عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ نافع وحده «يحزنك» بضم الياء من أحزن، وكذلك قرأ في جميع القرآن، إلا في سورة الأنبياء لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء: 103] فإنه فتح الياء، وقرأ الباقون «يحزنك» بفتح الياء من قولك حزنت الرجل، قال سيبويه: يقال حزن الرجل وفتن إذا أصابه الحزن والفتنة، وحزنته وفتنته، إذا جعلت فيه وعنده حزنا وفتنة، كما تقول: دهنت وكحلت، إذا جعلت دهنا وكحلا، وأحزنته وأفتنته إذا جعلته حزينا وفاتنا، كما تقول: أدخلته وأسمعته، هذا معنى قول سيبويه والمسارعة في الكفر هي المبادرة إلى أقواله وأفعاله والجد في ذلك، وقرأ الحر النحوي «يسرعون» في كل القرآن وقراءة الجماعة أبلغ، لأن من يسارع غيره أشد اجتهادا من الذي يسرع وحده، ولذلك قالوا كل مجر بالخلاء يسر، وسلّى الله نبيه بهذه الآية عن حال المنافقين والمجاهدين إذ كلهم مسارع، وقوله تعالى: إنّهم لن يضرّوا اللّه شيئاً خبر في ضمنه وعيد لهم أي: إنما يضرون أنفسهم، والحظ إذا لم يقيد فإنما يستعمل في الخير، ألا ترى قوله تعالى: وما يلقّاها إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ [فصلت: 35] ). [المحرر الوجيز: 2/425-426]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّ الّذين اشتروا أطلق عليهم الشراء من حيث كانوا متمكنين من قبول هذا وهذا فجاء أخذهم للواحد وتركهم للآخر كأنه ترك لما قد أخذ وحصل، إذ كانوا ممكنين منه، ولمالك رحمه الله متعلق بهذه الآية في مسألة شراء ما تختلف آحاد جنسه مما لا يجوز التفاضل فيه، في أن منع الشراء على أن يختار المبتاع، وباقي الآية وعيد كالمتقدم). [المحرر الوجيز: 2/426]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مهينٌ (178) ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيمٌ (179)
نملي معناه: نمهل ونمد في العمر، والملاوة: المدة من الدهر والملوان الليل والنهار وتقول:
ملاك الله النعمة أي منحكها عمرا طويلا، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: «يحسبن» بالياء من أسفل وكسر السين وفتح الباء، وقرأ ابن عامر كذلك إلا في السين فإنه فتحها وقرأ حمزة تحسبن.
بالتاء من فوق الباء، وقرأ ابن عامر كذلك إلا في- السين- فإنه فتحها، وقرأ حمزة «تحسبن» بالتاء من فوق وفتح السين، وقرأ عاصم والكسائي، كل ما في هذه السورة بالتاء من فوق إلا حرفين، قوله ولا يحسبنّ الّذين كفروا في هذه الآية وبعدها ولا يحسبنّ الّذين يبخلون فأما من قرأ «ولا يحسبن» بالياء من أسفل فإن الّذين فاعل وقوله أنّما نملي لهم خيرٌ بفتح الألف من «أنما» ساد مسد مفعولي حسب، وذلك أن «حسب» وما جرى مجراها تتعدى إلى مفعولين أو إلى مفعول يسد مسد مفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما تتعدى إليه ذكر الحديث والمحدث عنه، قال أبو علي: وكسر «إن» في قول من قرأ «يحسبن» بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى وفي غير السبع، ووجه ذلك أن يتلقى بها القسم كما يتلقى بلام الابتداء، ويدخلان على الابتداء والخبر، أعني- اللام- وإن فعلق عن «إنما» عمل الحسبان كما تعلق عن اللام في قولك: حسبت لزيد قائم، فيعلق الفعل عن العمل لفظا، وأما بالمعنى فما بعد «أن أو اللام» ففي موضع مفعولي «حسب»، وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي، ففي نملي عائد مستكن، ويحتمل أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى تقدير عائد وأما من قرأ «ولا تحسبن» بالتاء فالذين مفعول أول للحسبان، قال أبو علي: وينبغي أن تكون الألف من «إنما» مكسورة في هذه القراءة، وتكون «إن» وما دخلت عليه في موضع المفعول الثاني لتحسبن، ولا يجوز فتح الألف من «إنما» لأنها تكون المفعول الثاني، والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول بالمعنى، والإملاء لا يكون إياهم، قال مكي في مشكله: ما عملت أحدا قرأ «تحسبن» بالتاء من فوق وكسر الألف من «إنما» وجوز الزجّاج هذه القراءة «تحسبن» بالتاء و «أنما» بفتح الألف، وظاهر كلامه أنها تنصب خيرا، قال وقد قرأ بها خلق كثير وساق عليها مثالا قول الشاعر: [الطويل]
فما كان قيس هلكه هلك واحد = ... ... ... ...
بنصب هلك الثاني على أن الأول بدل، فكذلك يكون أنّما نملي بدلا من الّذين كفروا كقوله تعالى: وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره [الكهف: 63] وقوله وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم [الأنفال: 7] ويكون «خيرا» المفعول الثاني قال أبو علي: لم يقرأ هذه القراءة أحد، وقد سألت أحمد بن موسى عنها فزعم أنه لم يقرأ بها أحد، ويظهر من كلام أبي علي أن أبا إسحاق إنما جوز المسألة مع قراءة «خير» بالرفع، وأبو علي أعلم لمشاهدته أبا إسحاق، وذكر قوم أن هذه القراءة تجوز على حذف مضاف تقديره: ولا تحسبن شأن الذين كفروا أنما نملي لهم، فهذا كقوله تعالى: وسئل القرية [يوسف: 82] وغير ذلك ويذهب الأستاذ أبو الحسن بن الباذش: إلى أنها تجوز على بدل أن من الذين وحذف المفعول لحسب، إذ الكلام يدل عليه.
قال القاضي: والمسألة جائزة إذ المعنى لا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم أو نحو هذا ومعنى هذه الآية: الرد على الكفار في قولهم: إن كوننا ظاهرين ممولين أصحة دليل على رضى الله بحالنا واستقامة طريقتنا عنده، فأخبر الله أن ذلك التأخير والإمهال إنما هو إملاء واستدراج، ليكتسبوا الآثام، وقال عبد الله بن مسعود: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها، أما البرة فلتسرع إلى رحمة الله، وقرأ وما عند اللّه خيرٌ للأبرار [آل عمران: 198] وأما الفاجرة فلئلا تزداد إثما، وقرأ هذه الآية ووصف العذاب بالمهين معناه: التخسيس لهم، فقد يعذب من لا يهان، وذلك إذا اعتقدت إقالة عثرته يوما ما). [المحرر الوجيز: 2/426-429]

رد مع اقتباس