عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 74 إلى 94]

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر...}
يقال: آزر في موضع خفض ولا يجرى لأنه أعجميّ. وقد أجمع أهل النسب على أنه ابن تارح، فكأن آزر لقب له. وقد بلغني أن معنى (آزر) في كلامهم معوجّ، كأنه عابه بزيغه وبعوجه عن الحقّ. وقد قرأ بعضهم (لأبيه ازر) بالرفع على النداء (يا) وهو وجه حسن.
وقوله: {أتتّخذ أصناماً آلهةً} نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها، وكذلك الآلهة). [معاني القرآن: 1/340]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناماً آلهةً إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مّبينٍ}
وقال: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} فتح إذا جعلت {آزر} بدلاً من {أبيه} وقد قرئت رفعا على النداء كأنه قال "يا آزر". وقال الشاعر:

إنّ عليّ الله أن تبايعا = تقتل صبحاً أو تجيء طائعا
فأبدل "تقتل صبحاً" من "تبايع"). [معاني القرآن: 1/242-243]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قد ذكرته في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناما آلهة إنّي أراك وقومك في ضلال مبين}
{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}
بالنصب والضم، فمن قرأ بالضم فعلى النداء، المعنى يا آزر أتتّخذ أصناما. وليس بين النسّابين خلاف أن اسم أبي إبراهيم " تارح " والذي في القرآن يدل على أن: اسمه آزر، وقيل آزر عندهم ذمّ في لغتهم، كأنه: وإذ قال إبراهيم لأبيه يا مخطئ أتتخذ أصناما.
وإذا كان كذلك فالاختيار الرفع. وجائز أن يكون وصفا له، كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه المخطئ.
وقيل "آزر" اسم صنم، فإذا كان اسم صنم فموضعه نصب على إضمار الفعل، كأنه قال (وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلها؟) أتتخذ أصناما آلهة؟ ). [معاني القرآن: 2/265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة} فقرأ الحسن {آزر} بالرفع وفي حرف أبي (يا آزر) قال الحسن هو اسم أبيه وذهب الحسن إلى أنه نداء وقال سليمان التيمي معنى آزر يا أعوج وقيل كان لأبيه اسمان كان يقال له تارح وآزر وقيل "آزر" اسم صنم: والمعنى على هذا القول "أتتخذ آزر" أي: أتتخذ أصناما). [معاني القرآن: 2/448]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ملكوت السّموات} أي: ملك السموات،
خرجت مخرج قولهم في المثل: رهبوت خيرٌ من رحموت، أي: رهبة خير من رحمة). [مجاز القرآن: 1/197-198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ملكوت السموات والأرض}: ملك السموات وفي التفسير آيات السموات، ومثل للعرب " الرهبوت خير من الرحموت" يريد أن ترهب خير من أن ترحم). [غريب القرآن وتفسيره: 138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ملكوت السّماوات والأرض} ملكهما. زيدت فيه الواو والتاء وبني بناء جبروت ورهبوت). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين}
أي ومثل ما وصفنا من قصة إبراهيم من قوله لأبيه ما قال نريه ملكوت السّماوات والأرض، أي القدرة التي تقوى بها دلالته على توحيد اللّه جلّ وعزّ.
وتقول في الكلام لمن فعل بك خيرا أو شرا كذلك أجزيك.
ومعنى قوله: {وليكون من الموقنين} أي نريه ملكوت السّماوات والأرض لما فعل، وليثبت على اليقين.
والملكوت بمنزلة الملك، إلا أن الملكوت أبلغ في اللغة من الملك، لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة، ومثل الملكوت الرغبوت، والرهبوت.
ووزنه من الفعل فعلوت وفي المثل رهبوتي خير من رغبوتي، وهذا كقولهم، أو فرقا خيرا من حبّ، ومن روى رهبوتي خير من رحموتي فمعنى صحيح. يحقق من اللسان أن تكون له هيبة ترهب بها خير من أن يرحم). [معاني القرآن: 2/265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} ملكوت في اللغة بمعنى ملك إلا أن فيه معنى المبالغة وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الآيات وروى ابن جريج عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال فرجت له السموات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش وفرجت له الأرضون فنظر إليهن). [معاني القرآن: 2/449]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَلَكُوتَ}: ملك). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل...}
يقال: جنّ عليه الليل، وأجنّ، وأجنّه الليل وجنّه الليل؛ وبالألف أجود إذا ألقيت (على) وهي أكثر من جنّه الليل.
يقال في قوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً قال هذا ربّي} قولان: إنما قال: هذا ربّي استدراجا للحجّة على قومه ليعيب آلهتهم أنها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة؛ ويقال: إنه قاله على الوجه الآخر؛ كما قال الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {ألم يجدك يتيماً فآوى. ووجدك ضالاّ فهدى}
واحتجوا ها هنا بقول إبراهيم: {لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين}). [معاني القرآن: 1/341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فلمّا جنّ عليه اللّيل} أي: غطّى عليه وأظلم عليه، ومصدره، جنّ الليل جنوناً، قال دريد بن الصّمًّة:
ولولا جنون الليل أدرك ركضنا = بذي الرّمث والأرطي عياض بن ناشب
وبعضهم ينشده: ولولا جنان الليل، أي غطاؤه وسواده، وما جنّك من شيء فهو جنان لك، وقال سلامة بن جندل:
ولولا جنان الليل ما آب عامرٌ = إلى جعفرٍ سرباله لم يمزّق
قال ابن أحمر يخاطب ناقته:
جنان المسلمين أودّ مسّا = وإن جاورت أسلم أو غفارا
أي: سوادهم، يقول: دخولك في المسلمين أودّ لك {فلمّا أفل} أي غاب؛ يقال: أين أفلت عنا، أي أين غبت عنا، وهو يأفل مكسورة الفاء، والمصدر: أفل أفولاً كقوله:
وإذا ما الثّريّا أحسّت أفولا
أي: غيبوبة. قال ذو الرّمّة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها = نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالك
{لا أحبّ الآفلين} أي من الأشياء، ولم يقصد قصد الشمس والقمر والنجوم فيجمعها على جميع الموات). [مجاز القرآن: 1/198-200]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}
وقال: {فلمّا جنّ عليه اللّيل} وقال بعضهم {أجنّ}. وقال الشاعر:
فلمّا أجنّ اللّيل بتنا كأنّنا = على كثرة الأعداء محترسان
وقال:
* أجنّك اللّيل ولمّا تشتف *
فجعل "الجنّ" مصدرا لـ"جنّ". وقد يستقيم أن يكون "أجنّ" ويكون ذا مصدره كما قال "العطاء" و"الإعطاء".
وأما قوله: {أكننتم في أنفسكم} فإنهم يقولون في مفعولها: "مكنونٌ" ويقول بعضهم "مكنّ" وتقول: "كننت الجارية" إذا صنتها و"كننتها من الشّمس" و"أكننتها من الشّمس" أيضاً. ويقولون "هي مكنونة" و"مكنّةٌ" وقال الشاعر:
قد كنت أعطيهم مالي وأمنحهم = عرضي وعندهم في الصّدر مكنون
لأنّ قيساً تقول: "كننت العلم" فهو "مكنون". وتقول بنو تميم "أكننت العلم" فـ"هو مكنّ"، و"كننت الجارية فـ"هي مكنونةٌ". وفي كتاب الله عز وجل: {أو أكننتم في أنفسكم} وقال: {كأنّهنّ بيضٌ مّكنونٌ} وقال الشاعر:
قد كنّ يكننّ الوجوه تستّراً = فاليوم حين بدون للنّظّار
وقيس تنشد "قدكن يكننّ".
وقال: {فلمّا أفل} فهو من "يأفل" "أفولاً"). [معاني القرآن: 1/243]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جن عليه الليل}: أظلم.
{فلما أفل}: غاب يقال أين أفلت أي أين غبت). [غريب القرآن وتفسيره: 138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جنّ عليه اللّيل}: أظلم. يقال: جنّ جنانا وجنونا، وأجنّة الليل إجنانا). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
كان العصر الذي بعث الله، عز وجل، فيه إبراهيم، صلّى الله عليه وسلم، عصر نجوم وكهانة، وإنما أمر نمروذ بقتل الولدان في السنة التي ولد فيها إبراهيم، صلّى الله عليه وسلم، لأن المنجمين والكهّان قالوا: إنه يولد في تلك السنة من يدعو إلى غير دينه، ويرغب عن سنّته.
وكان القوم يعظّمون النجوم، ويقضون بها على غائب الأمور، ولذلك نظر إبراهيم نظرة في النجوم فقال: {إِنِّي سَقِيمٌ}وكان القوم يريدون الخروج إلى مجمع لهم، فأرادوه على أن يغدو معهم، وأراد كيد أصنامهم خلاف مخرجهم، فنظر نظرة في النجوم، يريد علم النجوم، أي في مقياس من مقاييسها، أو سبب من أسبابها، ولم ينظر إلى النجوم أنفسها.
يدلك على ذلك قوله: { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} ولم يقل: إلى النجوم. وهذا كما يقال: فلان ينظر في النجوم، إذا كان يعرف حسابها، وفلان ينظر في الفقه والحساب والنحو.
وإنما أراد بالنظر فيها: أن يوهمهم أنه يعلم منها ما يعلمون، ويتعرف في الأمور من حيث يتعرفون، وذلك أبلغ في المحال، وألطف في المكيدة {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} أي سأسقم فلا أقدر على الغدوّ معكم. هذا الذي أوهمهم بمعاريض الكلام، ونيّته أنه سقيم غدا لا محالة، لأن من كانت غايته الموت ومصيره إلى الفناء- فسيسقم. ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ولم يكن النبي، صلّى الله عليه وسلم، ميّتا في ذلك الوقت، وإنما أراد: أنك ستموت وسيموتون.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى} الزّهرة {قَالَ هَذَا رَبِّي} يريد: أن يستدرجهم بهذا القول، ويعرّفهم خطأهم، وجهلهم في تعظيمهم شأن النجوم، وقضائهم على الأمور بدلالتها. فأراهم أنه معظّم ما عظّموا، وملتمس الهدى من حيث التمسوا. وكلّ من تابعك على هواك وشابعك على أمرك، كنت به أوثق، وإليه أسكن وأركن. فأنسوا واطمأنوا.
فلمّا أفل أراهم النقص الداخل على النجم بالأفول، لأنه ليس ينبغي لإله أن يزول ولا أن يغيب، فقال لا أحبّ الآفلين واعتبر مثل ذلك في الشمس والقمر، حتى تبين للقوم ما أراد، من غير جهة العناد والمبادأة بالتّنقص والعيب.
ثم قال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} وما فيها من نجم وقمر وشمس والأرض وما فيها من بحر وجبل وحجر وصنم {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ومثل هذا: الحواريّ حين ورد على قوم يعبدون (بدّا) لهم فأظهر تعظيمه وترفيله، وأراهم الاجتهاد في دينهم، فأكرموه وفضّلوه وائتمنوه، وصدروا في كثير من الأمور عن رأيه. إلى أن دهمهم عدوّ لهم خافه الملك على مملكته، فشاور الحواريّ في أمره، فقال: الرأي أن ندعو إلهنا- يعني البدّ- حتى يكشف ما قد أظلّنا، فإنا لمثل هذا اليوم كنّا نرشّحه. فاستكفّوا حوله يتضرّعون إليه ويجأرون، وأمر عدوّهم يستفحل، وشوكته تشتد يوما بعد يوم. فلما تبين لهم من هذه الجهة أن (بدّهم) لا ينفع ولا يدفع، ولا يبصر ولا يسمع، قال: هاهنا إله آخر، أدعوه فيستجيب، وأستجيره فيجير، فهلموا فلندعه. فدعوا الله جميعا فصرف عنهم ما كانوا يحاذرون، وأسلموا.
ومن الناس من يذهب إلى أن إبراهيم صلّى الله عليه وسلم، كان في تلك الحال على ضلال وحيرة.
وكيف يتوهّم ذلك على من عصمه الله وطهّره في مستقرّه ومستودعه؟
والله سبحانه يقول: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: لم يشرك به قط، كذلك قال المفسرون، أو من قال منهم.
ويقول في صدر الآية: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ثم قال على أثر ذلك: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}.
فروي: أنه رأى في الملكوت عبدا على فاحشة فدعا الله عليه، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا الله عليه، فقال له الله: (يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي، فإن عبدي بين خلال ثلاث: إما أن أخرج منه ذرّية طيّبة، أو يتوب فأغفر له، أو النار من ورائه).
أفترى الله أراه الملكوت ليوقن، فلما أيقن رأى كوكبا فقال: هذا ربي على الحقيقة والاعتقاد؟!). [تأويل مشكل القرآن: 335-338]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}
يقال جنّ عليه الليل وأجنّه الليل إذا أظلم حتى يستتر بظلمته ويقال لكل ما ستر قد جنّ، وقد أجن، ويقال جنّه الليل، ولكن الاختيار جنّ عليه الليل وأجنّه الليل.
وقيل إنّ قوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فلما بلغ إبراهيم المبلغ الذي يجب معه النظر، وتجب به على العبد الحجة، نظر في الأشياء التي كان يعبدها قومه فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه، قال لهم هذا ربّي أي في زعمكم، كما قال الله جلّ وعزّ: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} فأضافهم إلى نفسه حكاية لقولهم.
{فلمّا أفل} أي فلما غاب، يقال أفل النجم يأفل وبأفل أفولا، إذا غاب:
{قال لا أحبّ الآفلين} أي لا أحب من كانت حالته أن يطلع ويسير على هيئة يتبين معها أنه محدث منتقل من مكان إلى مكان، كما يفعل سائر الأشياء التي أجمعتم معي على أنها ليست بآلهة، أي لا أتخذ ما هذه حاله إلها، كما أنكم لا تتخذون كل ما جرى مجرى هذا من سائر الأشياء آلهة، ليس أنه جعل الحجة عليهم أنّ ما غاب ليس بإله، لأن السماء والأرض ظاهرتان غير غائبتين وليس يدعى فيهما هذه الدعوى.
وإنما أراد التبيين لهم القريب، لأن غيبوبته أقرب ما الناظرون به فيما يظهر لهم، كما قال: (فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب.
وقد قيل إنه قال هذا وهو ينظر لنفسه، فكأنه على هذا القول بمنزلة قوله: - {ووجدك ضالّا فهدى}
وإبراهيم قد أنبأ اللّه - عز وجل - عنه بقوله {إذ جاء ربّه بقلب سليم}، فلا شك أنه سليم من أن يكون الشك دخله في أمر اللّه. واللّه أعلم.
وجائز أن يكون على إضمار القول، كأنه قال: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي}، كأنه قال: تقولون هذا ربي، أي أنتم تقولون هذا ربي، كما قال جلّ وعزّ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا}
المعنى يقولان تقبل منا. واللّه أعلم بحقيقة هذا.
والذي عندي في هذا القول أنه قال لهم: تقولون هذا ربي، أي هذا يدبرني، لأنه فيما يروى أنهم كانوا أصحاب نجوم، فاحتج عليهم بأن الذي تزعمون أنه مدبّر إنما يرى فيه أثر مدبّر لا غير). [معاني القرآن: 2/266-267]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {فلما جن عليه الليل}

(جن عليه) و(أجنة): إذا ستره بظلمته). [معاني القرآن: 2/449]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {رأى كوكبا}
قال قتادة كنا نحدث أنه الزهرة قال السدي هو المشتري). [معاني القرآن: 2/449-450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {هذا ربي} في هذا أجوبة قال قطرب يجوز أن يكون على الاستفهام وهذا خطأ لأن الاستفهام لا يكون إلا بحرف أو يكون في الكلام أم وقال بعض أهل النظر إنما قال لهم هذا من قبل أن يوحى إليه واستشهد صاحب هذا القول بقوله تعالى: {لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} قال أبو إسحاق هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله
وقد أخبر الله جل وعز عن إبراهيم أنه قال: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} وقال جل وعز: {بقلب سليم} أي لم يشرك قط قال والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ونظير هذا قول الله جل وعز: {أين شركائي} وهو جل وعز لا شريك له والمعنى أين شركائي على قولكم ويجوز أن يكون المعنى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا يقولون هذا ربي ثم حذف القول كما قال جل وعز: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} فحذف القول).
[معاني القرآن: 2/450-451]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما أفل} قال قتادة أي ذهب قال الكسائي: يقال أفل النجم أفولا إذا غاب). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَلَمَّا جَنّ َعَلَيْهِ اللَّيْلُ} أي أظلم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَنَّ}: غطى
{أَفَلَ}: غاب). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فلمّا رأى القمر بازغاً} أي طالعاً). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بازغا}: طالعا). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({بازغاً} طالعا يقال: بزغت الشمس تبزغ {أفلت} غابت). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما رأى القمر بازغا}
يقال بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَازِغًا} أي طالعاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَازِغًا}: طالعاً). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلماّ رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ مّمّا تشركون}
وأما قوله للشمس {هذا ربّي} فقد يجوز على "هذا الشيء الطالع ربّي".
أو على أنّه ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم قال لهم {هذا ربّي}. وإنما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا إذا هو زال أنه لا ينبغي أن يكون مثله آلها، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء. وقال الشاعر:
مكثت حولاً ثمّ جئت قاشراً = لا حملت منك كراعٌ حافرا).
[معاني القرآن: 1/244]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} أي لم يخلطوه بشرك. ومنه قول لقمان: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ} ). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا رأى الشّمس بازغة قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريء ممّا تشركون}
{فلمّا رأى الشّمس بازغة}..{فلمّا رأى القمر بازغا}.
يقال قد بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع، وكذلك الشمس.
والحجة في الشمس والقمر كالحجة في الكوكب.
واحتج الذين قالوا إنّه قال {هذا ربّي} على وجه الظن والتفكر بقوله: {لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين}.
وهذا لا يوجب ذلك. لأن الأنبياء تسأل اللّه أن يثبتها على الهدى وتعلم أنه لولا هداية اللّه ما اهتدت.
وإبراهيم يقول: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}). [معاني القرآن: 2/267-268]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَفَلَتْ} غابت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}
{إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا}
أي مائلا إلى الإسلام ميلا لا رجوع معه، والحنف أن يكون في القدم ميل، وهو أن تميل إبهام القدم إلى إبهام القدم، فتقبل هذه القدم على هذه القدم، ويكون ذلك خلقة. والحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت فيه.
ومعنى {وجّهت وجهي} أي جعلت قصدي بعبادتي توحيدي اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا} فطر خلق والحنيف المائل إلى الإسلام كل الميل). [معاني القرآن: 2/452]

تفسير قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جل وعلا: {وحاجّه قومه قال أتحاجّونّي في اللّه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلّا أن يشاء ربّي شيئا وسع ربّي كلّ شيء علما أفلا تتذكّرون}
المعنى حاجوه في اللّه، فقال: {أتحاجّونّي في اللّه}.
ومحاجتهم إياه كانت - واللّه أعلم - فيما عبدوا مع اللّه عزّ وجلّ من الكواكب والشمس والقمر والأصنام، فقال: {أتحاجّونّي في اللّه}.
أي في توحيد اللّه.
{وقد هداني} وقد بين لي ما به اهتديت.
{ولا أخاف ما تشركون به} أي هذه الأشياء التي تعبدونها لا تضر ولا تنفع، ولا أخافها.
{إلّا أن يشاء ربّي شيئا}
إلا أن يشاء أن يعذبني بذنب إن كان مني. وموضع (أن) نصب، أي لا أخاف إلا مشيئة اللّه). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وحاجه قومه} المعنى وحاجه قومه أي في توحيد الله). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا}
المعنى إلا أن يشاء ربي أن يلحقني شيئا بذنب عملته وهذا استثناء ليس من الأول). [معاني القرآن: 2/452-453]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً} أي ما لم يجعل لكم فيه حجة، ولا برهاناً، ولا عذراً). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({كيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم باللّه ما لم ينزّل به عليكم سلطانا فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون}
أي ولا تخافون أنتم شرككم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطانا، أي حجة بينة.
{فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن}
أي أحق بأن يأمن من العذاب، الموحّد أم المشرك). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فأي الفريقين أحق بالأمن} المعنى المؤمن أحق بالأمن أم المشرك). [معاني القرآن: 2/453]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أصل الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه.
ويقال: (من أشبه أباه فما ظلم)، أي: فما وضع الشّبه غير موضعه.
وظلم السّقاء: هو أن يشرب قبل إدراكه.
وظلم الجزور: أن يعتبط، أي ينحر، من غير علّة.
وأرض مظلومة: أي حفرت وليست موضع حفر.
ويقال: الزم الطريق ولا تظلمه، أي: لا تعدل عنه.
ثم قد يصير الظلم بمعنى الشّرك، لأنّ من جعل لله شريكا: فقد وضع الرّبوبيّة غير موضعها.
يقول الله سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وقال: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، أي: يشرك). [تأويل مشكل القرآن: 467]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}
قالوا جائز أن يكون هذا قول اللّه {أولئك لهم الأمن} غير حكاية عن إبراهيم، وجائز أن يكون إبراهيم قال ذلك). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} يجوز أن يكون هذا إخبار عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قاله ويجوز أن يكون مستأنفا من قول الله جل وعز وفي بعض الروايات عن مجاهد ما يدل أنه إخبار عن إبراهيم
وروي عن مجاهد أنه قال في قول الله جل وعز: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} قال هو قوله: {فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وسلمان وحذيفة في قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} أي بشرك وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لا يظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان إن الشرك لظلم عظيم). [معاني القرآن: 2/453-454]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} أي لم يخلطوه بشرك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه...}
وذلك أنهم قالوا له: أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبّك إياها؟ فقال لهم: أفلا تخافون أنتم ذلك منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذكر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سوّيتم به الصغير. ثم قال لهم: أمن يعبد إلها واحدا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شتّى؟ قالوا: من يعبد إلها واحدا، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه}). [معاني القرآن: 1/341]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن ذرّيّته...}
هذه الهاء لنوح: و(هدينا) من ذرّيته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان على هذا المعنى إذ لم يظهر الفعل كان صوابا؛ كما تقول: أخذت صدقاتهم لكل مائة (شاةٍ شاةً) وشاةٌ). [معاني القرآن: 1/342]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ مّن الصّالحين}
قال: {ومن ذرّيّته داوود وسليمان} يعني: {ووهبنا له} {ومن ذرّيّته داوود وسليمان} وكذلك {وزكريّا ويحيى وعيسى}). [معاني القرآن: 1/244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلّا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين}
داود وسليمان نسق على نوح، كأنه قال: وهدينا داود وسليمان وجائز أن يكون من ذرية نوح، وجائز أن يكون من ذرية إبراهيم، لأن ذكرهما جميعا قد جرى، وأسماء الأنبياء التي جاءت بعد قوله: {ونوحا هدينا من قبل} نسق على نوح، إلا أن اليسع يقال فيه اللّيسع واليسع، بتشديد اللام وتخفيفها). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن ذريته داود وسليمان}
ويجوز أن يكون المعنى وهدينا داود وسليمان ويكون معطوفا على كل ويجوز أن يكون المعنى ووهبنا له داود وسليمان). [معاني القرآن: 2/454-455]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)}:

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واليسع...}
يشدّد أصحاب عبد الله اللام، وهي أشبه بأسماء العجم من الذين يقولون (واليسع) لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يجرى؛ مثل يزيد ويعمر إلا في شعر؛ أنشد بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا = شديدا بأحناء الخلافة كاهله
وإنما أدخل في يزيد الألف واللام لمّا أدخلها في الوليد. والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمسّت الحرف مدحا). [معاني القرآن: 1/342]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاًّ فضّلنا على العالمين}
وقال بعضهم: {واليسع}، وقال بعضهم: (واللّيسع)، ونقرأ بالخفيفة). [معاني القرآن: 1/244]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({واجتبيناهم} أي اخترناهم، يقال: اجتبي فلان كذا لنفسه، أي اختار). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({اجتبيناهم}: اخترناهم). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم}
أي هدينا هؤلاء، وهدينا بعض آبائهم وإخوانهم.
