عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 09:57 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنت}، قال خرصوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 215]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ:
{ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون}[الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث}[الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا}: [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا} [القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون} [الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ}[فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ» {ملكوتٌ} [الأنعام: 75] : " ملكٌ، مثل: رهبوتٍ خيرٌ من رحموتٍ، ويقول: ترهب خيرٌ من أن ترحم "، {وإن تعدل} [الأنعام: 70] : «تقسط، لا يقبل منها في ذلك اليوم» ، {جنّ}[الأنعام: 76] : «أظلم» ، {تعالى} [النحل: 3] : علا).[صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تعالى علا
أشار به إلى قوله تعالى: {سبحانه وتعالى عمّا يصفون} وفسّر تعالى بقوله: علا ورقع في (مستخرج) أبي نعيم تعالى الله علا الله.
وكذا في رواية النّسفيّ، وفي التّفسير: سبحان الله. أي: تقدس وتنزه وتعاظم عمّا يصفه الجهلة الضالون من الأنداد والنظراء والشركاء). [عمدة القاري: 18/ 222-223]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({تعالى}) {ما يصفون} أي (علا) وهذا ثابت لأبي ذر ساقط لغيره). [إرشاد الساري: 7/ 117] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ وخلقهم وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ سبحانه وتعالى عمّا يصفون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وجعل هؤلاء العادلون بربّهم الآلهة والأنداد للّه {شركاء الجنّ} كما قال جلّ ثناؤه: {وجعلوا بينه وبين الجنّة نسبًا}.
وفي {الجنّ} وجهان من النّصب: أحدهما أن يكون تفسيرًا للشّركاء، والآخرة: أن يكون معنى الكلام: وجعلوا للّه الجنّ شركاء وهو خالقهم.
واختلفوا في قراءة قوله: {وخلقهم}، فقرأته قرّاء الأمصار: {وخلقهم} على معنى أنّ اللّه خلقهم منفردًا بخلقه إيّاهم.
- وذكر عن يحيى بن يعمر ما حدّثني به، أحمد بن يوسف قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن واصلٍ، مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيلٍ، عن يحيى بن يعمرٍ، أنّه قال: (شركاء الجنّ وخلقهم) بجزم اللاّم بمعنى أنّهم قالوا: إنّ الجنّ شركاء للّه في خلقه إيّانا.
وأولى القراءتين بالصّواب قراءة من قرأ ذلك: {وخلقهم}، لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.
وأمّا قوله: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ}، فإنّه يعني بقوله: {خرقوا} اختلقوا، يقال: اختلق فلانٌ على فلانٍ كذبًا واخترقه: إذا افتعله وافتراه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ} واللّه خلقهم، {وخرقوا له بنين وبناتٍ} يعني: أنّهم تخرّصوا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ} قال: جعلوا له بنين وبناتٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ}، قال: كذبوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}: كذبوا، سبحانه وتعالى عمّا يصفون عمّا يكذبون، أمّا العرب فجعلوا له البنات، ولهم ما يشتهون من الغلمان، وأمّا اليهود فجعلوا بينه وبين الجنّة نسبًا، ولقد علمت الجنّة أنّهم لمحضرون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ} قال: خرصوا له بنين وبناتٍ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ} يقول: قطعوا له بنين وبناتٍ، قالت العرب: الملائكة بنات اللّه، وقالت اليهود والنّصارى: المسيح وعزيرٌ ابنا اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ} قال: خرقوا: كذبوا، لم يكن للّه بنون ولا بناتٍ، قالت النّصارى: المسيح ابن اللّه، وقال المشركون: الملائكة بنات اللّه، فكلٌّ خرقوا الكذب. وخرقوا: اخترقوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ} قال: قول الزّنادقة. {وخرقوا له}، قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: خرقوا: كذبوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {وخرقوا له بنين وبناتٍ}، قال: وصفوا له.
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، عن أبي عمر: {وخرقوا له بنين وبناتٍ}، قال: تفسيرها: وكذبوا.
فتأويل الكلام إذن: وجعلوا للّه الجنّ وشركاء في عبادتهم إيّاه، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريكٍ ولا معينٍ ولا ظهيرٍ. {وخرقوا له بنين وبناتٍ} يقول: وتخرّصوا للّه كذبًا، فافتعلوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ منهم بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلاً باللّه وبعظمته وأنّه لا ينبغي لمن كان إلهًا أن يكون له بنون وبناتٌ ولا صاحبةٌ، ولا أن يشركه في خلقه شريكٌ).[جامع البيان: 9/ 453-456]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سبحانه وتعالى عمّا يصفون}.
يقول تعالى ذكره: تنزّه اللّه وعلا فارتفع عن الّذي يصفه به هؤلاء الجهلة من خلقه في ادّعائهم له شركاء من الجنّ، واختراقهم له بنين وبناتٍ، وذلك لا ينبغي أن يكون من صفته، لأنّ ذلك من صفة خلقه الّذين يكون منهم الجماع الّذي يحدث عنه الأولاد، والّذين تضطرّهم لضعفهم الشّهوات إلى اتّخاذ الصّاحبة لقضاء اللّذّات، وليس اللّه تعالى ذكره بالعاجز فيضطرّه شيءٌ إلى شيءٍ، ولا بالضّعيف المحتاج فتدعوه حاجته إلى النّساء إلى اتّخاذ صاحبةٍ لقضاء لذّةٍ.
وقوله: {تعالى}: تفاعل من العلوّ والارتفاع.
وروي عن قتادة في تأويل قوله: {عمّا يصفون}: أنّه يكذبون.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {سبحانه وتعالى عمّا يصفون}: عمّا يكذبون.
وأحسب أنّ قتادة عنى بتأويله ذلك كذلك، أنّهم يكذبون في وصفهم اللّه بما كانوا يصفونه من ادّعائهم له بنين وبناتٍ، لا أنّه وجّه تأويل الوصف إلى الكذب). [جامع البيان: 9/ 456-457]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وجعلوا للّه شركاء الجنّ وخلقهم وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ سبحانه وتعالى عمّا يصفون (100)}
قوله تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ، وخلقهم}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}، واللّه: خلقهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا المحاربيّ عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله:
وجعلوا للّه شركاء: يقول: هل تشركون عبيدكم في الّذي لكم فتكونوا فيه سواءً؟ فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟
قوله: {وخرقوا له بنين}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ}: يعني أنّهم تخرّصوا.
وروي عن قتادة مثل ذلك.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وخرقوا له بنين وبناتٍ}، قال: جعلوا له بنين وبناتٍ.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{وخرقوا له بنين وبناتٍ}، يعني قطعوا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله:
{وخرقوا له بنين وبناتٍ}، يقول: كذبوا. وروي عن الحسن مثل ذلك.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة عن جويبرٍ عن الضّحّاك:
{وخرقوا له بنين وبناتٍ}، قال: وصفوا له.
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ ثنا أبي ثنا خالد بن قيسٍ عن قتادة: قوله: وخرقوا له بنين وبناتٍ قال: كذبوا له، أمّا اليهود والنّصارى فقالوا نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه، وهم كذّبوا به، وأمّا مشركو العرب فكانوا يعبدون اللات والعزّى فيقولون:
العزّى بنات اللّه، فأكذبهم اللّه ونفاهم من فرائهم.
قوله: {بنين وبناتٍ بغير علمٍ}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ} يقول: قطعوا له بنين وبناتٍ. قالت العرب: الملائكة بنات اللّه، وقالت اليهود والنّصارى: المسيح وعزيرٌ أبناء اللّه.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله:
{وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ}، قال: خرقوا كذبوا، لم يكن للّه بنون ولا بناتٌ. قالت النّصارى: المسيح ابن اللّه، وقال المشركون: الملائكة بنات اللّه، فكلٌّ خرقوا الكذب، وخرق: اخترق.
قوله: {سبحانه}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفص بن غياثٍ عن حجّاجٍ عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {سبحان اللّه}، قال: تنزيه اللّه نفسه عن السّوء، ثمّ قال عمر لعليٍّ رضي اللّه عنهما، وأصحابه عنده: لا إله إلا اللّه- قد عرفناه، فما سبحان اللّه؟ فقال له عليّ رضي اللّه عنه: كلمةٌ أحبّها اللّه لنفسه ورضيها، وأحبّ أن تقال.
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ ثنا النّضر بن موسى قال: سأل رجلٌ ميمون بن مهران عن {سبحان اللّه}، فقال: اسمٌ يعظّم اللّه به، ويحاشى به من السّوء.
- حدّثني أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا أبو مالكٍ- يعني عمرو بن هاشمٍ الجنبيّ- عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله: {سبحانه} يقول: عجب.
قوله: {وتعالى عمّا يصفون}
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ ثنا أبي عن خالد بن قيسٍ عن قتادة وتعالى عمّا يصفون أي عما يكذبون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1360-1362]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:
{وخرقوا له بنين وبناتٍ} يقول كذبوا).[تفسير مجاهد: 220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم}، قال: والله خلقهم {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} قال: تخرصوا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وخرقوا له بنين وبنات}، قال: عباس في قوله: {وخرقوا له بنين وبنات}، قال: جعلوا له بنين وبنات.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وخرقوا}، قال: كذبوا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وخرقوا له بنين وبنات}، قال: قالت العرب: الملائكة بنات الله وقالت اليهود والنصارى: المسيح وعزير ابنا الله
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وخرقوا له بنين وبنات}، قال: كذبوا له أما اليهود والنصارى فقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه وأما مشركوا العرب فكانوا يعبدون اللات والعزى فيقولون العزى بنات الله {سبحانه وتعالى عما يصفون} أي عما يكذبون.
- وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {وخرقوا له بنين وبنات} قال: وصفوا لله بنين وبنات افتراء عليه، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت حسان بن ثابت يقول:
اخترق القول بها لاهيا ....... مستقبلا أشعث عذب الكلام.
- وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن يعمر، أنه كان يقرأها: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم} خفيفة يقول: جعلوا لله خلقهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن الحسن، أنه قرأ: {وخلقهم} مثقلة، يقول: هو خلقهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: خرقوا ما هو إنما خرقوا خفيفة كان الرجل إذا كذب الكذبة فينادي القوم قيل: خرقها). [الدر المنثور: 6/ 160-161]

تفسير قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بديع السّموات والأرض أنّى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبةٌ}.
