عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:02 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن موسى البصريّ الحرشيّ، قال: حدّثنا زياد بن عبد الله البكّائيّ، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن عبد الله بن عبّاسٍ، قال: أتى أناسٌ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله، أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل اللّه؟ فأنزل اللّه: {فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين}، إلى قوله: {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون}.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن عبّاسٍ أيضًا ورواه بعضهم عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرسلاً). [سنن الترمذي: 5/ 113]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وعباده المؤمنين به وبآياته، فكلوا أيّها المؤمنون ممّا ذكّيتم من ذبائحكم وذبحتموه الذّبح الّذي بيّنت لكم أنّه تحلّ به الذّبيحة لكم، وذلك ما ذبحه المؤمنون بي من أهل دينكم دين الحقّ، أو ذبحه من دان بتوحيدي من أهل الكتاب، دون ما ذبحه أهل الأوثان ومن لا كتاب له من المجوس. {إن كنتم بآياته مؤمنين} يقول: إن كنتم بحجج اللّه الّتي أتتكم، وإعلامه بإحلال ما أحللت لكم، وتحريم ما حرّمت عليكم من المطاعم والمآكل مصدّقين، ودعوا عنكم زخرف ما توحيه الشّياطين بعضها إلى بعضٍ من زخرف القول لكم، وتلبيس دينكم عليكم غرورًا.
وكان عطاءٌ يقول في ذلك ما:
- حدّثنا به، محمّد بن بشّارٍ ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: قوله: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه} قال: يأمر بذكر اسمه على الشّراب والطّعام والذّبح، وكلّ شيءٍ يدلّ على ذكره يأمر به). [جامع البيان: 9/ 511]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين (118)}
قوله: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيدٍ في قوله: فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه وكلوه فإنّه حلالٌ.
قوله: {إن كنتم بآياته}
- وبه عن ابن جبيرٍ: قوله: إن كنتم بآياته يعني القرآن.
قوله: {مؤمنين}
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: مؤمنين، قال: مصدّقين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1375]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د س) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: أتى ناسٌ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين. وما لكم ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطّررتم إليه وإنّ كثيراً ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين. وذروا ظاهر الإثم وباطنه إنّ الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون. ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}. هذه رواية الترمذي.
وفي رواية أبي داود قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله؟ فنزلت: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} إلى آخر الآية.
وفي أخرى له: في قوله: {وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} قال: يقولون: ما ذبح الله - يعنون الميتة - لم لا تأكلونه؟ فأنزل الله {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} ثم نزل: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}. وفي رواية أخرى قال: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه}، {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}. فنسخ، واستثني من ذلك، فقال: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم} [المائدة: 5].
وفي رواية النسائي: في قوله: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه} قال: خاصمهم المشركون، فقالوا: ما ذبح الله لا تأكلونه وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟). [جامع الأصول: 2/ 135-136]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: جاءت اليهود إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنأكل مما قتلنا ولا نأكل مما يقتل الله فأنزل الله: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين} إلى قوله: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه}، فإنه حلال {إن كنتم بآياته مؤمنين} يعني بالقرآن مصدقين {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} يعني الذبائح، {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} يعني ما حرم عليكم من الميتة {وإن كثيرا} من مشركي العرب {ليضلون بأهوائهم بغير علم} يعني في أمر الذبائح وغيره {إن ربك هو أعلم بالمعتدين}). [الدر المنثور: 6/ 182-183]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وما لكم ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه... } إلى قوله تعالى: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه وإنّه لفسقٌ}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إبراهيم بن سليمان، قال: سمعت عطيّة العوفي يقرأ: (وقد فَصَلَ لكم ما حَرَّم عليكم) ). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 77-78] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما لكم ألاّ تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه وقد فصلّ لكم ما حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتم إليه وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين}.
اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله: {وما لكم ألاّ تأكلوا}، فقال بعض نحويّي البصريّين: معنى ذلك: وأيّ شيءٍ لكم في أن لا تأكلوا؟ قال: وذلك نظير قوله: {وما لنا ألاّ نقاتل}، يقول: أيّ شيءٍ لنا في ترك القتال؟ قال: ولو كانت لا زائدةً لا يقع الفعل، ولو كانت في معنى: وما لنا وكذا، لكانت: وما لنا وأن لا نقاتل.
وقال غيره: إنّما دخلت لا للمنع، لأنّ تأويل (ما لك)، و(ما منعك) واحدٌ، ما منعك لا تفعل ذلك، وما لك لا تفعل، واحدٌ، فلذلك دخلت (لا). قال: وهذا الموضع تكون فيه (لا) وتكون فيه (أن)، مثل قوله: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا}، و(أن لا تضلّوا): يمنعكم من الضّلال بالبيان.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب عندي قول من قال: معنى قوله: {وما لكم} في هذا الموضع: وأيّ شيءٍ يمنعكم أن تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره تقدّم إلى المؤمنين بتحليل ما ذكر اسم اللّه عليه وإباحة أكل ما ذبح بدينه أو دين من كان يدين ببعض شرائع كتبه المعروفة، وتحريم ما أهلّ به لغيره من الحيوان، وزجرهم عن الإصغاء لما يوحي الشّياطين بعضهم إلى بعضٍ من زخرف القول في الميتة، والمنخنقة، والمتردّية، وسائر ما حرّم اللّه من المطاعم. ثمّ قال: وما يمنعكم من أكل ما ذبح بديني الّذي ارتضيته، وقد فصّلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون، وبيّنته لكم بقوله: {حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به} إلى قوله: {فمن اضطرّ في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ} فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله، فتمتنعوا من أكل حلاله حذرًا من مواقعة حرامه.
فإذ كان ذلك معناه فلا وجه لقول متأوّلي ذلك: وأيّ شيءٍ لكم في أن لا تأكلوا، لأنّ ذلك إنّما يقال كذلك لمن كان كفّ عن أكله رجاء ثوابٍ بالكفّ عن أكله، وذلك يكون ممّن آمن بالكفّ فكفّ اتّباعًا لأمر اللّه وتسليمًا لحكمه، ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمّة كفّ عن أكل ما أحلّ اللّه من الذّبائح رجاء ثواب اللّه على تركه ذلك، واعتقادًا منه أنّ اللّه حرّمه عليه. فبيّنٌ بذلك إذ كان الأمر كما وصفنا أنّ أولى التّأويلين في ذلك بالصّواب ما قلنا.
وقد بيّنّا فيما مضى قبل أنّ معنى قوله: (فصّل)، و(فصّلنا) و(فصّل): بيّن، أو بيّن، بما يغني عن إعادته في هذا الموضع.
- كما حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم} يقول: قد بيّن لكم ما حرّم عليكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، مثله.
واختلفت القرّاء في قول اللّه جلّ ثناؤه: {وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم}، فقرأه بعضهم بفتح أوّل الحرفين من (فصّل) و(حرّم): أي فصّل ما حرّمه من مطاعمكم، فبيّنه لكم.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: وقد فصلّ بفتح فاء فصّل وتشديد صاده، (ما حرّم) بضمّ حائه وتشديد رائه، بمعنى: وقد فصّل اللّه لكم المحرّم عليكم من مطاعمكم. وقرأ ذلك بعض المكّيّين وبعض البصريّين: (وقد فصّل لكم) بضمّ فائه وتشديد صاده، (ما حرّم عليكم) بضمّ حائه وتشديد رائه، على وجه ما لم يسمّ فاعله في الحرفين كليهما.
وروي عن عطيّة العوفيّ أنّه كان يقرأ ذلك: (وقد فصل) بتخفيف الصّاد وفتح الفاء، بمعنى: وقد أتاكم حكم اللّه فيما حرّم عليكم.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ كلّ هذه القراءات الثّلاث الّتي ذكرناها، سوى القراءة الّتي ذكرنا عن عطيّة، قراءاتٌ معروفةٌ مستفيضةٌ القراءة بها في قرّاء الأمصار، وهنّ متّفقات المعاني غير مختلفاتٍ، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ فيه الصّواب.
وأمّا قوله: {إلاّ ما اضطررتم إليه} فإنّه يعني تعالى ذكره: أنّ ما اضطررنا إليه من المطاعم المحرّمة الّتي بيّن تحريمها لنا في غير حال الضّرورة لنا حلالٌ ما كنّا إليه مضطرّين، حتّى تزول الضّرورة.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إلاّ ما اضطررتم إليه} من الميتة). [جامع البيان: 9/ 512-515]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين}.
يقول تعالى ذكره: {وإنّ كثيرًا} من النّاس الّذين يجادلونكم في أكل ما حرّم اللّه عليكم أيّها المؤمنون باللّه من الميتة {ليضلّون} أتباعهم {بأهوائهم بغير علمٍ} منهم بصحّة ما يقولون، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون، إلاّ ركوبًا منهم لأهوائهم، واتّباعًا منهم لدواعي نفوسهم، اعتداءً وخلافًا لأمر اللّه ونهيه، وطاعةً للشّياطين. {إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين} يقول: إنّ ربّك يا محمّد الّذي أحلّ لك ما أحلّ وحرّم عليك ما حرّم، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها، وهو لهم بالمرصاد.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ليضلّون}، فقرأته عامّة أهل الكوفة: ليضلّون بمعنى: أنّهم يضلّون غيرهم.
وقرأ ذلك بعض البصريّين والحجازيّين: (ليضلّون) بمعنى: أنّهم هم الّذين يضلّون عن الحقّ فيجورون عنه.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك، قراءة من قرأ: {وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم} بمعنى: أنّهم يضلّون غيرهم، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن إضلالهم من تبعهم، ونهاه عن طاعتهم واتّباعهم إلى ما يدعونه إليه، فقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه}، ثمّ أخبر أصحابه عنهم بمثل الّذي أخبره عنهم، ونهاهم من قبول قولهم عن مثل الّذي نهاه عنه، فقال لهم: {وإنّ كثيرًا} منهم {ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ}، نظير الّذي قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه}). [جامع البيان: 9/ 515-516]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما لكم ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين (119)}
قوله: {وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه}
- وبه عن سعيدٍ في قول اللّه: وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه يعني: الذبائح.
قوله: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة، قوله: وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم، يقول: بيّن لكم.
قوله: {إلا ما اضطررتم إليه}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيدٍ قوله: إلا ما اضطررتم إليه يعني: ما حرّم عليكم من الميتة، فهو الاضطرار كلّه.
قوله: {وإنّ كثيرًا}
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: وإنّ كثيرًا، يعني من مشركي العرب.
قوله: {ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ}
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ يعني في أمر الذّبائح وغيره. إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1375-1376]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} فإنه حلال {إن كنتم بآياته مؤمنين} يعني بالقرآن مصدقين {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} يعني الذبائح {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} يعني ما حرم عليكم من الميتة {وإن كثيرا} من مشركي العرب {ليضلون بأهوائهم بغير علم} يعني في أمر الذبائح وغيره {إن ربك هو أعلم بالمعتدين}.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وقد فصل لكم} يقول: بين لكم {ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} أي من الميتة والدم ولحم الخنزير.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (وقد فصل لكم) مثقلة بنصب الفاء (ما حرم عليكم) برفع الحاء وكسر الراء (وإن كثيرا ليضلون) برفع الياء). [الدر المنثور: 6/ 183-184]

تفسير قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة في قوله تعالى: {وذروا ظهر الإثم وباطنه}، قال سره وعلانيته). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 217]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}.
يقول تعالى ذكره: ودعوا أيّها النّاس علانية الإثم، وذلك ظاهره، وسرّه، وذلك باطنه.
- كذلك حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}: أي قليله وكثيره وسرّه وعلانيته.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: سرّه وعلانيته.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} يقول: سرّه وعلانيته، وقوله: {ما ظهر منها وما بطن}، قال: سرّه وعلانيته.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: نهى اللّه عن ظاهر الإثم وباطنه أن يعمل به سرًّا، أو علانيةً، وذلك ظاهره وباطنه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}: معصية اللّه في السّرّ والعلانية.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: هو ما ينوي ممّا هو عاملٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بالظّاهر من الإثم والباطن منه في هذا الموضع، فقال بعضهم: الظّاهر منه: ما حرّم جلّ ثناؤه بقوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء}، قوله: {حرّمت عليكم أمّهاتكم} الآية، والباطن منه الزّنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: الظّاهر منه: {لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء إلاّ ما قد سلف}، والأمّهات، والبنات، والأخوات. والباطن: الزّنا.
وقال آخرون: الظّاهر: أولات الرّايات من الزّواني، والباطن: ذوات الأخدان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}، أما ظاهره: فالزّواني في الحوانيت. وأمّا باطنه: فالصّديقة يتّخذها الرّجل فيأتيها سرًّا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثني عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، كان أهل الجاهليّة يستسرّون بالزّنا، ويرون ذلك حلالاً ما كان سرًّا، فحرّم اللّه السّرّ منه والعلانية. ما ظهر منها: يعني العلانية، وما بطن: يعني السّرّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي مكينٍ، وأبيه، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} قال: ما ظهر منها: الجمع بين الأختين، وتزويج الرّجل امرأة أبيه من بعده. وما بطن: الزّنا.
وقال آخرون: الظّاهر: التّعرّي والتّجرّد من الثّياب وما يستر العورة في الطّواف، والباطن: الزّنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ظاهره العرية الّتي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت، وباطنه: الزّنا.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره تقدّم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه وذلك سرّه وعلانيته، والإثم: كلّ ما عصي اللّه به من محارمه، وقد يدخل في ذلك سرّ الزّنا وعلانيته، ومعاهرة أهل الرّايات وأولات الأخدان منهنّ، ونكاح حلائل الآباء والأمّهات والبنات، والطّواف بالبيت عريانًا، وكلّ معصيةٍ للّه ظهرت أو بطنت. وإذ كان ذلك كذلك، وكان جميع ذلك إثمًا، وكان اللّه عمّ بقوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن، لم يكن لأحدٍ أن يخصّ من ذلك شيئًا دون شيءٍ إلاّ بحجّةٍ للعذر قاطعةً.
غير أنّه لو جاز أن يوجّه ذلك إلى الخصوص بغير برهانٍ، كان توجيهه إلى أنّه عني بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع: ما حرّم اللّه من المطاعم والمآكل من الميتة والدّم، وما بيّن اللّه تحريمه في قوله: {حرّمت عليكم الميتة} إلى آخر الآية، أولى، إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى وهذه في سياقها، ولكنّه غير مستنكرٍ أن يكون عنى بها ذلك، وأدخل فيها الأمر باجتناب كلّ ما جانسه من معاصي اللّه، فخرج الأمر عامًّا بالنّهي عن كلّ ما ظهر أو بطن من الإثم). [جامع البيان: 9/ 516-519]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين يعملون بما نهاهم اللّه عنه، ويركبون معاصي اللّه، ويأتون ما حرّم اللّه، {سيجزون} يقول: سيثيبهم اللّه يوم القيامة بما كانوا في الدّنيا يعملون من معاصيه). [جامع البيان: 9/ 519]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وذروا ظاهر الإثم وباطنه إنّ الّذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون (120)}
قوله: {وذروا ظاهر الإثم}
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع في قوله: وذروا ظاهر الإثم وباطنه قال: نهى اللّه عن ظاهر الإثم وباطنه أن يعمل به.
قوله: {ظاهر الإثم}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن عن إبراهيم بن طهمان عن عطاءٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وذروا ظاهر الإثم}، قال: ظاهر الإثم نكاح الأمّهات والبنات.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ ثنا سهل بن بكّارٍ ثنا حمّاد بن سلمة عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ: {وذروا ظاهر الإثم}. قال: الظّاهر: حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة في قوله:
{وذروا ظاهر الإثم} قال: علانيته. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ مثله.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: أمّا ظاهر الإثم فالزّواني اللاتي في الحوانيت.
قوله: {وباطنه}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن عن إبراهيم بن طهمان عن عطاءٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}، قال: باطنه الزّنا.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ ثنا سهل بن بكّارٍ ثنا حمّاد بن سلمة عن عطاء ابن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ:
{وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: الباطن الزّنا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق ، أنا معمرٌ عن قتادة في قوله:
{وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: باطنه سرّه. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ مثله.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: أمّا باطنه فالصّديقة يتّخذها الرّجل فيأتيها سرًّا.
قوله: {إنّ الّذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}
- وبه عن السدي: الإثم قال: الإثم المعصية.
- حدّثنا الحسن بن عرفة ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن معاوية بن صالحٍ عن عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ عن أبيه عن النّوّاس بن سمعان قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإثم، فقال: «الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس»). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1376-1378]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس: {وذروا ظاهر الإثم} قال: هو نكاح الأمهات والبنات {وباطنه} قال: هو الزنا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}، قال: الظاهر منه {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} و{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم} الآية والباطن الزنا.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: علانيته وسره.
- وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: ما يحدث به الإنسان نفسه مما هو عامله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} قال: نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه أن يعمل به). [الدر المنثور: 6/ 184-185]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجدلوكم}، قال جادلهم المشركون في الذبيحة فقالوا أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه وأما ما قتل الله فلا تأكلونه يعني الميتة فكانت هذه مجادلتهم إياه). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 217]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وما لكم ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه... } إلى قوله تعالى: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه وإنّه لفسقٌ}
...
- حدثنا سعيد، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، قال: أخبرني داود بن صالحٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه مرّ بالجزّارين فقال: «من يذبح لكم؟» فقالوا: هذا، فقال: «أنت تذبح لهؤلاء؟» فقال: نعم، فقال: «أخبرني عن صلاة كذا وكذا؟» فلم يدر، فضربه وأخرجه من السّوق وضرب الجزّارين، وقال: «يذبح لكم مثل هذا واللّه يقول: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه} ؟!
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن حماد، عن إبراهيم - في الرّجل يذبح فينسى أن يسمّي -، قال: كرهه ولم يقل إنّه حرامٌ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن منصورٍ، عن إبراهيم - في الرّجل يذبح فينسى أن يسمّي -، قال: يأكل.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابر بن زيدٍ، عن عينٍ، عن ابن عبّاسٍ - فيمن يذبح وينسى التّسمية -، قال: المسلم فيه اسم اللّه وإن لم يذكر التسمية.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن يزيد ابن أبي زيادٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: من ذبح فنسي أن يسمّي، فليذكر اسم اللّه عزّ وجلّ عليه وليأكل، ولا يدعه للشّيطان، إذا ذبح على الفطرة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن إسماعيل بن سميع، عن مالك بن عمير، أنّ والان مرّ على بغلةٍ له، قال: فانتهيت إلى الدّار، قال: وشاةٌ مذبوحةٌ، فقال لنسوةٍ حولها: من ذبحها؟ فقلن: ذبحها فلانٌ غلامك، فقال: واللّه ما يصلّي غلامي، فقلن: ولكن علّمناه فسمّى، فرجعت كما أنا، فأتيت ابن مسعودٍ فأنبأته بتعليم النّسوة إيّاه التّسمية، فقال: كل). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 77-85]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه}
- أخبرنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا يحيى، حدّثنا سفيان، حدّثني هارون بن أبي وكيعٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله عزّ وجلّ: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه} قال: " خاصمهم المشركون فقالوا: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 94]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}: لا تأكلوا أيّها المؤمنون ممّا مات فلم تذبحوه أنتم أو يذبحه موحّدٌ يدين للّه بشرائع شرعها له في كتابٍ منزّلٍ فإنّه حرامٌ عليكم، ولا ما أهلّ به لغير اللّه ممّا ذبحه المشركون لأوثانهم، فإنّ أكل ذلك فسقٌ، يعني: معصية كفرٍ.
فكنّى بقوله: (وإنّه) عن (الأكل)، وإنّما ذكر الفعل، كما قال: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا}، يراد به: فزاد قولهم ذلك إيمانًا، فكنّى عن القول، وإنّما جرى ذكره بفعلٍ.
{وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم}، اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم}، فقال بعضهم: عنى بذلك: شياطين فارس، ومن على دينهم من المجوس {إلى أوليائهم} من مردة مشركي قريشٍ، يوحون إليهم زخرف القول بجدال نبيّ اللّه وأصحابه في أكل الميتة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد الرّحمن بن بشر بن الحكم النّيسابوريّ، قال: حدّثنا موسى بن عبد العزيز القنباريّ، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: لمّا نزلت هذه الآية بتحريم الميتة قال: أوحت فارس إلى أوليائها من قريشٍ أن خاصموا محمّدًا وكانت أولياءهم في الجاهليّة وقولوا له: إنّ ما ذبحت فهو حلالٌ، وما ذبح اللّه قال ابن عبّاسٍ: بشمشارٍ من ذهبٍ فهو حرامٌ؟ فأنزل اللّه هذه الآية: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم} قال: الشّياطين: فارس، وأولياؤهم: قريشٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، أنّ مشركي قريشٍ كاتبوا فارس على الرّوم، وكاتبتهم فارس، وكتبت فارس إلى مشركي قريشٍ أنّ محمّدًا وأصحابه يزعمون أنّهم يتّبعون أمر اللّه، فما ذبح اللّه بسكّينٍ من ذهبٍ فلا يأكله محمّدٌ وأصحابه للميتة، وأمّا ما ذبحوا هم يأكلون. وكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، فوقع في أنفس ناسٍ من المسلمين من ذلك شيءٌ، فنزلت: {وإنّه لفسقٌ وإنّ الشّياطين ليوحون} الآية، ونزلت: {يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا}.
وقال آخرون: إنّما عني بالشّياطين الّذين يغرّون بني آدم أنّهم أوحوا إلى أوليائهم من قريشٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: كان ممّا أوحى الشّياطين إلى أوليائهم من الإنس: كيف تعبدون شيئًا لا تأكلون ممّا قتل، وتأكلون أنتم ما قتلتم؟ فروي الحديث حتّى بلغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم} قال: إبليس الّذي يوحي إلى مشركي قريشٍ.
قال ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ قال: شياطين الجنّ يوحون إلى شياطين الإنس، يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم قال ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ قال: سمعت أنّ الشّياطين يوحون إلى أهل الشّرك يأمرونهم أن يقولوا: ما الّذي يموت وما الّذي تذبحون إلاّ سواءٌ، يأمرونهم أن يخاصموا بذلك محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} قال: قول المشركين: أمّا ما ذبح اللّه للميتة فلا تأكلون، وأمّا ما ذبحتم بأيديكم فحلالٌ.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا سعيد بن سليمان، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ المشركين، قالوا للمسلمين: ما قتل ربّكم فلا تأكلون، وما قتلتم أنتم تأكلونه؟ فأوحى اللّه إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا حرّم اللّه الميتة أمر الشّيطان أولياءه فقال لهم: ما قتل اللّه لكم خيرٌ ممّا تذبحون أنتم بسكاكينكم، فقال اللّه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثنا يحيى بن داود الواسطيّ قال: حدّثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: جادل المشركون المسلمين فقالوا: ما بال ما قتل اللّه لا تأكلونه، وما قتلتم أنتم أكلتموه، وأنتم تتّبعون أمر اللّه؟ فأنزل اللّه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ} إلى آخر الآية.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا عبد اللّه، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم} يقولون: ما ذبح اللّه فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكلوه، فأنزل اللّه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد، عن عكرمة: أنّ ناسًا، من المشركين دخلوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: أخبرنا عن الشّاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال:« اللّه قتلها»، قالوا: فتزعم أنّ ما قتلت أنت وأصحابك حلالٌ، وما قتله اللّه حرامٌ؟ فأنزل اللّه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرميّ، أنّ ناسًا، من المشركين قالوا: أمّا ما قتل الصّقر والكلب فتأكلونه، وأمّا ما قتل اللّه فلا تأكلونه؟.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين} قال: قالوا: يا محمّد، أمّا ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه، وأمّا ما قتل ربّكم فتحرّمونه؟ فأنزل اللّه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون}، وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه، إنّكم إذن لمشركون.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: قال المشركون: ما قتلتم فتأكلونه، وما قتل ربّكم لا تأكلونه؟ فنزلت: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإنّ أطعتموهم إنّكم لمشركون} قول المشركين: أمّا ما ذبح اللّه للميتة فلا تأكلون منه، وأمّا ما ذبحتم بأيديكم فهو حلالٌ؟.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} قال: جادلهم المشركون في الذّبيحة فقالوا: أمّا ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه، وأمّا ما قتل اللّه فلا تأكلونه؟ يعنون: الميتة. فكانت هذه مجادلتهم إيّاهم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ} الآية، يعني: عدوّ اللّه إبليس أوحى إلى أوليائه من أهل الضّلالة فقال لهم: خاصموا أصحاب محمّدٍ في الميتة فقولوا: أمّا ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأمّا ما قتل اللّه فلا تأكلون، وأنتم تزعمون أنّكم تتّبعون أمر اللّه؟ فأنزل اللّه على نبيّه: {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون}، وإنّا واللّه ما نعلمه كان شركٌ قطّ إلاّ بإحدى ثلاثٍ: أن يدعو مع اللّه إلهًا آخر، أو يسجد لغير اللّه، أو يسمّي الذّبائح لغير اللّه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}: إنّ المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنّكم تتّبعون مرضاة اللّه، وما ذبح اللّه فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال اللّه: {وإن أطعتموهم} فأكلتم الميتة {إنّكم لمشركون}.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} قال: كانوا يقولون: ما ذكر اللّه عليه وما ذبحتم فكلوا، فنزلت: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} إلى قوله: {ليجادلوكم} قال: يقول: يوحي الشّياطين إلى أوليائهم: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ممّا قتل اللّه؟ فقال: إنّ الّذي قتلتم يذكر اسم اللّه عليه، وإنّ الّذي مات لم يذكر اسمٌ عليه.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، في قوله: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم}: هذا في شأن الذّبيحة، قال: قال المشركون للمسلمين: تزعمون أنّ اللّه حرّم عليكم الميتة، وأحلّ لكم ما تذبحون أنتم بأيديكم، وحرّم عليكم ما ذبح هو لكم، وكيف هذا وأنتم تعبدونه؟ فأنزل اللّه هذه الآية: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} إلى قوله: {لمشركون}.
وقال آخرون: كان الّذين جادلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك قومًا من اليهود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، وسفيان بن وكيعٍ، قالا: حدّثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال ابن عبد الأعلى: خاصمت اليهود النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال ابن وكيعٍ: جاءت اليهود إليّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: نأكل ما قتلنا، ولا نأكل ما قتل اللّه؟ فأنزل اللّه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ}.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب، أن يقال: إنّ اللّه أخبر أنّ الشّياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة بما ذكرنا من جدالهم إيّاهم. وجائزٌ أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم، وجائزٌ أن يكونوا شياطين الجنّ أوحوا إلى أوليائهم من الإنس، وجائزٌ أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك، كما أخبر اللّه عنهما في الآية الأخرى الّتي يقول فيها: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوًّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا}، بل ذلك الأغلب من تأويله عندي، لأنّ اللّه أخبر نبيّه أنّه جعل له أعداءً من شياطين الجنّ والإنس، كما جعل لأنبيائه من قبله يوحي بعضهم إلى بعضٍ المزيّن من الأقوال الباطلة، ثمّ أعلمه أنّ أولئك الشّياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرّم اللّه من الميتة عليهم.
واختلف أهل التّأويل في الّذي عنى اللّه جلّ ثناؤه بنهيه عن أكله ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه، فقال بعضهم: هو ذبائح كانت العرب تذبحها لآلهتها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: ما قوله: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه}؟ قال: يأمر بذكر اسمه على الشّراب والطّعام والذّبح. قلت لعطاءٍ: فما قوله: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} قال: ينهى عن ذبائح كانت في الجاهليّة على الأوثان، كانت تذبحها العرب وقريشٌ.
وقال آخرون: هي الميتة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} قال: الميتة.
وقال آخرون: بل عنى بذلك كلّ ذبيحةٍ لم يذكر اسم اللّه عليها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن حميد بن يزيد، قال: سئل الحسن، سأله رجلٌ قال له: أتيت بطيرٍ كذا، فمنه ما ذبح، فذكر اسم اللّه عليه، ومنه ما نسي أن يذكر اسم اللّه عليه، واختلط الطّير؟ فقال الحسن: كله كلّه، قال: وسألت محمّد بن سيرين، فقال: قال اللّه: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن أيّوب، وهشامٍ، عن محمّد بن سيرين، عن عبد اللّه بن يزيد الخطميّ، قال: كلوا من ذبائح أهل الكتاب والمسلمين، ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبد اللّه بن يزيد، قال: كنت أجلس إليه في حلقةٍ، فكان يجلس فيها ناسٌ من الأنصار هو رأسهم، فإذا جاء سائلٌ فإنّما يسأله ويسكتون. قال: فجاءه رجلٌ فسأله، فقال: رجلٌ ذبح فنسي أن يسمّي؟ فتلا هذه الآية: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} حتّى فرغ منها.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه عنى بذلك: ما ذبح للأصنام والآلهة، وما مات أو ذبحه من لا تحلّ ذبيحته.
وأمّا من قال: عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم اللّه، فقولٌ بعيدٌ من الصّواب لشذوذه وخروجه عمّا عليه الحجّة مجمعةٌ من تحليله، وكفى بذلك شاهدًا على فساده. وقد بيّنّا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمّى (لطيف القول في أحكام شرائع الدّين)، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وأمّا قوله: {لفسقٌ} فإنّه يعني: وإنّ أكل ما لم يذكر اسم اللّه عليه من الميتة وما أهلّ به لغير اللّه لفسقٌ.
واختلف أهل التّأويل في معنى الفسق في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: المعصية. فتأويل الكلام على هذا: وإنّ أكل ما لم يذكر اسم اللّه عليه لمعصيةٌ للّه وإثمٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإنّه لفسقٌ} قال: الفسق: المعصية.
وقال آخرون: معنى ذلك: الكفر.
وأمّا قوله: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم}، فقد ذكرنا اختلاف المختلفين في المعنيّ بقوله: {وإنّ الشّياطين ليوحون}، والصّواب من القول فيه.
وأمّا إيحاؤهم إلى أوليائهم، فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه، إمّا بقولٍ، وإمّا برسالةٍ، وإمّا بكتابٍ.
وقد بيّنّا معنى الوحي فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- وقد حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا عكرمة، عن أبي زميلٍ، قال: كنت قاعدًا عند ابن عبّاسٍ، فجاءه رجلٌ من أصحابه، فقال: يا ابن عبّاسٍ، زعم أبو إسحاق أنّه أوحي إليه اللّيلة يعني المختار بن أبي عبيدٍ فقال ابن عبّاسٍ: صدق، فنفرت فقلت: يقول ابن عبّاسٍ: صدق؟ فقال ابن عبّاسٍ هما وحيان: وحي اللّه، ووحي الشّيطان، فوحي اللّه إلى محمّدٍ، ووحي الشّياطين إلى أوليائهم. ثمّ قال: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم}.
وأمّا الأولياء: فهم النّصراء والظّهراء في هذا الموضع.
ويعني بقوله: {ليجادلوكم} ليخاصموكم، بالمعنى الّذي قد ذكرت قبل.
وأمّا قوله: {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} فإنّه يعني: وإن أطعتموهم في أكل الميتة وما حرّم عليكم ربّكم.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن أطعتموهم} يقول: وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن أطعتموهم} فأكلتم الميتة.
وأمّا قوله: {إنّكم لمشركون} يعني: إنّكم إذًا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالاً، فإذا أنتم أكلتموها كذلك فقد صرتم مثلهم مشركين.
واختلف أهل العلم في هذه الآية: هل نسخ من حكمها شيءٌ أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيءٌ، وهي محكمةٌ فيما عنيت به، وعلى هذا قول عامّة أهل العلم.
وروي عن الحسن البصريّ وعكرمة ما:
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسين بن واقدٍ، عن يزيد، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: قال: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين}، {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ}، فنسخ واستثنى من ذلك فقال: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم}.
والصّواب من القول في ذلك عندنا، أنّ هذه الآية محكمةٌ فيما أنزلت لم ينسخ منها شيءٌ، وأنّ طعام أهل الكتاب حلالٌ، وذبائحهم ذكيّةٌ. وذلك ممّا حكم اللّه على المؤمنين أكله بقوله: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} بمعزلٍ، لأنّ اللّه إنّما حرّم علينا بهذه الآية الميتة وما أهلّ به للطّواغيت، وذبائح أهل الكتاب ذكيّةٌ سمّوا عليها أو لم يسمّوا، لأنّهم أهل توحيدٍ وأصحاب كتبٍ للّه يدينون بأحكامها، يذبحون الذّبائح بأديانهم كما ذبح المسلم بدينه، سمّى اللّه على ذبيحته أو لم يسمّه، إلاّ أن يكون ترك من ذكر تسمية اللّه على ذبيحته على الدّينونة بالتّعطيل، أو بعبادة شيءٍ سوى اللّه، فيحرم حينئذٍ أكل ذبيحته سمّى اللّه عليها أو لم يسمّ). [جامع البيان: 9/ 520-532]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون (121)}
قوله: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ قال: خاصمت اليهود النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: نأكل ممّا قتلنا، ولا نأكل ممّا قتل اللّه. فأنزل اللّه تعالى: ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ.
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة أنبأ جريرٌ عن عطاءٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه قال: هي الميتة.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ عن ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه يعني الميتة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن سلمة بن كهيلٍ عن أبي مالكٍ في الرّجل يذبح وينسى أن يسمّي، قال: لا بأس به. قلت: فأين قوله: ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه؟ قال: إنّما ذبحت بدينك.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيى هو ابن أبي زائدة- عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه قال: ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريشٌ على الأوثان وينهى عن ذبائح المجوس.
الوجه الثّاني:
- قرئ على العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ أنبأ محمّد بن شعيبٍ أخبرني النّعمان بن المنذر عن مكحولٍ قال أنزل اللّه تعالى في القرآن: ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه ثمّ نسخها الرّبّ عزّ وجلّ ورحم المسلمين فقال: اليوم أحلّ لكم الطّيّبات، وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم فنسخها بذلك وأحلّ طعام أهل الكتاب.
قوله تعالى: {وإنّه لفسقٌ}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ قوله:
{وإنّه لفسقٌ} قال: الفسق المعصية.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد ابن جبيرٍ: قوله:
{وإنّه لفسقٌ} يعني أكل الميتة لمعصيته.
قوله عزّ وجلّ: {وإنّ الشّياطين ليوحون}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ عن أبي إسحاق قال: قال رجلٌ لابن عمر: إنّ المختار يزعم أنّه يوحى إليه. قال: صدق فتلا هذه الآية: وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا عكرمة بن عمّارٍ عن أبي زميلٍ قال: كنت قاعدًا عند ابن عبّاسٍ، وحجّ المختار بن أبي عبيدٍ، فجاء رجلٌ فقال: يا ابن عبّاسٍ، زعم أبو إسحاق أنّه أوحي إليه اللّيلة، فقال ابن عبّاسٍ: صدق. فنفرت وقلت: يقول ابن عبّاسٍ: صدق!؟ فقال ابن عبّاسٍ: هما وحيان، وحي اللّه، ووحي الشّيطان، فوحي اللّه تعالى إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ووحي الشّيطان إلى أوليائهم، ثمّ قرأ: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم}.
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن بشر بن الحكم ثنا موسى بن عبد العزيز القنباريّ ثنا الحكم بن أبان، حدّثني عكرمة: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم} قال: الشّياطين: فارس أوحت إلى أوليائها.
قوله: {إلى أوليائهم}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جريرٌ عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} قال: يوحي الشّياطين إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم.
- وروي عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال: {ليوحون إلى أوليائهم} قال: من المشركين.
قوله: {ليجادلوكم}
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ ثنا وكيعٌ عن إسرائيل عن سماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} قال: كانوا يقولون: ما ذكر اسم اللّه عليه فلا تأكلوه، وما لم يذكر اسم اللّه عليه فكلوه. قال اللّه تعالى: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جريرٌ عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وإن الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم} قال: يوحي الشّياطين إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم، أن يقولوا: تأكلوا ممّا قتلتم ولا تأكلون ممّا قتل اللّه؟ فقال: إنّ الّذي قتلتم يذكر اسم اللّه عليه، وإنّ الّذي مات لم يذكر اسم اللّه عليه.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ: في قول اللّه: {ليجادلوكم} يعني في أمر الميتة.
قوله تعالى: {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: وإن أطعتموهم في كلّ ما نهيتكم عنه إنّكم لمشركون.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وإن أطعتموهم يعني استحلالا في أكل الميتة إنّكم لمشركون مثلهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا مالك بن إسماعيل ثنا عيسى بن عبد الرّحمن قال: سألت الشّعبيّ عن هذه الآية: وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون قال: قلت تزعم الخوارج أنّها في الأمراء. قال: كذبوا إنّما أنزلت هذه الآية في المشركين كانوا يخاصمون أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيقولون: أمّا ما قتل اللّه فلا تأكلون منه يعني الميتة، وأما ما قتلتم أنتم فتأكلون منه، فأنزل اللّه:
{ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ} إلى قوله: {إنّكم لمشركون} قال: لئن أكلتم الميتة وأطعتموهم إنّكم لمشركون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1378-1381]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم قال: قال المشركون اما ما ذبح الله لكم يعنون الميتة فلا تأكلون وأما ما ذبحتم أنتم فهو لكم حلال فقال الله عز وجل وإن أطعتموهم إنكم لمشركون). [تفسير مجاهد: 222]

قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د س) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: أتى ناسٌ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين. وما لكم ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطّررتم إليه وإنّ كثيراً ليضلّون بأهوائهم بغير علمٍ إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين. وذروا ظاهر الإثم وباطنه إنّ الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون. ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} . هذه رواية الترمذي.
وفي رواية أبي داود قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله؟ فنزلت: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} إلى آخر الآية.