ومعنى قوله: {واجتبيناهم}
مثل اخترناهم، وهو مأخوذ من جبيت الماء في الحوض إذا جمعته). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واجتبيناهم} قال مجاهد: (أخلصناهم)، وهو عند أهل اللغة بمعنى: اخترناهم). [معاني القرآن: 2/455]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اجْتَبَيْنَاهُمْ}: اخترناهم). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)}

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن يكفر بها هؤلاء...} يعني أهل مكّة {فقد وكّلنا بها قوماً} يعني أهل المدينة {لّيسوا بها بكافرين} بالآية). [معاني القرآن: 1/342]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فقد وكّلنا بها قوماً} أي فقد رزّقناها قوماً). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين}
{فإن يكفر بها هؤلاء} أي: الذين قد كفروا، ويكفرون، ممن أرسلت إليه.
{فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} أي قد وكلنا بالإيمان بها، وقيل في هذه ثلاثة أقوال:
- قيل يعني بذلك الأنبياء الذين جرى ذكرهم آمنوا بما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- في وقت مبعثهم.
- وقيل يعني به الملائكة.
- وقيل أيضا يعني به من آمن من أصحاب النبي وأتباعه.
وهو -واللّه أعلم- يعني به الأنبياء الذين تقدموا لقوله تبارك وتعالى: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلّا ذكرى للعالمين}). [معاني القرآن: 2/270]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء} قال مجاهد يعني أهل مكة وقال قتادة يعني قوم محمد عليه السلام). [معاني القرآن:2/455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ({فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال مجاهد يعني أهل المدينة وقال قتادة يعني النبيين الذين قص الله عز وجل
وهذا القول أشبه بالمعنى لأنه قال بعد أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وحدثني محمد بن إدريس قال حدثنا إبراهيم حدثنا عثمان المؤذن عن عوف عن أبي رجاء في قول الله جل وعز: {فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال هم الملائكة). [معاني القرآن: 2/455-456]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لاّ أسألكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين}
وقال: {فبهداهم اقتده}. وكلّ شيء من بنات الياء والواو في موضع الجزم فالوقف عليه بالهاء ليلفظ به كما كان). [معاني القرآن: 1/244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلّا ذكرى للعالمين}
أي الأنبياء الذين ذكرناهم الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده أي اصبر كما صبروا، فإن قومهم قد كذبوهم فصبروا على ما كذبوا وأوذوا، فاقتد بهم.
وهذه الهاء التي في " اقتده " إنما تثبت في الوقف، تبين بها كسرة الدال، فإن وصلت قلت "اقتد"
{قل لا أسألكم}
قال أبو إسحاق: والذي أختار من أثق بعلمه أن يوقف عند هذه الهاء.
وكذلك في قوله {فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إنّي ظننت أنّي ملاق حسابيه}.
وكذلك {لم يتسنّه} وكذلك {وما أدراك ما هيه}
وقد بيّنّا ما في " يتسنّه " في سورة البقرة). [معاني القرآن: 2/270]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره...}
ما عظّموه حقّ تعظيمه. وقوله: {تجعلونه قراطيس} يقول: كيف قلتم: لم ينزل الله على بشر من شيء وقد أنزلت التوراة على موسى {تجعلونه قراطيس} والقرطاس في هذا الموضع صحيفة. وكذلك قوله: {ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ} يعني: في صحيفة.
{تبدونها وتخفون كثيراً} يقول: تبدون ما تحبون، وتكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول {قل اللّه} أي: أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت: قل (هو) الله. وقد يكون قوله: {قل اللّه} جوابا لقوله: {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى}، {قل اللّه} أنزله. وإنما اخترت رفع {اللّه} بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الذي أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسألهم: {من أنزل الكتاب} وليست بمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جاز لأنه استفهام، والاستفهام يكون له جواب.
وقوله: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} لو كانت جزما لكان صوابا؛ كما قال {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا} ). [معاني القرآن: 1/343]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما قدروا الله حقّ قدره} أي ما عرفوا الله حقّ معرفته). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ما قدروا الله حق قدره}: ما عرفوا الله حق معرفته). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما قدروا اللّه حقّ قدره} أي ما وصفوه حقّ صفته، ولا عرفوه حقّ معرفته. يقال: قدرت الشيء وقدّرته. وقدرت فيك كذا وكذا، وقدرته). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورا وهدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون}
معناه ما عظّموا اللّه حق عظمته إذ جحدوا تنزيله، وذلك أن جماعة من اليهود -من منافقيهم- جاءوا وهم يعاندون النبي -صلى الله عليه وسلم- يجادلونه ويصدّون عنه.
