على (ميّت). وكذلك يقولون هذا سيّد قومه وما هو بسائدهم عن قليل، فيقولون: بسائدهم وسيّدهم، وكذلك يفعلون في كل نعت مثل طمع، يقال: طمعٌ إذا وصف بالطمع، ويقال هو طامع أن يصيب منك خيراً، ويقولون: هو سكران إذا كان في سكره، وما هو ساكر عن كثرة الشراب، وهو كريم إذا كان موصوفاً بالكرم، فإن نويت كرماً يكون منه فيما يستقبل قلت: كارم). [معاني القرآن: 2/72-71]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ومن ورائه عذاب غليظ} وقوله {وكان ورءاهم ملك} المعنى: من قدامهم كذلك.
قال ابن عباس {ومن ورائه}: أي ومن بعده.
وقال النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة = وليس وراء الله للمرء مذهب
وقال الآخر:
أتوعدني وراء بني رياح = كذبت لتقصرن يداك دوني
[معاني القرآن لقطرب: 779]
{عذاب غليظ} فقال غلظ غلاظة أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 780]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ومن ورائه جهنم}: أي قدامه وأمامه يقال الموت من وراء يده.
(الصديد): القيح والدم). [غريب القرآن وتفسيره: 197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ} أي من كل مكان من جسده. {وما هو بميّتٍ} ). [تفسير غريب القرآن: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):(وراء) تكون بمعنى (خلف) وبمعنى (قدّام).
ومنها المواراة والتّواري. فكلّ ما غاب عن عينك فهو وراء، كان قدّامك أو خلفك.
قال الله عز وجل: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}، أي أمامهم.
وقال: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ}، أي أمامهم.
وقال: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} ). [تأويل مشكل القرآن: 189] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يتجرّعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّت ومن ورائه عذاب غليظ }
أي لا يقدر على ابتلاعه، يقال ساغ لي الشراب وأسغته.
{ومن ورائه عذاب غليظ} أي من بعد ذلك). [معاني القرآن: 3/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {يتجرعه ولا يكاد يسيغه} أي يبلعه
ثم قال تعالى: {ويأتيه الموت من كل مكان} أي من كل مكان من جسده
ثم قال تعالى: {وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ} أي من أمامه عذاب جهنم
حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا أحمد بن الحسين قال قال فضيل بن عياض في قول الله تبارك وتعالى: {ومن ورائه عذاب غليظ} قال حبس الأنفاس). [معاني القرآن: 3/523]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 10:33 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) }

قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

أتى العجم والآفاق منه قصائد = بقين بقاء الوحي من الحجر الأصم
الوحي: الكلام الخفي. والوحي: الكتاب؛ يقال وحي يحي وأوحى يوحي؛ وقال رؤبة:
وحى لها القرار فاستقرت). [شرح ديوان كعب بن زهير: 64-65]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أنه ما كان من فعل فإمالة ألفه جائزةٌ حسنة، وذلك نحو: صار بمكان كذا، وباع زيدٌ مالا؛ فإنما أملت؛ لتدل على أن أصل العين الكسر؛ لأنه من بعت، وصرت. والعين أصلها الكسر وألفها منقلبة من واو. إلا أنه فيما كانت ألفه منقلبة من ياء أحسن. فأما الواو فهو فيها جيد، وليس كحسنه في الياء؛ لأن فيه علتين، وإنما في ذوات الواو علةٌ واحدة، وهو أنه من فعل. وذلك قولك: خاف زيدٌ كذا، ومات زيدٌ في قول من قال: مت على وزن خفت. ومن قال: مت لم تجز الإمالة في قوله. وقد قرأ القراء: {ذلك لمن خاف مقامي} ). [المقتضب: 3/42-43]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) }

تفسير قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) }

تفسير قوله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: الوراء يا هذا: الخلف. والوراء: القدام. قال الله عز وجل: {ومن ورائه عذاب غليظ}، أي: من قدامه. وقال:
{وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة}، أي: قدامهم). [الأضداد: 105-106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (مر إسحاق ببن سليمان بن عليّ الهاشمي بقاص وهو يقرأ: {يتجرعه ولا يكاد يسيغه}، فتنفس ثم قال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه). [عيون الأخبار: 4/58]

قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
قال الأصمعي: أراد ليس على فوت طول الحياة ندم. وقوله: ومن وراء المرء ما يعلم، يقول من عمل شيئًا وجده ووراء ههنا أمام وهو من الأضداد، قال الله جل ذكره: {ومن ورائه عذاب غليظ} أي: من أمامه وقال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي: أمامي، قال أبو عبيدة ومنه قول الله عز ذكره: {وكان وراءهم ملك}، أي: أمامهم). [شرح المفضليات: 488]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 11:28 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 11:29 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 11:33 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد
[المحرر الوجيز: 5/231]
يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ}
قوله تعالى: {أو لتعودن في ملتنا}، قالت فرقة: "أو" هنا بمعنى: "إلا أن"، كما هي في قول امرئ القيس:
فقلت له لا تبك عيناك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وتحتمل "أو" في الآية أن تكون على بابها لوقوع أحد الأمرين، لأنهم حملوا رسلهم على أحد الوجهين، ولا يحتمل بيت امرئ القيس ذلك لأنه لم يحاول أن يموت فيعذر، فتخلصت بمعنى "إلا أن" ولذلك نصب الفعل بعدها. وقالت فرقة: هي بمعنى "حتى" في الآية، وهذا ضعيف، وإنما يترتب ذلك في قوله: "لألزمنك أو تقضيني حقي"، وفي قوله: "لا يقوم زيد أو يقوم عمرو"، وفي هذه المثل كلها يحسن تقدير "إلا أن". والعودة أبدا إنما هي إلى حالة قد كانت، والرسل ما كانوا قط في ملة الكفر، فإنما المعنى: أو لتعودن في سكوتكم عنا إغفالا، وذلك عند الكفار كون في ملتهم، وخصص تعالى الظالمين من الذين كفروا إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا المقالة ناس، فإنما توعد بالإهلاك من خلص للظلم). [المحرر الوجيز: 5/232]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: "ولنسكننكم" الخطاب للحاضرين والمراد هم وذريتهم، ويترتب هذا
[المحرر الوجيز: 5/232]
المعنى في قوله: "ويؤخركم إلى أجل مسمى"، أي: يؤخركم وأعقابكم، وقرأ أبو حيوة: "ليهلكن" و"ليسكننكم" بالياء فيهما، وقوله: "مقامي" يحتمل أن يريد به المصدر من القيام على الشيء بالقدرة، ويحتمل أن يريد به الظرف لقيام العبد بين يديه في الآخرة، فإضافته إذا كان مصدرا إضافة المصدر إلى الفاعل، وإضافته إذا كان ظرفا إضافة الظرف إلى حاضره، أي: مقام حسابي، فجائز قوله: "مقامي"، وجائز لو قال: "مقامه"، وجائز لو قال: "مقام العرض والحساب"، وهذا كما تقول: "دار الحاكم، ودار الحكم، ودار المحكوم عليه"، قال أبو عبيدة: "مقامي" مجاز، حيث أقيمه بين يدي للحساب). [المحرر الوجيز: 5/233]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "الاستفتاح": طلب الحكم، والفتاح: الحاكم، والمعنى: إن الرسل استفتحوا، أي: سألوا الله تعالى إنفاذ الحكم بنصرهم وتعذيب الكفرة، وقيل: بل استفتح الكفار، على نحو قول قريش: عجل لنا قطنا، وعلى نحو قول أبي جهل في بدر: "اللهم أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة" هذا قول أبي دريد، وقرأت فرقة: "واستفتحوا" بكسر التاء على معنى الأمر للرسل، قرأها ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن. و"خاب" معناه: خسر ولم ينجح، و"الجبار": المتعظم في نفسه الذي لا يرى لأحد عليه حقا، وقيل: معناه: يجبر الناس على ما يكرهون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا هو المفهوم من اللفظ. وعبر قتادة وغيره عن "الجبار" بأنه الذي يأبى أن يقول: "لا إله إلا الله"، و"العنيد": الذي يعاند ولا ينقاد). [المحرر الوجيز: 5/233]

تفسير قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {من ورائه}، ذكر الطبري وغيره من المفسرين أن معناه: "من أمامه"، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى: {وكان وراءهم ملك}، وأنشد الطبري:
[المحرر الوجيز: 5/233]
أتوعدوني وراء بني رياح ... كذبت لتقصرن يداك دوني
وليس الأمر كما ذكر، و"الوراء" ها هنا على بابه، أي: هو ما يأتي بعد في الزمان، وذلك أن التقدير في هذه الحوادث بالأمام والوراء إنما هو بالزمان، وما تقدم فهو أمام، وهو بين اليد، كما تقول في التوراة والإنجيل: إنهما بين يدي القرآن، والقرآن وراءهما على هذا، وما تأخر في الزمان هو وراء المتقدم، ومنه قولهم لولد الولد: الوراء، وهذا الجبار العنيد وجوده وكفره وأعماله في وقت ما، ثم بعد ذلك في الزمان يأتيه أمر جهنم، قال وتلخيص هذا أن يشبه الزمان بطريق تأتي الحوادث من جهته الواحدة متتابعة، فما تقدم فهو أمام، وما تأخر فهو وراء المتقدم، وكذلك قوله: {وكان وراءهم} أي غصبه وتغلبه يأتي بعد حذرهم وتحفظهم.
وقوله تعالى: {ويسقى من ماء}، وليس بماء، لكن لما كان بدل الماء في العرف عندنا. ثم نعته بـ "صديد"، كما تقول: هذا خاتم حديد. و"الصديد": القيح والدم، وهو ما يسيل من أجساد أهل النار، قاله مجاهد والضحاك). [المحرر الوجيز: 5/234]

تفسير قوله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {يتجرعه ولا يكاد يسيغه} عبارة عن صعوبة أمره عليهم، ويروى أن الكافر يؤتى بالشربة من شراب أهل النار فيتكرهها، فإذا أدنيت منه شوت وجهه وسقطت فيها فروة رأسه، فإذا شربها قطعت أمعاءه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا الخبر مفرق في آيات من كتاب الله.
وقوله: {ويأتيه الموت من كل مكان} أي من كل شعرة في بدنه، قاله إبراهيم التيمي، وقيل: من جميع جهاته الست، وقوله: {وما هو بميت}، أي: لا يراح بالموت. وباقي الآية كأولها، ووصف العذاب بالغليظ مبالغة، وقال الفضيل بن عياض: العذاب الغليظ: حبس الأنفاس في الأجساد، وقيل: إن الضمير في "ورائه" هنا هو للعذاب المتقدم). [المحرر الوجيز: 5/235]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:33 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:36 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال الّذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظّالمين (13) ولنسكننّكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (14) واستفتحوا وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ (15) من ورائه جهنّم ويسقى من ماءٍ صديدٍ (16) يتجرّعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ ومن ورائه عذابٌ غليظٌ (17)}
يخبر تعالى عمّا توعّدت به الأمم الكافرة رسلهم، من الإخراج من أرضهم، والنّفي من بين أظهرهم، كما قال قوم شعيبٍ له ولمن آمن به: {لنخرجنّك يا شعيب والّذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملّتنا} [الأعراف: 88]، وقال قوم لوطٍ: {أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنّهم أناسٌ يتطهّرون} [النّمل: 56]، وقال تعالى إخبارًا عن مشركي قريشٍ: {وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلا} [الإسراء: 76]، وقال تعالى: {وإذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر اللّه واللّه خير الماكرين} [الأنفال: 30].
وكان من صنعه تعالى: أنّه أظهر رسوله ونصره، وجعل له بسبب خروجه من مكّة أنصارًا وأعوانًا وجندًا، يقاتلون في سبيل اللّه، ولم يزل يرقّيه [اللّه] تعالى من شيءٍ إلى شيءٍ، حتّى فتح له مكّة الّتي أخرجته، ومكّن له فيها، وأرغم آناف أعدائه منهم، و [من] سائر [أهل] الأرض، حتّى دخل النّاس في دين اللّه أفواجًا، وظهرت كلمة اللّه ودينه على سائر الأديان، في مشارق الأرض ومغاربها في أيسر زمانٍ؛ ولهذا قال تعالى: {فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظّالمين ولنسكننّكم الأرض من بعدهم} كما قال تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنّهم لهم المنصورون وإنّ جندنا لهم الغالبون} [الصّافّات: 171 -173]، وقال تعالى: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} [المجادلة: 21]، وقال: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105]، {قال موسى لقومه استعينوا باللّه واصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين} [الأعراف: 128]، وقال تعالى: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها وتمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} [الأعراف: 137].
وقوله: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} أي: وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة، وخشي من وعيدي، وهو تخويفي وعذابي، كما قال تعالى: {فأمّا من طغى وآثر الحياة الدّنيا فإنّ الجحيم هي المأوى وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النّفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى} [النّازعات: 37 -41]، وقال: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} [الرّحمن: 46]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 483-484]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واستفتحوا} أي: استنصرت الرّسل ربّها على قومها. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: استفتحت الأمم على أنفسها، كما قالوا: {اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} [الأنفال: 32].
ويحتمل أن يكون هذا مرادًا وهذا مرادًا، كما أنّهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدرٍ، واستفتح رسول اللّه واستنصر، وقال اللّه تعالى للمشركين: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم} الآية [الأنفال: 19]، واللّه أعلم.
{وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} أي: متجبّرٌ في نفسه معاندٌ للحقّ، كما قال تعالى: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ منّاعٍ للخير معتدٍ مريبٍ الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر فألقياه في العذاب الشّديد} [ق: 24 -26].
وفي الحديث: "إنّه يؤتى بجهنّم يوم القيامة، فتنادي الخلائق فتقول: إنّي وكلت بكلّ جبّارٍ عنيدٍ" الحديث.
خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربّها العزيز المقتدر). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 484]