يقول تعالى ذكره: اللّه الّذي جعل هؤلاء الكفرة به له الجنّ شركاء، وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ، {بديع السّموات والأرض}: يعني مبتدعها ومحدثها وموجدها بعد أن لم تكن.
13750- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {بديع السّموات والأرض} قال: هو الّذي ابتدع خلقهما جلّ جلاله فخلقهما ولم تكونا شيئًا قبله.
{أنّى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبةٌ}، والولد إنّما يكون من الذّكر والأنثى، ولا ينبغي أن يكون للّه سبحانه صاحبةٌ فيكون له ولدٌ، وذلك أنّه هو الّذي خلق كلّ شيءٍ. يقول: فإذا كان لا شيء إلاّ اللّه خلقه، فأنّى يكون للّه ولدٌ ولم تكن له صاحبةٌ فيكون له منها ولدٌ؟). [جامع البيان: 9/ 457]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وخلق كلّ شيءٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: واللّه خلق كلّ شيءٍ ولا خالق سواه، وكلّ ما تدعون أيّها العادلون باللّه الأوثان من دونه خلقه وعبيده، ملكًا كان الّذي تدعونه ربًّا وتزعمون أنّه له ولدٌ، أو جنيًّا أو إنسيًّا. {وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ} يقول: واللّه الّذي خلق كلّ شيءٍ، لا يخفى عليه ما خلق ولا شيءٌ منه، ولا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء، عالمٌ بعددكم وأعمالكم وأعمال من دعوتموه ربًّا أو للّه ولدًا، وهو محصيها عليكم وعليهم حتّى يجازي كلًّا بعمله).[جامع البيان: 9/ 458]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({بديع السّماوات والأرض أنّى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبةٌ وخلق كلّ شيءٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ (101)}
قوله تعالى: {بديع السماوات والأرض}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: قوله: {بديع السماوات والأرض}، قال: ابتدع خلقهما، ولم يشركه في خلقهما أحدٌ. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: بديع السماوات والأرض، يقول: ابتدعهما فخلقهما، ولم يخلق قبلهما شيئًا فيتمثّل عليه.
وروي عن مجاهدٍ نحو ذلك.
قوله:{ أنّى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبة ... الآية}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله:{بكلّ شيءٍ عليمٌ} يعني من أعمالكم عليمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1362]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(حدّثنا حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن عمرٍو، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه -رضي اللّه عنه-، قال: «لا أحد أغير من اللّه، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدح من اللّه، ولذلك مدح نفسه» قلت: سمعته من عبد اللّه؟ قال: نعم، قلت: ورفعه؟ قال: نعم {وكيلٌ} : «حفيظٌ ومحيطٌ به»).[صحيح البخاري: 6/ 57] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: [4634] وكيلٌ حفيظٌ محيطٌ به قال أبو عبيدة في قوله: {واللّه على كلّ شيء وكيل}؛ أي حفيظٌ محيطٌ). [فتح الباري: 8/ 296]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (8 - (بابٌ: {وكيلٌ} حفيظٌ ومحيطٌ به)
أشار به إلى قوله تعالى: {وهو على كل شيء وكيل} وفسّر لفظ: وكيل: بقوله: حفيظ ومحيط به، وكذا فسره أبو عبيدة، وفي بعض الشّروح قوله: (وكيل) ، يريد {لست عليكم بوكيل} [الأنعام: 66] ونزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وأما قوله تعالى: {تتّخذوا من دوني وكيلا} [الإسراء: 2] فقيل: يكون شريكا. أي: تكون أموركم إليه، وقيل: كفيل وقبيل: كاف قلت: جاء وما أنت عليهم بوكيل. أي: بوكيل على أرزاقهم وأمورهم وما عليك إلّا البلاغ. كما في قوله: {لست عليهم بمسيطر} [الغاشية: 22] وقال: فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب). [عمدة القاري: 18/ 228]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (8 - باب {وكيلٌ}: حفيظٌ ومحيطٌ به. قبلًا: جمع قبيلٍ، والمعنى أنّه ضروبٌ للعذاب، كلّ ضربٍ منها قبيلٌ. زخرف القول: كلّ شيءٍ حسّنته ووشّيته، وهو باطلٌ فهو زخرفٌ. وحرثٌ حجرٌ: حرامٌ وكلّ ممنوعٍ فهو حجرٌ محجورٌ والحجر كلّ بناءٍ بنيته ويقال للأنثى من الخيل حجرٌ ويقال للعقل: حجرٌ وحجًى وأمّا الحجر فموضع ثمود، وما حجّرت عليه من الأرض فهو حجرٌ ومنه سمّى حطيم البيت حجرًا، كأنّه مشتقٌّ من محطور مثل قتيلٍ من مقتولٍ وأمّا حجر اليمامة فهو منزلٌ.
({وكيل}) ولأبي ذر: ووكيل بزيادة واو ومراده تفسير {وهو على كل شيء وكيل} أي (حفيظ ومحيط به). كذا فسره أبو عبيدة).[إرشاد الساري: 7/ 122]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلكم اللّه ربّكم لا إله إلاّ هو خالق كلّ شيءٍ فاعبدوه وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ}.
