عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 12:05 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعًا وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الدّاعين لك إلى عبادة أوثانهم: من الّذي ينجّيكم من ظلمات البرّ إذا ضللتم فيه فتحيّرتم فأظلم عليكم الهدى والمحجّة؟ ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه فأخطأتم فيه المحجّة فأظلم عليكم فيه السّبيل فلا تهتدون له، غير اللّه الّذي مفزعكم حينئذٍ بالدّعاء تضرّعًا منكم إليه، واستكانةً جهرًا وخفيةً؟ يقول: وإخفاءً للدّعاء أحيانًا، وإعلانًا وإظهارًا تقولون: لئن أنجيتنا من هذه يا ربّ: أي من هذه الظّلمات الّتي نحن فيها، {لنكوننّ من الشّاكرين} يقول: لنكوننّ ممّن يوحّدك بالشّكر، ويخلص لك العبادة دون من كنّا نشركه معك في عبادتك.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قل من ينجيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعًا وخفيةً} يقول: إذا أضلّ الرّجل الطّريق دعا اللّه لئن أنجينا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قل من ينجيكم من ظلمات البرّ والبحر} يقول: من كرب البرّ والبحر). [جامع البيان: 9/ 294-295]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعًا وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين (63)}
قوله تعالى: {قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أخبرنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر يقول: من ينجّيكم من كرب البرّ والبحر.
قوله: {تدعونه تضرّعًا}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: تضرّعًا يعني: مستكينًا.
قوله: {وخفيةً}.
- وبه، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وخفيةً يعني: في خفضٍ وسكونٍ في حاجاتكم من أمر الدّنيا والآخرة.
قوله: {لئن أنجانا من هذه}.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعًا وخفيةً يقول: إذا ضلّ الرّجل الطّريق دعا اللّه: لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن أبي زيادٍ، ثنا سيّارٌ، ثنا جعفرٌ، ثنا أبو حمزة، عن أبي العفيف، وكان من أصحاب معاذ بن جبلٍ قال: يدخل أهل الجنّة الجنّة على أربعة أصنافٍ: المتّقين، ثمّ الشّاكرين، ثمّ الخائفين، ثمّ أصحاب اليمين. قال قلت: لم سمّوا الشّاكرين؟ قال: شكروا اللّه في الرّخاء، ووطّنوا أنفسهم على الصّبر عند البلاء، فهم على أثر المتّقين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1308-1309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} يقول: من كرب البر والبحر
وأخرج، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية} يقول: إذا أضل الرجل الطريق دعا الله: {لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين}). [الدر المنثور: 6/ 71-72]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل اللّه ينجّيكم منها ومن كلّ كربٍ ثمّ أنتم تشركون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء العادلين بربّهم سواه من الآلهة إذا أنت استفهمتهم عمّن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البرّ والبحر: اللّه القادر على فرجكم عند حلول الكرب بكم، ينجيكم من عظيم النّازل بكم في البرّ والبحر من همّ الضّلال وخوف الهلاك، ومن كرب كلّ سوى ذلك وهمٍّ، لا آلهتكم الّتي تشركون بها في عبادته، ولا أوثانكم الّتي تعبدونها من دونه، الّتي لا تقدر لكم على نفعٍ ولا ضرٍّ، ثمّ أنتم بعد تفضّله عليكم بكشف النّازل بكم من الكرب ودفع الحالّ بكم من جسيم الهمّ تعدلون به آلهتكم وأصنامكم فتشركونها في عبادتكم إيّاه، وذلك منكم جهلٌ بواجب حقّه عليكم وكفرٌ لأياديه عندكم، وتعرّضٌ منكم لإنزال عقوبته عاجلاً بكم). [جامع البيان: 9/ 295]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت خلاد بن سليمان يقول: سمعت عامر بن عبد الرّحمن يقول: إنّ ابن عبّاسٍ كان يقول في هذه الآية: {هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، أما العذاب من فوقكم فأئمّة السّوء، وأمّا العذاب من تحت أرجلكم فخدم السّوء). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 97]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن خباب، في قوله تعالى: أو يلبسكم شيعا قال راقب خباب بن الأرت وكان بدريا ليلة النبي وهو يصلي حتى إذا كان في الصبح قال له يا نبي الله لقد رأيتك الليلة تصلي صلاة ما رأيتك صليت مثلها قال أجل إنها صلاة رغب ورهب سألت ربي فيها ثلاث خصلات فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته ألا يهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطاني وسألته ألا يسلط علينا عدوا فأعطاني وسألته ألا يلبسنا شيعا فمنعني.
عن معمر، قال أخبرني أيوب، عن قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس، يرفعه إلى النبي: «إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوا فيهلكم بعامة ولا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فقال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة ولا أسلط عليهم عدوا من سواهم فيهلكهم بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا قال فقال النبي: إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة».
سمعت غير معمر يقول عن أبي أسماء عن ثوبان وكان معمر يقول عن أبي أسماء عن شداد بن أوس). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 210-211]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، وابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول لما نزلت على النبي: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقهم}، قال النبي: «أعوذ بوجهك أو من تحت أرجلهم» قال النبي: «أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا قال هذه أهون»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 211]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيد وسفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: لمّا نزلت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}، قال رسول اللّه - صلّى الله عليه وسلّم -: «أعوذ بوجهك، {أو من تحت أرجلكم}»، قال: «أعوذ بوجهك، {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}»، قال: سفيان : هو أهون. وقال سفيان: هاتان أيسر).[سنن سعيد بن منصور: 5/ 23-24]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(باب قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}
{يلبسكم} [الأنعام: 65] : «يخلطكم من الالتباس» ، {يلبسوا} [الأنعام: 82] : «يخلطوا» ، {شيعًا} [الأنعام: 65] : «فرقًا»
- حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابرٍ -رضي اللّه عنه، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} ، قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» ، قال: {أو من تحت أرجلكم} ، قال: «أعوذ بوجهك» {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}، قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أهون - أو هذا أيسر -»). [صحيح البخاري: 6/ 56]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} الآية يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا هو من كلام أبي عبيدة في الموضعين وعند بن أبي حاتمٍ من طريق أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ مثله

[4628] قوله: شيعًا فرقًا هو كلام أبي عبيدة أيضًا وزاد واحدتها شيعةٌ وللطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {شيعًا} قال: الأهواء المختلفة قوله عن جابرٍ وقع في الاعتصام من وجه آخر عن بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ سمعت جابرًا وكذا للنّسائيّ من طريق معمرٍ، عن عمرو بن دينارٍ، قوله: {عذابًا من فوقكم}، قال: أعوذ بوجهك زاد الإسماعيليّ من طريق حمّاد بن زيدٍ عن عمرٍو الكريم في الموضعين قوله: هذا أهون أو هذا أيسر هو شكٌّ من الرّاوي والضّمير يعود على الكلام الأخير ووقع في الاعتصام هاتان أهون أو أيسر أي خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض وقد روى بن مردويه من حديث بن عبّاسٍ ما يفسّر به حديث جابرٍ ولفظه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:« دعوت اللّه أن يرفع عن أمّتي أربعًا فرفع عنهم ثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت اللّه أن يرفع عنهم الرّجم من السّماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعضٍ فرفع اللّه عنهم الخسف والرّجم وأبى أن يرفع عنهم الأخريين» فيستفاد من هذه الرّواية المراد بقوله: {من فوقكم أو من تحت أرجلكم} ويستأنس له أيضًا بقوله تعالى: أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ أو يرسل عليكم حاصبا ووقع أصرح من ذلك عند بن مردويه من حديث أبيّ بن كعبٍ قال في قوله تعالى: {عذابا من فوقكم}، قال: الرّجم، {أو من تحت أرجلكم}، قال: الخسف وروى بن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ عن شيوخه أيضًا أنّ المراد بالعذاب من فوق الرّجم ومن تحت الخسف وأخرج من طريق بن عبّاسٍ أنّ المراد بالفوق أئمّة السّوء وبالتّحت خدم السّوء وقيل المراد بالفوق حبس المطر وبالتّحت منع الثّمرات والأوّل هو المعتمد وفي الحديث دليلٌ على أنّ الخسف والرّجم لا يقعان في هذه الأمة وفيه نظر فقد روى أحمد والطّبريّ من حديث أبيّ بن كعبٍ في هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم ... الآية}، قال هنّ أربعٌ وكلّهنّ واقعٌ لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة نبيّهم بخمسٍ وعشرين سنةً ألبسوا شيعًا وذاق بعضهم بأس بعضٍ وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرّجم وقد أعلّ هذا الحديث بأنّ أبيّ بن كعبٍ لم يدرك سنة خمسٍ وعشرين من الوفاة النّبويّة فكأنّ حديثه انتهى عند قوله لا محالة والباقي من كلام بعض الرّواة وأعلّ أيضًا بأنّه مخالفٌ لحديث جابرٍ وغيره وأجيب بأنّ طريق الجمع أنّ الإعادة المذكورة في حديث جابرٍ وغيره مقيّدةٌ بزمان مخصوصٍ وهو وجود الصّحابة والقرون الفاضلة وأمّا بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم وقد روى أحمد والتّرمذيّ من حديث سعد بن أبي وقّاصٍ قال سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {قل هو القادر ...} إلى آخرها فقال: «أما إنّها كائنةٌ ولم يأت تأويلها بعد» وهذا يحتمل أن لا يخالف حديث جابرٍ بأنّ المراد بتأويلها ما يتعلّق بالفتن ونحوها وعند أحمد بإسنادٍ صحيحٍ من حديث صحارٍ بالمهملتين أوّله مضمومٌ مع التّخفيف العبديّ رفعه قال لا تقوم السّاعة حتّى يخسف بقبائل الحديث وسيأتي في كتاب الأشربة في الكلام على حديث أبي مالكٍ الأشعريّ ذكر الخسف والمسخ أيضًا وللتّرمذيّ من حديث عائشة مرفوعًا يكون في آخر هذه الأمّة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ ولابن أبي خيثمة من طريق هشام بن الغازي بن ربيعة الجرشيّ عن أبيه عن جدّه رفعه يكون في أمّتي الخسف والمسخ والقذف الحديث وورد فيه أيضًا عنه عن عليّ وعن أبي هريرة عند وعن عثمان عند وعن بن مسعود وبن عمر وبن عمرو وسهل بن سعد عند بن ماجه وعن أبي أمامة عند أحمد وعن عبادة عند ولده وعن أنسٍ عند البزّار وعن عبد اللّه بن بسرٍ وسعيد بن أبي راشدٍ عند الطّبرانيّ في الكبير وعن بن عبّاسٍ وأبي سعيدٍ عنده في الصّغير وفي أسانيدها مقالٌ غالبًا لكن يدلّ مجموعها على أنّ لذلك أصلًا ويحتمل في طريق الجمع أيضًا أن يكون المراد أنّ ذلك لا يقع لجميعهم وإن وقع لأفرادٍ منهم غير مقيّدٍ بزمانٍ كما في خصلة العدوّ الكافر والسّنة العامّة فإنّه ثبت في صحيح مسلمٍ من حديث ثوبان رفعه في حديث بأوّله إنّ اللّه زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها الحديث وفيه وإنّي سألت ربّي أن لا يهلك أمّتي بسنةٍ عامّةٍ وأن لا يسلّط عليهم عدوًّا من غير أنفسهم وأن لا يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعضٍ فقال يا محمّد إنّي إذا قضيت قضاءً فإنّه لا يردّ وإنّي أعطيتك لأمّتك أن لا أهلكهم بسنةٍ عامّةٍ وأن لا أسلّط عليهم عدوًّا من غيرهم يستبيح بيضتهم حتّى يكون بعضهم يهلك بعضًا وأخرج الطّبريّ من حديث شدّادٍ نحوه بإسنادٍ صحيحٍ فلمّا كان تسليط العدوّ الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنّه لا يقع عمومًا فكذلك الخسف والقذف ويؤيّد هذا الجمع ما روى الطّبرانيّ من مرسل الحسن قال لمّا نزلت قل هو القادر الآية سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ربّه فهبط جبريل فقال يا محمّد إنّك سألت ربّك أربعًا فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين أن يأتيهم عذابٌ من فوقهم أو من تحت أرجلهم فيستأصلهم كما استأصل الأمم الّذين كذّبوا أنبياءهم ولكنّه يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعضٍ وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتاب والتّصديق بالأنبياء انتهى وكأنّ من قوله وهذان إلخ من كلام الحسن وقد وردت الاستعاذة من خصال أخرى منها عن بن عبّاس عند بن مردويه مرفوعًا سألت ربّي لأمّتي أربعًا فأعطاني اثنتين ومنعني اثنتين سألته أن يرفع عنهم الرّجم من السّماء والغرق من الأرض فرفعهما الحديث ومنها حديث سعد بن أبي وقّاصٍ عند مسلمٍ مرفوعًا سألت ربّي أن لا يهلك أمّتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلكهم بالسّنة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وعند الطّبريّ من حديث جابر بن سمرة نحوه لكن بلفظ أن لا يهلكوا جوعًا وهذا ممّا يقوّي أيضًا الجمع المذكور فإنّ الغرق والجوع قد يقع لبعض دون بعضٍ لكن الّذي حصل منه الأمان أن يقع عاما وعند التّرمذيّ وبن مردويه من حديث خبّابٍ نحوه وفيه وأن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا وكذا في حديث نافع بن خالدٍ الخزاعيّ عن أبيه عند الطّبرانيّ وعند أحمد من حديث أبي بصرة بالباء والصّاد المهملة نحوه لكن قال بدل خصلة الاهلاك أن لايجمعهم على ضلالةٍ وكذا للطّبريّ من مرسل الحسن ولابن أبي حاتمٍ من حديث أبي هريرة رفعه سألت ربّي لأمّتي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدةً سألته أن لا يكفّر أمّتي جملةً فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوًّا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يعذّبهم بما عذّب به الأمم قبلهم فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وللطّبرانيّ من طريق السّدّيّ مرسلًا نحوه ودخل في قوله بما عذّب به الأمم قبلهم الغرق كقوم نوحٍ وفرعون والهلاك بالرّيح كعادٍ والخسف كقوم لوطٍ وقارون والصّيحة كثمود وأصحاب مدين والرّجم كأصحاب الفيل وغير ذلك ممّا عذّبت به الأمم عمومًا وإذا جمعت الخصال المستعاذ منها من هذه الأحاديث الّتي سقتها بلغت نحو العشرة وفي حديث الباب أيضًا أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأل رفع الخصلتين الأخيرتين فأخبر بأن ذلك قد قدّر من قضاء اللّه وأنّه لا يردّ وأمّا ما زاده الطّبرانيّ من طريق أبي الزّبير عن جابرٍ في حديث الباب بعد قوله قال ليس هذا قال ولو استعاذه لأعاذه فهو محمولٌ على أنّ جابرًا لم يسمع بقيّة الحديث وحفظه سعد بن أبي وقّاصٍ وغيره ويحتمل أن يكون قائل ولو استعاذه إلخ بعض رواته دون جابرٍ واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/ 291-293]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (2 - (باب قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم})
أي: هذا باب في قوله تعالى: {قل هو القادر ...} الآية. أي: قل يا محمّد الله القادر على بعث العذاب عليكم من فوقكم كالحجارة الّتي أرسلت على قوم لوط وكالماء المنهمر الّذي نزل لإغراق قوم نوح عليه الصّلاة والسّلام، وكالحجارة الّتي أرسلت على أصحاب الفيل، ومن تحت أرجلكم كالخسف بقارون وإغراق آل فرعون. وقيل: من فوقكم من أكابركم وسلاطينكم ومن تحت أرجلكم من سفلتكم وعبيدكم، وقيل: من فوقكم حبس المطر ومن تحت أرجلكم منع النّبات.
يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا
أشار به إلى قوله تعالى: {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض} وفسّر يلبسكم بقوله يخلطكم، ونبه على أن مادته من مادّة الالتباس، لأن ثلاثيه من لبس يلبس من باب علم يعلم.
شيعا فرقا أشار به إلى قوله: {أو يلبسكم شيعًا} وفسّر الشيع بالفرق جمع فرقة، وفي التّفسير قوله تعالى: {أو يلبسكم شيعًا} أي ليجعلكم ملتبسين شيعًا فرقا متخالفين. وقال الوالي عن ابن عبّاس: يعني الأهواء وكذا قال مجاهد وغير واحد، وقد ورد في الحديث المرويّ من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النّار إلّا واحدة» .
- حدّثنا أبو النّعمان حدّثنا حمّاد بن زيدٍ عن عمرو بن دينارٍ عن جابرٍ رضي الله عنه قال لمّا نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك قال أو من تحت أرجلكم، قال: {أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا أهون أو هذا أيسر») .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة وأبو النّعمان، بضم النّون اسمه محمّد بن الفضل الملقب بعارم، والحديث أخرجه البخاريّ أيضا في التّوحيد عن قتيبة. وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن قتيبة وغيره.
قوله: {أعوذ بوجهك} ، أي: بذاتك. قوله: {ويذيق بعضكم بأس بعض} ، قال ابن عبّاس وغير واحد يعني: يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل. قوله: (هذا أهون) ، لأن الفتن من المخلوقين وعذابهم أهون من عذاب الله وبالفتن ابتليت هذه الأمة. قوله: (أو هذا أيسر) ، شكّ من الرّاوي ووقع في (الاعتصام) هاتان أهون أو أيسر، أي: خصلة الإلباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض). [عمدة القاري: 18/ 224-225]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (2 - باب قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} يلبسكم: يخلطكم من الالتباس. يلبسوا: يخلطوا. شيعًا: فرقًا
(باب قوله) تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} كما فعل بقوم
نوح ولوط وأصحاب الفيل {أو من تحت أرجلكم} كما أغرق فرعون وخسف بقارون، وعند ابن مردويه من حديث أبي بن كعب {عذابًا من فوقكم} قال: الرجم {أو من تحت أرجلكم} الخسف. وقيل من فوقكم أكابركم وحكّامكم أو من تحت أرجلكم سفلتكم وعبيدكم، وقيل المراد بالفوق حبس المطر وبالتحت منع الثمرات وسقط لغير أبي ذر: أو من تحت أرجلكم، وقالوا: الآية، وثبت قوله: باب قوله لأبي ذر، وسقط للباقين.
{يلبسكم} في قوله: {أو يلبسكم} أي (يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا) وهذا كاللاحق من قول أبي عبيدة، وقوله: {شيعا}أي: (فرقًا) أي لا تكونوا شيعة واحدة يعني يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط اتفاق يقاتل بعضكم بعضًا.
- حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابرٍ -رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «أعوذ بوجهك» قال: {أو من تحت أرجلكم} قال: «أعوذ بوجهك» {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «هذا أهون أو هذا أيسر». [الحديث 4628 - طرفاه في: 7313، 7406].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن عمرو بن دينار عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): {أعوذ بوجهك} بذاتك. وزاد الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عمرو الكريم قال: {أو من تحت أرجلكم} وسقطت قال لأبي ذر (قال) عليه الصلاة والسلام: (أعوذ بوجهك) زاد الإسماعيلي الكريم أيضًا {أو يلبسكم} يخلطكم في ملاحم القتال {شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض} أي يقاتل بعضكم بعضًا. وقال مجاهد: يعني أهواء متفرقة وهو ما كان فيهم من الفتن والاختلاف. وقال بعضهم: هو ما فيه الناس الآن من الاختلاف والأهواء وسفك الدماء (قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: هذا أهون) لأن الفتن بين المخلوقين وعذابهم أهون من عذاب الله فابتليت هذه الأمة بالفتن ليكفر بها عنهم (أو) قال: (هذا أيسر) شك الراوي.
وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعًا فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الخسف والرجم، وأبى أن يرفع عنهم الأخريين» فيستفاد منه أن الخسف والرجم لا يقعان في هذه الأمة، لكن روى أحمد من حديث أبيّ بن كعب في هذه الآية قال: هن أربع وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة نبيهم بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعًا وذاق بعضهم بأس بعض، وبقيت اثنتان واقعتان. لا محالة الخسف والرجم، لكنه أعلّ بأنه مخالف لحديث جابر وغيره، وبأن أبيّ بن كعب لم يدرك سنة خمس وعشرين من الوفاة النبوية فكأن حديثه انتهى عند قوله: لا محالة، والباقي كلام بعض الرواة، وجمع بينهما بأن حديث جابر مقيد بزمان وجود الصحابة وبعد ذلك يجوز وقوعهما، وعند أحمد بإسناد صحيح من حديث صحار بضم الصاد وبالحاء المخففة المهملتين العبدي رفعه: «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل» الحديث ... ذكره في فتح الباري، وفي حديث ربيعة الجرشي عند ابن أبي خيثمة رفعه: «يكون في أمتي الخسف والقذف والمسخ».
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والنسائي في التفسير). [إرشاد الساري: 7/ 118-119]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (2- باب {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم}
قوله: (يلبسكم، يخلطكم) أي: يجمعكم في معركة القتال مختلطين، وعلى هذا، فقوله تعالى: {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض}، مجموعه نوع ثالث من العذاب، وهذا هو ظاهر القرآن لأن العطف بين كل نوعين بكلمة أو، والعطف ههنا بالواو، فالظاهر أن مجموعهما نوع واحد، وكذا هو ظاهر الحديث المذكور في الكتاب لقوله: هذا أهون بصيغة الإفراد بعد ذكر مجموع الفعلين، والله تعالى أعلم).[حاشية السندي على البخاري: 3/ 50]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، سمع جابر بن عبد الله، يقول: لمّا نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أعوذ بوجهك، فلمّا نزلت: {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «هاتان أهون، أو هاتان أيسر».
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 111]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن أبي بكر بن أبي مريم الغسّانيّ، عن راشد بن سعدٍ، عن سعد بن أبي وقّاصٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« أما إنّها كائنةٌ ولم يأت تأويلها بعد».
هذا حديثٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/ 112]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (
قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا}
- أخبرنا محمّد بن النّضر، ويحيى بن حبيب بن عربيٍّ، وقتيبة بن سعيدٍ، عن حمّادٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابرٍ، قال: لمّا نزلت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» قال: {أو من تحت أرجلكم} قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أعوذ بوجهك» {أو يلبسكم شيعًا} قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أيسر» اللّفظ لقتيبة
- أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمرٌ، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت جابرًا، قال: لمّا نزلت: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك»، {أو من تحت أرجلكم} قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أعوذ بوجهك» ، {أو يلبسكم شيعًا} قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أهون» قال أبو عبد الرّحمن: بعض حروف {أو يلبسكم} لم تصحّ عن محمّدٍ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 91]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء العادلين بربّهم غيره من الأصنام والأوثان يا محمّد: إنّ الّذي ينجيكم من ظلمات البرّ والبحر ومن كلّ كربٍ ثمّ تعودون للإشراك به، هو القادر على أن يرسل عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم، لشرككم به وادّعائكم معه إلهًا آخر غيره وكفرانكم نعمه مع إسباغه عليكم آلاءه ومننه.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى العذاب الّذي توّعد اللّه به هؤلاء القوم أن يبعثه عليهم من فوقهم أو من تحت أرجلهم، فقال بعضهم: أمّا العذاب الّذي توعّدهم به أن يبعثه عليه من فوقهم: فالرّجم، وأمّا الّذي توعّدهم أن يبعثه عليهم من تحتهم: فالخسف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، قال: الخسف.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن الأشجعيّ، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وسعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو سلمة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، قال: الخسف.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}: فعذاب السّماء، {أو من تحت أرجلكم}: فيخسف بكم الأرض.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، قال: كان ابن مسعودٍ يصيح وهو في المجلس أو على المنبر: ألا أيّها النّاس، إنّه نزل بكم، إنّ اللّه يقول: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}، لو جاءكم عذابٌ من السّماء لم يبق منكم أحدًا، {أو من تحت أرجلكم}، لو خسف بكم الأرض أهلككم ولم يبق منكم أحدًا، {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}، ألا إنّه نزل بكم أسوأ الثّلاث.
وقال آخرون: عنى بالعذاب من فوقكم: أئمّة السّوء، أو من تحت أرجلكم: الخدم وسفلة النّاس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت خلاّدًا، يقول: سمعت عامر بن عبد الرّحمن، يقول: إنّ ابن عبّاسٍ كان يقول في هذه: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}: فأمّا العذاب من فوقكم: فأئمّة السّوء، وأمّا العذاب من تحت أرجلكم: فخدم السّوء.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}، يعني: من أمرائكم، {أو من تحت أرجلكم} يعني: سفلتكم.
وأولى التّأويلين في ذلك بالصّواب عندي قول من قال: عنى بالعذاب من فوقهم الرّجم أو الطّوفان وما أشبه ذلك ممّا ينزل عليهم من فوق رؤوسهم، ومن تحت أرجلهم: الخسف وما أشبهه، وذلك أنّ المعروف في كلام العرب من معنى (فوق) و(تحت) الأرجل، هو ذلك دون غيره، وإن كان لما روي عن ابن عبّاسٍ في ذلك وجهٌ صحيحٌ، غير أنّ الكلام إذا تنوزع في تأويله فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحقّ وأولى من غيره ما لم يأت حجّةٌ مانعةٌ من ذلك يجب التّسليم لها). [جامع البيان: 9/ 296-298]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}.
يقول تعالى ذكره: أو يخلطكم شيعًا: فرقًا، واحدتها شيعةٌ.
وأمّا قوله: {يلبسكم} فهو من قولك: لبست عليه الأمر، إذا خلطت، فأنا ألبسه. وإنّما قلت إنّ ذلك كذلك، لأنّه لا خلاف بين القرّاء في ذلك بكسر الباء، ففي ذلك دليلٌ بيّنٌ على أنّه من لبس يلبس، وذلك هو معنى الخلط. وإنّما عنى بذلك: أو يخلطكم أهواءً مختلفةً وأحزابًا مفترقةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أو يلبسكم شيعًا}: الأهواء المفترقة.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو يلبسكم شيعًا} قال: يفرّق بينكم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أو يلبسكم شيعًا} قال: ما كان منكم من التّفرّق والاختلاف.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أو يلبسكم شيعًا} قال: الّذي فيه النّاس اليوم من الاختلاف والأهواء وسفك دماء بعضهم بعضًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أو يلبسكم شيعًا} قال: الأهواء والاختلاف.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أو يلبسكم شيعًا} يعني بالشّيع الأهواء المختلفة.
وأمّا قوله: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} فإنّه يعني: بقتل بعضكم بيد بعضٍ.
والعرب تقول للرّجل ينال الرّجل بسلامٍ فيقتله به: قد أذاق فلانٌ فلانًا الموت وأذاقه بأسه. وأصل ذلك من ذوق الطّعام وهو يطعمه، ثمّ استعمل ذلك في كلّ ما وصل إلى الرّجل من لذّةٍ وحلاوةٍ أو مرارةٍ ومكروهٍ وألمٍ.
وقد بيّنت معنى البأس في كلام العرب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}: بالسّيوف.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو النّعمان عارمٌ قال: حدّثنا حمّادٌ، عن أبي هارون العبديّ، عن نوفٍ البكاليّ، أنّه قال في قوله: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال: هي واللّه الرّجال في أيديهم الحراب يطعنون في خواصركم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال: يسلّط بعضكم على بعضٍ بالقتل والعذاب.
- حدّثنا سعيد بن الرّبيع الرّازيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: عذاب هذه الأمّة أهل الإقرار بالسّيف {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}، وعذاب أهل التّكذيب: الصّيحة والزّلزلة.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن عني بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها المسلمون من أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفيهم نزلت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عيسى الدّامغانيّ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} الآية، قال: فهنّ أربعٌ وكلّهنّ عذابٌ، فجاء منهنّ اثنتان بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخمسٍ وعشرين سنةً، فألبسوا شيعًا، وأذيق بعضهم بأس بعضٍ، وبقيت اثنتان، فهما لا بدّ واقعتان، يعني: الخسف والمسخ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {من فوقكم أو من تحت أرجلكم} لأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأعفاكم منه. {أو يلبسكم شيعًا} قال: ما كان فيكم من الفتن والاختلاف.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا} الآية، ذكر لنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى ذات يومٍ الصّبح فأطالها، فقال له بعض أهله: يا نبيّ اللّه، لقد صلّيت صلاةً ما كنت تصلّيها، قال: «إنّها صلاة رغبةٍ ورهبةٍ، وإنّي سألت ربّي فيها ثلاثًا: سألته أن لا يسلّط على أمّتي عدوًّا من غيرهم فيهلكهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلّط على أمّتي السّنة فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعضٍ، فمنعنيها»، ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول:«لا تزال طائفةٌ من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من خذلهم حتّى يأتي أمر اللّه».
- حدّثنا أحمد بن الوليد القرشيّ، وسعيد بن الرّبيع الرّازيّ، قالا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرٍو، سمع جابرًا، يقول: لمّا أنزل اللّه تعالى على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} قال: «أعوذ بوجهك، {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال: هاتان أيسر أو أهون».
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن جابرٍ قال: لمّا نزلت: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} قال: نعوذ بك، نعوذ بك، {أو يلبسكم شيعًا} قال: هو أهون.
- حدّثني زياد بن عبيد اللّه المزنيّ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاريّ، قال: حدّثنا أبو مالكٍ، قال: حدّثني نافع بن خالدٍ الخزاعيّ، عن أبيه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى صلاةً خفيفةً تامّة الرّكوع والسّجود فقال:« قد كانت صلاة رغبةٍ ورهبةٍ، فسألت اللّه فيها ثلاثًا فأعطاني اثنتين، وبقي واحدةٌ، سألت اللّه أن لا يصيبكم بعذابٍ أصاب به من قبلكم فأعطانيها، وسألت اللّه أن لا يسلّط عليكم عدوًّا يستبيح بيضتكم فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ، فمنعنيها» قال أبو مالكٍ: فقلت له: أبوك سمع هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال: نعم، سمعته يحدّث بها القوم أنّه سمعها من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء الرّحبيّ، عن شدّاد بن أوسٍ، يرفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال: «إنّ اللّه زوى لي الأرض حتّى رأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها، وإنّي أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإنّي سألت ربّي أن لا يهلك قومي بسنةٍ عامّةٍ، وأن لا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعضٍ، فقال: يا محمّد، إنّي إذا قضيت قضاءً فإنّه لا يردّ، وإنّي أعطيتك لأمّتك أن لا أهلكهم بسنةٍ عامّةٍ، ولا أسلّط عليهم عدوًّا ممّن سواهم فيهلكهم بعامّةٍ حتّى يكون بعضهم يهلك بعضًا، وبعضهم يقتل بعضًا، وبعضهم يسبي بعضًا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين، فإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة».
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ قال: أخبرني أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء الرّحبيّ، عن شدّاد بن أوسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي لا أخاف على أمّتي إلاّ الأئمّة المضلّين».
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: راقب خبّاب بن الأرتّ، وكان بدريًّا، النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يصلّي، حتّى إذا فرغ وكان في الصّبح قال له: يا رسول اللّه، لقد رأيتك تصلّي صلاةً ما رأيتك صلّيت مثلها، قال: «أجل، إنّها صلاة رغبٍ ورهبٍ، سألت ربّي ثلاث خصالٍ فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدةً، سألته أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطاني، وسألته أن لا يسلّط علينا عدوًّا فأعطاني، وسألته أن لا يلبسنا شيعًا فمنعني».
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، في قوله: {أو يلبسكم شيعًا} قال: راقب خبّاب بن الأرتّ، وكان بدريًّا، رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: ثلاث خصلاتٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن عمرو بن دينارٍ قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: لمّا نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك»، {أو من تحت أرجلكم}، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك»، {أو يلبسكم شيعًا} قال: هذه أهون.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، عن الحسن، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «سألت ربّي فأعطيت ثلاثًا، ومنعت واحدةً، سألته أن لا يسلّط على أمّتي عدوًّا من غيرهم يستبيح بيضتهم، ولا يسلّط عليهم جوعًا، ولا يجمعهم على ضلالةٍ فأعطيتهنّ، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعضٍ، فمنعت».
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي سألت ربّي خصالاً، فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدةً، سألته أن لا تكفر أمّتي صفقةً واحدةً فأعطانيها، وسألته لا يظهر عليهم عدوًّا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يعذّبهم بما عذّب به الأمم من قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن الحسن، قال: لمّا نزلت هذه الآية، قوله: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال الحسن: ثمّ قال لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يشهده عليهم: {انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون}، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتوضّأ، فسأل ربّه أن لا يرسل عليهم عذابًا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ولا يلبس أمّته شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعضٍ كما أذاق بني إسرائيل، فهبط إليه جبريل عليه السّلام فقال: يا محمّد، إنّك سألت ربّك أربعًا، فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين: لن يأتيهم عذابٌ من فوقهم ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم، فإنّهما عذابان لكلّ أمّةٍ اجتمعت على تكذيب نبيّها وردّ كتاب ربّها، ولكنّهم يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعضٍ، وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتاب والتّصديق بالأنبياء، ولكن يعذّبون بذنوبهم، وأوحي إليه: {فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون} يقول: من أمّتك، {أو نرينّك الّذي وعدناهم} من العذاب وأنت حيّ، {فإنّا عليهم مقتدرون}. فقام نبيّ اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فراجع ربّه فقال: أيّ مصيبةٍ أشدّ من أن أرى أمّتي يعذّب بعضها بعضًا؟ وأوحي إليه: {الم. أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون. ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين}، فأعلمه أنّ أمّته لم تخصّ دون الأمم بالفتن، وأنّها ستبلى كما ابتليت الأمم. ثمّ أنزل عليه: {قل ربّ إمّا ترينّي ما يوعدون ربّ فلا تجعلني في القوم الظّالمين}، فتعوّذ نبيّ اللّه، فأعاذه اللّه، لم ير من أمّته إلاّ الجماعة والألفة والطّاعة. ثمّ أنزل عليه آيةً حذّر فيها أصحابه الفتنة، فأخبره أنّه إنّما يخصّ بها ناسٌ منهم دون ناسٍ، فقال: {واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّةً واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب}، فخصّ بها أقوامًا من أصحاب محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بعده، وعصم بها أقوامًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قال: لمّا جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره بما يكون في أمّته من الفرقة والاختلاف، فشقّ ذلك عليه، ثمّ دعا فقال: «اللّهمّ أظهر عليهم أفضلهم تقيّةً».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو الأسود، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبي الزّبير، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعوذ باللّه من ذلك»، قال: {أو من تحت أرجلكم} قال:
«أعوذ باللّه من ذلك»، قال: {أو يلبسكم شيعًا} قال: «هذه أيسر، ولو استعاذه لأعاذه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا المؤمّل البصريّ، قال: أخبرنا يعقوب بن إسماعيل بن يسارٍ المدينيّ، قال: حدّثنا زيد بن أسلم، قال: لمّا نزلت: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ بالسّيوف»، فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه؟ قال: «نعم»، فقال بعض النّاس: لا يكون هذا أبدًا، فأنزل اللّه: {انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون. وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لست عليكم بوكيلٍ لكلّ نبإٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون}.
وقال آخرون: عني ببعضها أهل الشّرك، وببعضها أهل الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هارون بن موسى، عن حفص بن سليمان، عن الحسن، في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، قال: هذا للمشركين، {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال: هذا للمسلمين.
والصّواب من القول عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى توعّد بهذه الآية أهل الشّرك به من عبدة الأوثان وإيّاهم خاطب بها، لأنّها بين إخبارٍ عنهم وخطابٍ لهم، وذلك أنّها تتلو قوله: {قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعًا وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين. قل اللّه ينجّيكم منها ومن كلّ كربٍ ثمّ أنتم تشركون}، ويتلوها قوله: {وكذّب به قومك وهو الحقّ}، وغير جائزٍ أن يكون المؤمنون كانوا به مكذّبين. فإذا كان غير جائزٍ أن يكون ذلك كذلك، وكانت هذه الآية بين هاتين الآيتين، كان بيّنًا أنّ ذلك وعيدٌ لمن تقدّم وصف اللّه إيّاه بالشّرك، وتأخّر الخبر عنه بالتّكذيب، لا لمن لم يجر له ذكرٌ، غير أنّ ذلك وإن كان كذلك فإنّه قد عمّ وعيده بذلك كلّ من سلك سبيلهم من أهل الخلاف على اللّه وعلى رسوله، والتّكذيب بآيات اللّه من هذه وغيرها.
وأمّا الأخبار الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:« سألت ربّي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدةً» فجائزٌ أنّ هذه الآية نزلت في ذلك الوقت وعيدًا لمن ذكرت من المشركين، ومن كان على منهاجهم من المخالفين ربّهم، فسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ربّه أن يعيذ أمّته ممّا ابتلى به الأمم الّذين استوجبوا من اللّه تعالى بمعصيتهم إيّاه هذه العقوبات، فأعاذهم بدعائه إيّاه ورغبته إيّاه من المعاصي الّتي يستحقّون بها من هذه الخلاّل الأربع من العقوبات أغلظها، ولم يعذهم من ذلك ما يستحقّون به اثنتين منها.
وأمّا الّذين تأوّلوا أنّه عني بجميع ما في هذه الآية هذه الأمّة، فإنّي أراهم تأوّلوا أنّ في هذه الأمّة من سيأتي من معاصي اللّه وركوب ما يسخط اللّه نحو الّذي ركب من قبلهم من الأمم السّالفة من خلافه والكفر به، فيحلّ بهم مثل الّذي حلّ بمن قبلهم من المثلات والنّقمات، وكذلك قال أبو العالية ومن قال بقوله: جاء منهنّ اثنتان بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال:« سيكون في هذه الأمّة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ، وأنّ قومًا من أمّته سيبيتون على لهو ولعبٍ ثمّ يصبحون قردةً وخنازير. وذلك إذا كان، فلا شكّ أنّه نظير الّذي في الأمم الّذين عتوا على ربّهم في التّكذيب وجحدوا آياته».
وقد روي نحو الّذي روي عن أبي العالية، عن أبيٍّ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا سفيان، قال: أخبرنا أبي، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا} قال: أربع خلالٍ، وكلّهنّ عذابٌ، وكلّهنّ واقعٌ قبل يوم القيامة، فمضت اثنتان بعد وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بخمسٍ وعشرين سنةً: ألبسوا شيعًا، وأذيق بعضهم بأس بعضٍ، وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف، والرّجم). [جامع البيان: 9/ 298-309]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: انظر يا محمّد بعين قلبك إلى ترديدنا حججنا على هؤلاء المكذّبين بربّهم الجاحدين نعمه، وتصريفناها فيهم. {لعلّهم يفقهون} يقول: ليفقهوا ذلك ويعتبروه، فيذّكّروا ويزدجروا عمّا هم عليه مقيمون ممّا يسخطه اللّه منهم من عبادة الأوثان والأصنام، والتّكذيب بكتاب اللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم).[جامع البيان: 9/ 310]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون (65)}
قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم}.
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن عمرٍو، عن جابرٍ قال: نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال: «أعوذ بوجهك».
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن أبي بكر بن عبد الله ابن أبي مريم، عن راشد بن سعدٍ، عن سعد بن أبي وقّاصٍ: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أما إنّها كائنةٌ، لم يأت تأويلها بعد».
- حدّثنا إسماعيل بن أبي الحارث، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} إلى قوله: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال: فهنّ أربع خلالٍ، جاء منهم اثنتان بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخمسٍ وعشرين سنةً: ألبسوا شيعًا، وأذيق بعضهم بأس بعضٍ. وبقيت اثنتان هما لا بدّ واقعتان: الرّجم، والخسف.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الأشهب، عن الحسن في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا} قال: حبست عقوبتها حتّى عمل ذنبها، فما عمل ذنبها أرسلت عقوبتها.
- قريء على يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهبٍ قال: سمعت خلاد بن سليمان يقول: سمعت عامر بن عبد الرّحمن يقول: أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول في هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}: فأئمّة السّوء.
- حدّثني أبي، ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل قال: سمعت أبي يقول: ثنا أبو سنانٍ في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}، قال: أشرافكم وأمراؤكم.
وروي عن عمير بن هاني أنّه قال: أمراء السّوء.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قال: {عذابًا من فوقكم}، قال: الرّجم.
- حدّثنا أبي، ثنا هوذة، ثنا عوفٌ، عن الحسن قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم قال: من السّماء. وروي عن السّدّيّ مثل ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}: لأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فعفا عنهم.
والوجه الرّابع:
- ذكر عن مسلم بن إبراهيم، ثنا هارون الأعور، عن حفص بن سليمان، عن الحسن: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} قال: هذه للمشركين.
قوله عزّ وجلّ: {أو من تحت أرجلكم}.
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن عمرٍو، عن جابرٍ قال: نزل على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {أو من تحت أرجلكم}، فقال: أعوذ بوجهك.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهبٍ قال: سمعت خلاد بن سليمان يقول: سمعت عامر بن عبد الرّحمن يقول: أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول في هذه الآية: {عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، أمّا العذاب من تحت أرجلكم: فخدم السّوء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أو من تحت أرجلكم} يعني: من سفلتكم.
وروي عن أبي سنانٍ الشّيبانيّ أنّه قال: عبيدكم وسفلتكم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن، ثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: أو من تحت أرجلكم قال: الخسف. وروي عن مجاهدٍ مثل ذلك
قوله: {أو يلبسكم شيعًا}.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ المكّيّ سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابر بن عبد اللّه قال: نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ فقال: «هاتان أهون، أو هاتان أيسر».
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ، ثنا أبو الأسود يعني: النّضر بن عبد الجبّار، ثنا ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {أو يلبسكم شيعًا}، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هذه أيسر، ولو استعاذه لأعاذه». وروي عن مقاتل بن حيّان، ومجاهدٍ مثله.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أو يلبسكم شيعًا}، يعني: الشّيع: الأهواء المختلفة. وروي عن مجاهدٍ، ومقاتل بن حيّان مثله.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {أو يلبسكم شيعًا}، ما كان فيه من الفتن والاختلاف.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {أو يلبسكم شيعًا}، قال: يفرّق بينكم.
قوله تعالى: {ويذيق بعضكم بأس بعض}.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي المنهال، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «سألت ربّي لأمّتي أربع خصالٍ، فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدةً».
سألته ألا تكفر أمّتي واحدةً فأعطانيها، وسألته ألا يظهر عليهم عدوًّا من غيرهم فأعطانيها. وسألته ألا يعذّبهم بما عذّب به الأمم من قبلكم فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}: يسلّط بعضكم على بعضٍ بالعذاب والقتل.
- حدّثنا محمّد بن عبادة الواسطيّ، ثنا يزيد بن هارون، أنا حمّادٌ، عن أبي هارون المعبدي، عن نوفٍ أنّه قرأ هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال: هي واللّه للرّجال بأيديها الحراب، يطعن بها حواصلهم.
قوله: {انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون}.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، ثنا المؤمّل بن إسماعيل البصريّ أبو عبد الرّحمن، ثنا يعقوب بن إسماعيل بن يسارٍ العدنيّ، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: لمّا نزلت: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم ... الآية}، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ بالسّيوف». قالوا: ونحن نشهد ألا إله إلا اللّه، وأنّك رسول اللّه قال: «نعم»، فقال بعض النّاس: لا يكون هذا أبدًا أن يقتل بعضنا بعضًا ونحن مسلمون. فنزلت: {انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لست عليكم بوكيلٍ لكلّ نبأٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1309-1312]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم: قال ثنا ورقاء: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {فقل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، يعني: أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فأعفاهم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض يعني ما فيهم من الاختلاف والفتن). [تفسير مجاهد: 216-217]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -:في هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم}، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أما إنّها لكائنة، ولم يأت تأويلها بعد». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/ 133]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما نزلت: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم}، قال: «أعوذ بوجهك»، {أو من تحت أرجلكم} قال:
«أعوذ بوجهك»، قال: فلما نزلت: {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هاتان أهون، أو أيسر». أخرجه البخاري. وفي رواية الترمذي: «هاتان أهون، أو هاتان أيسر».
[شرح الغريب]
(يلبسكم شيعاً) الشّيع: جمع شيعة، وهي الفرقة من الناس، واللبس: الخلط، والمراد: أنه يجعلكم فرقاً مختلفين). [جامع الأصول: 2/ 133-134]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {قل هو القادر}.
- عن أبيّ بن كعبٍ في قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم ... الآية} قال: هنّ أربعٌ وكلّهنّ عذابٌ وكلّهنّ واقعٌ لا محالة، فمضت اثنتان بعد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بخمسٍ وعشرين سنةً، فألبسوا شيعًا وذاق بعضهم بأس بعضٍ، وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة: الخسف والرّجم.
رواه أحمد، ورجاله ثقاتٌ. قلت: والظّاهر أنّ من قوله: فمضت اثنتان؛ إلى آخره من قول رفيعٍ، فإنّ أبيّ بن كعبٍ لم يتأخّر إلى زمن الفتنة، واللّه أعلم. قلت: وتأتي بقيّة هذه الأحاديث في كتاب الفتن، إن شاء اللّه). [مجمع الزوائد: 7/ 21]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : ( [1] وقال أبو يعلى: حدثنا عبد اللّه بن عمر بن أبان، ثنا (ابن) فضيلٍ، ثنا أبو مالكٍ الأشجعيّ عن نافع بن خالدٍ الخزاعيّ، عن أبيه وكان من أصحاب الشّجرة رضي الله (عنهم)، قال: كان رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إذا جلس النّاس (من) حوله، صلّى صلاةً خفيفةً تامّة الرّكوع والسّجود، فسجد ذات يومٍ فأطال (السّجود)، حتّى أومأ بعضنا إلى بعضٍ أن اسكتوا فإنّه نزل عليه، فلمّا فرغ، قال له بعض القوم: يا رسول اللّه أطلت السّجود حتّى أومأ بعضنا إلى بعضٍ أنّه نزل عليك؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم:« لا، ولكنّها (كانت) صلاة رغبةٍ ورهبةٍ، سألت اللّه تعالى ثلاثًا: فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدةً: سألته أن لا يسحتكم بعذابٍ عذّب به من كان قبلكم، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلّط على عامّتكم عدوًّا يستبيحها فأعطانيها وسألته أن لا يلبسكم شيعًا، ويذيق بعضكم بأس بعضٍ، فمنعنيها»، قال: قلت: لله أبوك سمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، فذكر أنّه سمعها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عدد أصابعه هذه عشرًا.
[2] وقال البزّار: حدّثنا على بن المنذر، ثنا ابن فضيلٍ، نحوه). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال: يعني من أمرائكم، {أو من تحت أرجلكم}، يعني: سفلتكم {أو يلبسكم شيعا} يعني: بالشيع الأهواء المختلفة، {ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من وجه آخر، عن ابن عباس، في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال: أئمة السوء {أو من تحت أرجلكم} قال: خدم السوء.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {عذابا من فوقكم} قال: من قبل أمرائكم وأشرافكم {أو من تحت أرجلكم} قال: من قبل سفلتكم وعبيدكم
- وأخرج عبد بن حميد، وأبو الشيخ عن أبي مالك: {عذابا من فوقكم} قال: القذف، {أو من تحت أرجلكم} قال: الخسف.
- وأخرج أبو الشيخ، عن مجاهد: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال: الصيحة والحجارة والريح، {أو من تحت أرجلكم}، قال: الرجفة والخسف وهما عذاب أهل التكذيب، {ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: عذاب أهل الأقرار.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد، في قوله: {عذابا من فوقكم} قال: الحجارة، {أو من تحت أرجلكم} قال: الخسف، {أو يلبسكم شيعا} قال: الإختلاف والأهواء المفترقة.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: عذاب هذه الأمة أهل الإقرار بالسيف {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} وعذاب أهل التكذيب الصيحة والزلزلة.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي ونعيم بن حماد في الفتن، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان وأبو الشيخ، وابن مردويه
والبيهقي في الأسماء والصفات، عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك» {أو من تحت أرجلكم} قال:
«أعوذ بوجهك» {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: «هذا أهون أو أيسر».
- وأخرج ابن مردويه، عن جابر قال: لما نزلت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أعوذ بالله من ذلك» {أو يلبسكم شيعا} قال: «هذا أيسر ولو استعاذه لأعاذه».
- وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ونعيم بن حماد في الفتن، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: في هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله: {قل هو القادر... الآية}، قال: هن أربع وكلهن عذاب وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة فألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {قل هو القادر} قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم قال: «اللهم لا ترسل على أمتي عذابا من فوقهم ولا من تحت أرجلهم ولا تلبسهم شيعا ولا تذق بعضهم بأس بعض فأتاه جبريل فقال: إن الله قد أجار أمتك أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم».
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوت ربي أن يدفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع عنهم الرجم والغرق وأبى أن يرفع القتل والهرج.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن خزيمة، وابن حبان عن سعد بن أبي وقاص أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال: «سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
- وأخرج ابن مردويه عن معاوية بن أبي سفيان قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تحدثون من آخركم وفاة قلنا: أجل، قال: فإني من أولكم وفاة وتتبعوني أفنادا يهلك بعضكم بعضا ثم نزع هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} حتى بلغ {لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون}.
- وأخرج أحمد، وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن ماجه والبزار، وابن حبان والحاكم وصححه واللفظ له، وابن مردويه عن ثوبان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ربي زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطاني الكنزين الأحمر والأبيض وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليها عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» وقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لم يرد إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكها بسنة عامة ولا أظهر عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم بعامة ولو اجتمع من بين أقطارها حتى يكون بعضهم هو يهلك بعضا وبعضهم هو يسبي بعضا وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين ولن تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة وأنه قال: كلها يوجد في مائة سنة وسيخرج في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي الله وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي ولن يزال في أمتي طائفة يقاتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، قال: وزعم أنه لا ينزع رجل من أهل الجنة شيئا من ثمرها إلا أخلف الله مكانها مثلها وأنه قال: ليس دينار ينفقه رجل بأعظم أجرا من دينار ينفقه على عياله ثم دينار ينفقه على فرسه في سبيل الله ثم دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله، قال:
وزعم أن نبي الله عظم شأن المسألة وأنه إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم ما كنتم تعبدون فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا أمر، فيقول: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني فيقولون: نعم، فيأخذ مواثيقهم على ذلك فيأمرهم أن يعمدوا لجهنم فيدخلونها فينطلقون حتى إذا جاؤوها رأوا لها تغيظا وزفيرا فهابوا فرجعوا إلى ربهم فقالوا: ربنا فرقنا منها، فيقول: ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعن اعمدوا إليها فادخلوا، فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا فرجعوا فيقول: ادخلوها داخرين، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما».
- وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جابر بن عتيك قال: جاءنا عبد الله بن عمر وفي بني معاوية وهي قرية من قرى الأنصار فقال لي: «هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا قلت: نعم، وأشرت له إلى ناحية منه فقال: هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نعم، فقال: أخبرني بهن، قلت: دعا أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيها ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها، قال: صدقت لا يزال الهرج إلى يوم القيامة».
- وأخرج أحمد والطبراني، وابن مردويه عن أبي نضرة الغفاري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها وسألت الله أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألت الله أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم فأعطانيها وسألت الله أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها»
- وأخرج أحمد والنسائي، وابن مردويه عن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثمان ركعات فلما انصرف قال: «إني صليت صلاة رغبة ورهبة سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يبتلي أمتي بالسنين ففعل وسألته أن لا يظهر عليها عدوهم ففعل وسألته أن لا يلبسهم شيعا فأبى علي».
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه عن حذيفة بن اليمان قال خرج النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى حرة بني معاوية واتبعت أثره حتى ظهر عليها فصلى الضحى ثمان ركعات
فأطال فيهن ثم التفت إلي فقال: «إني سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فأعطاني وسألته أن لا يهلكهم بغرق فأعطاني وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني».
- وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنين ففعل وسألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا لها ففعل وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بعضها ببعض فمنعنيها».
- وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «صليت صلاة رغبا ورهبا ودعوت دعاء رغبا ورهبا حتى فرج لي عن الجنة فرأيت عناقيدها فهويت أن أتناول منها شيئا فخوفت بالنار فسألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين وكف عني الثالثة سألته أن لا يظهرعلى أمتي عدوها ففعل وسألته أن لا يهلكها بالسنين ففعل وسألته أن لا يلبسها شيعا ولا يذيق بعضها بأس بعض فكفها عني».
- وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن شداد قال: فقد معاذ بن جبل أو سعد بن معاذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجده قائما يصلي في الحرة فأتاه فتنحنح فلما انصرف قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيتك صليت صلاة لم تصل مثلها قال: «صليت صلاة رغبة ورهبة سألت ربي فيها ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي جوعا ففعل، ثم قرأ: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ... الآية} [الأعراف: 130]، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم ففعل، ثم قرأ: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}[ الفتح: 28] إلى آخر الآية، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني، ثم قرأ: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} إلى آخر الآية، ثم قال: لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناوأهم».
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن خباب بن الارث في قوله: {أو يلبسكم شيعا} قال: راقب خباب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي حتى إذا كان في الصبح قال له: يا نبي الله لقد رأيتك تصلي هذه الليلة صلاة ما رأيتك تصلي مثلها قال: «أجل إنها صلاة رغبة ورهبة سألت ربي فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلكنا بما أهلكت به الأمم قبلكم فأعطاني وسألته أن لا يسلط علينا عدوا من غيرنا فأعطاني وسألته أن لا يلبسنا شيعا فمنعني».
- وأخرج ابن جرير، وابن مردويه من طريق نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة خفيفة الركوع والسجود فقال: «قد كانت صلاة رغبة ورهبة فسألت الله فيها ثلاثا فأعطاني اثنتين وبقي واحدة سألت الله أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به قبلكم فأعطانيها وسألت الله أن لا يسلط عليكم عدوا يستبيح بيضتكم فأعطانيها وسألته أن لا يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها».
- وأخرج الطبراني عن خالد الخزاعي وكان من أصحاب الشجرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة فأخف وجلس فأطال الجلوس فلما انصرف قلنا: يا رسول الله أطلت الجلوس في صلاتك قال: «إنها صلاة رغبة ورهبة سألت الله فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يسحتكم بعذاب أصاب من كان قبلكم فأعطانيها وسألته أن لا يسلط على بيضتكم عدوا فيجتاحها فأعطانيها وسألته أن لا يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها»
- وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن ضرار بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {أو يلبسكم شيعا} قال: أربع فتن تأتي فتنته الأولى يستحل فيها الدماء والثانية يستحل فيها الدماء والأموال والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج والرابعة عمياء مظلمة تمور مور البحر تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن شداد بن أوس يرفعه إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
« إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي أن لا يهلك قوم بسنة عامة وأن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ولا أسلط عليهم عدوا من سواهم فيهلكوهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا» فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني أخاف على أمتي الأئمة المضلين فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن ماجه، وابن المنذر واللفظ له، وابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطال قيامها وركوعها وسجودها فلما انصرف قلت: يا رسول الله لقد أطلت اليوم الصلاة فقال: «إنها صلاة رغبة ورهبة إني سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من سواهم فيهلكهم عامة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم سنة فتهلكهم عامة فأعطانيها ولفظ أحمد، وابن ماجه وسألته أن لا يهلكهم غرقا فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:« سألت ربي لأمتي أربع خصال فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة سألته أن لا تكفر أمتي واحدة فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم من قبلهم فأعطانيها وسألته لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
- وأخرج ابن جرير عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا} قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ فسأل ربه: أن لا يرسل عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ولا يلبس أمته شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل فهبط إليه جبريل فقال: يا محمد إنك سألت ربك أربعا فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين لن يأتيهم عذاب من فوقهم ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم فإنهما عذابان لكل أمة اجتمعت على تكذيب نبيها ورد كتاب ربها ولكنهم يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتب والتصديق بالأنبياء ولكن يعذبون بذنوبهم وأوحى الله إليه: {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون} [التوبة: 5]، يقول: من أمتك أو نرينك الذي وعدناهم من العذاب وأنت حي فإنا عليهم مقتدرون، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم فراجع ربه فقال: أي مصيبة أشد من أن أرى أمتي يعذب بعضها بعضا وأوحى إليه: {الم أحسب الناس أن يتركوا} [العنكبوت: 1 - 2] الآيتين، فأعلمه أن أمته لم تخص دون الأمم بالفتن وأنها ستبتلى كما ابتليت الأمم ثم أنزل عليه: {قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين} [المؤمنون: 93]، فتعوذ نبي الله فأعاذه الله لم ير من أمته إلا الجماعة والألفة والطاعة ثم أنزل عليه آية حذر فيها أصحاب الفتنة فأخبره أنه إنما يخص بها ناس منهم دون ناس فقال: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} [الأنفال: 25] فخص بها أقواما من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- بعده وعصم بها أقواما.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا ... الآية}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف» فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال: «نعم»، فقال بعض الناس: لا يكون هذا أبدا فأنزل الله: {انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون (65) وكذب به قومك وهو الحق} إلى قوله: {وسوف تعلمون}.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} قال: هذا للمشركين {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: للمسلمين). [الدر المنثور: 6/ 72-85]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لست عليكم بوكيلٍ (66) لكلّ نبإٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون}.
يقول تعالى ذكره: {وكذّب} يا محمّد {قومك} بما تقول وتخبر وتوعّد من الوعيد. {وهو الحقّ} يقول: والوعيد الّذي أوعدناهم على مقامهم على شركهم من بعث العذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم، أو لبسهم شيعًا، وإذاقة بعضهم بأس بعضٍ، الحقّ الّذي لا شكّ فيه أنّه واقعٌ، إن هم لم يتوبوا وينيبوا ممّا هم عليه مقيمون من معصية اللّه والشّرك به إلى طاعة اللّه والإيمان به. {قل لست عليكم بوكيلٍ} يقول: قل لهم يا محمّد: لست عليكم بحفيظٍ ولا رقيبٍ، وإنّما رسولٌ أبلّغكم ممّا أرسلت به إليكم. {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ} يقول: لكلّ خبرٍ مستقرٌّ، يعني قرارٌ يستقرّ عنده، ونهايةٌ ينتهي إليها، فيتبيّن حقّه وصدقه من كذبه وباطله. {وسوف تعلمون} يقول: وسوف تعلمون أيّها المكذّبون بصحّة ما أخبركم به من وعيد اللّه إيّاكم أيّها المشركون وحقّيته عند حلول عذابه بكم. فرأوا ذلك وعاينوه فقتلهم يومئذٍ بأوليائه من المؤمنين.
وبنحو الّذي قلنا من التّأويل في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكذّب به قومك وهو الحقّ} يقول: كذّبت قريشٌ بالقرآن، وهو الحقّ. وأمّا الوكيل: فالحفيظ. {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ} فكان نبأ القرآن استقرّ يوم بدرٍ بما كان يعدهم من العذاب). [جامع البيان: 9/ 310-311] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لست عليكم بوكيلٍ (66)}
قوله: {وكذّب به قومك وهو الحقّ}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى، حدّثني محمّد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي بكرٍ قال: قرأ عبد اللّه بن سهيلٍ على أبيه: وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لست عليكم بوكيلٍ، فقال: أما واللّه يا بنيّ لو كنت إذ ذاك، ونحن مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فهمت منها إذ ذاك ما فهمت اليوم لقد كنت إذ ذاك أسلمت.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: وكذّب به قومك يقول: كذّبت قريشٌ بالقرآن، وهو الحقّ.
قوله: {قل لست عليكم بوكيلٍ}.
- وبه عن السّدّيّ قوله: قل لست عليكم بوكيلٍ، أمّا الوكيل فالحفيظ. وروي عن قتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1313]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن قانع في معجمه عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال: قرأ عبد الله بن سهيل على أبيه {وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل} فقال: أما والله يا بني لو كنت إذ ذاك ونحن مع النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- بمكة فهمت منها إذ ذاك ما فهمت اليوم لقد كنت إذ ذاك أسلمت.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {وكذب به قومك}، يقول: كذبت قريش بالقرآن {وهو الحق}، وأما الوكيل: فالحفيظ). [الدر المنثور: 6/ 85]

تفسير قوله تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لست عليكم بوكيلٍ (66) لكلّ نبإٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون}.
يقول تعالى ذكره: {وكذّب} يا محمّد {قومك} بما تقول وتخبر وتوعّد من الوعيد. {وهو الحقّ} يقول: والوعيد الّذي أوعدناهم على مقامهم على شركهم من بعث العذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم، أو لبسهم شيعًا، وإذاقة بعضهم بأس بعضٍ، الحقّ الّذي لا شكّ فيه أنّه واقعٌ، إن هم لم يتوبوا وينيبوا ممّا هم عليه مقيمون من معصية اللّه والشّرك به إلى طاعة اللّه والإيمان به. {قل لست عليكم بوكيلٍ} يقول: قل لهم يا محمّد: لست عليكم بحفيظٍ ولا رقيبٍ، وإنّما رسولٌ أبلّغكم ممّا أرسلت به إليكم. {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ} يقول: لكلّ خبرٍ مستقرٌّ، يعني قرارٌ يستقرّ عنده، ونهايةٌ ينتهي إليها، فيتبيّن حقّه وصدقه من كذبه وباطله. {وسوف تعلمون} يقول: وسوف تعلمون أيّها المكذّبون بصحّة ما أخبركم به من وعيد اللّه إيّاكم أيّها المشركون وحقّيته عند حلول عذابه بكم. فرأوا ذلك وعاينوه فقتلهم يومئذٍ بأوليائه من المؤمنين.
وبنحو الّذي قلنا من التّأويل في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكذّب به قومك وهو الحقّ} يقول: كذّبت قريشٌ بالقرآن، وهو الحقّ. وأمّا الوكيل: فالحفيظ. {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ} فكان نبأ القرآن استقرّ يوم بدرٍ بما كان يعدهم من العذاب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ} لكلّ نبأٍ حقيقةٌ، إمّا في الدّنيا، وإمّا في الآخرة. {وسوف تعلمون}: ما كان في الدّنيا فسوف ترونه، وما كان في الآخرة فسوف يبدو لكم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ} يقول: حقيقةٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون} يقول: فعلٌ وحقيقةٌ، ما كان منه في الدّنيا، وما كان منه في الآخرة.
وكان الحسن يتأوّل في ذلك أنّه الفتنة الّتي كانت بين أصحاب رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جعفر بن حيّان، عن الحسن، أنّه قرأ: {لكلّ نبإٍ مستقرٌّ}، قال: حبست عقوبتها حتّى إذا عمل ذنبها أرسلت عقوبتها). [جامع البيان: 9/ 310-312]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({لكلّ نبإٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون (67)}
قوله: {لكلّ نبأٍ مستقرٌّ}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {لكلّ نبأٍ مستقرٌّ}، يقول: حقيقةٌ. وروي عن مجاهدٍ مثل ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، ثنا أبو الأشهب قال:
سمعت الحسن قرأ: لكلّ نبأٍ مستقرٌّ، قال: حبست عقوبتها، حتّى إذا عمل ذنبها أرسلت عقوبتها.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: لكلّ نبأٍ مستقرٌّ، فكان نبأ القرآن استقرّ يومئذ بد بما كان يعدهم من العذاب.
قوله: {وسوف تعلمون}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: لكلّ نبأٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون، ما كان في الدّنيا فسوف ترونه وما كان في الآخرة فسوق يبدو لكم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1313-1314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا {لكل نبإ مستقر} فكان نبأ القرآن استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب.
- وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله: {قل لست عليكم بوكيل}
قال: نسخ هذه الآية آية السيف {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [الزخرف: 41].
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {لكل نبإ مستقر} يقول: حقيقة.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قرأ: {لكل نبإ مستقر} قال: حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها.
- وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون} يقول: فعل وحقيقة ما كان منه في الدنيا وما كان في الآخرة.
- وأخرج، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون} قال: لكل نبأ حقيقة أما في الدنيا فسوف ترونه وأما في الآخرة فسوف يبدو لكم). [الدر المنثور: 6/ 85-86]


رد مع اقتباس