عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 55]

{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إنّما يستجيب الّذين يسمعون} أي: يجيبك من يسمع، فأما الموتى فاللّه يبعثهم شبههم بالموتى). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:ة311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّما يستجيب الّذين يسمعون والموتى يبعثهم اللّه ثمّ إليه يرجعون} أي: الذين يسمعون سماع قابلين، وجعل من لم يقبل بمنزلة الأصم.
قال الشاعر:
أصمّ عمّا ساءه سميع
{والموتى يبعثهم اللّه} أي: يحييهم {ثم إليه يرجعون}). [معاني القرآن: 2/245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إنما يستجيب الذين يسمعون}
قال الحسن ومجاهد: يراد به المؤمنون والمعنى الذين يسمعون سماع قبول). [معاني القرآن: 2/420-421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {والموتى يبعثهم الله}
قال الحسن ومجاهد: يراد به الكفار وقال غيرهما يراد به كل ميت). [معاني القرآن: 2/421]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({لولا نزّل عليه}
مجازها: هلاّ نزل عليه،
قال:

تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم = بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا
أي فهلا تعدّون الكميّ). [مجاز القرآن: 1/191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه قل إنّ اللّه قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون * قل إنّ اللّه قادر على أن ينزّل آية} أي: آية تجمعهم على الهدى). [معاني القرآن: 2/245]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما من دآبّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه...}
(الطائر) مخفوض. ورفعه جائز (كما تقول: ما عندي من) رجل ولا امرأةٍ، وامرأةٌ؛
من رفع قال: ما عندي من رجلٍ ولا عندي امرأة.
وكذلك قوله: {وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرةٍ} ثم قال (ولا أصغر من ذلك، ولا أصغر ولا أكبر، ولا أكبر) إذا نصبت (أصغر) فهو في نيّة خفض، ومن رفع ردّه على المعنى.
وأمّا قوله: {ولا طائرٍ يطير بجناحيه} فإنّ الطائر لا يطير إلا بجناحيه. وهو في الكلام بمنزلة قوله (له تسع وتسعون نعجة [ولي نعجة] أنثى)،
وكقولك للرجل: كلّمته بفي، ومشيت إليه على رجليّ، إبلاغا في الكلام.
يقال: إنّ كل صنف من البهائم أمّة، والعرب تقول صنف [وصنف].
{ثم إلى ربّهم يحشرون} حشرها: موتها، ثم تحشر مع الناس فيقال لها: كوني ترابا وعند ذلك يتمنّى الكافر أنه كان ترابا مثلها). [معاني القرآن: 1/332]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولا طائرٌ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم}
مجازه: إلا أجناس يعبدون الله، ويعرفونه، وملكٌ.
{ما فرّطنا في الكتب من شيءٍ}
مجازه: ما تركنا ولا ضيّعنا ولا خلقنا). [مجاز القرآن: 1/191]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وما من دآبّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم مّا فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون}
وقال: {ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم} يريد: جماعة أمة.
{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين}
وقال: {أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون} فهذا الذي بعد التاء من قوله: {أرأيتكم} إنما جاء للمخاطبة، وترك التاء مفتوحة كما كانت للواحد، وهي مثل كاف "رويدك زيداً" إذا قالت: أرود زيداً" فهذه الكاف ليس لها موضع فتسمى بجر ولا رفع ولا نصب، وإنما هي من المخاطبة مثل كاف "ذاك".
ومثل ذلك قول العرب: "أبصرك زيداً" يدخلون الكاف للمخاطبة وإنما هي "أبصر زيداً"). [معاني القرآن: 1/238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ} أي: ما تركنا شيئا ولا أغفلناه ولا ضيعناه). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}كما تقول رأي عيني وسمع أذني نفسي التي بين جنبيّ). [تأويل مشكل القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلّا أمم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثمّ إلى ربّهم يحشرون}
يجوز ولا طائر بالرفع على العطف على موضع دابّة.
التأويل وما دابّة في الأرض ولا طائر، والجر أجود وأكبر على معنى وما من دابة ولا طائر.
وقال {يطير بجناحيه} على جهة التوكيد لأنك قد تقول للرجل: طر في حاجتي أي أسرع، وجميع ما خلق اللّه عزّ وجلّ فليس يخلو من هاتين المنزلتين، إما أن يدبّ أو يطير.
{إلّا أمم أمثالكم}أي: في الخلق والموت والبعث). [معاني القرآن:2/245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل جلاله: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}
وأكثر أهل التفسير يذهب إلى: أن المعنى أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون
وكذلك قال أبو هريرة: يحشر الله جل وعز يوم القيامة الطير والبهائم فيبلغ من عدله أن يأخذ من القرناء للجماء ثم يقول كوني ترابا فعند ذلك {يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا} وقال مجاهد: في قوله جل وعز: {إلا أمم أمثالكم} قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون ومعنى يطير بجناحيه على التوكيد لأنك قد تقول طرت في حاجتي). [معاني القرآن: 2/421-422]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({صمّ وبكمٌ في الظّلمات}
مثل للكفار، لأنهم لا يسمعون الحق والدين وهم قد يسمعون غيره، وبكمٌ لا يقولونه، وهم ليسوا بخرسٍ). [مجاز القرآن: 1/191]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل أرأيتكم...}
العرب لها في (أرأيت) لغتان، ومعنيان:
- أحدهما: أن يسأل الرجل الرجل: أرأيت زيدا بعينك؟، فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها على الرجل منه قلت: أرأيتك على غير هذه الحال؟ تريد: هل رأيت نفسك على غير هذه الحال. ثم تثنّى وتجمع؛ فتقول للرجلين: أرأيتماكما، وللقوم: أرأيتموكم، -وللنسوة: أرأيتنّكنّ، وللمرأة: أرأيتك، تخفض التاء والكاف، لا يجوز إلا ذلك.
- والمعنى الآخر أن تقول: أرأيتك، وأنت تريد: أخبرني (وتهمزها) وتنصب التاء منها؛ وتترك الهمز إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحّدة مفتوحة للواحد والواحدة [والجميع في] مؤنّثه ومذكّره، فتقول للمرأة: أرايتك زيدا هل خرج، وللنسوة: أرايتكنّ زيدا ما فعل. وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعا على نفسها، فاكتفوا بذكرها في الكاف، ووجّهوا التاء إلى المذكّر والتوحيد؛ إذ لم يكن الفعل واقعا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع؛
-كما أنك إذا قلت للرجل: دونك زيدا وجدت الكاف في اللفظ خفضا وفي المعنى رفعا؛ لأنها مأمورة.
والعرب إذا أوقعت فعل شيء على نفسه قد كني فيه عن الاسم قالوا في الأفعال التامّة غير ما يقولون في الناقصة. فيقال للرجل: قتلت نفسك، وأحسنت إلى نفسك، ولا يقولون: قتلتك ولا أحسنت إليك.
كذلك قال الله تبارك وتعالى: {فاقتلوا أنفسكم} في كثير من القرآن؛ كقوله: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} فإذا كان الفعل ناقصا - مثل حسبت وظننت - قالوا: أظنّني خارجا، وأحسبني خارجا، ومتى تراك خارجا. ولم يقولوا: متى ترى نفسك، ولا متى تظنّ نفسك. وذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين الفعل الذي قد يلغى، وبين الفعل الذي لا يجوز إلغاؤه؛ ألا ترى أنك تقول: أنا - أظن ّ- خارج، فتبطل (أظنّ) ويعمل في الاسم فعله، وقد قال الله تبارك وتعالى: {إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى} ولم يقل: رأى نفسه. وربما جاء في الشعر: ضربتك أو شبهه من التامّ. من ذلك قول الشاعر:
خذا حذراً يا جارتيّ فإنني = رأيت جران العود قد كاد يصلح
لقد كان لي في ضرّتين عدمتني = وما كنت ألقى من رزينة أبرح

-والعرب يقولون: عدمتني، ووجدتني، وفقدتني، وليس بوجه الكلام). [معاني القرآن: 1/333-334]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين}
- الساعة: اسم للوقت الذي يصعق فيه العباد، واسم للوقت الذي يبعث فيه العباد.
- والمعنى: إن أتتكم الساعة التي وعدتم فيها بالبعث والفناء، لأنّ قبل البعث موت الخلق كله.
وقوله جلّ وعزّ: {أغير اللّه تدعون}أي: أتدعون هذه الأصنام والحجارة التي عبدتموها من دون اللّه، فاحتج اللّه عليهم بما لا يدفعونه، لأنهم كانوا إذا مسّهم الضر دعوا اللّه.
وقال النحويون في هذه الكاف التي في قوله {أرأيتكم} غير قول:
- قال الفراء: لفظها لفظ نصب، وتأويلها تأويل رفع، قال: ومثلها الكاف في قوله: دونك زيدا، قال: الكاف في موضع خفض، وتأويلها تأويل الرفع، لأن المعنى خذ زيدا.
وهذا لم يقله من تقدّم من النحويين، وهو خطأ لأن قولك أرأيتك زيدا ما شأنه! تصير " أرأيت " قد تعدت إلى الكاف وإلى زيد، فيصير لـ " رأيت " اسمان، فيصير المعنى أرأيت نفسك زيدا ما حاله، وهذا محال.
