عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:51 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: (قرأ) ابن عبّاسٍ: (طيّباتٍ كانت أحلت لهم) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1431]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا (160) وأخذهم الرّبا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال النّاس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فحرّمنا على اليهود الّذين نقضوا ميثاقهم الّذي واثقوا ربّهم، وكفروا بآيات اللّه، وقتلوا أنبياءه، وقالوا البهتان على مريم، وفعلوا ما وصفهم اللّه في كتابه طيّباتٍ من المآكل وغيرها كانت لهم حلالاً، عقوبةً لهم بظلمهم الّذي أخبر اللّه عنهم في كتابه. كما:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم} الآية، عوقب القوم بظلمٍ ظلموه وبغي بغوه حرّمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم.
وقوله: {وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا} يعني: وبصدّهم عباد اللّه عن دينه وسبله الّتي شرعها لعباده صدًّا كثيرًا.
وكان صدّهم عن سبيل اللّه بقولهم على اللّه الباطل، وادّعائهم أنّ ذلك عن اللّه، وتبديلهم كتاب اللّه وتحريف معانيه عن وجوهه، وكان من عظيم ذلك جحودهم نبوّة نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتركهم بيان ما قد علموا من أمره لمن جهل أمره من النّاس. وبنحو ذلك كان مجاهدٌ يقول.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثني أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وبصدّهم عن سبيل اللّه، كثيرًا} قال: أنفسهم وغيرهم عن الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله). [جامع البيان: 7/676-677]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا (160)
قوله تعالى: فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن عمرٍو قال:
قرأ ابن عبّاسٍ: طيّباتٍ كانت أحلّت لهم.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قوله: فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم كان اللّه تعالى حرّم على أهل التّوراة حين أقرّوا بها أن يأكلوا الرّبا، ونهاهم أن يبخسوا النّاس أشياءهم، ونهاهم أن يأكلوا أموال النّاس ظلمًا، فأكلوا الرّبا وأكلوا أموال النّاس ظلمًا وصدّوا عن دين اللّه وعن الإيمان بمحمّدٍ، فلمّا فعلوا ذلك حرّم اللّه عليهم بعض ما كان أحلّ لهم في التّوراة عقوبةً لهم بما استحلّوا ما كان نهاهم عنه، فحرّم عليهم كلّ ذي ظفرٍ: البعير والنّعامة ونحوهما من الدّوابّ ومن البقر والغنم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما من الشّحم والحوايا.
يقال: هذا البقر ويقال هو البطن غير الثّرب وما اختلط بعظمٍ من اللّحم، يقول: ذلك جزيناهم ببغيهم يقول: باستحلالهم ما كان اللّه حرّم عليهم.
قوله تعالى: وبصدّهم عن سبيل اللّه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وبصدّهم عن سبيل اللّه قال: عن الحقّ.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا صدّوا عن دين اللّه وعن الإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: كثيرًا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا قال: أنفسهم وغيرهم عن الحقّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1114-1115]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا يقول بما صدوا أنفسهم وغيرهم عن الحق). [تفسير مجاهد: 181]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ طيبات كانت أحل لهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم}
قال: عوقب القوم بظلم ظلموه وبغي بغوه فحرمت عليهم أشياء ببغيهم وظلمهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} قال: أنفسهم وغيرهم عن الحق). [الدر المنثور: 5/127-128]

تفسير قوله تعالى: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) )


قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأخذهم الرّبا} وهو أخذهم ما أفضلوا على رءوس أموالهم لفضل تأخيرٍ في الأجل بعد محلّها.
وقد بيّنت معنى الرّبا فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته
{وقد نهوا عنه} يعني عن أخذ الرّبا.
