عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 03:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} أمّا "الجبت" فقال محمّد بن إسحاق، عن حسّان بن فائدٍ، عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: "الجبت": السّحر، و "الطّاغوت": الشّيطان.
وهكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وأبي العالية، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والشّعبيّ، والحسن، والضّحّاك، والسّدّيّ.
وعن ابن عبّاسٍ، وأبي العالية، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وعكرمة، [وأبي مالكٍ] وسعيد بن جبيرٍ، والشّعبيّ، والحسن، وعطيّة: "الجبت" الشّيطان -زاد ابن عبّاسٍ: بالحبشيّة. وعن ابن عبّاسٍ أيضًا: "الجبت": الشّرك. وعنه: "الجبت": الأصنام.
وعن الشّعبيّ: "الجبت": الكاهن. وعن ابن عبّاسٍ: "الجبت": حييّ بن أخطب. وعن مجاهدٍ: "الجبت": كعب بن الأشرف.
وقال العلّامة أبو نصر بن إسماعيل بن حمّادٍ الجوهريّ في كتابه "الصّحاح": "الجبت" كلمةٌ تقع على الصّنم والكاهن والسّاحر ونحو ذلك، وفي الحديث: "الطّيرة والعيافة والطّرق من الجبت" قال: وهذا ليس من محض العربيّة، لاجتماع الجيم والتّاء في كلمةٍ واحدةٍ من غير حرفٍ ذولقيٍّ.
وهذا الحديث الّذي ذكره، رواه الإمام أحمد في مسنده فقال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا، عوفٌ عن حيّان أبي العلاء، حدّثنا قطن بن قبيصة، عن أبيه -وهو قبيصة بن مخارقٍ-أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ العيافة والطّرق والطّيرة من الجبت" وقال عوفٌ: "العيافة": زجر الطّير، و"الطّرق": الخطّ، يخطّ في الأرض، و"الجبت" قال الحسن: إنّه الشّيطان.
وهكذا رواه أبو داود في سننه والنّسائيّ وابن أبي حاتمٍ في تفسيريهما من حديث عوفٍ الأعرابيّ، به
وقد تقدّم الكلام على "الطّاغوت" في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إسحاق بن الضّيف، حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، أخبرني أبو الزّبير أنّه سمع جابر بن عبد اللّه أنّه سئل عن "الطّواغيت" فقال: هم كهّانٌ تنزل عليهم الشّياطين.
وقال مجاهدٌ: "الطّاغوت": الشّيطان في صورة إنسانٍ، يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم.
وقال الإمام مالكٌ: "الطّاغوت": هو كلّ ما يعبد من دون اللّه، عزّ وجلّ.
وقوله: {ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا} أي: يفضّلون الكفّار على المسلمين بجهلهم، وقلّة دينهم، وكفرهم بكتاب اللّه الّذي بأيديهم.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقريّ، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة قال: جاء حييّ بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكّة، فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم، فأخبرونا عنّا وعن محمّدٍ، فقالوا: ما أنتم وما محمّدٌ. فقالوا: نحن نصل الأرحام، وننحر الكوماء، ونسقي الماء على اللّبن، ونفكّ العناة، ونسقي الحجيج -ومحمّدٌ صنبورٌ، قطّع أرحامنا، واتّبعه سرّاق الحجيج بنو غفارٍ، فنحن خيرٌ أم هو؟ فقالوا: أنتم خيرٌ وأهدى سبيلًا. فأنزل اللّه {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من [الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا]}.
وقد روي هذا من غير وجهٍ، عن ابن عبّاسٍ وجماعةٍ من السّلف.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا قدم كعب بن الأشرف مكّة قالت قريشٌ: ألا ترى هذا الصّنبور المنبتر من قومه؟ يزعم أنّه خيرٌ منّا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السّدانة، وأهل السّقاية! قال: أنتم خيرٌ. قال فنزلت {إنّ شانئك هو الأبتر} [الكوثر:3] ونزل: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى {نصيرًا}.
وقال ابن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان الّذين حزّبوا الأحزاب من قريشٍ وغطفان وبني قريظة حييّ بن أخطب وسلّام بن أبي الحقيق أبو رافعٍ، والرّبيع بن الرّبيع بن أبي الحقيق، وأبو عمّارٍ، ووحوح بن عامرٍ، وهوذة بن قيسٍ. فأمّا وحوح وأبو عمّارٍ وهوذة فمن بني وائلٍ، وكان سائرهم من بني النّضير، فلمّا قدموا على قريشٍ قالوا هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فسلوهم: أدينكم خيرٌ أم دين محمّدٍ؟ فسألوهم، فقالوا: بل دينكم خيرٌ من دينه، وأنتم أهدى منه وممّن اتّبعه. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من [الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا. أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا]} إلى قوله عزّ وجلّ: {وآتيناهم ملكًا عظيمًا}.
وهذا لعنٌ لهم، وإخبارٌ بأنّهم لا ناصر لهم في الدّنيا ولا في الآخرة، لأنّهم إنّما ذهبوا يستنصرون بالمشركين، وإنّما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابوهم، وجاؤوا معهم يوم الأحزاب، حتّى حفر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه حول المدينة الخندق، فكفى اللّه شرّهم {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قويًّا عزيزًا} [الأحزاب:25] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/334-335]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا (53) أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا (54) فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيرًا (55)}.
يقول تعالى: {أم لهم نصيبٌ من الملك}؟! وهذا استفهام إنكارٍ، أي: ليس لهم نصيبٌ من الملك ثمّ وصفهم بالبخل فقال: {فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا} أي: لأنّهم لو كان لهم نصيبٌ في الملك والتّصرّف لما أعطوا أحدًا من النّاس -ولا سيّما محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم-شيئًا، ولا ما يملأ "النّقير"، وهو النّقطة الّتي في النّواة، في قول ابن عبّاسٍ والأكثرين.
وهذه الآية كقوله تعالى {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء:100] أي: خوف أن يذهب ما بأيديكم، مع أنّه لا يتصوّر نفاده، وإنّما هو من بخلكم وشحّكم؛ ولهذا قال: {وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء:100] أي: بخيلًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/336]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} يعني بذلك: حسدهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على ما رزقه اللّه من النّبوّة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إيّاه حسدهم له؛ لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل.
قال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الحضرميّ، حدّثنا يحيى الحمّانيّ، حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن السّدّيّ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أم يحسدون النّاس [على ما آتاهم اللّه من فضله]} الآية، قال ابن عبّاسٍ: نحن النّاس دون النّاس، قال اللّه تعالى: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا} أي: فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل -الّذين هم من ذرّيّة إبراهيم-النّبوّة، وأنزلنا عليهم الكتب، وحكموا فيهم بالسّنن -وهي الحكمة-وجعلنا فيهم الملوك، ومع هذا {فمنهم من آمن به} أي: بهذا الإيتاء وهذا الإنعام). [تفسير القرآن العظيم: 2/336]

تفسير قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمنهم من آمن به} أي: بهذا الإيتاء وهذا الإنعام {ومنهم من صدّ عنه} أي: كفر به وأعرض عنه، وسعى في صدّ النّاس عنه، وهو منهم ومن جنسهم، أي من بني إسرائيل، فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمّد ولست من بني إسرائيل؟.
وقال مجاهدٌ: {فمنهم من آمن به} أي: بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {ومنهم من صدّ عنه} فالكفرة منهم أشدّ تكذيبًا لك، وأبعد عمّا جئتهم به من الهدى، والحقّ المبين.
ولهذا قال متوعّدًا لهم: {وكفى بجهنّم سعيرًا} أي: وكفى بالنّار عقوبةً لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب اللّه ورسله). [تفسير القرآن العظيم: 2/336]

رد مع اقتباس