عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:19 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن شبرمة، عن الحسن - في قوله عزّ وجلّ: {وشاورهم في الأمر} -، قال: قد علم اللّه أنّه ما به إليهم من حاجةٍ، ولكن أراد أن يستنّ به من (بعده) .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن رجلٍ، عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ أنّه قرأ: (وشاورهم في بعض الأمر) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1098-1100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فبما رحمةٍ من اللّه} فبرحمةٍ من اللّه وما صلةٌ، وقد بيّنت وجه دخولها في الكلام في قوله: {إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها}، والعرب تجعل ما صلةً في المعرفة والنّكرة، كما قال: {فبما نقضهم ميثاقهم}، والمعنى: فبنقضهم ميثاقهم. وهذا في المعرفة، وقال في النّكرة: {عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين}، والمعنى: عن قليلٍ، وربّما جعلت اسمًا وهي في مذهب صلةٍ، فيرفع ما بعدها أحيانًا على وجه الصّلة، ويخفض على إتباع الصّلة ما قبلها، كما قال الشّاعر:.
فكفى بنا فضلاً على من غيرنا = حبّ النّبيّ محمّدٍ إيّانا
إذا جعلت غير صلةٍ رفعت بإضمار هو، وإن خفضت أتبعت من فأعربته باعرابه، فذلك حكمه على ما وصفنا مع النّكرات.
فأمّا إذا كانت الصّلة معرفةً، كان الفصيح من الكلام الإتباع، كما قيل: {فبما نقضهم ميثاقهم}، والرّفع جائزٌ في العربيّة.
وبنحو ما قلنا في قوله: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم} قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم}
يقول: فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم وأمّا قوله: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} فإنّه يعني بالفظّ الجافي، وبالغليظ القلب القاسي القلب غير ذي رحمةٍ ولا رأفةٍ، وكذلك صفته صلّى اللّه عليه وسلّم، كما وصفه اللّه: {بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ}.
فتأويل الكلام: فبرحمة اللّه يا محمّد ورأفته بك، وبمن آمن بك من أصحابك، لنت لهم لتبّاعك وأصحابك فسهلت لهم خلائقك، وحسّنت لهم أخلاقك، حتّى احتملت أذى من نالك منهم أذاه، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه، وأغضيت عن كثيرٍ ممّن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك، ولم يتبعك، ولا ما بعثت به من الرّحمة، ولكنّ اللّه رحمهم ورحمك معهم، فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} إي واللّه، لطهّره اللّه من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبًا رحيمًا بالمؤمنين فًد. وذكر لنا أنّ نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في التّوراة: ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخوبٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في قوله: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} قال: ذكر لينه لهم، وصبره عليهم لضعفهم، وقلّة صبرهم على الغلظة لو كانت منه في كلّ ما خالفوا فيه ممّا افترض عليهم من طاعة نبيّهم
وأمّا قوله: {لانفضّوا من حولك} فإنّه يعني: لتفرّقوا من حولك وانصرفوا عنك.
- كما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: قوله: {لانفضّوا من حولك} قال: انصرفوا عنك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {لانفضّوا من حولك} أي لتركوك). [جامع البيان: 6/185-187]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
يعني تعالى ذكره بقوله: {فاعف عنهم} فتجاوز يا محمّد عن تبّاعك وأصحابك من المؤمنين بك، وبما جئت به من عندي، ما نالك من أذاهم ومكروهٍ في نفسك {واستغفر لهم} وادع ربّك لهم بالمغفرة لما أتوا من جرمٍ، واستحقّوا عليه عقوبةً منه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فاعف عنهم}: أي فتجاوز عنهم {واستغفر لهم} ذنوب من قارف من أهل الإيمان منهم
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشاورهم، وما المعنى الّذي أمره أن يشاورهم فيه؟ فقال بعضهم: أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله: {وشاورهم في الأمر} بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدوّ، تطييبًا منه بذلك أنفسهم، وتألّفًا لهم على دينهم، وليروا أنّه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان اللّه عزّ وجلّ قد أغناه بتدبيره له أموره وسياسته إيّاه وتقويمه أسبابه عنهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين} أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السّماء؛ لأنّه أطيب لأنفس القوم، وإنّ القوم إذا شاور بعضهم بعضًا، وأرادوا بذلك وجه اللّه عزم لهم على أرشده.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وشاورهم في الأمر} قال: أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه الوحي من السّماء؛ لأنّه أطيب لأنفسهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وشاورهم في الأمر} أي لتريهم أنّك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت عنهم غنيًّا، تالفهم بذلك على دينهم
وقال آخرون: بل أمره بشورتهم ليبين في ذلك، له الرّأي وأصوب الأمور في التّدبير، لما علم في المشورة تعالى ذكره من الفضل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قوله: {وشاورهم في الأمر} قال: ما أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمشورة إلاّ لما علم فيها من الفضل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، عن إياس بن دغفلٍ عن الحسن: ما شاور قومٌ قطّ، إلاّ هدوا لأرشد أمورهم
وقال آخرون: إنّما أمره اللّه بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه، مع إغنائه بتقويمه إيّاه، وتدبيره أسبابه عن آرائهم، ليتّبعه المؤمنون من بعده، فيما حزّ بهم من أمر دينهم ويستنّوا بسنّته في ذلك، ويحتذوا المثال الّذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره مع المنزلة الّتي هو بها من اللّه أصحابه وتبّاعه في الأمر، ينزل بهم من أمر دينهم ودنياهم، فيتشاوروا بينهم، ثمّ يصدروا عمّا اجتمع عليه ملؤهم؛ لأنّ المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متّبعين الحقّ في ذلك، لم يخلهم اللّه عزّ وجلّ من لطفه، وتوفيقه للصّواب من الرّأي والقول فيه. قالوا: وذلك نظير قوله عزّ وجلّ الّذي مدح به أهل الإيمان: {وأمرهم شورى بينهم}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، قال: قال سفيان بن عيينة في قوله: {وشاورهم في الأمر} قال: هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيه أثرٌ
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب في ذلك أن يقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمشاورة أصحابه، فيما حزّ به من أمر عدوّه ومكايد حربه، تألّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة الّتي يؤمن عليه معها فتنة الشّيطان، وتعريفًا منه أمّته ما في الأمور الّتي تحزبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النّوازل الّتي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلّى اللّه عليه وسلّم يفعله، فأمّا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ اللّه كان يعرّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إيّاه صواب ذلك. وأمّا أمّته، فإنّهم إذا تشاوروا مستنّين بفعله في ذلك على تصادقٍ وتأخٍّ للحقّ وإرادة جميعهم للصّواب، من غير ميلٍ إلى هوًى، ولا حيدٍ عن هدًى؛ فاللّه مسدّدهم وموفّقهم.
وأمّا قوله: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه} فإنّه يعني: فإذا صحّ عزمك بتثبيتنا إيّاك وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أ‍مرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها، وتوكّل فيما يأتي من أمورك وتدع وتحاول أو تزاول على ربّك، فثق به في كلّ ذلك، وارض بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم، فإنّ اللّه يحبّ المتوكّلين، وهم الرّاضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوًى أو خالفه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين} فإذا عزمت: أي على أمرٍ جاءك منّي، أو أمرٍ من دينك في جهاد عدوّك، لا يصلحك ولا يصلحهم إلاّ ذلك، فامض على ما أمرت به على خلاف من خالفك، وموافقة من وافقك، وتوكّل على اللّه: أي ارض به من العباد، إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه} أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا عزم على أمرٍ أن يمضي فيه، ويستقيم على أمر اللّه، ويتوكّل على اللّه.
- حدّثت عن عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه} الآية، أمره اللّه إذا عزم على أمرٍ أن يمضي فيه ويتوكّل عليه). [جامع البيان: 6/188-192]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم قال:
هذا خلق محمّدٍ نعته اللّه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم يقول: فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم.
قوله تعالى: ولو كنت فظّاً غليظ القلب
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك أي: واللّه قد طهّره من الفظاظة والغلظة، وجعله رحيماً قريباً رؤوفاً بالمؤمنين. وروي عن قتادة مثل ذلك.
قوله تعالى: لانفضّوا من حولك
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال محمد ابن إسحاق: لانفضّوا من حولك أي لتركوك.
قوله تعالى: فاعف عنهم
- وبه قال محمّد بن إسحاق: فاعف عنهم أي: تجاوز عنهم.
قوله تعالى: واستغفر لهم
- وبه قال محمّد بن إسحاق: واستغفر لهم أي استغفر لهم ذنوبهم.
قوله تعالى: وشاورهم في الأمر
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدّث عن معمرٍ، عن ابن شهابٍ، عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحداً أكثر مشورةً لأصحابه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ عمران القطّان، عن الحسن في قوله: وشاورهم في الأمر قال: واللّه ما تشاور قطّ إلا عزم اللّه لهم بالرّشد والّذي ينفع.
- حدّثنا أبو سعيدٍ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الضّحّاك، في قوله: وشاورهم في الأمر قال: ما أمر اللّه نبيّه بالمشورة إلا لما يعلم فيها من الفضل.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن ابن شبرمة، عن الحسن في قوله: وشاورهم في الأمر قال: قد علم أنّه ليس به إليهم حاجةٌ، وربّما قال:
ليس له إليهم حاجةٌ، ولكن أراد أن يستنّ به من بعده.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: وشاورهم في الأمر قال: أمر اللّه نبيّه أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه الوحي من السّماء، لأنّه أطيب لأنفسهم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن يزيد، عن سعيدٍ عن قتادة: مثل ذلك إلّا أنّه زاد: وأنّ القوم إذا شاوروا بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه اللّه، عزم اللّه لهم على أرشده.
- ذكر عن ابن المبارك، عن أبي إسماعيل، يعني: جابر بن إسماعيل عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن عبيدة وشاورهم في الأمر قال: في الحرب
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق في قوله: وشاورهم في الأمر أي لتريهم إنّك تسمع منهم وتستعين بهم، وإن كنت غنيّاً عنهم، تؤلّفهم بذلك على دينهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو ابن دينارٍ قال: قرأ ابن عبّاسٍ: وشاورهم في بعض الأمر.
قوله تعالى: فإذا عزمت
- حدّثنا أبي، ثنا عمر الدّوريّ، ثنا أبو عمارة يعني: حمزة بن القاسم، عن أبي تميلة، عن أبي منيبٍ قال: سمعت جابر بن زيدٍ وأبا نهيكٍ قريا: فإذا عزمت لك يا محمّد على أمرٍ فتوكّل على اللّه.
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ قال: أمره اللّه إذا عزم على أمرٍ أن يمضي فيه. وروي عن قتادة مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: فإذا عزمت على أمرٍ جاءك منّي، أو أمرٍ من دينك في جهاد عدوّك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك، فأمضى على ما أمرت به، على خلاف من خالفك، وموافقة من وافقك.
قوله تعالى: فتوكّل على اللّه
- وبه قال محمّد بن إسحاق: فتوكّل على اللّه أي ارض به من العباد إنّ الله يحبّ المتوكّلين). [تفسير القرآن العظيم: 2/800-802]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 159.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فبما رحمة من الله} يقول: فبرحمة من الله {لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} أي والله طهره من الفظاظة والغلظة وجعله قريبا رحيما رؤوفا بالمؤمنين، وذكر لنا أن نعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ولا يجزى ء بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم نعته الله
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {لانفضوا من حولك} قال: لانصرفوا عنك.
وأخرج الحكيم الترمذي، وابن عدي بسند فيه متروك عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن الحسن في قوله {وشاورهم في الأمر} قال: قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وشاورهم في الأمر} قال: أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء لأنه أطيب لأنفس القوم وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشده.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: ما أمر الله نبيه بالمشاورة إلا لما علم ما فيها من الفضل والبركة
قال سفيان: وبلغني أنها نصف العقل، وكان عمر بن الخطاب يشاور حتى المرأة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال لما نزلت {وشاورهم في الأمر} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {وشاورهم في الأمر} قال: أبو بكر وعمر.
وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر.
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدا من الناس أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عمرو قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب فعليك به.
وأخرج الحاكم، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم كنت مستخلفا أحدا عن غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب، وابن المنذر بسند حسن عن ابن عباس أنه قرأ وشاورهم في بعض الأمر.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن سيرين عن عبيدة: (وشاورهم في الأمر). قال: في الحرب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {فإذا عزمت فتوكل على الله} قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويستقيم على أمر الله ويتوكل على الله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر بن زيد وأبي نهيك أنهما قرآ فإذا عزمت يا محمد على أمر فتوكل على الله.
وأخرج ابن مردويه، عن علي، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال: مشاورة أهل الرأي ثم أتباعهم.
وأخرج الحاكم عن الحباب بن المنذر قال أشرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بخصلتين فقبلهما مني، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعسكر خلف الماء فقلت يا رسول الله أبوحي فعلت أو برأي قال: برأي يا حباب، قلت: فإن الرأي أن تجعل الماء خلفك فإن لجأت لجأت إليه فقبل ذلك مني، قال: ونزل جبريل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأمرين أحب إليك تكون في دنياك مع أصحابك أو ترد على ربك فيما وعدك من جنات النعيم فاستشار أصحابه فقالوا: يا رسول الله تكون معنا أحب إلينا وتخبرنا بعورات عدونا وتدعو الله لينصرنا عليهم وتخبرنا من خبر السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك لا تتكلم يا حباب فقلت: يا رسول الله اختر حيث اختار لك ربك، فقبل ذلك مني قال الذهبي: حديث منكر
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا يوم بدر فقال الحباب بن المنذر: ليس هذا بمنزل انطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم ثم نبني عليه حوضا ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغور ما سواها من القلب، فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الرأي ما أشار به الحباب بن المنذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حباب أشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك.
وأخرج ابن سعد بن يحيى بن سعيد أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم استشار الناس يوم بدر فقام الحباب بن المنذر فقال: نحن أهل الحرب أرى أن تغور المياه إلا ماء واحدا نلقاهم عليه، قال: واستشارهم يوم قريظة والنضير فقام الحباب بن المنذر فقال: أرى أن ننزل بين القصور فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء وخبر هؤلاء عن هؤلاء فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله). [الدر المنثور: 4/87-92]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يعني تعالى ذكره بذلك إن ينصركم اللّه أيّها المؤمنون باللّه ورسوله، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه، والكافرين به، فلا غالب لكم من النّاس، يقول: فلن يغلبكم مع نصره إيّاكم أحدٌ، ولو اجتمع عليكم من بين أقطارها من خلقه، فلا تهابوا أعداء اللّه لقلّة عددكم، وكثرة عددهم، ما كنتم على أمره، واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله، فإنّ الغلبة لكم والظّفر دونهم. {وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده} يعني إن يخذلكم ربّكم، بخلافكم أمره، وترككم طاعته وطاعة رسوله، فيكلكم إلى أنفسكم، فمن ذا الّذي ينصركم من بعده، يقول: فأيسوا من نصرة النّاس، فإنّكم لا تجدون ناصرمن بعد خذلان اللّه إيّاكم إن خذلكم، يقول: فلا تتركوا أمري، وطاعتي وطاعة رسولي، فتهلكوا بخذلاني إيّاكم. {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} يعني: ولكن على ربّكم أيّها المؤمنون فتوكّلوا دون سائر خلقه، وبه فارضوا من جميع من دونه، ولقضائه فاستسلموا، وجاهدوا فيه أعداءه، يكفكم بعونه، ويمددكم بنصره.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} أي إن ينصرك اللّه فلا غالب لك من النّاس، لن يضرّك خذلان من خذلك، وإن يخذلك، فلن ينصرك النّاس، فمن الّذي ينصركم من بعده: أي لئلا تترك أمري للنّاس، وارفض أمر النّاس لأمري {وعلى اللّه} لا على النّاس {فليتوكّل المؤمنون}). [جامع البيان: 6/192-193]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (160) وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون (161)
قوله تعالى: إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم
- وبه قال محمّد بن إسحاق: إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم أي إن ينصرك اللّه فلا غالب لك من النّاس، لن يضرّك خذلان من خذلك.
قوله تعالى: وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده
- وبه قال ابن إسحاق: أي لئلا تترك أمري للنّاس، وأرفض النّاس لأمري.
قوله تعالى: وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون
- وبه قال ابن إسحاق: وعلى اللّه أي لا على النّاس فليتوكّل المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/803-806]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 160
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق في الآية قال: أي إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس لن يضرك خذلان من خذلك وإن يخذلك فلن يضرك الناس {فمن ذا الذي ينصركم من بعده} أي لا تترك أمري للناس وارفض الناس لأمري {وعلى الله} لا على الناس {فليتوكل المؤمنون}). [الدر المنثور: 4/92-93]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وكان أول من [جمع القرآن .. .. ] بذلك عليه عمر بن الخطاب، وذلك حين قتل أصحاب رسول الله [ .. .. أبو بكر] الصديق قال لعمر: فمن يكتبه، قال: زيد بن ثابت فإنه فطن [ .. .. ] رسول الله؛ وكتبه زيد بن ثابت، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت [ .. .. آية] إلا بشاهدٍ في عدلٍ؛ وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: [ .. .. ] اكتبوها، فإن رسول الله جعل شهادته شهادة رجلين، فكتبت؛ وإن عمر بن الخطاب أتى بآية الرجم فلم يكتبوها، لأنه كان وحده، فلما فرغ من ذلك المصحف كان عند أبي بكر، ثم كان بعد عند عمر، ثم كان بعد عمر
[الجامع في علوم القرآن: 3/26]
عند حفصة زوج النبي، حتى قدم حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان، فقال: يا أمير المؤمنين، إني سمعت الناس قد اختلفوا في القرآن، فيقول الرجل: حرفي الذي أقرأ به خيرٌ من حرفك؛ فأرسل عثمان إلى حفصة أن تبعث به إليه، فقالت: على أن ترده إلي، قال: نعم؛ قال: فنسخ منها مصاحف فبعث بها إلى الآفاق وأمرهم أن يبعثوا إليه بما كان عندهم منها، وأمر بها أن تحرق؛ قال: ومن حبس عنده منها شيئا فهو غلولٌ.
قال ابن مسعود: مصحفي هذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله يقول: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}، فأنا أغله حتى ألقى الله به يوم القيامة.
قال: وكان حين جمع القرآن جعل زيد بن ثابت وأبي بن كعب يكتبان القرآن، وجعل معهما سعيد بن العاص يقيم عربيته، فقال أبي بن كعب: التابوه، فقال سعيد: إنما هو التابوت، فقال عثمان: اكتبوه كما قال سعيد: التابوت، فكتبوا: {التابوت}). [الجامع في علوم القرآن: 3/27]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وما كان نبي أن يغل قال أن يغله أصحابه ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/137]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر وقال قتادة كان النبي إذا غنم مغنما بعث مناديا فنادى ألا لا يغلن رجل مخيطا فما دونه ألا لا يغلن رجل بعيرا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء ألا لا يغلن رجل فرسه فيأتي به يوم القيامة على ظهره له حمحمة). [تفسير عبد الرزاق: 1/137]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن زيد بن أسلم قال جاء عقيل بن أبي طالب بمخيط فقال لامرأته خيطي بهذه ثيابك قال فبعث النبي مناديا ألا يغلن رجل إبرة فما دونها فقال عقيل لامرأته ما
[تفسير عبد الرزاق: 1/137]
أرى إبرتك إلا قد فاتتك). [تفسير عبد الرزاق: 1/138]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال أنا همام قال سمعت أبا هريرة قال: قال النبي غزا نبي من الأنبياء فقال لا يغزون معي رجل تزوج امرأة لم يبن بها ولا رجل له غم ينتظر ولادتها ولا رجل يبني بناء لم يفرغ منه فلما أتي المكان الذي يريده وجاءه عند العصر قال للشمس إنك مأمورة وإني مأمور اللهم احبسها علي ساعة فحبست له ساعة حتى فتح الله عليه وزعموا أنها لم تحبس لأحد من قبله ولا بعده ثم وضعت الغنيمة فجاءت النار فلم تأكلها فقال إن فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة منكم رجل قال فلزقت يده بيد رجلين أو ثلاثة قال فقال إن منكم الغلول قال فأخرجوا رأس بقرة من ذهب فألقوا في الغنيمة فجاءت النار فأكلتها قال فقال رسول الله فلم تحل الغنيمة لأحد قبلنا وذلك أن الله رأى ضعفنا فطيبها لنا). [تفسير عبد الرزاق: 1/138]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قراءة ابن عباس: (وما كان النبي أن يغل) قال: بلى ويقتل [الآية: 161]). [تفسير الثوري: 81]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، أنا مغيرة، عن إبراهيم، وأنا عوفٌ، عن الحسن، أنّهما كانا يقرآن: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عوفٌ، عن الحسن، قال: أن يخان). [سنن سعيد بن منصور: 3/1101-1102]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن خصيفٍ، قال: حدّثنا مقسمٌ، قال: قال ابن عبّاسٍ: نزلت هذه الآية {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} في قطيفةٍ حمراء افتقدت يوم بدرٍ. فقال بعض النّاس: لعلّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} إلى آخر الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وقد روى عبد السّلام بن حربٍ، عن خصيفٍ، نحو هذا وروى بعضهم هذا الحديث عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، ولم يذكر فيه عن ابن عبّاسٍ). [سنن الترمذي: 5/80]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته جماعةٌ من قرّاء الحجاز والعراق: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} بمعنى: أن يخون أصحابه فيما أفاء اللّه عليهم من أموال أعدائهم.
واحتجّ بعض قارئي هذه القراءة أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قطيفةٍ فقدت من مغانم القوم يوم بدرٍ، فقال بعض من كان مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لعلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها. ورووا في ذلك رواياتٍ.
- فمنها ما: حدّثنا به محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: حدّثنا مقسمٌ، قال: حدّثني ابن عبّاسٍ أنّ هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} نزلت في قطيفةٍ حمراء فقدت يوم بدرٍ، قال: فقال بعض النّاس: أخذها قال: فأكثروا في ذلك فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة}.
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ: كيف تقرأ هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أو يغلّ؟ قال: لا، بل {يغلّ}، فقد كان النّبيّ واللّه يغلّ ويقتل.
- حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: كان ذلك في قطيفةٍ حمراء فقدت في غزوة بدرٍ، فقال أناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فلعلّ النّبيّ أخذها فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال سعيدٌ: بل واللّه إنّ النّبيّ ليغلّ ويقتل.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خلاّدٌ، عن زهيرٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت قطيفةٌ فقدت يوم بدرٍ، فقالوا: أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا خصيفٌ عن سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، في قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قالا: يغلّ، قال: قال عكرمة أو غيره، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت قطيفةٌ فقدت يوم بدرٍ، فقالوا: أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فأنزل اللّه هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد، قال حدّثنا قزعة بن سويدٍ الباهليّ، عن حميدٍ الأعرج، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: نزلت هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} في قطيفةٍ حمراء فقدت يوم بدرٍ من الغنيمة.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، عن سليمان الأعمش قال: كان ابن مسعودٍ يقرأ: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} فقال ابن عبّاسٍ: بلى، ويقتل، قال: فذكر ابن عبّاسٍ أنّه إنّما كانت في قطيفةٍ، قالوا: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، غلّها يوم بدرٍ فأنزل اللّه: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}
وقال آخرون ممّن قرأ ذلك كذلك بفتح الياء وضمّ الغين: إنّما نزلت هذه الآية في طلائع كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجّههم في وجهٍ، ثمّ غنم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يقسم للطّلائع، فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يعلّمه فيها أنّ فعله الّذي فعله خطأٌ، وأنّ الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطّلائع مثل ما قسم لغيرهم، ويعرّفه الواجب عليه من الحكم فيما أفاء اللّه عليه من الغنائم، وأنّه ليس له أن يخصّ بشيءٍ منها أحدًا ممّن شهد الوقعة أو ممّن كان ردءًا لهم في غزوهم دون أحدٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} يقول: ما كان للنّبيّ أن يقسم لطائفةٍ من المسلمين ويترك طائفةً ويجور في القسم، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر اللّه، ويحكم فيه بما أنزل اللّه، يقول: ما كان اللّه ليجعل نبيًّا يغلّ من أصحابه، فإذا فعل ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، استنّوا به.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، أنّه كان يقرأ: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: أن يعطي بعضًا، ويترك بعضًا، إذا أصاب مغنمًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طلائع، فغنم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يقسم للطّلائع، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} يقول: ما كان لنبيٍّ أن يقسم لطائفةٍ من أصحابه، ويترك طائفةً، ولكن يعدل، ويأخذ في ذلك بأمر اللّه عزّ وجلّ، ويحكم فيه بما أنزل اللّه.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك في قوله: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: ما كان له إذا أصاب مغنمًا أن يقسم لبعض أصحابه ويدع بعضًا، ولكن يقسم بينهم بالسّويّة
وقال آخرون ممّن قرأ ذلك بفتح الياء وضمّ الغين: إنّما أنزل ذلك تعريفًا للنّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لا يكتم من وحي اللّه شيئًا.
ذكر منى قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون} أي ما كان لنبيٍّ أن يكتم النّاس ما بعثه اللّه به إليهم عن رهبةٍ من النّاس ولا رغبةٍ، ومن يغلل ذلك يأت به يوم القيامة
فتأويل قراءة من قرأ ذلك كذلك: ما ينبغي لنبيٍّ أن يكون غالًّا، بمعنى: أنّه ليس من أفعال الأنبياء خيانة أممهم، يقال منه: غلّ الرّجل فهو يغلّ، إذا خان، غلولاً، ويقال أيضًا منه: أغلّ الرّجل فهو يغلّ إغلالاً، كما قال شريحٌ: ليس على المستعير غير المغلّ ضمانٌ، يعني غير الخائن؛ ويقال منه: أغلّ الجازر: إذا سرق من اللّحم شيئًا مع الجلد.
وبما قلنا في ذلك جاء تأويل أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} يقول: ما كان ينبغي له أن يخون، فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تخونوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: أن يخون
وقرأ ذلك آخرون: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) بضمّ الياء وفتح الغين، وهي قراءة عظم قرّاء أهل المدينة والكوفة.
واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ما كان لنبيٍّ أن يغلّه أصحابه ثمّ أسقط الأصحاب، فبقي الفعل غير مسمًّى فاعله؛ وتأويله: وما كان لنبيٍّ أن يخان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عن الحسن، أنّه كان يقرأ: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) قال عوفٌ: قال الحسن: أن يخان.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) يقول: وما كان لنبيٍّ أن يغلّه أصحابه الّذين معه من المؤمنين، ذكر لنا أنّ هذه الآية نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، وقد غلّ طوائف من أصحابه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) قال: أن يغلّه أصحابه.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) قال الرّبيع بن أنسٍ، يقول: ما كان لنبيٍّ أن يغلّه أصحابه الّذين معه، قال: ذكر لنا واللّه أعلم أنّ هذه الآية أنزلت على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، وقد غلّ طوائف من أصحابه
وقال آخرون منهم: معنى ذلك: وما كان لنبيٍّ أن يتّهم بالغلول فيخون ويسرق، وكأنّ متأوّلي ذلك كذلك وجّهوا قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) إلى أنّه مرادٌ به يغلل يفعل، ثمّ خفّفت الغين من يفعّل فصارت يفعل، كما قرأ من قرأ قوله: فإنّهم لا يكذبونك بتأوّل {يكذّبونك}.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندي قراءة من قرأ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء، ولا يكون نبيًّا من غلّ.
وإنّما اخترنا ذلك؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ أوعد عقيب قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أهل الغلول، فقال: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} الآية، والّتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدّليل الواضح على أنّه إنّما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أنّ الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} لأنّه لو كان إنّما نهى بذلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتّهموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالغلول، لعقّب ذلك بالوعيد على التّهمة، وسوء الظّنّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيانٌ بيّنٌ، أنّه إنّما عرّف المؤمنين وغيرهم من عباده أنّ الغلول منتفٍ من صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأنّ ذلك جرمٌ عظيمٌ، والأنبياء لا تأتي مثله.
فإن قال قائلٌ ممّن قرأ ذلك كذلك: فأولى منه: وما كان لنبيٍّ أن يخوّنه أصحابه إن كان ذلك كما ذكرت، ولم يعقّب اللّه قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} إلاّ بالوعيد على الغلول، ولكنّه إنّما وجب الحكم بالصّحّة لقراءة من قرأ: (يغلّ) بضمّ الياء وفتح الغين؛ لأنّ معنى ذلك: وما كان للنّبيّ أن يغلّه أصحابه، فيخونوه في الغنائم.
قيل له: أفكان لهم أن يغلّوا غير النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيخونوه، حتّى خصّوا بالنّهي عن خيانة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟
فإن قالوا: نعم، خرجوا من قول أهل الإسلام؛ لأنّ اللّه لم يبح خيانة أحدٍ في قول أحدٍ من أهل الإسلام قطّ.
إن قال قائلٌ: لم يكن ذلك لهم في نبيٍّ ولا غيره.
قيل: فما وجه خصوصهم إذًا بالنّهي عن خيانة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وغلوله وغلول بعض اليهود. بمنزلةٍ فيما حرّم اللّه على الغالّ من أموالهما، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما.
وإذا كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ معنى ذلك هو ما قلنا من أنّ اللّه عزّ وجلّ نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه، ناهيًا بذلك عباده عن الغلول، وآمرًا لهم بالاستنان بمنهاج نبيّهم، كما قال ابن عبّاسٍ في الرّواية الّتي ذكرناها من رواية عطيّة ثمّ عقّب تعالى ذكره نهيهم عن الغلول بالوعيد عليه، فقال: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} الآيتين معًا). [جامع البيان: 6/193-201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة}
يعني بذلك تعالى ذكره: ومن يخن من غنائم المسلمين شيئًا، وفيئهم، وغير ذلك يأت به يوم القيامة في المحشر.
- كما: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن يحيى بن سعيد أبي حيّان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قام خطيبًا، فوعظ وذكّر، ثمّ قال: ألا عسى رجلٌ من منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها ثغاءٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ لها حمحمةٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ، فيقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته بقرةٌ لها خوارٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاعٌ تخفق، يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحميم، عن أبي حيّان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثل هذا، زاد فيه: على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، لا ألفينّ أحدكم على رقبته نفسٌ لها صياحٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أبو حيّان، عن أبي زرعة، عن عمرو بن جريرٍ، عن أبي هريرة، قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينا يومًا، فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، فقال: لا ألفينّ يجيءأحدكم يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني ثمّ ذكر نحو حديث أبي كريبٍ، عن عبد الرّحميم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حفص بن بشرٍ، عن يعقوب القمّيّ، قال: حدّثنا حفص بن حميدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاةً لها ثغاءٌ، ينادي: يا محمّد، يا محمّد فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا لا رغاءٌ، يقول: يا محمّد يا محمّد، فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعا من له حمحمةٌ، ينادي: يا محمّد يا محمّد، فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك.ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعًا من أدمٍ ينادي: يا محمّد يا محمّد، فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، قال: حدّثنا أبو إسحاق الشّيبانيّ، عن عبد اللّه بن ذكوان، عن عروة بن الزّبير، عن أبي حميدٍ، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مصدّقًا فجاء بسوادٍ كثيرٍ، قال: فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من يقبضه منه؛ فلمّا أتوه، جعل يقول: هذا لي، وهذا لكم؛ قال: فقالوا: من أين لك هذا؟ قال: أهدي إليّ، فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبروه بذلك، فخرج فخطب، فقال: أيّها النّاس ما بالي أبعث قومًا إلى الصّدقة، فيجيء أحدهم بالسّواد الكثير، فإذا بعثت من يقبضه قال: هذا لي، وهذا لكم فإن كان صادقًا أفلا أهدي له وهو في بيت أبيه، أو في بيت أمّه؟ ثمّ قال: أيّها النّاس من بعثناه على عملٍ فغلّ شيئًا، جاء به يوم القيامة على عنقه يحمله، فاتّقوا اللّه أن يأتي أحدكم يوم القيامة على عنقه بعيرٌ له رغاءٌ، أو بقرةٌ تخور، أو شاةٌ تثغو.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، وابن نميرٍ، وعبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميدٍ السّاعديّ، قال: استعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلاً من الأزد، يقال له ابن الأتبيّة على صدقات بني سليمٍ؛ فلمّا جاء قال: هذا لكم، وهذا هديّةٌ أهديت لي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أفلا يجلس أحدكم في بيته فتأتيه هديّته؟ ثمّ حمد اللّه وأنثى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي أستعمل رجالاً منكم على أمورٍ ممّا ولاّني اللّه، فيقول أحدهم: هذا الّذي لكم، وهذا هديّةٌ أهديت إليّ أفلا يجلس في بيت أبيه أوفى بيت أمّه فتأتيه هديّته؟ والّذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدكم من ذلك شيئًا إلاّ جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، فلا أعرفنّ ما جاء رجلٌ يحمل بعيرًا له رغاءٌ، أو بقرةً لها خوارٌ، أو شاةً تثغو ثمّ رفع يده فقال: ألا هل بلّغت.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن أبي حميدٍ، حدّثه بمثل هذا الحديث، قال: أفلا جلست في بيت أبيك وأمّك حتّى تأتيك هديّتك؟ ثمّ رفع يده حتّى إنّي لأنظر إلى بياض إبطيه، ثمّ قال اللّهمّ بلّغت قال أبو حميدٍ: بصر عيني، وسمع أذني..
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ موسى بن جبيرٍ، حدّثه أنّ عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن الحباب الأنصاريّ، حدّثه أنّ عبد اللّه بن أنيسٍ حدّثه أنّه، تذاكر هو وعمر يومًا الصّدقة، فقال: ألم تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين ذكر غلول الصّدقة: من غلّ منها بعيرًا أو شاةً فإنّه يحمله يوم القيامة؟ قال عبد اللّه بن أنيسٍ: بلى.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سعد بن عبادة مصدّقًا، فقال: إيّاك يا سعد أن تجيء يوم القيامة ببعيرٍ تحمله له رغاءٌ قال: لا آخذه ولا أجيء به فأعفاه.
- حدّثنا أحمد بن المغيرة الحمصيّ أبو حميدٍ، قال: حدّثنا الرّبيع بن روحٍ، قال: حدّثنا ابن عيّاشٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عمر بن حفصٍ، عن نافعٍ مولى ابن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه استعمل سعد بن عبادة، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسلّم عليه، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إيّاك يا سعد أن تجيء يوم القيامة تحمل على عنقك بعيرًا له رغاءٌ فقال سعدٌ: فإن فعلت يا رسول اللّه إنّ ذلك لكائنٌ؟ قال: نعم، قال سعدٌ: قد علمت يا رسول اللّه أنّي أسأل فأعطي، فأعفني، فأعفاه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبّاب، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن الحارث، قال: حدّثني جدّي عبيد بن أبي عبيدٍ، وكان أوّل مولودٍ بالمدينة، قال: استعملت على صدقة دوسٍ، فجاءني أبو هريرة في اليوم الّذي خرجت فيه، فسلّم، فخرجت إليه، فسلّمت عليه، فقال: كيف أنت والبعير؟ كيف أنت والبقر؟ كيف أنت والغنم؟ ثمّ قال: سمعت حبّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من أخذ بعيرًا بغير حقّه جاء به يوم القيامة له رغاءٌ، ومن أخذ بقرةً بغير حقّها جاء بها يوم القيامة لها خوارٌ، ومن أخذ شاةً بغير حقّها جاء بها يوم القيامة على عنقه لها يعاءٌ فإيّاك والبقر فإنّها أحد قرونًا وأشدّ أظلافًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، قال: حدّثني محمّدٌ، عن عبد الرّحمن بن الحارث، عن جدّه عبيد بن أبي عبيدٍ، قال: استعملت على صدقة دوسٍ؛ فلمّا قضيت العمل قدمت، فجاءني أبو هريرة فسلّم عليّ، فقال: أخبرني كيف أنت والإبل؟ ثمّ ذكر نحو حديثه عن زيدٍ، إلاّ أنّه قال: جاء به يوم القيامة على عنقه له رغاءٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} قال قتادة: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا غنم مغنمًا، بعث مناديًا: ألا لا يغلّنّ رجلٌ مخيطًا فما دونه، ألا لا يغلّنّ رجلٌ بعيرًا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاءٌ، ألا لا يغلّنّ رجلٌ فرسًا، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حمحمةٌ). [جامع البيان: 6/201-207]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {ثمّ توفّى كلّ نفسٍ} ثمّ تعطى كلّ نفسٍ جزاء ما كسبت بكسبها وافيًا غير منقوصٍ ما استحقّه واستوجبه من ذلك: {وهم لا يظلمون} يقول: وهم لا يفعل بهم إلاّ الّذي ينبغي أن يفعل بهم من غير أن يعتدي عليهم، فينقصوا عمّا استحقّوه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون} ثمّ يجزى بكسبه غير مظلومٍ ولا معتدًى عليه). [جامع البيان: 6/207-208]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما كان لنبيٍّ أن يغل
[الوجه الأول]
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ يقول: لا ينبغي لنبيٍّ أن يغلّ.
- حدّثنا أبي، ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: مثله وقبله، قال: كانت قطيفةٌ فقدّوها يوم بدرٍ فقالوا: لعلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها، فأنزل اللّه تعالى: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ أي: يخون.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ أي: يخون- وروي عن الحسن نحو ذلك
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ يقول:
وما كان لنبيٍّ أن يقسم لطائفةٍ من المسلمين ويترك طائفةً، ويجور في القسم، ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر اللّه، ويحكم فيه بما أنزل اللّه يقول اللّه تعالى:
ما كان اللّه ليجعل نبيّاً يغلّ فيه بما أنزل اللّه، يقول اللّه تعالى: ما كان اللّه ليجعل نبيّاً يغلّ من أصحابه، فإذا فعل النّبيّ ذلك استنّوا به- وروي عن الضحاك نحوه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة وما كان لنبيٍّ أن يغلّ قال: أن يغلّه أصحابه.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ فزعم أنّه لم يكن للمؤمنين أن يغلّوا في دينهم.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال:
محمّد بن إسحاق: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ أي: ما كان لنبيٍّ أن يكتم النّاس ما بعثه اللّه به إليهم عن رهبةٍ من النّاس ولا رغبةٍ.
والوجه الخامس:
- حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل البغداديّ، ثنا خلف بن هشامٍ، ثنا الخفّاف، عن هارون، عن الزّبير يعني: ابن خرّيتٍ
، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، وعن حنظلة، عن شهرٍ، عن ابن عبّاسٍ أن يغلّ: أن يتّهمه أصحابه
قوله تعالى: ومن يغلل
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: ومن يغلل يعني: يغلل ممّا أفاء اللّه على المسلمين من فيء المشركين بقليلٍ أو كثيرٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: ومن يغلل أي: من يفعل ذلك.
قوله تعالى: يأت بما غلّ يوم القيامة
- حدّثنا محمّد بن عبد الملك الدّقيقيّ، ثنا إسماعيل بن أبان حدثنا محمد ابن أبان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الحجر ليزن سبع خلفاتٍ ليلقى في جهنّم، فيهوي فيها سبعين خريفاً، ويؤتى بالغلول، فيلقى معه، ثمّ يكلّف صاحبه أن يأتي به وهو قول اللّه عزّ وجل: ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا ابن المبارك، عن أبي معشرٍ المدنيّ، عن سعيدٍ المقبريّ قال: جاء رجلٌ إلى أبي هريرة فقال: أرأيت قول اللّه تعالى: ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة؟ هذا يغلّ ألف درهمٍ وألفي درهمٍ يأتي بها؟ أرأيت من يغلّ مائة بعيرٍ مائتي بعيرٍ كيف يصنع؟ قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحدٍ؟ وفخذه مثل ورقان؟ وساقه مثل بيضاء؟ ومجلسه ما بين المدينة إلى الرّبذة؟ ألا يحلّ هذا؟
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، أنبأ ابن المبارك، عن عبد اللّه بن شوذبٍ، حدّثني عامر بن عبد الواحد، عن عبد اللّه بن بريدة، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال: لو كنت مستحلا من الغلول القليل، لاستحللت منه الكثير ما من أحدٍ يغلّ غلولا إلا كلّف أن يأتي به من أسفل درك جهنّم.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة وهو عارٌ عليهم يوم القيامة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: يأت بما غلّ يوم القيامة يعني: يأت به يوم القيامة قد حمله على عنقه.
قوله تعالى: ثمّ توفّى كلّ نفسٍ
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: ثمّ توفّى كلّ نفسٍ يعني برّاً وفاجراً.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: ثمّ توفّى كلّ نفسٍ مّا كسبت وهم لا يظلمون قال: ثمّ يجزى بكسبه غير مظلومٍ ولا معتدًى عليه.
قوله تعالى: ما كسبت
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: ما كسبت يعني: ما عملت من خيرٍ أو شرٍّ.
قوله تعالى: وهم لا يظلمون
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وهم لا يظلمون يعني: في أعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/803-806]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: نزلت هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161] في قطيفة حمراء فقدت يوم بدرٍ، فقال بعض القوم: لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخذها، فأنزل الله هذه الآية إلى آخرها، أخرجه الترمذي وأبو داود.
[شرح الغريب]
(يغل) الغل: الخيانة، وقد قرئ (يغلّ - ويغلّ)، أي يخون، ويخان.
(قطيفة) : دثار له خميلة). [جامع الأصول: 2/71-72]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161].
- عن ابن عبّاسٍ قال: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161]. قال: ما كان لنبيٍّ أن يتّهمه أصحابه.
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح.
- «وعن ابن عبّاسٍ قال: بعث النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - جيشًا فردّت رايته، ثمّ بعث فردّت، ثمّ بعث فردّت بغلول رأس غزالٍ من ذهبٍ، فنزلت: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161]».
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/328]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، ثنا هارون القارئ، عن الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161]، قال: ما كان لنبيٍّ أن يتّهمه أصحابه.
- وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عتّاب بن بشيرٍ، ثنا خصيفٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:....، نحوه). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/43-44]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا حسنٌ، ثنا أبو عمرٍو القارئ، عن عاصمٍ، عن أبي عبد الرّحمن قال: "قلت لابن عبّاسٍ: إنّ ابن مسعودٍ كان يقرأ: "أن يغل" فقال لي: قد جاز له أن يغل وأن يقتل، أما هي أن يغل وهو ما كان الله- عز وجل- ليجعل نبيّاً غالّاً"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/191]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا محمّد ابن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي الحويرث أنّه سمع الحكم بن (منهال) يقول: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعمر رضي الله عنه: اجمع لي من هنا من قريشٍ... الحديث.
تقدّم في باب الورع والتّقوى من الرّقائق). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/559]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: حدثنا حسنٌ، ثنا أبو عمرٍو القارئ، عن عاصمٍ، عن أبي عبد الرّحمن، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: إنّ ابن مسعودٍ رضي الله عنه، يقرأ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}، بفتح الغين فقال لي: قد جاز له أن يغلّ وأن (يقتل)، إنّما هي أن يغلّ (يعني) بضمّ العين، وما كان اللّه (عزّ وجلّ) ليجعل نبيًّا غالًّا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/561]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 161 - 163.
أخرج أبو داود، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {وما كان لنبي أن يغل} في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج ابن جرير عن الأعمش قال: كان ابن مسعود يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} فقال ابن عباس: بلى، ويقتل إنما كانت في قطيفة قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها يوم بدر، فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: نزلت هذه الآية {وما كان لنبي أن يغل} في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس قال بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم جيشا فردت رايته ثم بعث فردت بغلول رأس غزالة من ذهب، فنزلت {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: ما كان للنبي أن يتهمه أصحابه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض الناس: لعل النبي
صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل} قال: خصيف فقلت لسعيد بن جبير {وما كان لنبي أن يغل} يقول: ليخان قال: بل يغل فقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم والله يغل ويقتل أيضا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} بنصب الياء ورفع الغين
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي وأبي رجاء ومجاهد وعكرمة، مثله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {وما كان لنبي أن يغل} بفتح الياء.
وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي عبد الرحمن قال: قلت لابن عباس إن ابن مسعود يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} يعني بفتح الغين فقال لي: قد كان له أن يغل وأن يقتل إنما هي {أن يغل} يعني بضم الغين، ما كان الله ليجعل نبيا غالا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسمة ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر الله ويحكم فيه بما أنزل الله يقول: ما كان الله ليجعل نبيا يغل من أصحابه فإذا فعل ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم استسنوا به.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك قال بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا فلما قدمت الطلائع فقالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {وما كان لنبي أن يغل} قال أن يخون.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ {وما كان لنبي أن يغل} بنصب الغين قال: أن يخان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة والربيع {وما كان لنبي أن يغل} يقول: ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه، وذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقد غل طوائف من أصحابه.
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل قال الله (و يقتلون الأنبياء بغير حق) (البقرة الآية 61) ولكن المنافقين اتهموا النّبيّ صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا توفي يوم حنين فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا عليه، فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين.
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في النار فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة فقال: أسمعت بلالا ثلاثا قال: نعم، قال: فا منعك أن تجيء به قال: يا رسول الله أعتذر، قال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن صالح بن محمد بن زائدة قال: دخل مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه، قال: فوجدنا في متاعه مصحفا فسئل سالم عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الله بن شقيق قال أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك فلان، قال: بل هو الآن يجر إلى النار في عباءة غل بها الله ورسوله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال كان على ثقل النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار، فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه عباءة قد غلها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال قيل يا رسول الله استشهد مولاك فلان قال: كلا، إني رأيت عليه عباءة قد غلها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال أهدى رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فخرج به معه إلى خيبر فنزل بين العصر والمغرب فأتى الغلام سهم غائر فقتله، فقلنا هنيئا لك الجنة فقال: والذي نفسي بيده إن شملته لتحرق عليه الآن في النار غلها من المسلمين، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أصبت يومئذ شراكين فقال: يقدمنك مثلهما من نار جهنم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن سالم قال: كان أصحابنا يقولون: عقوبة صاحب الغلول أن يحرق فسطاطه ومتاعه.
وأخرج الطبراني عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا إسلال ولا غلول {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}.
وأخرج الترمذي وحسنه عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فلما سرت أرسل في أثري فرددت فقال: أتدري لم بعثت إليك لا تصيبن شيئا بغير إذني فإنه غلول {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} لهذا دعوتك فامض لذلك.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غنم مغنما بعث مناديه يقول: ألا لا يغلن رجل مخيطا فما فوقه ألا لا أعرفن رجلا يغل بعيرا يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له رغاء ألا لا أعرفن رجلا يغل فرسا يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له حمحمة ألا لا أعرفن رجلا يغل شاة يأتي بها يوم القيامة حاملها على عنقه لها ثغاء يتتبع من ذلك ما شاء الله أن يتتبع، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اجتنبوا الغلول فإنه عار وشنار ونار.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال: ألا لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك
من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك.
وأخرج هناد، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رجلا قال له: أرأيت قول الله {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يأتي بها أرأيت من يغل مائة بعير ومائتي بعير كيف يصنع بها قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل ورقان وساقه مثل بيضاء ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة ألا يحمل هذا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحجر ليزن سبع خلفات ليلقى في جهنم فيهوي فيها سبعين خريفا ويؤتى بالغلول فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس من عمل منكم لنا في عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل - وفي لفظ - فإنه غلول يأتي به يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن أنيس، أنه تذاكر هو وعمر يوما الصدقة فقال: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة من غل منها بعيرا أو شاة فانه يحمله يوم القيامة قال عبد الله بن أنيس: بلى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} يعني يأت بما غل يوم القيامة يحمله على عنقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال: لو كنت مستحلا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير ما من أحد يغل غلولا إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم.
وأخرج أحمد، وابن أبي داود في المصاحف عن خمير بن مالك قال: لما أمر بالمصاحف أن تغير فقال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله فإنه من غل شيئا جاء به يوم القيامة ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة). [الدر المنثور: 4/93-104]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن مطرف عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى أفمن اتبع رضوان الله قال من لم يغل كمن باء بسخط من الله قال كمن غل). [تفسير عبد الرزاق: 1/138]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: أفمن اتّبع رضوان اللّه في ترك الغلول كمن باء بسخطٍ من اللّه بغلوله ما غلّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن طريفٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {أفمن اتّبع رضوان اللّه} قال: من لم يغلّ {كمن باء بسخطٍ من اللّه} كمن غلّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني سفيان بن عيينة، عن مطرّف بن مطرّفٍ، عن الضّحّاك، قوله: {أفمن اتّبع رضوان اللّه} قال: امن أدّى الخمس {كمن باء بسخطٍ من اللّه} غل فباء بسخط من الله فاستوجب سخطًا من اللّه.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {أفمن اتّبع رضوان اللّه} على ما أحبّ النّاس وسخطوا {كمن باء بسخطٍ من اللّه} لرضا النّاس وسخطهم؟ يقول: أفمن كان على طاعتي، فثوابه الجنّة ورضوانٌ من ربّه، كمن باء بسخطٍ من اللّه، فاستوجب غضبه وكان مأواه جهنّم وبئس المصير؟ أسواءٌ المثلان؟ أي فاعرفوا
وأولى التّأويلين بتأويل الآية عندي قول الضّحّاك بن مزاحمٍ؛ لأنّ ذلك عقيب وعيد اللّه على الغلول ونهيه عباده عنه، ثمّ قال لهم بعد نهيه عن ذلك ووعيده، أسواءٌ المطيع للّه فيما أمره ونهاه، والعاصي له في ذلك؟ أي أنّهما لا يستويان ولا تستوي حالتاهما عنده، لأنّ لمن أطاع اللّه فيما أمره ونهاه الجنّة، ولمن عصاه فيما أمره ونهاه النّار
فمعنى قوله: {أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه} إذًا: أفمن ترك الغلول وما نهاه اللّه عنه عن معاصيه وعمل بطاعة اللّه في تركه ذلك وفي غيره ممّا أمره به ونهاه من فرائضه، متّبعًا في كلّ ذلك رضا اللّه، ومجتنبًا سخطه {كمن باء بسخطٍ من اللّه} يعني: كمن انصرف متحمّلاً سخط اللّه وغضبه، فاستحقّ بذلك سكنى جهنّم، يقول: ليسا سواءً.
وأمّا قوله: {وبئس المصير} فإنّه يعني: وبئس الشى الّذي يصير إليه ويئوب إليه من باء بسخطٍ من اللّه جهنّم). [جامع البيان: 6/208-210]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (162)
قوله تعالى: أفمن اتّبع رضوان اللّه
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: أفمن اتّبع رضوان اللّه يعني: أرضى اللّه فلم يغلل من الغنيمة
- وروي عن الضّحّاك قال: من لم يغلّ.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، أنبأ أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: أفمن اتّبع رضوان اللّه قال: يقول: من أخذ الحلال خيرٌ له ممّن أخذ الحرام، وهذا في الغلول وفي المظالم كلّها.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق:
أفمن اتّبع رضوان اللّه على ما أحبّ النّاس وسخطوا كمن باء بسخطٍ من اللّه لرضي النّاس وسخطهم؟ يقول: أفمن كان على طاعتي فثوابه الجنّة ورضوانٌ من ربّه؟
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا مؤمّلٌ، عن سفيان قال: بلغني، عن مجاهدٍ أفمن اتّبع رضوان اللّه قال: من أدّى الخمس.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، أنبأ ابن ثور، عن ابن جريح أفمن اتّبع رضوان اللّه قال: أمر اللّه في أداء الخمس.
قوله تعالى: كمن باء بسخطٍ من اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن سفيان، عن مطرّفٍ، عن الضّحّاك كمن باء بسخطٍ من اللّه قال: من غلّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: كمن باء بسخطٍ من اللّه يعني: كمن استوجب سخطاً من اللّه في الغلول، فليس هو بسواءٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال محمد ابن إسحاق: قوله: كمن باء بسخطٍ من اللّه فاستوجب غضبه.
قوله تعالى: ومأواه جهنّم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: ثمّ بيّن مستقرّهما، فقال للّذي يغلّ:
مأواه جهنّم.
قوله تعالى: وبئس المصير
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وبئس المصير يعني: مصير أهل الغلول). [تفسير القرآن العظيم: 2/806-807]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {أفمن اتبع رضوان الله} يعني رضا الله فلم يغلل من الغنيمة {كمن باء بسخط من الله} يعني كمن استجوب سخطا من الله في الغلول فليس هو بسواء ثم بين مستقرهما فقال للذي يغل {ومأواه جهنم وبئس المصير} يعني مصير أهل الغلول ثم ذكر مستقر من لا يغل فقال {هم درجات} يعني فضائل {عند الله والله بصير بما يعملون} يعني بصير بمن غل منكم ومن لم يغل.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {أفمن اتبع رضوان الله} قال: من لم يغل {كمن باء بسخط من الله} كمن غل.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج {أفمن اتبع رضوان الله} قال: أمر الله في أداء الخمس {كمن باء بسخط من الله} فاستوجب سخطا من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {أفمن اتبع رضوان الله} قال: من أدى الخمس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {أفمن اتبع رضوان الله} يقول: من أخذ الحلال خير له ممن أخذ الحرام وهذا في الغلول وفي المظالم كلها). [الدر المنثور: 4/93-104]

تفسير قوله تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: {هم درجاتٌ عند الله} [سورة آل عمران: 163]، بعضهم أفضل من بعض، يرى الذي قد فضل فضيلته، ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس). [الزهد لابن المبارك: 2/559]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون}

يعني تعالى ذكره بذلك أنّ من اتّبع رضوان اللّه، ومن باء بسخطٍ من اللّه مختلفو المنازل عند اللّه، فلمن اتّبع رضوان اللّه الكرامة والثّواب الجزيل، ولمن باء بسخطٍ من اللّه المهانة والعقاب الأليم.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون} أي لكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا في الجنّة والنّار، إنّ اللّه لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {هم درجاتٌ عند اللّه} يقول: بأعمالهم
وقال آخرون: معنى ذلك لهم درجاتٌ عند اللّه، يعني: لمن اتّبع رضوان اللّه منازل عند اللّه كريمةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {هم درجاتٍ عند اللّه} قال: هي كقوله لهم درجاتٌ عند اللّه.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {هم درجاتٌ عند اللّه} يقول: لهم درجاتٌ عند اللّه.
وقيل قوله: {هم درجاتٌ} كقول القائل: هم طبقاتٌ، كما قال ابن هرمة:.
إن حمّ المنون يكون قومىٌ = لريب الدّهر أم درج السّيول
وأمّا قوله: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} فإنّه يعني: واللّه ذو علمٍ بما يعمل أهل طاعته ومعصيته، لا يخفى عليه من أعمالهم شيءٌ، يحصي على الفريقين جميعًا أعمالهم، حتّى توفّى كلّ نفسٍ منهم جزاء ما كسبت من خيرٍ وشرٍّ.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} يقول: إنّ اللّه لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته). [جامع البيان: 6/210-211]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون (163)
قوله تعالى: هم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: هم درجاتٌ عند اللّه يقول: لهم درجاتٌ عند اللّه.
قوله تعالى: درجاتٌ عند اللّه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، ثنا الحسين عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: هم درجاتٌ عند اللّه يقول:
بأعمالهم.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: هم درجاتٌ عند اللّه قال: للنّاس درجاتٌ بأعمالهم في الخير والشّرّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: ثمّ ذكر مستقرّ من لا يغل فقال: هم درجاتٌ يعني: لهم فضائل عند اللّه.
قوله تعالى: واللّه بصيرٌ بما يعملون
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: واللّه بصيرٌ بما يعملون يعني:
بصيرٌ بمن غلّ منكم ومن لم يغلّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/807-808]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله هم درجات
[تفسير مجاهد: 138]
عند الله يقول لهم درجات عند الله). [تفسير مجاهد: 139]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {هم درجات عند الله} يقول: بأعمالهم
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {هم درجات عند الله} قال: هي كقوله (لهم درجات عند الله) (الأنفال الآية 4).
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {هم درجات} يقول: لهم درجات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله {هم درجات} قال: للناس درجات بأعمالهم في الخير والشر.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {هم درجات عند الله} قال: أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذي فاق فضله على الذي أسفل منه ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد). [الدر المنثور: 4/93-104]


رد مع اقتباس