وكان سمتهم سمة الأحبار، وكانوا يتنعّمون ولا يتعبدون، فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في التوراة أن الله جلّ وعزّ لا يحب الحبر السّمين، فجحدوا التوراة، وقالوا: {ما أنزل اللّه على بشر من شيء}، فقال الله عزّ وجل: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورا وهدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} يظهرون ما يحبون من ذلك ويخفون كثيرا.
{وعلّمتم ما لم تعلموا} أي علّمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم {ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون}.
يقال لكل من كان في عمل لا يجدي إنما أنت لاعب). [معاني القرآن: 2/270-271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما قدروا الله حق قدره} قال أبو عبيدة أي ما عرفوا الله حق معرفته هذا قول حسن لأن معنى قدرت الشيء وقدّرتُه عرفت مقداره ويدل عليه قوله جل وعلا: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} أي لم يعرفوه حق معرفته إذ أنكروا أن يرسل رسولا وقال غير أبي عبيدة المعنى وما عظموا الله حق عظمته ومن هذا لفلان قدر
والمعنيان متقاربان ويروى أن هذا نزل في بعض اليهود ممن كان يظهر العبادة ويتنعم في السر فقيل له إن في الكتاب أن الله لا يحب الحبر السمين فقال {ما أنزل الله على بشر من شيء}). [معاني القرآن: 2/456-457]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عرفوه حق معرفته، ولا وصفوه حق صفته). [تفسير المشكل من غريب القرآن:77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَا قَدَرُواْ اللّهَ}: ما عرفوا الله
{حق قدره}: حق معرفته). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولتنذر أمّ القرى...}
يقال في التفسير: إنّ أمّ القرى مكّة.
وقوله: {والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به} الهاء تكون لمحمد صلى الله عليه وسلم وللتنزيل). [معاني القرآن: 1/344]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مّصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}
وقال: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مّصدّق الّذي} رفع على الصفة، ويجعل نصبا حالا لـ{أنزلناه}). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أمّ القرى}: مكة لأنها أقدمها). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}
{ولتنذر أمّ القرى ومن حولها} تقرأ بالتاء والياء جميعا في لتنذر المعنى أنزلناه للبركة والإنذار.
ومعنى {أم القرى} أي أهل أم القرى، و {من حولها} عطف عليهم.
وأمّ القرى مكة سميت أمّ القرى لأنها كانت أعظم القرى شأنا). [معاني القرآن: 2/271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولتنذر أم القرى ومن حولها} المعنى ولتنذر أهل أم القرى قال قتادة:كنا نتحدث أنها مكة؛ لأن الأرض منها دحيت.
وقيل: إنما سميت أم القرى؛ لأنها تقصد من كل قرية).
[معاني القرآن: 2/457-458]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذباً...}
يقال: إنها نزلت في مسيلمة الكذّاب، وذلك أنه ادّعى النبوّة.
{ومن قال سأنزل} ومن في موضع خفض. يريد: ومن أظلم من هذا ومن هذا الذي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وذلك أنه كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {واللّه غفورٌ رحيم} كتب (سميع عليم) أو (عزيز حكيم) فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: سواء؛ حتى أملّ عليه قوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} إلى قوله: {ثمّ أنشأناه خلقاً آخر} فقال ابن أبي سرح {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} تعجّبا من تفصيل خلق الإنسان، قال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت عليّ، فشكّ وارتدّ. وقال: لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقا لقد أوحى إليّ (كما أوحى إليه) ولئن كان كاذبا لقد قلت مثل ما قال، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه}.
وقوله: {والملائكة باسطو أيديهم} ويقال: باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله: {يضربون وجوههم وأدبارهم} ولو كانت (باسطون) كانت (أيديهم) ولو كانت "باسطو أيديهم أن أخرجوا" كان صوابا. مثله مما تركت فيه أن قوله: {يدعونه إلى الهدى ائتنا} وإذا طرحت من مثل هذا الكلام (أن) ففيه القول مضمرٌ كقوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم} يقولون: {ربّنا}). [معاني القرآن: 1/344-345]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {تجزون عذاب الهون} مضموم؛ وهو الهوان، وإذا فتحوا أوله؛ فهو الرفق والدّعة ). [مجاز القرآن: 1/200]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذباً أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيءٌ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون}
وقال: {والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} فنراه يريد: يقولون {أخرجوا أنفسكم} والله أعلم. وكان في قوله: {باسطو أيديهم} دليل على ذلك لأنه قد أخبر أنهم يريدون منهم شيئاً). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الهون}: والهوان واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({عذاب الهون}: أي الهوان). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون}
جاء في التفسير أنه يعني به مسيلمة، وصاحب صنعاء، لأنهما ادعيا النبوة.
{ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه}
موضع "من" جر.
المعنى: ومن أظلم ممن افترى ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه، وهذا جواب لقولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا.