يقول تعالى ذكره: الّذي خلق كلّ شيءٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ، هو اللّه ربّكم أيّها العادلون باللّه الآلهة والأوثان، والجاعلون له الجنّ شركاء، وآلهتكم الّتي لا تملك نفعًا ولا ضرًّا، ولا تفعل خيرًا ولا شرًّا، {لا إله إلاّ هو}.
وهذا تكذيبٌ من اللّه جلّ ثناؤه للّذين زعموا أنّ الجنّ شركاء اللّه، يقول جلّ ثناؤه لهم: أيّها الجاهلون، إنّه لا شيء له الألوهيّة والعبادة إلاّ الّذي خلق كلّ شيءٍ، وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ، فإنّه لا ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادة جميع من في السّموات والأرض إلاّ له خالصةً بغير شريكٍ تشركونه فيها، فإنّه خالق كلّ شيءٍ وبارئه وصانعه، وحقٌّ على المصنوع أن يفرد صانعه بالعبادة. {فاعبدوه} يقول: فذلّوا له بالطّاعة والعبادة والخدمة، واخضعوا له بذلك. {وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ} يقول: واللّه على كلّ ما خلق من شيءٍ رقيبٌ وحفيظٌ يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته). [جامع البيان: 9/ 458]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ذلكم اللّه ربّكم لا إله إلّا هو خالق كلّ شيءٍ فاعبدوه وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ (102)}
قوله عزّ وجلّ: {ذلكم اللّه ربّكم لا إله إلّا هو خالق كل شيءٍ}
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل قال: قال محمّد ابن إسحاق: لا إله إلا هو أي: ليس معه غيره شريكٌ في أمره.
قوله: {فاعبدوه، وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ}
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أبو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: اعبدوا أي: وحدوا).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1362]

تفسير قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) }
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن يوسف، قال: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، قال: كنت متّكئًا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة، ثلاثٌ من تكلّم بواحدةٍ منهنّ فقد أعظم الفرية على الله: من زعم أنّ محمّدًا رأى ربّه فقد أعظم الفرية على الله، واللّه يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير} {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلاّ وحيًا أو من وراء حجابٍ} وكنت متّكئًا فجلست، فقلت: يا أمّ المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، أليس يقول اللّه: {ولقد رآه نزلةً أخرى} {ولقد رآه بالأفق المبين} قالت: أنا واللّه أوّل من سأل عن هذا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّما ذاك جبريل، ما رأيته في الصّورة الّتي خلق فيها غير هاتين المرّتين، رأيته منهبطًا من السّماء سادًّا عظم خلقه ما بين السّماء والأرض، ومن زعم أنّ محمّدًا كتم شيئًا ممّا أنزل اللّه عليه، فقد أعظم الفرية على الله»، يقول اللّه: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك}، ومن زعم أنّه يعلم ما في غدٍ، فقد أعظم الفرية على الله، واللّه يقول: {قل لا يعلم من في السّموات والأرض الغيب إلاّ اللّه}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ومسروق بن الأجدع يكنى أبا عائشة وهو: مسروق بن عبد الرّحمن، وكذا كان اسمه في الدّيوان). [سنن الترمذي: 5/ 112-113]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، فقال بعضهم: معناه: لا تحيط به الأبصار، وهو يحيط بها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} يقول: لا يحيط بصر أحدٍ بالملك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، وهو أعظم من أن تدركه الأبصار.
- حدّثني سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا خالد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو عرفجة، عن عطيّة العوفيّ، في قوله: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربّها ناظرةٌ}، قال: هم ينظرون إلى اللّه، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم، فذلك قوله: {لا تدركه الأبصار} الآية.
واعتلّ قائلو هذه المقالة لقولهم هذا بأن قالوا: إنّ اللّه قال: {إذا أدركه الغرق قال آمنت}، قالوا: فوصف اللّه تعالى ذكره الغرق بأنّه أدرك فرعون، ولا شكّ أنّ الغرق غير موصوفٍ بأنّه رآه، ولا هو ممّا يجوز وصفه بأنّه يرى شيئًا. قالوا: فمعنى قوله: {لا تدركه الأبصار} بمعنى: لا تراه بعيدًا، لأنّ الشّيء قد يدرك الشّيء ولا يراه، كما قال جلّ ثناؤه مخبرًا عن قيل أصحاب موسى صلّى اللّه عليه وسلّم حين قرب منهم أصحاب فرعون: {فلمّا تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنّا لمدركون}، لأنّ اللّه قد كان وعد نبيّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم لا يدركون لقوله: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا لا تخاف دركًا ولا تخشى}.
قالوا: فإن كان الشّيء قد يرى الشّيء ولا يدركه، ويدركه ولا يراه، فكان معلومًا بذلك أنّ قوله: {لا تدركه الأبصار} من معنى لا تراه الأبصار بمعزلٍ، وأنّ معنى ذلك: لا تحيط به الأبصار، لأنّ الإحاطة به غير جائزةٍ.