والذي يذهب إليه النحويون الموثوق بعلمهم أن الكاف لا موضع لها، وإنما المعنى أرأيت زيدا ما حاله، وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب،
وهي المعتمد عليها في الخطاب، اعلم أنك تقول إذا كانت الكاف زائدة للخطاب للواحد الذكر: "أرأيتك زيدا ما حاله" بفتح التاء والكاف، وتقول للمؤنث "أرأيتك زيدا ما حاله يا امرأة".
وتفتح على أصل خطاب الذكر، وتكسر الكاف لأنها قد صارت آخر ما في الكلمة والمبيّنة عن الخطاب،
-وتقول للاثنين أرأيتكما زيدا ما حاله وأرأيتكم زيدا ما حاله - للجماعة، فتوحد التاء، فكما وجب أن توحدها في الشية والجمع وجب أن تذكرها مع المؤنث، فإذا سألت النسوة قلت أرأيتكن زيدا ما حاله.
وتثنية المؤنث كتثنية المذكر في كل شيء، فإن عديت الفاعل إلى المفعول في هذا الباب، صارت الكاف مفعوله، تقول: رأيتني عالما بفلان، فإذا سألت عن هذا الشرط قلت للرجل:
أرأيتك عالما بفلان، وتقول للاثنين على هذا: أرأيتاكما عالمين بفلان.
- وللجميع أرأيتموكم عالمين بفلان، لأن هذا في تأويل أرأيتم أنفسكم.
- وتقول للمرأة: أرأيتك عالمة بفلان - بكسر التاء والكاف -
- وتقول للاثنين أرأيتما كما عالمين بفلان وللجماعة أرأيتكن عالمات بفلان فعلى هذا قياس هذين البابين). [معاني القرآن: 2/246-247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة}
والمعنى: أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها). [معاني القرآن: 2/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} في هذا أعظم الاحتجاج عليهم لأنهم كانوا يعبدون الأصنام فإذا وقعوا في شدة دعوا الله). [معاني القرآن: 2/422-443]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {بل إيّاه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}
(بل) استدراك، وإيجاب بعد نفي تقول: ما جاء زيد بل عمرو فأعلمهم الله جلّ وعزّ أنهم لا يدعون في حال الشدائد إلا إياه، وفي ذلك أعظم الحجة عليهم، لأنهم قد عبدوا الأصنام.
وقوله: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء}
المعنى، فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم، وهذا على اتساع الكلام.
مثل سل القرية: المعنى سل أهل القرية.
وقوله جلّ وعزّ: {وتنسون ما تشركون}
" وتنسون " ههنا على ضربين:
- جائز أن يكون: تنسون تتركون.
- وجائز أن يكون المعنى: إنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من يسهون). [معاني القرآن:2/247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقال جل وعز: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} هذا مجاز،
والمعنى: فيكشف الضر الذي من أجله دعوتموه وهو مثل واسأل القرية في المجاز). [معاني القرآن: 2/423]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({بالبأساء} هي: البأس من الخوف والشر والبؤس.
{والضّرّاء} من الضّرّ). [مجاز القرآن:1/191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({البأساء}: من البؤس.
-{والضراء}: من الضر). [غريب القرآن وتفسيره: 136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({بالبأساء}: الفقر وهو البؤس
{ والضّرّاء}: البلاء). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (البأس والبأساء: الشدة، قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 505]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون}
قيل البأساء " الجوع، والضراء النقص في الأموال والأنفس.
والمعنى: أن اللّه جلّ ثناؤه أعلم نبيه -صلى الله عليه وسلم- أنّه قد أرسل الرسل قبله إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم ليخضعوا ويذلوا لأمر اللّه، لأنّ القلوب تخشع، والنفوس تضرع عند ما يكون من أمر الله في البأساء والضراء، فلم تخشع ولم تضرع.
وقال: {لعلّهم يتضرّعون}
ومعنى: لعل ترج، وهذا الترجي للعباد، أخذهم اللّه بذلك ليكون ما يرجوه العباد منه بالتضرع، كما قال عزّ وجلّ في قصة فرعون: {لعلّه يتذكّر أو يخشى}
قال سيبويه: المعنى اذهبا على رجائكما، واللّه عالم بما يكون وراء ذلك). [معاني القرآن: 2/248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء}
قيل البأساء: الجوع والفقر
والضراء: نقص الأموال والأنفس بالمرض والثمرات). [معاني القرآن: 2/423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {لعلهم يتضرعون}
أي: ليكون العباد على رجاء من التضرع). [معاني القرآن: 2/423-424]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْبَأْسَاء}: البؤس
{الضَّرَّاء}: الضر). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا...}
معنى (فلولا): فهلاّ. ويكون معناها على معنى لولا؛ كأنك قلت: لولا عبد الله لضربتك. فإذا رأيت بعدها اسما واحدا مرفوعا فهو بمعنى لولا التي جوابها اللام؛ وإذا لم تر بعدها اسما فهي استفهام؛ كقوله: {لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريب [فأصدّق وأكن من الصالحين]} وكقوله: {فلولا إن كنتم غير مدينين [ترجعونها إن كنتّم صادقين]}.
وكذلك (لوما) فيها ما في لولا: الاستفهام والخبر). [معاني القرآن: 1/334-335]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا} أي: فهلّا إذ جاءهم بأسنا). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لولا ولوما
لولا: تكون في بعض الأحوال بمعنى: هلّا وذلك إذا رأيتها بغير جواب، تقول: لولا فعلت كذا، تريد هلّا فعلت كذا، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ}، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}،{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}، {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}، أي فهلا. وقال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ}.
وقال الشاعر:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ = بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلا الكَمِيَّ المقنَّعَا

أي: فهّلا تعدُّونَ الكميَّ.
وكذلك (لوما): قال {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} أي: هلّا تأتينا). [تأويل مشكل القرآن: 540-541](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون}
المعنى: فهلّا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا.
{ولكن قست قلوبهم} أي: أقاموا على كفرهم). [معاني القرآن: 2/248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أي: فهلا وأعلم الله النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أرسل قبله رسولا إلى قوم بلغ من قسوتهم أن أخذوا بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا). [معاني القرآن: 2/424]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ...}
يعني: أبواب الرزق والمطر وهو الخير في الدنيا لنفتنهم فيه. وهو مثل قوله: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا} ومثله {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا لنفتنهم فيه} والطريقة طريقة الشرك؛ أي لو استمرّوا عليها فعلنا ذلك بهم.
وقوله: {فإذا هم مّبلسون}
المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب: قد أبلس؛
وقد قال الراجز:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا = قال نعم أعرفه، وأبلسا

أي لم يحر إليّ جوابا). [معاني القرآن: 1/335]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({بغتةً} أي: فجأة، يقال: بغتنى أي فاجأني.
{فإذا هم مبلسون}
المبلس: الحزين الدائم، قال العجّاج:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا = قال نعم أعرفه وأبلسا

وقال رؤبة:
وحضرت يوم خميس الأخماس = وفي الوجوه صفرةٌ وإبلاس

أي اكتئاب وكسوف وحزن). [مجاز القرآن: 1/191-192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بغتة}: فجأة.
{المبلس}: الحزين المكتئب).[غريب القرآن وتفسيره:136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أخذناهم بغتةً}: فجأة وجهرة، معاينة.
{فإذا هم مبلسون}: يائسون ملقون بأيديهم). [تفسير غريب القرآن:153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}أي: فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عليهم من الخير.
{حتّى إذا فرحوا بما أوتوا} أي: حتى إذا ظنّوا أنّ كل ما نزل بهم لم يكن انتقاما من اللّه جلّ وعزّ،
وأنهم لمّا فتح عليهم ظنوا أن ذلك باستحقاقهم {أخذناهم بغتة} أي: فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون.
وقوله جلّ وعزّ: {فإذا هم مبلسون}
"المبلس" الشديد الحسرة.
واليائس الحزين). [معاني القرآن: 2/248-249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء}
قال مجاهد: من رخاء الدنيا ويسرها.
والتقدير عند أهل اللغة: فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم). [معاني القرآن: 2/424-425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإذا هم مبلسون}
قال أبو عبيدة: المبلس الحزين النادم قال الفراء المبلس المنقطع الحجة). [معاني القرآن:2/425]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فلما نسوا ما ذكروا به} أي: تركوا). [ياقوتة الصراط: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((المبْلِسُ): الحزين المبهت.
{بَغْتَةً}: فجاءةً). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فقطع دابر القوم} أي: آخر القوم الذي يدبرهم). [مجاز القرآن: 1/192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فقطع دابر القوم}: آخرهم). [غريب القرآن وتفسيره: 137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فقطع دابر القوم} أي: آخرهم كما يقال: اجتثّ أصلهم). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين}
حمد الله عزّ وجلّ نفسه على أن قطع دابرهم، واستأصل شأفتهم، لأنه جلّ وعزّ أرسل إليهم الرسل، وأنظرهم بعد كفرهم، وأخذهم بالبأساء
والضراء فبالغ جلّ وعزّ في إنذارهم وإمهالهم، فحمد نفسه، لأنه محمود في إمهاله من كفر به وانتظاره توبته). [معاني القرآن: 2/249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا}
الدابر في اللغة: الآخر يقال دبرهم يدبرهم إذا جاء آخرهم وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود من الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبريا أي في آخر الوقت). [معاني القرآن:2/425]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: آخرهم،
والمعنى: استؤصلوا فلم يبق منهم أحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَابِر}: آخر). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يأتيكم به...}
كناية عن ذهاب السمع والبصر والختم على الأفئدة. وإذا كنيت عن الأفاعيل وإن كثرت وحّدت الكناية؛ كقولك للرجل: إقبالك وإدبارك يؤذيني. وقد يقال: إن الهاء التي في (به) كناية عن الهدى، وهو كالوجه الأوّل). [معاني القرآن: 1/335]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصركم}
مجازه: إن أصم الله أسماعكم وأعمى أبصاركم، تقول العرب: قد أخذ الله سمع فلانٍ، وأخذ بصر فلانٍ.
{ثمّ هم يصدفون} مجازه: يعرضون، يقال: صدف عني بوجهه، أي أعرض). [مجاز القرآن: 1/192]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم مّن إله غير اللّه يأتيكم به انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون}
وقال: {أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم}
ثم قال: {يأتيكم به} حمله على السمع أو على ما أخذ منهم). [معاني القرآن: 1/239]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يصدفون}: يعرضون، يقال صدف عني أعرض عني). [غريب القرآن وتفسيره: 137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يصدفون} يعرضون، يقال: صدف عني وصد، أي أعرض). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير اللّه يأتيكم به انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون}أي: بسمعكم، ويكون ما عطف على السمع داخلا في القصة إذ كان معطوفا على السمع.
وقوله: {انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون} أي "يعرضون".
أعلم الله جلّ وعزّ أنّه يصرف لهم الآيات، وهي العلامات التي تدل على توحيده، وصحة نبوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ثم هم يعرضون عما وضح لهم وظهر عندهم). [معاني القرآن: 2/249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به}
المعنى: من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم والهاء كناية عن المصدر فلذلك وحدت ويجوز أن يكون تعود على السمع مثل {والله ورسوله أحق أن يرضوه}). [معاني القرآن: 2/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون}
قال قتادة: أي يصدفون عنها). [معاني القرآن:2/426]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَصْدِفُونَ}: يعرضون). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إن أتاكم عذاب الله بغتةً أو جهرةً}
مجاز بغتة: فجأة وهم لا يشعرون.
{أو جهرة} أي: أو علانية وهم ينظرون). [مجاز القرآن: 1/193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه بغتة أو جهرة هل يهلك إلّا القوم الظّالمون}
البغتة المفاجأة، والجهر أو يأتيهم وهم يرونه.
{هل يهلك إلّا القوم الظّالمون}أي: هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم، لأنكم كفرتم معاندين، فقد علمتم أنكم ظالمون). [معاني القرآن: 2/249-250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة}
قال مجاهد: البغتة أن يأتيهم فجاءة آمنين والجهرة أن يأتيهم وهم ينظرون). [معاني القرآن: 2/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {هل يهلك إلا القوم الظالمون} أي: هل يهلك إلا أنتم لأنهم كفروا وعاندوا). [معاني القرآن: 2/427]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما نرسل المرسلين إلّا مبشّرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
أي: ليس إرسالهم بأن يأتوا الناس بما يقترحون عليهم من الآيات وإنّما يأتون من الآيات بما يبين الله به براهينهم، وإنما قصدهم التبشير والإنذار). [معاني القرآن: 2/250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل ثناؤه: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} أي: لم نرسلهم ليأتوا بالآيات المقترحات وإنما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم وإنما مذهبهم التبشير والإنذار). [معاني القرآن: 2/427]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملك إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكّرون}
هذا متصل بقوله: {لولا نزّل عليه آية من ربّه}. فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يملك خزائن الله التي بها يرزق ويعطي، وأنه لا يعلم الغيب فيخبرهم بما غاب عنه ممّا مضى، وما سيكون إلا بوحي من اللّه جلّ وعزّ.
{ولا أقول لكم إنّي ملك} أي: الملك يشاهد من أمور الله عزّ وجلّ ما لا يشاهده البشر،
فأعلمهم أنه يتبع الوحي فقال: {إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ} أي: ما أنبأتكم به من غيب فيما مضى، وفيما سيكون فهو بوحي من اللّه، فأمّا الإنباء بما مضى، فإخبار بقصص الأمم السالفة، والإخبار بما سيكون كقوله: {غلبت الرّوم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين}، فوجد من ذلك ما أنبأ به،
ونحو قوله: {واللّه يعصمك من النّاس} فاجتهدوا في قتله، فلم يصلوا إلى ذلك.
وقوله: {ليظهره على الدّين كلّه} وما يروى من الأخبار عنه بما يكون أكثر من أن يحصى). [معاني القرآن: 2/250-251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} هذا متصل بقوله جل وعز: {لولا نزل عليه آية من ربه} أي: لا أقول لكم عندي خزائن الله التي يرزق منها ويعطي {ولا أعلم الغيب} فأخبركم بما غاب عنكم إلا بوحي {ولا أقول لكم اني ملك} لأن الملك يشاهد من أمر الله جل وعلا ما لا يشاهد البشر). [معاني القرآن: 2/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل هل يستوي الأعمى والبصير}
قال مجاهد: يعني المسلم والكافر). [معاني القرآن: 2/428]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم...}
يقول: يخافون أن يحشروا إلى ربهم علما بأنه سيكون.
ولذلك فسّر المفسرون {يخافون}: يعلمون). [معاني القرآن: 1/336]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(خشيت) بمعنى: (علمت)، قال عز وجل: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}، أي: علمنا.
وفي قراءة أبيّ: فخاف ربك.
ومثله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}.
وقوله: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} أي: علم.
وقوله: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}، لأنّ في الخشية والمخافة طرفا من العلم). [تأويل مشكل القرآن: 190-191](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع لعلّهم يتّقون}
قوله: {وأنذر به} أي: بالقرآن،
وإنما ذكر الذين يخافون الحشر، دون غيرهم وهو -صلى الله عليه وسلم- منذر جميع الخلق، لأن الذين يخافون الحشر الحجة عليهم أوجب، لأنهم أفهم بالميعاد.
فهم أحد رجلين:
- إما رجل مسلم فيؤدي حق اللّه في إسلامه.
- وإما رجل من أهل الكتاب، فأهل الكتاب أجمعون معترفون بأن اللّه جل ثناؤه خالقهم، وأنّهم مبعوثون.
وقوله: {ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع}لأن النصارى، واليهود ذكرت أنّها أبناء اللّه وأحباؤه، فأعلم اللّه أنّه لا ولي له إلّا المؤمنون، وأنّ أهل الكفر ليس لهم عن دون اللّه ولي ولا شفيع). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} أي: بالقرآن وخص من يخاف الحشر لأن الحجة عليهم أوكد فإن كان مسلما أنذر ليترك المعاصي وإن كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق). [معاني القرآن: 2/428]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليس لهم من دونه من ولي ولا شفيع} لأن اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه). [معاني القرآن: 2/428]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم...}
يقول القائل: وكيف يطرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوا ربه حتى ينهى عن ذلك؟ فإنه بلغنا أن عيينة بن حصن الفزاريّ دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده سلمان وبلال وصهيب وأشباههم، فقال عيينة: يا رسول الله لو نحّيت هؤلاء عنك لأتاك أشراف قومك فأسلموا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}). [معاني القرآن: 1/336]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم مّن شيءٍ وما من حسابك عليهم مّن شيءٍ فتطردهم فتكون من الظّالمين}
وقال: {فتطردهم فتكون من الظّالمين} فالأولى أن ينصب جواباً لقوله: {ما عليك من حسابهم مّن شيءٍ وما من حسابك عليهم مّن شيءٍ فتطردهم}
والأخرى [أن] ينصب بقوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم} {فتكون من الظّالمين}). [معاني القرآن: 1/239]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومما يزاد في الكلام: (الوجه)، يقول الله عز وجل: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي: يريدونه بالدعاء.
و{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} أي: إلا هو.
و{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: فثمّ الله.
و{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي: لله). [تأويل مشكل القرآن: 254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظّالمين}
كان قوم من المشركين أرادوا الحيلة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا لو باعدت عنك هؤلاء السفلة والعبيد لجلس إليك الكبراء والأشراف وكانوا عنوا بالذين قدروا أن يباعدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- صهيبا وخبّابا، وعمّار بن ياسر وسلمان الفارسي وبلالا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ، أن أمر الدّين هو المقدّم، ونهاه أن يباعد هؤلاء، وأعلمه أنهم يريدون ما عند الله فشهد لهم بصحة النيات وأنهم مخلصون في ذلك لله، فقال: {يريدون وجهه}أي: يريدون اللّه ويقصدون الطرق التي أمرهم بقصدها وإنما قدروا بهذا أن يباعدهم فتكون لهم حجة عليه، واللّه قد أعلم .
في قصة نوح إنّه اتبع نوحا من كان عندهم من أراذلهم فقال:{قالوا أنومن لك واتبعك الأرذلون}، وقالوا: {ما نراك اتبعك إلا الّذين هم أراذلنا}
وقوله عزّ وجل: {فتكون من الظّالمين} جواب {ولا تطرد}
وقوله {فتطردهم} جواب {ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم}). [معاني القرآن: 2/251-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}
قال سعد: نزلت في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وأربعة قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نستحيي أن نكون تبعا لهؤلاء فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} إلى قوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين}
قال مجاهد: نزلت في بلال وعبد الله بن مسعود.
وقال غيره: إنما أراد المشركون بهذا أن يحتجوا على النبي صلى الله عليه وسلم لأن أتباع الأنبياء الفقراء فطلبوا أن يطردهم فيحتجوا عليه بذلك فعصمه الله مما أرادوا منه). [معاني القرآن: 2/429-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين}
المعنى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين وما من حسابك من شيء فتطردهم؛ على التقديم والتأخير). [معاني القرآن: 2/430]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ} أي: ابتلينا بعضا ببعض). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: العبرة، كقوله: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
وفي موضع آخر: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}أي: يعتبرون أمرهم بأمرنا، فإذا رأونا في ضرّ وبلاء ورأوا أنفسهم في غبطة ورخاء- ظنّوا أنهم على حق، ونحن على باطل.