تفسير قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {من ورائه جهنّم} و"وراء" ها هنا بمعنى "أمام"، كما قال تعالى: {وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} [الكهف: 79]، وكان ابن عبّاسٍ يقرؤها "وكان أمامهم ملكٌ".
أي: من وراء الجبّار العنيد جهنّم، أي: هي له بالمرصاد، يسكنها مخلّدًا يوم المعاد، ويعرض عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد.
{ويسقى من ماءٍ صديدٍ} أي: في النّار ليس له شرابٌ إلّا من حميمٍ أو غسّاقٍ، فهذا في غاية الحرارة، وهذا في غاية البرد والنّتن، كما قال: {هذا فليذوقوه حميمٌ وغسّاقٌ وآخر من شكله أزواجٌ} [ص: 57، 58].
وقال مجاهدٌ، وعكرمة: الصّديد: من القيح والدّم.
وقال قتادة: هو ما يسيل من لحمه وجلده. وفي روايةٍ عنه: الصّديد: ما يخرج من جوف الكافر، قد خالط القيح والدّم.
ومن حديث شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السّكن قالت: قلت: يا رسول اللّه، ما طينة الخبال؟ قال: "صديد أهل النّار" وفي روايةٍ: "عصارة أهل النّار".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن إسحاق، أنبأنا عبد اللّه، أنا صفوان بن عمرٍو، عن عبيد اللّه بن بر، عن أبي أمامة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ يتجرّعه} قال: "يقرّب إليه فيتكرّهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره. يقول اللّه تعالى {وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} [محمّدٍ: 15]، ويقول: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب} [الكهف: 29].
وهكذا رواه ابن جريرٍ، من حديث عبد اللّه بن المبارك، به ورواه هو وابن أبي حاتم: من حديث بقيّة ابن الوليد، عن صفوان بن عمرٍو، به). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 484-485]

تفسير قوله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يتجرّعه} أي: يتغصّصه ويتكرّهه، أي: يشربه قهرًا وقسرًا، لا يضعه في فيه حتّى يضربه الملك بمطراقٍ من حديدٍ، كما قال تعالى: {ولهم مقامع من حديدٍ} [الحجّ: 21].
{ولا يكاد يسيغه} أي: يزدرده لسوء لونه وطعمه وريحه، وحرارته أو برده الّذي لا يستطاع.
{ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ} أي: يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه.
قال ميمون بن مهران: من كلّ عظمٍ، وعرقٍ، وعصبٍ.
وقال عكرمة: حتى من أطراف شعره.
وقال إبراهيم التّيميّ: من موضع كلّ شعرةٍ، أي: من جسده، حتّى من أطراف شعره.
وقال ابن جريرٍ: {ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ} أي: من أمامه وورائه، وعن يمينه وشماله، ومن فوقه ومن تحت أرجله ومن سائر أعضاء جسده.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ} قال: أنواع العذاب الّذي يعذّبه اللّه بها يوم القيامة في نار جهنّم، وليس منها نوعٌ إلّا الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكن لا يموت؛ لأنّ اللّه تعالى قال: {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها [كذلك نجزي كلّ كفورٍ]} [فاطرٍ: 36].
ومعنى كلام ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه: أنّه ما من نوعٍ من هذه الأنواع من [هذا] العذاب إلّا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت، ولكنّه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنّكال؛ ولهذا قال: {ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ}
وقوله: {ومن ورائه عذابٌ غليظٌ} أي: وله من بعد هذا الحال عذابٌ آخر غليظٌ، أي: مؤلمٌ صعبٌ شديدٌ أغلظ من الّذي قبله وأدهى وأمرّ. وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزّقّوم: {إنّها شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنّه رءوس الشّياطين فإنّهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثمّ إنّ لهم عليها لشوبًا من حميمٍ ثمّ إنّ مرجعهم لإلى الجحيم} [الصّافّات: 64 -68]، فأخبر أنّهم تارةً يكونون في أكل زقّومٍ، وتارةً في شرب حميمٍ، وتارةً يردّون إلى الجحيم عياذًا باللّه من ذلك، وهكذا قال تعالى: {هذه جهنّم الّتي يكذّب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ} [الرّحمن: 43، 44]، وقال تعالى: {إنّ شجرة الزّقّوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثمّ صبّوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنّك أنت العزيز الكريم إنّ هذا ما كنتم به تمترون} [الدّخان: 43 -50]، وقال: {وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال في سمومٍ وحميمٍ وظلٍّ من يحمومٍ لا باردٍ ولا كريمٍ} [الواقعة: 41 -44]، وقال تعالى: {هذا وإنّ للطّاغين لشرّ مآبٍ جهنّم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميمٌ وغسّاقٌ وآخر من شكله أزواجٌ} [ص: 55 -58]، إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على تنوّع العذاب عليهم، وتكراره وأنواعه وأشكاله، ممّا لا يحصيه إلّا اللّه، عزّ وجلّ، جزاءً وفاقًا، {وما ربّك بظلامٍ للعبيد} [فصّلت: 46]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 485-486]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة