عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 03:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا (160) وأخذهم الرّبا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال النّاس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا (161) لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة والمؤمنون باللّه واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا (162)}
يخبر، تعالى، أنّه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذّنوب العظيمة، حرّم عليهم طيّباتٍ كان أحلّها لهم، كما قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا محمّد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، وقال: قرأ ابن عبّاسٍ: "طيّباتٍ كانت أحلّت لهم".
وهذا التّحريم قد يكون قدريًّا، بمعنى: أنّه تعالى قيّضهم لأن تأوّلوا في كتابهم، وحرّفوا وبدّلوا أشياء كانت حلالًا لهم، فحرّموها على أنفسهم، تشديدًا منهم على أنفسهم وتضييقًا وتنطّعًا. ويحتمل أن يكون شرعيًّا بمعنى: أنّه تعالى حرّم عليهم في التّوراة أشياء كانت حلالًا لهم قبل ذلك، كما قال تعالى: {كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التّوراة} [آل عمران: 93] وقد قدّمنا الكلام على هذه الآية وأنّ المراد: أنّ الجميع من الأطعمة كانت حلالًا لهم، من قبل أن تنزّل التّوراة ما عدا ما كان حرّم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها. ثمّ إنّه تعالى حرّم أشياء كثيرةً في التّوراة، كما قال في سورة الأنعام: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون} [الأنعام: 146] أي: إنّما حرّمنا عليهم ذلك؛ لأنّهم يستحقّون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه. ولهذا قال: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا} أي: صدّوا النّاس وصدّوا أنفسهم عن اتّباع الحقّ. وهذه سجيّة لهم متّصفون بها من قديم الدّهر وحديثه؛ ولهذا كانوا أعداء الرّسل، وقتلوا خلقًا من الأنبياء، وكذبوا عيسى ومحمّدًا، صلوات اللّه وسلامه عليهما). [تفسير القرآن العظيم: 2/467]

تفسير قوله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأخذهم الرّبا وقد نهوا عنه} أي: أنّ اللّه قد نهاهم عن الرّبا فتناولوه وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواعٍ من الحيل وصنوفٍ من الشّبه، وأكلوا أموال النّاس بالباطل. قال تعالى: {وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/467]

تفسير قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {لكن الرّاسخون في العلم منهم} أي: الثّابتون في الدّين لهم قدمٌ راسخةٌ في العلم النّافع. وقد تقدّم الكلام على ذلك في سورة آل عمران.
{والمؤمنون} عطفٌ على الرّاسخين، وخبره {يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}
قال ابن عبّاسٍ: أنزلت في عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية. وأسد وزيد بن سعية وأسد بن عبيدٍ، الّذين دخلوا في الإسلام، وصدّقوا بما أرسل اللّه به محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {والمقيمين الصّلاة} هكذا هو في جميع المصاحف الأئمّة، وكذا هو في مصحف أبيّ بن كعبٍ. وذكر ابن جريرٍ أنّها في مصحف ابن مسعودٍ: "والمقيمون الصّلاة"، قال: والصّحيح قراءة الجميع. ثمّ ردّ على من زعم أنّ ذلك من غلط الكتّاب ثمّ ذكر اختلاف النّاس فقال بعضهم: هو منصوبٌ على المدح، كما جاء في قوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا} [البقرة: 177]، قالوا: وهذا سائغٌ في كلام العرب، كما قال الشّاعر:
لا يبعدن قومي الّذين همو = سمّ العداة وآفة الجزر
النّازلين بكلّ معتركٍ = والطّيّبون معاقد الأزر
وقال آخرون: هو مخفوضٌ عطفًا على قوله: {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} يعني: وبالمقيمين الصّلاة.
وكأنّه يقول: وبإقامة الصّلاة، أي: يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم، أو أنّ المراد بالمقيمين الصّلاة الملائكة، وهذا اختيار ابن جريرٍ، يعني: يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، وبالملائكة. وفي هذا نظرٌ واللّه أعلم.
وقوله: {والمؤتون الزّكاة} يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال، ويحتمل زكاة النّفوس، ويحتمل الأمرين، واللّه أعلم.
{والمؤمنون باللّه واليوم الآخر} أي: يصدّقون بأنّه لا إله إلّا اللّه، ويؤمنون بالبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال خيرها وشرّها.
وقوله: {أولئك} هو الخبر عمّا تقدّم {سنؤتيهم أجرًا عظيمًا} يعني: الجنة). [تفسير القرآن العظيم: 2/469]

رد مع اقتباس