وكذلك قوله: {فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 473-474](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى: {كذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين} أي: اختبرنا وابتلينا، {ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا}أي: ليكون ذلك آية أنّهم اتبعوا الرسول وصبروا على الشدة، وهم في حال شديدة). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} أي: اختبرنا وابتلينا لأن الفقراء صبروا على الجهد مع فقرهم فكان ذلك أوكد على الأغنياء في الحجة). [معاني القرآن: 2/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا}
أي: ليقول الأغنياء). [معاني القرآن:
2/430]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَكَذَلِكَ فَتَنَّا} أي: ابتلينا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم...}
تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها في جوابها على الاستئناف، وهي في قراءة القرّاء.
- وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد: {كتب ربكم على نفسه أنه من عمل}.
- ولك في (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح.
- فأمّا من فتح فإنه يقول: إنما يحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحد؛ ولكن الخبر هو موضعها، فلما دخلت في ابتداء الكلام أعيدت إلى موضعها؛ كما قال: {أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مخرجون} فلمّا كان موقع أنّ: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم دخلت في أوّل الكلام وآخره. ومثله: {كتب عليه أنّه من تولاّه فأنّه يضلّه} بالفتح.
ومثله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم}
- ولك أن تكسر (إن) التي بعد الفاء في هؤلاء الحروف على الاستئناف؛ ألا ترى أنك قد تراه حسنا أن تقول: "كتب أنه من تولاه فهو يضله" بالفتح.
وكذلك "وأصلح فهو غفور رحيم" لو كان لكان صوابا. فإذا حسن دخول (هو) حسن الكسر). [معاني القرآن: 1/336-337]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل} و{أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ} فقوله: {أنّه} بدلٌ من قوله: {الرّحمة} أي: كتب أنّه من عمل.
وقوله: {فأنّه} على الابتداء أي: فله المغفرة والرّحمة فهو غفورٌ رحيم.
وقال بعضهم {فأنّه} أراد به الاسم وأضمر الخبر. أراد "فأنّ"). [معاني القرآن: 1/239]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم} أي: الذين يصدقون بحججنا، وبراهيننا {فقل سلام عليكم}
خلا سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يذكر أن، "السلام" في اللغة أربعة:
1- أشياء فمنها سلّمت سلاما - مصدر سلّمت.
2- ومنها السلام جمع سلامة.
3- ومنها السلام اسم من أسماء الله تعالى.
4- ومنها السلام شجر، ومنه قوله: إلّا سلام وحرمل.
ومعنى السلام: الذي هو مصدر سلّمت، إنّه دعاء للإنسان أن يسلم من الآفات " في دينه ونفسه، وتأويله التخلص.
و "السلام" اسم من أسماء اللّه "
تأويله -واللّه أعلم- ذو السلام أي: هو الذي يملك السلام الذي هو تخليص من المكروه، فأما السلام الشجر فهو شجر عظام قوي أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات.
- والسّلام الحجارة الصلبة سميت بذلك لسلامتها من الرخاوة.
- والصلح يسمّى السّلم والسّلم والسّلم، سمي بهذا لأن معناه السلامة من الشر.
- والسّلم دلو لها عروة واحدة نحو دلو السّقائين، سميت الدلو سلما لأنها أقل عرى من سائر الدّلاء فهي أسلمها من الآفات والسّلّم الذي يرتقى عليه سمّي بهذا لأنه يسلّمك إلى حيث تريد.
والسّلّم السبب إلى الشيء، سمّي بهذا لأنه يؤدي إلى غيره، كما يؤدي السّلّم الذي يرتقى عليه.
وقوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم}
1- بفتحهما جميعا.
2- ويجوز أن يكون " إنّه - فإنّه " بكسرهما جميعا.
3- ويجوز فتح الأولى وكسر الثانية.
4- ويجوز كسر الأولى وفتح الثانية.
- فأما فتح الأولى والثانية فعلى أن موضع أن الأولى نصب، المعنى: كتب ربكم على نفسه المغفرة، وهي بدل من الرحمة، كأنّه قال: كتب ربّكم على نفسه الرّحمة وهي المغفرة للمذنبين التائبين، لأن معنى إنّه (غفور رحيم) المغفرة منه.
- ويجوز أن تكون الثانية وقعت مؤكدة للأولى، لأن المعنى: كتب ربكم أنه (غفور رحيم) فلما طال الكلام أعيد ذكر إنّ.
- فأما كسرهما جميعا فعلى مذهب الحكاية، كأنّه لما قال {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} قال: {أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفور رحيم} بالكسر.
وجعلت الفاء جوابا للجزاء وكسرت إنّ دخلت على ابتداء وخبر، كأنك قلت فهو غفور رحيم. إلا أن الكلام بـ إنّ أوكد، ومن كسر الأولى فعل ما ذكرنا من الحكاية، وإذا فتح الثانية مع كسر الأولى. لأن معناها المصدر، والخبر محذوف.
المعنى إنه من عمل كذا وكذا فمغفرة اللّه له.
- ومن فتح الأولى وكسر الثانية فالمعنى راجع إلى المصدر.
وكأنك لم تذكر إن الثانية، المعنى كتب ربكم على نفسه أنه غفور رحيم.
ومعنى {كتب}: أوجب ذلك إيجابا مؤكدا، وجائز أن يكون كتب ذلك في اللوح المحفوظ، وإنما خوطب الخلق بما يعقلون، فهم يعقلون أن توكيد الشيء المؤخر إنما يحفظ بالكتاب، ونحن نشرح ذلك في موضعه شرحا أوكد من هذا إن شاء اللّه.
ومعنى: يعملون السوء بجهالة، أي ليس بأنهم يجهلون أنه سوء.
لو أتى المسلم ما يجهل أنّه سوء لكان كمن لم يتعمد سوءا، ولم يوقع سوءا.
وقولك عمل فلان كذا وكذا بجهالة يحتمل أمرين، فأحدهما أنّه عمله وهو جاهل بالمكروه فيه، أي لم يعرف أن فيه مكروها، والآخر أقدم عليه على بصيرة، وعلم أن عاقبته مكروهة، فآثر العاجل فجعل جاهلا، فإنه آثر القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة.
فهذا معنى: {من عمل منكم سوءا بجهالة}). [معاني القرآن: 2/252-254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}
السلام والسلامة بمعنى واحد، ومعنى سلام عليكم: سلمكم الله في دينكم وأنفسكم
والسلام اسم من أسماء الله جل وعز معناه ذو السلامة.
- وقرأ الحسن وعاصم وعيسى {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}: بفتحها جميعا فالأولى بدل من الرحمة والثانية مؤكدة مكررة لطول الكلام هذا مذهب سيبويه.
- وقرأ أبو عمر والكسائي والأعمش وابن كثير وشبل: بكسرهما جميعا والمعنى الأولى قال انه وكسر الثانية لأنها مبتدأة بعد الفاء
- وقرأ أهل المدينة: بفتح الأولى لأنها تبيين للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم). [معاني القرآن: 2/430-432]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وليستبين سبيل المجرمين...}
ترفع {السبيل} بقوله: {وليستبين} لأنّ الفعل له من أنّث السبيل
قال: {ولتستبين سبيل المجرمين} ، وقد يجعل الفعل للنبيّ صلى الله عليه وسلم فتنصب السبيل،
يراد به: ولتستبين يا محمد سبيلّ المجرمين). [معاني القرآن: 1/337]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات} أي: نميزها ونبيّنها.
قال يزيد ابن ضبّة في البغتة:
ولكنّهم بانوا ولم أدر بغتةً = وأفظع شيءٍ حين يفجؤك البغت).
[مجاز القرآن: 1/193]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}
وقال: {ولتستبين سبيل المجرمين} لأنّ أهل الحجازّ يقولن:"هي السّبيل".
وقال بعضهم: {ولتستبين} يعني النبيّ صلى الله عليه.
وقال بعضهم: {وليستبين سبيل} في لغة بني تميم). [معاني القرآن: 1/239-240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نفصّل الآيات} أي: نأتي بها متفرّقة شيئا بعد شيء، ولا ننزلها جملة). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}
يقرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالتاء فلان السبيل الطريق، وهو يذكر ويؤنث.
ويجوز وجه ثالث: ولتستبين سبيل المجرمين -بنصب السبيل-، لأن المعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين.
فإن قال قائل أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها كما قال عز وجلّ: {سرابيل تقيكم الحرّ} ولم يقل تقيكم البرد، لأن الساتر يستر من الحر والبرد، ولكن جرى ذكر الحرّ لأنهم كانوا في مكانهم أكثر معاناة له من البرد). [معاني القرآن: 2/254-255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} المعنى على هذه القراءة ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فإن قيل فقد كان صلى الله عليه وسلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فإن قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان:
أحدهما: أنه إذا استبينت سبيل المجرمين فقد استبينت سبيل المؤمنين
والجواب الآخر: أن يكون مثل قوله: {سرابيل تقيكم الحر} فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون المعنى ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف). [معاني القرآن: 2/432-433]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نفَصِّلُ الآيَاتِ} أي نأتي بها متفرقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]


رد مع اقتباس