عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:46 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون (11) وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون (12)
هذه الآية قال مجاهد نزلت في دعاء الرجل على نفسه أو ماله أو ولده ونحو هذا، فأخبر الله تعالى أنه لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر، تقديرها ولا يفعل ذلك ولكن يذر الذين لا يرجون فاقتضب القول وتوصّل إلى هذا المعنى بقوله فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا فتأمل هذا التقدير تجده صحيحا، واستعجالهم نصب على المصدر، والتقدير مثل استعجالهم، وقيل: التقدير تعجيلا مثل استعجالهم، وهذا قريب من الأول، وقيل إن هذه الآية نزلت في قوله اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء [الأنفال: 32]
وقيل نزلت في قوله ائتنا بما تعدنا [الأعراف: 77] وما جرى مجراه، وقرأ جمهور القراء «لقضي» على بناء الفعل للمفعول ورفع «الأجل»، وقرأ ابن عامر وحده وعوف وعيسى بن عمر ويعقوب، «لقضى» على بناء الفعل للفاعل ونصب «الأجل» وقرأ الأعمش:
«لقضينا»، و «الأجل» في هذا الموضع أجل الموت، ومعنى قضى في هذه الآية أكمل وفرغ، ومنه قول أبي ذؤيب: [الكامل]
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السوابغ تبع
وأنشد أبو علي في هذا المعنى: [الطويل]
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها = فوائح في أكمامها لم تفتق
وتعدّى «قضى» في هذه الآية ب «إلى» لما كان بمعنى فرغ، وفرغ يتعدى بإلى ويتعدى باللام، فمن ذلك قول جرير:
ألان فقد فرغت إلى نمير = فصرت على جماعتها عذابا
ومن الآخر قوله عز وجل سنفرغ لكم أيّه الثّقلان [الرحمن: 31] وقرأ الأعمش: «فنذر الذين لا يرجون لقاءنا»، ويرجون في هذا الموضع على بابها والمراد الذين لا يؤمنون بالبعث فهم لا يرجون لقاء الله، والرجاء مقترن أبدا بخوف، «والطغيان» الغلو في الأمر وتجاوز الحد، و «العمه» الخبط في ضلال، فهذه الآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في الناس، يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة فيحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر، فلو عجل لهم لهلكوا). [المحرر الوجيز: 4/ 457-459]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذا مسّ الإنسان الضّرّ الآية، هذه الآية أيضا عتاب على سوء الخلق من بعض الناس، ومضمنه النهي عن مثل هذا والأمر بالتسليم إلى الله تعالى والضراعة إليه في كل حال والعلم بأن الخير والشر منه لا رب غيره، وقوله لجنبه في موضع حال كأنه قال: مضطجعا، ويجوز أن يكون حالا من الإنسان والعامل فيه مسّ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل في دعانا والعامل فيه دعا وهما معنيان متباينان، والضّرّ لفظ لجميع الأمراض، والرزايا في النفس والمال والأحبة هذا قول اللغويين، وقيل هو مختص برزايا البدن: الهزال والمرض، وقوله مرّ يقتضي أن نزولها في الكفار ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر أو عاص، فمعنى الآية مرّ في إشراكه بالله وقلة توكله عليه، وقوله زيّن إن قدرناه من الله تعالى فهو خلقه الكفر لهم واختراعه في نفوسهم صحبة أعمالهم الفاسدة ومثابرتهم عليها، وإن قدرنا ذلك من الشيطان فهو بمعنى الوسوسة والمخادعة، ولفظة التزيين قد جاءت في القرآن بهذين المعنيين من فعل الله تعالى ومرة من فعل الشياطين). [المحرر الوجيز: 4/ 459]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبيّنات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين (13) ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون (14) وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ قال الّذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآنٍ غير هذا أو بدّله قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يومٍ عظيمٍ (15)
هذه الآية وعيد للكفار وضرب أمثال لهم، أي كما فعل هؤلاء فعلكم فكذلك يفعل بكم ما فعل بهم،
وقوله وما كانوا ليؤمنوا إخبار عن قسوة قلوبهم وشدّة كفرهم، وقرأ جمهور السبعة وغيرهم: «نجزي» بنون الجماعة، وفرقة «يجزي» بالياء على معنى يجزي الله). [المحرر الوجيز: 4/ 460]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وخلائف جمع خليفة، وقوله لننظر معناه لنبين في الوجود ما علمناه أزلا، لكن جرى القول على طريق الإيجاز والفصاحة والمجاز، وقرأ يحيى بن الحارث وقال: رأيتها في الإمام مصحف عثمان، «لنظر» بإدغام النون في الظاء، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الله تعالى إنما جعلنا خلفاء لينظر كيف عملنا فأروا الله حسن أعمالكم في السر والعلانية، وكان أيضا يقول: قد استخلفت يا ابن الخطاب فانظر كيف تعمل؟ وأحيانا كان يقول قد استخلفت يا ابن أم عمر). [المحرر الوجيز: 4/ 460]


رد مع اقتباس