الموضوع: سورة النور
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 3 ذو الحجة 1433هـ/18-10-2012م, 03:37 PM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة (3) }

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية الثانية: قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة...} [3 / النور / 24] هذه الآية من أعاجيب آيات القرآن؛ لأن لفظها لفظ الخبر ومعناها معنى النهي تقدير الكلام والله أعلم: لا تنكحوا زانية ولا مشركة، ومثله قوله تعالى: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير...} [12 مدنية / الطلاق / 65] والمعنى اعلموا ومثله قوله تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [45 مدنية / الأحزاب / 33] والمعنى: قولوا رسول الله، ناسخها قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} [32 / النور / 24] ولفظ النكاح ينقسم على خمسة أقسام منها:
ما كني بالنكاح عن العقد قال الله تعالى
: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات...}الآية [49 مدنية / الأحزاب / 33].
الثاني: نكاح آخر اسم للوطء لا العقد وهو قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [230 / النساء / 4].
الثالث: نكاح آخر لا وطء ولا عقد وهو بمعنى الحلم والعقل وهو قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [6 / النساء / 4].
الرابع: نكاح آخر: لا عقد ولا وطء ولا حلم ولكن سمي المهر باسم النكاح وهو قوله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} [23 / النور / 24] يعني مهرا.
الخامس: نكاح آخر في قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} [3 / النور / 24] وسماه في هذا الموضع باسم النكاح ومعناه السفاح.). [الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 47-48]

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال أبو جعفرٍ: وقد ذكرنا قوله عزّ وجلّ: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} وأنّه ناسخٌ لقوله تعالى {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم}[النساء: 15] الآيتين في سورة النّساء.
ووجدنا في هذه السّورة آياتٍ سوى هذه فأولاهنّ قوله: {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلّا زانٍ أو مشركٍ وحرّم ذلك على المؤمنين} [النور : 3]
للعلماء في الآية أربعة أقوالٍ منهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال النّكاح هاهنا الوطء، ومنهم من قال الزّاني هاهنا المجلود في الزّنا لا ينكح إلّا زانيةً مجلودةً في الزّنا أو مشركةً وكذا الزّانية
ومنهم من قال: هي الزّانية الّتي تتكسّب بزناها وتنفق على زوجها واحتجّ بأنّ الآية في ذلك أنزلت

فمن قال: هي منسوخةٌ سعيد بن المسيّب
كما حدّثنا إسحاق بن إبراهيم القطّان، قال حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، قال: حدّثني اللّيث بن سعدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيد بن قيسٍ الأنصاريّ، عن سعيد بن المسيّب، في قول اللّه تعالى {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلّا زانٍ أو مشركٌ} [النور: 3] قال: " يزعمون أنّها نسخت بالآية الّتي بعدها {وأنكحوا الأيامى} [النور: 32] منكم فدخلت الزّانية في أيامى المسلمين "
وهذا القول الّذي عليه أكثر العلماء وأهل الفتيا يقولون: إنّ من زنا بامرأةٍ فله أن يتزوّجها ، ولغيره أن يتزوّجها وهو قول ابن عمر، وسالمٍ، وجابر بن زيدٍ، وعطاءٍ، وطاوسٍ، ومالك بن أنسٍ، روى عنه ابن وهبٍ أنّه سئل عن الرّجل يزني بامرأةٍ ثمّ يريد نكاحها، قال : ذلك له بعد أن تستبرئ من وطئها . وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .
وقال الشّافعيّ في الآية القول فيها كما قال سعيد بن المسيّب: إن شاء اللّه إنّها منسوخةٌ

وممّن قال بالقول الثّاني: إنّ النّكاح هاهنا الوطء ابن عبّاسٍ
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، وقوله تعالى: {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً} [النور: 3] الآية، قال: «الزّاني من أهل الملّة لا يزني إلّا بزانيةٍ مثله من أهل القبلة أو مشركةً والزّانية من أهل القبلة لا تزني إلّا بزانٍ مثلها من أهل القبلة أو مشركٍ وحرّم الزّنا على المؤمنين»
واختار محمّد بن جريرٍ هذا القول وأومأ إلى أنّه أولى الأقوال واحتجّ بأنّ الزّانية من المسلمين لا يجوز لها أن تتزوّج مشركًا بحالٍ وأنّ الزّاني من المسلمين لا يجوز له أن يتزوّج مشركةً وثنيّةً بحالٍ فقد تبيّن أنّ المعنى الزّاني من المسلمين لا يزني إلّا بزانيةٍ لا تستحلّ الزّنا من المسلمين أو مشركةً تستحلّ الزّنا والزّانية لا تزني إلّا بزانٍ من المسلمين لا يستحلّ الزّنا أو مشركٍ يستحلّ الزّنا، وحرّم ذلك الزّنا وهو النّكاح المذكور قبل هذا
والقول الثّالث: إنّ الزّاني المجلود لا ينكح إلّا زانيةً مجلودةً أو مشركةً وكذا الزّانية . قول الحسن
كما قرئ على إبراهيم بن موسى الجوزيّ، عن يعقوب الدّورقيّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: «الزّاني المجلود لا ينكح إلّا زانيةً مجلودةً مثله أو مشركةً والزّانية المجلودة لا ينكحها إلّا زانٍ مجلودٌ مثلها أو مشركٌ»
وحدّثنا عليّ بن الحسين، قال: قال الحسن بن محمّدٍ الزّعفرانيّ، حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا حبيبٌ المعلّم، قال: جاء رجلٌ من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيبٍ فقال: ألا تعجب من الحسن يزعم أنّ الزّاني المجلود لا ينكح إلّا مثله ويتأوّل هذه الآية {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً}[النور: 3] فقال: ما يعجبك من هذا
حدّثني سعيد بن أبي سعيدٍ عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال:((الزّاني المجلود لا ينكح إلّا مثله))
قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث يجوز أن يكون منسوخًا كما نسخت الآية في قول سعيد بن المسيّب
والقول الرّابع: أنّ هذا كان في نسوةٍ كان الرّجل يتزوّج إحداهنّ على أن تنفق عليه ممّا تكسبه من الزّنا فحرّم اللّه تعالى نكاحهنّ، قول مجاهدٍ
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله تعالى {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً} [النور: 3] قال: «كنّ نساءٌ بغايا وكانت منهنّ امرأةٌ تدعى أمّ مهزمٍ فكان الرّجل يتزوّج إحداهنّ لتنفق عليه من كسبها فنهاهم اللّه تعالى عن ذلك أن يتزوّجهنّ أحدٌ من المسلمين»
قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحضرميّ يعني ابن لاحقٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: " كانت امرأةٌ يقال لها أمّ مهزولٍ وكانت بأجيادٍ وكانت تسافح فأراد رجلٌ من المسلمين أن يتزوّجها فأنزل اللّه تعالى {والزّانية لا ينكحها إلّا زانٍ أو مشركٌ وحرّم ذلك على المؤمنين} [النور: 3] "
قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث من أحسن ما روي في هذه الآية ذكر فيه السّبب الّذي نزلت فيه الآية فإذا صحّ جاز أن تكون الآية الناسخة بعده واللّه تعالى أعلم بحقيقة ذلك )
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/539-550]

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية قوله تعالى {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً والزانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك} نسخت بقوله تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم}

فان قيل: لم قدم الله تعالى ذكر الزّانية قبل الزّاني وقدم الله تعالى ذكر السّارق على السارقة ؟
فالجواب في ذلك أن فعل الرجل في السّرقة أقوى وحيلته فيها أغلب والزّنا من المرأة أكثر وحيلتها فيها أغلب؛ لأنّها تحتوي إثم الفعل وإثم المواطأة وقد اختلف أهل العلم في الزّانية إذا زنت هل تحرم على زوجها أم لا فقال الأكثرون: لا تحرم.
وقال مجاهد: لو أصاب معها عشرة لم تحرم عليه
وقال آخرون: إذا وقع الزّنا قبل العقد لم تر إلّا زانيا أبدا.
وقال الأكثرون من الصّحابة والتّابعين : يجب عليهما جميعًا إذا فجرا قبل العقد أن يتوبا يتأولون قوله تعالى {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلّكم تفلحون} وقال الضّحّاك بن مزاحم : مثلهما كمثل رجل دخل بستانا فاخذ منه غصبا ثمّ عاد فابتاع منه شيئا بثمنه فكان ما أخذه غصبا حرامًا وما ابتاعه حلالا ومذهب عائشة رضي الله عنها انه إذا فسد الأصل فسد الفرع
) [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 130-131]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الزّاني لا ينكح إلاّ زانيةً أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلاّ زانٍ أو مشركٌ} الآية.
قال ابن المسيّب: يزعمون أنها نسخت بقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32]، فدخلت الزانية في أيامى المسلمين، وعلى هذا القول جماعةٌ من العلماء.
فمن زنى بامرأة مؤمنةٍ أو كتابيةٍ، فله أن يتزوّجها، أو لغيره من المسلمين أن يتزوّجها بعد أن يستبرئها - وهو قول جابر بن زيد وعبد الله بن عمر وعطاء وطاووس ومالك وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي -.
وعن ابن عباس، أنه قال: النّكاح في هذه الآية الوطء والآية محكمة، ومعناها: أن الزاني لا يزني إلا بزانيةٍ مثله من أهل القبلة لا تستحلّ الزنا أو بمشركةٍ، وكذلك الزّانية من المسلمات لا تزني إلاّ مع زانٍ من المسلمين لا يستحلّ الزنا أو مع مشركٍ، ويدلّ على ذلك إجماعهم على أن الزانية من المسلمين لا يحلّ لها أن تتزوّج رجلاً من المشركين وأن الزاني من المسلمين لا يحلّ له أن يتزوّج مشركةً غير كتابية.
وعن الحسن أنه قال: الآية محكمةٌ غير منسوخة، ومعناها: أن المجلود على الزنا لا ينكح إلاّ زانيةً مجلودة على الزنا أو مشركةً، وكذلك الزّانية، وهذا هو الحكم عنده، وروى في ذلك حديثًا عن النبي عليه السلام، وقد أجمع أهل العلم على خلافه، والحديث إن صحّ فهو منسوخ كالآية بقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32].
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في نساءٍ بأعيانهن، كان الرّجل يتزوّج إحداهن على أن تنفق عليه مما تكسبه من الزنا فحرّم الله تعالى ذكره ذلك.
وعن القاسم بن عبد الله أنه كانت بـ "جياد" امرأة يقال لها أم مهروب، وكانت تسافح فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها، فأنزل الله جلّ ذكره: {والزّانية لا ينكحها إلاّ زانٍ أو مشرك}، فتكون الآية على هذا القول محكمةً مخصوصةً في شيء بعينه. ثم نسخت بقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم}.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 359-362]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الأولى: {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً} قال ابن المسيب نسخها {وأنكحوا الأيامى منكم} ).[المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ:45]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: {الزّاني لا ينكح إلاّ زانيةً أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلاّ زانٍ أو مشركٌ}.
قال عكرمة: هذه الآية في بغايا كنّ بمكّة أصحاب راياتٍ وكان لا يدخل عليهنّ إلا زانٍ من أهل القبلة أو مشركٍ، فأراد ناسٌ من المسلمين نكاحهنّ فنزلت هذه الآية.
قال ابن جريرٍ فعلى هذا يكون المعنى: الزّاني من المسلمين لا يتزوّج امرأةً من أولئك البغايا إلا زانيةً أو مشركةً؛ لأنّهنّ كذلك، والزّانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زانٍ أو مشركٍ.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: بنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق ابن أحمد، قالت: بنا عبد الله بن أحمد، قال:

حدثني أبي، قال: بنا هشيمٌ، وأبنا ابن ناصرٍ، قال: أبنا ابن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا وهب بن بقية عن هشيم، قال: أبنا يحيى بن سعيدٍ عن سعيد بن المسيّب في قوله: {والزّانية لا ينكحها إلاّ زانٍ أو مشركٌ} قال: نسختها الآية الّتي بعدها: {وأنكحوا الأيامى منكم}.

قال الشّافعيّ: القول كما قال ابن المسيّب إن شاء اللّه).[نواسخ القرآن:404- 405]


قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة النور: قوله عز وجل: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} الآية [النور: 3] في معنى هذه الآية أقوال:
قال ابن المسيب، فيما رواه مالك عن يحيى بن سعيد عنه: إنها عامة، وإنها منسوخة بقوله عز وجل: {وأنكحوا الأيامى منكم} الآية [النور: 32] ولم يفرق بين زانية ولا عفيفة، فكل من زنى بامرأة أو زنى بها غيره جاز له أن يتزوجها.

قال الشافعي رحمه الله: الآية منسوخة إن شاء الله كما قال ابن المسيب، وكذلك يقول ابن عمر: (هي منسوخة بجواز نكاح الزانية)، وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاووس ومالك وأبو حنيفة.

والقول بأن الآية منسوخة يوجب أن الزاني كان محرما عليه أن ينكح عفيفة، ولا يجوز له أن ينكح إلا زانية أو مشركة، وأن الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وادعاء ذلك ليس بالهين، ومتى أباح الله عز وجل نكاح المشركات غير الكتابيات لزناة المسلمين، ومتى أباح الله للزانية المسلمة أن تنكح المشرك، فهذا القول واه ظاهر السقوط.

ثم إن قوله عز وجل: {وحرم ذلك على المؤمنين} الآية [النور: 3] يوجب على هذا القول أن يكون الزاني والزانية غير المشركين، أن يكونا غير مؤمنين.

وقال مجاهد وقتادة والزهري: هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين أرادوا نكاح مومسات معلوم منهم الزنا في الجاهلية.

وقال ابن عمر رحمه الله: (استأذن رجل من المؤمنين النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة يقال لها: أم مهزول اشترطت له أن تنفق عليه وكانت تسافح).

والآية لا تطابق ما ذكروه، فكيف يكون سببا لنزولها، وكان ينبغي على ما ذكروه أن يكون أول الكلام "المؤمنون لا ينكحون الزواني" وفي ذلك أيضا ما ذكرته فيما سبق.
وعن ابن عباس رحمه الله: (المراد بالنكاح: الوطء، أي: أن الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله من أهل القبلة أو بمشركة، والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو بمشرك {وحرم ذلك} الآية [النور: 3] أي: وحرم الزنا على المؤمنين)، واختار هذا القول الطبري، وقال في قوله عز وجل: {وحرم ذلك على المؤمنين} الآية [النور: 3] أي: وحرم على المؤمنين نكاح المشركات الوثنيات، وعلى المؤمنات نكاح المشركين، وليس هذا القول بمستقيم، وأي فائدة في الإخبار بأن الزاني لا ينكح إلا زانية، أي لا يطأ إلا زانية، وفي أن الزانية لا يطأها إلا زان.

ورد قوم من العلماء القول بأن المراد بالنكاح: الوطء بقوله عز وجل: {وحرم ذلك على المؤمنين} الآية [النور: 3] وقال: هو محرم على المؤمنين وغيرهم، وإنما المراد بالنكاح التزويج، أي: وحرم نكاح البغايا والزناة.

وهذا الرد غير سديد؛ لأنه لا يلزم من قوله عز وجل: {وحرم ذلك على المؤمنين} الآية [النور: 3] أن يكون مباحا لغيرهم، وقد قال عز وجل: {حرمت عليكم الميتة} الآية [المائدة: 3] و{حرمت عليكم أمهاتكم} الآية [النساء: 23]، وإنما رده بما ذكرته.

وقال صاحب "الكشاف" في هذه الآية: الفاسق: الخبيث الذي من شأنه الزنا والتقحب، لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء واللائي على خلاف صفته، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة من شكله، أو مشركة.

والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك، لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أو المشركين، ونكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم عليه محظور لما فيه من التشبه بالفساق وحضور موقع التهمة، والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة، وأنواع المفاسد، ومجالسة الخطائين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام، فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب، وقد نبه تعالى على ذلك بقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} الآية [النور: 32].

وقد قال هذا وهو يحسب أنه قال شيئا، ومتى كان الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، بل الزاني المتوغل في الزنا أكثر غيرة من غيره، ألا ترى إلى قوله: "بقدر العفة تكون الغيرة" فهو لا يرضى لنفسه أن تكون قعيدة بيته إلا في أبلغ درجات التصون، وتراه يتخيل من أدنى شيء لما عرفه من أحوال الزناة، ولهذا أجاز مالك رحمه الله ولاية الفاسق في النكاح.

ومتى أبيح للزاني نكاح المشركة الوثنية حتى لا يرغب إلا فيها، ومتى رأينا الزناة يطلبون المشركات لنكاحهن كتابيات أو غير كتابيات، ثم إن نكاح المشركات ليس فيه شيء مما ذكر، ولو كان فيه ذلك لما أباح الله عز وجل الكتابيات وأحله للمؤمنين، فكيف يكون مخالطتهم والكون معهم محرم على المسلمين.

فإن قيل: فما بقي للآية معنى تحمل عليه.

قلت: معناها تنفيرهم عن الزنا وتقبيحه في نفوسهم؛ لأن الله عز وجل ذكر في الآية التي قبلها حد الزاني ونهى عن الرأفة بمن زنى، وذكر أنها لا تجامع الإيمان، ثم قال في هذه الآية كالمؤكد لذلك: إذا كان الزاني المشهور بالزنا غير مرضي لنكاح من وليتم أمره، بل هو مردود عن ذلك مصدود استنكافا له، فلا ينكح إلا زانية مثله، والزانية لا تجد ناكحا لهجنتها إلا زانيا أو مشركا إن كانت مشركة.

فإذا كانت هذه حال الزنا عندكم فكيف ترضونه لأنفسكم، فقد حرمه عليكم لما فيه من رفع أقداركم وصرف السوء والفحشاء عنكم، والزاني في قوله عز وجل: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} الآية [النور: 3]، عام في كل زان مسلم أو مشرك، وفي كل زانية، فهذا الجنس لا ينكح إلا زانية إن كان مسلما أو مشركة إن كان مشركا، ونزه الله المؤمنين من ذلك فحرمه عليهم، والآية محكمة، والله أعلم). [جمال القراء:1/338-339]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس