العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:09 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (60) إلى الآية (64) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار: [مَجْمِعَ الْبَحْرَيْن].
قال أبو الفتح: المصدر من فَعَلَ يفعَل والمكان والزمان كلهن على مَفْعَل بالفتح، كقولك: ذهبت مذْهَبًا، أي: ذهابا، ومذهبا، أي: مكانا يذهب فيه. وهذا مذهبك أي: زمان ذهابك، وكذلك سأل يسأل مَسْألا، فهو مصدر ومكان وزمان، وبعث يبعث مَبْعَثًا وهو مصدر ومكان وزمان. ومنه: مبْعَثُ الجيوش، هو زمان بعثها، إلا أنه قد جاء المفعِلُ بكسر العين موضع المفتوح، منه: المشرِق، والمغرِب، والمنسِك، والمطلِع. وبابه فتح عينه لأنه من يَفْعُل، يشرُق، ويغرُب، وينسُك، ويطلُع. فعلى نحو من هذا يكون [مَجْمِعَ الْبَحْرَيْن] وهو مكان -كما ترى- من جمع يجمع، فقياسه "مجْمَع"، لولا ما ذكرنا من الحمل على نظيره). [المحتسب: 2/30]

قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62)}

قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما أنسانيه إلّا الشّيطان (63)
قرأ حفص (وما أنسانيه) بضم الهاء، ومثله في سورة الفتح (بما عاهد عليه اللّه).
وأمال الكسائي السين، وفتحها حمزة، وقرأ ابن كثيرٍ (وما أنسانيهى) بالياء في اللفظ.
وقرأ الباقون (وما أنسانيه إلّا) بكسرة مختلسة.
[معاني القراءات وعللها: 2/113]
وقد مرّ الجواب في أمثالها، وكل ما قرئ به فهو جائز، وأجوده الكسرة المختلسة في الإدراج). [معاني القراءات وعللها: 2/114]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {ما أنسانيه إلا الشيطان} [63].
روى حفص عن عاصم {أنسانيه} بضم الهاء و{بما عاهد عليه
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/399]
الله} فضم الهاء على أصل الكلمة.
ومن كسر فلمجاورة الياء. وقد استقصينا ذلك فيما سلف، وإنما ذكرته؛ لأن الكسائي أمال الألف في {أنسانيه} لأن الألف فيها مبدلة من الياء، وبعد الألف كسرة، والعرب تميل كل ألف بعدها كسرة نحو عابد وحاتم وإذا كان بعد الألف فتحة أو ضمة كان ترك الإمالة أحسن. ومن العرب من يميل كل ذلك، حكى سيبويه عن بعضهم: مات زيد وصار بمكان كذا، وقال: إن من العرب من يميل أكثر ممن لا يميل فلما سمع الكسائي مع معرفته بالقراءات العرب تستعمل الإمالة كما حكى سيوبه رضي الله عنه أكثر من التفخيم اختاره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/400]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ الكسائي وحده: وما أنسانيه [الكهف/ 63] بإمالة السين. وكلهم فتحها غيره.
قال أبو علي: الإمالة في السين من أنسانيه سائغة، لأنك تقول: أنسيته، وسواء كان من نسيت، الذي هو خلاف ذكرت، أو من نسيت الذي هو تركت، لأن كلّ واحد منهما يتعدّى إلى مفعول واحد، وإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالإمالة في السين شائعة من حيث قلت في كلّ واحد منهما أنسيته، وفي التنزيل: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 59].
حفص عن عاصم أنسانيه إلا بضم الهاء، وفي الفتح: بما عاهد عليه الله [الفتح/ 10] بضم الهاء. أبو بكر عن عاصم: أنسانية بكسر الهاء و (بما عاهد عليه الله) بكسر الهاء.
الباقون بكسر الهاء من غير بلوغ ياء، إلا ابن كثير فإنه يثبت الياء في الوصل بعد الهاء (أنسانيهي إلا).
قال: وقد تقدم ذكر القول في وجوه ذلك كلها). [الحجة للقراء السبعة: 5/154]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره} 63
قرأ حفص عن عاصم {وما أنسانيه} بضم الهاء على أصل الكلمة واصلها الضّم وإنّما عدل عن كسر الهاء إلى الضّم لما رأى الكسرات من {أنسانيه} وكانت الهاء أصلها الضّم رأى العدول إلى الضّم ليكون أخف على اللّسان من الاستمرار على الكسرات ومن كسر فلمجاورة الياء كما تقول فيه عليه
قرأ الكسائي {أنسانيه} بإمالة الألف وإنما أمال لأن الألف مبدلة من ياء وبعد الألف كسرة والعرب تميل كل ألف بعدها كسرة نحو عابد وعالم). [حجة القراءات: 422]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (34- قوله: {وما أنسانيه} قرأ حفص بضم الهاء، ومثله: {عليه الله} في «الفتح 10»، وقرأهما الباقون بكسر الهاء، وقد تقدمت العلل والحجج في لغات هاء الكناية في {يا أيها}، وتقدمت إمالة الكسائي لـ {أنسانيه} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/66]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {وَمَا أَنْسَانِيهُ} [آية/ 63] بضم الهاء:
رواها ص- عن عاصم، وكذلك {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ} بضم الهاء.
وقرأ الباقون و-ياش- عن عاصم {أَنْسَانِيهِ} و{عَاهَدَ عَلَيْهِ} بالكسر فيهما، إلا أن ابن كثير قد أشبع الكسرة.
والوجه في ضم هذه الهاء وكسرها ووصلها بياء قد سبق في أول سورة البقرة.
وأمال الكسائي وحده الألف من {أَنْسَانِيه}، وفتحها الباقون.
ووجه الإمالة أن الألف من {أَنْسَانِيه} ينقلب إلى الياء في أنسيته، فلهذا جازت الإمالة فيه.
ووجه الفتح أنه هو الأصل). [الموضح: 788]

قوله تعالى: {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:11 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (65) إلى الآية (70) ]

{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}

قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}

قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {مما علمت رشدا} [66].
قرأ ابن عامر: {رشدا} بضمتين.
وقرأ أبو عمرو: {رشدا} بفتحتين.
وقرأ الباقون: {رشدا} بإسكان الشين وضم الراء فقال قوم: هما لغتان الرشد والرشد مثل الحزن والحزن وقال آخرون: الرشد الصلاح كقوله: {فإن آنستم منهم رشدا} والرشد في الدين.
وحدثني أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: الاختيار {رشدًا} هاهنا، لأنها رأس آية كقوله في {قل أوحى إلي}: {فتحروا رشدًا} ليوافق رءوس الآي من قبل ومن بعد.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/400]
فأما قراءة ابن عامر فإنه أتبع الضم الضم مثل السُّحْتُ والسُّحُت والبُخْلُ والبُخُلُ، والعرب تقول: طعنت فلانًا فألقيته على قُطْره وقُطُره، وعلى قتره وعلى قتره، وعلى شزنه وعلى شزنه، كل ذلك على ناحيته وجنبه. وأقطار الأرض وأقتارها وأشزانها: نواحيها. والقطر في غير هذا العود الذي يتبخر به، أنشدني ابن عرفة رضي الله عنه.
كأن المدام وصوب الغمام = وريح الخزامى ونشر القطر
تعل به برد أنفاسها = إذا غرد الطائر المستحر
وإنما خص وقت السحر، لأن الأفواه تتغير في ذلك الوقت فسرق شاعر هذا فقال:
كأن المدام وصوب الغمام = وريح الخزامى وذوب العسل
تعل به برد أنيابها = إذا النجم فوق السماء اعتدل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/401]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: مما علمت رشدا [الكهف/ 66] في التثقيل والتخفيف.
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: مما علمت رشدا مضمومة الراء خفيفة الشين.
وقرأ ابن عامر: (مما علّمت رشدا)، مضمومة الراء والشين،
[الحجة للقراء السبعة: 5/154]
هكذا في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان: رشدا: خفيفة، وقال هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا خفيفة.
وقرأ أبو عمرو (رشدا)، مفتوحة الراء والشين.
قال: رشدا ورشدا لغتان، وكلّ واحد منهما بمعنى الآخر، وقد أجرت العرب كلّ واحد منهما مجرى الآخر، فقالوا: وثن ووثن، وأسد وأسد وخشبة وخشب، وبدنة وبدن، فجمعوا فعلا على فعل، ولما كان فعل يجري عندهم مجرى فعل جمعوا أيضا فعلا على فعل، كما جمعوا فعلا عليه. وذلك قوله: والفلك التي تجري في البحر [البقرة/ 164]، وفي أخرى: في الفلك المشحون [الشعراء/ 119] [يس/ 41]، فهذا يدلّك على أنهما عندهم يجريان جميعا مجرى واحدا، وعلى هذا أيضا جمعوا فعلا وفعلا، على فعلانٍ، فقالوا: قاعٌ وقيعان. وتاج وتيجان، وقالوا: حوت وحيتان، ونون ونينان، وقد قيل: إن القراءة ب رشدا أرجح، لأنهم اتفقوا في قوله: فأولئك تحروا رشدا [الجن/ 14] على الفتح، والتي في الكهف رأس آية مثل ما وقع الاتفاق على فتحه، وتحريك عينه، فوجب أن يكون هذا أيضا مثله، من حيث اجتمعا في أن كل واحد في رأس آية. فأما انتصاب رشدا، فيجوز أن ينتصب على أنه مفعول له، ويكون متعلقا بأتّبع، وكأنّه: هل أتّبعك للرشد، أو لطلب الرّشد على أن تعلمني، فيكون على حالا من قوله: أتبعك، ويجوز أن يكون للرشد مفعولا به تقديره: هل أتبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته، ويكون العلم
[الحجة للقراء السبعة: 5/155]
الذي يتعدّى إلى مفعول واحد يتعدّى بتضعيف العين إلى مفعولين، كقوله: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31] تقديره: هل أتّبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته. فحذفت الراجع من الصلة إلى الموصول، ويكون على هذا كلّ واحد من الفعلين قد استوفى مفعوليه اللذين يقتضيهما الفعلان، ومعنى: علّمني رشدا: علّمني أمرا ذا رشد، أو علما ذا رشد). [الحجة للقراء السبعة: 5/156]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن ممّا علمت رشدا}
قرأ أبو عمرو {ممّا علمت رشدا} بفتح الرّاء والشين وقرأ الباقون {رشدا} بإسكان الشين وضم الرّاء وهما لغتان مثل الحزن والحزن وقال آخرون الرشد الصّلاح كقوله {فإن آنستم منهم رشدا} والرشد في الدّين وأجود الوجهين الرشد بضم الرّاء وإنّما قلت ذلك لتوفيق ما بينه وبين ما قبله وما بعده من أواخر الآي وذلك أن الآي قبلها وبعدها أتت بسكون الحرف الأوسط من الكلمة وهو قوله {وعلمناه من لدنا علما} {معي صبرا}
[حجة القراءات: 422]
67 - و72 {ما لم تحط به خبرا} فكان الوجه فيما توسط أن يجري بلفظ ما تقدم وما تأخّر إذ كان في سياقه فكان أولى من مخالفة ما بينها ليأتلف رؤوس الآيات على نظام واحد). [حجة القراءات: 423]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {مما علمت رشدًا} قرأه أبو عمرو بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون بضم الراء، وإسكان الشين، وهما لغتان: الرشد والرَّشَد، والعُدم العَدَم، وقد تقدم ذكر ذلك في الأعراف، ويقوي الفتح إجماعهم على الفتح في قوله: {تحروا رشدا} «الجن 14»، فإن أعملت {هل أتبعك} في {رشدا} كان مفعولًا من أجله، أي: هل أتبعك الرشد على أن تُعلمني مما علمت، والعلم ههنا بمعنى التعريف الذي يتعدّى إلى مفعول،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/66]
وإن نصبته بـ «تعلمني» كان مفعولًا به، ويكون {تعلمني} هو الذي يتعدى إلى مفعول واحد، بمعنى «تعرفني» فلما شددته تعدّى إلى مفعولين، كقوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} «البقرة 31» فلولا أنه بمعنى «عرفت» لتعدّى بالتشديد إلى ثلاثة مفعولين؛ لأنه في الأصل إذا لم يكن بمعنى «عرفت» يتعدى إلى مفعولين، وإذا شدد ازداد في التعدي إلى مفعول ثالث، والمعنى أن تعلمني أمرًا ذا رشد وعلما ذا رشد مما علمته، والضم الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/67]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا} [آية/ 66] بفتح الراء والشين:
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون {رُشْدًا} بضم الراء وإسكان الشين.
والوجه أن رُشْدًا ورَشَدًا لغتان كبُخْلٍ وبَخَلٍ، والقراءة بفتح الراء والشين أرجح؛ لأنهم اتفقوا على الفتح في قوله {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}؛ لأنه رأس آية، وكذلك هذا رأس آية، فينبغي أن يكون مثله). [الموضح: 789]

قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (معي صبرا (67) في ثلاثة مواضع.
فتحهن حفص وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/118]

قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}

قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ستجدني إن شاء اللّه (69)
فتح الياء نافع وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/118]

قوله تعالى: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا تسألني عن شيءٍ (70)
قرأ نافع وابن عامر (فلا تسألنّي) مثقلة، وروى ابن أخرم لابن عامر (فلا تسألنّ) بغير ياء.
وقرأ الباقون (فلا تسألني عن شيءٍ) ساكنة اللام، بياء في الوصل والوقف، والياء ثابتة في الكهف في جميع المصاحف.
قال أبو منصور: من قرأ (فلا تسألنّي) فالتشديد للتأكيد، والياء في موضع النصب، ومن كسر النون اكتفى بكسرتها من الياء.
[معاني القراءات وعللها: 2/114]
ومن قرأ (فلا تسألني) بنون خفيفة فهي النون التي تدل على المفعول المضمر مع الياء، كقولك: (لا تقتلني) ). [معاني القراءات وعللها: 2/115]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {فلا تسئلني} [70].
قرأ ابن عامر: {تسألني}.
والباقون: {تسئلن} وقد ذكرت علته في (هود) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/403]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: (فلا تسألن عن شيء) [الكهف/ 70].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فلا تسألني ساكنة اللام.
وقرأ نافع: (تسألني) مفتوحة اللام مشدّدة النون.
وقرأ ابن عامر: (فلا تسألنّ عن شيء) اللام متحركة بغير ياء
[الحجة للقراء السبعة: 5/157]
مكسورة النون. وقال هشام عنه: (تسألني) بتاء مشدّدة النون.
قول ابن كثير ومن تبعه عدّوا فيه السؤال إلى المفعول الذي هو المتكلم مثل: لا تضربنّي، ولا تظلمنّي، ونحو ذلك.
وقول نافع: (تسألنّي) مفتوحة اللام، ففتحة اللام لأنه لما ألحق الفعل الثقيلة بنى الفعل معها على الفتح. فإن أثبت الياء، كما أثبت من تقدّم ذكره، فقد عدّاه إلى المفعول به كما عدّاه من تقدّم. فإن فتح النون عدّى الفعل في المعنى، وليس في اللفظ بمتعد.
وقول ابن عامر: (فلا تسألنّ) ألحق الثقيلة، وعدّى الفعل إلى المفعول به في اللفظ، والكسرة في النون تدلّ على إرادة المفعول به، وحذف الياء من اللفظ.
ورواية هشام (تسألنّي) بياء، مشدّدة النون، تعدّى الفعل فيه إلى المفعول به، وبيّن إثبات علامته غير محذوف منها الياء). [الحجة للقراء السبعة: 5/158]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا} 70
قرأ العجمي عن ابن عامر (فلا تسألن عن شيء) بفتح النّون والتّشديد وقرأ نافع وابن عامر {فلا تسألني} بكسر النّون والتّشديد وقرأ الباقون {فلا تسألني} ساكنة اللّام وقد بيّنت في سورة هود). [حجة القراءات: 423]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {فلا تسألني} قرأه نافع وابن عامر بفتح اللام، وتشديد النون وكسرها، وقرأ الباقون بإسكان اللام، وتخفيف النون، وكسرها، وكلهم أثبت الياء في الوصل والوقف، إلا ما روي عن ابن ذكوان من طريق الأخفش وغيره أنه حذف الياء في الوصف والوقف، والمشهور عنه إثبات الياء في الحالين كالجماعة.
وحجة من شدد النون أنه جعلها النون المشددة، التي تدخل في الأمر والنهي والشرط للتأكيد، فيبنى الفعل معها على الفتح، وحُذفت النون التي تدخل مع الياء في اسم المفعول المضمر، لاجتماع النونات، وبقيت النون المشددة مكسورة الياء التي بعدها، وأصلها {تسألني}.
37- وحجة من خفف أنه لم يُلحق الفعل نونا للتأكيد في النهي، وجزم الفعل للنهي ويثبت النون مع الياء.
38- وحجة من حذف الياء أنه استغنى بالكسرة عن الياء.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/67]
39- وحجة من أثبتها أنه الأصل، وأنه اتبع خط المصحف، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/68]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {فَلَا تَسْأَلَنِّي} [آية/ 70] بفتح اللام وتشديد النون:
قرأها نافع وابن عامر.
والوجه أن الفعل قد أُلحق النون الثقيلة، وبُني معها على الفتح، وهكذا الحكم فيما قبل النون الثقيلة.
وقرأ الباقون {فَلَا تَسْأَلْنِي} بإسكان اللام وتخفيف النون.
والوجه أن الفعل مجزوم بلا التي للنهي، فسكنت اللام للجزم، وكل القراء أثبتوا الياء، إلا ما رُوي عن ابن عامر قرأ بغير ياء، والصحيح عنه إثبات الياء.
[الموضح: 789]
ووجه حذف الياء التخفيف بحذفها والاستغناء عنها بالكسرة، وقد سبق مثله). [الموضح: 790]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:13 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (71) إلى الآية (77) ]

{فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)}

قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ليغرق أهلها (71)
قرأ حمزة والكسائي (ليغرق) بالياء (أهلها) رفعًا، وقرأ الباقون (لتغرق) بالتاء مرفوعة، والراء مكسورة، (أهلها) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (ليغرق أهلها) فالفعل للأهل، ومن قرأ (لتغرق أهلها) فإن موسى صلى الله عليه خاطب الخضر عليه السلام وقال له: أخرقت السفينة لكي تغرق أهلها). [معاني القراءات وعللها: 2/115]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {لتغرق أهلها} [71].
قرأ حمزة والكسائي بالياء ورفع الأهل؛ لأنهما جعلاهم الفاعلين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/403]
وقرأ الباقون: {لتغرق} فهذا خطاب موسى للخضر عليهما السلام، ونصبوا الأهل، لأنهم مفعولون. والأهل تجمع على جمع السلامة أهلون وأهلين «إن لله أهلين هم أهل القرآن وخاصته» وقوله تعالى: {قو أنفسكم وأهليكم نارا} الأصل: أهلينكم فسقطت النون للإضافة، ومن العرب من يجمع أهلاً أهلات قال الشاعر:
فهم أهلات حول قيس بن عاصم = إذا دلجوا بالليل يدعون كوثرا
والصواب: أن تجعل «أهلات» جمع أهلة.
فإن سأل سائل فقال: لم قال موسى في هذه الآية: {هل أتبعك على أن تعلمني} هل يجوز أن يكون في وقت موسى نبي أعلم من موسى؟
فقل: في هذه ثلاثة أجوبة:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/404]
أحدها: أن يكون نبي اعلم من نبي في وقت، هذا فيمن جعل الخضر نبيًا، وإنما سمي خضرًا، لأنه كان إذا جلس على فروة اهتزت خضراء، يعني بالفروة الأرض البيضاء التي لا نبات فيها.
والوجه الثاني: أن يكون موسى أعلم من لاخضر بجميع ما يؤدي عن الله تعالى إلى عباده وفيما هو حجة عليهم، وحجة لهم بينهم وبين خالقهم إلا في هذا.
والوجه الثالث: أن يكون موسى استعلم من الخضر علمًا ليس عند موسى ذلك العلم فقط، وإن كان عنده علوم سوى ما استعلمه من الخضر علمًا مما ليس عند موسى عليه السلام.
فأما قوله في هذه الآية: {قال لفتاه} فإن يوشع بن نون هو فتاه، كما تقول العامة: هو غلامه وتلميذه [وساجرده وتلامه وجربحه] والعرب تسمى الرجل المملوك فتى وإن كان شيخًا، والأمة فتاةً وإن كانت عجوزًا وتسمى التلميذ فتى وإن كان شيخًا، ومن ذلك قوله: {سمعنى فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} والفتى عند العرب السخي من الطعام وعلى المال والشجاع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/405]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: لتغرق أهلها [الكهف/ 71] ورفع الأهل ونصبهم.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لتغرق بالتاء أهلها نصبا.
وقرأ حمزة والكسائي: (ليغرق أهلها) بفتح الياء والراء (أهلها) رفع. وكلهم يخفّف الراء.
قال أبو علي: لتغرق أولى ليكون الفعل مسندا إلى المخاطب
[الحجة للقراء السبعة: 5/158]
كما كان المعطوف عليه كذلك، ألا ترى أن المعطوف عليه: أخرقتها وكذلك المعطوف، وهذا يجيء على معنى الياء، لأنه إذا أغرقهم غرقوا، وما بعده أيضا كذلك وهو قوله: لقد جئت فهو أيضا خطاب.
قال: وكلهم خفف الراء، يعني أنهم قرءوا: لتغرق، ولم يقل أحد منهم لتغرّق، وذلك لقوله: فأغرقناهم أجمعين [الأنبياء/ 77]، ولقوله: وأغرقنا آل فرعون [البقرة/ 50]، وقد يدخل فعّل في هذا النحو نحو: غرّمته وأغرمته، إلا أن الذي جاء به التنزيل أولى). [الحجة للقراء السبعة: 5/159]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا}
قرأ حمزة والكسائيّ (ليغرق) بفتح الياء والرّاء {أهلها} رفع جعلا الفعل لهم كأنّه قال أخرقت السّفينة لترسو في البحر فيغرق فيه أهلها
وقرأ الباقون {لتغرق} بالتّاء {أهلها} نصبا وحجتهم قوله تعالى {أخرقتها} فجعلوا الفعل الثّاني مثل الأول ويقوّي هذا قوله {لقد جئت شيئا إمرا} ). [حجة القراءات: 423]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (40- قوله: {لتغرق أهلها} قرأه حمزة والكسائي بياء مفتوحة، وفتح الراء، ورفع «الأهل»، وقرأ الباقون بتاء مضمومة، وكسر الراء، ونصب الأهل.
وحجة من قرأ بالياء أنه أضاف «الغرق» إلى «أهل» بمنزلة: مات زيد، و«الأهل» فاعلون، لأنهم مخبر عنهم، ولأنه أمر دخل عليهم من غير اختيار منهم له.
41- وحجة من قرأ بالتاء أنه أجراه على الخطاب للخضر من موسى، فالمخاطب هو الفاعل، وتعدى فعله إلى «الأهل» فنصبهم، وقوى ذلك أن قبله خطابا بين موسى والخضر في قوله: {أخرقتها} وما قبل ذلك، فجرى آخر الكلام على أوله في الخطاب، وأيضًا فإن الخارق للسفينة هو فاعل الغرق في المعنى، فإضافة الغرق إليه أولى من إضافته إلى المفعول، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/68]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {لِيَغْرَقَ أَهْلُهَا} [آية/ 71] بالياء مفتوحة وبفتح الراء، ورفع الأهل:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على إسناد الفعل إلى الأهل وارتفاعه به.
وقرأ الباقون {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} بالتاء مضمومة وبكسر الراء ونصب الأهل.
والوجه أنه على إسناد الفعل إلى المخاطب وانتصاب الأهل بالفعل، والمعنى لتُغْرِق أيها المخاطب أهلها، وهذا موافق لما قبله؛ لأنه على الخطاب، وهو قوله {أَخَرَقْتَهَا}، ولما بعده وهو قوله {لَقَدْ جِئْتَ} ). [الموضح: 790]

قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)}

قوله تعالى: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}

قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أقتلت نفسًا زكيّةً (74)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (زاكيةً) بألف، وقرأ الباقون (زكية).
قال أبو منصور: الزاكية والزكية واحدة، وهي: النّفس التي لم تجن ذنبًا، ومثله: القاسية والقسيّة، ومعنى الزاكية: الطاهرة النامية). [معاني القراءات وعللها: 2/115]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لقد جئت شيئًا نكرًا (74)
[معاني القراءات وعللها: 2/115]
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (نكرا) مثقلا في كل القرآن، وقرأ الباقون (نكرا) خفيفا حيث وقع.
وقرأ ابن كثير (إلى شيء نكر) ساكنة الكاف وقرأ الباقون (إلى شيء نكر) مثقلا.
قال أبو منصور: النكر والنكر لغتان جيدتان؛ إلى الشيء المنكر). [معاني القراءات وعللها: 2/116]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {أقتلت نفسا زكية} [74].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر {زكية} بغير ألف، أي: تقية دنية.
وقرأ الباقون: {زكية} فقال الكسائي: هما لغتان زكية وزاكية مثل قسية وقاسية وقال ابن العلاء: الزاكية: التي لم تُذنب قط. والزكية: التي أذنبت ثم تابت، وكلتا القراءتين حسنة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {شيئا نكرا} [74].
ابن كثير يخفف كل ما في القرآن. وكذلك: {إلى شيء نكر}.
وقرأ عاصم وابن عامر بالتثقيل، وهما لغتان: النكر والنكر مثل الرعب والرعب، وهو الأمر العظيم والداهية.
ومثله {شيئا إذا} و{إمرًا} و{نكرًا} و{عجبًا} كل ذلك بمعنى، وتقدير الكلام: لقد جئت بشيء أنكر من الفعل الأول.
وقال آخرون {إمرا} أشد من {نكرا} إلا أن الإمر معه غرق الأهل، وهذا معه قتل النفس.
وقرأ الباقون بتخفيف كل ذلك إلا قوله في (اقتربت) {إلى شيء نكر} وهو الاختيار، لأن رءوس الآي في (اقتربت) مثقلة نحو {عذابي ونذر} وقال الشاعر حجة لمن خفف:
قد لقى الأقران مني نكرا
داهية دهياء إدًا إمرا
أما نافع فروى عنه قالون مثقلاً مثل ابن عامر، وروى عنه إسماعيل مثل أبي عمرو.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/406]
وروى حفص عن عاصم مثل ابن كثير و{نكرا} رأس الجزء من أجزاء الثلاثين وهو الخامس عشر، وهو نصف القرآن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/407]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: نكرا [الكهف/ 74].
فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو الكسائي: نكرا خفيفة في كلّ القرآن إلا قوله: (إلى شيء نكر) [القمر/ 6]، وخفف ابن كثير أيضا (إلى شيء نكر).
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر في كلّ القرآن: (نكرا) و (نكر) مثقّل. حفص عن عاصم نكرا خفيفة.
واختلف عن نافع فروى إسماعيل بن جعفر نكرا خفيفا في كل القرآن، إلا قوله: (إلى شيء نكر) فإنه مثقّل. وروى ابن جمّاز وقالون والمسيبي وأبو بكر بن أبي أويس وورش عن نافع (نكرا) مثقّل في كلّ القرآن، نصر عن الأصمعي عن نافع (نكرا) مثقل.
قال أبو علي: نكر: فعل، وهو من أمثلة الصفات، قالوا: ناقة
[الحجة للقراء السبعة: 5/159]
أجد، ورجل شلل، ومشية سجح وأنشد سيبويه:
وامشوا مشية سجحا فمن خفّف ذلك، فكما يخفّف العنق والعنق، والطنب والطنب، والشغل والشغل، والتخفيف في ذلك مستمر، وإذا كان الأمر كذلك فمن أخذ بالتثقيل وبالتخفيف كان مصيبا، وكذلك إن أخذ آخذ باللغتين وقرأ في موضع بالتخفيف وفي موضع بالتثقيل فجائز). [الحجة للقراء السبعة: 5/160]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا}
[حجة القراءات: 423]
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (زاكية) بالألف وقرأ الباقون {زكية} بغير ألف
قال أبو عمرو الزاكية الّتي لم تذنب قطّ والزكية الّتي أذنبت ثمّ غفر لها وإنّما قتل الخضر صغيرا لم يبلغ الحنث وقال آخرون زاكية أي طاهرة وقال قتادة نامية وزكية تقية دينة وقال الحسن بريئة وقال آخرون منهم الكسائي هما لغتان مثل عالم وعليم وسامع وسميع إلّا أن فعيلا أبلغ في الوصف والمدح من فاعل ويقوّي التّشديد قوله {غلاما زكيا}
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر {نكرا} بضم الكاف في جميع القرآن
وقرأ إسماعيل عن نافع {نكرا} ساكنة الكاف وبه قرأ الآخرون وهما لغتان مثل الرعب والرعب والسفل والسفل). [حجة القراءات: 424]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {نفسًا زكية} قرأه الكوفيون وابن عامر بتشديد الياء من غير ألف، وقرأه الباقون بعد الزاي مخففًا.
وحجة من قرأ بغير ألف مشدد الياء أنه بناه على «فعيلة» على معنى «نامية»، وقيل: معناه التي لم تبلغ الخطايا، وقيل: معناه مطهره، وقيل: زكية وزاكية لغتان بمعنى صالحة تقية.
43- وحجة من قرأ بألف أنها لغة في «زاكية وزكية» بمعنى، قيل: هو على تقية صالحة، وقيل: معناه لا ذنب لهان والقراءتان بمعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/68]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (44- قوله: {نُكرا} قرأه نافع وابن ذكوان وأبو بكر بضم الكاف، إذا كان منصوبًا حيث وقع، وقرأ الباقون بإسكان الكاف، وهما لغتان كالشغُل والشغْل، والسحْت والسحُت، وقرأ ابن كثير وحده بإسكان الكاف في «نكر» المخفوض، وفي النصب لئلا يختلف، إذ الإسكان في الراء في الوقف في «نكر» المخفوض عارض، فاعتد بالحركة، فخفف مع عدمها من اللفظ.
وحجة الباقين في تثقيل المخفوض، وتخفيف المنصوب أن المنصوب يلزم راءه الحركة في الوصل والوقف، فوجب تخفيف عينه، للزوم الحركة للامه وفائه، والمخفوض لا يلزم الحركة لامه إلا في الوصل، فلم يخفف عندهم، إذ اللام في الخفض لا يلزمها الحركة في الوقف، والقراءتان بمعنى، وما عليه الجماعة أحب إلي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/69]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {زَاكِيَةً} [آية/ 74] بالألف وتخفيف الياء:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب يس-.
وقرأ الباقون ويعقوب ح- و-ان- {زَكِيَّةً} مشددة الياء من غير ألف.
والوجه أن الزكية والزاكية واحدةٌ وهي الطاهرة، فالزكية فعليةٌ، والزاكية فاعلةٌ، وكلتاهما واحدةٌ في المعنى.
وقال أبو عمرو: بينهما فرقٌ، وذاك أن الزاكية هي التي لم تُذنب قط،
[الموضح: 790]
والزكية هي التي أذنبت ثم غُفر لها). [الموضح: 791]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {نُكُرًا} [آية/ 74] بضم الكاف:
قرأها نافعٌ ش- و-ن- وابن عامر وعاصم ياش- ويعقوب.
وقرأ الباقون ونافع يل- {نُكْرًا} بإسكان الكاف.
والوجه أن الأصل نُكُرًا بالضم؛ لأنه من أبنية الصفات كقولهم: ناقةٌ أجدٌ ومشيةٌ سجع، بالضم.
ويجوز أن تخفف الكلمة بإسكان العين منها فيقال نُكْر بسكون الكاف، كما خففوا العنُق والطنُب والشغُل، فأسكنوا عيناتها، وقد مضى مثله). [الموضح: 791]

قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)}

قوله تعالى: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قد بلغت من لّدني عذرًا (76)
قرأ أبو بكر عن عاصم (من لدني) بفتح اللام، وإشمام الدال ضمة مختلسة، وتخفيف النون.
وروى الأعشى عن أبي بكر (من لدني) بضم اللام، وسكون الدال، وتخفيف النون، وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ نافع (من لدنى) مفتوحة اللام، مضمومة الدال، خفيفة النون.
وقرأ الباقون (من لدني) مضمومة الدال، مشددة النون، مفتوحة اللام.
قال أبو منصور: هي لغات معروفة، وأجودها في القراءة فتح اللام، وضم الدال، وتشديد النون؛ لأن (لدن) نونها في الأصل ساكنة، فإذا أضفتها إلى نفسك قلت: لدنى، كما تقول: (عن زيد) بسكون النون، فإذا أضفتها إليك قلت (عنى) فثقلت النون، وإنما زادوا النون في الإضافة ليسلم سكون النون الأول.
[معاني القراءات وعللها: 2/116]
ومن قرأ (من لدني) جعل الاسم على ثلاثة أحرف، فاكتفى بنون واحدة، ولم يقسها على (عن)؛ لأن (عن) ناقصة، لأنها حرفان.
وأما من قال: (من لدني) فهي لغة لبعض العرب، كان الضمة في الدال، فنقلت إلى اللام، كما قالوا: حسن الوجه وجهك، فإذا ثقلوا قالوا: حسن الوجه وجهًا). [معاني القراءات وعللها: 2/117]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {من لدني عذرا} [76].
قرأ نافع: {من لدني} بتخفيف النون، كره اجتماع النونين فحذف واحدة كما قرأ: {تشاقوني} و{تأمروني أعبد} قال الشاعر:
أيها السائل عنهم وعني
لست من قيس ولا قيسُ مني
أراد: عني ومني فخفف.
والباقون {من لدني} مشددًا، لأن (لَدُنْ) آخرها نون ساكنة، وياء الإضافة يكسر ما قبلها فزادوا على النون نونًا وأدغموا فالتشديد من جلل ذلك، إلا عاصمًا فإنه رويت عنه {من لدني} بفتح اللام وجزم الدال وتشم الدال الضم وتخفف النون، وروى عنه أبو عبيد {من لدني} بضم اللام و{من لدي} فــ «لدن» إذا لم تُضف فيها ثلاث لغات: لدن ولدي ولد، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/407]
* من لد لحييه إلى منحوره *
وإذا أضفت إلى نفسك ففيها ست لغات، وقد فسرته. فتقول: لدي، ولدن، ولد، ولدني ولدني ولدنني ولدي ولدي تسع لغات، ومعناهن كلهن: عندي). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/408]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: من لدني [الكهف/ 76].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: من لدني مثقل.
وقرأ نافع: (من لدني) بضم الدال مع تخفيف النون.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من الضم في رواية خلف عن أبي بكر عن عاصم. وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (من لدني) يسكن الدال مع فتح اللام. وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) بضم اللام وتسكين الدال وهو غلط. وفي كتاب المعاني الذي عمله إلى طه عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) مفتوحة اللام ساكنة الدال، وقال حفص عن عاصم: لدني مثل أبي عمرو وحمزة.
قال أبو علي: من قال: من لدني، زاد النون التي تزاد مع
[الحجة للقراء السبعة: 5/160]
علامة المضمر المجرور والمنصوب في نحو: منّي وعنّي، وقطني، وضربني، فأدغم الأولى الساكنة في التي تزاد مع الضمير، فصار لدني، وهذا هو القياس، والذي عليه الاستعمال.
وقرأ نافع (من لدني)، بضم الدال مع تخفيف النون. وجه ذلك: أنه على ما قدّم ذكره إلا في حذفه النون التي تلحق علامة الضمير، وإنما حذفها كما حذفت من قدني وقدي، قال:
قدني من نصر الخبيبين قدي.
ولا تكون النون المحذوفة الثالثة من لدن لأنها تردّ مع إضافتها إلى الضمير في نحو: من لدنه ويبشر [الكهف/ 2]، ومن لدنّا ولدنّي، فكما لا تحذف من علامة الضمير، وإن حذفت من: «لد شول» و «لد غدوة» فإنها تردّ مع الضمير إلى الأصل، كما ردّوا:
فلا بك ما أسال ولا أغاما ونحو ذلك. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من الضم في رواية خلف، قال أبو علي: وجه ذلك أن لدن مثل سبع، وعضد، فكما تحذف الضمة من نحو سبع، كذلك حذفت من لدن، فصار لدن، فأما إشمامها الضم فليعلم أن الدال كانت تتحرك بالضم، كما أن من قال: تغزين، وقيل، فأشمّ الحرفين الضمة، أراد أن يعلم أنها في الأصل مضمومة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/161]
قال أحمد: وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يسكن الدال مع فتح اللام. قال أبو علي: هذا هو الوجه الذي تقدّم، إلا أنه لم يشمّ الدال الضمة، وإنما لم يشمّها، كما أن كثيرا منهم لا يشمّون الضمة نحو: قيل.
قال: وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) بضم اللام، ويسكن الدال، قال أحمد: وهو غلط. قال أبو علي: يشبه أن يكون التغليط من أبي بكر أحمد في وجه الرواية، فأما من جهة اللغة ومقاييسها فهو صحيح، ألا ترى أنّ مثل سبع وعضد إذا خفف فتخفيفه على ضربين، أحدهما: أن تحذف الضمة وتبقى فتحة الفاء على حالها، فيقال: عضد. والآخر: أن تلقى الحركة التي هي الضمّة على الفاء، وتحذف الفتحة فيقال: عضد، فكذلك لدن، ومثل ذلك: كبد وكبد وكبد، فهذه أوجه هذه الرواية في القياس. والنون التي تتبع علامة الضمير تحذف إذا سكنت الدال، لأن الدال قد سكنت بإلقاء الحركة منها، والنون من لدن ساكنة، فتحذف النون، لأن إدغام الأولى فيها لا يصلح لسكون ما قبلها من الدال فيصير لدني أو لدني، فيحذف لالتقاء الساكنين، أحدهما الدال المسكنة، والآخر نون لدن، فإن أدغمت ولم تحذف لزمك أن تحرّك الدال لئلا يلتقي ساكنان، فيصير في الامتناع للإدغام بمنزلة امتناعه في: قرم مالك، في تحريك الساكن في المنفصل، وهذا ممتنع، فلما لم يسغ ذلك حذف لالتقاء الساكنين إذ قد حذفت لالتقائهما في نحو: لد الصلاة ولد الحائط). [الحجة للقراء السبعة: 5/162]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد بلغت من لدني عذرا}
قرأ نافع وأبو بكر {من لدني عذرا} بإشمام الدّال وتخفيف النّون وقرأ الباقون {من لدني عذرا} بضم الدّال وتشديد النّون
الأصل لدن بإسكان النّون فإذا أضفتها إلى نفسك زدت
[حجة القراءات: 424]
نونا ليسلم سكون النّون الأولى تقول لدن زيد فتسكن النّون ثمّ تضيف إلى نفسك فتقول لدني فتدغم النّون في النّون كما تقول عني ومن خفف النّون كره اجتماع النونين فحذف واحدة وهي الثّانية لأنّها زائدة كما حذف من قوله {تأمروني} وكما حذفت من قدني وقدي قال الشّاعر:
قدني من ذكر الخبيبين قدي
وأما إشمام الدّال فإنّه علام على أن الدّال كانت مضمومة). [حجة القراءات: 425]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (45- قوله: {من لدني} قرأه نافع وأبو بكر بالتخفيف، وشدده الباقون، وكلهم ضم الدال إلا أبا بكر، فإنه أسكنها، وأشمها الضم.
وحجة من شدد أنه أدغم نون «لدني» في النون التي دخلت مع الياء، ليسلم سكون نون «لدن»، كما قالوا: إني وعني.
وحجة من خفف النون أنه لم يأت بنون مع الياء؛ لأنه ضمير مخفوض كـ «غلامي وداري» فاتصلت الياء بنون «لدن» فكسرتها.
46- وحجة من أسكن الدال أنه لغة للعرب، يقولون: لدن غدوة، فيجمعون بين ساكنين، ويكسرون النون لالتقاء الساكنين، إذا وصلوا، ومن أجل ذلك أشم أبو بكر الدال الضم، إذ أصلها النصب، وقد قيل: إن النون إنما كسرت في قراءة من أسكن الدال لالتقاء الساكنين، وهذا الإشمام يُرى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/69]
ولا يسمع، وقد مضى الكلام عليه في أول السورة، وما عليه الجماعة أحب إلي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/70]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {فَلَا تُصَاحِبْنِي} [آية/ 76] بالألف، مضمومة التاء:
قرأها الجمهور إلا ما رواه ان- عن يعقوب {فَلَا تَصْحَبْنِي} بغير ألف.
والوجه في {تُصَاحِبْنِي} أن الكلمة من المفاعلة وهي ما يكون الفعل فيه من اثنين، فالمصاحبة أن يكون من كل واحد منهما صحبة للآخر، وقوله {تَصْحَبْنِي} من الصحبة وهي مما يكون الفعل فيه لواحد، ولما كان المقصود
[الموضح: 791]
ههنا هو صحبة المخاطب أضاف الصحبة إليه فقط). [الموضح: 792]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {مِنْ لَدُنِّي} [آية/ 76] بضم الدال وتخفيف النون:
قرأها نافعٌ وحده.
والوجه أن الكلمة لَدُنْ بضم الدال وإسكان النون، زيد عليها لضمير المتكلم نونٌ وياءٌ، فالياء هي علم الضمير، والنون دعامة الياء على ما قدمنا، فبقي بعد لحاق علم الضمير به لدُنّي، بإدغام نون لدُنْ في نون الضمير، ثم حُذف نون الضمير لاجتماع النونين؛ ولأن هذه النون قد تُحذف نحو قدي في نحو قول الشاعر:
83- قدني من نصر الخبيبين قدي
ولا تكون النون المحذوفة نون لدن؛ لأنها تثبت مع إضافتها إلى الضمير في نحو لدنه ولدنك.
[الموضح: 792]
وقرأ عاصم ياش- {لَدْنِي} بإسكان الدال وإشمامها الضمة وبتخفيف النون.
والوجه أنه خفف لَدُن من لدنّي، فأسكن الدال فصار لدْنْ مثل سبْعْ، ثم أشم الدال الضمة؛ ليُعلم أنها كانت متحركة بالضم، ثم أسقط النون من ياء الضمير، فصار «لَدْني» بالإسكان والإشمام والتخفيف.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {لَدُنِّي} مضمومة الدال، مشددة النون.
والوجه أنه هو الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه الكلمة، وقد ذكرنا شرحه). [الموضح: 793]

قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لاتّخذت عليه أجرًا (77)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والحضرمي (لتخذت) بفتح التاء وكسر الخاء خفيفة.
وقرأ الباقون (لاتّخذت) بتشديد التاء وفتح الخاء، وكلهم أدغموا الذال في التاء غير ابن كثير وحفص والأعشى عن أبي بكر. وقرأ يعقوب (لتخذت) إنما أظهر الذال ههنا فقط.
قال أبو منصور: من قرأ (لاتّخذت) فهو افتعالٌ من: اتخذ يتّخذ اّتخاذا، والأصل: أئتخذ يتخذ، فأدغمت الهمزة في التاء، وشددت.
وأصل الحرف مأخوذ من أخذ يأخذ.
يقول: لو أخذت بأخذنا، أي: لو فعلت بفعلنا.
ومن قرأ (لتخذت) فإنه يحذف الهمزة، ويجعله مبنيا على فعل يفعل، كما قالوا في (اتقى يتّقي): تقي يتقي.
وأنشد أبو عمرو أو غيره:
[معاني القراءات وعللها: 2/117]
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها... نسيفاً كأفحوص القطاة المطرّق
وقال الزّجّاج: من قرأ (لتخذت) فهو بمعنى: اتخذت، وأصل تخذت: أخذت). [معاني القراءات وعللها: 2/118]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {لتخذت عليه أجرا} [77].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لتخذت} بتخفيف التاء جعله فعل يفعل مثل شرب يشرب تخذ يتخذ كما قال:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها = نسيفًا كأفحوص القطاة المطرق
المطرق: التي تريد أن تبيض وقد تعسر عليها. والأفحوص والمفحص: عش الطائر ووكره، ومن ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/408]
مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة».
غير أن ابن كثير يظهر الذال عند التاء، وابو عمرو يدغم وقد ذكرت علته في (البقرة).
وقرأ الباقون {لاتخذت} من افتعل يفتعل نحو اتقى يتقي واتكى يتكي. ومن العرب من يقول: تقى يتقي خفيفًا قال الشاعر:
جلالها الصيقلون فأخلصوها = خفافًا كلها يتقى بإثر
وأصله من أخذ يأخذ فكأن الأصل أيتخذ، لأن الهمزة تصير ياء لانكسار ما قبلها ثم تقلب الياء تاء وتدغم التاء في التاء فالتشديد من جلل ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/409]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: (لتخذت) [الكهف/ 77].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لتخذت) بكسر الخاء، وكان أبو عمرو يدغم الدال، وابن كثير يظهرها.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (لاتخذت).
وكلّهم أدغم إلا ما روى حفص عن عاصم فإنه لم يدغم مثل ابن كثير.
قال أبو زيد: اتّخذنا مالا فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت أتخذ تخذا. وحكى سيبويه: استخذ فلان أرضا، يتأوّله على أمرين:
أحدهما: أنه أراد اتّخذ فأبدل السين من التاء الأولى، والآخر: أنه استفعل، فحذف التاء التي هي فاء، من تخذت.
قال أبو علي: قوله: (لتخذت) بكسر الخاء: فعلت، وأنشدوا:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها... نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق
وقال: وكان أبو عمرو يدغم الدال، ووجه الإدغام أن هذه الحروف متقاربة، فيدغم بعضها في بعض كما يدغم سائر المتقاربة، والطاء والدال، والتاء والذال والثاء والظاء، أدغم بعضها في بعض للمقاربة، فأما الصاد والسين والزاي فتدغم بعضها في بعض، وتدغم فيها الحروف الستة ولا يدغمن في الستة لما يختل في إدغامها في
[الحجة للقراء السبعة: 5/163]
مقاربها من الصّفير، فالذال أدغمها أبو عمرو في التاء، وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة لأن ما بينهما من الجهر والهمس لا يمنع من الإدغام لقلة ذلك.
فأما تبيين ابن كثير: (لتخذت) وتركه الإدغام، فلأن لكل حرف من الذال والتاء حيزا غير حيّز الآخر، فالذال من حيّز الظاء والثاء، فلم يدغم لاختلاف الحيّزين واختلاف الحرفين في الجهر والهمس.
وحكى سيبويه أنهم قالوا: أخذت، فبيّنوا). [الحجة للقراء السبعة: 5/164]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: [جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يُنْقَضَ]، برفع الياء وبالضاد.
وقرأ: [يَنْقَاصُ] بالصاد غير معجمة، وبالألف -علي بن أبي طالب وعكرمة وأبو شيخ الهنائي ويحيى بن يعمر.
وفي قراءة عبد الله: [يُرِيدُ ليُنْقَضَ]، وكذلك روي عن الأعمش.
قال أبو الفتح: معناه: قد قارب أن يُنقض، أو شارف ذلك, وهو عائد إلى معنى يكاد، وقد جاء ذلك عنهم. وأنشد أبو الحسن:
كادَتْ وكدْتُ وتلكَ خَيْرُ إرادَةٍ ... لَوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصَّبابَةِ مَا مَضَى
وحَسُن هنا لفظ "الإرادة" لأنه أقوى في وقوع الفعل؛ وذلك لأنها داعية إلى وقوعه، وهي أيضا لا تصح إلا مع الحياة، ولا يصح الفعل إلا لذي الحياة. وليس كذلك كاد، لأنه قد يقارب الأمرَ ما لا حياة فيه، نحن مَمِيل الحائط وإشراق ضوء الفجر، فاعرف ذلك.
و[يَنْقَاصُ] مطاوع قِصْتُه فانْقَاصَ، أي: كسرتُه فانكَسَرَ. قال:
فِرَاقًا كَقَيْصِ السِّنِّ فالصَّبْرُ إنهُ ... لِكُلِّ أُناسٍ عثرةٌ وجُبُورُ
يجوز أن يكون جُبُورُ جمع جَبْرَة، كبَدْرَة وبُدُور، ومَأنَة ومُئُون. وقد قالوا: قِضْتُه فانْقَاضَ، أي: هَدَمْتُه فانْهَدَمَ، بالضاد معجمة. قال:
[المحتسب: 2/31]
كَأَنَّها هَدَمٌ في الجَفْرِ مُنْقَاضُ
وقَيْضُ البيضةِ: قِشْرُها الذي انفلق عن الفرخ.
وقراءة العامة: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أشبه أولا منها بآخر؛ لأن الإرادة في اللفظ له، والانقضاض أيضا كذلك. وأما [يَنْقَضُّ] فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون ينفَعِل من القَضّة، وهي الحصا الصغار، وقال أبو زيد: يقال طعام قَضَضٌ: إذا كانت فيه القَضّة.
والآخر أن يكون يفعلّ من: نَقَضْت الشيء، كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم: [يُرِيدُ أَنْ يُنْقَضَ]، ويكون يفعل هنا من غير الألوان والعيوب كيَزْوَرُّ ويَرْعَوِي، وقد مضى ذلك.
وقراءة عبد الله والأعمش: [يُرِيدُ ليُنْقَضَ] إن شئت قلت: إن اللام زائدةٌ، واحتججت فيه بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شئت قلتَ: تقديره: إرادته لكذا، كقولك: قيامه لكذا، وجلوسه لكذا، ثم وضع الفعل موضع مصدره، كما أنشد أبو زيد:
فَقَالُوا: مَا تَشَاءُ؟ فَقُلْتُ: أَلْهُو ... إلَى الإصْبَاحِ آثِرَ ذِي أَثِيرِ
أي: اللهو، فوضع "ألهو" موضع مصدره، وأنشد أيضا:
وَأَهْلَكَنِي لَكُمْ في كُلِّ يَوْمٍ ... تَعَوُّجُكُمْ عَلَيَّ وَأَسْتَقِيمُ
أي: واستقامتي، واللام هنا اللام في قوله:
أُرِيدُ لِأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأنَما ... تَمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِ
[المحتسب: 2/32]
تحتمل اللام هنا الوجهين اللذين تقدم ذكرهما). [المحتسب: 2/33]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} 77
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لتخذت) بتخفيف التّاء وكسر الخاء وحجتهما أن أصل هذا الفعل من تخذ يتّخذ تخذا فالتاء فاء الفعل مثل تبع يتبع وأنشد أبو عمرو
[حجة القراءات: 425]
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها
فقرأ أبو عمرو على أصل بنية الفعل من غير زيادة
وقرأ الباقون {لاتخذت} بفتح الخاء على افتعلت في هذه القراءة قولان أحدهما أن تكون التّاء الأولى أصليّة والتّاء الثّانية تاء زائدة في افتعل زائدة والأصل تخذ يتّخذ فلا نظر فيه أنه افتعل منه والقول الثّاني أن يكون اتخذ مأخوذا من أخذ والفاء همزة فإذا بني منه افتعل شابه افتعل من وعد فيصير ائتخذ يأتخذ ائتخاذا كما تقول ايتعد ياتعد ايتعادا فهو موتعد ثمّ تقول اتعد يتعدّ اتعادا كذلك اتخذ يتّخذ اتخاذا فأبدلوا من مكان الهمزة تاء كما جرت مجرى الواو في التثقيل والأصل إأتخذ فاجتمع همزتان فقلبت الثّانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصارت إيتخذ ثمّ أبدلوا من الياء تاء ثمّ أدغموا في التّاء الّتي بعدها فقالوا اتخذ يتّخذ فهو متخذ). [حجة القراءات: 426]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (47- قوله: {لتخذت} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف التاء، وكسر الخاء مثل «لفعلت» ومثل «لعلمت» وقرأ الباقون بتشديد التاء، وفتح الخاء مثل «لافتعلت» ومثل «لاكتسبت».
وحجة من قرأ بالتخفيف أنه جعله من «تخذت اتخذ» على وزن «فعلت أفعل» فأدخل اللام التي هي لجواب «لو» على التاء التي هي فاء الفعل، حكى أهل اللغة عن العرب: تخذت أتخذ تخذًا، حكاه أبو زيد وغيره، وحكى سيبويه: استخذ فلانًا أرضًا، وفسره أنه أراد: اتخذ، فأبدل من التاء الأولى سينًا، فيكون «اتخذ» افتعل و«افتعل» مطاوع «فَعِل أو فعَل» فدلّ على أن الثلاثي «تخذ» ويجوز أن يكون «استخذ» استفعل على تقدير حذف التاء التي هي فاء.
48- وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» حكاه أبو زيد وغيره، وكان ابن كثير وحفص، يظهران الذال، وباقي القراء على الإدغام، وقيل: هو من «أخذ» بني على «افتعل» من «أخذ» فصار «أيتخذ» فأبدل من الهمزة الساكنة ياء، ثم أدغمت الياء في التاء، لغة معروفة، لئلا تتغير الهمزة في البدل في الماضي والمستقبل واسم الفاعل، فأبدلوا من الياء حرفا من جنس ما بعدها، وهو تاء، فأدغموا التاء في التاء، كما قالوا في «افتعل» من الوزن والوعد اتّزن واتّعد، وأصله: ايتزن وايتعد، ثم أبدلوا من الياء تاء، وأدغموا التاء في التاء، وأصل الياء واو فيهما، وأصل الياء في «اتخذ» همزة على هذا القول فاعرفه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/70]
49- وحجة من أدغم تقارب مخارج هذه الحروف، وأن لام المعرفة تُدغم في الذال والتاء، فلما اشتركا في إدغام لام المعرفة فيهما، وتقاربت مخارجهما، وكانا من كلمة مع خفة الإدغام، حسن الإدغام، وفيه ضعف لنقل الأول إلى أضعف من حالته مع الإظهار؛ لأنه مجهور، فإذا أدغمت صار مهموسًا، لكن أكثر القراء عليه لخفته، ولأنهما من كلمة، ألا ترى أن نافعًا وأبا بكر وابن ذكوان أظهروا الذال عند التاء، في كلمتين، لانفصال أحد الحرفين من الآخر، وأدغموها في التاء في كلمة نحو {اتخذتم} لاتصال الحرفين.
50- وحجة من أظهر الذال أنه حرف مجهور، قوي بالجهر، والتاء حرف مهموس ضعيف بالهمس، فلو أدغم الذال لأبدل منها حرفا أضعف منها في الصفة، وإنما يحسن الإدغام، إذا نُقل الحرف الأول إلى أقوى حالة من حالته في الإظهار، أو إلى مثل حالته مع تقارب المخارج، وقد تقدم الكلام على هذا بأشبع من هذا في أبواب الإدغام، وما عليه الجماعة أحب إلي، وقد مضى ابن كثير وحفص على أصلهما فأظهرا «فنبذتها وعُذت» كما أظهرا {اتخذت}، ومضى أبو عمرو وحمزة والكسائي فيها كلها على الإدغام، ومضى نافع وأبو بكر وابن عامر على الإدغام في {اتخذت}، والإظهار في {فنبذتها} و{عُذت} ولا فرق بينهما غير الجمع بين اللغتين، فمن أظهر فعلى الأصل، ولئلا ينقل الذال إلى ضعف، ومن أدغم فلاتصالهما في كلمة، ولاشتراكهما في إدغام لام التعريف فيهما. وقد مضى الكلام على هذا بعلله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/71]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {لَتَخِذْتَ} [آية/ 77] مخففة التاء، مكسورة الخاء:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون {لَاتَّخَذْتَ} مشددة التاء، مفتوحة الخاء.
والوجه أن اتخذ على افتعل، وتخذ على فعل، وكلاهما واحدٌ في
[الموضح: 793]
المعنى، يقال اتخذتُ مالًا أتخذه اتخاذًا وتخذته أتخذه تخذًا على فعلٍ بفتح العين، وقال الشاعر:
84- وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها = نسيفًا كأفحوص القطاة المطرق
وأظهر ابن كثير و-ص- عن عاصم الذال، وكذلك يعقوب هذا الحرف وحده.
والوجه أن لكل واحد الذال والتاء حيزًا غير حيز صاحبه، فالذال من حيز الظاء، والتاء من مخرج الطاء، وهما متغايران، فلم يُدغم أحدهما في الآخر لتغايرهما.
وأدغم الباقون الذال في التاء.
والوجه أنهما متقاربتا المخرجين، فلتقارب المخرجين جاز الإدغام). [الموضح: 794]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:15 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (78) إلى الآية (82) ]

{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}

قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}

قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) }

قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي سعيد الخدري: [وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ].
أحدهما: أن يكون اسم "كان" ضمير الغلام، أي: فَكَانَ هُوَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ، والجملة بعده خبر كان.
والآخر: أن يكون اسم "كان" مضمرا فيها، وهو ضمير الشأن والحديث، أي: فكان الحديث أو الشأن أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ، والجملة بعده خبر لـ "كان" على ما مضى، إلا أنه في هذا الوجه الثاني لا ضمير عائدا على اسم "كان"؛ لأن ضمير الأمر والشأن لا يحتاج من الجملة التي هي بعده خبر عنه إلى ضمير عائد عليه منها، من حيث كان هو الجملة في المعنى. وقد مضى ذلك آنفا، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مولودٍ يُولُدُ علَى الفطرةِ حتَّى يكونَ أبواهُ هُمَا اللَّذانِ يُهَوِّدَانِه ويُنَصِّرانِه».
إن شئت كان ضمير المولود في "كان" اسما لها، وأبواه ابتداء، "هما" فصل لا موضع لها من الإعراب، و"اللذان" خبر "لكان"، والعائد على اسم "كان" الضمير في "أبواه"؛ لأنه أقرب إليه مما بعده.
وإن شئت جعلت اسم "كان" على ما كان عليه، وجعلت "أبواه" ابتداء، والجملة بعدهما خبرا عنها، وهي مركبة من مبتدأ وخبر: فالمبتدأ "هما"، وخبرهما "اللذان"، و"هما" وخبره خبر عن "أبواه"، و"أبواه" وما بعدهما خبر "كان".
وإن شئت كان في "كان" ضمير الشأن والحديث، وما بعدها خبر عنه.
[المحتسب: 2/33]
وإن شئت رفعت "أبواه" لأنهما اسم "كان" وجعلت ما بعدهما الخبر على ما مضى من كون "هما" فصلا إن شئت، ومبتدأ إن شئت، ويجوز فيه هما اللذين). [المحتسب: 2/34]

قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن يبدلهما ربّهما (81) ونظائرها.
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بالتخفيف في الأربعة الأحرف، وهي قوله في الكهف: (أن يبدلهما)، وفي النور: (وليبدلنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 2/118]
وفي التحريم: (أن ييدله)، وفي (ن): (أن يبدلنا خيرًا).
وقرأ نافع وأبو عمرو أربعهن بفتح الباء وتشديد الدال.
وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي التي في النور: (وليبدّلنّهم) مشددة والباقي بالتخفيف.
وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: التبديل: تغيير الصورة إلى صورة غيرها، والجوهرة بعينها، والإبدال: تنحية الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى، واحتج بقول أبي النجم:
عزل الأمير للأمير المبدل
ألا تراه نحى جسمًا وجعل مكانه جسمًا آخر.
وقال المبرد: هذا حسن، غير أن العرب تجعل بدّلت بمعنى: أبدلت، واحتج بقوله جلّ وعزّ: (فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ).
ألا تراه قد أزال السيئات وجعل مكانها حسنات!
قال: وأمّا ما شرط أحمد بن يحيى فهو معنى قوله: (كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها)،
قال: فهذه هي الجوهرة، وتبديلها: تغيير صورتها إلى غيرها؛ لأنها كانت ناعمة فاسودت بالعذاب، فردت إلى صورة جلودهم الأول لما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدة، والصورة مختلفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/119]
وعلى كلام المبرد بدّلت بمعنى واحد، ويفترقان في حالةٍ أخري، والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأقرب رحمًا (81)
قرأ ابن عامر والحضرمي (رحما) بضم الحاء، وقرأ الباقون (رحما) بسكون الحاء، وروى على بن نصر وعباس عن أبي عمرو الوجهين: التخفيف، والتثقيل.
وأنشد أبو عمرو:
ومن ضريبته التّقوى ويعصمه... من سيّئ العثرات اللّه والرّحم). [معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {فأردنا أن يبدلهما} [81].
قرأ ابن كثير وعاصم بتخفيف كل ما في القرآن.
وقرأ أبو عمرو ونافع بتشديد كل ما في القرآن، وهما لغتان: يُبدلُ ويبدِّلُ مثل ينزلُ وينزِّلُ. قال أبو عمرو: وإنما اخترت التثقيل، لأن شاهده في القرآن، وهو قوله: {وإذا بدلنا ءاية} ولم يقل: أبدلنا، وقال: {لا تبديل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/409]
لكلمات الله} ولم يقل: لا إبدال والعرب تقول: بدل يبدل تبديلا وبدالا، فهو مبدل. وقال غيره من النحويين: أبدلت الشيء: إذا أزلت الأول وجعلت الثاني في مكانه كقول أ[ي النجم:
* عزل الأمير للأمير المبدل *
وبدلت الشيء من الشيء: إذا غيرت حاله وعينه، والأصل باق كقولك: بدلت قميصي جبة، واحتجوا بقوله تعالى: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} فالجلد الثاني هو الأول، ولو كان غير الأول لم يلزمه العذاب إذا لم يُباشر المعصية، وهذا واضح جدًا.
وقرأ الباقون بتخفيف كل ذلك إلا قوله في (النور) {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} فيحتمل أن يكونوا أتواب المعنيين كليهما، وهو الاختيار عندي أنهم شددوا هذا الحرف خاصة إرادة تكرير الفعل، لأن الله تعالى بدلهم الأمن من الخوف مرة بعد مرة، وأمنًا على أمنٍ فالتشديد دلالة على تكرير الفعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/410]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وأقرب رحما} [81].
قرأ ابن عامر وحده {رُحُمًا} بضمتين، وكذا عباس ونصر عن أبي عمرو.
وقرأ الباقون {رُحْمًا} خفيفًا، وهو الأكثر في كلامهم مثل العُمْرِ والعُمُرِ والرُّعْبُ الرُّعُبِ.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: وفيها لغة ثالثة: {أقرب رحمًا} كما
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/410]
تقول: أطال الله عُمْرَكَ وعُمُرَكَ وعَمْرَكَ ومعناهن كلهن: وأقرب رحمة وعطفًا وقُربى وقرابةً، وقال الشاعر شاهدًا لمن خفف:
* ولم يعوج رحم ما يعوجا *
وقال آخر:
* يا منزل الرحم على إدريس *). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/411]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله جل وعزّ: أن يبدلهما [الكهف/ 81].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: أن يبدلهما [الكهف/ 81] (وليبدلنهم) [النور/ 55] وأن يبدله أزواجا خيرا منكن [التحريم/ 5] وأن يبدلنا خيرا منها [ن/ 32] خفافا جمع.
وقرأ نافع وأبو عمرو في الكهف والتحريم ونون والنور مشدّدا كلّه.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي في الكهف والتحريم ونون مخففا، وفي النور: وليبدلنهم مشدّدة. وروى حفص عن عاصم أنّه خفف في الكهف والتحريم ونون، وشدّد في النور.
قال: بدّل وأبدل يتقاربان في المعنى، كما أن نزّل وأنزل كذلك، إلا أن بدّل ينبغي أن يكون أرجح لما جاء في التنزيل من قوله: لا تبديل لكلمات الله [يونس/ 64] ولم يجيء منه الإبدال كما جاء
[الحجة للقراء السبعة: 5/164]
التبديل في مواضع من القرآن، وقد جاء: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج [النساء/ 20] فهذا يكون بمعنى الإبدال كما أن قوله:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب بمعنى: فلم يجبه، فكما جاءت يستجبه بمنزلة يجبه، كذلك الاستبدال يمكن أن يكون بمعنى الإبدال، فأما من قال: إن بدّل غير أبدل، لأن قولك: تبدل، هو أن تذهب بالشيء وتجيء بغيره، كقوله:
عزل الأمير للأمير المبدل وقد يقال: يبدّل في الشيء، وقد يكون قائما وغير قائم، كقوله: وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا [النور/ 55] فالخوف ليس بقائم في حال الأمن، ومن قال: وإذا بدلنا آية مكان آية [النحل/ 101] فقد تكون الآية المبدلة قائمة التلاوة كقوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر [البقرة/ 234] والذين يتوفون منهم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج [البقرة/ 240]. وربما رفع المبدل من التلاوة. وقال: وبدلناهم بجنتيهم جنتين [سبأ/ 16] فالجنتان قائمتان، وقال: فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم [البقرة/ 59] فالقولان جميعا قائمان، فليس ينفصل بدّل من أبدل في هذا النحو بشيء). [الحجة للقراء السبعة: 5/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: رحما [81].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: (رحما) ساكنة الحاء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/165]
وقرأ ابن عامر: رحما مثقلة الحاء، وروي عن أبي عمرو: (رحما ورحما). عباس عن أبي عمرو أنه قال: أيتهما شئت فاقرأ.
قال: وأنا أقرأ بالضم (رحما). علي بن نصر، عن أبي عمرو: وأقرب رحما و (رحما) بتسكين الحاء وتحريكها.
أبو عبيدة: الرّحم والرّحم، وهو الرحمة، وأنشد العجاج:
ولم تعوّج رحم من تعوّجا
وأنشد غيره لرؤبة:
يا منزل الرّحم على إدريس... ومنزل اللعن على إبليس
قال أبو عبيدة: وأقرب رحما: عطفا). [الحجة للقراء السبعة: 5/166]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} 81
قرأ نافع وأبو عمرو {فأردنا أن يبدلهما} بالتّشديد في جميع القرآن وقرأ الباقون بالتّخفيف وهما لغتان تقول بدل وأبدل مثل نزل وأنزل
وحجّة التّشديد قوله {وإذا بدلنا آية} وقال {لا تبديل لكلمات الله} ولم يقل لا إبدال
وحجّة التّخفيف قوله {وإن أردتم استبدال زوج} فهذا قد يكون بمعنى الإبدال كما أن قوله
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
بمعنى لم يجبه
قرأ ابن عامر {وأقرب رحما} بضم الحاء وحجته قول الشّاعر:
وكيف بظلم جارية ... ومنها اللين والرحم
وقرأ الباقون {رحما} وهما لغتان مثل الرعب والرعب). [حجة القراءات: 427]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {يبدلهما} قرأه نافع وأبو عمرو بالتشديد، ومثله في التحريم وفي نون والقلم، وخفف ذلك كله الباقون، وهما لغتان بمعنى: بدّل وأبدل، مثل: نجّا وأنجى، ونزّل وأنزل، وأكثر ما جاء هذا في القرآن بالتشديد إجماع، نحو قوله: {بدلوا نعمة الله} «إبراهيم 28» وقوله: {لا تبديل لكلمات الله} «يونس 20» فقد يكون بمعنى «الإبدال» فيكون مصدر «أدبل»، وقد قيل: إن «بدل» بالتشديد هو الذهاب بالشيء والإتيان بغيره، والإتيان بالشيء وبقاء غيره، كالذي وقع في النسخ، و«أبدل» يأتي للإتيان بالشيء وبقاء المبدل منه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (52- قوله: {وأقرب رحما} قرأ ابن عامر بضم الخاء، وأسكن الباقون، وهما لغتان بمعنى، كالسحُت والسحْت، وحكى أبو عبيدة فيه لغة ثالثة «الرحْم» بفتح الراء وإسكان الحاء، وهو كله بمعنى الرحمة والتعطف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {أَنْ يُبْدِّلَهُمَا} [آية/ 81] بالتشديد:
[الموضح: 794]
قرأها نافع وأبو عمرو، وكذلك في النور {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ}، وفي التحريم {أَنْ يُبَدِّلَهُ}، وفي القلم {أَنْ يُبَدِّلَنَا}.
وقرأ الباقون {يُبْدِلَهُمَا} بالتخفيف، وكذلك في الجميع، إلا أن ابن عامر وحمزة والكسائي و-ص- عن عاصم قرءوا في النور وحده بالتشديد، وفي الباقي بالتخفيف.
والوجه أن بَدَّل مثل أبدل، وكلاهما قد جاء في القرآن، والتبديل فيه أكثر من الإبدال.
وقال أبو العباس ثعلب: التبديل تغيير الصورة إلى صورةٍ غيرها، والجوهرة باقية بعينها، والإبدال تنحية الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى.
هذا كلامه، واحتج بقول أبي النجم:
85- عزل الأمير بالأمير المبدل
قال: ألا ترى أن نحي شخصًا وجعل شخصًا آخر مكانه.
واستدل أيضًا بقوله تعالى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}؛ لأنها تغيرت بالعذاب، فرُدّت إلى صورة جلودهم الأولى لما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدةٌ والصورة مختلفةٌ). [الموضح: 795]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {وَأَقْرَبَ رُحُمًا} [آية/ 81] بضم الحاء:
قرأها ابن عامر ويعقوب.
وقرأ الباقون {رُحْمًا} بسكون الحاء.
والوجه أن رحُمًا رحْمًا واحدٌ، فالمضموم عينه أصلٌ، والمسكن مخفف منه، كالشغُل والشغْل، وقد مضى مثله، والرُحْمُ: الرحمة كالكثر والكثرة). [الموضح: 796]

قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:16 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (83) إلى الآية (91) ]
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)}

قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)}

قوله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأتبع سببًا (85)... ثمّ أتبع سببًا (89)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتّبع... ثمّ اتّبع) بتشديد التاء، موصولة، وقرأ الباقون (فأتبع... ثمّ أتبع) مقطوعةً ساكنةً، التاء خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور - من قرأ (فاتّبع) بتشديد التاء فمعناه: تبع.
ومن قرأ (فأتبع) مقطوعة الألف فمعناه: لحق، روى ذلك أبو عبيد عن الكسائي.
وقال الفراء: (أتبع) أحسن من (أتبع)؛ لأن معنى اتّبعت الرجل: إذا كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبعته فكأنك قفوته). [معاني القراءات وعللها: 2/121] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأتبع سببا}
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فأتبع سببا} بالتّشديد وحجتهما في ذلك أن المشهور في كلام العرب أن يقال اتبع فلان أثر فلان إذا سلك طريقه وسار بعده واتّبعت الرجل إذا لحقته ومعلوم أن الله أخبر عن مسير ذي القرنين في الأرض الّتي مكن له فيها
وقرأ الباقون {فأتبع} بالتّخفيف أي لحق سببا تقول اتبعت الرجل إذا سرت من ورائه وأتبعت الرجل ألحقته خيرا أو شرا كقوله تعالى {فأتبعه شهاب ثاقب}
قال أبو زيد رأيت القوم فأتبعتهم بالتّخفيف إتباعا إذا سبقوك فأسرعت نحوهم ومروا عليّ فاتبعتهم اتباعا بالتّشديد إذا ذهبت معهم ولم يسبقوك
قال أبو عبيد القراءة عندي {فأتبع} بالتّشديد لأنّها من المسير إنّما هو افتعل وأما الإتباع فإن معناه اللحاق كقوله {فأتبعوهم مشرقين} وقال قوم لغتان أتبع يتبع واتبع يتبع افتعل). [حجة القراءات: 428]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {فأتبع}، {ثم أتبع}، {ثم أتبع} قرأ ذلك الكوفيون وابن عامر بقطع الألف، وإسكان التاء، مخففا في الثلاثة، وقرأ الباقون بوصل الألف والتشديد.
وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» مطاوع فعل «تبع»، فهو يتعدّى إلى مفعول واحد كـ «تبع»، وقد أجمعوا على ذلك في قوله: {واتبع الذين ظلموا} «هود 116»، و{أتبعوا ما تتلوا الشياطين}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
«البقرة 105» يقال: اتبعت القوم إذا أسرعت نحوهم وقد سبقوك وأتبعت القوم إذا ذهبت معهم، ولم يسبقوك، وتبعت القوم مثل ذلك.؟
54- وحجة من همز وخفف أنه بناه على «أفعل» منقول من «فعل» جعله يتعدّى إلى مفعولين، زاد مفعولا لدخول الهمزة، كما قال الله جل ذكره: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} «القصص 42» فأما قوله: {فأتبعوهم مشرقين} «الشعراء 60» فالمفعول الثاني محذوف، والتقدير: فأتبعوهم جنودهم مشرقين، ومثله في حذف المفعول قوله: {لينذر بأسًا شديدًا} «الكهف 2» أي: لينذركم، أو لينذر الناس بأسًا، أي: بيأس، ومثله قوله: {لا يكادون يفقهون قولا} «الكهف 93» في قراءة من ضم الياء، أي: لا يكادون يفقهون الناس قولا، وهو كثير، والتقدير في قراءة الهمز: فاتبع سببا سببا، أو اتبع أمره سببا، وقد أجمعوا على: {فأتبعه شهاب مبين} «الحجر 18» بالهمز، والتقدير: فأتبعه شهاب مبين الإحراق أو المنع للاسترقاق، والقراءتان متعادلتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في عينٍ حمئةٍ (86)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب (في عينٍ حمئةٍ) مهموزة بغير ألف، وقرأ الباقون (حاميةٍ) بألف غير مهموزة - وقرأها ابن مسعود (حامية)
قال الأزهري: من قرأ (حمئة) أراد: في عين ذات حمأة، قد حمئت فهي حمئة.
ومن قرأ (حامية) أراد: حارّة، وقد تكون " حارّة ذات حمأة، فيكون فيها المعنيان). [معاني القراءات وعللها: 2/121]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {في عين حمئة} [86].
قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير وحفص عن عاصم: {حمئة} على وزن فعلة مهموزًا، ومعناه: تغرب في طين سوداء، وهي الحمأة التي تخرج من البئر، ويقال لها: الثأط والحرمد والحال، ومن ذلك الحديث: «أن فرعون لما غرقه الله أخذ جبريل صلى الله عليه وسلم من حال البحر فحشاه في فيه لئلا ينطق بكلمة النجاة إذ كان ادعى الربوبية».
وقرأ الباقون: {في عين حامية} على وزن فاعله كقوله تعالى: {تصلى نارا حامية} أي: حارة حميت تحمي فهي حامية مثل شربت فهي شاربة.
وحدثني أحمد بن عبدان عن علي بن أبي عبيد عن هشيم عن عوف عن الحسن {حامية}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412]
قال أبو عبيد: وحدثني يزيد عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبي حاضر وابن حاضر قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت عند معاوية فقرأ {تغرب في عين حامية} فقلت: ما نقرؤها إلا {حمئة} فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين فقلت: في بيتي نزل القرآن! فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشم ستغرب في التوراة؟ فقال: أما العربية فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب ف يماء وطين.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: حدثنا حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قرأ: {في عين حميئة}. وقال: في ماء وطين، والعرب تقول: حمأت البئر: أخرجت منها الحمأة، وأحمأتها: ألقيت فيها الحمأة، وحميت هي: صار فيها الحمأة.
وأما قولهم: هذا حمو فلان ففيه أربع لغات: حمؤ وحمو وحما وحم قال الشاعر:
هي ما كنتي وتز = عم أني لها حمو
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/413]
وقال آخر:
قلت لبوبا لديه دارها = تئذن فإني حمؤها وجارها
وقال آخر:
وبجارة شوهاء ترقبني = وحما يخر كمنبذ الحلس
وفيه لغة خامسة وسادسة (الحمو) مثل العفو و(الحمأ) مثل الخطأ ذكره اللحياني. وكل قرابة من قبل الزوج فهم الأحماء، وكل قرابة من قبل النساء فهم الأختان، والصهر يجمعها، فأم امرأة الرجل ختنته، وأبوها ختنه، وأم الزوج حماة المرأة، وأبوه حموها، وقال أبو الأسود شاهدًا لأبي عمرو في {عين حمئة}:
تجئك بملئها طورًا وطورًا = تجئك بحمأة وقليل ماء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/414]
وقال آخر:
وسقيت بالماء النمير ولم = أترك ألاطم حمأة الجفر
وقال تبع:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما = ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارع والمغارب يبتغي = أسباب أمر من حكيم مرشد؟!
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/415]
فرأى مغار الشمس عند مغيبها = في عين ذي رتق وثأط حرمد
قال: الثأط: الماء والطين، والحرمد: الحمأ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/416]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: في عين حمئة [الكهف/ 86].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: حمئة [الكهف/ 86] وكذلك عاصم في رواية حفص: حمئة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية).
أبو عبيدة: في عين حميئة: ذات حمأة. قال الحسن:
رحمه الله من قرأ: حمئة فهي فعلة، ومن قرأ: (حامية) فهي فاعلة من حميت تحمى فهي حامية. حدّثنا الكندي قال: حدثنا المؤمّل قال: حدثنا إسماعيل عن ابن أبي رجاء عن الحسن في قوله: (في عين حامية) قال: حارّة، ويجوز فيمن قرأ: (حامية) أن يكون فاعلة من الحمأة، فخفّف الهمزة على قياس قول أبي الحسن، فقلبها ياء محضة، وإن خفّف الهمزة من فاعل على قول الخليل كانت بين بين.
قال سيبويه: وهو قول العرب والخليل. وروي عن ابن عباس قال: كنت عند معاوية فقرأ: (في عين حامية) فقلت: ما نقرؤها إلا حمئة فقال: لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين، قال ابن عباس: فقلت: في بيتي نزل القرآن، فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: أما
[الحجة للقراء السبعة: 5/169]
العربية، فأنتم أعلم بها، وأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين، وكان جمهور الناس على (حامية) ). [الحجة للقراء السبعة: 5/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجدها تغرب في عين حمئة}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر (في عين حامية) بالألف أي حارة من حميت تحمى فهي حامية قال تعالى {تصلى نارا حامية} أي حارة وحجتهم ما روي عن أبي ذر رحمه
[حجة القراءات: 428]
الله قال كنت ردف النّبي صلى الله عليه وهو على حمار والشّمس عند غروبها فقال
يا أبا ذر هل تدري أين تغرب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال
إنّها تغرب في عين حامية
وقرأ الباقون {في عين حمئة} مهموزا فالحمأة الطين المنتن المتغيّر اللّون والطعم وحجتهم ما روي في حديث ذي القرنين أنه رأى مغيب الشّمس عند غروبها في ماء وطين تغرب قال الشّاعر:
في عين ذي خلب وثأط حرمد
فالخلب الطين والثأط الحمأة والحرمد الأسود
قال ابن عبّاس كنت عند معاوية فقرأ (تغرب في عين حامية) فقلت ما نقرؤها إلّا {حمئة} فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها فقال كما قرأتها يا أمير المؤمنين قال ابن عبّاس فقلت في بيتي نزل القرآن فأرسل معاوية إلى كعب أين تجد الشّمس تغرب في التّوراة فقال أما العربيّة فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشّمس في التّوراة تغرب في ماء وطين أراد أنّها تغرب في عين ذات حمئة وهذا القول ليس ينفي قول من قرأها حامية إذا كان جائزا أن تكون العين الّتي تغرب الشّمس فيها حارة
[حجة القراءات: 429]
وقد تكون حارة وذات حمأة وطينة سوداء فتكون موصوفة بالحرارة وهي ذات حمأة). [حجة القراءات: 430]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (55- قوله: {في عين حمئة} قرأه ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي «حامية» على وزن «فاعلة» غير مهموز، وقرأه الباقون {حمئة} على وزن «فَعِلة» مهموزا.
وحجة من قرأ بغير همز أنه جعله اسم فاعل، فبناه على «فاعله» مشتقًا من «حمي يحمى» فهو في المعنى: في عين حارة، ويجوز أن تكون الياء بدلًا من همزة، فيكون «فاعلا» من الحمأة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: «أتدري أين تغرب هذه، يريد الشمس، فقال أبو ذر:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73]
الله ورسوله أعلم، فقال: إنها تغرب في عين حامية»، وروي عنه ابن عمر أنه نظر إلى الشمس حين غابت فقال: «في نار الله الحامية، لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض»، فيكون معنى الحامية الحارة على هذين الحديثين.
56- وحجة من قرأ بالهمز أنه جعله مشتقًا من «الحمأة» أي: ذات حمأة، وقد سأل معاوية كعبا فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: تغرب في ماء وطين، فهذا يدل على أنها من الحمأة، وهي الاختيار، لأن القراءتين قد ترجعان إلى أنهما من الحمأة، ولا ترجعان إلى أنهما من «حمي، يحمي» بمعنى لحارة، لأنه لا سبيل إلى الهمز في «فاعل» من «حمي يحمي» وأيضًا فإن القراءة بالهمز، لا تنافي القراءة بغير همز، قد تكون الشمس تغرب في عين حارة ذات حمأة، فيجتمع في ذلك المعنيان جميعًا، والقراءتان جمعيًا، وقد روى أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: «حمئة» بالهمز وبذلك قرأ ابن عباس، وكذلك قرأ علي رضي الله عنهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/74]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {حَمِئَةٍ} [آية/ 86] بالهمز من غير ألف:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أن {حَمِئَةٍ}، فعلة من الحمأة أي ذات حمأة كقولهم: أرض وبئة أي ذات وباء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم {حَامِيَةً} بالألف من غير همز، وهي فاعلة من حميت تحمى فهي حمامية أي حارة.
ويجوز أن تكون فاعلة من الحمأة أيضًا، خففت الهمزة فقلبت ياء محضة للكسرة التي قبلها). [الموضح: 797]

قوله تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)}

قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فله جزاءً الحسنى (88)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (جزاء الحسنى) مضافًا، وقرأ الباقون (جزاءً الحسنى) منونًا.
قال أبو منصور: من قرأ (جزاءً الحسنى) فالمعنى: فله الحسنى جزاء، و(جزاء) منصوبًا لأنه مصدر وضع موضع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيًّا بها جزاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/121]
ومن قرأ (جزاء الحسنى) أضاف (جزاء) إلى (الحسنى) ). [معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {فله جزاء الحسنى} [88].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {فله جزاء} بالنصب منونًا، فنصبه على ضربين:
على المصدر في موضع الحال، أي: فلهم الجنة مجزيون بها جزاء.
وقال آخرون: نصب على التمييز، وهذا فيه ضعف؛ لأن التمييز يقبح تقديمه كقوله: تفقأ زيد شحمًا، وتصبب عرقًا، وما في السماء موضع راحة سحابًا، وله دن خلا، ويقبح له خلا دن، فأما عرقا تصبب فما أجازه من النحويين إلا المازني.
وقرأ الباقون: {فله جزاء الحسنى} بالرفع والإضافة وشاهده قوله: {فلهم جزاء الضعف بما عملوا}. والحسنى هاهنا: الحسنات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/416]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله عز وجل: جزاء الحسنى [الكهف/ 88].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر (جزاء الحسنى) رفع مضافة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جزاء الحسنى منون منصوب.
قال أبو علي: من قرأ: (جزاء الحسنى)، كان المعنى: له جزاء الخلال الحسنى، لأن الإيمان والعمل الصالح خلال، فالتقدير:
المؤمن له جزاء الخلال الحسنة التي أتاها وعملها.
ومن قال: فله جزاء الحسنى فالمعنى: له الحسنى جزاء، أي: له الخلال الحسنى جزاء، فالجزاء مصدر واقع موقع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيّة، قال أبو الحسن: وهذا لا تكاد العرب تكلم به مقدّما إلا في الشعر). [الحجة للقراء السبعة: 5/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فله جزاء الحسنى}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فله جزاء الحسنى} منونا منصوبًا المعنى فله الحسنى جزاء وجزاء مصدر منصوب في موضع الحال والمعنى فله الحسنى مجزيا بها جزاء فالنصب على التّقديم والتّأخير
وقرأ الباقون {فله جزاء الحسنى} بالرّفع والإضافة فالحسنى على هذه القراءة تحتمل أن تكون الطّاعة المعنى فله جزاء إحسانه أي له جزاء الأعمال الحسنى ويحتمل أن يجعل {الحسنى} الجنّة ويكون الجزاء مضافا إليها وهو لاختلاف اللّفظين كما قال {لهو حق اليقين} و{ولدار الآخرة} يضاف الاسم إلى نفسه إذا اختلف لفظ المضاف والمضاف إليه وهو هو في الحقيقة). [حجة القراءات: 430]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {فله جزاء الحسنى} قرأ حفص وحمزة والكسائي بالنصب والتنوين، وقرأ الباقون بالرفع من غير تنوين.
وحجة من قرأ بالرفع أنه جعله مبتدأ و«له» الخبر، أي: فجزاء الخلال
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/74]
الحسنى له، ويجوز أن تكون {الحسنى} بدلًا من {جزاء} على أن {الحسنى} الجنة، ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين، وهما التنوين واللام من {الحسنى} فيكون المعنى: فله الجنة.
58- وحجة من نصب {جزاء} ونونه أنه جعل {الحسنى} مبتدأ و{له} الخبر، ونصب {جزاء} على أنه مصدر في موضع الحال، والتقدير: فله الحال الحسنى جزاء، وقيل: هو تفسير، وقيل: تمييز. واختار أبو عبيد نصب {جزاء} وتنوينه؛ لأنه تأوّل أن الحسنى الجنة، على معنى: فله الجنة جزاء، وتعقب عليه ابن قتيبة، فاختار الرفع بغير تنوين في «جزاء»، وقال: هو كقوله: له جزاء الخير، وقد قال الله: {فأولئك لهم جزاء الضعف} «سبأ 37» وضعّف النصب ابن قتيبة لتقديمه التفسير على المفسَّر، فهو بعيد جائز على بعده، والرفع بغير تنوين أحب إلي؛ لأنه أبين، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/75]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى} [آية/ 88] بنصب {جَزَاءً} وتنوينه:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أنه على تقدير: له الحسنى جزاءً، فالحسنى مبتدأ، والخبر الجار والمجرور الذي تقدم عليه وهو {لَهُ} ، و{جَزَاءً} مصدر واقع موقع الحال، والمعنى فله الحسنى مجزيا بها، و{الحُسْنَى}صفة، وموصوفها الخلال أو المكافأة، والتقدير فله الخلال الحسنى أو المكافأة الحسنى.
وقرأ الباقون{جَزَاءً الحُسْنَى}برفع{جَزَاءً}وإضافته.
[الموضح: 797]
والوجه أن {جَزَاءً} مبتدأ، و{لَهُ} خبره تقدم عليه، و{الحُسْنَى} مضاف إليها، وهي صفة الخلال أيضًا، وتقديره: فله جزاء الخلال الحسنى، والخلال ههنا الأعمال الصالحة، وفي القراءة الأولى أنواع الثواب). [الموضح: 798]

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأتبع سببًا (85)... ثمّ أتبع سببًا (89)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتّبع... ثمّ اتّبع) بتشديد التاء، موصولة، وقرأ الباقون (فأتبع... ثمّ أتبع) مقطوعةً ساكنةً، التاء خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور - من قرأ (فاتّبع) بتشديد التاء فمعناه: تبع.
ومن قرأ (فأتبع) مقطوعة الألف فمعناه: لحق، روى ذلك أبو عبيد عن الكسائي.
وقال الفراء: (أتبع) أحسن من (أتبع)؛ لأن معنى اتّبعت الرجل: إذا كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبعته فكأنك قفوته). [معاني القراءات وعللها: 2/121] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {ثم أتبع سببا} [89] {ثم أتبع سببا} [92].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو مشددًا.
وقرأ الباقون مخففًا، وهما لغتان: أفعل يفعل أتبع يتبع، وافتعل يفتعل أتبع يتبع، وفرق قوم بينهما فقالوا: اتبعته: سرت في أثره، وأتبعته: لحقته كقوله تعالى: {فاتبعه شهاب ثاقب}. وروى حسين عن أبي عمرو {وأتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} وتفسيره كتفسير ما ذكرت. والسبب: الطريق هنا، والسبب في غير هذا الحبل، والسبب: القرابة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {فأتبع}، {ثم أتبع}، {ثم أتبع} قرأ ذلك الكوفيون وابن عامر بقطع الألف، وإسكان التاء، مخففا في الثلاثة، وقرأ الباقون بوصل الألف والتشديد.
وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» مطاوع فعل «تبع»، فهو يتعدّى إلى مفعول واحد كـ «تبع»، وقد أجمعوا على ذلك في قوله: {واتبع الذين ظلموا} «هود 116»، و{أتبعوا ما تتلوا الشياطين}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
«البقرة 105» يقال: اتبعت القوم إذا أسرعت نحوهم وقد سبقوك وأتبعت القوم إذا ذهبت معهم، ولم يسبقوك، وتبعت القوم مثل ذلك.؟
54- وحجة من همز وخفف أنه بناه على «أفعل» منقول من «فعل» جعله يتعدّى إلى مفعولين، زاد مفعولا لدخول الهمزة، كما قال الله جل ذكره: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} «القصص 42» فأما قوله: {فأتبعوهم مشرقين} «الشعراء 60» فالمفعول الثاني محذوف، والتقدير: فأتبعوهم جنودهم مشرقين، ومثله في حذف المفعول قوله: {لينذر بأسًا شديدًا} «الكهف 2» أي: لينذركم، أو لينذر الناس بأسًا، أي: بيأس، ومثله قوله: {لا يكادون يفقهون قولا} «الكهف 93» في قراءة من ضم الياء، أي: لا يكادون يفقهون الناس قولا، وهو كثير، والتقدير في قراءة الهمز: فاتبع سببا سببا، أو اتبع أمره سببا، وقد أجمعوا على: {فأتبعه شهاب مبين} «الحجر 18» بالهمز، والتقدير: فأتبعه شهاب مبين الإحراق أو المنع للاسترقاق، والقراءتان متعادلتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)}

قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:18 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (92) إلى الآية (98) ]

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {ثم أتبع سببا} [89] {ثم أتبع سببا} [92].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو مشددًا.
وقرأ الباقون مخففًا، وهما لغتان: أفعل يفعل أتبع يتبع، وافتعل يفتعل أتبع يتبع، وفرق قوم بينهما فقالوا: اتبعته: سرت في أثره، وأتبعته: لحقته كقوله تعالى: {فاتبعه شهاب ثاقب}. وروى حسين عن أبي عمرو {وأتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} وتفسيره كتفسير ما ذكرت. والسبب: الطريق هنا، والسبب في غير هذا الحبل، والسبب: القرابة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)، بفتح السين - وقرآ في يس (وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا) بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في كل ذلك.
ويعقوب في أربعة المواضع.
وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي (بين السّدّين)، بضم السين في هذه وحدها، ويفتحان (بينهم سدًّا) و(من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا).
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغسّاني عن سلمة أنه سمع أبا عبيدة قال: (السّدّين) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللّه، وإن كان من فعل الآدميين فهو (سدّة) مفتوح.
[معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال: وقال الكسائي: (السّدّين) ضم السين ونصبها سواء السّد والسّد، و(جعلنا من بين أيديهم سدًّا) و(سدًّا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/123] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يكادون يفقهون قولًا (93)
قرأ حمزة والكسائي (يفقهون) بضم الياء وكسر القاف، وقرأ الباقون (يفقهون)، بفتح الياء والقاف.
قال أبو منصور: من قرأ (لا يكادون يفقهون قولًا) فمعناه: لا يكادون يفقهون عنك.
ومن قرأ (يفقهون) فمعناه: لا يكادون يفهمون غيرهم إذا نطقوا، والفقيه معناه - العالم). [معاني القراءات وعللها: 2/123]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {بين السدين} [93] و{بينهم سدا} [94] {ومن خلفهم سدا}.
فقال أبو عمرو: السد في العين، والسد: الحاجز بينك وبين الشيء. وقال حجاج عن هارون عن أيوب عن عكرمة قال: كل ما كان من صنع الله فهو السد، وما كان من صنع بني آدم فهو سد. وكان ذو القرنين عمد إلى الحديد فجعله أطباقًا وجعل بينهما الفحم والحطب ووضع عليه الملاج، يعني: المفتاح {حتى إذا جعله نارا قال آتوني} أي: أعطوني {أفرغ عليه قطرا} [96]، والقطر: النحاس فصار جبل حديد مرتفعا {فما استطاعوا أن يظهروه} أي: يعلوه، {وما استطاعوا له نقبا} [97].
وروى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي {بين السدين} وفتحا الباقي.
وقرأ الباقون برفع ذلك كله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {لا يكادون يفقهون قولا} [93].
قرأ حمزة والكسائي {يفقهون} بضم الياء من أفقه يفقه.
وقرأ الباقون: {يفقهون} ومعناه: لا يفهمون، ومن ضم فمعناه: لا يبينون لغيرهم يقال: فقه يفقه وفقه يفقه وفقه يفقه مثل فهم يفهم. سمعت إبراهيم الطاهري يقول: المنافق إن فقه لم يفقه وإن نقه لم ينقه.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417]
وسمعت ابن مجاهد يقول: الاختيار الفتح؛ لأنك إذا ضممت الياء فقد حذفت مفعولاً والتقدير: لا يفقهون أحدًا قولاً). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/418]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله جل وعزّ: (بين السدين) [الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير: بين السدين بفتح السين، وبينهم سدا
[الحجة للقراء السبعة: 5/170]
[الكهف/ 94] بفتح السين أيضا، وقرأ في يس: (سدّا) و (سدّا) [9]، وأبو عمرو مثله. حفص عن عاصم بفتح ذلك كلّه.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر بضم السين في ذلك كلّه، وكذلك ابن عامر.
وقرأ حمزة والكسائي بضم (بين السّدين) وحدها، ويفتحان:
وبينهم سدا ومن بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا.
أبو عبيدة: كلّ شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سدّ، وما بناه الآدميون فهو سدّ، وقال غيره: هما لغتان بمعنى واحد، كالضّعف والضّعف، والفقر والفقر.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون السّد المصدر من سددته سدا، والسّد: المسدود في الأشياء التي يفصل فيها بين المصادر والأسماء نحو السّقي والسّقي، والطّحن والطّحن والشّرب والشّرب والقبض والقبض، فإذا كان ذلك كذلك، فالأشبه (بين السّدين) لأنه المسدود.
ويجوز فيمن فتح السّدين أن يجعله اسما للمسدود، نحو: نسج اليمن، وضرب الأمير تريد بهما: منسوجه ومضروبه، فأما ما في يس من قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا) [يس/ 9]، فمن ضم كان المعنى جعلنا بينهم مثل السّد والحاجز المانع من الرؤية، ومن فتح جعل السّد المسدود، قال أبو الحسن المفتوحة أكثر اللغتين). [الحجة للقراء السبعة: 5/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمها من قوله تعالى: يفقهون قولا [الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: (يفقهون قولا) بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي: يفقهون قولا بضم الياء، وكسر القاف.
لا يكادون يفقهون قولا أي: يعلمونه ولا يستنبطون من فحواه شيئا. ومن قال: (لا يكادون يفقهون) فإنّ فقهت فعل يتعدّى إلى مفعول واحد، تقول: فقهت السّنّة، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالمعنى فيمن ضم: لا يكادون يفقهون أحدا قولا، فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله: لينذر بأسا شديدا [الكهف/ 2] وكما حذف من قوله: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60]. وهذا النحو غير ضيّق). [الحجة للقراء السبعة: 5/172]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {بين السدين} و{وبينهم سدا} 94 بالفتح وفي يس {سدا} بالرّفع قال أبو عمرو السد الشّيء الحاجز بينك وبين الشّيء والسد في العين والعرب تقول بعينه سدة بالرّفع واستدلّ على ذلك بقوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}
[حجة القراءات: 430]
أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون طريق الهدى والحق
قرأ حمزة والكسائيّ {بين السدين} بالرّفع {وبينهم سدا} بالفتح وكذلك في يس
قال أبو عبيد كل شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سد بالضّمّ وما بناه الآدميون فهو سد بالفتح وكذا قال أيضا عكرمة فذهب حمزة والكسائيّ في قوله {أن تجعل بيننا وبينهم سدا} أنه من صنع النّاس وفي يس إلى المعنى وذلك أنه يجوز أن يكون الفتح فيهما على معنى المصدر الّذي صدر عن غير لفظ الفعل لأنّه لما قال {وجعلنا من بين أيديهم سدا} كأنّه قال وسددنا ثمّ أخرج المصدر على معنى الجعل إذا كان معلوما أنه لم يرد بقوله في يس {سدا} ما أريد به في قوله {بين السدين} لأنّهما جبلان وهي ها هنا عارض في العين
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر جميع ذلك بالرّفع وقرأ حفص جميع ذلك بالنّصب
وحجتهم أنّهما لغتان بمعنى واحد كالضعف والضعف والفقر والفقر
[حجة القراءات: 431]
قرأ حمزة والكسائيّ {لا يكادون يفقهون} بضم الياء أي لا يفقهون غيرهم إذا كلموهم تقول أفقهني ما تقول أي أفهمني
وقرأ الباقون {لا يكادون يفقهون} بالفتح أي لا يفهمون ما يقال لهم كما تقول كلمته ولم يفقه أي لم يفهم
واعلم أن فقهت فعل يتعدّى إلى مفعول تقول فقهت السّنة فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين فالمعنى فيمن ضم لا يكادون يفقهون أحدا قولا فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله {لينذر بأسا شديدا} ). [حجة القراءات: 432]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (59- قوله: {السدين}، و{سدا} قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر «سُدُا» بالضم، وفتح الباقون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {السدين} بالفتح، وضم الباقون، وقرأ حفص وحمزة والكسائي في يس: {سدا} «9» بالفتح في الموضعين، وضمهما الباقون، وهما لغتان كالضعف والضُعف، والفَقر والفُقر، وقال أبو عبيد: كل شيء من فعل الله جل ذكره كالجبال والشعاب، فهو «سُدّ» بالضم، وما بناه الآدميون فهو «سدّ» بالفتح، وهذا القول من قول عكرمة وقول أبي عبيدة وقطرب، وحكى الفراء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/75]
عن المشيخة نحوه، ويكون «السدين» بالضم؛ لأنه من فعل الله جل ذكره، ويكون {سدا} في هذه بالفتح، لأنه من فعل الآدميين، ويكون «سدا» في يس بالضم، لأنه من فعل الله جل ذكره على هذا التفسير، وقيل: السد بالفتح المصدر، والسد بضم السين الشيء المسدود. وقال اليزيدي: السد بالفتح، الحاجز بينك وبين الشيء، والسُّد بالضم في العين، وكان أبو عمرو يذهب إلى أن الضم والفتح بمعنى الحاجز، لغتان في هذه السورة، وذهب في يس إلى أن الضم بمعنى «سدة العين» تقول العرب: بعينيه سدة، وهما لغتان عند الكسائي بالزَّعم والزُّعم. وقيل: الفتح يُراد به المصدر، والضم يراد به الاسم كالغُرفة والغَرفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (60- قوله: {يفقهون قولا} قرأه حمزة والكسائي بضم الياء، وكسر القاف، وقرأ الباقون بفتح الياء والقاف.
وحجة من قرأ بالضم أنه جعل الفعل رباعيًا، فعدّاه إلى مفعولين، أحدهما محذوف، والتقدير: لا يكادون يفقهون الناس قولا، أو يفقهون أحدًا قولا، أي: لا يفهم كلامهم، فهم لا يفهمون الناس كلامهم، جعل الفعل لهم متعديا إلى غيرهم.
61- وحجة من قرأ بفتح الياء أنه جعله فعلًا ثلاثيًا، يتعدى إلى مفعول واحد، وهو القول، يُقال: فقهت الشيء، وأفقهت زيدا الشيء، فالمعنى أنهم في أنفسهم لا يفقهون كلام أحد، ومعنى القراءة الأخرى لا يكادون يفقهون أحدًا كلامهم لعجمته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40-{بَيْنَ السَّدَّيْنِ}[آية/ 93] بفتح السين:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو، وكذلك{بَيْنَهُمْ سَدًا}، وقرءا في يس{سَدًا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًا}بضم السين.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم- ياش- ويعقوب بضم السين في الأحرف الأربعة.
عن عاصم بفتح السين في الأحرف الأربعة.
وقرأ حمزة والكسائي{بَيْنَ السَّدَّيْنِ}بضم السين، وفتح السين في الثلاثة.
والوجه أن السَد والسُد لغتان بمعنى واحد كالضَعف والضُعف والفقر والفقر.
وقال أبو عبيدة: كل شيء وجد من فعل الله تعالى كالجبال والشعاب فهو سُد بضم السين، وما بناه الآدميون فهو سَد بالفتح.
[الموضح: 798]
وقال الأخفش: السد بالفتح أكثر استعمالاً من السد بالضم.
وقال أبو علي: السد مصدر سددته سداً، والسد المسدود، كالأَكل والأُكل). [الموضح: 799]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41-{يَفْقَهُونَ قَوْلاً}[آية/ 93] بضم الياء وكسر القاف:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه من أفقه الذي نقل بالهمزة من فقه، يقال فقهت الشيء: فهمته، وأفقهته إياه أفهمته، فهو بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والمعنى لا يفقهون أحدا قولا.
وقرأ الباقون{يَفْقَهُونَ}بفتح الياء والقاف جميعًا.
والوجه أنه من فقهت القول إذا فهمت معناه، وأراد لا يفهمون معنى القول). [الموضح: 799]

قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)، بفتح السين - وقرآ في يس (وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا) بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في كل ذلك.
ويعقوب في أربعة المواضع.
وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي (بين السّدّين)، بضم السين في هذه وحدها، ويفتحان (بينهم سدًّا) و(من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا).
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغسّاني عن سلمة أنه سمع أبا عبيدة قال: (السّدّين) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللّه، وإن كان من فعل الآدميين فهو (سدّة) مفتوح.
[معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال: وقال الكسائي: (السّدّين) ضم السين ونصبها سواء السّد والسّد، و(جعلنا من بين أيديهم سدًّا) و(سدًّا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/123] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يأجوج ومأجوج (94)
قرأ عاصم وحده، (يأجوج ومأجوج) مهموزين، وفي الأنبياء مثله، والأعشى عن أبي بكر بغير همز في السورتين، وكذلك الباقون لا يهمزون.
قال أبو منصور: هما اسمان أعجميان لا ينصرفان لأنهما معرفه - وقال هذا أهل اللغة - من همز فكأنه من أجّة الحر، ومن قوله (ملحٌ أجاجٌ) للماء الشديد الملوحة - وأجة الحر توقده، ومنه: أججت النار.
فكأن التقدير في (يأجوج) - يفعول وفي (مأجوج): مفعول وجائز أن يكون ترك الهمز على هذا المعنى، ويجوز أن يكون مأجوج فاعولاً، وكذا يأجوج.
[معاني القراءات وعللها: 2/123]
وهذا لو كان الاسمان عربيين لكان هذا اشتقاقهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية). [معاني القراءات وعللها: 2/124]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فهل نجعل لك خراجًا (94)
(أم تسألهم خراجًا فخراج ربّك خيرٌ)
قرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالألف، وقرأهن ابن عامر كلهن بغير ألف، وقرأ الباقون (خرجًا) بغير ألف، (فخراج ربّك) بألفٍ.
قال أبو إسحاق النحوي: من قرأ (خرجًا) فالخرج: الفيء - والخراج: الضريبة.
والخراج عند النحويين: الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال. والخرج: المصدر.
وقال الفراء: الخراج: الاسم الأول - والخرج كالمصدر (إن خرج رأسك) كأنه الجعل.
كأنه خاص، والخراج العام). [معاني القراءات وعللها: 2/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {بين السدين} [93] و{بينهم سدا} [94] {ومن خلفهم سدا}.
فقال أبو عمرو: السد في العين، والسد: الحاجز بينك وبين الشيء. وقال حجاج عن هارون عن أيوب عن عكرمة قال: كل ما كان من صنع الله فهو السد، وما كان من صنع بني آدم فهو سد. وكان ذو القرنين عمد إلى الحديد فجعله أطباقًا وجعل بينهما الفحم والحطب ووضع عليه الملاج، يعني: المفتاح {حتى إذا جعله نارا قال آتوني} أي: أعطوني {أفرغ عليه قطرا} [96]، والقطر: النحاس فصار جبل حديد مرتفعا {فما استطاعوا أن يظهروه} أي: يعلوه، {وما استطاعوا له نقبا} [97].
وروى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي {بين السدين} وفتحا الباقي.
وقرأ الباقون برفع ذلك كله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {إن يأجوج ومأجوج مفسدون} [94].
قرأ عاصم وحده {يأجوج ومأجوج} بالهمز.
وقرأ الباقون بغير همز، فقال النحويون: هو الاختيار؛ لأن الأسماء الأعجمية سوى هذا الحر فغير مهموز نحو طالوت وجالوت وهاروت وماروت. وحجة من همز أن يأخذه من أجيج النار، ومن لامح الأجاج فيكون يفعولاً منه، هذا فيمن جعله عربيا وترك صرفه للتعريف؛ لأنها قبيلة.
والاختيار أن تقول: لو كان عربيًا لكان هذا اشتقاقه ولكن الأعجمي لا يُشتق قال رؤبة:
لو كان يأجوج ومأجوج معا
وعاد عاد واستجاشوا تبعا
فترك الصرف في الشعر كما هو في التنزيل. وجمع يأجوج يآجيج مثل يعقوب ويعاقيب، واليعقوب: ذكر الفتخ، والأنثى: الحجلة. وولد الفتح: السلك، والأنثى: السلكة، ومن ذلك قولهم: سليك بن السلكة. وقال الخليل رضي الله عنه: الذعفوفة: ولد الفتح والقهبي أبوه. ذكره في كتاب «العين».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/418]
ومن جعل يأجوج ومأجوج فاعولاً جمعه يواجيج بالواو، مثل هارون وهوارين وطاغوت وطواغيت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {خرجا} [94].
قرأ ابن عامر {خرجا}. وكذلك في (قد أفلح) {فخرج ربك}.
وقرأ حمزة والكسائي {خرجا} {فخرج ربك} والأمر بينهما قريب، لأن الخرج: الجعل، والخراج: الإتاوة والضريبة التي يأخذها السلطان من الناس كل سنة.
ومن قرأ {خرج ربك} فحجته أيضًا -: ما حدثني أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: رأيت في مصحف عثمان الذي يقال: إنه (الإمام) {أم تسئلهم خرجا} مكتوب بغير ألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز يأجوج ومأجوج [الكهف/ 94].
فقرأ عاصم وحده: يأجوج ومأجوج مهموز هاهنا، وفي سورة الأنبياء [96] أيضا. وقرأ الباقون بغير همز.
اعلم أنك إن جعلت (يأجوج) عربيّا فيمن همز فهو يفعول مثل يربوع، وهو من أجّ من قولك: هبّ له بأجّة، وليس من يأجج الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/172]
حكاه سيبويه، لأن الياء في يأجج فاء فالكلمة من ياء وهمزة وجيم وأظهر الجيم في يأجج لأنها للإلحاق كما أظهرت الدال في مهدد لذلك، ولو كان في العربية فعلول لأمكن أن يكون يأجوج فيمن همز فعلول من يأجوج، ومن لم يهمز فقال: يأجوج، أمكن أن يكون خفف الهمزة، فقلبها ألفا مثل رأس، فهو على قوله أيضا يفعول، فإن كانت الألف في يأجوج فيمن لم يهمز ليس على التخفيف، فإنه فاعول من ي ج ج، فإن جعلت الكلمة من هذا الأصل كانت الهمزة فيها كمن قال: سأق، ونحو ذلك مما جاء مهموزا ولم ينبغ أن يهمز، ويكون الامتناع من صرفه على هذا للتأنيث والتعريف، كأنه اسم للقبيلة كمجوس.
وأما (مأجوج) فيمن همز فمفعول من أجّ كما أن يأجوج يفعول منه، فالكلمتان على هذا من أصل واحد في الاشتقاق. ومن لم يهمز ماجوج كان ماجوج عنده فاعول من مجّ، كما كان يأجوج من يجّ، فالكلمتان على هذا من أصلين وليسا من أصل واحد، كما كانتا كذلك فيمن همزهما، ويكون ترك الصرف فيه أيضا للتأنيث والتعريف، وإن جعلتهما من العجمي فهذه التمثيلات لا تصح فيهما، وامتنعا من الصرف للعجمة والتعريف، وإنما تمثل هذه التمثيلات في العجمية ليعلم أنها لو كانت عربيّة لكانت على ما يذكرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جل وعز: خرجا [الكهف/ 94] فخراج ربك [المؤمنون/ 72].
[الحجة للقراء السبعة: 5/173]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: خرجا، وفي المؤمنين: خرجا بغير ألف. فخراج الأخير بألف.
وقرأ ابن عامر: خرجا بغير ألف، وفي المؤمنين خرجا بغير ألف، (فخرج ربّك) بغير ألف في الثلاثة.
وقرأ حمزة والكسائي ثلاثتهن بألف.
قال أبو علي: هل نجعل لك خرجا: أي: هل نجعل لك عطيّة نخرجها إليك من أموالنا، وكذلك قوله: أم تسألهم خرجا، أي: مالا يخرجونه إليك، فأما المضروب على الأرض فالخراج، وقد يجوز في غير ضرائب الأرض الخراج بدلالة قول العجاج:
يوم خراج يخرج الشمرّجا.
فهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين المفتتحة كأرض السواد، لأن ذلك لا يكاد يضاف إلى وقت من يوم وغيره، وإنما هو شيء مؤبد لا يتغير عما عليه من اللزوم للأرضين، ويدلّ على أن الخراج العطيّة منهم له، قوله في جوابه لهم: ما مكني فيه ربي خير [الكهف/ 95] كأن المعنى: ما مكنني فيه من الاتساع في الدنيا خيرٌ من خرجكم الذي بذلتموه لي، فأعينوني بقوّة دون الخراج الذي بذلتموه). [الحجة للقراء السبعة: 5/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا}
قرأ عاصم {إن يأجوج ومأجوج} بالهمز وفي الأنبياء مثله جعله من أجه الحر ومن قوله {ملح أجاج} وأجة الحر شدته وتوقده ومن هذا قولهم أججت النّار ويكون التّقدير في يأجوج
[حجة القراءات: 432]
يفعول نحو يربوع وفي مأجوج مفعول وامتنعا من الصّرف على هذا للتأنيث والتعريف كأنّه اسم القبيلة
وقرأ الباقون {يأجوج ومأجوج} ياجوج فاعول وماجوج فاعول أيضا الياء فاء الفعل
قال النحويون وهو الاختيار لأن الأسماء الأعجمية سوى هذا الحرف غير مهموزة نحو طالوت وجالوت وحاروت وماروت
قرأ حمزة والكسائيّ (فهل نجعل لك خراجا) بالألف وقرأ الباقون بغير ألف
قال الزّجاج الخرج الفيء والخراج الضريبة وقيل الجزية قال والخراج عند النّحويين الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال والخرج المصدر وقال غيره {خرجا} أي عطيّة نخرجه إليك من أموالنا وأما المضروب على الأرض فالخراج ويدل على العطيّة قوله في جوابه لهم {ما مكني فيه ربّي خير} ). [حجة القراءات: 433]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {أن يأجوج ومأجوج} همزها عاصم، ومثله في سورة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
الأنبياء، وقرأ ذلك كله الباقون بغير همز.
وحجة من همز أنه جعله عربيًا مشتقًا من «أجت النار» إذا استخرجت، أو من الأجاج، وهو المار المر، أو مِن الأجة، وهي شدة الحر، فيكون وزنه «يفعولا ومفعولا» كيربوع ومضروب.
63- وحجة من لم يهمز أنه يجوز أن يكون أصله الهمز على الاشتقاق الذي ذكرنا، ثم خفف همزه، ويجوز أن يكون لا أصل له في الهمز وهو عربي مشتق أيضًا، فإذا قدّر أن لا أصل له في الهمز كان «ياجوج» «فاعولا» من «يج» ذكره بعض أهل العلم، ولم يفسر «يج» ما هو، ويكون {مأجوج} إذا قدّرت أن لا أصل له في الهمز «فاعولا» أيضًا من «مج الماء» إذا ألقاه من فيه و«مج الشراب» كذلك، أو يكون مشتقًا من «مجاب العنب» وهو شرابه، ومن المجمجة وهي تخليط الكتاب، وامتنع صرفهما، وهما مشتقان للتأنيث والتعريف؛ لأنهما اسمان لقبيلتين كمجوس اسم للقبيلة، فإن جعلتهما في القراءتين أعجميين لم تقدر لهما اشتقاقًا، ويكون ممتنع الصرف فيهما للعجمة والتعريف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/77]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {خرجا} قرأ حمزة والكسائي «خراجا» بألف، وقرأ الباقون {خرجا} بغير ألف.
وحجة من قرأه بألف أنه جعله من «الخراج» الذي يُضرب على الأرض
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/77]
في كل عام، أي: فهل نجعل لك أجرة نؤديها إليك في كل وقت نتفق عليه، كالجزية على أن تبني بيننا وبينهم سدا، أي: حاجزا، فالخراج ما يؤدى في كل شهر أو في كل سنة.
65- وحجة من قرأ بغير ألف أنه جعله مصدر خرج، فهو الجُعل، كأنهم قالوا له: نجعل لك جُعْلا ندفعه إليك الساعة من أموالنا مرة واحدة، على أن تبني بيننا وبينهم سدا، فالخراج بألف ما يؤدى على النجوم كالأكرية والجزية، والخرج ما يؤدى في مرة واحدة، والاختيار ما عليه الجماعة، لأنهم إنما عرضوا عليه أن يعطوه أجرة وعطية من أموالهم مرة واحدة معروفة على بُنيانه، لم يعرضوا عليه أن يعطوه جزية على رؤوسهم منجمة في كل عام، واختار أبو عبيد «خراجا» بألف، وتعقّب عليه ابن قتيبة، فاختار {خرجا} بغير ألف، قال: لأن الخرج الجُعل، فهم إنما عرضوا عليه جُعلا من أموالهم يعطونه إياه على بنيانه السد في مرة واحدة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/78]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42-{يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ}[آية/ 94] بالهمز فيهما:
قرأها عاصم وحده، وكذلك في الأنبياء{فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ}بالهمز.
والوجه أنهما على هذه القراءة عربيتان، فيأجوج على هذا يفعول كيربوع،
ومأجوج مفعول، وهما جميعًا من أج الظليم إذا أسرع، فهما من أصل
[الموضح: 799]
واحد، وأنهما لا ينصرفان للتعريف والتأنيث، فإن كل واحد منهما علم لقبيلة كمجوس، قال الشاعر:
86- كنار مجوس تستعر استعارا
وقرأ الباقون{يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ}بغيرهمز في السورتين.
والوجه أنه يجوز أن يكون أصلهما الهمز، وهما على ما سبق، لكن الهمزة خففت بأن قلبت ألفا كراس، وأصله رأس بالهمز.
ويجوز أن يكون ياجوج فاعولا من ي ج ج، وماجوج فاعول أيضًا من م ج ج، فهما حينئذ من أصلين مختلفين، وترك صرفهما للتعريف والتأنيث أيضًا.
وأما إذا جُعِلا أعجميين فإنهما لا ينصرفان للعجمة والتعريف، والأظهر أن يكونا أعجميين، فلا يشتقان ولا يوزنان). [الموضح: 800]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43-{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا}[آية/ 94] بالألف:
[الموضح: 800]
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في المؤمنين{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا}.
والوجه أن الخارج هو الي يضرب على الأرضين، وقد يكون أيضًا للعطية يخرجها الإنسان من ماله فيجعلها لغيره، والخارج أيضًا الجزية.
وقرأ الباقون{خَرْجًا}بغير ألف في السورتين.
وكلهم قرأ في المؤمنين فَخَرَاجُ رَبِّكَ}بالألف، غير ابن عامر فإنه قرأ{فَخَرَجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}بغير ألف.
والوجه أن الخرج هو الجعل، وقيل العطية، وقيل الخراج الاسم، والخرج المصدر). [الموضح: 801]

قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما مكّنّي فيه (95)
[معاني القراءات وعللها: 2/124]
قرأ ابن كثير وحده (ما مكنني) بنونين، وقرأ الباقون (ما مكّنّي) بنون واحدة مشددة.
قال الفراء: (ما مكّنّي) أدغمت نونه في النون التي بعدها، وقد قرئ بإظهارها، وهو الأصل). [معاني القراءات وعللها: 2/125]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ردمًا (95) آتوني)
قرأ أبو بكر عن عاصم (ردمًا ائتوني) بكسر التنوين، ووصل الألف، على جيئوني، هذه رواية يحيى وحسين عن أبي بكر.
وروى الأعشى عن أبي بكر (ردمًا آتوني) وكذلك قرأ الباقون بالمد.
ومثله (قال آتوني أفرغ) بقطع الألف.
وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قال ائتوني) مقصورة، ونصبا (قطرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي: أعطوني.
إذا طولت الألف، "ومثله: (آتنا غداءنا).
قال: وإذا لم تطول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز.
قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين: يكون مثل قوله: أخذت بالخطام، وأخذت الخطام.
قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتوني)، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية). [معاني القراءات وعللها: 2/125] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {ما مكني يه ربي خير} [95].
قرأ ابن كثير وحده {ما مكنني} بنونين، لام الأولى لأم الفعل أصلية، والثانية مع الياء في موضع نصب فأظهرهما ابن كثير على الأصل.
وقرأ الباقون {ما مكني} مشددًا فأدغموا إرادة للاختصار والإيجاز، و{ما} بمعنى الذي وصلته {مكني} و{خير}. خبر الابتداء، ومعناه: الذي مكني فيه ربي خير، وليست جحدًا، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» بالرفع. والرافضة تقف به «ما تركنا صدقة». فأخطأوا الإعراب والدين جميعًا. وناظرني بعض الرافقة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
«ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه» فقال: ما الثانية جحد مثل الأولى، أي: لم ينفعني مال أبي بكر؟! فقلت له: إن قلة معرفتك بالعربية قد أدتك إلى الكفر، وإنما «ما» الثانية بمعنى «الذي» وتلخيصه لم ينفعني مال كما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه. وهذا واضح جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/420]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: ردما، آتوني [الكهف/ 95، 96] ممدودا غير عاصم فيما حدّثني به إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي عن أبيه عن
[الحجة للقراء السبعة: 5/174]
يحيى عن أبي بكر عن عاصم: (ردما ائتوني) بكسر النوين.
وحدّثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (ردما. ءاتوني) بكسر النوين على معنى جيئوني. وحدّثني.
موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم:
(ردما ءاتوني) مثله، على جيئوني.
وروى حفص عن عاصم: ردما آتوني مثل أبي عمرو.
حجة من قرأ ردما ءاتوني أن (ائتوني) أشبه بقوله: فأعينوني بقوة [الكهف/ 95] لأنه كلّفهم المعونة على عمل السد، ولم يقبل الخراج الذي بذلوه. فقوله: (ءاتوني) الذي معناه: جيئوني، إنما هو معونة على ما كلّفهم من قوله: فأعينوني بقوة.
وأما آتوني فمعناه: أعطوني، وأعطوني يجوز أن يكون على المشاركة، ويجوز أن يكون على الاتهاب.
أخبرنا أبو الحسن عبد الله بن الحسين، أن ابن سماعة روى عنه محمد في رجل كان عنده ثوب لرجل، فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك، قال: هو صدقة، فإن لم يكن الثوب عنده ولكن عند ربّ الثوب فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك قال: هو عارية.
وقولهم: آتوني مثل أعطوني في المعنى، وقد احتمل أعطوني الوجهين، وكذلك يحتملها آتوني. وائتوني لا يحتمل إلا جيئوني،
[الحجة للقراء السبعة: 5/175]
فائتوني المقصورة هاهنا أحسن لاختصاصه بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عين، والعطيّة قد تكون هبة، قال:
ومنّا الذي أعطى الرسول عطيّة... أسارى تميم والعيون دوامع
فالعطية تجري مجرى الهبة لهم والإنعام عليهم في فك الأسير، وقد يكون بمعنى المناولة.
ووجه قول من قرأ: آتونى أنه لم يرد بآتوني: العطيّة والهبة، ولكن تكليف المناولة بالأنفس، كما كان قراءة من قرأ: (ائتونى) لا يصرف إلى استدعاء تمليك عين بهبة ولا بغيرها، وأمّا انتصاب (زبر الحديد) فإنك تقول: أتيتك بدرهم، وقال:
أتيت بعبد الله في القد موثقا... فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر
فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بحرف الجر، ثم يجوز أن يحذف الحرف اتساعا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حدّ:
أمرتك الخير.. ونحوه). [الحجة للقراء السبعة: 5/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وحد: (ما مكنني) [الكهف/ 95] بنونين، وكذلك هي في مصاحف أهل مكّة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/176]
وقرأ الباقون ما مكني مدغم.
قال أبو زيد: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء، وقد مكن مكانة. قال أبو علي: مكن فعل غير متعد كشرف وعظم، فإذا ضعّفت العين عديته بذلك كقولك: شرّفته وعظمته، فقول ابن كثير: مكنني يكون منقولا من مكن، وكذلك قول الباقين، فأما إظهار المثلين في مكّنني فلأن الثاني منهما غير لازم، لأنك قد تقول: مكّنك ومكّنه فلا تلزم النون، فلما لم تلزم لم يعتد بها، كما أن التاء في اقتتلوا كذلك، ومن أدغم لم ينزله منزلة ما لا يلزم، فأدغم، كما أن من قرأ: قتّلوا في: اقتتلوا كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/177]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ما مكني فيه ربّي خير فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و96
قرأ ابن كثير (ما مكنني فيه ربّي خير) بنونين إنّما أظهر النونين لأنّهما من كلمتين الأولى لام الفعل أصليّة والثّانية تدخل مع الاسم لتسلم فتحة النّون الأولى والنّون الثّانية مع الياء في موضع نصب
[حجة القراءات: 433]
وقرأ الباقون {مكني} بالتّشديد أدغموا النّون في النّون لاجتماعهما وما بمعنى الّذي وصلته {مكني} و{خير} خبر الابتداء المعنى الّذي مكني فيه ربّي خير لي ما يجمعون لي من الخراج
قرأ أبو بكر (ردما ايتوني) بوصل الألف جعله من الإتيان أي جيئوني يقال أتيته أي جئته والعرب تقول خذ بالخطام وخذ الخطام وحجته في قوله (ردما ايتوني) لأن إيتوتي أشبه بقوله فأعينوني لأنّه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الّذي بذلوه له فقوله (إيتوني) معناه جيئوني بما هو معونة على ما يفهم من قوله {فأعينوني بقوّة}
وقرأ الباقون {آتوني} ممدودة أي أعطوني والأصل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين
قرأ أبو بكر {بين الصدفين} بإسكان الدّال وضم الصّاد كأنّه استثقل الضمتين وسكن الدّال
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصدفين} بضم الصّاد والدّال وقرأ الباقون بفتح الصّاد والدّال وهما لغتان
قرأ حمزة وأبو بكر (قال إيتوني قطرا) أي جيئوني به وقرأ الباقون {آتوني} أي أعطوني
[حجة القراءات: 434]
قال أبو عمرو كيف يقول لهم جيئوني وهم معه يكلمونه ويخاصمونه). [حجة القراءات: 435] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (66- قوله: {ما مكنني} قرأه ابن كثير بنونين ظاهرتين على أصله، وخف عليه ذلك لتحركهما، ولأن الثاني من المثلين غير لازم، فحسن الإظهار، كما قالوا: اقتتلوا، وهي في مصاحف المكيين بنونين في الخط، والفعل منه الثلاثي «مكن» غير متعد، فلما ثقل بالتضعيف تعدّى إلى مفعول، وهو الياء، وقرأ الباقون بنون مشددة على إدغام استخفافًا، لاجتماع مثلين متحركين في كلمة، وكذلك هي في أكثر المصاحف بنون واحدة، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/78]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44-{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ}[آية/ 95] بنونين:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه أجراه على الأصل وترك الإدغام، ولم يعتد باجتماع النونين؛ لأن الثانية غير لازمة، ألا ترى أنك تقول مكنه ومكنك، فلا تثبت هذه النون الثانية.
وقرأ الباقون{مَكَّنِّي}بنون واحدة مشددة.
والوجه أنه لما اجتمعت النونان في مكنني، أدغم إحداهما في الأخرى، كما أنه لما اجتمع المثلان في{اقْتَتَلُوا}وهما التاءان أدغم إحداهما في
[الموضح: 801]
الأخرى فقالوا{قُتِلُوا} ). [الموضح: 802]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45-{رَدْمًا * آتُونِي}[آية/ 95 و96] بكسر التنوين موصولة الألف:
قرأها عاصم- ياش-، واختلف عنه فيها.
والوجه أن معنى إئتوني جيئوني، والباء محذوف من المفعول به وهو{زُبَرَ الحَدِيدِ}.
والتقدير: جيئوني بزبر الحديد، كما تقول أمرتك الخير أي بالخير، وإنما اختار هذا عدولاً عن لفظ الايتاء الذي هو إعطاء؛ لأنه ما كلفهم إلا المعاونة بالنفوس ولم يطلب منهم المال حين قال{مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، فلهذا عدل عن لفظ الإيتاء إلى هذا اللفظ؛ لأن المجيء بالشيء لا يتضمن الإعطاء والهبة.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم{آتُونِي}بمد الألف.
والوجه أن المعنى أعطوني، و{زُبَرَ الحَدِيدِ}منصوب على أنه مفعول به، والإيتاء ههنا ينصرف إلى معنى المناولة لا إلى معنى الإعطاء والهبة، لما قدمنا من أنه لم يكلفهم العطية). [الموضح: 802] (م)

قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ردمًا (95) آتوني)
قرأ أبو بكر عن عاصم (ردمًا ائتوني) بكسر التنوين، ووصل الألف، على جيئوني، هذه رواية يحيى وحسين عن أبي بكر.
وروى الأعشى عن أبي بكر (ردمًا آتوني) وكذلك قرأ الباقون بالمد.
ومثله (قال آتوني أفرغ) بقطع الألف.
وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قال ائتوني) مقصورة، ونصبا (قطرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي: أعطوني.
إذا طولت الألف، "ومثله: (آتنا غداءنا).
قال: وإذا لم تطول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز.
قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين: يكون مثل قوله: أخذت بالخطام، وأخذت الخطام.
قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتوني)، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية). [معاني القراءات وعللها: 2/125] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (بين الصّدفين (96)
[معاني القراءات وعللها: 2/125]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي (بين الصّدفين) بضم الصاد والدال، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي (الصّدفين) بفتح الصاد والدال، وقرأ أبو بكر عن عاصم (الصّدفين) بضم الصاد وسكون الدال.
قال أبو منصور: من سكّن الدال خفف الضمتين، كما يقول: الصّحف والصّحف والرسل والرسل.
والصّدفان والصّدفان: ناحيتا جبلين بينهما طريق.
فناحيتاهما يتقابلان.
وصادفت فلانًا، إذا قابلته.
والصّدف والصّدفة: الجانب والناحية). [معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال آتوني)
قرأ حمزة (قال ائتوني) قصرًا.
وقد روي عن يحيى عن أبي بكر مثل قراءة حمزة.
وقرأ الباقون (قال آتوني). وكذلك قرئت على أصحاب عاصم بالمدّ). [معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {حتى إذا ساوى بين الصدفين} [96].
قرأ عاصم برواية ابن [ذكوان] {الصدفين} بإسكان الدال وضم الصاد ومعناه: بين الجبلين، قال الشاعر:
قد أخذت ما بين عرض الصدفين
ناحيتيها وأعالي الركنيين
وقرأ أبو عمرو وابن كثير: {الصدفين} بضمتين جعلهما لغتين مثل السُّحْتِ والسُّحُتِ والرُّعْبِ والرُّعُبِ.
وقرأ الباقون: {بين الصدفين} بفتح الصاد والدال، وأحدهما صدف. فمن قرأ بهذه القراءة فحجته: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي» وفي حديث آخر: «كان إذا مر بطربال مائل أسرع المشي» أي: حائط). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/420]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {ءاتوني أفرغ عليه} [96].
قرأ عاصم وحمزة: {قال إيتوني} قصرًا من غير مد جعلاه من باب جيئوني، يقال: أتيته: جئته، وآتيته: أعطيته، وكذلك قرأ الباقون: آتوني: أعطوني، والأصل أيتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/421]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: بين الصدفين [الكهف/ 96].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (الصدفين) بضم الصاد والدال.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الصدفين بفتح الصاد والدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (الصدفين) بضم الصاد وتسكين الدال. وروى حفص عن عاصم: الصدفين بفتحتين.
هذه لغات في الكلمة فاشية زعموا. وقال أبو عبيدة: الصدفان: جانبا الجبل). [الحجة للقراء السبعة: 5/177]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه [الكهف/ 96] فقرأ
[الحجة للقراء السبعة: 5/177]
ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي قال آتوني أفرغ ممدودا، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة (قال ائتوني) قصرا.
وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قال: آتوني ممدودة. حفص عن عاصم قال: آتوني ممدودة.
قال أبو على: أما قراءة من قرأ (ائتوني أفرغ عليه قطرا) فمعناه: جيئوني به، واللفظ على إيصال الفعل إلى المفعول الثاني بالحرف، كما كان قوله: (ائتوني زبر الحديد) كذلك، إلا أنه أعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لكان: (ائتوني أفرغه عليه قطرا)، إلا أن تقدير الفعل أن يصل إلى المفعول الثاني، بلا حرف كما كان كذلك في قوله: (ائتوني زبر الحديد)، وجميع ما مرّ بنا في التنزيل من هذا النحو إنما هو على إعمال الثاني كما يختاره سيبويه، فمنه قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء/ 176] ومنه قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19].
ووجه من قال: آتوني أفرغ عليه قطرا أن المعنى: ناولوني قطرا أفرغه عليه، إلا أنه أعمل الثاني من الفعلين كما أعمل الثاني في قصر ائتوني). [الحجة للقراء السبعة: 5/178]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ فما اسطاعوا [الكهف/ 96] بتخفيف الطاء غير حمزة فإنه قرأ (فما استطاعوا) يريد: فما استطاعوا، ثم يدغم التاء في الطاء، قال: وهذا غير جائز لأنه قد جمع بين السين وهي ساكنة والتاء المدغمة وهي ساكنة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/178]
قالوا: طاع يطوع، فلم يتعدّ الفعل منه، فإذا أريد تعديته ألحقت الهمزة فقالوا: أطعت زيدا، قال: وأطيعوا الله ورسوله [الأنفال/ 1] وقالوا أيضا: اسطاع يسطيع في معنى أطاع يطيع، وقولهم: أسطاع أفعل، وإنما ألحقت السين البناء لنقل الحركة إلى الفاء وتهيئة الكلمة بنقل الحركة فيها للحذف، ألا ترى أنها هيأت الكلمة للحذف منها في نحو لم يسطع، ومثل السين في ذلك الهاء في قول من قال: أهراق يهريق. فالهاء في أنها عوض مثل السين في اسطاع، وليس هذا العوض بلازم، ألا ترى أنّ ما كان نحوه لم يلزم هذا العوض. وقالوا أيضا: استطاع يستطيع، وفي التنزيل: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112] فهذا استفعل، وكأن استفعل في ذلك جاء في معنى أفعل، كما أنّ استجاب في معنى أجاب في نحو:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب وحذفوا من الكلمة التاء المزيدة مع السين فقالوا: اسطاع يسطيع، وفي التنزيل: فما استطاعوا أن يظهروه وهو قراءة الجمهور، لما اجتمعت المتقاربة أحبّوا التخفيف بالإدغام كما أحبّوا ذلك في الأمثال، فلمّا لم يسغ التخفيف بالإدغام لتحريك ما لم يتحرك في موضع عدل عنه إلى الحذف، كما أنه لما اجتمع المثلان في قولهم: علماء بنو فلان، يريدون: على الماء، ولم يسغ إدغام الأولى في الثانية وإن كانت تتحرك بحركة الهمزة في نحو قولهم: الحمر، حذفوا الأول من المثلين لما كان الإدغام يؤدي إلى تحريك ما تكره الحركة فيه فأما تحريكه بحركة الهمزة فهي في هذا التحريك في نية السكون
[الحجة للقراء السبعة: 5/179]
يدلّك على ذلك تقدير همزة الوصل مع تحرّك اللام، فقالوا: علماء بنو فلان، فحذفوا الأول من المثلين حيث لم يتجه الإدغام، وهذا أولى من قولهم، اسطاع، لأن هذه السين لم تتحرك في موضع من الحركات كما تحركت اللام، فهذا استفعل بمنزلة أفعل وأجروا المتقاربين في هذا مجرى المثلين، فقالوا: بلعنبر، لما كانت النون مقاربة اللام، وكانت تدغم فيها في نحو: من لك، أريد إدغامها في هذا الموضع أيضا، فلما لم يسغ ذلك عندهم خففوا بالحذف كما خففوا به في المثلين، ولغة أخرى خامسة في الكلمة، وهي أن بعضهم قال في:
يسطيع: يستيع، فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه أبدل من الطاء التي هي فاءٌ التاء ليقربها من الحرف الذي قبلها، فأبدل التاء لتوافق السين في الهمس، كما أبدل الدال من التاء في نحو: ازدان ليوافق ما قبله في الجهر، والآخر: أن يكون حذف الطاء لما لم يستقم إدغام ما قبلها في المتقارب منها، كما حذف المثل والمتقارب من: علماء بنو فلان، وبلعنبر، ويكون هذا في أنه حذف من الكلمة الأصل للتخفيف، بمنزلة قولهم: تقيت، ألا ترى أنه في الأصل: اتّقى، فحذف الفاء التي هي في الأصل واو، فلما حذفها سقطت همزة الوصل المجتلبة لسكون الفاء فبقي تقيت على فعلت، فإن قلت: فلم لا يكون على أنه أبدل من الفاء التي هي واو التاء، كما أبدل من تيقور وتولج ونحو ذلك، ولا يكون على ما ذكرت من حذفه الفاء من افتعلت، فالدليل
[الحجة للقراء السبعة: 5/180]
على أن الحذف من افتعلت وليس على حد ما ذكرت قولهم في المضارع: يتقي ولو كان على الحد الآخر لسكن ما بعد حرف المضارعة وأنشدنا:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة ومثل تقديره الفاء التي هي طاء من يستيع، تقدير حذف التاء من قولهم: استخد فلان ما لا، يجوز أن يكون: استتخد، فحذف الفاء لاجتماع حروف متماثلة، فحذفت التاء التي هي فاء، كما حذفت الفاء في يستيع، وإنما هو يستطيع، ويجوز أن يكون: استخذ اتخذ، فأبدل السين من التاء لاجتماعهما في الهمس ومقاربة المخرج، وأبدلت السين من التاء، كما أبدلت التاء من السين في قولهم: طست. قال العجاج:
أأن رأيت هامتي كالطّست والأصل السين، يدل على ذلك أن أبا عثمان أنشد:
لو عرضت لأيبليّ قسّ
أشعث في هيكله مندسّ... حنّ إليها كحنين الطسّ
فأمّا قول حمزة: فما اسطاعوا أن يظهروه فإنما هو على إدغام التاء في الطاء ولم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك، ولكن
[الحجة للقراء السبعة: 5/181]
أدغم مع أنّ الساكن الذي قبل المدغم ليس حرف مدّ، وقد قرأت القراء غير حرف من هذا النحو، وقد قدّمنا ذكر وجه هذا النحو، ومما يؤكّد ذلك أن سيبويه أنشد:
كأنّه بعد كلال الزاجر... ومسحي مرّ عقاب كاسر
والحذف في: ما استطاعوا، والإثبات في ما استطاعوا، كلّ واحد منهما أحسن من الإدغام على هذا الوجه). [الحجة للقراء السبعة: 5/182]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الماجشون: [الصَّدُفَيْنِ]، بفتح الصاد، وضم الدال.
قال أبو الفتح: فيها لغات: صَدَفَانِ، وصُدُفَانِ، وصُدْفَانِ، وصَدُفَانِ. وقد قرئ بجميعها، إلا أنهما الجبلان المتقابلان، فكأن أحدهما صادف صاحبه، ولذلك لا يقال ذلك لما انفرد بنفسه عن أن يلاقي مثله من الجبال). [المحتسب: 2/34]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ما مكني فيه ربّي خير فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و96
قرأ ابن كثير (ما مكنني فيه ربّي خير) بنونين إنّما أظهر النونين لأنّهما من كلمتين الأولى لام الفعل أصليّة والثّانية تدخل مع الاسم لتسلم فتحة النّون الأولى والنّون الثّانية مع الياء في موضع نصب
[حجة القراءات: 433]
وقرأ الباقون {مكني} بالتّشديد أدغموا النّون في النّون لاجتماعهما وما بمعنى الّذي وصلته {مكني} و{خير} خبر الابتداء المعنى الّذي مكني فيه ربّي خير لي ما يجمعون لي من الخراج
قرأ أبو بكر (ردما ايتوني) بوصل الألف جعله من الإتيان أي جيئوني يقال أتيته أي جئته والعرب تقول خذ بالخطام وخذ الخطام وحجته في قوله (ردما ايتوني) لأن إيتوتي أشبه بقوله فأعينوني لأنّه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الّذي بذلوه له فقوله (إيتوني) معناه جيئوني بما هو معونة على ما يفهم من قوله {فأعينوني بقوّة}
وقرأ الباقون {آتوني} ممدودة أي أعطوني والأصل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين
قرأ أبو بكر {بين الصدفين} بإسكان الدّال وضم الصّاد كأنّه استثقل الضمتين وسكن الدّال
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصدفين} بضم الصّاد والدّال وقرأ الباقون بفتح الصّاد والدّال وهما لغتان
قرأ حمزة وأبو بكر (قال إيتوني قطرا) أي جيئوني به وقرأ الباقون {آتوني} أي أعطوني
[حجة القراءات: 434]
قال أبو عمرو كيف يقول لهم جيئوني وهم معه يكلمونه ويخاصمونه). [حجة القراءات: 435] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {الصدفين} قرأ أبو بكر بإسكان الدال وضم الصاد، وقرأه أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بضم الصاد والدال، وقرأ الباقون بفتحهما جميعًا وكلها لغات مشهورة، والصدف الجبل والصدفان الجبلان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/79]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {ردمًا. آتوني} {وقال ائتوني} قرأ حمزة {قال ائتوني} بهمزة ساكنة من غير مد، وروي عن أبي بكر في {ردمًا آتوني}، وفي {قال آتوني} المد وترك المد، وبالوجهين قرأتُ له فيهما، والمد هو اختيار ابن مجاهد له، فإذا لم يمد في {ردمًا آتوني} كسر التنوين لسكونه وسكون الهمزة بعده، والألف في هذين الحرفين في قراءة حمزة، وأحد القولين عن أبي بكر، ألف وصل، تُبتدأ بالكسر، وقرأ الباقون في الحرفين بهمزة مفتوحة وبالمد، غير أن ورشًا يُلقي حركة الهمزة على التنوين في {ردمًا آتوني} على أصله.
وحجة من قرأ بغير مد فيهما أنه جعلهما من باب المجيء، فلم يُعدهما إلى مفعول، وهو ضمير المتكلم في {آتوني} ويكون {زبر الحديد} غير معدى إليه {آتوني} إلا بحرف جر مضمر، تقديره: آتوني بزبر الحديد، فلما حذف الحرف تعدّى، كما قال: أمرتك الخير على معنى: أمرتك بالخير، وفيه بعد قليل لأنه إنما أكثر ما يأتي هذا في الشعر.
69- وحجة من مد الكلمتين وفتح الهمزة أنه جعلهما من باب الإعطاء، فعدّى كل واحد إلى مفعولين: الأول ضمير المتكلم، والثاني {زبر الحديد} في {ردمًا آتوني}، والثاني في «قال آتوني أفرغ قطرا»، عدّاه إليه في المعنى لا في اللفظ، لأن الناصب لـ «قطر» في اللفظ {أفرغ} لأنه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/79]
أقرب إليه، ولو عدّى إليه {آتوني} لقال: قال آتوني أفرغه عليه قطرا، لأن تقديره: آتوني قطرا أفرغ عليه، وهو باب إعمال أحد الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر، فالاختيار فيه المد وهمزة مفتوحة، على معنى «أعطوني» لأن عليه الجماعة، ولأنه لو كان من باب المجيء لوجب أن تثبت الياء في الخط في {آتوني}، وليس في الخط فيه ياء في الموضعين، فدل على أنه من باب الإعطاء، وإنما يجب أن يكون فيه، في الخط ياء قبل التاء إذا كان من باب المجيء؛ لأن الخط مبني على لفظ الابتداء ولابد في الابتداء قبل التاء إذا كان من باب المجيء لأنها عوض عن الهمزة الساكنة، ألا ترى كيف تثبت الياء في {لقاءنا ائت} «يونس 15» في الخط وليس في اللفظ في الوصل ياء، وتثبت الواو في الخط في {الذي أؤتمن} «البقرة 283» وليس في اللفظ في الوصل واو، وإنما ذلك لأن الابتداء فيه ياء وواو لعلة يطول ذكرها، فافهمه، فإنه مشكل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/80]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45-{رَدْمًا * آتُونِي}[آية/ 95 و96] بكسر التنوين موصولة الألف:
قرأها عاصم- ياش-، واختلف عنه فيها.
والوجه أن معنى إئتوني جيئوني، والباء محذوف من المفعول به وهو{زُبَرَ الحَدِيدِ}.
والتقدير: جيئوني بزبر الحديد، كما تقول أمرتك الخير أي بالخير، وإنما اختار هذا عدولاً عن لفظ الايتاء الذي هو إعطاء؛ لأنه ما كلفهم إلا المعاونة بالنفوس ولم يطلب منهم المال حين قال{مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، فلهذا عدل عن لفظ الإيتاء إلى هذا اللفظ؛ لأن المجيء بالشيء لا يتضمن الإعطاء والهبة.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم{آتُونِي}بمد الألف.
والوجه أن المعنى أعطوني، و{زُبَرَ الحَدِيدِ}منصوب على أنه مفعول به، والإيتاء ههنا ينصرف إلى معنى المناولة لا إلى معنى الإعطاء والهبة، لما قدمنا من أنه لم يكلفهم العطية). [الموضح: 802] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46-{بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}[آية/ 96] بضم الصاد والدال:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
وقرأ عاصم- ياش- {الصَّدَفَيْنِ} بضم الصاد وسكون الدال.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم {الصَّدَفَيْنِ}بفتح الصاد والدال.
والوجه أن الصدفين والصدفين بالضم والفتح لغتان في الكلمة، وهما ناحيتا الجبل، تقول العرب: صدف وصدف، وقد يخفف الصدف فيقال صدف بإسكان الدال كالشغل والشغل، وقد ذكرنا مثله في غير موضع). [الموضح: 803]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {قَالَ ائْتُونِي}[آية/ 96] موصولة الألف:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أن المعنى جيئوني بقطر أفرغه عليه، فهو على تقدير الجار، والعمل إنما هو للفعل الثاني وهو}أُفْرِغْ}، وقوله {قِطْرًا}منصوب به.
وقرأ الباقون {آتُونِي}بقطع الألف ممدودة، إلا- ياش- عن عاصم فإنه روى بقصر الألف موصولة كحمزة، وقد اختلف عنه.
والوجه في {آتُونِي}بالقطعوالمد على ما قدمناه من أنه من الإيتاء، وهو ينصرف إلى معنى المناولة لا العطية، أي ناولوني قطرا أفرغه عليه،
[الموضح: 803]
والعمل أيضًا للفعل الثاني وهو {أُفْرِغْ}كما سبق، وهو اختيار سيبويه). [الموضح: 804]

قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فما اسطاعوا أن يظهروه (97)
قرأ حمزة وحده (فما اسطّاعوا) مشددة على معنى: استطاعوا، وفيه جمع بين ساكني، وهما: السين والتاء المدغمة في الطاء.
قال أبو إسحاق: (فما اسطاعوا) بغير تاء، أصلها: استطاعوا بالتاء، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد، فحذفت التاء لاجتماعهما، وليخفّ
اللفظ.
[معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال: ومن العرب من يقول: استاعوا. ولا يجوز القراءة بها - ومنهم من يقول: فما اسطاعوا، بقطع الألف، المعنى: فما أطاعوا، فزادوا السين. قاله الخليل وسيبويه عوضًا من ذهاب حركة الواو؛ لأن الأصل في أطاع: أطوع.
قال: فأمّا من قرأ (فما اسطّاعوا) بإدغام التاء في الطاء فهو لاحن مخطئ، قاله الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم، وحجتهم في ذلك أن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين قال: ومن قال: أطرح حركة التاء على السين فأقول: (فما اسطاعوا) فخطأ أيضًا؛ لأن سين (استفعل) لم تحرّك قط). [معاني القراءات وعللها: 2/127]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {فما اسطعوا أن يظهروه} [97].
قرأ حمزة وحده {فما اسطاعوا} بتشديد الطاء، أراد: فما استطاعوا فأدغم التاء في الطاء، لأنهما أختان، وجمع بين ساكنين السين والطاء المدغمة فقال النحويون جميعًا: إنه أخطأ لجمعه بين ساكنين.
وقال أبو عبد الله رضي الله عنه: وله عندي وجهان: لأن القراء قد قرؤوا {لا تعدوا في السبت} {أمن لا يهدي} {ونعمًا يعظكم}.
فإن قال قائل، فإن الأصل في الساكن الأول في جميع ما ذكرت الحركة، وسكونها عارض وقد يجوز حركتها في حال من الأحوال.
فالجواب في ذلك: أن العرب قد تشبه المسكن بالساكن؛ لاتفاقهما في
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/421]
اللفظ، ألا ترى أن الأمر موقوف والنهي مجزوم، وقد جعلت حكمهما سيين، فالسين في قوله {فم اسطاعوا} ساكنة لا يجوز حركتها كاللام التي للتعريف نحو الأحمر والأيكة، فمن العرب من يحرك هذه اللام فيقول: ليكة ولحمر فجاز تشبيه السين باللام.
والوجه الثاني: أن العرب تتوهم بالساكن الحركة والحركة السكون.
وحدثني ابن مجاهد عن السمر يعن الفراء قال عبد القيس يقولون: اسل زيدًا، فيدخلون ألف الوصل على سين متحركة؛ لأنهم توهموا إسال السكون في السين. وهذه الحجة وإن كانت قد أيدت قراءة حمزة فإن الاختيار ما قرأ الباقون {فما اسطاعوا} بتخفيف الطاء، أراد: استطاعوا أيضًا فحذفوا التاء اختصارًا كراهية الإدغام والجمع بين حرفين متقاربي المخرج، والعرب تقول: طاع يطوع وطوع يطوع من قوله: {فطوعت له نفسه} أي: تابعته وسولت له.
وحكى أبو زيد وسيبويه استطاع يستطيع بمعنى: أطاع يطيع. ومعنى قوله: {أن يظهروه} أي: يعلوه، يقال ظهرت على ظهر البيت، أي: علوته {وما اسطاعوا له نقبه} أي: لم يقدروا أن ينقبوا الحديد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/422]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} 97
قرأ حمزة {فما اسطاعوا} بتشديد الطّاء أراد فما استطاعوا فأدغم التّاء في الطّاء لأنّهما أختان
وحجته قراءة الأعمش {فما استطاعوا} بالتّاء
وقرأ الباقون {فما اسطاعوا} بتخفيف الطّاء والأصل فما استطاعوا فحذفوا التّاء كراهة الإدغام والجمع بين حرفين متقاربي المخرج). [حجة القراءات: 435]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: {فما اسطاعوا أن} قرأه حمزة بتشديد الطاء، وخففها الباقون، وحجة من شدد أنه أدغم التاء في الطاء، لقرب التاء من الطاء في المخرج، ولأنه أبدل من التاء، إذا أدغمها، حرفا أقوى منها، وهو الطاء، لكن في هذه القراءة بُعد وكراهة، لأنه جمع بين ساكنين، ليس الأول حرف لين، وهما السين وأول المشدد، وقد أجازه سيبويه في الشعر، وأنشد في إجازته:
كأنه بعد كلال الزاجر = ومسحي مر عقاب كاسر
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/80]
وكان أصله «ومسحه» فأدغم الحاء في الهاء، والسين ساكنة، فجمع بين ساكنين، ليس الأول حرف لين، وهو قليل بعيد.
71- وحجة من خففه أنه لما كان الإدغام في هذا يؤدي إلى جواز ما لا يجوز، إلا في شاذٍ من الشعر من التقاء الساكنين، ليس الأول حرف لين، ولم يمكن إثبات التاء، إذ ليست في الخط، ولم يمكن إلقاء حركتها على السين؛ لأنها زائدة، لا تتحرك، فلم يبق إلا الحذف، فحذفها للتخفيف، ولزيادتها، ولموافقة الخط، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {فَمَا اسْطَاعُوا}[آية/ 97] بتشديد الطاء على الإدغام:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أن أصله: استطاعوا، فأدغم التاء في الطاء لاجتماعهما وهما متقاربان، ولم تنقل حركة التاء إلى السين بعد الإدغام؛ لئلا يحرك ما لا يتحرك في موضع وهو سين استفعل فبقي {اسْطَاعُوا}بتشديد الطاء مع أن الساكن الذي قبل المدغم ليس بحرف مد، وقد جاء في قوله تعالى {فَنِعِمَّا هِيَ}عند من قرأ بسكون العين.
وقرأ الباقون {فَمَا اسْطَاعُوا}بتخفيف الطاء.
والوجه أن أصله أيضًا استطاعوا على وزن استفعلوا كما سبق، إلا أنهم كرهوا اجتماع المتقاربين وهما التاء والطاء، فحذف التاء ولم يدغم؛ لأنه كان يؤدي إدغامه إلى تحريك السين الذي لم يتحرك في موضع، أو إلى تبقيته
[الموضح: 804]
ساكنًا فيكون ما قبل المدغم ساكنًا غير مد، وكلاهما مكروهان عندهم). [الموضح: 805]

قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {دكاء وكان وعد ربي حقا} [98]. قرأ أهل الكوفة ممدودًا.
وقرأ الباقون: {دكا} بمعنى مدكوكة. قال: والعرب تجعل المصدر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/422]
بمعنى مفعول وفاعل فيقولون: هذا درهم ضرب الأمير أي: مضروب الأمير، قال الله تعالى: {إن أصبح ماؤكم غورا} أي غائرًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/423]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: (دكا) [الكهف/ 98]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (دكّا) منون غير مهموز ولا ممدود.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: دكاء ممدود مهموز بلا تنوين.
وهبيرة عن حفص (دكّا) منون غير ممدود، وقال غير هبيرة عن حفص عن عاصم: ممدود.
قال أبو علي: من قال: (جعله دكّا) احتمل أمرين: أحدهما:
أنه لمّا قال: جعله وكان بمنزلة خلق وعمل، فكأنه قد قال: دكّه دكّا، فحمله على الفعل الذي دلّ عليه قوله: جعله، والوجه الآخر: أن يكون جعله ذا دك، فحذف المضاف، ويمكن أن يكون حالا في هذا الوجه.
ومن قال: جعله دكاء فعلى حذف المضاف، كأنه جعله مثل دكّاء، قالوا: ناقة دكّاء، أي: لا سنام لها، ولا بدّ من تقدير الحذف،
[الحجة للقراء السبعة: 5/182]
لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء، لأنه من المؤنث وجعل مثل خلق، ويمكن أن يكون حالا). [الحجة للقراء السبعة: 5/183]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإذا جاء وعد ربّي جعله دكاء}
قرأ حمزة وعاصم والكسائيّ {جعله دكاء} بالمدّ والهمز أي جعله مثل دكاء ثمّ حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وتقول العرب ناقة دكاء أي لا سنام لها ولابد من تقدير الحذف لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء لأنّها من وصف المؤنّث وقال قطرب قوله {دكاء} صفة التّقدير جعله أرضًا دكاء أي ملساء فأقيمت الصّفة مقام الموصوف وحذف الموصوف كما قال سبحانه {وقولوا للنّاس حسنا} أي قولا حسنا
[حجة القراءات: 435]
وقرأ الباقون {دكا} منونا غير ممدود وفي هذه القراءة وجهان أحدهما أن تجعل دكا بمعنى مدكوكة دكا فمقام المصدر مقام المفعول والعرب تجعل المصدر بمعنى المفعول فيقولون هذا درهم ضرب الأمير أي مضروب الأمير والوجه الآخر أن يكون معناه دكه دكا فتجعل دكا مصدرا عن معنى الفعل لا عن لفظه). [حجة القراءات: 436]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (72- قوله: {جعله دكاء} قرأه الكوفيون بالمد، ولم يمده الباقون، وقد تقدّمت علته في الأعراف، وإن من قصره جعله مصدر دكة، ودل جعله على دكة، فعمل في «دكا» ويجوز أن يكون مفعولًا به، على تقدير حذف مضاف، أي: جعله ذا دك، ويجوز أن يكون نصبه على الحال، فيكون مصدرًا في موضع الحال، أي: جعله مدكوكا. ومن مده قدّر حذف مضاف، تقديره: جعله مثل دكاء، وإنما احتجت إلى هذا الإضمار لأن الجبل مذكر، فلا يحسن وصفه بدكاء، وهو مؤنث، والدكاء الناقة التي لا سنام لها، فالتقدير: فإذا جاء وعد ربي جعله مستويًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {جَعَلَهُ دَكَّاءَ}[آية/ 98] ممدودة مهموزة:
قرأها الكوفيون.
والوجه أنه على تقدير محذوف؛ لأن {دَكَّاءَ}على وزن فعلاء، يقال ناقة دكاء لا سنام لها، وهي على حذف المضاف، كأنه قال جعله مثل دكاء، أو على حذف الموصوف، كأنه قال جعله بقعة دكاء أو أرضًا دكاء وهي الملساء.
وقرأ الباقون {دَكَّاءَ}منونًا.
والوجه أن المعنى جعله ذا دك أي مدكوكًا يعني مكسوراً من قوله {دُكَّتِ الأَرْضُ}فهو على حذف المضاف، أو يكون التقدير دكه دكا، فهو على حقيقة المصدر؛ لأن جعل ههنا يتعدى إلى مفعول واحد مثل خلق). [الموضح: 805]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:19 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (99) إلى الآية (102) ]

{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)}

قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)}

قوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)}

قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أفحسب الّذين كفروا (102)
قرأ الأعشى عن أبي بكر (أفحسب الذين) ساكنة السين، مضمومة الباء، وهي قراءة علي بن أبي طالب.
وقرأ الباقون (أفحسب الذين كفروا) بكسر السين، وفتح الباء.
قال أبو منصور: من قرأ (أفحسب الذين) فمعناه: أفظن الذين كفروا، من حسب يحسب ويحسب.
ومن قرأ (أفحسب الذين كفروا)
فتأويله: أفيكفيهم أن يتخذوا العباد أولياء من دون الله، ثم بيّن جزاءهم فقال: (إنّا أعتدنا جهنّم للكافرين نزلًا).
وتأويل من قرأ (أفحسب): أفحسبوا أن ينفعهم اتخاذهم عبادي أولياء). [معاني القراءات وعللها: 2/127]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي وابن عباس عليهما السلام وابن يعمَر والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن كثير بخلاف، ونعيم بن ميسرة والضحاك ويعقوب وابن أبي ليلى: [أَفَحَسْبُ الَّذِينَ].
قال أبو الفتح: أي أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كفروا وحظُّهم ومطلوبُهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء؟ بل يجب أن يعتدُّوا أنفسهم مثلهم، فيكونوا كلهم عبيدا وأولياء لي. ونحوه قول الله تعالى : {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ}، أي: اتخذتَهم عبيدًا لك، وهذا أيضا هو المعنى إذا كانت القراءة: [أَفَحَسِب الَّذِينَ كَفَرُوا]، إلا أن [حَسْبُ] ساكنة السين أذهب في الذم لهم؛ وذلك لأنه جعله غاية مرادهم ومجموع مطلبهم، وليست القراءة الأخرى كذا). [المحتسب: 2/34]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أفحسب الّذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء}
قرأ الأعشى عن أبي بكر {أفحسب الّذين كفروا} برفع الباء وسكون السّين وتأويله أفيكفيهم أن يتخذوا العباد أولياء من دون الله وموضع {أن يتخذوا} رفع بفعله
وقرأ الباقون {أفحسب الّذين كفروا} أي أفحسبوا أن ينفعهم اتخاذهم عبادي أولياء وموضع أن نصب بوقوع الظّن عليه). [حجة القراءات: 436]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:20 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (103) إلى الآية (106) ]

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)}

قوله تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)}

قوله تعالى: {ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}



روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:21 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (107) إلى الآية (110) ]

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)}

قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)}

قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قبل أن تنفد كلمات ربّي (109)
قرأ حمزة والكسائي (ينفد) بالياء.
وقرأ الباقون (تنفد) بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/127]
قال أبو منصور: من قرأ (تنفد) فلأن الكلمات جماعة مؤنثة.
ومن قرأ (ينفد) ذهب إلى معنى الكلم، وتقدّم الفعل). [معاني القراءات وعللها: 2/128]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {أن تنفد كلمات ربي} [109].
قرأ حمزة والكسائي وابن عامر: {أن ينفد} بالياء لأن الكلمات تأنيثها غير حقيقي، ولأن جم المؤنث مما لا يعقل يشبه بما يعقل نحو هندات، فلما كانت العرب تقول: قال نسوة، قيل: ينفد الكلمات.
وقرأ الباقون: {أن تنفد} بالتاء، وهو الاختيار لأنه جمع بالألف والتاء والاختيار فيه التأنيث؛ لإجماع النحويين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/423]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أن تنفد كلمات ربي [الكهف/ 109].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: قبل أن تنفد كلمات بالتاء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (ينفد) بالياء.
قال أبو علي: التأنيث أحسن، لأن المسند إليه الفعل مؤنث، والتذكير حسن أيضا لأن التأنيث ليس بحقيقي وقد تقدم ذكر ذلك في غير موضع). [الحجة للقراء السبعة: 5/183]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وابن مسعود والأعمش، - بخلاف- ومجاهد وسليمان التيمي [وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَادًا].
قال أبو الفتح: "مدادًا" منصوب على التمييز، أي: بمثله من "المداد"؛ فهو كقولك: لي مثلُه عبدًا، أي: من العبيد، وعلى التمرة مثلها زبدًا، أي: من الزبد. وأما {مَدَدًا} فمنصوب على الحال، كقولك: جئتك بزيد عونا لك ويدًا معك، وإن شئت نصبته على المصدر بفعل مضمر يدل عليه قوله {جِئْنَا بِمِثْلِهِ} كأنه قال: ولو أمددناه به إمدادا، ثم وضع "مددًا" موضع إمداد، ولهذا نظائر كثيرة). [المحتسب: 2/35]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي}
قرأ حمزة والكسائيّ (قبل أن ينفد كلمات ربّي) بالياء ذهبا بالكلمات إلى معنى المصدر فكأنّه قال كلام ربّي فذكرا لتذكير الكلام
وقرأ الباقون {قبل أن تنفد} بالتّاء أخرجوا الفعل على لفظ الأسماء المؤنثة إذ لم يحل بين الاسم والفعل حائل). [حجة القراءات: 436]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {قبل أن تنفد كلمات ربي} قرأه حمزة والكسائي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/81]
بالياء؛ لأن تأنيث الكلمات غير حقيقي، ولأنه حمله على الكلام؛ لأن الكلام والكلمات سواء، والكلام مصدر مُذكر، وقد تقدمت له نظائر بأشبع من هذا، وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث لفظ الكلمات، وهو الاختيار لأنه جار على اللفظ، وعلى الأصل، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/82]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (50- {قَبْلَ أَن تَنفَدَ}[آية/ 109] بالياء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن الفعل مقدم، والتأنيث غير حقيقي.
وقرأ الباقون {تَنفَدَ}بالتاء.
[الموضح: 805]
والوجه أن الفاعل مؤنث؛ لأنه جمع كلمة، فالأحسن تأنيث الفعل لذلك، وقد مضى كثير من أمثاله). [الموضح: 806]

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة