عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 09:16 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّ الّذين كفروا} إنّ الّذين جحدوا الحقّ الّذي قد عرفوه من نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل ومنافقيهم، ومنافقي العرب وكفّارهم الّذين في قلوبهم زيغٌ، فهم يتّبعون من كتاب اللّه المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا} يعني بذلك أنّ أموالهم وأولادهم لن تنجيهم من عقوبة اللّه إن أحلّها بهم عاجلاً في الدّنيا على تكذيبهم بالحقّ بعد تبيّنهم، واتّباعهم المتشابه طلب اللّبس فتدفعها عنهم، ولا يغني ذلك عنهم منها شيئًا، {وأولئك هم وقود النّار} يعني بذلك حطبها). [جامع البيان: 5/234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار (10) كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب (11)
قوله تعالى: إنّ الّذين كفروا
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا هوذة، ثنا عوفٌ، عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ قال: سمعت كعبًا يقول: الّذين كفروا قال: هؤلاء أهل النّار.
قوله تعالى: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم مّن اللّه شيئا وأولئك هم وقود النار
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي مريم، أنبأ ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد، عن هند بنت الحارث، عن أمّ الفضل أمّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قالت: بينما نحن بمكّة، قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من اللّيل فنادى: اللّهمّ هل بلّغت، اللّهمّ هل بلّغت، ثلاثًا، فقام عمر بن الخطّاب فقال: نعم، ثمّ أصبح، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ليظهرنّ الإسلام حتّى يردّ الكفر إلى موطنه، وليخوضنّ البحار بالإسلام، وليأتينّ على النّاس زمانٌ يتعلّمون القرآن ويقرءونه ثمّ يقولون: قد قرأنا القرآن، وعلمنا فمن هذا الّذي هو خيرٌ منّا، فهل في أولئك من خيرٍ؟ قالوا:
يا رسول اللّه: فمن أولئك؟. قال أولئك منكم ، وأولئك هم وقود النّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/603-604]

تفسير قوله تعالى: (كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}
يعني بذلك جلّ ثناؤه أنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا عند حلول عقوبتنا بهم، كسنّة آل فرعون وعادتهم، والّذين من قبلهم من الأمم الّذين كذّبوا بآياتنا، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذّبوا بآياتنا، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا حين جاءهم بأسنا كالّذي عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربّهم من قبل آل فرعون من قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم لوطٍ وأمثالهم.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {كدأب آل فرعون} فقال بعضهم: معناه: كسنّتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {كدأب آل فرعون} يقول: كسنّتهم
وقال بعضهم: معناه: كعملهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، جميعًا، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {كدأب آل فرعون} قال: كعمل آل فرعون.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كعمل آل فرعون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {كدأب آل فرعون} قال:كاعمالهم كفعلهم كتكذيبهم حين كذّبوا الرّسل، وقرأ قول اللّه: {مثل دأب قوم نوحٍ} أن يصيبكم مثل الّذي أصابهم عليه من عذاب اللّه، قال: الدّأب: العمل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة يحيى بن واضحٍ، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن عكرمة، ومجاهدٍ، في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كفعل آل فرعون، كشأن آل فرعون.
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كصنع آل فرعون
وقال آخرون: معنى ذلك: كتكذيب آل فرعون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم} ذكر الّذين كفروا فقال تكذيبهم كمثل تكذيب الّذين من قبلهم في الجحود والتّكذيب وأصل الدّأب من دأبت في الأمر دأبًا: إذا أدمنت العمل والتّعب فيه. ثمّ إنّ العرب نقلت معناه إلى الشّأن والأمر والعادة كما قال امرؤ القيس بن حجرٍ:
وإنّ شفائي عبرةٌ مهراقةٌ = فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّل.
كدأبك من أمّ الحويرث قبلها...وجارتها أمّ الرّباب بمأسل
يعني بقوله كدأبك: كشأنك وأمرك وفعلك، يقال منه: هذا دأبي ودأبك أبدًا، يعني به فعلي وفعلك وأمري وأمرك، وشأني وشأنك، يقال منه: دأبت دؤوبًا ودأبًا، وحكي عن العرب سماعًا: دأبت دأبًا مثقّلةً محرّكة الهمزة، كما قيل: هذا شعرٌ ونهرٌ، فتحرّك ثانيه؛ لأنّه حرفٌ من الحروف السّتّة، فألحق الدّأب إذ كان ثانيه من الحروف السّتّة، كما قال الشّاعر:
له نعلٌ لا يطّبي الكلب ريحها = وإن وضعت بين المجالس شمّت
وأمّا قوله {واللّه شديد العقاب} فإنّه يعني به: واللّه شديدٌ عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجّة عليه). [جامع البيان: 5/234-237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كدأب آل فرعون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: كدأب آل فرعون قال: كصنيع آل فرعون.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي مالكٍ والضّحّاك ومجاهدٍ وعكرمة نحو ذلك وروي عن الرّبيع بن أنسٍ أنّه قال: كشبيه آل فرعون.
قوله تعالى: والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسياط، عن السّدّيّ كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا ذكر الّذين كفروا فقال بتكذيبهم كمثل الّذين من قبلهم في الجحود والتكذيب.
قوله تعالى: واللّه شديد العقاب
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبدة، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عليّ بن زيدٍ قال:
تلا مطرّفٌ هذه الآية شديد العقاب قال: لو يعلم النّاس قدر عقوبة اللّه، ونقمة اللّه وبأس اللّه، ونكال اللّه، لما رقأ لهم دمعٌ وما قرّت أعينهم بشيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/603-604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {كدأب آل فرعون} قال: كصنيع آل فرعون.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {كدأب آل فرعون} قال: كفعل
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد، مثله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {كدأب آل فرعون} يقول: كسنتهم). [الدر المنثور: 3/473-474]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {وبئس المهاد} قال: بئس ما مهدوه لأنفسهم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 72]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
اختلفت القرّاء في ذلك فقرأه بعضهم: {قل للّذين كفروا سغلبون وتحشرون} بالتّاء على وجه الخطاب للّذين كفروا بأنّهم سيغلبون واحتجّوا لاختيارهم قراءة ذلك بالتّاء بقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} قالوا: ففي ذلك دليلٌ على أنّ قوله: {ستغلبون} كذلك الخطّاب لهم وذلك هو قراءة عامّة قرّاء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيّين وقد يجوز لمن كانت نيّته في هذه الآية أنّ الموعودين بأن يغلبوا هم الّذين أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يقول ذلك لهم أن يقرأه بالياء والتّاء؛ لأنّ الخطاب الوحي حين نزل لغيرهم، فيكون نظير قول القائل في الكلام: قلت للقوم: إنّكم مغلوبون، وقلت لهم: إنّهم مغلوبون.
وقد ذكر أنّ في قراءة عبد اللّه: قل للّذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم وهي في قراءتنا: {إن ينتهوا يغفر لهم}
وقرأت ذلك جماعةٌ من قرّاء أهل الكوفة: (سيغلبون ويحشرون) على معنى: قل لليهود: سيغلب مشركو العرب ويحشرون إلى جهنّم، ومن قرأ ذلك كذلك على هذا التّأويل لم يجز في قراءته غير الياء.
والّذي نختار من القراءة في ذلك قراءة من قرأه بالتّاء، بمعنى: قل يا محمّد للّذين كفروا من يهود بني إسرائيل الّذين يتّبعون ما تشابه من آي الكتاب الّذي أنزلته إليك ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد.
وإنّما اخترنا قراءة ذلك كذلك على قراءته بالياء لدلالة قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} على أنّهم بقوله {ستغلبون} مخاطبون خطابهم بقوله: قد كان لكم، فكان إلحاق الخطّاب بمثله من الخطاب أولى من الخطاب بخلافه من الخبر عن غائبٍ،
وأخرى أنّ:أبا كريبٍ
- حدّثنا قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشًا يوم بدرٍ فقدم المدينة جمع يهود في سوق بني قينقاعٍ فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا، فقالوا: يا محمّد لا تغرّنّك نفسك أنّك قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تأت مثلنا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى قوله: {لأولي الأبصار}
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: لمّا أصاب اللّه قريشًا يوم بدرٍ، جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهود في سوق بني قينقاعٍ حين قدم المدينة، ثمّ ذكر نحو حديث أبي كريبٍ، عن يونس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان من أمر بني قينقاعٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جمعهم بسوق بني قينقاعٍ، ثمّ قال: يا معشر اليهود احذروا من اللّه مثل ما أنزل بقريشٍ من النّقمة، وأسلموا فإنّكم قد عرفتم أنّي نبيٌّ مرسلٌ تجدون ذلك في كتابكم، وعهد اللّه إليكم فقالوا: يا محمّد، إنّك ترى أنّا كقومك، لا يغرّنّك أنّك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصةً، إنّا واللّه لئن حاربناك لتعلمن أنّا نحن النّاس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى آل زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما نزلت هؤلاء الآيات إلاّ فيهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى: {لأولي الأبصار}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، في قوله: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} قال فنحاص اليهوديّ في يوم بدرٍ: لا يغرّنّ محمّدًا أن غلب قريشًا وقتلهم، إنّ قريشًا لا تحسن القتال، فنزلت هذه الآية: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
قال أبو جعفرٍ: فكلّ هذه الأخبار تنبئ عن أنّ المخاطبين بقوله: {ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} هم اليهود المقول لهم: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} الآية، وتدلّ على أنّ قراءة ذلك بالتّاء أولى من قراءته بالياء.
ومعنى قوله: {وتحشرون} وتجمعون فتجلبون إلى جهنّم.
وأمّا قوله: {وبئس المهاد} وبئس الفراش جهنّم الّتي تحشرون إليها،
- وكان مجاهدٌ يقول كالّذي:حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وبئس المهاد} قال: بئسما مهدوا لأنفسهم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله). [جامع البيان: 5/238-241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار (13)
قوله تعالى: قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن المقدام أبو الأشعث، ثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، ثنا سليم بن نفيعٍ القرشيّ، عن خلفٍ أبي الفضل القرشيّ عن كتاب عمر بن عبد العزيز قال: قول اللّه: قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد فأخبر بعذابهم بالقتل في الدّنيا وفي الآخرة بالنّار، وهم أحياءٌ بمكّة.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: فحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: لمّا أصاب اللّه قريشًا يوم بدرٍ، جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهود في سوق بني قينقاع، ثمّ قدم المدينة فقال: يا معشر يهودٍ أسلموا قبل أن يصيبكم اللّه بمثل ما أصاب به قريشًا. قالوا له:
يا محمّد لا يغرّنّك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أعمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تلق مثلنا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد إلى قوله: لعبرةً لأولي الأبصار.
قوله تعالى: وبئس المهاد
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: وبئس المهاد قال: وبئس ما مهدوا لأنفسهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/604-606]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وبئس المهاد قال بئس ما مهدوا لأنفسهم). [تفسير مجاهد: 122]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قريشاً يوم بدرٍ، وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاعٍ، فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً، قالوا: يا محمد، لا يغرّنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريشٍ كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنّك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس، وأنّك لم تلق مثلنا، فأنزل اللّه تعالى في ذلك: {قل للّذين كفروا ستغلبون إلى قوله: {فئةٌ تقاتل في سبيل الله} - ببدرٍ - {وأخرى كافرةٌ} [آل عمران: 12، 13]. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(أغماراً) الأغمار: جمع غمر بضم الغين، وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور). [جامع الأصول: 2/65-66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 12 - 13.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من بدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشا فقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا ولا يعرفون القتال إنك والله لوما قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله {قل للذين كفروا ستغلبون} إلى قوله {لأولي الأبصار}.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عاصم بن عمر عن قتادة، مثله.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: قال فنحاص اليهودي في يوم بدر: لا يغرن محمدا أن غلب قريشا وقتلهم إن قريشا لا تحسن القتال
فنزلت هذه الآية {قل للذين كفروا ستغلبون} ). [الدر المنثور: 3/474-476]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين قال يضعفون عليهم فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 1/116]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى قد كان لكم آية في فئتين التقتا قال ذلك يوم بدر التقى المسلمون والكفار). [تفسير عبد الرزاق: 1/117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد للّذين كفروا من اليهود الّذين بين ظهراني بلدك: قد كان لكم آيةٌ يعني علامةً ودلالةً على صدق ما أقول أنّكم ستغلبون وعبرةٌ.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قد كان لكم آيةٌ} عبرةٌ وتفكّرٌ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله إلاّ أنّه قال: ومتفكّرٌ
{في فئتين} يعني في فرقتين وحزبين والفئة الجماعة من النّاس التقتا للحربٍ، وإحدى الفئتين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن كان معه ممّن شهد وقعة بدرٍ، والأخرى مشركو قريشٍ، {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه}، جماعةٌ تقاتل في طاعة اللّه وعلى دينه، وهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، {وأخرى كافرةٌ} وهم مشركو قريشٍ.
- كما: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببدرٍ، {وأخرى كافرةٌ} فئة قريشٍ الكفّار
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، {وأخرى كافرةٌ} قريشٌ يوم بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} قال: في محمّدٍ وأصحابه ومشركي قريشٍ يوم بدرٍ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} قال: ذلك يوم بدرٍ التقى المسلمون والكفّار
ورفعت {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} وقد قيل قبل ذلك في فئتين، بمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه على الابتداء، كما قال الشّاعر:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ رمى فيها الزّمان فشلّت
وكما قال ابن مفرغٍ:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان.
فأمّا الّتي صحّت فأزد شنوءةٍ = وأمّا الّتي شلّت فأزد عمان
وكذلك تفعل العرب في كلّ مكرّرٍ على نظيرٍ له قد تقدّمه إذا كان مع المكرّر خبرٌ تردّه على إعراب الأوّل مرّةً وتستأنفه ثانيةً بالرّفع، وتنصبه في التّامّ من الفعل والنّاقص، وقد جرّ ذلك كلّه، فخفض على الرّدّ على أوّل الكلام، كأنّه يعني إذا خفض ذلك فكنت كذي رجلين كذي رجلٍ صحيحةٍ ورجلٍ سقيمةٍ. وكذلك الخفض في قوله: {فئةٌ}، جائزٌ على الرّدّ على قوله: {في فئتين التقتا}، في فئةٍ تقاتل في سبيل اللّه،
وهذا وإن كان جائزًا في العربيّة، فلا أستجيز القراءة به لإجماع الحجّة من القرّاء على خلافه، ولو كان قوله: {فئةٌ} جاء نصبًا كان جائزًا أيضًا على قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا} مختلفتين). [جامع البيان: 5/241-244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يرونهم مثليهم رأي العين}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء أهل المدينة: (ترونهم) بالتّاء، بمعنى: قد كان لكم أيّها اليهود آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه، والأخرى كافرةٌ، ترون المشركين مثلي المسلمين رأي العين، يريد بذلك عظتهم، يقول: إنّ لكم عبرةً أيّها اليهود فيما رأيتم من قلّة عدد المسلمين، وكثرة عدد المشركين، وظفر هؤلاء مع قلّة عددهم بهؤلاء مع كثرة عددهم،
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة والبصرة وبعض المكّيّين: {يرونهم مثليهم} بالياء، بمعنى، يرى المسلمون الّذين يقاتلون في سبيل اللّه الجماعة الكافرة مثلي المسلمين في القدر. فتأويل الآية على قراءتهم: قد كان لكم يا معشر اليهود عبرةٌ ومتفكّرٌ في فئتين التقتا، فئةٌ تقاتلٌ في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ، يرى هؤلاء المسلمون مع قلّة عددهم هؤلاء المشركين في كثرة عددهم
فإن قال قائلٌ: وما وجه تأويل قراءة من قرأ ذلك بالياء؟ وأيّ الفئتين رأت صاحبتها مثليها؟ الفئة المسلمة هي الّتي رأت المشركة مثليها أم المشركة هي الّتي رأت المسلمة كذلك أم غيرهما رأت إحداهما كذلك؟
قيل: اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: الفئة الّتي رأت الأخرى مثلي أنفسها الفئة المسلمة رأت عدد الفئة المشركة مثلي عدد الفئة المسلمة، قلّلها اللّه عزّ وجلّ في أعينها حتّى رأتها مثلي عدد أنفسها، ثمّ قلّلها في حالٍ أخرى، فرأتها مثل عدد أنفسها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى، قال، حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} قال: هذا يوم بدرٍ، قال عبد اللّه بن مسعودٍ: قد نظرنا إلى المشركين، فرأيناهم يضعّفون علينا، ثمّ نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحدًا، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم}، فمعنى الآية على هذا التّأويل: قد كان لكم يا معشر اليهود آيةٌ في فئتين التقتا: إحداهما مسلمةٌ، والأخرى كافرةٌ، كثيرٌ عدد الكافرة، قليلٌ عدد المسلمة ترى الفئة القليل عددها الكثير عددها أمثالا أنّما تكثرها من العدد بمثلٍ واحدٍ، فهم يرونهم مثليهم، فيكون أحد المثلين عند ذلك العدد الّذي هو مثل عدد الفئة الّتي رأتهم، والمثل الآخر الضّعف الزّائد على عددهم، فهذا أحد معنيي التّقليل الّذي أخبر اللّه عزّ وجلّ المؤمنين أنّه قلّلهم في أعينهم،
والمعنى الآخر منه: التّقليل الثّاني على ما قاله ابن مسعودٍ وهو أن أراهم عدد المشركين مثل عددهم لا يزيدون عليهم، فذلك التّقليل الثّاني الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً}
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: إنّ الّذين رأوا المشركين مثلي أنفسهم هم المسلمون غير أنّ المسلمين رأوهم على ما كانوا به من عددهم، لم يقلّلوا في أعينهم، ولكنّ اللّه أيّدهم بنصره، قالوا: ولذلك قال اللّه عزّ وجلّ لليهود: قد كان لكم فيهم عبرةٌ؛ يخوّفهم بذلك أن يحلّ بهم منهم مثل الّذي حلّ بأهل بدرٍ على أيديهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ} أنزلت في التّخفيف يوم بدرٍ، فإنّ المؤمنين كانوا يومئذٍ ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلاً، وكان المشركون مثليهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} وكان المشركون ستّةً وعشرين وستّمائةٍ، فأيّد اللّه المؤمنين، فكان هذا الّذي في التّخفيف على المؤمنين
وهذه الرّواية خلاف ما تظاهرت به الأخبار عن عدّة المشركين يوم بدرٍ، وذلك أنّ النّاس إنّما اختلفوا في عددهم على وجهين، فقال بعضهم: كان عددهم ألفًا، وقال بعضهم: ما بين التّسعمائة إلى الألف.
ذكر من قال: كان عددهم ألفًا:
- حدّثني هارون بن إسحاق الهمدانيّ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن عليٍّ، قال: سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين، منهم رجلٌ من قريشٍ، ومولًى لعقبة بن أبي معيطٍ؛ فأمّا القرشيّ فانفلت وأمّا مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول: كم القوم؟ فيقول: هم واللّه كثيرٌ شديدٌ بأسهم، فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضرّبوه حتّى انتهوا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: كم القوم؟ فقال: هم واللّه كثيرٌ شديدٌ بأسهم، فجهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يخبرهم كم هم، فأبى، ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأله: كم تنحرون من الجزر؟ قال: عشرةٌ كلّ يومٍ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القوم ألفٌ.
- حدّثني أبو سعيد بن يوشع البغداديّ، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: أسرنا رجلاً منهم يعني من المشركين يوم بدرٍ فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا.
ذكر من قال: كان عددهم ما بين التّسعمائة إلى الألف:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، قال: بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نفرًا من أصحابه إلى ماء بدرٍ يلتمسون الخبر له عليه، فأصابوا راويةً من قريشٍ فيها أسلم غلام بني الحجّاج، وعريضٌ أبو يسارٍ غلام بني العاص، فأتوا بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لهما: كم القوم؟ قالا: كثيرٌ قال: ما عدّتهم؟ قالا: لا ندري، قال: كم تنحرون كلّ يومٍ؟ قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القوم ما بين التّسعمائة إلى الألف.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} ذلكم يوم بدرٍ ألّف المشركون، أو قاربوا، وكان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ} إلى قوله: {رأي العين} قال: يضعّفون عليهم فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين يوم بدرٍ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} قال: كان ذلك يوم بدرٍ، وكان المشركون تسعمائةٍ وخمسين، وكان أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وبضعة عشر، والمشركون ما بين التّسعمائة إلى الألف
فكلّ هؤلاء الّذين ذكرنا مخالفون القول الّذي رويناه عن ابن عبّاسٍ في عدد المشركين يوم بدرٍ، فإذا كان ما قاله من حكيناه ممّن ذكر أنّ عددهم كان زائدًا على التّسعمائة، فالتّأويل الأوّل الّذي قلناه على الرّواية الّتي روينا عن ابن مسعودٍ أولى بتأويل الآية.
وقال آخرون: كان عدد المشركين زائدًا على التّسعمائة، فرأى المسلمون عددهم على غير ما كانوا به من العدد، وقالوا: أرى اللّه المسلمين عدد المشركين قليلاً آيةً للمسلمين، قالوا: وإنّما عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {يرونهم مثليهم} المخاطبين بقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} قالوا: وهم اليهود غير أنّه رجع من المخاطبة إلى الخبر عن الغائب، لأنّه أمرٌ من اللّه جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول ذلك لهم، فحسن أن يخاطب مرّةً ويخبر عنهم على وجه الخبر مرّةً أخرى، كما قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ}.
وقالوا: فإن قال لنا قائلٌ: فكيف قيل: {يرونهم مثليهم رأي العين} وقد علمتم أنّ المشركين كانوا يومئذٍ ثلاثة أمثال المسلمين؟ قلنا لهم: كما يقول القائل وعنده عبدٌ احتاج إلى مثله: فانت محتاجٌ إليه وإلى مثله، ثمّ يقول: أحتاج إلى مثليه، فيكون ذلك خبرًا عن حاجته إلى مثله وإلى مثلي ذلك المثل، وكما يقول الرّجل: معي ألفٌ وأحتاج إلى مثليه، فهو محتاجٌ إلى ثلاثةٍ؛ فلمّا نوى أن يكون الألف داخلاً في معنى المثل صار المثل أثنين والاثنان ثلاثةً، قال: ومثله في الكلام: أراكم مثلكم، كانه قال: إنّ لكم ضعفكم، وأراكم مثليكم، يعني أراكم ضعفيكم، قالوا: فهذا على معنى ثلاثة أمثالهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ اللّه أرى الفئة الكافرة عدد الفئة المسلمة مثلي عددهم
وهذا أيضًا خلاف ما دلّ عليه ظاهر التّنزيل؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قال في كتابه: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم} فأخبر أنّ كلا من الطّائفتين قلّل عددهم في مرأى الأخرى.
وقرأ آخرون ذلك: ترونهم بضمّ التّاء، بمعنى: يريكموهم اللّه مثليهم.
وأولى هذه القراءات بالصّواب قراءة من قرأ: {يرونهم} بالياء، بمعنى: وأخرى كافرةٌ يراهم المسلمون مثليهم، يعني مثلي عدد المسلمين لتقليل اللّه إيّاهم في أعينهم في حالٍ، فكان حزرهم إيّاهم كذلك، ثمّ قلّلهم في أعينهم عن التّقليل الأوّل، فحزروهم مثل عدد المسلمين، ثمّ تقليلاً ثالثًا، فحزروهم أقلّ من عدد المسلمين.
- كما: حدّثني ابن بزيغ البغداديّ، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدرٍ حتّى قلت لرجلٍ إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائةً، قال: فأسرنا رجلاً منهم، فقلنا كم كنتم؟ قال: ألفًا.
وقد روي عن قتادة أنّه كان يقول: لو كانت ترونهم، لكانت مثليكم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن ابن المعرّك، عن معمرٍ عن قتادة، بذلك.
ففي الخبرين اللّذين روينا عن عبد اللّه بن مسعودٍ، ما أبان عن اختلاف، حزر المسلمين يومئذٍ عدد المشركين في الأوقات المختلفة، فأخبر اللّه عزّ وجلّ - عمّا كان من اختلاف أحوال عددهم عند المسلمين - اليهود على ما كان به عندهم، مع علم اليهود بمبلغ عدد الفئتين؛ إعلامًا منه لهم أنّه مؤيّد المؤمنين بنصره، لئلاّ يغترّوا بعددهم وبأسهم، وليحذروا منه أن يحلّ بهم من العقوبة على أيدي المؤمنين مثل الّذي أحلّ بأهل الشّرك به من قريشٍ على أيديهم ببدرهم.
وأمّا قوله: {رأي العين} فإنّه مصدر رأيته يقال: رأيته رأيا ورؤيةً، ورأيت في المنام رؤيا حسنةً غير مجراةٍ، يقال: هو منّي رأي العين، ورأي العين بالنّصب والرّفع، يراد به حيث يقع عليه بصري، وهو من الرّائيّ مثله، والقوم رئاء إذا جلسوا حيث يرى بعضهم بعضًا
فمعنى ذلك: يرونهم حيث تلحقهم أبصارهم، وتراهم عيونهم مثليهم). [جامع البيان: 5/244-252]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {واللّه يؤيّد} يقوّي بنصره من يشاء، من قول القائل: قد أيّدت فلانًا بكذا: إذا قوّيته وأعنته، فأنا أؤيّده تأييدًا، وفعلت منه: إدته فأنا أئيده أيدًا؛ ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد}، يعني ذا القوّة.