وقوله: {وأكلهم أموال النّاس بالباطل} يعني: ما كانوا يأخذون من الرّشا على الحكم، كما وصفهم اللّه به في قوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون} وكان من أكلهم أموال النّاس بالباطل ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب الّتي كانوا يكتبونها بأيديهم، ثمّ يقولون: هذا من عند اللّه، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة، فعاقبهم اللّه على جميع ذلك بتحريمه ما حرّم عليهم من الطّيّبات الّتي كانت لهم حلالاً قبل ذلك، وإنّما وصفهم اللّه بأنّهم أكلوا ما أكلوا من أموال النّاس كذلك بالباطل بأنّهم أكلوه بغير استحقاقٍ وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجابٍ.
فقوله: {وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا} يعني: وجعلنا للكافرين باللّه وبرسوله محمّدٍ من هؤلاء اليهود العذاب الأليم، وهو الموجع من عذاب جهنّم، عدّةً يصلونها في الآخرة، إذا وردوا على ربّهم فيعاقبهم بها). [جامع البيان: 7/677-678]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأخذهم الرّبا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال النّاس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا (161)
قوله تعالى: وأخذهم الربا وقد نهوا عنه.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكيرٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه قال:
كان اللّه حرّم على أهل التّوراة حين أقرّوا بها أن يأكلوا الرّبا فأكلوا الرّبا.
قوله تعالى: وأكلهم أموال النّاس.
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: وأكلهم أموال النّاس قال: كان اللّه حرّم على أهل التّوراة حين أقرّوا بها أن يأكلوا أموال النّاس فأكلوا أموال النّاس فلمّا فعلوا ذلك حرّم اللّه عليهم ما كان أحلّ لهم في التوراة.
قوله تعالى: بالباطل.
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: بالباطل قال: ظلمًا.
قوله تعالى: وأعتدنا للكافرين منهم.
- وبه عن مقاتلٍ قوله: وأعتدنا للكافرين منهم يعني من اليهود.
قوله تعالى: عذابًا أليمًا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: عذابًا أليمًا يقول: نكالا موجعًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/1115-1116]

تفسير قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) )


قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة والمؤمنون باللّه واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا}
هذا من اللّه جلّ ثناؤه استثناءٌ، استثنى من أهل الكتاب من اليهود الّذين وصف صفتهم في هذه الآيات الّتي مضت من قوله: {يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابًا من السّماء}.
ثمّ قال جلّ ثناؤه لعباده، مبيّنًا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفّقه لرشده: ما كلّ أهل الكتاب صفتهم الصّفة الّتي وصفت لكم {لكن الرّاسخون في العلم منهم} وهم الّذين قد رسخوا في العلم بأحكام اللّه الّتي جاءت بها أنبياؤه، وأتقنوا ذلك، وعرفوا حقيقته.
وقد بيّنّا معنى الرّسوخ في العلم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
{والمؤمنون} يعني: والمؤمنون باللّه ورسله،منهم يؤمنون بالقرآن الّذي أنزل اللّه إليك يا محمّد، وبالكتب الّتي أنزلها على من قبلك من الأنبياء والرّسل، ولا يسألونك ما سألك هؤلاء الجهلة منهم أن تنزّل عليهم كتابًا من السّماء، لأنّهم قد علموا بما قرءوا من كتب اللّه وأتتهم به أنبياؤهم، أنّك للّه رسولٌ واجبٌ عليهم اتّباعك، لا يسعهم غير ذلك، فلا حاجة بهم إلى أن يسألوك آيةً معجزةً، ولا دلالة غير الّذي قد علموا من أمرك بالعلم الرّاسخ في قلوبهم من أخبار أنبيائهم إيّاهم بذلك وبما أعطيتك من الأدلّة على نبوّتك، فهم لذلك من علمهم ورسوخهم فيه يؤمنون بك وبمأنزل إليك من الكتاب {وبما أنزل من قبلك} من سائر الكتب. كما:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} استثنى اللّه ثنيّةً من أهل الكتاب، وكان منهم من يؤمن باللّه، وما أنزل عليهم، وما أنزل على نبيّ اللّه، يؤمنون به ويصدّقون به، ويعلمون أنّه الحقّ من ربّهم
ثمّ اختلف في المقيمين الصّلاة، أهم الرّاسخون في العلم، أم غيرهم؟ فقال بعضهم: هم هم. ثمّ اختلف قائلو ذلك في سبب مخالفة إعرابهم إعراب الرّاسخون في العلم، وهما من صفة نوعٍ من النّاس، فقال بعضهم: ذلك غلطٌ من الكاتب، وإنّما هو: لكن الرّاسخون في العلم منهم، والمقيمون الصّلاة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن الزّبير، قال: قلت لأبان بن عثمان بن عفّان: ما شأنها كتبت {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة} قال: إنّ الكاتب لمّا كتب {لكن الرّاسخون في العلم منهم} حتّى إذا بلغ قال: ما أكتب؟ قيل له اكتب {والمقيمين الصّلاة} فكتب ما قيل له.
- حدّثنا ابن وكيع، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنّه سأل عائشة عن قوله: {والمقيمين الصّلاة} وعن قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله: {إن هذان لساحران} فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكتّاب أخطئوا في الكتاب
وذكر أنّ ذلك في قراءة ابن مسعودٍ: والمقيمون الصّلاة.
وقال آخرون، وهو قول بعض نحويّي الكوفة والبصرة: والمقيمون الصّلاة من صفة الرّاسخون في العلم، ولكنّ الكلام لمّا تطاول واعترض بين الرّاسخين في العلم والمقيمين الصّلاة ما اعترض من الكلام فطال نصب المقيمين على وجه المدح، قالوا: والعرب تفعل ذلك في صفة الشّيء الواحد ونعته إذا تطاولت بمدحٍ أو ذمٍّ خالفوا بين إعراب أوّله وأوسطه أحيانًا ثمّ رجعوا بآخره إلى إعراب أوّله، وربّما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه، وربّما أجروا ذلك على نوعٍ واحدٍ من الإعراب، واستشهدوا لقولهم ذلك بالآبيات الّتي ذكرناها في قوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء}
وقال آخرون: بل المقيمون الصّلاة من صفة غير الرّاسخين في العلم في هذا الموضع وإن كان الرّاسخون في العلم من المقيمين الصّلاة.
وقال قائلو هذه المقالة جميعًا: موضع المقيمين في الإعراب خفضٌ، فقال بعضهم: موضعه خفضٌ على العطف على ما الّتي في قوله: {يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} ويؤمنون بالمقيمين الصّلاة.
ثمّ اختلف متأوّلو ذلك في هذا التّأويل في معنى الكلام، فقال بعضهم: معنى ذلك: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، وبإقام الصّلاة. قالوا: ثمّ ارتفع قوله: والمؤتون الزّكاة، عطفًا على ما في يؤمنون من ذكر المؤمنين، كأنّه قيل: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك هم والمؤتون الزّكاة.
وقال آخرون: بل المقيمون الصّلاة: الملائكة. قالوا: وإقامتهم الصّلاة: تسبيحهم ربّهم واستغفارهم لمن في الأرض. قالوا: ومعنى الكلام: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة.
وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، ويؤمنون بالمقيمين الصّلاة، هم والمؤتون الزّكاة، كما قال جلّ ثناؤه: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} وأنكر قائلو هذه المقالة أن يكون المقيمين منصوبًا على المدح؛ وقالوا: إنّما تنصب العرب على المدح من نعت من ذكرته بعد تمام خبره؛ قالوا: وخبر الرّاسخين في العلم قوله: {أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا} قال: فغير جائزٍ نصب المقيمين على المدح وهم في وسط الكلام ولمّا يتمّ خبر الابتداء.
وقال آخرون: معنى ذلك: لكن الرّاسخون في العلم منهم، ومن المقيمين الصّلاة. وقالوا: موضع المقيمين خفضٌ.