قالوا: فالمؤمنون وأهل الجنّة يرون ربّهم بأبصارهم ولا تدركه أبصارهم، بمعنى: أنّها لا تحيط به، إذ كان غير جائزٍ أن يوصف اللّه بأنّ شيئًا يحيط به.
قالوا: ونظير جواز وصفه بأنّه يرى ولا يدرك جواز وصفه بأنّه يعلم ولا يحاط به، وكما قال جلّ ثناؤه: {ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلاّ بما شاء}.
قالوا: فنفى جلّ ثناؤه عن خلقه أن يكونوا يحيطون بشيءٍ من علمه إلاّ بما شاء. قالوا: ومعنى العلم في هذا الموضع: المعلوم، قالوا: فلم يكن في نفيه عن خلقه أن يحيطوا بشيءٍ من علمه إلاّ بما شاء نفيٌ عن أن يعلموه. قالوا: فإذا لم يكن في نفي الإحاطة بالشّيء علمًا نفيٌ للعلم به، كان كذلك لم يكن في نفي إدراك اللّه عن البصر نفي رؤيته له. قالوا: وكما جاز أن يعلم الخلق أشياء ولا يحيطون بها علمًا، كذلك جائزٌ أن يروا ربّهم بأبصارهم ولا يدركوه بأبصارهم، إذ كان معنى الرّؤية غير معنى الإدراك، ومعنى الإدراك غير معنى الرّؤية، وأنّ معنى الإدراك: إنّما هو الإحاطة، كما قال ابن عبّاسٍ في الخبر الّذي ذكرناه قبل.
قالوا: فإن قال لنا قائلٌ: وما أنكرتم أن يكون معنى قوله: {لا تدركه الأبصار}: لا تراه الأبصار؟ قلنا له: أنكرنا ذلك لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر في كتابه أنّ وجوهًا في القيامة إليه ناظرةٌ، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر أمّته أنّهم سيرون ربّهم يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر، وكما ترون الشّمس ليس دونها سحابٌ.
قالوا: فإذ كان اللّه قد أخبر في كتابه بما أخبر، وحقّقت أخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما ذكرنا عنه من قيله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ تأويل قوله: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربّها ناظرةٌ}، أنّه نظر أبصار العيون للّه جلّ جلاله، وكان كتاب اللّه يصدّق بعضه بعضًا، وكان مع ذلك غير جائزٍ أن يكون أحد هذين الخبرين ناسخًا للآخر، إذ كان غير جائزٍ في الأخبار لما قد بيّنّا في كتابنا: (كتاب لطيف البيان عن أصول الأحكام) وغيره، علم أنّ معنى قوله: {لا تدركه الأبصار} غير معنى قوله: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربّها ناظرةٌ}، فإنّ أهل الجنّة ينظرون بأبصارهم يوم القيامة إلى اللّه ولا يدركونه بها، تصديقًا للّه في كلا الخبرين، وتسليمًا لما جاء به تنزيله على ما جاء به في السّورتين.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تراه الأبصار، وهو يرى الأبصار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا تدركه الأبصار}: لا يراه شيءٌ، وهو يرى الخلائق.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، عن عائشة، قالت: من حدّثك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ربّه فقد كذب، {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلاّ وحيًا أو من وراء حجابٍ}، ولكن قد رأى جبريل في صورته مرّتين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، قال: قلت لعائشة: يا أمّ المؤمنين: هل رأى محمّدٌ ربّه؟ فقالت: سبحان اللّه، لقد قفّ شعري ممّا قلت، ثمّ قرأت: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبد الأعلى وابن عليّة، عن داود، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن عائشة، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: قالت عائشة: من قال: إنّ أحدًا رأى ربّه فقد أعظم الفرية على اللّه، قال اللّه: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}.
فقال قائلو هذه المقالة: معنى الإدراك في هذا الموضع: الرّؤية، وأنكروا أن يكون اللّه يرى بالأبصار في الدّنيا والآخرة. وتأوّلوا قوله: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربّها ناظرةٌ} بمعنى انتظارها رحمة اللّه وثوابه.
وتأوّل بعضهم في الأخبار الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتصحيح القول برؤية أهل الجنّة ربّهم يوم القيامة تأويلاتٍ. وأنكر بعضهم مجيئها، ودافعوا أن يكون ذلك من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وردّوا القول فيه إلى عقولهم، فزعموا أنّ عقولهم تحيل جواز الرّؤية على اللّه عزّ وجلّ بالأبصار، وأتوا في ذلك بضروبٍ من التّمويهات، وأكثروا القول فيه من جهة الاستخراجات. وكان من أجلّ ما زعموا أنّهم علموا به صحّة قولهم ذلك من الدّليل أنّهم لم يجدوا أبصارهم ترى شيئًا إلاّ ما باينها دون ما لاصقها، فإنّها لا ترى ما لاصقها. قالوا: فما كان للأبصار مباينًا ممّا عاينته، فإن بينه وبينها فضاءً وفرجةً.
قالوا: فإن كانت الأبصار ترى ربّها يوم القيامة على نحو ما ترى الأشخاص اليوم، فقد وجب أن يكون الصّانع محدودًا. قالوا: ومن وصفه بذلك فقد وصفه بصفات الأجسام الّتي يجوز عليها الزّيادة والنّقصان.