وتأويل الكلام: قد كان لكم آيةٌ يا معشر اليهود في فئتين التقتا: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه، وأخرى كافرةٌ، يراهم المسلمون مثليهم رأي أعينهم، فأيّدنا المسلمة وهم قليلٌ عددهم، على الكافرة وهم كثيرٌ عددهم حتّى ظفروا بهم معتبرٌ ومتفكّرٌ، واللّه يقوّي بنصره من يشاء،
وقال جلّ ثناؤه: إنّ في ذلك: يعني إنّ فيما فعلنا بهؤلاء الّذين وصفنا أمرهم من تأييدنا الفئة المسلمة مع قلّة عددهم، على الفئة الكافرة مع كثرة عددها {لعبرةً} يعني لمتفكّرًا ومتّعظًا لمن عقل وادّكر فأبصر الحقّ.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار} يقول: لقد كان لهم في هؤلاء عبرةٌ وتفكّرٌ، أيّدهم اللّه ونصرهم على عدوّهم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله). [جامع البيان: 5/252-253]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قد كان لكم آيةٌ
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قد كان لكم آيةٌ يقول: لقد كان لكم في هؤلاء عبرةٌ ومتفكّرٌ، أيّدهم اللّه ونصرهم على عدوّهم وذلك يوم بدر.
قوله تعالى: في فئتين التقتا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: وحدّثني محمّدٌ مولى آل زيد بن ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا أي أصحاب بدرٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا قال: كان ذلك يوم بدرٍ، كان المشركون تسعمائةٍ وخمسين رجلا. وكان أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
في قوله: قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا قال: ذلك يوم بدرٍ التقى المسلمون والكفّار.
قوله تعالى: فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه، قال: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه.
قوله تعالى: في سبيل اللّه
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: في سبيل اللّه يعني: في طاعة اللّه.
قوله تعالى: وأخرى كافرةٌ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ عن مجاهدٍ يعني قوله: وأخرى كافرةٌ قال: مشركي قريش يوم بدر.
قوله تعالى: يرونهم مثليهم رأي العين
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة:
يرونهم مثليهم رأي العين قال: يضعّفون عليهم، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين يوم بدرٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسياط، عن السّدّيّ: قوله:
يرونهم مثليهم رأي العين قال: هذا يوم بدرٍ
قال عبد اللّه بن مسعودٍ: وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعّفون علينا، ثمّ نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدًا وذلك قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم.
قوله تعالى: واللّه يؤيّد بنصره من يشاء
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: واللّه يؤيّد بنصره من يشاء فأيّد اللّه المؤمنين بنصره قال: كان هذا في التّخفيف على المؤمنين.
قوله تعالى: إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار يقول: لقد كان في هؤلاء عبرةٌ ومتفكّرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/604-606]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا
[تفسير مجاهد: 122]
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة في محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومشركي قريش يوم بدر). [تفسير مجاهد: 123]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة {قد كان لكم آية} عبرة وتفكر.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله}
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببدر {وأخرى كافرة} فئة قريش الكفار، واخرج عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة قال: في أهل بدر نزلت (و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) (الأنفال الآية 7) وفيهم نزلت (سيهزم الجمع) (القمر الآية 45) الآية، وفيهم نزلت (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) (المؤمنون الآية 64) وفيهم نزلت (ليقطع طرفا من الذين كفروا) (آل عمران الآية 127) وفيهم نزلت (ليس لك من الأمر شيء) (آل عمران الآية 128) وفيهم نزلت (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) (إبراهيم الآية 28) وفيهم نزلت (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء) (الأنعام الآية 47) وفيهم نزلت {قد كان لكم آية في فئتين التقتا}، واخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {قد كان لكم آية} يقول: قد كان لكم في هؤلاء عبرة ومتفكر، أيدهم الله ونصرهم على عدوهم وذلك يوم بدر كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {قد كان لكم آية في فئتين} الآية، قال: هذا يوم بدر فنظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا، وذلك قول الله (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) (الأنفال الآية 44).
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قد كان لكم آية في فئتين} الآية، قال: أنزلت في التخفيف يوم يدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وكان المشركون مثليهم ستة وعشرين وستمائة فأيد الله المؤمنين فكان هذا في التخفيف على المؤمنين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر المهاجرون منهم خمسة وسبعون وكانت هزيمة بدر لسبع عشرة من رمضان ليلة جمعة.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {يؤيد بنصره من يشاء} قال: يقوي بنصره من يشاء قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
برجال لستمو أمثالهم * أيدوا جبريل نصرا فنزل). [الدر المنثور: 3/474-476]


رد مع اقتباس