عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 04:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لا تجعل مع اللّه إلهًا آخر فتقعد مذمومًا مخذولًا (22)}
يقول تعالى: والمراد المكلّفون من الأمّة، لا تجعل أيّها المكلّف في عبادتك ربّك له شريكًا {فتقعد مذمومًا} على إشراكك {مخذولا} لأنّ الرّبّ تعالى لا ينصرك، بل يكلك إلى الّذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا؛ لأنّ مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له. وقد قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، حدّثنا بشير بن سلمان، عن سيّار أبي الحكم، عن طارق بن شهابٍ، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ -قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أصابته فاقةٌ فأنزلها بالنّاس لم تسدّ فاقته، ومن أنزلها باللّه أوشك اللّه له بالغنى، إمّا أجلٌ [عاجلٌ] وإمّا غنًى عاجلٌ".
ورواه أبو داود، والتّرمذيّ من حديث بشير بن سلمان، به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 64]

تفسير قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانًا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا (23) واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا (24)}
يقول تعالى آمرًا بعبادته وحده لا شريك له؛ فإنّ القضاء هاهنا بمعنى الأمر.
قال مجاهدٌ: {وقضى} يعني: وصّى، وكذا قرأ أبيّ بن كعبٍ، وعبد اللّه بن مسعودٍ، والضّحّاك بن مزاحمٍ: "ووصّى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه" ولهذا قرن بعبادته برّ الوالدين فقال: {وبالوالدين إحسانًا} أي: وأمر بالوالدين إحسانًا، كما قال في الآية الأخرى: {أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير} [لقمان: 14].
وقوله: {إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ} أي: لا تسمعهما قولًا سيّئًا، حتّى ولا التّأفيف الّذي هو أدنى مراتب القول السّيّئ {ولا تنهرهما} أي: ولا يصدر منك إليهما فعلٌ قبيحٌ، كما قال عطاء بن أبي رباحٍ في قوله: {ولا تنهرهما} أي: لا تنفض يدك على والديك.
ولـمّا نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال: {وقل لهما قولا كريمًا} أي: ليّنًا طيّبًا حسنًا بتأدّبٍ وتوقيرٍ وتعظيمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 64]

تفسير قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة} أي: تواضع لهما بفعلك {وقل ربّ ارحمهما} أي: في كبرهما وعند وفاتهما {كما ربّياني صغيرًا}
قال ابن عبّاسٍ: ثمّ أنزل اللّه [تعالى]: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التّوبة: 113].
وقد جاء في برّ الوالدين أحاديث كثيرةٌ، منها الحديث المرويّ من طرقٍ عن أنسٍ وغيره: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لمّا صعد المنبر قال: "آمين آمين آمين": فقالوا: يا رسول اللّه، علام أمّنت؟ قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمّد رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، فقل: آمين. فقلت: آمين. ثمّ قال: رغم أنف امرئٍ دخل عليه شهر رمضان ثمّ خرج ولم يغفر له، قل: آمين. فقلت آمين. ثمّ قال: رغم أنف امرئٍ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنّة، قل: آمين. فقلت: آمين".
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم، حدّثنا عليّ بن زيدٍ، أخبرنا زرارة بن أوفى، عن مالك بن الحارث -رجلٍ منهم -أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من ضمّ يتيمًا بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتّى يستغني عنه، وجبت له الجنّة البتّة، ومن أعتق امرأً مسلمًا كان فكاكه من النّار، يجزى بكلّ عضوٍ منه عضوًا منه".
ثمّ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، سمعت عليّ بن زيدٍ -فذكر معناه، إلّا أنّه قال: عن رجلٍ من قومه يقال له: مالك أو ابن مالكٍ، وزاد: "ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النّار، فأبعده اللّه".
حديثٌ آخر: وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا عليّ بن زيدٍ، عن زرارة بن أوفى عن مالك بن عمرٍو القشيريّ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من أعتق رقبةً مسلمةً فهي فداؤه من النّار، مكان كلّ عظم من عظامه محرّره بعظمٍ من عظامه، ومن أدرك أحد والديه ثمّ لم يغفر له فأبعده اللّه عزّ وجلّ، ومن ضمّ يتيمًا بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتّى يغنيه اللّه، وجبت له الجنّة".
حديثٌ آخر: وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ ومحمّد بن جعفرٍ قالا حدّثنا شعبة، عن قتادة سمعت زرارة بن أوفى يحدّث عن أبيّ بن مالكٍ القشيريّ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أدرك والديه أو أحدهما ثمّ دخل النّار من بعد ذلك، فأبعده اللّه وأسحقه".
ورواه أبو داود الطّيالسيّ، عن شعبة به وفيه زيادات أخر.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "رغم أنف، ثمّ رغم أنف، ثمّ رغم أنف رجلٍ أدرك والديه أحدهما أو كلاهما عند الكبر ولم يدخل الجنّة".
صحيحٌ من هذا الوجه، ولم يخرّجه سوى مسلمٍ، من حديث أبي عوانة وجريرٍ وسليمان بن بلالٍ، عن سهيلٍ، به.
حديثٌ آخر: وقال الإمام أحمد: حدّثنا ربعيّ بن إبراهيم -قال أحمد: وهو أخو إسماعيل بن عليّة، وكان يفضّل على أخيه -عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رغم أنف رجلٍ ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ! ورغم أنف رجلٍ دخل عليه شهر رمضان، فانسلخ قبل يغفر له! ورغم أنف رجلٍ أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنّة" قال ربعيٌّ: لا أعلمه إلّا قال: "أحدهما".
ورواه التّرمذيّ، عن أحمد بن إبراهيم الدّورقي، عن ربعيّ بن إبراهيم، ثمّ قال: غريبٌ من هذا الوجه.
حديثٌ آخر: وقال الإمام أحمد: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن الغسيل، حدّثنا أسيد بن عليٍّ، عن أبيه، عليّ بن عبيدٍ، عن أبي أسيدٍ وهو مالك بن ربيعة السّاعديّ، قال: بينما أنا جالسٌ عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جاءه رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول اللّه، هل بقي عليّ من برّ أبويّ شيءٌ بعد موتهما أبرّهما به؟ قال: "نعم، خصالٌ أربعٌ: الصّلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرّحم الّتي لا رحم لك إلّا من قبلهما، فهو الّذي بقي عليك بعد موتهما من برّهما".
ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث عبد الرّحمن بن سليمان -وهو ابن الغسيل -به.
حديثٌ آخر: وقال الإمام أحمد: حدّثنا روحٌ، حدّثنا ابن جريجٍ، أخبرني محمّد بن طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن معاوية بن جاهمة السّلميّ؛ أنّ جاهمة جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أردت الغزو، وجئتك أستشيرك؟ فقال: "فهل لك من أمٍّ؟ " قال.
نعم. فقال: "الزمها. فإنّ الجنّة عند رجليها ثمّ الثّانية، ثمّ الثّالثة في مقاعد شتّى، كمثل هذا القول.
ورواه النّسائيّ وابن ماجه، من حديث ابن جريجٍ، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا خلف بن الوليد، حدّثنا ابن عيّاشٍ، عن بحير بن سعدٍ، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معد يكرب الكنديّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ اللّه يوصيكم بآبائكم، إنّ اللّه يوصيكم بأمّهاتكم، إنّ اللّه يوصيكم بأمّهاتكم، إنّ اللّه يوصيكم بأمّهاتكم، إنّ اللّه يوصيكم بالأقرب فالأقرب".
وقد أخرجه ابن ماجه، من حديث [عبد اللّه] بن عيّاشٍ، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يونس، حدّثنا أبو عوانة، عن الأشعث بن سليمٍ، عن أبيه، عن رجلٍ من بني يربوعٍ قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسمعته وهو يكلّم النّاس يقول: "يد المعطي [العليا] أمّك وأباك وأختك وأخاك، ثمّ أدناك أدناك".
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو بكرٍ أحمد بن عمرٍو بن عبد الخالق البزّار في مسنده: حدّثنا إبراهيم ابن المستمرّ العروقي، حدّثنا عمرو بن سفيان، حدّثنا الحسن بن أبي جعفرٍ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن علقمة بن مرثدٍ عن سليمان بن بريدة، عن أبيه؛ أنّ رجلًا كان في الطّواف حاملًا أمّه يطوف بها، فسأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هل أدّيت حقّها؟ قال: "لا ولا بزفرةٍ واحدةٍ" أو كما قال. ثمّ قال البزّار: لا نعلمه يروى إلّا من هذا الوجه.
قلت: والحسن بن أبي جعفرٍ ضعيفٌ، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 64-67]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ربّكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنّه كان للأوّابين غفورًا (25)}
قال سعيد بن جبيرٍ: هو الرّجل تكون منه البادرة إلى أبويه، وفي نيّته وقلبه أنّه لا يؤخذ به -وفي روايةٍ: لا يريد إلّا الخير بذلك -فقال: {ربّكم أعلم بما في نفوسكم}
وقوله [تعالى]: {فإنّه كان للأوّابين غفورًا} قال قتادة: للمطيعين أهل الصّلاة.
