عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتًا من أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ (265) }
وهذا مثل المؤمنين المنفقين {أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه} عنهم في ذلك {وتثبيتًا من أنفسهم} أي: وهم متحقّقون مثبتون أنّ اللّه سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء، ونظير هذا في المعنى، قوله عليه السّلام في الحديث المتّفق على صحّته: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا = » أي: يؤمن أنّ اللّه شرعه، ويحتسب عند اللّه ثوابه.
قال الشّعبيّ: «{وتثبيتًا من أنفسهم} أي: تصديقًا ويقينًا». وكذا قال قتادة، وأبو صالحٍ، وابن زيدٍ. واختاره ابن جريرٍ. وقال مجاهدٌ والحسن: «أي: يتثبّتون أين يضعون صدقاتهم».
وقوله: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} أي: كمثل بستانٍ بربوةٍ. وهو عند الجمهور: «المكان المرتفع المستوي من الأرض». وزاد ابن عبّاسٍ والضّحّاك: «وتجري فيه الأنهار».
قال ابن جريرٍ: «وفي الرّبوة ثلاث لغاتٍ هنّ ثلاث قراءاتٍ: بضمّ الرّاء، وبها قرأ عامّة أهل المدينة والحجاز والعراق. وفتحها، وهي قراءة بعض أهل الشّام والكوفة، ويقال: إنّها لغة تميمٍ. وكسر الرّاء، ويذكر أنّها قراءة ابن عبّاسٍ».
وقوله: {أصابها وابلٌ} وهو المطر الشّديد، كما تقدّم، {فآتت أكلها} أي: ثمرتها {ضعفين} أي: بالنّسبة إلى غيرها من الجنان. {فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ} قال الضّحّاك: «هو الرّذاذ، وهو اللّيّن من المطر». أي: هذه الجنّة بهذه الرّبوة لا تمحل أبدًا؛ لأنّها إن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ، وأيًّا ما كان فهو كفايتها، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا، بل يتقبّله اللّه ويكثّره وينمّيه، كلّ عاملٍ بحسبه؛ ولهذا قال: {واللّه بما تعملون بصيرٌ} أي: لا يخفى عليه من أعمال عباده شيءٌ). [تفسير ابن كثير: 1/ 695]


تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (266)}
قال البخاريّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا إبراهيم بن موسى، حدّثنا هشامٌ -هو ابن يوسف -عن ابن جريجٍ: سمعت عبد اللّه بن أبي مليكة، يحدّث عن ابن عبّاسٍ، وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدّث عن عبيد بن عمير قال: «قال عمر بن الخطّاب يومًا لأصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فيمن ترون هذه الآية نزلت: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ}؟ قالوا: اللّه أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عبّاسٍ: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين. فقال عمر: يا ابن أخي، قل ولا تحقّر نفسك. فقال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلًا لعملٍ. قال عمر: أيّ عملٍ؟ قال ابن عبّاسٍ: لعملٍ. قال عمر: لرجلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة اللّه. ثمّ بعث اللّه له الشيطان فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله».
ثمّ رواه البخاريّ، عن الحسن بن محمّدٍ الزّعفرانيّ، عن حجّاج بن محمّدٍ الأعور، عن ابن جريجٍ، فذكره. وهو من أفراد البخاريّ، رحمه اللّه.
وفي هذا الحديث كفايةٌ في تفسير هذه الآية، وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أوّلًا ثمّ بعد ذلك انعكس سيره، فبدّل الحسنات بالسّيّئات، عياذًا باللّه من ذلك، فأبطل بعمله الثّاني ما أسلفه فيما تقدّم من الصالحٍ واحتاج إلى شيءٍ من الأوّل في أضيق الأحوال، فلم يحصل له منه شيءٌ، وخانه أحوج ما كان إليه، ولهذا قال تعالى: {وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ} وهو الرّيح الشّديد {فيه نارٌ فاحترقت} أي: أحرق ثمارها وأباد أشجارها، فأيّ حالٍ يكون حاله.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ، من طريق العوفي، عن ابن عبّاسٍ قال: «ضرب اللّه له مثلًا حسنًا، وكلّ أمثاله حسنٌ، قال: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات} يقول: ضيّعه في شيبته {وأصابه الكبر} وولده وذرّيّته ضعافٌ عند آخر عمره، فجاءه إعصارٌ فيه نارٌ فأحرق بستانه، فلم يكن عنده قوّةً أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خيرٌ يعودون به عليه، وكذلك الكافر يوم القيامة، إذ ردّ إلى اللّه عزّ وجلّ، ليس له خيرٌ فيستعتب، كما ليس لهذا قوّةٌ فيغرس مثل بستانه، ولا يجده قدّم لنفسه خيرًا يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنّة اللّه عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذرّيّته».
وهكذا، روى الحاكم في مستدركه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «اللّهمّ اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سنّي وانقضاء عمري» ؛ ولهذا قال تعالى: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون} أي: تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني، وتنزلونها على المراد منها، كما قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت:43] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 695-696]


رد مع اقتباس