عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 25 إلى 33]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين كفروا} [الحج: 25] تفسير السّدّيّ.
{ويصدّون عن سبيل اللّه} [الحج: 25] يعني الهدى، يعني المشركين.
{والمسجد الحرام} [الحج: 25] أي: ويصدّون عن المسجد الحرام.
وقال السّدّيّ: {ويصدّون عن سبيل اللّه} [الحج: 25] يعني: ويمنعون النّاس عن دين اللّه الإسلام.
قال: {والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس} [الحج: 25] قبلةً ونسكًا.
قوله: {سواءً العاكف فيه} [الحج: 25] السّاكن فيه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/361]
{والباد} [الحج: 25] يعني أهل مكّة، هم في بيوتها شرّعٌ سواءٌ.
تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: أمّا العاكف فيه فأهل مكّة، وأمّا الباد فمن ينتابه من سائر النّاس.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {العاكف فيه} [الحج: 25] السّاكن فيه {والباد} [الحج: 25] الجانب يعني من يعتقبه، أي الّذي ينتابه من النّاس للحجّ والعمرة، سواءٌ في حرمه ومناسكه وحقوقه.
قوله: {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ} [الحج: 25] أي بشركٍ.
{نذقه من عذابٍ أليمٍ} [الحج: 25] حدّثنا سعيدٌ عن قتادة قال: من لجأ إلى حرم اللّه ليعبد فيه غير اللّه عذّبه اللّه.
وفي تفسير الكلبيّ: الإلحاد، الميل عن عبادة اللّه إلى الشّرك.
نا المعلّى بن هلالٍ، عن ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، قال: {ومن يرد فيه بإلحادٍ} [الحج: 25] يعبد غير اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/362]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه...}

ردّ يفعلون على فعلوا لأن معناهما كالواحد الذي وغير الذي. ولو قيل: إن الذين كفروا وصدّوا لم يكن فيها ما يسأل عنه. وردّك يفعلون على فعلوا لأنك أردت إن الذين كفروا يصّدون بكفرهم. وإدخالك الواو كقول {وليرضوه وليقترفوا} أضمرت فعلاً في الواو مع الصدّ كما أضمرته ها هنا. وإن شئت قلت: الصدّ منهم كالدائم فاختير لهم يفعلون كأنك قلت: إن الذين كفروا ومن شأنهم الصد. ومثله {إنّ الّذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيّين} وفي قراءة عبد الله {وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط} وقال {الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم}
مثل ذلك.
ومثله في الأحزاب في قراءة عبد الله (الذين بلّغوا رسالات الله ويخشونه) فلا بأس أن تردّ فعل على يفعل كما قال {وقاتلوا الذين يأمرون}، وأن تردّ يفعل على فعل،
كما قال {إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله}.
وقوله: {سواء العاكف فيه والباد} فالعاكف من كان من أهل مكّة. والباد من نزع إليه بحجّ أو عمرة. وقد اجتمع القراء على رفع (سواء) ها هنا. وأما قوله في الشريعة:
{سواء محياهم ومماتهم} فقد نصبها الأعمش وحده، ورفعها سائر القراء. فمن نصب أوقع عليه {جعلناه} ومن رفع جعل الفعل واقعاً على الهاء واللام التي في الناس،
ثم استأنف فقال: {سواءٌ العاكف فيه والباد} ومن شأن العرب أن يستأنفوا بسواء إذا جاءت بعد حرف قد تمّ به الكلام فيقولون: مررت برجل سواءٌ عنده الخير والشرّ.
والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفع لأن (سواء) في مذهب واحد، كأنك قلت: مررت على رجل واحدٌ عنده الخير والشرّ. ومن خفض أراد: معتدلٍ عنده الخير والشرّ .
ولا يقولون: مررت على رجل معتدلٌ عنده الخير والشر لأن (معتدل) فعل مصرّح، وسواء في مذهب مصدر. فإخراجهم إيّاه إلى الفعل كإخراجهم مررت برجل حسبك من رجل إلى الفعل.
وقوله: {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ} دخلت الباء في (إلحاد) لأن تأويله: ومن يرد بأن يلحد فيه بظلم. ودخول الباء في (أن) أسهل منه في الإلحاد وما أشبهه؛ لأن (أن) تضمر الخوافض معها كثيراً، وتكون كالشرط فاحتملت دخول الخافض وخروجه؛ لأن الإعراب لا يتبيّن فيها، وقلّ في المصادر؛ لتبيّن الرفع والخفض فيها. أنشدني أبو الجرّاح:

فلمّا رجت بالشّرب هزّ لها العصا=شحيح له عند الإزاء نهيم
(... نهيم من الصّوت).
وقال امرؤ القيس:
ألا هل أتاها والحوادث جمّة=بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
فأدخل الباء على (أنّ) وهي في موضع رفع؛ كما أدخلها على (إلحاد بظلم) وهو في موضع نصب. وقد أدخلوها على (ما) إذا أرادوا بها المصدر، يعني الباء. وقال قيس بن زهيرٍ:
ألم يأتيك والأنباء تنمي=بما لاقت لبون بني زياد
وهو في (ما) أقل منه في (أن) لأنّ (أن) أقل شبهاً بالأسماء من (ما). وسمعت أعرابيّاً من ربيعة وسألته عن شيء فقال: أرجو بذاك. يريد: أرجو ذاك. وقد قرأ بعض القراء (ومن ترد فيه بإلحادٍ) من الورود، كأنه أراد: من ورده أو تورّده. ولست أشتهيها، لأنّ (وردت) يطلب الاسم، ألاّ ترى أنك تقول: وردنا مكّة ولا تقول: وردنا في مكّة. وهو جائز تريد النزول.
وقد تجوز في لغة الطائيّين لأنهم يقولون: رغبت فيك، يريدون: رغبت بك. وأنشدني بعضهم في بنت له:
وأرغب فيها عن لقيطٍ ورهطه=ولكنني عن سنبسٍ لست أرغب
(يعني بنته) ). [معاني القرآن: 2/223-220]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نّذقه من عذابٍ أليمٍ}
وقال: {ومن يرد فيه بإلحادٍ} معناه: ومن يرد إلحاداً. وزاد الباء كما تزاد في قوله: {تنبت بالدّهن}
وقال الشاعر:
أليس أميري في الأمور بأنتما = بما لستما أهل الخيانة والغدر).
[معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( و{العاكف}: المقيم.
و(البادي): الذي لا يقيم.
(الإلحاد): الزيغ والعدول عن الحق). [غريب القرآن وتفسيره: 260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سواءً العاكف فيه والباد} المقيم فيه والبادي، وهو الطارئ من البدو، سواء فيه: ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه.
{ومن يرد فيه بإلحادٍ} أي من يرد فيه إلحادا. وهو الظلم والميل عن الحق. فزيدت الباء، كما قال: {تنبت بالدّهن}، وكما قال الآخر:
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
أي لا يقرأن السّور.
