الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م, 09:28 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَ‌ةٍ فَنَظِرَ‌ةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَ‌ةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(280)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280] فمن قال إنّها ناسخةٌ احتجّ بأنّ الإنسان في أوّل الإسلام كان إذا أعسر من دينٍ عليه بيع حتّى يستوفي المدين دينه منه فنسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك بقوله جلّ ثناؤه {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280]
ويدلّك على هذا القول أنّ أحمد بن محمّدٍ الأزدي حدّثنا، قال حدّثنا إبراهيم بن أبي داود، قال حدّثنا يحيى بن صالحٍ الوحاظيّ، قال حدّثنا مسلم بن خالدٍ الزّنجيّ، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن بن البيلمانيّ، قال: " كنت بمصر فقال لي رجلٌ ألا أدلّك على رجلٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقلت بلى فأشار إلى رجلٍ فجئته فقلت من أنت رحمك اللّه؟ فقال: أنا سرّقٌ فقلت: سبحان اللّه ما ينبغي لك أن تسمّى بهذا الاسم وأنت رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سمّاني سرّقًا فلن أدع ذلك أبدًا قلت: ولم سمّاك سرّقًا؟ قال لقيت رجلًا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه وقلت انطلق معي حتّى أعطيك فدخلت بيتي ثمّ خرجت من خلفٍ خرج لي وقضيت بثمن البعيرين حاجتي وتغيّبت حتّى ظننت أنّ الأعرابيّ قد خرج
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/102]
فخرجت والأعرابيّ مقيمٌ فأخذني فقدّمني إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته الخبر فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ما حملك على ما صنعت قلت قضيت بثمنها حاجتي يا رسول اللّه قال: «فاقضه» قال: قلت ليس عندي قال: «أنت سرّقٌ، اذهب به يا أعرابيّ فبعه حتّى تستوفي حقّك» قال فجعل النّاس يسومونه بي ويلتفت إليهم فيقول ما تريدون؟ فيقولون نريد أن نبتاعه منك قال، فواللّه إنّ منكم أحدًا أحوج إليه منّي اذهب فقد أعتقتك "
قال أحمد بن محمّدٍ الأزديّ ففي هذا الحديث بيع الحرّ في الدّين وقد
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/103]
كان ذلك في أوّل الإسلام يباع من عليه دينٌ فيما عليه من الدّين إذا لم يكن له مالٌ يقضيه عن نفسه حتّى نسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك فقال عزّ وجلّ {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280]
فذهب قومٌ إلى أنّ هذه الآية إنّما أنزلت في الرّبا وأنّه إذا كان لرجلٍ على رجلٍ دينٌ ولم يكن عنده ما يقضيه إيّاه حبس أبدًا حتّى يوفّيه واحتجّوا بقول اللّه جلّ وعزّ: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58] هذا قول شريحٍ، وإبراهيم النّخعيّ
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن محمّد بن سيرين، في قول اللّه جلّ وعزّ {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280] قال: " خاصم رجلٌ إلى شريحٍ في دينٍ له فقال آخر يعذّر صاحبه إنّه معسرٌ وقد قال اللّه تعالى {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280] فقال شريحٌ كان هذا في الرّبا وإنّما كان في الأنصار وإنّ اللّه تعالى قال: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/104]
وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل} [النساء: 58] ولا يأمرنا اللّه جلّ وعزّ بشيءٍ ثمّ نخالفه احبسوه إلى جنب السّارية حتّى يوفّيه"
وقال جماعةٌ من أهل العلم فنظرةٌ إلى ميسرةٍ عامّةٍ في جميع النّاس وكلّ من أعسر أنظر وهذا قول أبي هريرة، والحسن وجماعةٍ من الفقهاء
وعارض في هذه الأقوال بعض الفقهاء بأشياء من النّظر والنّحو واحتجّ بأنّه لا يجوز أن يكون هذا في الرّبا قال لأنّ الرّبا قد أبطل فكيف يقال فيه {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لكم} [البقرة: 280]
واحتجّ من النّحو بأنّه لو كان في الرّبا لكان وإن كان ذا عسرةٍ لأنّه قد تقدّم ذكره فلمّا كان في السّواد وإن كان ذو عسرةٍ علم أنّه منقطعٌ من الأوّل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/105]
عامٌّ لكلّ من كان ذا عسرةٍ وكانت كان بمعنى وقع وحدثٌ كما قال [البحر الطويل]

فدًى لبني ذهل بن شيبان ناقتي = إذا كان يومٌ ذو كواكب أشهب

قال أبو جعفرٍ: وهذا الاحتجاج ظاهره حسنٌ فإذا فتّشت عنه لم يلزم وذلك أنّ قوله الرّبا قد أبطله اللّه تعالى فالأمر في قوله قد أبطله اللّه تعالى صحيحٌ إن كان يريد ألّا يعمل به وإلّا فقد قال {فلكم رءوس أموالكم} فما الّذي يمنع أن يكون الإعسار في مثل هذا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/106]
وأمّا احتجاجه بالنّحو فلا يلزم قد يجوز أن يكون التّقدير وإن كان منهم ذو عسرةٍ وقد حكى النّحويّون المرء مقتولٌ بما قتل به إن خنجرٌ فخنجرٌ وإن كان يجوز فيه غير هذا
وأحسن ما قيل في الآية قول عطاءٍ والضّحّاك قالا:
«هي في الرّبا والدّين في كلّه» فهذا قولٌ يجمع الأقوال لأنّه يجوز أن تكون ناسخةً عامّةً نزلت في الرّبا ثمّ صار حكم غيره كحكمه
ولاسيّما وقد روى يزيد بن أبي زيادٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال:
نزلت في الرّبا
وهذا توقيفٌ من ابن عبّاسٍ بحقيقة الأمر ممّا لا يجوز أن يؤخذ بقياسٍ ولا رأيٍ لأنّه خبّر أنّها نزلت فيه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/107]
فأمّا {وأن تصدّقوا خيرٌ لكم} [البقرة: 280] فجعله قتادة على الموسر والمعسر، وقال السّدّي على المعسر وهذا أولى لأنّه يليه
واختلفوا في الآية التّاسعة والعشرين فجاء الاختلاف فيها عن الصّدر الأوّل والثّاني
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/108]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ}.
قال جماعة: هذه الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه من بيع المعسر فيما عليه من الدّين، وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أعرابيًا ببيع رجلٍ معسرٍ كان له عنده دين فأقبل الناس يسومونه فيه، وقالوا: نريد أن نفديه منك، فقال: والله
ما منكم من أحدٍ أحوج إلى الله مني اذهب فقد أعتقتك.
وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حدّث أن الخضر سأله مكاتبٌ في صدقة، وحلّفه بوجه الله، فأعطاه نفسه إعظامًا لوجه الله فباعه المكاتب بأربع مائة درهم، ثم أقام مدّةً مملوكًا حتى أعتقه مشتريه في قصّة طويلة ذكرنا بعضها على المعنى والله أعلم بصحة ذلك.
قال أبو محمد: وقد كان يجب ألاّ تذكر هذه الآية في الناسخ والمنسوخ؛ لأنها لم تنسخ قرآنًا، ولا سنّةً ثبتت. إنما نسخت فعلاً كانوا عليه بغير أمرٍ من الله. والقرآن كلّه أو أكثره على هذا، نقلهم حكمه عما كانوا عليه. وقد قال شريح: الآية في الربا خاصة.
والذي عليه جماعة العلماء أنها عامةٌ محكمةٌ في كلّ معسرٍ عليه دين من ربا وغيره، ينظر بالدّين إلى يسره.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} الآية [البقرة: 280] قالوا: هي ناسخة لما كانوا عليه من بيع المعسر فيما عليه من الديون، وقد قدمت أن مثل هذا لا يجمل أن يذكر في الناسخ؛ لأنه نقل عن فعل كانوا عليه بغير قرآن نزل فيه، ولا أمر من الله عز وجل، ولو كان ذا ناسخا لكان القرآن كله ناسخا؛ لأنه نزل في تغيير ما كانوا عليه وإبطاله.). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس