الموضوع: تلحين القراء
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17 ربيع الأول 1432هـ/20-02-2011م, 02:57 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

الردّ على النحويين وغيرهم

1- إنكار ابن عباس والسيدة عائشة لبعض القراءات، إنما يكون ذلك قبل أن يبلغهما التواتر. [البحر:8/25]، [فتح الباري:8/256].
وليس كل صحابي كان حافظًا لجميع روايات القرآن، وإليك حديث [البخاري:6/185]: «عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القادر حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: كذبت؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أرسله، اقرأ يا هشام»، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كذلك أنزلت»، ثم قال: «اقرأ يا عمر»،فقرأت القراءة التي أقراني فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كذلك أنزلت». «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه».
وحديث السيدة عائشة مع عروة بن الزبير عن وقوع اللحن في القرآن رد عليه الطبري في تفسيره [ 66/18-19]، كما عرض له السيوطي في [الإتقان:182-183]، و[الاقتراح:15-16].
وفي [الكشاف: 1/313]: «والمقيمين الصلاة» [4: 162]، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف، وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وغبى عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقًا يرفوه من لحق بهم».
وفي [الكشاف:2/288-289]: قال ابن عباس: إنما كتبها الكاتب وهو ناعس. وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتًا بين دفتي الإمام، وكان متقلبًا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله، المهيمنين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه – والله – فرية ما فيها مرية».
وللسيدة عائشة – رضي الله عنها – حديث آخر رواه مالك ولم يأخذ به.
روى مالك بسنده عن عائشة أنها قالت: «كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو مما يقرأ من القرآن».
وقد تكلم على هذا الحديث كتاب [مقدمتان في علوم القرآن:110].
2- وللرد على النحويين في تحكيم أقيستهم نسوق أقوال العلماء في ذلك:
في [غيث النفع:49/50]: «القراءة لا تتبع العربية، بل العربية تتبع القراءة؛ لأنها مسموعة من أفصح العرب بإجماع، وهو نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن أصحابه، ومن بعدهم».
وقال ابن الحاجب في شرح المفصل: «والأولى الرد على النحويين... فليس قولهم بحجة عند الإجماع، ومن القراء جماعة من النحويين، فلا يكون إجماع النحويين حجة في مخالفة القراء لهم، ولو قدر أن القراء ليس فيهم نحوى فإنهم ناقلون لهذه اللغة، وهم مشاركون النحويين في نقل اللغة، فلا يكون إجماع النحويين حجة دونهم، وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القراء أولى: لأنهم ناقلون عمن ثبتت عصمته عن الغلط في مثله، ولأن القراءة ثبتت متواترة، وما نقله النحويون آحاد، ثم لو سلم أنه ليس بمتواتر فالقراء أعدل وأثبت؛ فكان الرجوع إليهم أولى. [لطائف الإشارات، للقسطلاني].
وقال الفخر: أنا شديد العجب من هؤلاء النحويين، إذا وجد أحدهم بيتًا من الشعر ولو كان قائله مجهولاً يجعله دليلاً على صحة القراءة، وفرح به، ولو جعل ورود القراءة دليلاً على صحته كان أولى.
وقال صاحب الانتصاف: ليس القصد تصحيح القراءة بالعربية، بل تصحيح العربية بالقراءة.
وقال النضر بن شميل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه. [البحر:7-46].
وقال أبو حيان في [البحر:7/216]: «القراءة سنة متبعة ويوجد فيها الفصيح والأفصح؛ وكل ذلك من تيسيره تعالى القرآن للذكر»، وقال أيضًا:
أ- ليس العلم مقصورًا على ما نقله وقاله البصريون، [البحر:2/318].
ب- فإن لسان العرب ليس محصورًا فيما نقله البصريون فقط، والقراءات لا تجيء على ما علمه البصريون، ونقلوه، بل القراء من الكوفيين يكادون يكونون مثل قراء البصرة. [البحر:2/362-363].
ج- ولسنا متعبدين بأقوال نحاة البصرة. [البحر:4/271].
د- ولا مبالاة بمخالفة نحاة البصرة في مثل هذا. [البحر:4/471].
ولما رجح ابن عطية نقل أبي الفتح على نقل أبي عمرو الداني رد عليه أبو حيان فقال:
«قال ابن عطية: وأبو الفتح أثبت، أي من أبي عمرو الداني وهذا الذي قاله من أن أبا الفتح أثبت كلام لا يصح، إذ رتبة أبي عمرو الداني في القراءات ومعرفتها، وضبط رواياتها، واختصاصه بذلك بالمكان الذي لا يدانيه أحد من أئمة القراءات، فضلاً عن النحاة الذين ليسوا بمقرئين، ولا رووا القرآن عن أحد، ولا روى عنهم القرآن أحد، هذا مع الديانة الزائدة، والتثبت في النقل، وعدم التجاسر، ووفور الحظ من العربية، فقد رأيت له كتابًا في (كلا، وكلتا) وكتابًا في إدغام أبي عمرو الكبير دل على إطلاعه على ما لا يكاد يطلع عليه أئمة النحاة ولا المعربين، إلى سائر تصانيفه رحمه الله، [البحر:4/309] [والنهر أيضًا :ص308].
ذكرت أن أبا عبيد القاسم بن سلام جهل ما في كتاب سيبويه من ذكره للغتين في (غدوة) فسارع إلى تخطئة ابن عامر في قراءته (بالغدوة).
ولقد وقع من ابن قتيبة ما هو أشنع من هذا.
أخطأ ابن قتيبة في الأعراب، ففسد المعنى نتيجة هذا الإعراب الخاطئ، ثم جعل القراءة كفرًا ولحنًا لا تصح به الصلاة، ولو استقام له الإعراب ما فسد المعنى ولا رتب عليه هذه النتائج.
أعرب ابن قتيبة المصدر المؤول في قوله تعالى:
1- {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [10: 65].
2- {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [36: 76].
على قراءة فتح همزة (إن) مفعولاً للقول على تأويله بالظن، ففسد المعنى، فجعل ذلك لحنًا، ولو أعرب المصدر المؤول على حذف لام العلة ما فسد المعنى.
ثم لو اتبع إعراب قتيبة في قراءة كسر الهمزة بأن تجعل الجملة مفعولاً للقول لكان المعنى فاسدًا أيضًا.
في [تأويل مشكل القرآن:12] «ولو أن قارئا قرأ:{فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ } وترك طريق الابتداء بأنا، وأعمل القول فيها بالنصب على مذهب من ينصب (أن) بالقول؛ كما ينصبها بالظن – لقلب المعنى عن جهته، وأزاله عن طريقه، وجعل النبي عليه السلام محزونًا لقولهم: {إِنَّ اللهَ يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} وهذا كفر ممن تعمده، وضرب من اللحن لا تجوز الصلاة به ولا يجوز للمأموين أن يتجوزوا فيه».
وفي [ابن خالويه:57]: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، بفتح الهمزة أبو حيوة. قال ابن قتيبة: من فتح همزة (أن) هاهنا فقد كفر.
قال ابن خالويه: وله وجه عندي ذهب عن ابن قتيبة بنصب (أن) بتقدير فعل غير القول. والتأويل: ولا يحزنك قولهم إنكارهم أن العزة لله».
وفي [البحر:5/176]: «وقرأ أبو حيوة بفتح الهمزة، وليس معمولاً لقولهم؛ لأن ذلك لا يحزن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ إذ هو قول حق، وخرجت هذه القراءة على التعليل».
ولابن مجاهد خطأ يشاكل خطأ ابن قتيبة: غبى عليه أن (إن) يجوز فتح همزتها وكسرها بعد فاء جواب الشرط؛ فلحن قراءة فتح الهمزة في قوله تعالى:
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [72: 23].
في [ابن خالويه:161]: {فَأنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} بالفتح طلحة «وسمعت ابن مجاهد يقول: ما قرأ بذلك أحد، وهو لحن؛ لأنه بعد فاء الشرط».
وفي [البحر:8/354]: «وكان ابن مجاهد إمامًا في القراءات، ولم يكن متسع القول فيها كابن شنبوذ، وكان ضعيفًا في النحو، وكيف يقول: ما قرأ به أحد، وهذا طلحة بن مصرف قرأ به، وكيف يقول: وهو لحن والنحويون قد نصوا على أن ما بعد فاء الشرط يجوز فيها الفتح والكسر».
تبين لي مما جمعته من تلحين القراء أن أكثر القراء الذين لحنهم النحويون هو ابن عامر وحمزة.
قال أبو حيان عن ابن عامر:
أ- «فابن عامر عربي صريح، كان موجودًا قبل أن يوجد اللحن؛ لأنه قرأ القرآن على عثمان بن عفان، ونصر بن عاصم أحد الأئمة في النحو، وهو ممن أخذ علم النحو عن أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو» [البحر:4/136] وكرر ذلك في [4: 271، 229].
ب- في [البحر:1/366]: «ثم هي قراءة ابن عامر، وهو رجل لم يكن ليلحن. فالقول بأنها لحن من أكبر الخطأ المؤثم الذي يجر قائله إلى الكفر إذ هو طعن على ما علم نقله بالتواتر من كتاب الله تعالى».
وقال ابن الجزري في [النشر:1/144] عن ابن عامر «وكان إمامًا كبيرًا، وتابعيًا جليلاً، وعالمًا شهيرًا، أم المسلمين بالجامع الأموي في أيام عمر بن عبد العزيز، وناهيك بذلك منقبة، وجمع له بين الإمامة، والقضاء، ومشيخة الإقراء بدمشق، ودمشق إذ ذاك دار الخلافة، ومحط رحال العلماء والتابعين، فأجمع الناس على قراءته، وعلى تلقيها بالقبول، وهم الصدر الأول الذين هم أفاضل المسلمين».
وقال عنه أيضًا في [النشر:2/264] «ولقد بلغنا عن هذا الإمام أنه كان في حلقته أربعمائة عريف يقومون عنه بالقراءة. ولم يبلغنا من أحد من السلف رضي الله عنهم على اختلاف مذاهبهم وتباين لغاتهم، وشدة ورعهم أنه أنكر على ابن عامر شيئًا من قراءته، ولا طعن فيها، ولا أشار إليها بضعف، ولقد كان الناس بدمشق وسائر بلاد الشام، حتى الجزيرة الفراتية وأعمالها لا يأخذون إلا بقراءة ابن عامر، ولا زال الأمر كذلك إلى حدود الخمسمائة».
وقال عنه في [طبقات القراء:1/425]: «وقال أبو علي الأهوازي: كان عبد الله بن عامر إمامًا عالمًا، ثقة فيما أتاه، حافظًا لما رواه. متقنًا لما وعاه، عارفًا فهمًا قيمًا فيما جاء به، صادقًا فيما نقله، من أفاضل المسلمين، وخيار التابعين، وأجلة الراوين، لا يتهم في دينه، ولا يشك في يقينه، ولا يرتاب في أمانته، ولا يطعن عليه في روايته، صحيح نقله، فصيح قوله، عاليًا في قدره، مصيبًا في أمره، مشهورًا في علمه، مرجوعًا إلى فهمه، لم يتعد فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولاً يخالف فيه الخبر، توفى بدمشق سنة 118».
وقال ابن الجزري في [النشر:1/166] عن حمزة: «وكان إمام الناس في القراءة بالكوفة بعد عاصم، والأعمش، وكان ثقة كبيرًا، حجة راضيًا، قيمًا بكتاب الله، مجودًا عارفًا بالفرائض والعربية، حافظًا للحديث، ورعًا عابدًا، خاشعًا ناسكًا، زاهدًا قانتًا لله، لم يكن له نظير».
وقال عنه في طبقات [القراء:1/263]: «قال أبو حنيفة لحمزة: شيئان غلبتنا عليهما لسنا ننازعك فيهما: القرآن والفرائض.
وقال سفيان الثوري: غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض.
وقال عنه أيضًا: «ما قرأ حمزة حرفًا من كتاب الله إلا بأثر».
قال عبد الله بن موسى: كان حمزة يقرأ القرآن حتى يتفرق الناس، ثم ينهض، فيصلي أربع ركعات، ثم يصلي ما بين الظهر إلى العصر، وما بين المغرب والعشاء، وكان شيخه الأعمش إذا رآه قد أقبل يقول: هذا حبر القرآن.
وأما ما ذكره عن عبد الله بن إدريس، وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة فإن ذلك محمول على قراءة من سمع منه ناقلاً عن حمزة، وما آفة الأخبار إلا رواتها.
قال ابن مجاهد: قال محمد بن الهيثم: والسبب في ذلك أن رجلاً ممن قرأ على سليم حضر مجلس ابن إدريس فقرأ فسمع ابن إدريس ألفاظًا فيها إفراط في المد والهمز، وغير ذلك من التكلف، فكره بذلك ابن إدريس، وطعن فيه. قال محمد بن الهيثم: وقد كان حمزة يكره هذا، وينهى عنه.
قلت: أما كراهته الإفراط في ذلك فقد روينا عنه من طرق أنه كان يقول لمن يفرط عليه في المد والهمز: لا تفعل؛ أما علمت أن ما فوق البياض فهو برص، وما كن فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة.
قال يحيى بن معين: سمعت محمد بن فضيل يقول: ما أحسن أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة».
توفى سنة سبع وأربعين ومائة.
ومن المفارقات العجيبة أن ابن جنى وصف القراء عامة في الخصائص بضعف الدراية؛ كما وصفهم في المنصف بالسهو والغلط، إذ ليس لهم قياس يرجعون إليه. ولكنه في المحتسب يدافع عن القراء ويرد على من يخطئهم في القراءات الشواذ.
في [المحتسب:1/210-211]: «وقول ابن مجاهد: خطأ فيه سرف، ولكن وجه غيره أقوى منه».
وفي [المحتسب:1/236]: «ليس ينبغي أن يطلق على شيء له وجه من العربية قائم، وإن كان غيره أقوى منه – أنه غلط».
ويدافع عن قراءة شاذة لأبي عمرو فيقول في [المحتسب:2/372]: «ولابد من إحسان الظن بأبي عمرو، ولا سيما وهو القرآن، وما أبعده عن الزيغ والبهتان».
كذلك تبين لي أن أكثر النحويين ردًا للقراءات هو أبو حاتم السجستاني.
قال عنه تلميذه المبرد: «كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو، ولم يحلق بهم». [البحر:7/69].
وقال عنه أبو حيان: «كان أبو حاتم يطعن في بعض القراءات بما لا علم له به جسارة منه. عفا الله عنه» [البحر:8/61].


رد مع اقتباس