عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م, 06:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ولما ذكر تعالى حالة الكفرة وما يلقون من عذاب الله عز وجل عقب ذلك بذكر المتقين وما يلقون من النعيم ليبين الفرق ويتبع الناس طريق الهدى، و"الجنات" و"العيون" معروف، والمتقي في الآية مطلق في اتقاء الكفر والمعاصي.
وقوله تعالى: "آخذين" نصب على الحال، وقرأ ابن أبي عبلة: "آخذون" بواو، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: آخذين في دنياهم ما آتاهم ربهم من أوامره ونواهيه وفرائضه وشرعه، فالحال على هذا محكية، وهي متقدمة في الزمان على كونهم في جنات وعيون، وقال جماعة من المفسرين: معنى قوله تعالى: {آخذين ما آتاهم ربهم} أي: مخلصين لنعم الله تعالى التي أعطاهم من جنته ورضوانه، وهذه حال متصلة في المعنى لكونهم في الجنات، وهذا التأويل أرجح عندي لاستقامة الكلام به، وقوله تعالى: {قبل ذلك} يريد: في الدنيا، "محسنين" بالطاعة والعمل الصالح). [المحرر الوجيز: 8/ 66-67]

تفسير قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون * وفي أموالهم حق للسائل والمحروم * وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون * وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون * هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين}
معنى قوله تعالى: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون} أن نومهم كان قليلا لاشتغالهم بالصلاة والعبادة، فالمراد من كل ليلة، و"الهجوع": النوم، وقال الأحنف بن قيس: "لست من أهل هذه الآية"، وهذا إنصاف منه، وقيل لبعض التابعين: مدح الله تعالى امرأ رقد، إذا نعس، وأطاع ربه إذا استيقظ، وفسر أنس بن مالك هذه الآية بأنهم كانوا ينتفلون بين المغرب والعشاء، وقال الربيع بن خيثم: المعنى: كانوا يصيبون من الليل حظا، وقال مطرف بن عبد الله: قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها، وقاله ابن أبي نجيح ومجاهد: فالمراد عند هؤلاء بقوله تعالى: "من الليل" أي: من الليالي، وظاهر الآية عندي أنهم كانوا يقومون الأكثر من ليلهم، أي: من كل ليلة، وقد قال الحسن في تفسير هذه الآية: كابدوا قيام الليل، لا ينامون منه إلا قليلا.
وأما إعراب الآية فقال الضحاك في كتاب الطبري ما يقتضي أن المعنى: كانوا قليلا في عددهم، وتم خبر "كان"، ثم ابتدأ "من الليل ما يهجعون"، فـ "ما" نافية، و"قليلا" وقف حسن. وقال بعض النحاة: "ما" زائدة، و"قليلا" مفعول مقدم لـ "يهجعون"، وقال جمهور النحويين: "ما" مصدرية، و"قليلا" خبر "كان"، والمعنى: كانوا قليلا من الليل هجوعهم، و"الهجوع" مرتفع بـ "قليلا" على أنه فاعل، وعلى هذا الإعراب يجيء قول الحسن وغيره -وهو الظاهر عندي- أن المراد: كان هجوعهم من الليل قليلا، وفسر ابن عمر والضحاك "يستغفرون" بـ "يصلون"، وقال الحسن: معناه: يدعون في طلب المغفرة، والأسحار مظنة الاستغفار، ويروى أن أبواب الجنة تفتح فجر كل يوم، وفي قصة يعقوب عليه السلام في قوله: {سوف أستغفر لكم ربي} أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر، قال أبو زيد في كتاب الطبري: السحر السدس الآخير من الليل). [المحرر الوجيز: 8/ 67-68]

تفسير قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {وفي أموالهم حق}، الصحيح أنها محكمة، وأن هذا الحق هو على وجه الندب لا على وجه الفرض، و"معلوم" يراد به: متعارف، وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض، وأكثر ما تقع الفريضة بفعل المندوبات. وقال منذر بن سعيد: هي الزكاة المفروضة، وهذا ضعيف لأن السورة مكية وفرض الزكاة بالمدينة، وقال قوم من المتأولين: كان هذا ثم نسخ بالزكاة، وهذا غير قوي، وما شرع الله تعالى وجل بمكة قبل الهجرة شيئا من أخذ الأموال.
واختلف الناس في "المحروم" اختلافا هو عندي تخليط من المتأخرين; إذ المعنى واحد، وإنما عبر علماء السلف في ذلك العبارات على جهة المثلات فجعلها المتأخرون أقوالا، وحصرها مكي ثمانية، و"المحروم" هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة، وهو مع ذلك لا يسأل، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق، قال الشعبي: أعياني أن أعلم ما "المحروم"، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المحروم: المحارب الذي ليس له في الإسلام سهم مال، فهو ذو الحرفة المحدود، وقال أبو قلابة: جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هذا المحروم، وقال زيد: هو الذي أصيب ثمرته، وقال غيره: هو الذي ماتت ماشيته، وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: هو الكلب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد يكون الكلب محروما في بعض الأوقات والحالات، ألا ترى إلى الذي يأكل الثرى من العطش.. الحديث; إلى غير هذا من الأقوال التي إنما ذكرت مثالا، كأنه يقول: الذي أصيبت ثمرته من المحرومين، والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه، وإلا فالذي تصاب ثمرته وله مال كثير غيرها فليس في هذه الآية بإجماع.
وبعد هذا مقدر من الكلام تقديره: فكونوا مثلهم أيها الناس وعلى طريقهم فإن النظر المؤدي إلى ذلك متجه ففي الأرض آيات لمن اعتبر وأيقن، وهذه إشارة إلى لطائف الحكمة وعجائب الخلقة التي في الأرضين والجبال والمعادن والعيون وغير ذلك، وقرأ قتادة: "آية" على الإفراد). [المحرر الوجيز: 8/ 68-69]

تفسير قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "وفي أنفسكم" إحالة على النظر في شخص الإنسان، فإنه أكثر المخلوقات التي لدينا عبرة لما جعل الله تبارك وتعالى فيه -مع كونه من تراب- من لطائف الحواس، ومن أمر النفس وحياتها ونطقها، واتصال هذا الجزء منها بالعقل، ومن هيئة الأعضاء واستعدادها لتنفع أو تحمل أو تعين، قال ابن زيد: إنما القلب مضغة في جوف ابن آدم جعل الله فيه العقل، أفيدري أحد ما ذاك العقل؟ وما صفته؟ وكيف هو؟ وقال الرماني: النفس خاصة الشيء التي لو بطل ما سواها مما ليست مضمنة به لم تبطل، وهذا تعمق لا أحمده. وقوله تعالى: "أفلا تبصرون" توقيف وتوبيخ). [المحرر الوجيز: 8/ 69]

تفسير قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {وفي السماء رزقكم}، قال الضحاك، ومجاهد: وابن جبير: أراد تعالى المطر والثلج، وقال الضحاك، ومجاهد: أراد القضاء والقدر، أي: الرزق عند الله تعالى يأتي به كيف يشاء، لا رب غيره، وقرأ ابن محيصن: "وفي السماء رازقكم".
و "توعدون" يحتمل أن يكون من الوعد، ويحتمل أن يكون من الوعيد، والكل في السماء، قال الضحاك: المراد: من الجنة والنار، وقال مجاهد: من الخير والشر، وقال ابن سيرين: المراد الساعة،
ثم أقسم تعالى بنفسه على صحة هذا القول والخبر، وشبهه في اليقين به بالنطق من الإنسان، وهو عنده في غاية الوضوح ولا يمكن أن يقع فيه من اللبس ما يقع في الرؤية والسمع، بل النطق أشد تخلصا من هذه. واختلف القراء في قوله تعالى: "مثل ما"، -فقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم - في رواية أبي بكر -: "مثل" بالرفع، ورويت عن الحسن، وابن أبي إسحاق، والأعمش -بخلاف عنهم-، وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر، وأهل المدينة، وجل الناس: "مثل" بالنصب، فوجه الأولى الرفع على النعت لـ "حق"، وجاز نعت النكرة بهذا الذي قد أضيف إلى المعرفة من حيث كان "مثل" شائعا عاما لوجوه كثيرة، فهو لا تعرفه الإضافة إلى معرفة; لأنك إذا قلت: "رأيت مثل زيد" فلم تعرف شيئا لأن وجوه المماثلة كثيرة، فلما بقي الشياع جرى عليه حكم النكرة فنعتت به النكرة، و"ما" زائدة تعطي تأكيدا، وإضافة "مثل" قد بنى لما أضيف إلى غير متمكن وهو في موضع رفع على الصفة لـ"حق"، ولحقه البناء لأن المضاف إليه قد يكسب المضاف بعض صفاته كالتأنيث في قوله:
... ... ... ... ... شرقت صدر القناة ....
وكالتعريف في "غلام زيد" إلى غير ذلك، ويجري "مثل" حينئذ مجرى "عذاب يومئذ" على قراءة من فتح الميم، ومنه قول الشاعر:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ... ... ... ... ...
ومنه قول الآخر:
لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت ... ... ... ... ...
فـ "غير" فاعلة ولكنه فتحها.
والوجه الثاني -وهو قول المازني- إن "مثل" بني لكونه مع "ما" شيئا واحدا، وتجيء -على هذا- في مضمار: "ويحما، وأينما"، ومنه قول حميد بن ثور:
ألا هيما مما لقيت وهيما ... وويح لمن لم يدر ما هن ويحما
فلولا البناء وجب أن يكون منونا، وكذلك قول الشاعر:
... ... ... ... .... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
والوجه الثالث أن تنصب "مثل" على الحال من قوله تعالى: "لحق" وهي حال من نكرة، وفيه خلاف، ولكن جوز ذلك الجرمي، وأما غيره فيراه حالا من الذكر المرفوع في قوله تعالى: "لحق"; لأن التقدير لحق هو، وفي هذا نظر، و"النطق" في هذه الآية: الكلام بالحروف والأصوات في ترتيب المعاني، وروي أن بعض العرب الفصحاء سمع هذه الآية فقال: من أحوج الكريم إلى أن يحلف؟ والحكاية وقعت في كتاب الثعلبي و"سبل الخيرات" متممة عن الأصمعي، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله قوما أقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدقوه"، وروى أبو سعيد الخدري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لو فر أحدكم من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت"، وأحاديث الرزق والأشعار فيه كثيرة). [المحرر الوجيز: 8/ 69-73]

رد مع اقتباس