عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وإذا أذقنا النّاس الآية، المراد ب النّاس في هذه الآية الكفار وهي بعد تتناول من العاصين من لا يؤدي شكر الله تعالى عند زوال المكروه عنه ولا يرتدع بذلك عن معاصيه، وذلك في الناس كثير، و «الرحمة» هنا بعد الضراء، كالمطر بعد القحط والأمن بعد الخوف والصحة بعد المرض ونحو هذا مما لا ينحصر، و «المكر» الاستهزاء والطعن عليها من الكفار، واطراح الشكر والخوف من العصاة، ووصف مكر الله بالسرعة وإن كان الاستدراج بمهلهم لأنه متقين به واقع لا محالة، وكل آت قريب، قال أبو حاتم: قرأ الناس «أن رسلنا» بضم السين، وخفف السين الحسن وابن أبي إسحاق وأبو عمرو، وقال أبو علي أسرع من سرع ولا يكون من أسرع يسرع، قال ولو كان من أسرع لكان شاذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نار جهنم «لهي أسود من القار» وما حفظ للنبي صلى الله عليه وسلم فليس بشاذ.
وقرأ الحسن والأعرج ونافع وقتادة ومجاهد «تمكرون» بتاء على المخاطبة وهي قراءة أهل مكة وشبل وأبي عمرو وعيسى وطلحة وعاصم والأعمش والجحدري وأيوب بن المتوكل، ورويت أيضر عن نافع والأعرج، قال أبو حاتم: قال أيوب بن المتوكل: في مصحف أبيّ «يا أيها الناس إن الله أسرع مكرا وإن رسله لديكم يكتبون ما تمكرون»). [المحرر الوجيز: 4/ 464-465]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين (22)
هذه الآية تتضمن تعديد النعمة فيما هي الحال بسبيله من ركوب البحر، وركوبه وقت حسن الظن به للجهاد والحج متفق على جوازه، وكذلك لضرورة المعاش بالصيد فيه أو لتصرف التجر، وأما ركوبه لطلب الغنى والاستكثار فمكروه عند الأكثر، وغاية مبيحة أن يقول وتركه أحسن، وأما ركوبه في ارتجاجه فمكروه ممنوع وفي الحديث: «من ركب البحر في ارتجاجه فقد برئت منه الذمة».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «البحر لا أركبه أبدا». وقرأ جمهور القراء من السبعة وغيرهم «يسيركم» قال أبو علي وهو تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية، لأن العرب تقول: سرت الرجل وسيّرته ومنه قول الهذلي: [الطويل]
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها = وأول راض سنة من يسيرها
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا البيت اعتراض حتى لا يكون شاهدا في هذا. وهو أن يجعل الضمير كالظرف كما تقول سرت الطريق وهذه قراءة الجمهور من سير، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود، وفي مصحف أبي شيخ وقال عوف بن أبي جميلة قد كان يقرأ «ينشركم» فغيرها الحجاج بن يوسف «يسيركم»، قال سفيان بن أبي الزعل: كانوا يقرأون «ينشركم» فنظروا في مصحف ابن عفان فوجدوها «يسيركم»، فأول من كتبها كذلك الحجاج، وقرأ ابن كثير في بعض طرقه «يسيركم» من أسار، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة «ينشركم» بفتح الياء وضم الشين من النشر والبث، وهي قراءة زيد بن ثابت والحسن وأبي العالية وأبي جعفر وعبد الله بن جبير بن الفصيح وأبي عبد الرحمن وشيبة، وروي عن الحسن أنه قرأ «ينشركم» بضم الياء وكسر الشين وقال: هي قراءة عبد الله، قال أبو حاتم: أظنه غلط، والفلك جمع فلك وليس باسم واحد للجميع والفرد ولكنه فعل جمع على فعل، ومما يدل على ذلك قولهم فلكان في التثنية وقراءة أبي الدرداء وأم الدرداء «في الفلكي» على وزن فعليّ بياء نسب وذلك كقولهم أشقري وكدواري في دور الدهر وكقول الصلتان:
أنا الصلتاني ... ... ... = ... .... ... ...
وقوله وجرين علامة قليل العدد، وقوله بهم خروج من الحضور إلى الغيبة، وحسن ذلك لأن قولهم: كنتم في الفلك هو بالمعنى المعقول حتى إذا حصل بعضهم في السفن، و «الريح» إذا أفردت فعرفها أن تستعمل في العذاب والمكروه، لكنها لا يحسن في البحر أن تكون إلا واحدة متصلة لا نشرا، فقيدت المفردة «بالطيب» فخرجت عن ذلك العرف وبرع المعنى، وقرأ ابن أبي عبلة «جاءتهم ريح عاصف»، والعاصف الشديدة من الريح، يقال: عصفت الريح، وقوله وظنّوا على بابه في الظن لكنه ظن غالب مفزع بحسب أنه في محذور، وقوله دعوا اللّه أي نسوا الأصنام والشركاء وجردوا الدعاء لله، وذكر الطبري في ذلك عن بعض العلماء حكاية قول العجم:
هيا شراهيا ومعناه يا حي يا قيوم، قال الطبري: جواب قوله حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين: جاءتها ريحٌ عاصفٌ، وجواب قوله: وظنّوا أنّهم أحيط بهم: دعوا اللّه مخلصين). [المحرر الوجيز: 4/ 465-468]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون (23)
يبغون: أي يفسدون ويكفرون، والبغي: التعدي والأعمال الفاسدة، وأكد ذلك بقوله: بغير الحقّ، ثم ابتدأ بالرجز وذم البغي في أوجز لفظ، وقوله «متاع الحياة» رفع، وهذه قراءة الجمهور وذلك على خبر الابتداء، والمبتدأ بغيكم، ويصح أن يرتفع متاع على خبر ابتداء مضمر تقديره ذلك متاع أو هو متاع، وخبر «البغي» قوله على أنفسكم، وقرأ حفص عن عاصم وهارون عن ابن كثير وابن أبي إسحاق: «متاع» بالنصب وهو مصدر في موضع الحال من «البغي»، وخبر البغي على هذا محذوف تقديره:مذموم أو مكروه ونحو هذا، ولا يجوز أن يكون الخبر قوله على أنفسكم لأنه كان يحول بين المصدر وما عمل فيه بأجنبي، ويصح أن ينتصب متاع بفعل مضمر تقديره: تمتعون متاع الحياة الدنيا، وقرأ ابن أبي إسحاق: «متاعا الحياة الدنيا» بالنصب فيهما، ومعنى الآية إنما بغيكم وإفسادكم مضر لكم وهو في حالة الدنيا ثم تلقون عقابه في الآخرة، قال سفيان بن عيينة: إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا أي تعجل لكم عقوبته في الحياة الدنيا، وعلى هذا قالوا: البغي يصرع أهله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقالوا: الباغي مصروع، قال الله تعالى: ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه [الحج: 60] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أسرع عقوبة من بغي». وقرأت فرقة «فننبئكم» على ضمير المعظم المتكلم وقرأت فرقة: «فينبئكم»، على ضمير الغائب، والمراد الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 4/ 468-470]


رد مع اقتباس