عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:00 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ (1) ألاّ تعبدوا إلاّ اللّه إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ (2) وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ (3) إلى اللّه مرجعكم وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (4)
تقدم استيعاب القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وتختص هذه بأن قيل إن الرحمن فرقت حروفه فيها وفي حم [غافر: 1، فصلت: 1، الشورى: 1، الزخرف: 1، الدخان: 1، الجاثية: 1، الأحقاف: 1] وفي ن والقلم [القلم: 1].
وكتابٌ مرتفع على خبر الابتداء، فمن قال الحروف إشارة إلى حروف المعجم كانت الحروف المبتدأ، ومن تأول الحروف غير ذلك كان المبتدأ «هذا كتاب» والمراد بالكتاب القرآن.
وأحكمت معناه أتقنت وأجيدت شبه تحكم الأمور المتقنة الكاملة، وبهذه الصفة كان القرآن في الأزل ثم فصل بتقطيعه وتنويع أحكامه وأوامره على محمد صلى الله عليه وسلم في أزمنة مختلفة ف ثمّ على بابها، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل إذ الإحكام صفة ذاتية، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له، والكتاب بأجمعه محكم مفصل والإحكام الذي هو ضد النسخ والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك. وحكى الطبري عن بعض المتأولين: أحكمت بالأمر والنهي وفصلت بالثواب والعقاب وعن بعضهم: أحكمت من الباطل، وفصلت بالحلال والحرام ونحو هذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى ولكن لا يقتضيه اللفظ، وقال قوم: فصّلت معناه فسرت، وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري وابن كثير- فيما روي عنه-: «ثم فصلت» بفتح الفاء والصاد واللام، ويحتمل ذلك معنيين:
أحدهما: «فصلت» أي نزلت إلى الناس كما تقول فصل فلان لسفره ونحو هذا المعنى. والثاني فصلت بين المحق والمبطل من الناس.
ومن لدن معناه من حيث ابتدئت الغاية، كذا قال سيبويه وفيها لغات: يقال: لدن ولدن بسكون الدال: وقرئ بهما. من لدن، ويقال: «لد» بفتح اللام وضم الدال دون نون، ويقال «لدا»، بدال منونة مقصورة. ويقال: «لد» بدال مكسورة منونة، حكى ذلك أبو عبيدة.
وحكيمٍ أي محكم، وخبيرٍ أي ذو خبرة بالأمور أجمع). [المحرر الوجيز: 4/ 536-537]

تفسير قوله تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ألّا تعبدوا أن في موضع نصب إما على إضمار فعل وإما على تقدير ب «أن» وإسقاط الخافض، وقيل على البدل من موضع الآيات، وهذا معترض ضعيف لأنه موضع للآيات، وإن نظر موضع الجملة فهو رفع: ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير: تفصيله ألا تعبدوا وقيل: على البدل من لفظ الآيات.
وقوله تعالى: إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ أي من عقابه وبثوابه: وإذا أطلقت هاتان اللفظتان فالنذارة في المكروه والبشارة في المحبوب وقدم النذير لأن التحذير من النار هو الأهم). [المحرر الوجيز: 4/ 537-538]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (
وأن معطوفة على التي قبلها، ومعنى الآية: استغفروا ربكم أي اطلبوا مغفرته لكم وذلك بطلب دخولكم في الإسلام ثم توبوا من الكفر أي انسلخوا منه واندموا على سالفه. وثمّ مرتبة لأن الكافر أول ما ينيب فإنه في طلب مغفرة ربه فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه.
وقرأ الجمهور «يمتّعكم» بشد التاء، وقرأ ابن محيصن «يمتعكم» بسكون الميم وتخفيف التاء، وفي كتاب أبي حاتم: «إن هذه القراءات بالنون»، وفي هذا نظر. ومتاعاً مصدر جار على غير الفعل المتقدم مثل قوله واللّه أنبتكم من الأرض نباتاً [نوح: 17] وقيل نصب بتعدي يمتّعكم لأنك تقول: متعت زيدا ثوبا. ووصف المتاع «بالحسن» إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفترضاته والسرور بمواعيده والكافر ليس في شيء من هذا، وأما من قال بأن «المتاع الحسن» هو فوائد الدنيا وزينتها فيضعف بين الكفرة يتشاركون في ذلك أعظم مشاركة والأجل المسمى»: هو أجل الموت معناه إلى أجلٍ مسمًّى لكل واحد منكم، وهذا ظاهر الآية: «واليوم الكبير» - على هذا- هو يوم القيامة.
وتحتمل الآية أن يكون التوعد بتعجيل العذاب إن كفروا، والوعد بتمتيعهم إن آمنوا، فتشبه ما قاله نوح عليه السلام، و «اليوم الكبير» - على هذا- يوم بدر ونحوه والمجهلة في أي الأمرين يكون إنما هي بحسب البشر والأمر عند الله تعالى معلوم محصل والأجل واحد.
وقوله تعالى: ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله أي كل ذي إحسان بقوله، أو بفعله، أو قوته، أو بماله، أو غير ذلك، مما يمكن أن يتقرب به وفضله، يحتمل أن يعود الضمير فيه على الله عز وجل أي يؤتي الله فضله كل ذي فضل وعمل صالح من المؤمنين، وهذا المعنى ما وعد به تعالى وتضعيف الحسنة بعشر أمثالها ومن التضعيف غير المحصور لمن شاء، وهذا التأويل تأوله ابن مسعود وقال: ويل لمن غلبت آحاده عشراته. ويحتمل أن يكون قول ابن مسعود موافقا للمعنى الأول.
وقرأ جمهور «وإن تولّوا» بفتح التاء واللام، فبعضهم قال الغيبة، أي فقل لهم: إني أخاف عليكم، وقال بعضهم معناه فإن تتولوا فحذفت التاء والآية كلها على مخاطبة الحاضر، وقرأ اليماني وعيسى بن عمر:
«وإن تولوا» بضم التاء واللام وإسكان الواو.
وقوله تعالى: فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ، توعد بيوم القيامة: ويحتمل أن يريد به يوما من الدنيا كبدر وغيره). [المحرر الوجيز: 4/ 538-539]

تفسير قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إلى اللّه مرجعكم توعد، وهو يؤيد أن «اليوم الكبير» يوم القيامة لأنه توعد به، ثم ذكر الطريق إليه من الرجوع إلى الله، والمعنى إلى عقاب الله وجزائه رجوعكم وهو القادر الذي لا يضره شيء ولا يجير عليه مجير ولا تنفع من قضائه واقية. وقوله: على كلّ شيءٍ عموم يراد به الخصوص، دون ما لا يوصف الله بالقدرة عليه من المحالات وغيرها التي هي أشياء. والشيء في اللغة الموجود وما يتحقق أنه يوجد كزلزلة الساعة وغيرها). [المحرر الوجيز: 4/ 539]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور (5) وما من دابّةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ (6)
قيل إن هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمستتر وردوا إليه ظهورهم وغشوا وجوههم بثيابهم تباعدا منه وكراهة للقائه، وهم يظنون أن ذلك يخفى عليه وعلى الله عز وجل فنزلت الآية في ذلك.
وصدورهم منصوبة على هذا ب يثنون. وقيل: هي استعارة للغل والحقد الذي كانوا ينطوون عليه كما تقول: فلان يطوي كشحه على عداوته، ويثني صدره عليها.
فمعنى الآية: ألا إنهم يسرون العداوة ويتكتمون بها لتخفى في ظنهم عن الله، وهو تعالى حين تغشيهم بثيابهم وإبلاغهم في التستر يعلم ما يسرون.
وقرأ سعيد بن جبير «يثنون» بضم الياء والنون من أثنى، وقرأ ابن عباس «ليثنوه»، وقرأ ابن عباس أيضا ومجاهد وابن يعمر وابن بزي ونصر بن عاصم والجحدري وابن إسحاق وابن رزين وعلي بن الحسين وأبو جعفر محمد بن علي ويزيد بن علي وجعفر بن محمد وأبو الأسود والضحاك «تثنوني صدورهم» برفع الصدور وهي تحتمل المعنيين المتقدمين في يثنون، وزنها تفوعل على بناء مبالغة لتكرار الأمر، كما
تقول اعشوشبت الأرض واحلولت الدنيا ونحو ذلك. وحكى الطبري عن ابن عباس على هذه القراءة أن هذه الآية نزلت في أن قوما كانوا لا يأتون النساء والحدث إلا ويتغشون ثيابهم كراهية أن يفضوا بفروجهم إلى السماء. وقرأ ابن عباس- فيما روى ابن عيينة- «تثنو» بتقديم الثاء على النون وبغير نون بعد الواو، وقال أبو حاتم هذه القراءة غلط لا تتجه، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق «ينثوي» بتقديم النون على الثاء، وقرأ عروة وابن أبي أبزى والأعشى «تثنون» بثاء مثلثة بعدها نون مفتوحة بعدها واو مكسورة، وقرأ أيضا هما ومجاهد فيما روي عنه «تثنان» بهمزة بدل الواو وهاتان مشتقة من الثن وهي العشب المثني بسهولة، فشبه صدورهم به إذ هي مجيبة إلى هذا الانطواء على المكر والخدع: وأصل «تثنون» تثنونن سكنت النون المكسورة ونقلت حركتها إلى الواو التي قبلها وأدغمت في النون التي بعدها، وأما «تثنان» فأصلها تثنان مثل تحمار ثم قالوا: اثنانت كما قالوا احمار وابياض، والضمير في منه عائد على الله تعالى، هذا هو الأفصح الأجزل في المعنى
وعلى بعض التأويلات يمكن أن يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، ويستغشون معناه يجعلونها أغشية وأغطية ومنه قول الخنساء: [البسيط]
أرعى النجوم وما كلّفت رعيتها = وتارة أتغشّى فضل أطماري
وقرأ ابن عباس «على حين يستغشون» ومن هذا الاستعمال قول النابغة: [الطويل]
على حين عاتبت المشيب على الصبا = وقلت ألمّا أصح والشيب وازع
وذات الصّدور: ما فيها، والذات تتصرف في الكلام على وجوه هذا أحدها كقول العرب الذيب مغبوط بذي بطنه أي بالذي فيه من النفخ وكقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: إنما هو ذو بطن بنت خارجة، والذات التي هي حقيقة الشيء ونفسه قلقة في هذا الموضع ويحتمل أن يفرق بين ذي بطنه وبين الذات وإنما يجمع بينهما المعنى). [المحرر الوجيز: 4/ 539-542]


رد مع اقتباس