عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بيّن فضله يوم القيامة في حكمه وعدله فقال:{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون (160)}
وهذه الآية الكريمة مفصّلةٌ لما أجمل في الآية الأخرى، وهي قوله: {من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها} [النّمل: 89]، وقد وردت الأحاديث مطابقةً لهذه الآية، كما قال الإمام أحمد بن حنبلٍ، رحمه اللّه: حدّثنا عفّان، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا الجعد أبو عثمان، عن أبي رجاءٍ العطاردي، عن ابن عباس، رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيما يروي عن ربّه، عزّ وجلّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «أن ربّكم [عزّ وجلّ] رحيمٌ، من همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا إلى سبعمائةٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ. ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له واحدةً، أو يمحوها اللّه، عزّ وجلّ، ولا يهلك على اللّه إلّا هالكٌ».
ورواه البخاريّ، ومسلمٌ، والنّسائيّ، من حديث الجعد بن أبي عثمان، به.
وقال [الإمام] أحمد أيضًا: حدّثنا معاوية، حدّثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يقول اللّه، عزّ وجلّ: من عمل حسنةً فله عشر أمثالها وأزيد. ومن عمل سيّئةً فجزاؤها مثلها أو أغفر. ومن عمل قراب الأرض خطيئةً ثمّ لقيني لا يشرك بي شيئًا جعلت له مثلها مغفرةً. ومن اقترب إليّ شبرًا اقتربت إليه ذراعًا، ومن اقترب إليّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
ورواه مسلمٌ عن أبي كريبٍ، عن أبي معاوية، به. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن الأعمش، به. ورواه ابن ماجه، عن عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، عن وكيعٍ، به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا شيبان، حدّثنا حمّاد، حدّثنا ثابتٍ، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا. ومن هم بسيّئةٍ فلم يعملها لم يكتب عليه شيءٌ، فإنّ عملها كتبت عليه سيّئةً واحدةً».
واعلم أنّ تارك السّيّئة الّذي لا يعملها على ثلاثة أقسامٍ: تارةً يتركها للّه [عزّ وجلّ] فهذا تكتب له حسنةٌ على كفّه عنها للّه تعالى، وهذا عملٌ ونيّة؛ ولهذا جاء أنّه يكتب له حسنة، كما جاء في بعض ألفاظ الصّحيح: "فإنّما تركها من جرّائي" أي: من أجلي. وتارةً يتركها نسيانًا وذهولا عنها، فهذا لا له ولا عليه؛ لأنّه لم ينو خيرًا ولا فعل شرًّا. وتارةً يتركها عجزًا وكسلًا بعد السّعي في أسبابها والتّلبّس بما يقرّب منها، فهذا يتنزّل منزلة فاعلها، كما جاء في الحديث، في الصّحيحين: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار». قالوا: يا رسول اللّه، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه».
قال الإمام أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا مجاهد بن موسى، حدّثنا عليٌّ -وحدّثنا الحسن بن الصّبّاح وأبو خيثمة -قالا حدّثنا إسحاق بن سليمان، كلاهما عن موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله ابن أنسٍ، عن جدّه أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من همّ بحسنةٍ كتب اللّه له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا. ومن همّ بسيّئةٍ لم تكتب عليه حتّى يعملها، فإن عملها كتبت عليه سيّئةً، فإن تركها كتبت له حسنةً. يقول اللّه تعالى: إنّما تركها من مخافتي».
هذا لفظ حديث مجاهدٍ -يعني ابن موسى.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديّ، حدّثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن الرّكين بن الرّبيع، عن أبيه، عن عمّه فلان بن عميلة، عن خريم بن فاتكٍ الأسديّ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «النّاس أربعةٌ، والأعمال ستّةٌ. فالنّاس موسّع له في الدّنيا والآخرة، وموسّعٌ له في الدّنيا مقتور عليه في الآخرة، ومقتورٌ عليه في الدّنيا موسّعٌ له في الآخرة، وشقيٌ في الدّنيا والآخرة. والأعمال موجبتان، ومثلٌ بمثلٍ، وعشرة أضعافٍ، وسبعمائة ضعفٍ؛ فالموجبتان من مات مسلمًا مؤمنًا لا يشرك باللّه شيئًا وجبت له الجنّة، ومن مات كافرًا وجبت له النّار. ومن همّ بحسنةٍ فلم يعملها، فعلم اللّه أنّه قد أشعرها قلبه وحرص عليها، كتبت له حسنةً. ومن همّ بسيّئةٍ لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت واحدةً ولم تضاعف عليه. ومن عمل حسنةً كانت عليه بعشرة أمثالها. ومن أنفق نفقةً في سبيل اللّه، عزّ وجلّ، كانت له بسبعمائة ضعفٍ».
ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ، من حديث الرّكين بن الرّبيع، عن أبيه، عن بشير بن عميلة، عن خريم بن فاتكٍ، به ببعضه. واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا حبيبٌ المعلّم، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجلٌ حضرها بلغوٍ فهو حظّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ، فهو رجلٌ دعا اللّه، فإن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجلٌ حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ ولم يتخطّ رقبة مسلمٍ ولم يؤذ أحدًا، فهي كفّارةٌ له إلى الجمعة الّتي تليها وزيادة ثلاثة أيّامٍ؛ وذلك لأنّ اللّه يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}».
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا هاشم بن مرثد، حدّثنا محمّد بن إسماعيل، حدّثني أبي، حدّثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الجمعة كفّارةٌ لما بينها وبين الجمعة الّتي تليها وزيادة ثلاثة أيّامٍ؛ وذلك لأنّ اللّه تعالى قال: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}».
وعن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من صام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ فقد صام الدّهر كلّه».
رواه الإمام أحمد -وهذا لفظه -والنّسائيّ، وابن ماجه، والتّرمذيّ وزاد: "فأنزل اللّه تصديق ذلك في كتابه: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} اليوم بعشرة أيّامٍ"، ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ.
وقال ابن مسعودٍ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} من جاء ب"لا إله إلّا اللّه"، {ومن جاء بالسّيّئة} يقول: بالشّرك.
وهكذا ورد عن جماعةٍ من السّلف.
وقد ورد فيه حديثٌ مرفوعٌ -اللّه أعلم بصحّته، لكنّي لم أره من وجهٍ يثبت -والأحاديث والآثار في هذا كثيرةٌ جدًّا، وفيما ذكر كفايةٌ، إن شاء اللّه، وبه الثّقة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 378-380]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (161) قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين (163)}
يقول [اللّه] تعالى آمرًا نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم سيّد المرسلين أن يخبر بما أنعم اللّه به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم، الّذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف: {دينًا قيمًا} أي: قائمًا ثابتًا، {ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} كقوله: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130]، وقوله: {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ ملّة أبيكم إبراهيم} [الحجّ: 78]، وقوله: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ. وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين. ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النّحل: 120 _ 123].
وليس يلزم من كونه [عليه السّلام] أمر باتّباع ملّة إبراهيم الحنيفيّة أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها؛ لأنّه، عليه السّلام قام بها قيامًا عظيمًا، وأكملت له إكمالًا تامًّا لم يسبقه أحدٌ إلى هذا الكمال؛ ولهذا كان خاتم الأنبياء، وسيّد ولد آدم على الإطلاق، وصاحب المقام المحمود الّذي يرهب إليه الخلق حتّى إبراهيم الخليل، عليه السّلام.
وقد قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حفص، حدّثنا أحمد بن عصام، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا شعبة، أنبأنا سلمة بن كهيل، سمعت ذرّ بن عبد اللّه الهمداني، يحدّث عن ابن أبزى، عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أصبح قال: «أصبحنا على ملّة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبيّنا محمّدٍ، وملّة [أبينا] إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ الأديان أحبّ إلى اللّه؟ قال: «الحنيفيّة السّمحة».
وقال [الإمام] أحمد أيضًا: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذقني على منكبه، لأنظر إلى زفن الحبشة، حتّى كنت الّتي مللت فانصرفت عنه.
قال عبد الرّحمن، عن أبيه قال: قال لي عروة: إنّ عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ: «لتعلم يهود أنّ في ديننا فسحةً، إنّي أرسلت بحنيفيّة سمحة».
أصل الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين، والزّيادة لها شواهد من طرقٍ عدّةٍ، وقد استقصيت طرقها في شرح البخاريّ، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 380-381]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين} يأمره تعالى أن يخبر المشركين الّذين يعبدون غير اللّه ويذبحون لغير اسمه، أنّه مخالفٌ لهم في ذلك، فإنّ صلاته للّه ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر} [الكوثر: 2] أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك، فإنّ المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره اللّه تعالى بمخالفتهم والانحراف عمّا هم فيه، والإقبال بالقصد والنّيّة والعزم على الإخلاص للّه تعالى.
قال مجاهدٌ في قوله: {إنّ صلاتي ونسكي} قال: النّسك: الذّبح في الحجّ والعمرة.
وقال الثّوريّ، عن السّدّي عن سعيد بن جبير: {ونسكي} قال: ذبحي. وكذا قال السّدّي والضّحّاك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عوف، حدّثنا أحمد بن خالدٍ الوهبي، حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن زيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن جابر بن عبد اللّه قال: ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في يوم عيدٍ بكبشين وقال حين ذبحهما: « وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، {إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين}»). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 381-382]

تفسير قوله تعالى: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنا أوّل المسلمين} قال قتادة: أي من هذه الأمّة.
وهو كما قال، فإنّ جميع الأنبياء قبله كلّهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وأصله عبادة اللّه وحده لا شريك له، كما قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقد أخبر تعالى عن نوحٍ أنّه قال لقومه: {فإن تولّيتم فما سألتكم من أجرٍ إن أجري إلا على اللّه وأمرت أن أكون من المسلمين} [يونس: 72]، وقال تعالى: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين. إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين. ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 130 -132]، وقال يوسف، عليه السّلام: {ربّ قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الأحاديث فاطر السّماوات والأرض أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصّالحين} [يوسف: 101]، وقال موسى: {يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكّلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على اللّه توكّلنا ربّنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظّالمين ونجّنا برحمتك من القوم الكافرين} [يونس: 84 -86]، وقال تعالى: {إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار [بما استحفظوا من كتاب اللّه ... الآية} [المائدة: 44]، وقال تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون} [المائدة: 111].
فأخبر [اللّه] تعالى أنّه بعث رسله بالإسلام، ولكنّهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصّة الّتي ينسخ بعضها بعضًا، إلى أن نسخت بشريعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي لا تنسخ أبد الآبدين، ولا تزال قائمةً منصورةً، وأعلامها مشهورةً إلى قيام السّاعة؛ ولهذا قال عليه [الصلاة والسلام] : «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحدٌ»؛ فإنّ أولاد العلّات هم الإخوة من أبٍ واحدٍ وأمّهاتٍ شتّى، فالدّين واحدٌ وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له، وإن تنوّعت الشّرائع الّتي هي بمنزلة الأمّهات، كما أنّ إخوة الأخياف عكس هذا، بنو الأمّ الواحدة من آباءٍ شتّى، والإخوة الأعيان الأشقّاء من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ، واللّه أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه الماجشون، حدّثنا عبد الله ابن الفضل الهاشميّ، عن الأعرج، عن عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا كبّر استفتح، ثمّ قال: « {وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 79]، {إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين} اللّهمّ أنت الملك، لا إله إلّا أنت، أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك».
ثمّ ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الرّكوع والسّجود والتّشهّد. وقد رواه مسلمٌ في صحيحه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 382-383]


رد مع اقتباس