وقال الآخر:
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج). [تفسير غريب القرآن: 292-291]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والباء تزاد في الكلام، والمعنى إلقاؤها.
كقوله سبحانه: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}.
وقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي اسم ربك.
و{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي يشربها.
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} أي هزّي جذع.
وقال: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} أي أيكم المفتون.

وقال الأعشى:
ضَمِنَتْ برزق عيالنا أرماحُنا
وقال الآخر:
نضربُ بالسَّيفِ ونرجو بالفرج
وقال امرؤ القيس:
هصرتُ بغُصْن ذِي شماريخَ ميَّال
أي: غصنا.
وقال أمية بن أبي الصّلت:
إذ يَسُفُّون بالدقيق وكانوا = قبلُ لا يأكلون شيئاً فَطِيرا
وقال: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}.
وقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 250-248] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
لفظ (يصدّون) لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي، لأن معنى الذين كفروا الذين هم كافرون، فكأنّه قال إنّ الكافرين والصّادّين.
وخبر (إنّ) فيه قولان أحدهما أن يكون محذوفا فيكون المعنى إنّ الذين هذه صفتهم هلكوا وجائز أن يكون - وهو الوجه - الخبر {نذقه من عذاب أليم}.
فيكون المعنى إنّ الكافرين والملحدين في المسجد الحرام نذقهم من عذاب أليم.
وقوله تعالى،: {سواء العاكف فيه والباد}.
القراءة الرفع في (سواء)، ورفعه من جهتين:
إحداهما أن يكون وقف التمام هو (الذي جعلناه للناس)، كما قال: {إن أول بيت وضع للنّاس}.
ويكون سواء العاكف فيه والباد - على الابتداء والخبر، ويجوز أن يكون على جعلناه سواء العاكف فيه، فيرتفع (سواء) على الابتداء، ويكون الخبر ههنا (العاكف فيه)، أعني خبر
{سواء العاكف} ويكون خبر {جعلناه} الجملة.
وتفسير قوله: {سواء العاكف فيه والباد} أنه يستوي في سكنى مكة المقيم بها والنارح إليها من أي بلد كان، وقيل سواء في تفضيله وإقامة المناسك العاكف. المقيم بالحرم والنارح إليه.
وقوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}.
قيل الإلحاد فيه الشرك باللّه، وقيل كل ظالم فيه ملحد.
وجاء عن عمر أن احتكار الطعام بمكة إلحاد.
وقال أهل اللغة إن معنى الباء الطرح.
المعنى ومن يرد فيه إلحادا بظلم.
وأنشدوا قول الشاعر:
هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة=سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
المعنى عندهم لا يقرأن السّور، وأنشدوا:
بواد يمان ينبت الشّثّ فرعه=وأسفله بالمرخ والشّبهان
أي وينبت أسفله المرخ والشبهان.
والذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة، المعنى عندهم ومن إرادته فيه بأن يلحد بظلم وهو مثل قوله:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما=تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
المعنى أريد، وإرادتي لهذا.
ومعنى الإلحاد في اللغة العدول عن القصد). [معاني القرآن: 3/421-420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله }
خبر إن محذوف، والمعنى إن الذين كفروا هلكوا كما قال إن محلا وإن مرتحلا
ثم قال جل وعز: {والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد }
وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ سواء بالنصب العاكف فيه والبادي بالخفض
والمعنى الذي جعلناه للناس العاكف والبادي
قال مجاهد العاكف النازل والبادي الجائي
وقال الحسن وعطاء العاكف من كان من أهل مكة والبادي من كان من غير أهلها
قال مجاهد أي هما في تعظمهما وحرمتهما سواء
وقال عطاء أي ليس أحد أحق به من أحد
وتأول عمر بن عبد العزيز الآية على أنه لا يكرى بيوت مكة
وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان ينهي أن تغلق دور مكة في زمن الحج وأن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوه فارغا وظاهر القرآن يدل على أن المراد المسجد،
كما قال جل وعز: {وهم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام} لأنهم كانوا يمنعون منه ويدعون أنهم أربابه إنما ذكر المسجد ولم يذكر دور الناس ومنازلهم،
وقيل هما في إقامة المناسك سواء
وقيل ليس لأحدهما فضل على صاحبه
ثم قال جل وعز: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }
روى مرة عن عبد الله بن مسعود قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ولو هم بقتل رجل بمكة وهو ب عدن أبين لعذبه الله جل وعز،
ثم قرأ: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
وروى هشيم عن الحجاج عن عطاء {ومن يرد فيه بإلحاد} قال من عبد غير الله جل وعز
وقال مجاهد من عمل بسيئة
وقال حبيب بن أبي ثابت هم المحتكرو الطعام بمكة
وأبين ما قيل فيه أن معنى بإلحاد بظلم لكل معصية لأن الآية عامة
قال أبو جعفر أصل الإلحاد في اللغة الميل عن القصد ومنه سمي اللحد ولو كان مستويا لقيل ضريح ومنه قوله سبحانه: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} يقال لحد وألحد بمعنى واحد هذا قول أهل اللغة إلا الأحمر فإنه حكى أنه يقال ألحد إذا جادل ولحد إذا عدل ومال
قال سعيد بن مسعدة الباء زائدة والمعنى ومن يرد فيه إلحاد بظلم
وهذا عند أبي العباس خطأ لأنه لا يزاد شيء لغير معنى
والقول عنده أن يريد ما يدل على الإرادة فالمعنى ومن إرادته بأن يلحد بظلم كما قال الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما = تمثل لي ليلى بكل سبيل
وحكى الفراء عن بعض القراء ومن يرد فيه بإلحاد من الورود
وهذا بعيد لأنه إنما يقال وردته ولا يكاد يقال وردت فيه). [معاني القرآن: 4/395-391]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الإِلْحـَادُ}: الزيـغ.
{العَاكِفُ}: المقيـم.
{البَـادي}: الذي لا يقيم). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحج: 26]
- قال: وحدّثنا يحيى بن سلامٍ قال: حدّثني أشعث، عن عبد اللّه بن مسلمٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عبّاسٍ قال: كان موضع البيت ربوةً بيضاء حولها
[تفسير القرآن العظيم: 1/362]
حجارةٌ مرسومةٌ حولها حرجةٌ من سمرٍ نابتٍ، وهو قوله عزّ وجلّ: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحج: 26]، يقول: أعلمناه.
قوله: {أن لا تشرك بي شيئًا وطهّر بيتي} [الحج: 26] من الأوثان، يعني لا تذر حوله وثنًا يعبد من دون اللّه.
تفسير السّدّيّ.
نا سعيدٌ عن قتادة قال: أي من عبادة الأوثان، والشّرك، وقول الزّور والمعاصي.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن علقمة بن أمّ علقمة مولاة عائشة، عن أمّه، عن عائشة قالت: كسوة البيت على الأمراء ولكن طيّبوا البيت فإنّ ذلك من تطهيره.
قوله: {للطّائفين} [الحج: 26]
نا المعلّى بن هلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ قال: الطّائفون الّذين يطوفون بالبيت، والرّكّع السّجود الّذين يصلّون إليه.
سعيدٌ عن قتادة قال: يعني أهل الطّواف.
قوله: {والقائمين} [الحج: 26] نا سعيدٌ عن قتادة قال: القائمون أهل مكّة.
{والرّكّع السّجود} [الحج: 26] أهل الصّلاة يصلّون إليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/363]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإذ بوّأنا لإبراهيم...}

ولم يقل: بوّأنا إبراهيم. ولو كان بمنزلة قوله: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} فإن شئت أنزلت {بوّأنا} بمنزلة جعلنا. وكذلك سمعت في التفسير. وإن شئت كان بمنزلة قوله: {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض} معناه: ردفكم. وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 2/223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} أي جعلنا له بيتا). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود}
جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم، والمبوأ المنزل، فالمعنى أن اللّه أعلم إبراهيم مكان البيت فبنى البيت على أسه القديم، وكان البيت في أيام الطوفان رفع إلى السماء حين غرّق اللّه الأرض وما عليها فشرّف بيته بأن أخرجه عن جملة ما غرق.
ويروى أن البيت كان من ياقوتة حمراء.
وقوله: {وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين}
قيل: المعنى طهره من الشرك.
والقائمون ههنا المصلّون). [معاني القرآن: 3/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت }
يقال لم جيء ههنا باللام وقد قال في موضع آخر ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق
فالفرق بينهما أن أهل التفسير قالوا المعنى جعلنا لإبراهيم مكان البيت مبوأ أي منزلا
قال أبو جعفر ويبين لك معناه حديث حدثناه أبو عبيد القاضي عن الزعفراني قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب،
قال سمعت كعب الأحبار يقول كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين سنة ومنه دحيت الأرض
قال سعيد حدثنا علي بن أبي طالب أن إبراهيم نبي الله صلى الله عليه وسلم أقبل من أرمينية ومعه السكينة تدله على البيت حتى تبوأ البيت تبوأ كما تتبوأ العنكبوت بيتا فكان يحمل الحجر من الحجارة الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا قال فقلت لسعيد يا أبا محمد إن الله جل وعز يقول: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}
قال إنما كان هذا بعد ذلك ثم قال جل وعز: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين }
روى هشيم عن عبد الملك قال القائمون المصلون قال قتادة والركع السجود أهل الصلاة). [معاني القرآن: 4/397-395]

تفسير قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأذّن في النّاس بالحجّ} [الحج: 27]
نا سعيدٌ عن قتادة قال: نبّئونا عن عكرمة بن خالدٍ
[تفسير القرآن العظيم: 1/363]
المخزوميّ أنّ إبراهيم نادى: يا أيّها النّاس، إنّ للّه بيتًا فحجّوه، فأسمع ما بين الخافقين أو المشرقين، وأقبل النّاس: لبّيك اللّهمّ لبّيك.
قال يحيى: بلغني أنّه أجابه يومئذٍ من كان حاجًّا إلى يوم القيامة.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوأمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قام إبراهيم النّبيّ عند البيت فأذّن في النّاس بالحجّ، فسمعه أهل المشرق وأهل المغرب.
- نا حمّادٌ، عن حمّاد بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّ إبراهيم وإسماعيل بنيا البيت، فلمّا أقبل أذّن في النّاس بالحجّ، فجعل لا يمرّ بأحدٍ إلا قال: يا أيّها النّاس قد بني لكم بيتٌ فحجّوه.
فجعل لا يسمعه حجرٌ ولا شجرٌ إلا أجابه: لبّيك اللّهمّ لبّيك لبّيك.
- نا حمّادٌ، عن أبي عاصمٍ الغنويّ، عن أبي الطّفيل قال: قال لي ابن عبّاسٍ: هل تدري كيف كانت التّلبية؟ قلت: وكيف كانت؟ قال: إنّ إبراهيم لمّا أمر أن يؤذّن في النّاس بالحجّ خفضت الجبال رءوسها ورفعت له القرى، فأذّن في النّاس بالحجّ.
قوله: {يأتوك رجالا} [الحج: 27] نا سعيدٌ عن قتادة قال: مشاةً.
ابن لهيعة، عن موسى بن حبيبٍ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ قال: حجّ إبراهيم وإسماعيل ماشيين.
قوله: {وعلى كلّ ضامرٍ} [الحج: 27] نا سعيدٌ عن قتادة قال: أي لا تبلغه المطيّ حتّى تضمر.
[تفسير القرآن العظيم: 1/364]
قوله: {يأتين من كلّ فجٍّ عميقٍ} [الحج: 27] يعني بعيدٍ.
نا سعيدٌ عن قتادة قال: عمق ما بين تهامة والعراق ويؤتى من أبعد من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/365]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ يأتين...}

{يأتين} فعل النوق وقد قرئت (يأتون) يذهب إلى الركبان. ولو قال: وعلى كل ضامرٍ تأتي تجعله فعلاً موحّداً لأن (كلّ) أضيفت إلى واحدة، وقليل في كلام العرب أن يقولوا:
مررت على كل رجل قائمين وهو صواب. وأشدّ منه في الجواز قوله: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} وإنما جاز الجمع في أحد، وفي كلّ رجل لأن تأويلهما قد يكون في النية موحّداً وجمعاً. فإذا كان (أحداً) وكل متفرقة من اثنين لم يجز إلاّ توحيد فعلهما من ذلك أن تقول: كلّ رجل منكما قائم. وخطأ أن تقول قائمون أو قائمان لأن المعنى قد ردّه إلى الواحد. وكذلك ما منكما أحد قائمون أو قائمان، خطأ لتلك العلة). [معاني القرآن: 2/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ} قوم يفتحون أول الحج وقوم يكسرونه وواحد الرجال راجل بمنزلة صاحب والجميع صحاب وتاجر والجميع تجار والقائم والجميع قيام، يأتوك مشاةً وعلى كل ضامر أي ركباناً {يأتين من كلّ فجٍّ عميقٍ} أي بعيد قال:يقطعن بعد النازح العميق
" فجّ " أي مسلك وناحية). [مجاز القرآن: 2/49]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {رجالا}: مشاة، واحدهم راجل مقل قائم وقيام. ويقال للراجل أيضا رجل. يقولون: علي المشي إلى البيت حافيا رجلا.
{عميق}: بعيد). [غريب القرآن وتفسيره: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يأتوك رجالًا} أي رجّالة، جمع راجل، مثل له صاحب وصحاب.
{وعلى كلّ ضامرٍ} أي ركبانا على ضمر من طول السفر.
{من كلّ فجٍّ عميقٍ} أي بعيد غامض). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق}
روي أن أذان إبراهيم بالحج أن وقف في المقام فقال: أيها الناس أجيبوا يا عباد اللّه أطيعوا الله يا عباد الله اتقوا اللّه، فوقرت في قلب كل مؤمن ومؤمنة وأسمع ما بين السماء والأرض وأجابه من في الأصلاب ممن كتب له الحج، فكل من حج فهو ممن أجاب إبراهيم، ويروى أنّ أذانه بالحج كان يا أيها الناس كتب عليكم الحج.
وقوله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر}.
(رجالا) جمع راجل مثل صاحب وصحاب، وقائم وقيام.
{وعلى كل ضامر يأتين}، أي يأتوك رجالا وركبانا.
وقال يأتين على معنى الإبل
المعنى وعلى كل بعيد ضامر يأتي من كل فج عميق.
وعميق بعيد.
قال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
الأعماق الأقعار، ومن هذا قيل: هذه بئر " عميقة "، أي بعيدة القرار). [معاني القرآن: 3/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال عز وجل: {وأذن في الناس بالحج }
وقرأ الحسن وآذن في الناس بالحج مخففة ممدودة
يقال آذنته بالصلاة وبكذا أي أعلمته وأذنت على التكثير
وقرأ ابن أبي إسحاق بالحج بكسر الحاء في جميع القرآن
قال مجاهد فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم يا رب كيف أقول قال قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم فوقرت في قلب كل مؤمن فأجابوا بـ لبيك اللهم لبيك أي فأجاب من يحج
ثم قال جل وعز: {يأتوك رجالا}
قال ابن عباس أي رجالة
وقرأ مجاهد يأتوك رجالا
وروى عن عكرمة يأتوك رجالا
قال أبو جعفر يقال في جمع راجل خمسة أوجه راجل ورجال مثل راكب وركاب وهذا الذي روي عن عكرمة وراجل ورجال مثل قائم وقيام
ويقال راجل ورجله ورجل ورجاله فهذه خمسة والذي روي عن مجاهد غير معروف والأشبه به أن يكون غير منون مثل كسالى وسكارى ولو نون لكان على فعال وفعال في الجميع قليل). [معاني القرآن: 4/398-397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}
وقرأ أصحاب عبد الله (يأتون من كل فج عميق)
قال عطاء ومجاهد والضحاك من كل طريق بعيد
قال أبو جعفر العمق في اللغة البعد ومنه بئر عميقة أي بعيدة القعر ومنه وقاتم الأعماق خاوي المخترق). [معاني القرآن: 4/399]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يأتوك رجالا} أي: رجالة، يقال: راجل ورجال، مثل: صائم وصيام، وقائم وقيام). [ياقوتة الصراط: 369]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رِجَالاً}: مشـاة.
{عَميقٍ}: بعيد). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 28] أخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: الأجر في الآخرة والتّجارة في الدّنيا.
قال يحيى: وذلك أنّهم كانوا يتبايعون في الموسم، وكانت لهم في ذلك منفعةٌ.
قال يحيى: وقد قال قتادة في آيةٍ أخرى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} [البقرة: 198] يعني في مواسم الحجّ.
قوله: {ويذكروا اسم اللّه في أيّامٍ معلوماتٍ} [الحج: 28] نا أشعث، عن حفص بن أبي وحشيّة عن....
عن ابن عبّاسٍ قال: وهي عشر ذي الحجّة آخرها يوم النّحر.
قوله: {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 28] يسمّي إذا نحر أو ذبح.
والأضحى ثلاثة أيّامٍ: يوم النّحر ويومان بعده.
ويوم النّحر أفضلها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/365]
قوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} [الحج: 28] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: الضّعيف الفقير.
وقال قتادة: الفقير الّذي به زمانةٌ.
إبراهيم بن محمّدٍ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه قال: أطعم البائس الفقير ثلثًا، وأطعم القانع والمعترّ ثلثًا، وأطعم أهلي ثلثًا.
- نا حمّادٌ، عن الحجّاج بن أرطاة أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ بعث بهديٍ مع علقمة وأمره أن يأكل هو وأصحابه ثلثًا، وأن يبعث إلى أهل عتبة بن مسعودٍ ثلثًا وأن يطعم المساكين ثلثًا.
نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب قال: ليس لصاحب البدنة منها إلا ربعها.
يحيى قال: وبلغني عن الحسن قال: لا يطعم من الأضحية أقلّ من الرّبع.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان يطعم من بدنه....
يأكل لا يرى بذلك بأسًا.
يقول: {فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 28] وأطعموا منها وكلوا منها، هما سواءٌ لا يرى بأسًا أن يطعم منها قبل أن يأكل.
- ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ناعمٍ مولى أمّ سلمة أنّه حضر عليًّا بالكوفة يوم أضحى، فخطب ثمّ نزل، فاتّبعته، فدعا بتيسٍ فذبحه، فذكر اسم اللّه ثمّ قال: عن عليٍّ وعن آل عليٍّ، ثمّ لم يبرح حتّى قسّم لحمه ففضل منه شيءٌ فبعثه إلى أهله.
[تفسير القرآن العظيم: 1/366]
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: هي مقدّمةٌ مؤخّرةٌ {فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 28] وأطعموا منها وكلوا، لا بأس أن يطعم منها قبل أن يأكل وإن شاء لم يأكل منها.
- قال: ونا عثمان، عن عائشة ابنة سعد بن مالكٍ أنّ أباها كان يأكل من بدنته قبل أن يطعم.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر من كلّ بدنةٍ ببضعةٍ فجعلت في قدرٍ فطبخت فأكل هو وعليٌّ من لحمها، وحسوا من مرقتها). [تفسير القرآن العظيم: 1/367]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {من بهيمة الأنعام} خرجت مخرج " يخرجكم طفلاً " والبهائم: الأنعام والدواب).
[مجاز القرآن: 2/50]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ليشهدوا منافع لهم} يقال: التجارة.
{ويذكروا اسم اللّه في أيّامٍ معلوماتٍ} يوم التّروية، ويوم عرفة، ويوم النحر. ويقال: أيام العشر كلها). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقالوا في نصب (المقيمين) بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين.
وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين، وكان الكسائي يرده إلى قوله:{يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أي: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله في موضع آخر: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي بالمؤمنين.
وقال بعضهم: هو نصب على المدح. قال أبو عبيدة: هو نصب على تطاول الكلام بالنّسق، وأنشد للخرنق بنت هفّان:

لا يبعدن قومي الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معترك = والطيّبون معاقد الأزر
ومما يشبه هذه الحروف- ولم يذكروه- قوله في سورة البقرة: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}. والقرّاء جميعا على نصب الصابرين إلا عاصماً الجحدريَّ فإنه كان يرفع الحرفَ إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه، للعلّة التي تقدم ذكرها.
واعتل أصحاب النحو للحرف، فقال بعضهم: هو نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدّد غير متبع لأوّل الكلام، كذلك قال الفرّاء.
وقال بعضهم: أراد: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضّرّاء.
وهذا وجه حسن، لأنّ البأساء: الفقر، ومنه قول الله عز وجل: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.
والضّرّاء: البلاء في البدن، من الزَّمانة والعلَّة. فكأنه قال: وآتى المال على حبّه السائلين الطّوَّافين، والصابرين على الفقر والضرّ الذين لا يسألون ولا يَشْكُون، وجعل الموفين وسَطا بين المعطِين نسقًا على من آمن بالله). [تأويل مشكل القرآن: 53-54] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله تعالى:{ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}أي ليشهدوا ما ندبهم اللّه إليه مما فيه النفع لهم في آخرتهم.
{ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
يعنى به يوم النحر والأيّام التي بعده ينحر فيها لأن الذكر ههنا يدل – على التسمية على ما ينحر لقوله {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
وقوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}.
(البائس: الذي قد ناله بؤس، والبؤس شدة الفقر، يقال: قد بؤس، وبأس إذا صار ذا بؤس.
وقوله (فكلوا منها) ليس بأمر لازم، من شاء أكل من أضحيته ومن شاء لم يأكل، وإنما هو إباحة كما قال: {وإذا حللتم فاصطادوا}.
فإنما قال فاصطادوا، لأنه كان قد حظر عليهم الصيد وهم محرمون.
فأباحهم الصيد.
وكذلك هذا الأمر ههنا إباحة بعد حظرهم على أنفسهم أكل الأضاحي، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا لم يستحلوا أن يأكلوا من نساكهم شيئا،
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك جائز). [معاني القرآن: 3/423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ليشهدوا منافع لهم}
روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال الأسواق
وروى سفيان عن جابر عن أبي جعفر ليشهدوا منافع لهم قال المغفرة
وقال عطاء ما يرضى الله من أمر الدنيا والآخرة
قال أبو جعفر قول جابر في هذا أحسن أي وأذن في الناس بالحج ليأتوا لعمل الحج الذي دعوا له وهو سبب للمغفرة وليس يأتون من كل فج عميق ولا وأذن فيهم ليتجروا هذا بعيد جدا). [معاني القرآن: 4/400-399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات}
في الأيام المعلومات اختلاف ولا نعلم في المعدودات اختلافا
روى ابن ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده اذبح في أيها شئت وأفضلها وأولها
وهذا المعروف من قول ابن عمر وهو قول أهل المدينة
وروى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الأيام المعلومات العشر يوم النحر منها
والأيام المعدودات أيام التشريق إلى آخر النفر
وقال بهذا القول عطاء ومجاهد وإبراهيم والضحاك وهو قول أهل الكوفة). [معاني القرآن: 4/401-400]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}
قال عطاء ومجاهد إن شئت فكل وإن شئت فلا تأكل
قال أبو جعفر وهذا عند أهل اللغة على الإباحة كما قال سبحانه: {وإذا حللتم فاصطادوا}
فإن قيل الإباحة لا تكون إلا بعد حظر فكيف يكون ههنا إباحة ولبس في الكلام حظر
فالجواب أنهم كانوا في الجاهلية يحظرون أكل لحوم الضحايا فأعلمهم الله جل وعز أن ذلك مباح لهم
قال مجاهد البائس الذي إذا سألك مد يده
قال أبو جعفر البائس في اللغة الذي به البؤس وهو شدة الفقر). [معاني القرآن: 4/402-401]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] نا سعيدٌ عن قتادة قال: حلق الرّءوس.
قال: وحدّثنا حمّادٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن عطاءٍ قال: التّفث: حلق الشّعر وقطع الأظفار.
حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ قال: التّفث: حلق الرّءوس ورمي الجمار، وقصّ الشّارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظفار.
نا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: التّفث ذا الشّعث وذا التّقشّف.
[تفسير القرآن العظيم: 1/367]
وفي تفسير عمرٍو عن الحسن {تفثهم} [الحج: 29] تقشّف الإحرام برميهم الجمار يوم النّحر.
فقد حلّ لهم كلّ شيءٍ غير النّساء.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول: من رمى الجمار يوم النّحر فقد حلّ له كلّ شيءٍ إلا النّساء والطّيب.
قوله: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] نا سعيدٌ عن قتادة قال: أيّامٌ عظّمها اللّه تحلق فيها الأشعار، ويوفّى فيها بالنّذر وتذبح فيها الذّبائح.
قال: وأخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: نذر الحجّ والهدي، وما نذر الإنسان على نفسه من شيءٍ يكون في الحجّ.
قوله: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]
نا سعيدٌ عن قتادة قال: أعتقه اللّه من الجبابرة.
كم من جبّارٍ مترفٍ قد صار إليه يريد أن يهدمه فحال اللّه بينه وبينه.
نا حمّادٌ، عن حميدٍ، عن الحسن بن مسلمٍ قال: قلت لمجاهدٍ لم سمّي البيت العتيق؟ قال: لم يرد البيت أحدٌ بسوءٍ إلا هلك.
ونا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن قال: البيت العتيق أوّل بيتٍ وضع للنّاس.
نا سعيدٌ عن قتادة في قوله في هذه الآية: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] قال: هو الطّواف الواجب.
قال: حدّثني شريكٌ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ قال: لا بأس أن يطوف
[تفسير القرآن العظيم: 1/368]
الطّواف الواجب باللّيل.
وحدّثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبيرٍ قال: هو طواف يوم النّحر.
قال سفيان: وهو قول مجاهدٍ.
- وحدّثني مندل بن عليٍّ وغيره، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر أصحابه فأفاضوا نهارًا يوم النّحر وأفاض هو ليلًا مكان نساءٍ كنّ معه.
قال: وحدّثني أفلح بن حميدٍ عن أبيه قال: كنّا مع أبي أيّوب الأنصاريّ في ركبٍ من الأنصار في الحجّ فما أفاض منّا أحدٌ حتّى كان النّفر الآخر.
- نا حمّادٌ عن أبي جمرة قال: قال لي ابن عبّاسٍ: أتقرأ سورة الحجّ؟ قلت: نعم.
قال فإنّ آخر المناسك الطّواف بالبيت.
ثمّ قرأ: {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]
- نا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال اللّه: {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] فآخر المناسك الطّواف). [تفسير القرآن العظيم: 1/369]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثمّ ليقضوا تفثهم...}

(اللام ساكنة) {وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا} اللامات سواكن. سكّنهن أهل المدينة وعاصم والأعمش، وكسرهن أبو عبد الرحمن السلمي والحسن في الواو وغير الواو.
وتسكينهم إيّاها تخفيف كما تقول: وهو قال ذلك، وهي قالت ذاك، تسكّن الهاء إذا وصلت بالواو. وكذلك ما كان من لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها. وقد كسر بعضهم {ثمّ ليقضوا} وذلك لأنّ الوقوف على (ثمّ) يحسن ولا يحسن في الفاء ولا الواو: وهو وجه، إلاّ أن أكثر القراءة على تسكين اللام في ثمّ:
وأمّا التّفث فنحر البدن وغيرها من البقر والغنم وحلق الرأس، وتقليم الأظافر وأشباهه). [معاني القرآن: 2/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ ليقضوا تفثهم} وهو الأخذ من الشارب وقص الأظفار ونتف الأبط والاستحداد وحلق العانة). [مجاز القرآن: 2/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تفثهم}: قالوا التفث الأخذ من الشارب والأظفار والاستحداد، وقال بعضهم المناسك). [غريب القرآن وتفسيره: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ ليقضوا تفثهم} والتّفث: الأخذ من الشارب والأظفار، ونتف الإبطين، وحلق العانة.
{بالبيت العتيق} سمي بذلك لأنه عتيق من التّجبّر، فلا يتكبر عنده جبار). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق}
قرئت (ثمّ ليقضوا) بكسر اللام، وكذلك قرأ أبو عمرو، والقراءة بالتسكين مع - ثم كثيرة..
والتفث في التفسير جاء، وأهل اللغة لا يعرفون إلا من التفسير، قالوا التفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر،
كأنّه الخروج من الإحرام إلى الإحلال.
قوله: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق}.
قيل في العتيق أقوال، قال الحسن هو البيت القديم، ودليل الحسن على ذلك قوله: {إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا}.
وقيل إن البيت العتيق الذي عتق من الغرق أيام الطوفان، ودليل هذا القول: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت}، فهذا دليل أن البيت رفع وبقي مكانه.
وأكثر ما جاء في التفسير أنه اعتق من الجبابرة، فلم يغلب عليه جبار.
وقيل إنه سمّي العتيق لأنه لم يدعه أحد من الناس.
وقيل إنما سمي العتيق لأنه لم يقصده جبار إلا أهلكه اللّه، يقال أعتقت المملوك فهو معتق وعتيق.
وكل ما مرّ في تفسير العتيق فجائز حسن - واللّه أعلم بحقيقة ذلك - وهذه الآية تدل على أن الطواف يوم النحر فرض). [معاني القرآن: 3/424-423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم ليقضوا تفثهم}
حدثنا أحمد بن محمد بن منصور الحاسب قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار
وكذلك هو عند جميع أهل التفسير أي الخروج من الإحرام إلى الحل لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير). [معاني القرآن: 4/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وليوفوا نذورهم}
قال مجاهد الحج والهدي وكل ما يلزم الإنسان من أمر الحج
قال أبو جعفر الذي قاله مجاهد معروف يقال لكل ما وجب على الإنسان نذر
فالمعنى وليوفوا ما وجب عليهم من أمر الحج). [معاني القرآن: 4/403-402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال سبحانه: {وليطوفوا بالبيت العتيق}
قال مجاهد والضحاك هو الطواف الواجب يوم النحر
وروى روح بن عبادة عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما سمي البيت العتيق لأن الله جل وعز أعتقه من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار قط
ورواه أبو داود الطيالسي عن صالح عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة غير مرفوع
وقال الحسن سمي العتيق لقدمه وحجته قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} ). [معاني القرآن: 4/404-403]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تفثهم}: قضاء حوائجهم من الحلق، والتنظيف، وأخذ الشعر، ورفع الوسخ). [ياقوتة الصراط: 369]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثم لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}: الأخذ من الشارب والأظفار، ونتف الإبط وحلق العانة وقيل: رمي الجمار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَفَثَهم}: المنـاسك). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه} [الحج: 30] تفسير مجاهدٍ الحرمات: مكّة، والحجّ، والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/369]
قوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} [الحج: 30] في سورة المائدة من: {الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب} [المائدة: 3].
وقد فسّرنا ذلك كلّه في سورة المائدة.
قال: {غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ} [المائدة: 1] وقد فسّرت ذلك في المائدة.
قوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} [الحج: 30] اجتنبوا الأوثان فإنّها رجسٌ.
قوله: {واجتنبوا قول الزّور} [الحج: 30] يعني اجتنبوا الأوثان فإنّها رجسٌ، وقول الزّور: الكذب على اللّه يعني الشّرك.
حدّثني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: الكذب). [تفسير القرآن العظيم: 1/370]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم...}

في سورة المائدة. من المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 2/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الزّور} الكذب). [مجاز القرآن: 2/50]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ لّه عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وقال: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} وكلها رجسٌ، والمعنى: فاجتنبوا الرجس الذي يكون منها أي: عبادتها). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يعظّم حرمات اللّه} يعني رمي الجمار، والوقوف بجمع وأشباه ذلك. وهي شعائر اللّه.
{وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم} يعني في سورة المائدة من الميتة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خير له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وحرمات اللّه الحجّ والعمرة وسائر المناسك، وكل ما فرض الله فهو من حرمات اللّه، والحرمة ما وجب القيام به وحرم تركه والتفريط فيه.
وموضع (ذلك) رفع، المعنى الأمر ذلك.
وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم}.
" ما " في موضع نصب أي إلا ما يتلى عليكم من الميتة والدم والمنخنقة والموقوذة وسائر ما تلي تحريمه.
وقوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}. " من " ههنا لتخليص جنس من أجناس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
وقوله: {واجتنبوا قول الزّور}.
الزور الكذب، وقيل إنه ههنا الشرك باللّه، وقيل أيضا شهادة الزور.
وهذا كله جائز.
والآية تدل - واللّه أعلم - على أنهم نهوا أن يحرموا ما حرم أصحاب الأوثان نحو قولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا}، ونحو نحرهم البحيرة والسائبة، فأعلمهم اللّه أنّ الأنعام محللة إلّا ما حرّم اللّه منها، ونهاهم الله عن قول الزور أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ليفتروا على اللّه كذبا). [معاني القرآن: 3/425-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}
قال مجاهد الحج والعمرة
وقال عطاء المعاصي
قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شيء واحد إلا أن حرمات الله جل وعز ما فرضه وأمر به ونهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنه الذي يحرم تركه). [معاني القرآن: 4/404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم}
قيل الصيد للمحرم
وروى معمر عن قتادة قال الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه
وقال غيره هو ما يتلى في سورة المائدة من قوله جل وعز: {حرمت عليكم الميتة الدم ولحم الخنزير} إلى قوله: {وما أكل السبع إلا ما ذكيتم}
قال أبو جعفر وقول قتادة جامع لهذا لأن هذه المحرمات أصناف الميتة). [معاني القرآن: 4/405-404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}
الرجس النتن ومن ههنا لبيان الجنس أي الذي هو وثن). [معاني القرآن: 4/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {واجتنبوا قول الزور}
قال عبد الله بن مسعود عدل الله عز وجل شهادة الزور بالشرك ثم تلا هذه الآية
وقال مجاهد الزور الكذب
وقيل الشرك، والمعاني متقاربة وكل كذب زور وأعظم ذلك الشرك
والذي يوجب حقيقة المعنى لا تحرموا ما كان أهل الأوثان يحرمونه من قولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} ومن تحريم السائبة وما أشبه ذلك من الزور كما قال تعالى: {افتراء على الله} ). [معاني القرآن: 4/406-405]

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {حنفاء للّه} [الحج: 31] مخلصين للّه.
