عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وجعلوا للّه شركاء الجنّ وخلقهم وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ سبحانه وتعالى عمّا يصفون (100)}
هذا ردٌّ على المشركين الّذين عبدوا مع اللّه غيره، وأشركوا في عبادة اللّه أن عبدوا الجنّ، فجعلوهم شركاء اللّه في العبادة، تعالى اللّه عن شركهم وكفرهم.
فإن قيل: فكيف عبدت الجنّ وإنّما كانوا يعبدون الأصنام؟ فالجواب: أنّهم إنّما عبدوا الأصنام عن طاعة الجنّ وأمرهم إيّاهم بذلك، كما قال تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا * لعنه اللّه وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا * ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليًّا من دون اللّه فقد خسر خسرانًا مبينًا * يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} [النّساء: 117 -120]، وقال تعالى: {أفتتّخذونه وذرّيّته أولياء من دوني [وهم لكم عدوٌّ بئس للظّالمين بدلا]} [الكهف: 50]، وقال إبراهيم لأبيه: {يا أبت لا تعبد الشّيطان إنّ الشّيطان كان للرّحمن عصيًّا} [مريم: 44]، وقال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ * وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ} [يس: 60، 61]، وتقول الملائكة يوم القيامة: {سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأٍ: 41]، ولهذا قال تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ وخلقهم} أي: وقد خلقهم، فهو الخالق وحده لا شريك له، فكيف يعبد معه غيره، كما قال إبراهيم [عليه السّلام] {أتعبدون ما تنحتون * واللّه خلقكم وما تعملون} [الصّافّات: 95، 96].
ومعنى الآية: أنّه سبحانه وتعالى هو المستقلّ بالخلق وحده؛ فلهذا يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.
وقوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ} ينبّه به تعالى على ضلال من ضلّ في وصفه تعالى بأنّ له ولدًا، كما يزعم من قاله من اليهود في العزير، ومن قال من النّصارى في المسيح وكما قال المشركون من العرب في الملائكة: إنّها بنات اللّه، تعالى اللّه عمّا يقولون علوًّا كبيرًا.
ومعنى قوله [تعالى] {وخرقوا} أي: واختلقوا وائتفكوا، وتخرّصوا وكذّبوا، كما قاله علماء السّلف. قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {وخرقوا} يعني: أنهم تخرصوا.
وقال العوفيّ عنه: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ} قال: جعلوا له بنين وبناتٍ. وقال مجاهدٌ: {وخرقوا له بنين وبناتٍ} قال: كذبوا. وكذا قال الحسن. وقال الضّحّاك: وضعوا، وقال السّدّي: قطعوا.
قال ابن جريرٍ: فتأويل الكلام إذًا: وجعلوا للّه الجنّ شركاء في عبادتهم إيّاه، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريكٍ ولا ظهيرٍ {وخرقوا له بنين وبناتٍ} يقول: وتخرّصوا للّه كذبًا، فافتعلوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلًا باللّه وبعظمته، وأنّه لا ينبغي إن كان إلهًا أن يكون له بنون وبناتٌ ولا صاحبةٌ، ولا أن يشركه في خلقه شريكٌ.
ولهذا قال تعالى: {سبحانه وتعالى عمّا يصفون} أي: تقدّس وتنزّه وتعاظم عمّا يصفه هؤلاء الجهلة الضّالّون من الأولاد والأنداد، والنّظراء والشّركاء). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 307-308]

تفسير قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {بديع السّماوات والأرض أنّى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبةٌ وخلق كلّ شيءٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ (101)}
{بديع السّماوات والأرض} أي: مبدع السموات والآرض وخالقهما ومنشئهما و [محدثها] على غير مثالٍ سبق، كما قال مجاهدٌ والسّدّي. ومنه سمّيت البدعة بدعةً؛ لأنّه لا نظير لها فيما سلف.
{أنّى يكون له ولدٌ} أي: كيف يكون له ولدٌ، ولم تكن له صاحبةٌ؟ أي: والولد إنّما يكون متولّدًا عن شيئين متناسبين، واللّه لا يناسبه ولا يشابهه شيءٌ من خلقه؛ لأنّه خالق كلّ شيءٍ، فلا صاحبة له ولا ولد، كما قال تعالى: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا لقد جئتم شيئًا إدًّا [تكاد السّماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال * هدًّا أن دعوا للرّحمن ولدًا * وما ينبغي للرّحمن أن يتّخذ ولدًا إن كلّ من في السّماوات والأرض إلا آتي الرّحمن عبدًا * لقد أحصاهم وعدّهم عدًّا *] وكلّهم آتيه يوم القيامة فردًا} [مريم: 88 -95].
{وخلق كلّ شيءٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ} فبيّن تعالى أنّه الّذي خلق كلّ شيءٍ، وأنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ، فكيف يكون له صاحبةٌ من خلقه تناسبه؟ وهو الّذي لا نظير له فأنّى يكون له ولدٌ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 308]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ذلكم اللّه ربّكم لا إله إلا هو خالق كلّ شيءٍ فاعبدوه وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ (102) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير (103)}
يقول تعالى: {ذلكم اللّه ربّكم} أي: الّذي خلق كلّ شيءٍ ولا ولد له ولا صاحبة، {لا إله إلا هو خالق كلّ شيءٍ فاعبدوه} فاعبدوه وحده لا شريك له، وأقرّوا له بالوحدانيّة، وأنّه لا إله إلّا هو، وأنّه لا ولد له ولا والد، ولا صاحبة له ولا نظير ولا عديل {وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ} أي: حفيظٌ ورقيبٌ يدبّر كلّ ما سواه، ويرزقهم ويكلؤهم باللّيل والنّهار). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 308-309]

تفسير قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} فيه أقوالٌ للأئمّة من السّلف:
أحدها: لا تدركه في الدّنيا، وإن كانت تراه في الآخرة كما تواترت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غير ما طريقٍ ثابتٍ في الصّحاح والمسانيد والسّنن، كما قال مسروقٌ عن عائشة أنّها قالت: من زعم أنّ محمّدًا أبصر ربّه فقد كذب. [وفي روايةٍ: على اللّه] فإنّ اللّه يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}
رواه ابن أبي حاتمٍ من حديث أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ. ورواه غير واحدٍ عن مسروقٍ، وثبت في الصّحيح وغيره عن عائشة غير وجهٍ
وقد خالفها ابن عبّاسٍ، فعنه إطلاق الرّؤية، وعنه أنّه رآه بفؤاده مرّتين. والمسألة تذكر في أوّل "سورة النّجم" إن شاء اللّه [تعالى]
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكر محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقي، حدّثنا يحيى بن معين قال: سمعت إسماعيل بن عليّة يقول في قول اللّه تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} قال: هذا في الدّنيا. قال: وذكر أبي، عن هشام بن عبيد اللّه أنّه قال نحو ذلك.
وقال آخرون: {لا تدركه الأبصار} أي: جميعها، وهذا مخصّصٌ بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدّار الآخرة
وقال آخرون، من المعتزلة بمقتضى ما فهموه من الآية: إنّه لا يرى في الدّنيا ولا في الآخرة. فخالفوا أهل السّنّة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دلّ عليه كتاب اللّه وسنّة رسوله. أمّا الكتاب، فقوله تعالى: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ. إلى ربّها ناظرةٌ} [القيامة: 22، 23]، وقال تعالى عن الكافرين: {كلا إنّهم عن ربّهم يومئذٍ لمحجوبون} [المطفّفين: 15].
قال الإمام الشّافعيّ: فدلّ هذا على أنّ المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى.
وأمّا السّنّة، فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيدٍ، وأبي هريرة، وأنسٍ، وجريرٍ، وصهيب، وبلالٍ، وغير واحدٍ من الصّحابة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« أنّ المؤمنين يرون اللّه في الدّار الآخرة في العرصات، وفي روضات الجنّات، جعلنا اللّه تعالى منهم بمنّه وكرمه آمين».
وقيل: المراد بقوله: {لا تدركه الأبصار} أي: العقول. رواه ابن أبي حاتمٍ عن عليّ بن الحسين، عن الفلّاس، عن ابن مهديٍّ، عن أبي الحصين يحيى بن الحصين قارئ أهل مكّة أنّه قال ذلك. وهذا غريبٌ جدًّا، وخلاف ظاهر الآية، وكأنّه اعتقد أنّ الإدراك في معنى الرّؤية، واللّه [سبحانه وتعالى] أعلم.
وقال آخرون: لا منافاة بين إثبات الرؤية ونفي الإدراك، فإنّ الإدراك أخصّ من الرّؤية، ولا يلزم من نفي الأخصّ انتفاء الأعمّ. ثمّ اختلف هؤلاء في الإدراك المنفيّ، ما هو؟ فقيل: معرفة الحقيقة، فإنّ هذا لا يعلمه إلّا هو وإن رآه المؤمنون، كما أنّ من رأى القمر فإنّه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيّته، فالعظيم أولى بذلك وله المثل الأعلى.
وقال آخرون: المراد بالإدراك الإحاطة. قالوا: ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرّؤية كما لا يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم، قال اللّه تعالى: {ولا يحيطون به علمًا} [طه: 110]، وفي صحيح مسلمٍ: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك" ولا يلزم منه عدم الثّناء، فكذلك هذا.
قال العوفي، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} قال: لا يحيط بصر أحدٍ بالملك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة القنّاد، حدّثنا أسباطٌ عن سماكٍ، عن عكرمة، أنّه قيل له: {لا تدركه الأبصار}؟ قال: ألست ترى السّماء؟ قال: بلى. قال: فكلّها ترى؟.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} هو أعظم من أن تدركه الأبصار.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، حدّثنا خالد بن عبد الرّحمن، حدّثنا أبو عرفجة، عن عطيّة العوفيّ في قوله تعالى: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ. إلى ربّها ناظرةٌ} [القيامة: 22، 23]، قال: هم ينظرون إلى اللّه، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيطٌ بهم. فذلك قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}
وقد ورد في تفسير هذه الآية حديثٌ. رواه ابن أبي حاتمٍ هاهنا، فقال:
حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا منجاب بن الحارث السّهميّ حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} قال: «لو أنّ الجنّ والإنس والشّياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفّوا صفًّا واحدًا، ما أحاطوا باللّه أبدًا».
غريبٌ لا يعرف إلّا من هذا الوجه، ولم يروه أحدٌ من أصحاب الكتب السّتّة واللّه أعلم.
وقال آخرون في [قوله تعالى]: {لا تدركه الأبصار} بما رواه التّرمذيّ في جامعه، وابن أبي عاصمٍ في كتاب "السّنّة" له، وابن أبي حاتمٍ في تفسيره، وابن مردويه أيضًا، والحاكم في مستدركه، من حديث الحكم بن أبانٍ قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: رأى محمّدٌ ربّه تبارك وتعالى. فقلت: أليس اللّه يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} الآية؟ فقال: لي «لا أمّ لك. ذلك نوره، الّذي هو نوره، إذا تجلّى بنوره لا يدركه شيءٌ». وفي روايةٍ: "لا يقوم له شيءٌ".
قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه
وفي معنى هذا الأثر ما ثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "«إنّ اللّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل اللّيل قبل عمل النّهار، وعمل النّهار قبل عمل اللّيل، حجابه النّور -أو: النّار -لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»
وفي الكتب المتقدّمة: إنّ اللّه تعالى قال لموسى لمّا سأل الرّؤية: يا موسى، إنّه لا يراني حيٌّ إلّا مات، ولا يابسٌ إلّا تدهده. أي: تدعثر. وقال تعالى: {فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكًّا وخرّ موسى صعقًا فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين} [الأعراف: 143] ونفي هذا الأثر الإدراك الخاصّ لا ينفي الرّؤية يوم القيامة يتجلّى لعباده المؤمنين كما يشاء. فأمّا جلاله وعظمته على ما هو عليه -تعالى وتقدّس وتنزّه -فلا تدركه الأبصار؛ ولهذا كانت أمّ المؤمنين عائشة، رضي اللّه عنها، تثبت الرّؤية في الدّار الآخرة وتنفيها في الدّنيا، وتحتجّ بهذه الآية: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} فالّذي نفته الإدراك الّذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال على ما هو عليه، فإنّ ذلك غير ممكنٍ للبشر، ولا للملائكة ولا لشيءٍ.
وقوله: {وهو يدرك الأبصار} أي: يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه؛ لأنّه خلقها كما قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللّطيف الخبير} [الملك: 14].
وقد يكون عبّر بالأبصار عن المبصرين، كما قال السّدّي في قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} لا يراه شيءٌ وهو يرى الخلائق.
وقال أبو العالية في قوله [تعالى] {وهو اللّطيف الخبير} اللّطيف باستخراجها، الخبير بمكانها. واللّه أعلم.
وهذا كما قال تعالى إخبارًا عن لقمان فيما وعظ به ابنه: {يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السّماوات أو في الأرض يأت بها اللّه إنّ اللّه لطيفٌ خبيرٌ} [لقمان: 16] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 309-312]


رد مع اقتباس