قالوا: وأخرى، أنّ من شأن الأبصار أن تدرك الألوان كما من شأن الأسماع أن تدرك الأصوات، ومن شأن المتنسّم أن يدرك الأعراف. قالوا: فمن الوجه الّذي فسد أن يكون جائزًا أن يقضى للسّمع بغير إدراك الأصوات، وللمتنسّم إلاّ بإدراك الأعراف، فسد أن يكون جائزًا القضاء للبصر إلاّ بإدراك الألوان. قالوا: ولمّا كان غير جائزٍ أن يكون اللّه تعالى ذكره موصوفًا بأنّه ذو لونٍ، صحّ أنّه غير جائزٍ أن يكون موصوفًا بأنّه مرئيّ.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تدركه أبصار الخلائق في الدّنيا، وأمّا في الآخرة فإنّها تدركه. وقال أهل هذه المقالة: الإدراك في هذا الموضع: الرّؤية.
واعتلّ أهل هذه المقالة لقولهم هذا بأن قالوا: الإدراك وإن كان قد يكون في بعض الأحوال بغير معنى الرّؤية، فإنّ الرّؤية من أحد معانيه، وذلك أنّه غير جائزٍ أن يلحق بصره شيئًا فيراه، وهو لما أبصره وعاينه غير مدركٍ، وإن لم يحط بأجزائه كلّها رؤيةً. قالوا: فرؤية ما عاينه الرّائي إدراكٌ له دون ما لم يره. قالوا: وقد أخبر اللّه أنّ وجوهًا يوم القيامة إليه ناظرةٌ، قالوا: فمحالٌ أن تكون إليه ناظرةٌ، وهي له غير مدركةٍ رؤيةً. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائزٍ أن يكون في أخبار اللّه تضادٌّ وتعارضٌ، وجب وصحّ أنّ قوله: {لا تدركه الأبصار} على الخصوص لا على العموم، وأنّ معناه: لا تدركه الأبصار في الدّنيا، وهو يدرك الأبصار في الدّنيا والآخرة، إذ كان اللّه قد استثنى ما استثنى منه بقوله: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربّها ناظرةٌ}.
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: الآية على الخصوص، إلاّ أنّه جائزٌ أن يكون معنى الآية: لا تدركه أبصار الظّالمين في الدّنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء اللّه. قالوا: وجائزٌ أن يكون معناها: لا تدركه الأبصار بالنّهاية والإحاطة، وأمّا بالرّؤية فبلى. قالوا: وجائزٌ أن يكون معناها: لا تدركه الأبصار في الدّنيا وتدركه في الآخرة، وجائزٌ أن يكون معناها: لا تدركه أبصار من يراه بالمعنى الّذي يدرك به القديم أبصار خلقه، فيكون الّذي نفى عن خلقه من إدراك أبصارهم إيّاه، هو الّذي أثبته لنفسه، إذ كانت أبصارهم ضعيفةً لا تنفذ إلاّ فيما قوّاها جلّ ثناؤه على النّفوذ فيه، وكانت كلّها متجلّيةً لبصره لا يخفى عليه منها شيءٌ. قالوا: ولا شكّ في خصوص قوله: {لا تدركه الأبصار} وأنّ أولياء اللّه سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، غير أنّا لا ندري أيّ معاني الخصوص الأربعة أريد بالآية. واعتلّوا بتصحيح القول بأنّ اللّه يرى في الآخرة بنحو علل الّذين ذكرنا قبل.
وقال آخرون: الآية على العموم، ولن يدرك اللّه بصر أحدٍ في الدّنيا والآخرة، ولكنّ اللّه يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسّةً سادسةً سوى حواسّهم الخمس فيرونه بها.
واعتلّوا لقولهم هذا، بأنّ اللّه تعالى ذكره نفى عن الأبصار أن تدركه من غير أن يدلّ فيها أو بآيةٍ غيرها على خصوصها. قالوا: وكذلك أخبر في آيةٍ أخرى أنّ وجوهًا إليه يوم القيامة ناظرةٌ. قالوا: فأخبار اللّه لا تتباين ولا تتعارض، وكلا الخبرين صحيحٌ معناه على ما جاء به التّنزيل. واعتلّوا أيضًا من جهة العقل بأن قالوا: إن كان جائزًا أن نراه في الآخرة بأبصارنا هذه وإن زيد في قواها وجب أن نراه في الدّنيا وإن ضعفت، لأنّ كلّ حاسّةٍ خلقت لإدراك معنًى من المعاني، فهي وإن ضعفت كلّ الضّعف فقد تدرك مع ضعفها ما خلقت لإدراكه، وإن ضعف إدراكها إيّاه ما لم تعدم.
قالوا: فلو كان في البصر أن يدرك صانعه في حالٍ من الأحوال أو وقتٍ من الأوقات ويراه، وجب أن يكون يدركه في الدّنيا ويراه فيها وإن ضعف إدراكه إيّاه. قالوا: فلمّا كان ذلك غير موجودٍ من أبصارنا في الدّنيا، كان غير جائزٍ أن تكون في الآخرة إلاّ بهيئتها في الدّنيا، أنّها لا تدرك إلاّ ما كان من شأنها إدراكه في الدّنيا. قالوا: فلمّا كان ذلك كذلك، وكان اللّه تعالى ذكره قد أخبر أنّ وجوهًا في الآخرة تراه، علم أنّها تراه بغير حاسّة البصر، إذ كان غير جائزٍ أن يكون خبره إلاّ حقًّا.
