عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:28 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا}
هذه آية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: "فلعلك" تقرير وتوقيف بمعنى الإنكار عليه، أي: لا تكن كذلك. و"الباخع نفسه" هو مهلكها وجدا وحزنا على أمر ما، ومنه قول الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ... لشيء نحته عن يديه المقادر
يريد: "نحته" فخفف.
وقوله تعالى: {على آثارهم} استعارة فصيحة، من حيث لهم إدبار وتباعد عن الإيمان، وإعراض عن الشرع، فكأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا فهو في آثارهم يحزن عليهم. وقوله سبحانه: {بهذا الحديث}، أي: بالقرآن الذي نحدثك به، و"أسفا" نصب على المصدر، قال الزجاج: والأسف: المبالغة في حزن أو غضب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأسف -في هذا الموضع- الحزن; لأنه على من لا يملكه ولا هو تحت يد الأسف، ولو كان الأسف من مقتدر على من هو في قبضته وملكه لكان غضبا، كقوله تعالى: {فلما آسفونا}، أي: أغضبونا، وإذا تأملت هذا في كلام العرب اطرد، وذكره منذر بن سعيد، وقال قتادة هنا: "أسفا": غضبا، وقال مجاهد: "أسفا": جزعا، وقال قتادة أيضا: حزنا، ومن هذه اللفظة قول الأعشى:
أرى رجلا منكم أسيفا كأنما ... يضم إلى كشحيه كفا مخضبا
[المحرر الوجيز: 5/565]
يريد: حزينا كأنه مقطوع اليد). [المحرر الوجيز: 5/566]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} الآية بسط في التسلية، أي: لا تهتم للدنيا وأهلها، فأمرها وأمرهم أقل لفنائه وذهابه، فإنا إنما جعلنا ما على الأرض زينة وامتحانا وخبرة.
واختلف في المراد بها، فقال ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أراد الرجال، وقاله مجاهد، وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والعلماء والأمراء. وقالت فرقة: أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ونحو هذا مما فيه زينة، ولم تدخل في هذا الجبال الصم وكل ما لا زين فيه كالحيات والعقارب. وقالت فرقة: أراد كل ما على الأرض، وليس شيء إلا وفيه زينة من جهة خلقه وصنعته وإحكامه، وفي معنى هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء". و"زينة" مفعول ثان، أو
[المحرر الوجيز: 5/566]
مفعول من أجله بحسب معنى "جعل".
وقوله تعالى: {لنبلوهم أيهم أحسن عملا} معناه: لنختبرهم، وفي هذا وعيد ما. قال سفيان الثوري: أحسنهم عملا: أزهدهم فيها، وقال أبو عاصم العسقلاني: أحسن عملا: أترك لها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكان أبي رحمه الله يقول: أحسن العمل: أخذ بحق، وإنفاق في حق مع الإيمان، وأداء الفرائض، واجتناب المحارم، والإكثار من المندوب إليه). [المحرر الوجيز: 5/567]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا}، أي: يرجع كل ذلك ترابا غير متزين بنبات ونحوه، و"الجرز": الأرض التي لا شيء فيها من عمارة وزينة، وهي البلقع، وهذه حالة الأرض العامرة بالزين، ولا بد لها من هذا في الدنيا جزءا جزءا من الأرض، ثم يعمها ذلك بأجمعها عند القيامة، يقال: جرزت الأرض بقحط أو جراد أو نحوه إذا ذهب نباتها وبقيت لا شيء فيها ولا نفع. وأرضون أجراز. وقال الزجاج: الجرز: الأرض التي لا تنبت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما ينبغي أن يقول: التي لم تنبت. و"الصعيد": وجه الأرض، وقيل: الصعيد: التراب خاصة، وقيل: الصعيد: الأرض الطيبة، وقيل: الصعيد: الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة). [المحرر الوجيز: 5/567]

رد مع اقتباس