وقوله: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت}
جواب "لو" محذوف، المعنى: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت لرأيت عذابا عظيما، ويقال لكل من كان في شي كثير: قد غمر فلانا ذلك، ويقال قد غمر فلانا الدّين، تأويله: قد كثر فصار فيما يعلم بمنزلة ما يبصر قد غمر وغطى من كثرته.
وقوله عزّ وجلّ: {والملائكة باسطو أيديهم} (أي) عليهم بالعذاب.
ومعنى {أخرجوا أنفسكم} فيه وجهان والله أعلم:
- يقولون {أخرجوا أنفسكم} فجائز أن يكون كما تقول للذي تعذبه لأزهقنّ نفسك، ولأخرجنّ نفسك - فهم يقولون - واللّه أعلم.
{أخرجوا أنفسكم} على هذا المعنى.
- وجائز أن يكون المعنى خلّصوا أنفسكم. أي لستم تقدرون على الخلاص.
{اليوم تجزون عذاب الهون} أي العذاب الذي يقع به العذاب الشديد). [معاني القرآن: 2/271-272]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} قال قتادة بلغنا أن هذا أنزل في مسيلمة قال أبو إسحاق وهذا جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا وروي عن ابن عباس الذي افترى على الله كذبا مسيلمة والذي قال {سأنزل مثل ما أنزل الله} عبد الله بن سعد بن أبي سرح
وروى حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لأنه عارض القرآن فقال والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا فالخابزات خبزا فاللاقمات لقما). [معاني القرآن: 2/458-459]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت} أي شدائده {والملائكة باسطو أيديهم} أي باسطو أيديهم بالعذاب). [معاني القرآن: 2/459]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {عذاب الهون} أي: عذاب الهوان. وقال: هان يهون هونا، والهون الاسم. ومن الرفق: هان يهون هونا، يتفق فيهما المصدران.
وقوله - جل وعز: {يمشون على الأرض هونا} أي: برفق وسكون ووقار). [ياقوتة الصراط: 222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْهُونِ} أي الهوان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْهُونِ}: الهوان). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد جئتمونا فرادى...}
وهو جمع. والعرب تقول: [قوم] فرادى وفراد يا هذا فلا يجرونها، شبهت بثلاث ورباع. وفرادى واحدها فرد، وفرد، وفريد، وفراد للجمع، ولا يجوز فرد في هذا المعنى. وأنشدني بعضهم:
ترى النعرات الزرق تحت لبانه = فراد ومثنى أصعقتها صواهله).
[معاني القرآن: 1/345]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لقد تّقطّع بينكم...}
قرأ حمزة ومجاهد {بينكم} يريد وصلكم.
وفي قراءة عبد الله {لقد تقطع ما بينكم} وهو وجه الكلام. إذا جعل الفعل لبين ترك نصبا؛ كما قالوا: أتاني دونك من الرجال فترك نصبا وهو في موضع رفع؛ لأنه صفة. وإذا قالوا: هذا دون من الرجال رفعوه في موضع الرفع. وكذلك تقول: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد؛ إذا أفردته أجريته في العربية وأعطيته الإعراب). [معاني القرآن: 1/345-346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فردى} أي فرداً فرداً.
{تقطّع بينكم} أي وصلكم مرفوع؛ لأن الفعل عمل فيه، كما قال مهلهل:
كأنّ رماحهم أشطان بئرٍ = بعيدٍ بين جاليها جرور).
[مجاز القرآن: 1/200-201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({تقطع بينكم}: وصلكم).[غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فرادى} جمع فرد. وكأنه جمع فردان. كما قيل: كسلان وكسالي، وسكران وسكارى.
{وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم} أي ملّكناكم.
{الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء} أي زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء.
{لقد تقطّع بينكم} أي تقطعت الوصل التي كانت بينكم في الدنيا من القرابة الحلف والمودّة). [تفسير غريب القرآن: 157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون}
أمّا معنى {فرادى} فكل واحد منفرد من شريكه في الغيّ وشقيقه.
ومعنى: {كما خلقناكم أوّل مرّة}.
جاء في التفسير: عراة غرلا، والغرل هم الغلف. والذي تحتمله اللغة أيضا. كما بدأناكم أول مرة، أي كان بعثكم كخلقكم.
وقوله: {لقد تقطّع بينكم}
الرفع أجود، ومعناه لقد تقطع وصلكم. والنصب جائز.
المعنى: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم). [معاني القرآن: 2/273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {لقد تقطع بينكم} قال مجاهد أي تواصلكم ومن قرأ {بينكم} فالمعنى لقد تقطع الأمر بينكم). [معاني القرآن: 2/459]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({لقد تقطع بينكم} أي: تقطع وصلكم، ومن قرأ: {بينكم} أي: انقطع الذي بينكم). [ياقوتة الصراط: 222-223]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَوَّلْنَاكُمْ} أي ملكناكم.
{أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} أي في خلقكم شركاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَيْنَكُمْ}: وصلكم). [العمدة في غريب القرآن: 129]


رد مع اقتباس