وقال بعضهم: حجّاجًا، أي: للّه مخلصين.
{غير مشركين به} [الحج: 31] قوله: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} [الحج: 31] في البعد من اللّه.
{فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح} [الحج: 31] يعني تذهب به الرّيح.
{في مكانٍ} [الحج: 31] يعني تذهب به الرّيح.
تفسير السّدّيّ.
{سحيقٍ} [الحج: 31] قال مجاهدٌ: بعيدٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/370]
وقال الحسن: شبّه اللّه أعمال المشركين بالشّيء يخرّ من السّماء فتخطفه الطّير، فلا يصل إلى الأرض.
أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ، يعني بعيدٍ فيذهب فلا يوجد له أصلٌ، ولا يرى له أثرٌ.
يعني أنّه ليس لأعمال المشركين عند اللّه قرارٌ لهم به عنده خيرٌ في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/371]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فتخطفه الطّير...}

ممّا ردّ من يفعل على فعل. ولو نصبتها فقلت: فتخطفه الطير كان وجهاً. والعرب قد تجيب بكأنّما. وذلك أنها في مذهب يخيّل إليّ وأظنّ فكأنها مردودة على تأويل (أنّ) ألا ترى أنك تقول: يخيّل إليّ أن تذهب فأذهب معك. وإن شئت جعلت في (كأنّما) تأويل جحد؛ كأنك قلت: كأنك عربيّ فتكرم، والتأويل: لست بعربيّ فتكرم). [معاني القرآن: 2/225]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سحيقٍ} والسحيق البعيد وهو من قولهم أبعده الله وأسحقه وسحقته الريح، ومنه نخلة سحوقٌ أي طويلة ويقال: بعد وسحقٌ وقال ابن قيس الرقيات:
كانت لنا جارةً فأزعجها=قاذورةٌ يسحق النّوى قدما
وقالوا: يسحق، والقاذورة: المتقذر الذي لا يخالط الناس لا تراه إلا معتزلاً من الناس، والنوى: من السفر). [مجاز القرآن: 2/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (السحيق): البعيد). [غريب القرآن وتفسيره: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} هذا مثل ضربه اللّه لمن أشرك به، في هلاكه وبعده من الهدى.
(السحيق) البعيد. ومنه يقال: بعدا وسحقا، وأسحقه اللّه). [تفسير غريب القرآن: 293]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق}
{حنفاء للّه} منصوب على الحال، وتأويله مسلمين لا يميلون إلى دين غير الإسلام.
وقوله: {غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير}.
ويقرأ فتخطفه الطير وفتخطّفه. وقرأ الحسن فتخطّفه بكسر التاء والخاء والطاء.
فمن قرأ فتخطفه بالتخفيف فهو من خطف يخطف، والخطف الأخذ بسرعة، ومن قرأ فتخطّفه - بكسر الطاء والتشديد - فالأصل فتختطفه فأدغم التاء في الطاء وألقى حركة التاء على الخاء ففتحها، ومن قال بكسر الخاء والطاء، كسر الخاء لسكونها وسكون الطاء، ومن كسر التاء والخاء والطاء - وهي قراءة الحسن - فهو على أن الأصل تختطفه.
وهذا مثل ضربه الله للكافر في بعده عن الحق - فأعلم اللّه أن بعد من أشرك به من الحق كبعد من خرّ من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح في مكان سحيق -
أي: بعيد ). [معاني القرآن: 3/425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {حنفاء لله غير مشركين به} قال مجاهد أي متبعين ثم قال جل وعز: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير} أي: هو في البعد من الحق كذي
يقال خطفه يخطفه واختطفه يختطفه إذا أخذه بسرعة). [معاني القرآن: 4/407-406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال مجاهد أي بعيد). [معاني القرآن: 4/407]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والسحيق): البعيد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّحِيقُ}: البعـيد). [العمدة في غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} [الحج: 32] يعني من إخلاص القلوب.
تفسير السّدّيّ.
وتفسير مجاهدٍ: استعظام البدن واستحسانها واستسمانها.
- قال: وحدّثني الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزريّ، عن طارق بن أحمد قال: كنت عند ابن عمر إذ جاءه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرّحمن أيّ الشّعائر أعظم؟ قال: أو في شكٍّ أنت منه؟ هذا أعظم الشّعائر، يعني البيت.
وتفسير الحسن: شعائر اللّه، دين اللّه كلّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/371]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإنّها من تقوى القلوب...}

يريد: فإن الفعلة؛ كما قال {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} ومن بعده جائز. ولو قيل: فإنه من تقوى القلوب كان جائزاً). [معاني القرآن: 2/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب}
شعائر اللّه المعالم التي ندب إليها وأمر بالقيام بها، واحدتها شعيرة.
فالصفا والمروة من شعائر اللّه، " الذي يعنى به هنا البدن). [معاني القرآن: 3/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك ومن يعظم شعائر الله}
قال مجاهد عن ابن عباس هو تسمين البدن وتعظيمها وتحسينها
وقال غيره شعائر الله رمي الجمار وما أشبه ذلك من مناسك الحج
قال أبو جعفر وهذا لا يمتنع وهو مذهب مالك بن أنس أن المنفعة بعرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر وفي المشعر الحرام إلى أن تطلع الشمس وفي رمي الجمار إلى انقضاء أيام منى وهذه كلها شعائر والمنفعة فيها إلى وقت معلوم ثم محلها كلها إلى البيت العتيق فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر بالبيت العتيق فقد حل، وواحد الشعائر شعيرة لأنها أشعرت أي جعلت فيها علامة تدل على أنها هدي
ثم قال تعالى: {فإنها من تقوى القلوب} أي فإن الفعلة). [معاني القرآن: 4/408-407]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} [الحج: 33]
- حدّثني يحيى، قال: حدّثني المعلّى، عن محمّد بن عبيد اللّه، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الأجل المسمّى إلى أن تقلّد وتشعر.
هي البدن ينتفع بظهورها ويستعان بها.
{ثمّ محلّها} [الحج: 33] إذا قلّدت وأشعرت.
{إلى البيت العتيق} [الحج: 33] وقال السّدّيّ: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} [الحج: 33] يقول: إلى أن تقلّد فإذا قلّدت لم تركب لها ظهورٌ، ولم يشرب لها لبنٌ.
نا حمّادٌ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: هي البدن ينتفع بها حتّى تقلّد.
[تفسير القرآن العظيم: 1/371]
- نا هشامٌ وهمّامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً فقال: " اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها ويلك أو ويحك ".
- نا خداشٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أنس بن مالكٍ: " أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً قد جهده المشي....
اركبها.
قال: إنّها بدنةٌ.
قال: اركبها وإن كانت ".
نا المعلّى، عن حميدٍ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
- نا نصر بن طريفٍ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل على بدنه الرّجل العقب.
- نا ابن لهيعة، عن أبي الزّبير قال: سئل جابر بن عبد اللّه عن ركوب البدنة فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «اركبها بالمعروف حتّى تجد ظهرًا».
حدّثني حمّادٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: البدنة، إن احتاج سائقها فإنّه يركبها غير فادحٍ، ويشرب من فضل ريّ فصيلها.
- حدّثنا هشامٌ وهمّامٌ، عن قتادة، عن أبي حسّانٍ الأعرج، عن ابن عبّاسٍ قال: دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببدنةٍ عند صلاة الظّهر، ثمّ دعا بنعلٍ فقلّدها، ثمّ أشعرها في جانب سنامها الأيمن، ثمّ سلت عنها الدّم، ثمّ صلّى صلاة الظّهر، ثمّ ركب راحلته حتّى إذا استوت به البيداء أهلّ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/372]
- وحدّثنا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان إذا أشعر بدنته أشعرها من جانب السّنام الأيسر إلا القلوصين الصّعبين فإنّه كان يطعنهما بالحربة هذا من الأيمن وهذا من الأيسر يقرنهما، فيطعن بالحربة هذا هكذا وهذا هكذا ويستقبل بهما القبلة ويقول: بسم اللّه واللّه أكبر إذا أشعرهما.
- نا عثمان، عن عائشة ابنة سعد بن مالكٍ أنّ أباها كان يقلّد نعلًا.
- نا حمّادٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر قال: كلّ هديٍ لا يوقف به بعرفة فهو أضحيةٌ.
- نا حمّادٌ، عن الحجّاج بن أرطأة، عن عطاءٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقف بالبدن بعرفة.
قوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33]
نا حمّادٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن عطاءٍ قال: كلّ هديٍ دخل الحرم ثمّ عطف فقد بلغ محلّه إلا هدي المتعة فإنّه لا بدّ له من أن يهريق دمًا يوم النّحر.
نا الرّبيع بن صبيحٍ، عن عطاءٍ قال: كلّ هديٍ قدم مكّة فإنّه ينحره حيث شاء من مكّة إلا هدي المتعة فإن نحره كان عليه الهدي يوم النّحر، وإن قدم في عشر ذي الحجّة فليس له أن ينحره دون يوم النّحر إلا أن يخاف أن يعطب فينحره وقد أجزأ عنه، إلا هدي المتعة وهدي المحصر بالحجّ.
- نا عبد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: إذا أعطبت البدنة فإن شاء أبدلها وإن شاء لم يبدلها إلا نذرًا أو جزاء صيدٍ.
وعطبت بدنةٌ لابن عمر فأكل منها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/373]
- نا حمّادٌ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت: إذا عطب الهدي فكلوه ولا تدعوه للكلاب والسّباع.
فإن كان واجبًا فاهدوا مكانه هديًا آخر، وإن كان تطوّعًا فإن شئتم فاهدوا، وإن شئتم فلا تهدوا.
- نا حمّادٌ، عن أبي التّيّاح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث بالبدن مع رجلٍ وأمره فيها بأمرٍ.
فلمّا قفّى رجع فقال: يا رسول اللّه ما أصنع بما أزحف عليّ منها؟ قال: انحرها واصبغ نعالها في دمائها ثمّ اضرب به صفحتها اليمنى، ربّما قال حمّادٌ: اليمنى وربّما لم يقل، ولا تأكل منها أنت ولا أهل رفقتك وحل بينها وبين النّاس يأكلونها.
قال يحيى: وهذا في التّطوّع.
- وكذلك حدّثني ابن أبي ذئبٍ، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: في البدنة التّطوّع إذا أصيبت ينحرها، ويجعل أخفافها في دمها، ولا يأكل منها.
- حدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ أنّ عمر بن الخطّاب قال: إذا أكلت من التّطوّع فأبدل). [تفسير القرآن العظيم: 1/374]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مّسمًّى...}

يعني البدن. يقول: لكم أن تنتفعوا بألبانها وركوبها إلى أن تسمّى أو تشعر فذلك الأجل المسمّي.
وقوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} ما كان من هدىٍ للعمرة أو للنذر فإذا بلغ البيت نحر. وما كان للحجّ نحر بمنى. جعل ذلك بمنى لتطهر مكّة.
وقوله: {العتيق} أٌعتق من الجبابرة. ... حدثني حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: العتيق: أعتق من الجبابرة. ويقال: من الغرق زمن نوح). [معاني القرآن: 2/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق }
يعنى أن لكم في البدن - قبل أن تعلموها، وتسموها هديا إلى بيتي - منافع.
فإذا أشعرتموها - والإشعار أن يشق في السنام حتى يدمى ويعلق عليها نعلا ليعلم أنها بدنة، فأكثر النّاس لا يرى الانتفاع بها إذا جعلت بدنة، لا بلبنها ولا بوبرها ولا بظهرها، يقول لا يعطى لبنها ووبرها وظهرها أحدا لأنها بدنة فلا ينتفع بها غير أهل اللّه إلاّ عند الضرورة المخوف معها الموت.
وبعضهم يقول: إنّ له أن ينتفع بها فيركبها المعيي وينتفع بمنافعها إلى وقت محلها - مكان نحرها -.
والحجة في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجل يسوق بدنة فأمره - صلى الله عليه وسلم - بركوبها، فقال: إنها بدنة فأمره الثانية وأمره الثالثة، وقال له في الثالثة: اركبها ويحك، فهذا - يجوز أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه مضطرا في ركوبها من شدة الإعياء، وجائز على ظاهر الحديث أن يكون ركوبها جائزا.
ومن أجاز ركوبها والانتفاع بها يقول: ليس له أن يهزلها وينضيها لأنها بدنة). [معاني القرآن: 3/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى}
قال أبو جعفر في هذا قولان غير قول مالك
أحدهما أن عروة قال في البدن المقلدة يركبها ويشرب من ألبانها
والثاني قال مجاهد هي البدن من قبل أن تقلد ينتفع بركوبها وأوبارها وألبانها وإذا صارت هديا لم يكن له أن يركبها إلا من ضرورة
قال أبو جعفر وقول مجاهد عند قوم أولى لأن الأجل المسمى عنده أن تجعل هديا وتقلد والأجل المسمى ليس موجودا في قول عروة
وقد احتج من قال بقول عروة بقول النبي صلى الله عليه وسلم اركبها ويلك
واحتج عليه بأنه لم يقل له وهل يحرم ركوب البدن
ولعل ذلك من ضرورة ويبين هذا حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا). [معاني القرآن: 4/409-408]


رد مع اقتباس