والصّواب من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشّمس ليس دونها سحابٌ، فالمؤمنون يرونه، والكافرون عنه يومئذٍ محجوبون» كما قال جلّ ثناؤه: {كلاّ إنّهم عن ربّهم يومئذٍ لمحجوبون}.
فأمّا ما اعتلّ به منكرو رؤية اللّه يوم القيامة بالأبصار، لمّا كانت لا ترى إلاّ ما باينها، وكان بينها وبينه فضاءٌ وفرجةٌ، وكان ذلك عندهم غير جائزٍ أن تكون رؤية اللّه بالأبصار كذلك، لأنّ في ذلك إثبات حدٍّ له ونهايةٍ، فبطل عندهم لذلك جواز الرّؤية عليه، وأنّه يقال لهم: هل علمتم موصوفًا بالتّدبير سوى صانعكم إلاّ مماسًّا لكم أو مباينًا؟
فإن زعموا أنّهم يعلمون ذلك كلّفوا تبيينه، ولا سبيل إلى ذلك.
وإن قالوا: لا نعلم ذلك.
قيل لهم: أوليس قد علمتموه لا مماسًّا لكم ولا مباينًا، وهو موصوفٌ بالتّدبير والفعل، ولم يجب عندكم إذ كنتم لم تعلموا موصوفًا بالتّدبير والفعل غيره إلاّ مماسًّا لكم أو مباينًا أن يكون مستحيلاً العلم به وهو موصوفٌ بالتّدبير والفعل، لا مماسٌّ ولا مباينٌ؟
فإن قالوا: ذلك كذلك.
قيل لهم: فما تنكرون أن تكون الأبصار كذلك لا ترى إلاّ ما باينها، وكانت بينه وبينها فرجةٌ قد تراه وهو غير مباينٌ لها، ولا فرجة بينها وبينه ولا فضاء، كما لا تعلم القلوب موصوفًا بالتّدبير إلاّ مماسًّا لها أو مباينًا وقد علمته عندكم لا كذلك؟ وهل بينكم وبين من أنكر أن يكون موصوفًا بالتّدبير والفعل معلومًا لا مماسًّا للعالم به أو مباينًا، وأجاز أن يكون موصوفًا برؤية الأبصار لا مماسًّا لها ولا مباينًا فرقٌ؟
ثمّ يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في شيءٍ من ذلك قولاً إلاّ ألزموا في الآخر مثله.
وكذلك يسألون فيما اعتلّوا به في ذلك، إنّ من شأن الأبصار إدراك الألوان، كما أنّ من شأن الأسماع إدراك الأصوات، ومن شأن المتنسّم درك الأعراف، فمن الوجه الّذي فسد أن يقتضى السّمع لغير درك الأصوات فسد أن تقتضى الأبصار لغير درك الألوان.
فيقال لهم: ألستم لم تعلموا فيما شاهدتم وعاينتم موصوفًا بالتّدبير والفعل إلاّ ذا لونٍ، وقد علمتموه موصوفًا بالتّدبير لا ذا لونٍ؟
فإن قالوا نعم، لا يجدوا من الإقرار بذلك بدًّا، إلاّ أن يكذبوا فيزعموا أنّهم قد رأوا وعاينوا موصوفًا بالتّدبير والفعل غير ذي لونٍ، فيكلّفوا بيان ذلك، ولا سبيل إليه.
فيقال لهم: فإذ كان ذلك كذلك فما أنكرتم أن تكون الأبصار فيما شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تدرك إلاّ الألوان، كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفًا بالتّدبير إلاّ ذا لونٍ وقد وجدتموها علمته موصوفًا بالتّدبير غير ذي لونٍ؟ ثمّ يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في أحدهما شيئًا إلاّ ألزموا في الآخر مثله.
ولأهل هذه المقالة مسائل فيها تلبيسٌ كرهنا ذكرها وإطالة الكتاب بها وبالجواب عنها، إذ لم يكن قصدنا في كتابنا هذا قصد الكشف عن تمويهاتهم، بل قصدنا فيه البيان عن تأويل آي الفرقان. ولكنّا ذكرنا القدر الّذي ذكرنا، ليعلم النّاظر في كتابنا هذا أنّهم لا يرجعون من قولهم إلاّ إلى ما لبّس عليهم الشّيطان ممّا يسهل على أهل الحقّ البيان عن فساده، وأنّهم لا يرجعون في قولهم إلى آيةٍ من التّنزيل محكمةٍ، ولا روايةٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صحيحةٍ ولا سقيمةٍ، فهم في الظّلمات يخبطون، وفي العمياء يتردّدون، نعوذ باللّه من الحيرة والضّلالة.
