عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 19 ذو القعدة 1439هـ/31-07-2018م, 08:45 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "ذلك" يحتمل أن يكون في موضع رفع بتقدير: فرضكم ذلك، أو الواجب ذلك، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير: امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار، وأحسن الأشياء مضمرا أحسنها مظهرا، ونحو هذه الإشارة البليغة قول زهير:
هذا وليس كمن يعيا بخطته وسط الندي إذا ما ناطق نطقا
و "الحرمات" المقصودة هاهنا هي أفعال الحج المشار إليها في قوله سبحانه وتعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم}، ويدخل في ذلك تعظيم المواضع، قاله ابن زيد وغيره، ووعد على تعظيمها بعد ذلك تحريضا وتحريصا، ثم لفظ الآية -بعد ذلك- يتناول كل حرمة لله تعالى في جميع الشرع. وقوله تعالى: "فهو خير" ظاهره أنها ليست للتفضيل، وإنما هي عدة بخير، ويحتمل أن يجعل "خير" للتفضيل على تجوز في هذا الموضع.
وقوله تعالى: {وأحلت لكم الأنعام} إشارة إلى ما كانت العرب تفعله من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة، فأذهب الله تعالى جميع ذلك وأحل لهم جميع الأنعام إلا ما يتلى عليهم في كتاب الله تبارك وتعالى في غير موضع، ثم أمرهم باجتناب الرجس من الأوثان، والكلام يحتمل معنيين: أحدهما أن تكون "من" لبيان الجنس فيقع
[المحرر الوجيز: 6/243]
نهيه عن رجس الأوثان فقط، وتبقى سائر الأرجاس نهيها في غير هذا الموضع، والمعنى الثاني أن تكون "من" لابتداء الغاية، فكأنه نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم؛ إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان، فيكون هذا مما يتلى عليهم، ومن قال: إن "من" للتبعيض قلب معنى الآية وأفسده، والمروي عن ابن عباس، وابن جريج أن الآية نهي عن عبادة الأوثان.
و "الزور" عام في الكذب والكفر، وذلك أن كل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور، وقال ابن مسعود، وأيمن بن خريم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عدلت شهادة الزور بالشرك، وتلا هذه الآية، و"الزور" مشتق من الزور وهو الميل، ومنه في جانب فلان زور، ويظهر أن الإشارة في زور أقوالهم في تحريم وتحليل ما كانوا قد شرعوه في الأنعام). [المحرر الوجيز: 6/244]

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "حنفاء" معناه: مستقيمين أو مائلين إلى الحق بحسب أن لفظة "الحنف" من الأضداد، تقع على الاستقامة وتقع على الميل. و"حنفاء" نصب على الحال. وقال قوم: "حنفاء" معناه: حجاجا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا تخصيص لا حجة معه.
[المحرر الوجيز: 6/244]
و "غير مشركين" يجوز أن يكون حالا أخرى، ويجوز أن تكون صفة لقوله: "حنفاء".
ثم ضرب الله تعالى مثلا للمشرك بالله سبحانه وتعالى أظهره في غاية السقوط ويحتمل الهول والانبتات من النجاة، بخلاف ما ضرب للمؤمن في قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله}، ومثله قول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلئن أخر من السماء إلى الأرض أهون علي من أن أكذب عليه، الحديث.
وقرأ نافع وحده: "فتخطفه الطير" بفتح الخاء وشد الطاء على حذف تاء التفعل، وقرأ الباقون: "فتخطفه الطير" بسكون الخاء وتخفيف الطاء، وقرأ الحسن -فيما روي عنه-: "فتخطفه" بكسر التاء والخاء وفتح الطاء مشددة، وقرأ الحسن أيضا وأبو رجاء بفتح التاء وكسر الخاء، والطاء وشدها، وقرأ الأعمش: "من السماء تخطفه" بغير فاء وعلى نحو قراءة الجماعة. وعطف المستقبل على الماضي لأنه بتقدير: فهو نخطفه الطير. وقرأ أبو جعفر: "الرياح".
و "السحيق": البعيد، ومنه قولهم: أسحقه الله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: فأقول سحقا سحقا، ومنه "نخلة سحوق" للبعيدة في السماء). [المحرر الوجيز: 6/245]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}
التقدير في هذا الموضع: الأمر ذلك. و"الشعائر" جمع شعيرة، وهي كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم، قالت فرقة: قصد بالشعائر في هذه الآية الهدي والأنعام المشعرة، ومعنى "تعظيمها" التسمين والاهتبال بأمرها والمغالاة بها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وجماعة. وعود الضمير في "فإنها" على التعظمة والفعلة التي تضمنها الكلام، وقرئ "القلوب" بالرفع على أنها فاعلة بالمصدر الذي هو "تقوى"). [المحرر الوجيز: 6/246]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم اختلف المتأولون في قوله تعالى: {لكم فيها منافع} الآية، فقال مجاهد وقتادة: أراد أن للناس في أنعامهم منافع من الصوف واللبن وغير ذلك ما لم يبعثها ربها هديا، فإذا بعثها فهو "الأجل المسمى"، وقال عطاء بن أبي رباح: أراد: لكم في الهدي المبعوث منافع من الركوب والاحتلاب لمن اضطر، و"الأجل المسمى": نحرها، وتكون "ثم" لترتيب الجمل، لأن "المحل" قبل "الأجل"، ومعنى الكلام عند هاتين الفرقتين: ثم محلها إلى موضع النحر، فذكر البيت لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره، وقال ابن زيد، وابن عمر، والحسن: تلك الشعائر في هذه الآية مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك، وفي الآية التي تأتي أن البدن من الشعائر، و"المنافع": التجارة وطلب الرزق، ويحتمل أن يريد كسب الأجر والمغفرة، وبكل احتمال قالت فرقة، و"الأجل": الرجوع إلى مكة وطواف الإفاضة.
وقوله تعالى: "ثم محلها" مأخوذ من إحلال المحرم معناه، ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق، فالبيت -على هذا التأويل- مراد بنفسه، قاله مالك في (الموطأ) ). [المحرر الوجيز: 6/246]

رد مع اقتباس