عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 06:45 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إنّ اللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ (17)}.
يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين، ومن سواهم من اليهود والصّابئين -وقد قدّمنا في سورة "البقرة" التّعريف بهم، واختلاف النّاس فيهم-والنّصارى والمجوس، والّذين أشركوا فعبدوا غير اللّه معه؛ فإنّه تعالى {يفصل بينهم يوم القيامة}، ويحكم بينهم بالعدل، فيدخل من آمن به الجنّة، ومن كفر به النّار، فإنّه تعالى شهيدٌ على أفعالهم، حفيظٌ لأقوالهم، عليم بسرائرهم، وما تكن ضمائرهم).[تفسير ابن كثير: 5/ 402]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات ومن في الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثيرٌ من النّاس وكثيرٌ حقّ عليه العذاب ومن يهن اللّه فما له من مكرمٍ إنّ اللّه يفعل ما يشاء (18)}
يخبر تعالى أنّه المستحقّ للعبادة وحده لا شريك له، فإنّه يسجد لعظمته كلّ شيءٍ طوعًا وكرهًا وسجود [كلّ شيءٍ ممّا] يختصّ به، كما قال: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّدًا للّه وهم داخرون} [النّحل: 48]. وقال هاهنا: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات ومن في الأرض} أي: من الملائكة في أقطار السموات، والحيوانات في جميع الجهات، من الإنس والجنّ والدّوابّ والطّير، {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} [الإسراء: 44].
وقوله: {والشّمس والقمر والنّجوم}: إنّما ذكر هذه على التّنصيص؛ لأنّها قد عبدت من دون اللّه، فبيّن أنّها تسجد لخالقها، وأنّها مربوبةٌ مسخّرةٌ {لا تسجدوا للشّمس ولا للقمر واسجدوا للّه الّذي خلقهنّ إن كنتم إيّاه تعبدون} [فصّلت: 37].
وفي الصّحيحين عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أتدري أين تذهب هذه الشّمس؟ ". قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: "فإنّها تذهب فتسجد تحت العرش، ثمّ تستأمر فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت".
وفي المسند وسنن أبي داود، والنّسائيّ، وابن ماجه، في حديث الكسوف: "إنّ الشّمس والقمر خلقان من خلق اللّه، وإنّهما لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ إذا تجلى لشيءٍ من خلقه خشع له".
وقال أبو العالية: ما في السّماء نجمٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ، إلّا يقع للّه ساجدًا حين يغيب، ثمّ لا ينصرف حتّى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين حتّى يرجع إلى مطلعه.
وأمّا الجبال والشّجر فسجودهما بفيء ظلالهما عن اليمين والشّمائل: وعن ابن عبّاسٍ قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، إنّي رأيتني اللّيلة وأنا نائمٌ، كأنّي أصلّي خلف شجرةٍ، فسجدت فسجدت الشّجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللّهمّ، اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبّلها منّي كما تقبّلتها من عبدك داود. قال ابن عباس: فقرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سجدةً ثمّ سجد، فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرّجل عن قول الشّجرة.
رواه التّرمذيّ، وابن ماجه، وابن حبّان في صحيحه.
وقوله: {والدّوابّ} أي: الحيوانات كلّها.
وقد جاء في الحديث عن الإمام أحمد: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن اتّخاذ ظهور الدّوابّ منابر فربّ مركوبةٍ خيرٌ وأكثر ذكرًا للّه من راكبها.
وقوله: {وكثيرٌ من النّاس} أي: يسجد للّه طوعًا مختارًا متعبّدًا بذلك، {وكثيرٌ حقّ عليه العذاب} أي: ممّن امتنع وأبى واستكبر، {ومن يهن اللّه فما له من مكرمٍ إنّ اللّه يفعل ما يشاء}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن شيبان الرّمليّ، حدّثنا القدّاح، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن عليٍّ قال: قيل لعلّيٍّ: إنّ هاهنا رجلًا يتكلّم في المشيئة. فقال له عليٌّ: يا عبد اللّه، خلقك اللّه كما يشاء أو كما شئت ؟ قال: بل كما شاء. قال: فيمرّضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء؟ قال: بل حيث يشاء. قال: واللّه لو قلت غير ذلك لضربت الّذي فيه عيناك بالسّيف.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا قرأ ابن آدم السّجدة اعتزل الشّيطان يبكي يقول: يا ويله. أمر ابن آدم بالسّجود فسجد، فله الجنّة، وأمرت بالسّجود فأبيت، فلي النّار" رواه مسلمٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشمٍ وأبو عبد الرّحمن المقرئ قالا حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا مشرح بن هاعان أبو مصعب المعافريّ قال: سمعت عقبة بن عامرٍ يقول: قلت يا رسول اللّه، أفضّلت سورة الحجّ على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: "نعم، فمن لم يسجد بهما فلا يقرأهما".
ورواه أبو داود والتّرمذيّ، من حديث عبد اللّه بن لهيعة، به. وقال التّرمذيّ: "ليس بقويٍّ " وفي هذا نظرٌ؛ فإنّ ابن لهيعة قد صرح فيه بالسّماع، وأكثر ما نقموا عليه تدليسه.
وقد قال أبو داود في المراسيل: حدّثنا أحمد بن عمرو بن السّرح، أنبأنا ابن وهب، أخبرني معاوية بن صالحٍ، عن عامر بن جشب، عن خالد بن معدان؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضّلت سورة الحجّ على القرآن بسجدتين".
ثمّ قال أبو داود: وقد أسند هذا، يعني: من غير هذا الوجه، ولا يصحّ.
وقال الحافظ أبو بكرٍ الإسماعيليّ: حدّثنا ابن أبي داود، حدّثنا يزيد بن عبد اللّه، حدّثنا الوليد، حدّثنا أبو عمرٍو، حدّثنا حفص بن عنانٍ، حدّثني نافعٌ، حدّثني أبو الجهم: أنّ عمر سجد سجدتين في الحجّ، وهو بالجابية، وقال: إنّ هذه فضّلت بسجدتين.
وروى أبو داود وابن ماجه، من حديث الحارث بن سعيدٍ العتقيّ، عن عبد اللّه بن منين، عن عمرو بن العاص؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقرأه خمس عشرة سجدةً في القرآن، منها ثلاثٌ في المفصّل، وفي سورة الحجّ سجدتان. فهذه شواهد يشدّ بعضها بعضًا).[تفسير ابن كثير: 5/ 403-405]

رد مع اقتباس