وأمّا قوله: {وهو اللّطيف الخبير}، فإنّه يقول: واللّه تعالى ذكره الميسّر له من إدراك الأبصار، والمتأتّي له من الإحاطة بها رؤية ما يعسر على الأبصار من إدراكها إيّاه وإحاطتها به ويتعذّر عليها. {الخبير} يقول: العليم بخلقه وأبصارهم، والسّبب الّذي له تعذّر عليها إدراكه فلطّف بقدرته، فهيّأ أبصار خلقه هيئةً لا تدركه، وخبر بعلمه كيف تدبيرها وشئونها وما هو أصلح بخلقه.
- كالّذي حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {اللّطيف الخبير} قال: اللّطيف باستخراجها، الخبير بمكانها).[جامع البيان: 9/ 459-469]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير (103)}
قوله: {لا تدركه الأبصار}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو بكر ابن عيّاشٍ عن عاصم بن أبي النّجود عن أبي الضّحى عن مسروقٍ عن عائشة قالت: من زعم أنّ محمّدًا أبصر ربّه فقد كذب، قال اللّه: لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث التّميميّ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن عطيّة العوفيّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار قال: لو أنّ الجنّ والإنس والشّياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا- صفّوا صفًّا واحدًا، ما أحاطوا باللّه أبدًا.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة القنّاد ثنا أسباطٌ عن سماكٍ عن عكرمة أنّه قيل له: لا تدركه الأبصار، قال: ألست ترى السّماء؟ قال: بلى.
قال: فكلّها ترى؟
الوجه الثّاني:
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ البصريّ نزيل مصر ثنا يزيد بن أبي حكيمٍ العدنيّ ثنا الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عبّاسٍ قال: رأى محمّدٌ ربّه تبارك وتعالى، فقلت له: أليس اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه: لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار الآية. قال لي: لا أمّ لك! ذلك نوره، إذا تجلّى بنوره لا يدركه شيءٌ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عمرو بن عليٍّ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ قال: سمعت أبا الحصين- يعني يحيى بن الحصين قارئ أهل مكّة- يقول: لا تدركه الأبصار، قال: الأبصار، العقول.
الوجه الرّابع:
- ذكر محمّد بن مسلمٍ ثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ ثنا يحيى بن معينٍ قال: سمعت إسماعيل بن عليّة يقول في قوله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، قال: هذا في الدنيا.
- قال أبو محمّدٍ: وذكر أبي- رحمه اللّه- عن هشام بن عبيد اللّه أنّه قال نحو ذلك.
قوله عزّ وجلّ: {وهو يدرك الأبصار}
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار}، يقول: لا يراه شيءٌ، وهو يرى الخلائق.
قوله: {وهو اللّطيف}
- حدّثنا أبي ثنا مقاتل بن محمّدٍ ثنا وكيعٌ عن أبي جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع ابن أنسٍ عن أبي العالية في قوله: لطيفٌ خبيرٌ قال: لطيفٌ لاستخراجها.
قوله: {الخبير}
- وبه عن أبي العالية: قوله:{ الخبير}، قال: خبيرٌ بمكانها). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1362-1364]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ إبراهيم بن الحكم بن أبان، حدّثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنّه سئل هل رأى محمّدٌ ربّه؟ قال: نعم " رأى كأنّ قدميه على خضرةٍ دونه سترٌ من لؤلؤٍ فقلت: يا ابن عبّاسٍ، أليس يقول اللّه: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} قال: يا لا أمّ لك، ذاك نوره، وهو نوره إذا تجلّى بنوره لا يدركه شيءٌ «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»).[المستدرك: 2/ 346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم والعقيلي، وابن عدي وأبو الشيخ، وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {لا تدركه الأبصار} قال لو أن الإنس والجن والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا، قال الذهبي: هذا حديث منكر.
- وأخرج الترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قال عكرمة: فقلت له: أليس الله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} قال: لا أم لك، ذاك نوره وإذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، وفي لفظ: إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {لا تدركه الأبصار}، قال: لا يحيط بصر أحد بالله
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقال له رجل عند ذلك: أليس قال الله: {لا تدركه الأبصار} فقال له عكرمة ألست ترى السماء قال: بلى قال: فكلها ترى.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة: {لا تدركه الأبصار}، قال: هو أجل من ذلك وأعظم أن تدركه الأبصار.
- وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله: {لا تدركه الأبصار}، قال: في الدنيا، وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة يقول الله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22] قال: ينظرون إلى وجه الله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، يقول: لا يراه شيء وهو يرى الخلائق.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية في قوله: {لا تدركه الأبصار}، قال: هذا في الدنيا.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت أبا الحصين يحيى بن الحصين قارئ أهل مكة يقول: {لا تدركه الأبصار} قال: أبصار العقول.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله: {لا تدركه الأبصار}، قال: قالت امرأة: استشفع لي يا رسول الله على ربك قال هل تدرين على من تستشفعين إنه ملأ كرسيه السموات والأرض ثم جلس عليه فما يفضل منه من كل أربع أصابع ثم قال: إن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد فذلك قوله: {لا تدركه الأبصار} ينقطع به بصره قبل أن تبلغ أرجاء السماء زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذا تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام). [الدر المنثور: 6/ 162-164]


رد مع اقتباس