وفي أخرى له: في قوله: {وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} قال: يقولون: ما ذبح الله - يعنون الميتة - لم لا تأكلونه؟ فأنزل الله {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} ثم نزل: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}. وفي رواية أخرى قال: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه}، {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه}. فنسخ، واستثني من ذلك، فقال: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم} [المائدة: 5].
وفي رواية النسائي: في قوله: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه} قال: خاصمهم المشركون، فقالوا: ما ذبح الله لا تأكلونه وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟). [جامع الأصول: 2/ 135-136] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ، وابن مردويه والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: قال المشركون، وفي لفظ قالت اليهود: لا تأكلون مما قتل الله وتأكلون مما قتلتم أنتم فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك قال: قال المشركون لأصحاب محمد: هذا الذي تذبحون أنتم تأكلونه فهذا الذي يموت من قتله قالوا: الله، قالوا: فما قتل الله تحرمونه وما قتلتم أنتم تحلونه فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الآية.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمدا، فقالوا له: ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال: وما ذبح الله بمسمار من ذهب - يعني الميتة - فهو حرام فنزلت هذه الآية {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} قال: الشياطين من فارس وأوليائهم قريش.
- وأخرج أبو داود في ناسخه عن عكرمة إن المشركين ليجادلوكم قال: الشياطين من فارس وأولياؤهم قريش.
- وأخرج أبو داود في ناسخه عن عكرمة إن المشركين دخلوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها قال: الله قتلها، قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتله الله حرام فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} يعني الميتة.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: يوحى الشياطين إلى أوليائهم من المشركين أن يقولوا تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فقال: إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قالوا: يا محمد أما ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه وأما ما قتل ربكم فتحرمونه فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم} في كل ما نهيتكم عنه إنكم إذا لمشركون.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال: عمد عدو الله إبليس إلى أوليائه من أهل الضلالة فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة فقولوا: أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون وأما ما قتل الله فلا تأكلون وأنتم زعمتم أنكم تتبعون أمر الله فأنزل الله: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وإنا والله ما نعلمه كان شركا قط إلا في إحدى ثلاث، أن يدعى مع الله إلها آخر أو يسجد لغير الله أو تسمى الذبائح لغير الله.
- وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم}، قال: إبليس أوحى إلى مشركي قريش.
- وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس قال: من ذبح فنسي أن يسمي فليذكر اسم الله عليه وليأكل ولا يدعه للشيطان إذا ذبح على الفطرة فإن اسم الله في قلب كل مسلم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك، في الرجل يذبح وينسى أن يسمي قال: لا بأس به، قيل: فأين قوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} قال: إنما ذبحت بدينك.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} قال: نهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش على الأوثان وينهى عن ذبائح المجوس.
- وأخرج عبد بن حميد عن راشد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبيحة المسلم حلال سمى أو لم يسم ما لم يتعمد والصيد كذلك.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عروة قال: كان قوم أسلموا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقدموا بلحم إلى المدينة يبيعونه فتحنثت أنفس أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم منه وقالوا: لعلهم لم يسموا، فسألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:« سموا أنتم وكلوا».
- وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: إذا ذبح المسلم ونسي أن يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله.
- وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت لرجل منا يذبح وينسى أن يسمي فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اسم الله على كل مسلم».
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن طاووس قال: مع المسلم ذكر الله فإن ذبح ونسي أن يسمي فليسم وليأكل فإن المجوسي لو سمى الله على ذبيحته لم تؤكل.
- وأخرج أبو داود والبيهقي في "سننه"، وابن مردويه عن ابن عباس: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} فنسخ واستثنى من ذلك فقال: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 5].
- وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه.
- وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين، في الرجل يذبح وينسى أن يسمي قال: لا يأكل.
- وأخرج النحاس عن الشعبي قال: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: يا رب كل خلقك بينت رزقه ففيم رزقي قال: فيما لم يذكر اسمي عليه.
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال: بلغني أن رجلا سأل ابن عمر عن ذبيحة اليهودي والنصراني فتلا عليه {أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب} [المائدة: 5] وتلا: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}، وتلا عليه: {وما أهل به لغير الله} [البقرة: 173] قال: فجعل الرجل يردد عليه فقال ابن عمر: لعن الله اليهود والنصارى وكفرة الأعراب فإن هذا وأصحابه يسألوني فإذا لم أوافقهم أنشأوا يخاصموني.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: أنزل الله في القرآن: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} ثم نسخها الرب عز وجل ورحم المسلمين {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 5] فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله وإن أطعمتموهم يعني في أكل الميتة استحلالا {إنكم لمشركون} مثلهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سئل عن قوله: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} فقيل تزعم الخوارج أنها في الأمراء قال: كذبوا إنما أنزلت هذه الآية في المشركين كانوا يخاصمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أما ما قتل الله فلا تأكلوا منه - يعني الميتة - وأما ما قتلتم أنتم فتأكلون منه، فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}، إلى قوله: {إنكم لمشركون} قال: لئن أكلتم الميتة وأطعتموهم إنكم لمشركون.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قيل له: إن المختار يزعم أنه يوحى إليه قال: صدق {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي زميل قال: كنت قاعدا عند ابن عباس وحج المختار بن أبي عبيد فجاء رجل فقال: يا أبا عباس زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة فقال ابن عباس: صدق، فنفرت وقلت: يقول ابن عباس صدق، فقال ابن عباس: هما وحيان وحي الله ووحي الشيطان فوحى الله إلى محمد ووحى الشيطان إلى أوليائه ثم قرأ: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم}). [الدر المنثور: 6/ 185-192]


رد مع اقتباس