عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:42 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وبرزوا للّه جميعًا فقال الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعًا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شيءٍ قالوا لو هدانا اللّه لهديناكم سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ (21)}
يقول: {وبرزوا [للّه]} أي: برزت الخلائق كلّها، برّها وفاجرها للّه وحده الواحد القهّار، أي: اجتمعوا له في برازٍ من الأرض، وهو المكان الّذي ليس فيه شيءٌ يستر أحدًا.
{فقال الضّعفاء} وهم الأتباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الّذين استكبروا عن عبادة.
اللّه وحده لا شريك له، وعن موافقة الرّسل، فقالوا لهم: {إنّا كنّا لكم تبعًا} أي: مهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا، {فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شيءٍ} أي: فهل تدفعون عنّا شيئًا من عذاب اللّه، كما كنتم تعدوننا وتمنّوننا؟ فقالت القادة لهم: {لو هدانا اللّه لهديناكم} ولكن حقّ علينا قول ربّنا، وسبق فينا وفيكم قدر اللّه، وحقّت كلمة العذاب على الكافرين.
{سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ} أي: ليس لنا خلاص ممّا نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه.
قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: إنّ أهل النّار قال بعضهم لبعضٍ: تعالوا، فإنّما أدرك أهل الجنّة الجنّة ببكائهم وتضرّعهم إلى اللّه، عزّ وجلّ، تعالوا نبك ونتضرّع إلى اللّه فبكوا وتضرّعوا، فلّما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا، فإنّما أدرك أهل الجنّة الجنّة بالصّبر، تعالوا حتّى نصبر فصبروا صبرًا لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك، فعند ذلك قالوا {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ}
قلت: والظّاهر أنّ هذه المراجعة في النّار بعد دخولهم إليها، كما قال تعالى: {وإذ يتحاجّون في النّار فيقول الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعًا فهل أنتم مغنون عنّا نصيبًا من النّار قال الّذين استكبروا إنّا كلٌّ فيها إنّ اللّه قد حكم بين العباد} [غافرٍ: 47، 48]، وقال تعالى: {قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} [الأعراف: 38، 39]، وقال تعالى: {يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون يا ليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا} [الأحزاب: 66 -68].
وأمّا تخاصمهم في المحشر، فقال تعالى: {ولو ترى إذ الظّالمون موقوفون عند ربّهم يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول يقول الّذين استضعفوا للّذين استكبروا لولا أنتم لكنّا مؤمنين قال الّذين استكبروا للّذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الّذين استضعفوا للّذين استكبروا بل مكر اللّيل والنّهار إذ تأمروننا أن نكفر باللّه ونجعل له أندادًا وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الّذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} [سبأٍ: 31 -33]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 488-489]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلّا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ (22) وأدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربّهم تحيّتهم فيها سلامٌ (23)}
يخبر تعالى عمّا خطب به إبليس [لعنه اللّه] أتباعه، بعدما قضى اللّه بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنّات، وأسكن الكافرين الدّركات، فقام فيهم إبليس -لعنه اللّه -حينئذٍ خطيبًا ليزيدهم حزنًا إلى حزنهم وغبنا إلى غبنهم، وحسرةً إلى حسرتهم، فقال: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ} أي: على ألسنة رسله، ووعدكم في اتّباعهم النّجاة والسّلامة، وكان وعدًا حقًّا، وخبرًا صدقًا، وأمّا أنا فوعدتكم وأخلفتكم، كما قال اللّه تعالى: {يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} [النّساء: 120].
ثمّ قال: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ} أي: ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه من دليلٍ ولا حجّةٍ على صدقٍ ما وعدتكم به، {إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} بمجرّد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرّسل الحجج والأدلّة الصّحيحة على صدق ما جاءوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه، {فلا تلوموني} اليوم، {ولوموا أنفسكم} فإنّ الذّنب لكم، لكونكم خالفتم الحجج واتّبعتموني بمجرّد ما دعوتكم إلى الباطل، {ما أنا بمصرخكم} أي: بنافعكم ومنقذكم ومخلّصكم ممّا أنتم فيه، {وما أنتم بمصرخيّ} أي: بنافعيّ بإنقاذي ممّا أنا فيه من العذاب والنّكال، {إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل}
قال قتادة: أي بسبب ما أشركتمون من قبل.
وقال ابن جريرٍ: يقول: إنّي جحدت أن أكون شريكًا لله، عز وجل.
وهذا الذي قال هو الرّاجح كما قال تعالى: {ومن أضلّ ممّن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 5، 6]، وقال: {كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا} [مريم: 82].
وقوله: {إنّ الظّالمين} أي: في إعراضهم عن الحقّ واتّباعهم الباطل {لهم عذابٌ أليمٌ}
والظّاهر من سياق الآية: أنّ هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم النّار، كما قدّمنا. ولكن قد ورد في حديثٍ رواه ابن أبي حاتمٍ -وهذا لفظه -وابن جريرٍ من رواية عبد الرّحمن بن زيادٍ: حدّثني دخينٌ الحجري، عن عقبة بن عامرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين، فقضى بينهم، ففرغ من القضاء، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربّنا، فمن يشفع لنا؟ فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم -وذكر نوحًا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى -فيقول عيسى: أدلّكم على النّبيّ الأمّيّ. فيأتوني، فيأذن اللّه لي أن أقوم إليه فيثور [من] مجلسي من أطيب ريحٍ شمّها أحدٌ قطّ، حتّى آتي ربّي فيشفّعني، ويجعل لي نورًا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ثمّ يقول الكافرون هذا: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ ما هو إلّا إبليس هو الّذي أضلّنا، فيأتون إبليس فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فقم أنت فاشفع لنا، فإنّك أنت أضللتنا. فيقوم فيثور من مجلسه من أنتن ريحٍ شمّها أحدٌ قطّ، ثمّ يعظم نحيبهم {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}.
وهذا سياق ابن أبي حاتمٍ، ورواه ابن المبارك عن رشدين بن سعدٍ، عن عبد الرّحمن بن زياد بن أنعمٍ، عن دخين عن عقبة، به مرفوعا.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظي، رحمه اللّه: لمّا قال أهل النّار: {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ} قال لهم إبليس: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ} الآية، فلمّا سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، فنودوا: {لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} [غافرٍ: 10].
وقال عامرٌ الشّعبيّ: يقوم خطيبان يوم القيامة على رءوس النّاس، يقول اللّه لعيسى ابن مريم: {أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه} إلى قوله: {قال اللّه هذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم} [المائدة: 116، 119]، قال: ويقوم إبليس -لعنه اللّه -فيقول: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} الآية). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 489-491]

تفسير قوله تعالى: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ لـمّا ذكر تعالى مآل الأشقياء وما صاروا إليه من الخزي والنّكال وأنّ خطيبهم إبليس، عطف بحال السّعداء وأنّهم يدخلون يوم القيامة جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار سارحةً فيها حيث ساروا وأين ساروا {خالدين فيها} ماكثين أبدًا لا يحوّلون ولا يزولون، {بإذن ربّهم تحيّتهم فيها سلامٌ} كما قال تعالى: {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم} [الزّمر: 73]، وقال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ سلامٌ عليكم} [الرّعد: 23، 24] وقال تعالى: {ويلقّون فيها تحيّةً وسلامًا} [الفرقان: 75]، وقال: {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلامٌ وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين} [يونس: 10]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 491]

رد مع اقتباس