وعن ابن عبّاسٍ: المسبّحين. وفي روايةٍ عنه: المطيعين المحسنين.
وقال بعضهم: هم الّذين يصلّون بين العشاءين. وقال بعضهم: هم الّذين يصلّون الضّحى.
وقال شعبة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب في قوله: {[فإنّه] كان للأوّابين غفورًا} قال: الّذي يصيب الذّنب ثمّ يتوب، ويصيب الذّنب ثمّ يتوب.
وكذا رواه عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ ومعمرٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن ابن المسيّب نحوه، وكذا رواه اللّيث وابن جريجٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن ابن] المسيّب، به وكذا قال عطاء بن يسار.
وقال مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ: هم الرّاجعون إلى الخير.
وقال مجاهدٌ عن عبيد بن عميرٍ في قوله: {فإنّه كان للأوّابين غفورًا} قال: هو الّذي إذا ذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر اللّه منها. ووافقه على ذلك مجاهدٌ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا محمّد بن مسلمٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عبيد بن عميرٍ، في قوله: {فإنّه كان للأوّابين غفورًا} قال: كنّا نعدّ الأوّاب الحفيظ، أن يقول: اللّهمّ اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا.
وقال ابن جريرٍ: والأولى في ذلك قول من قال: هو التّائب من الذّنب، الرّاجع عن المعصية إلى الطّاعة، ممّا يكره اللّه إلى ما يحبّه ويرضاه.
وهذا الّذي قاله هو الصّواب؛ لأنّ الأوّاب مشتقٌّ من الأوب وهو الرّجوع، يقال: آب فلانٌ إذا رجع، قال اللّه تعالى: {إنّ إلينا إيابهم} [الغاشية: 25]، وفي الحديث الصّحيح، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا رجع من سفرٍ قال: آيبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 67-68]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرًا (26) إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لربّه كفورًا (27) وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها فقل لهم قولا ميسورًا (28)}
لـمّا ذكر تعالى برّ الوالدين، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام، كما تقدّم في الحديث: "أمّك وأباك، ثمّ أدناك أدناك" وفي روايةٍ: "ثمّ الأقرب فالأقرب".
وفي الحديث: "من أحبّ أن يبسط له رزقه وينسأ له في أجله، فليصل رحمه".
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، حدّثنا أبو يحيى التّيميّ حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ قال لمّا نزلت، هذه الآية {وآت ذا القربى حقّه} دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاطمة فأعطاها "فدك". ثمّ قال: لا نعلم حدّث به عن فضيل بن مرزوقٍ إلّا أبو يحيى التّيميّ وحميد بن حمّاد بن أبي الخوار .
وهذا الحديث مشكلٌ لو صحّ إسناده؛ لأنّ الآية مكية، وفدك إنّما فتحت مع خيبر سنة سبعٍ من الهجرة فكيف يلتئم هذا مع هذا؟!
وقد تقدّم الكلام على المساكين وابن السّبيل في "سورة براءةٌ" بما أغنى عن إعادته هاهنا.
قوله [تعالى] {ولا تبذّر تبذيرًا} لـمّا أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطًا، كما قال في الآية الأخرى: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: 67].
ثمّ قال منفّرًا عن التّبذير والسّرف: {إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين} أي: أشباههم في ذلك.
وقال ابن مسعودٍ: التّبذير: الإنفاق في غير حقٍّ. وكذا قال ابن عبّاسٍ.
وقال مجاهدٌ: لو أنفق إنسانٌ ماله كلّه في الحقّ، لم يكن مبذّرًا، ولو أنفق مدًّا في غير حقّه كان تبذيرًا.
وقال قتادة: التّبذير: النّفقة في معصية اللّه تعالى، وفي غير الحقّ وفي الفساد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا ليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبى هلالٍ، عن أنس بن مالكٍ أنّه قال: أتى رجلٌ من بني تميمٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي ذو مالٍ كثيرٍ، وذو أهلٍ وولدٍ وحاضرةٍ، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "تخرج الزّكاة من مالك، فإنّها طهرةٌ تطهّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حقّ السّائل والجار والمسكين ". فقال: يا رسول اللّه، أقلل لي؟ فقال: {وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرًا} فقال:: حسبي يا رسول اللّه، إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى اللّه وإلى رسوله؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "نعم، إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدّلها".
وقوله [تعالى] {إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين} أي: في التّبذير والسّفه وترك طاعة اللّه وارتكاب معصيته؛ ولهذا قال: {وكان الشّيطان لربّه كفورًا} أي: جحودًا؛ لأنّه أنكر نعمة اللّه عليه ولم يعمل بطاعته؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 68-69]

رد مع اقتباس