وقال آخرون: معناه: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وإلى المقيمين الصّلاة وقال أبو جعفرٍ:
وهذا الوجه والّذي قبله منكرٌه عند العرب، ولا تكاد العرب تعطف بظّاهر على مكنيٍّ في حال الخفض وإن كان ذلك قد جاء في بعض أشعارها.
وأولى الأقوال عندي بالصّواب، أن يكون المقيمين في موضع خفضٍ نسقًا على ما الّتي في قوله: {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} وأن يوجّه معنى المقيمين الصّلاة إلى الملائكة، فيكون تأويل الكلام: والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك يا محمّد من الكتاب وبما أنزل من قبلك من كتبي وبالملائكة الّذين يقيمون الصّلاة؛ ثمّ يرجع إلى صفة الرّاسخين في العلم فيقول: لكن الرّاسخون في العلم منهم، والمؤمنون بالكتب، والمؤتون الزّكاة، والمؤمنون باللّه واليوم الآخر.
وإنّما اخترنا هذا على غيره، لأنّه قد ذكر أنّ ذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ: والمقيمين، وكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا، فلو كان ذلك خطأً من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كلّ المصاحف غير مصحفنا الّذي كتبه لنا الكاتب الّذي أخطأ في كتابه بخلاف ما هو في مصحفنا وفي اتّفاق مصحفنا ومصحف أبيٍّ في ذلك ما يدلّ على أنّ الّذي في مصحفنا من ذلك صوابٌ غير خطأٍ، مع أنّ ذلك لو كان خطأً من جهة الخطّ، لم يكن الّذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعلمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللّحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقّنوه للأمّة تعليمًا على وجه الصّواب. وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخطّ مرسومًا أدلّ الدّليل على صحّة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب.
وأمّا من وجّه ذلك إلى النّصب على وجه المدح للرّاسخين في العلم وإن كان ذلك قد يحتمل على بعدٍ من كلام العرب لما قد ذكرنا قبل من العلّة، وهو أنّ العرب لا تعدل عن إعراب الاسم المنعوت بنعتٍ في نعته إلاّ بعد تمام خبره، وكلام اللّه جلّ ثناؤه أفصح الكلام، فغير جائزٍ توجيهه إلا إلى الّذي هو به من الفصاحة.
وأمّا توجيه من وجّه ذلك إلى العطف به على الهاء والميم في قوله: {لكن الرّاسخون في العلم منهم} أو إلى العطف به على الكاف من قوله: {بما أنزل إليك} أو إلى الكاف من قوله: {وما أنزل من قبلك} فإنّه أبعد من الفصاحة من نصبه على المدح لما قد ذكرت قبل من قبح ردّ الظّاهر على المكنيّ في الخفض.
وأمّا توجيه من وجّه المقيمين إلى الإقامة، فإنّه دعوى لا برهان عليها من دلالة ظاهر التّنزيل ولا خبر تثبت حجّته، وغير جائزٍ نقل ظاهر التّنزيل إلى باطنٍ بغير برهانٍ.
وأمّا قوله: {والمؤتون الزّكاة} فإنّه معطوفٌ به على قوله: {والمؤمنون يؤمنون} وهو من صفتهم. وتأويله: والّذين يعطون زكاة أموالهم من جعلها اللّه له وصرفها إليه {والمؤمنون باللّه واليوم الآخر} يعني: والمصدّقون بوحدانيّة اللّه وألوهته، والبعث بعد الممات، والثّواب والعقاب {أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا} يقول: هؤلاء الّذين هذه صفتهم سنؤتيهم، يقول: سنعطيهم أجرًا عظيمًا، يعني: جزاءً على ما كان منهم من طاعة اللّه، واتّباع أمره، وثوابًا عظيمًا، وذلك الجنّة). [جامع البيان: 7/678-685]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة والمؤمنون باللّه واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا (162)
قوله تعالى: لكن الرّاسخون في العلم منهم.
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ، ثنا نعيم بن حمّادٍ، ثنا فيّاض الرّقّيّ، ثنا عبد اللّه بن يزيد وكان قد أدرك أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنسًا وأبا الدّرداء، وأبا أمامة، قال: حدّثنا أبو الدّرداء أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال: من برّت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ومن عفّ بطنه وفرجه، فهو من الرّاسخين في العلم.
- ذكر محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: لكن الرّاسخون في العلم منهم نزلت في عبد اللّه بن سلامٍ وأسيد بن سعيّة وثعلبة بن سعيّة وأسد بن عبيدٍ، حين فارقوا يهود وشهدوا أنّ الّذي جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حقٌّ من اللّه، وأنّهم يجدونه مكتوبًا عندهم.
قوله تعالى: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك استثنى اللّه منهم ثنيةً من أهل الكتاب فكان منهم من يؤمن باللّه وما أنزل عليهم وما أنزل على نبيّ اللّه، يؤمنون به ويصدّقونه ويعلمون أنّه الحقّ من ربّهم.
قوله تعالى: والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن يعني في قوله: المقيمين الصّلاة قال: فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلا بها والزّكاة فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلا بها.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ، ثنا الوليد عن عبد الرّحمن بن نمرٍ، قال الزّهريّ: إقامتها: أن تصلّي الصّلوات الخمس لوقتها.
قوله تعالى: والمؤمنون باللّه واليوم الآخر.
- أخبرنا محمود بن آدم المروزيّ فيما كتب إليّ، قال: سمعت النّضر بن شميلٍ يقول: تفسير المؤمن أنّه أمنٌ من عذاب اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا خليدٌ عن قتادة قال: المؤمنون هم العجّاجون باللّيل والنّهار، واللّه ما زالوا يقولون ربّنا ربّنا حتّى استجيب لهم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: واليوم الآخر يعني: ويصدّقون بالغيب الّذي فيه جزاء الأعمال). [تفسير القرآن العظيم: 4/1116-1117]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله {لكن الراسخون في العلم منهم} قال: استثنى الله منهم فكان منهم من يؤمن بالله وما أنزل عليهم وما أنزل على نبي الله يؤمنون به ويصدقون به ويعلمون أنه الحق من ربهم.
وأخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {لكن الراسخون في العلم منهم} الآية، قال: نزلت في عبد الله بن سلام وأسيد بن سعية وثعلبة بن سعية حين فارقوا يهود وأسلموا
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي داود في المصاحف، وابن المنذر عن الزبير بن خالد قال: قلت لأبان بن عثمان بن عفان: ما شأنها كتبت {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة} ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب قال: إن الكاتب لما كتب {لكن الراسخون} حتى إذا بلغ قال: ما أكتب قيل له: اكتب {والمقيمين الصلاة} فكتب ما قيل له.
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي داود، وابن المنذر عن عروة قال: سألت عائشة عن لحن القرآن (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصائبون) (المائدة الآية 69) {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة} وإن هذان
لساحران) (طه الآية 63) فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكتاب أخطأوا في الكتاب
وأخرج ابن أبي داود عن سعيد بن جبير قال: في القرآن أربعة أحرف، الصائبون والمقيمين (فأصدق وأكن من الصالحين) (المنافقون الآية 10) (وإن هذان لساحران) (طه الآية 63).
وأخرج ابن أبي داود عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال: لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه فقال: قد أحسنتم وأجملتم أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها قال ابن أبي داود: هذا عندي يعني بلغتها فينا وإلا فلو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعا لما استجاز أن يبعث إلى قوم يقرأونه.
وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال: لما أتى عثمان بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن فقال: لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا.
وأخرج ابن أبي داود عن قتادة أن عثمان لما رفع إليه المصحف قال: إن فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها.
وأخرج ابن أبي داود عن يحيى بن يعمر قال: قال عثمان: إن في القرآن لحنا وستقيمه العرب بألسنتها). [الدر المنثور: 5/128-131]


رد مع اقتباس