الموضوع: سورة الصافات
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 29 شوال 1433هـ/15-09-2012م, 01:54 PM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قوله تعالى : {فلمّا بلغ معه السّعي قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {فلمّا بلغ معه السّعي قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك} [الصافات: 102] إلى تمام القصّة "
للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوالٍ:
فمنهم من قال: هي منسوخةٌ واحتجّ بقوله {قال يا أبت افعل ما تؤمر} [الصافات: 102] وأنّ بعده {وفديناه بذبحٍ عظيمٍ} [الصافات: 107] وأجاز قائل هذا أن ينسخ الشّيء قبل أن يعمل به
واحتجّ بأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فرضت عليه خمسون صلاةً ثمّ نقلت إلى خمسٍ
واحتجّ بقوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً} [المجادلة: 12] وأنّ بعده {فإذ لم تفعلوا} [المجادلة: 13] الآية وبقوله عزّ وجلّ {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} [الأنفال: 66]
واحتجّ بقول الشّافعيّ إنّ اللّه تعالى إذا فرض شيئًا استعمل عباده منه بما أحبّ ثمّ نقلهم إذا شاء
قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
والقول الثّاني إنّ هذا ممّا لا يجوز فيه نسخٌ لأنّه أمرٌ بشيءٍ ليس بممتدٍّ فلا يجوز نسخٌ في مثل هذا. لو قال قائلٌ لرجلٍ قم ثمّ قال له لا تقمّ
لكان هذا بدًا ولا يجوز أن يكون هذا من صفات اللّه عزّ وجلّ أن يقال اذبح ثمّ يقال لا تذبح فهذا عظيمٌ من القول لا يقع فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ وقال قائلٌ: هذا الذّبح في اللّغة القطع وقد فعل ذلك إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم
والقول الثّالث إنّ هذا أيضًا لا يكون فيه نسخٌ وإنّما أمر إبراهيم عليه السّلام بالذّبح والذّبح فعله وقد فعل ما يتهيّأ له وليس منعه من ذلك بمنسوبٍ إليه أنّه لم يفعل ما أمر به وهذا قولٌ صحيحٌ حسنٌ عليه أهل التّأويل
قال مجاهدٌ: " لمّا أمر اللّه تعالى إبراهيم بذبح ابنه إسحاق قال له يا أبه خذ بناصيتي واجلس بين كتفيّ فلا أوذيك إذا وجدت حرّ السّكّين فلمّا وضع السّكّين على حلقه وفي بعض الأخبار فلمّا أمرّ السّكّين على حلقه
انقلبت فقال له مالك يا أبه؟ قال: انقلبت قال فاطعن بها طعنًا قال ففعل فانثنت فعلم اللّه تعالى منه الصّدق ففداه بذبحٍ عظيمٍ
قال أبو جعفرٍ: وقد فعل إبراهيم عليه السّلام ما أمر به والدّليل على هذا قوله تعالى {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرّؤيا} [الصافات: 105] فهذا ممّا يجب أن يقف عليه المسلمون لئلّا ينسب إلى اللّه عزّ وجلّ البداء وإنّما أشكل على قائل ذلك القول الأوّل قوله تعالى {وفديناه بذبحٍ عظيمٍ} [الصافات: 107] لأنّه جهل معناه ولم يدر من المفدي على الحقيقة وإنّما المفدي ابنه وإبراهيم عليه السّلام قد فعل ما أمر به
فأمّا القول الثّاني فلو صحّ عن أهل التّأويل لما امتنع القول به
والقول الأوّل عظيمٌ من القول واحتجاج صاحبه بحديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر أن يأمر أمّته بخمسين صلاةً ثمّ نقل ذلك إلى خمسٍ لا حجّة له فيه لأنّه ليس فيه نسخٌ ولا نعلم أنّ أحدًا من العلماء قال نسخ الشّيء من قبل أن ينزل من السّماء إلى الأرض إلّا القاشانيّ فإنّه
خرج عن قول الجماعة ليصحّ له قوله إنّ البيان لا يتأخّر وإنّما أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أمّته بخمسين صلاةً فمن قبل أن يأمرهم راجعٌ وإنّما مثل هذا أن يأمر اللّه تعالى جبريل صلّى الله عليه وسلّم بشيءٍ فيراجع
فيه فينقص منه أو يزال فلا يقال لهذا نسخٌ
وأمّا الاحتجاج بقوله تعالى {الآن خفّف اللّه عنكم} [الأنفال: 66] فمن أين لقائل هذا أنّ الآية الأولى لم يعمل بها
وأمّا احتجاجه بقوله تعالى {فإذ لم تفعلوا} [المجادلة: 13] فمن أين له أيضًا أنّ الآية الأولى لم يعمل بها
وقد حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، عن موسى بن قيسٍ، عن سلمة بن كهيلٍ، {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً} [المجادلة: 12] قال: «أوّل من عمل بها عليّ بن
أبي طالبٍ رضي اللّه عنه ثمّ نسخت»
وأمّا قوله تعالى {كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] ثمّ قال تعالى: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم} [البقرة: 187] وإنّما فعل هذا واحدٌ واحتجاجه بقول الشّافعيّ لا معنى له لأنّ قول الشّافعيّ إذا فرض اللّه تعالى شيئًا استعمل عباده بما أحبّ منه لا دليل فيه على أنّ الشّيء ينسخ قبل أن يستعمل بل لو قال قائلٌ بل فيه دليلٌ على أنّ الشّيء لا ينسخ حتّى يستعمل أو يستعمل بعضه لكان أولى بالصّواب والدّليل على أنّ الشّيء لا ينسخ قبل أن يستعمل
أنّ احتجاج العلماء في النّسخ أنّ معناه إذا قلت افعل كذا وكذا في معناه إلى وقت كذا أو تشترط كذا فإذا نسخ فإنّما أظهر ذلك الّذي كان مضمرًا فإذا قيل صلّوا إلى بيت المقدس فمعناه إلى أن أزيل ذلك أو إلى وقت كذا أو على أنّي أزيل ذلك وقت كذا وقد علم اللّه حقيقة ذلك ولا يجوز أن يقال: صلّ الظّهر بعد الزّوال على أنّي أزيلها عنك مع الزّوال قال أبو جعفرٍ: فهذا بيّنٌ
وأقوال العلماء أنّ البيان يجوز أن يتأخّر فخالفهم قائل هذا وجعله نسخًا ولو جاز أن يقال لهذا نسخٌ لجاز أن يقال في قول اللّه تعالى: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} [البقرة: 67] ثمّ بيّن ما هي ولا يقول أحدٌ من الأمّة: إنّ هذا نسخٌ
واحتجاجه بقول الشّافعيّ يخالف فيه لأنّ أصحاب الشّافعيّ الحذّاق لا نعلم بينهم خلافًا أنّ البيان يتأخّر
فممّن احتجّ منهم لتأخّره ابن سريجٍ بقول اللّه تعالى {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ثمّ إنّ علينا بيانه} [القيامة: 19] وثمّ في اللّغة تدلّ على أنّ الثّاني بعد الأوّل
والدّليل على أنّ البيان خلاف النّسخ أنّ البيان يكون في الأخبار والنّسخ لا يكون في الأخبار وأيضًا فإنّ البيان يكون معه دليلٌ يدلّ على الخصوص إذا كان اللّفظ عامًّا أو كان خاصًّا يراد به العامّ كما قال عزّ وجلّ {إنّ الإنسان لفي خسرٍ} [العصر: 2] فلمّا قال: {إلّا الّذين آمنوا} [العصر: 3] دلّ على أنّ الإنسان بمعنى النّاس وقال جلّ وعزّ: {والملك} [الحاقة: 17] فلمّا قال: {على أرجائها} [الحاقة: 17] علم أنّ الملك بمعنى الملائكة فهكذا الخصوص والعموم وهكذا التّخصيص في الاستثناء لا يسمّى نسخًا وهذا الباب من اللّغة يحتاج إليه كلّ من نظر في العلم وباللّه التّوفيق).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/594-604] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (سورة الصافات (مكية)
قوله تعالى: {فلمّا بلغ معه السّعي}، إلى تمام القصة في الذبح:
هذه الآية تدلّ على جواز النسخ قبل فعل ما أمر به.
أمر الله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، ثم نسخ ذلك وفداه بكبشٍ قبل الذبح، ومثله فرض الصّدقة قبل مناجاة الرسول ثم نسخ ذلك قبل فعل المؤمنين لذلك. ومثله ما روي من فرض خمسين صلاة، ثم ردّت إلى خمسٍ قبل فعل الأول ومثله فرض ثبات الواحد من المسلمين لعشرةٍ من الكفار، ثم نسخت قبل فعله بثبات الواحد من المسلمين لاثنين من الكفار - وفيه اختلاف قد ذكر في الأنفال -.
وقال قوم: هذا كلّه ليس بنسخ لأنه كالبداء.
قال أبو محمد: وهذا لا يجوز على الله جلّ ذكره لأن البداء ظهور رأيٍ لم يكن قبل ذلك الوقت، والله يتعالى عن ذلك لأنه عالم الغيوب قد علم أنه يأمر بهذه الأشياء ليختبر بها عباده ويبلو طاعتهم، وأنه يخفّفها وينسخها قبل فعلها تخفيفًا عنهم ورحمةً لهم لما في ذلك من صلاح عباده وإظهار قدرته، وتفضّله على خلقه، فهو نسخٌ صحيحٌ غير بداء.
ولو وقع مثل هذا من الآدميين لجاز أن يكون ذلك بداءً، لو قال رجلٌ لغيره: قم، ثم قال له: لا تقم، جاز أن يكون ذلك رأيًا ظهر له بعد أمره الأول، وجاز أن يكون قد نوى ذلك قبل أمره له، فلا يكون منه بداء لتقدّم اعتقاده لذلك، فإذا جاز أن يكون ذلك من المخلوقين غير بداء، لأنه من صفة النّقص، فالله أعظم وأجلّ من أن يلحقه ذلك؛ إذ قد علم ما يأمر به، وما يزيل من أمره وما ينهى عنه، وما يقرّ الخلق عليه، وما ينقلهم عنه قبل فعل الأول علمًا متقدّمًا بلا نهاية). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 389-390]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس