عرض مشاركة واحدة
  #65  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

عناية العلماء بالتفسير البياني

قال عبد العزيز بن داخل المطيري:(عناية العلماء بالتفسير البياني
والتفسير البياني له صلة بالكشف عن المعاني المرادة، ورفع الإشكال، ويُستعمل في الترجيح بين الأقوال التفسيرية، واختيار بعضها على بعض، وله صلة وثيقة بعلم مقاصد القرآن.
غير أن كلام العلماء في هذا الباب منه ما هو ظاهر الدلالة بيّن الحجّة، ومنه ما يدقّ مأخذه ويلطف منزعه، ومنه ما هو محلّ نظر وتأمل لا يُجزم بثبوته ولا نفيه، ومنه ما هو خطأ بيّن لمخالفته لنصّ أو إجماع أو قيامه على خطأ ظاهر.
وكلام العلماء في هذا النوع كثير مستفيض، وممن عُني بالتفسير البياني من المفسرين: الزمخشريّ، والرازي، وأبو السعود، والآلوسي، وابن عاشور، غير أنه ينبغي أن يُحذر من بعض ما يُذكر في التفسير البياني مما يخالف صحيح الاعتقاد، كتأويل بعض الصفات، والأمور الغيبية، وما يكون لدى بعضهم من تكلّف وتمحّل في بعض المواضع.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم كلامٌ حسنٌ كثيرٌ في هذا النوع متفرّق في كتبهم.
ولشرف الدين الطيبي حاشية نفيسة على الكشاف للزمخشري عني فيها بالتفسير البياني.
ولجلال الدين السيوطي كتاب في التفسير البياني سماه "قطف الأزهار في كشف الأسرار" بلغ فيه إلى سورة التوبة ولم يتمّه.

وممن أفرد التصنيف في هذا النوع: ابن قتيبة، وابن المنادَى، والخطيب الإسكافي، وعبد القاهر الجرجاني، وابن أبي الإصبع المصري، ومحمد بن أبي بكر الرازي، وابن الزبير الغرناطي، وابن تيمية، وابن جماعة، وابن ريان، وزكريا الأنصاري، وغيرهم.
فلهؤلاء كتب في متشابه القرآن، ومشكل القرآن، وبديع القرآن، وكثيراً ما يعرضون في كتبهم لمثل هذا النوع من التفسير اللغوي.
وللعلماء المتقدّمين كلام مقتضب يندرج في هذا النوع، ثم توسّع العلماء فيه بعد تأسيس علم البلاغة والبيان، وإفراد التصنيف فيه، وتدريس أبوابه وقواعده وأمثلته، واشتهار مصطلحاته.
قال عبد القاهر الجرجاني: (قوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} أي لمن أعملَ قلبَه فيما خُلق القلب له من التدبر والتفكر والنظر فيما ينبغي أن ينظر فيه.
فهذا على أن يجعل الذي لا يعي ولا يسمع ولا ينظر ولا يتفكر كأنه قد عُدِم القلب من حيث عدم الانتفاع به، وفاته الذي هو فائدة القلب والمطلوب منه كما يجعل الذي لا ينتفع ببصره وسمعه ولا يفكر فيما يؤديان إليه، ولا يحصل من رؤية ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة بمنزلة من لا سمع له ولا بصر)ا.هـ.

وحجة ما ذهب إليه ظاهرة من أن العرب تُسمّي من لا ينتفع بالآلة باسم فاقدها؛ فيقال لمن لا يبصر الحق مع وضوحه: أعمى، ومن لا يسمعه: أصمّ، وقد قال الله تعالى في الكفار: {صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}.
وقال ابن القيّم رحمه الله في كتاب الفوائد: (وقوله {لمن كان له قلب} .. المراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى: {إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا} أي حيّ القلب..).
وقال في مدراج السالكين: (وقال تعالى في آياته المشهودة {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
والناس ثلاثة: رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.
الثاني: رجل له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب، ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.
الثالث: رجل حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملق السمع، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة.
فالأول: بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر.
والثاني: بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.
والثالث: بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسط من البعد والقرب، فهذا هو الذي يراه.
فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصدور.
فإن قيل: فما موقع " أو " من هذا النظم على ما قررت؟
قيل: فيها سر لطيف، ولسنا نقول: إنها بمعنى الواو، كما يقوله ظاهرية النحاة.
فاعلم أن الرجل قد يكون له قلب وقاد، مليء باستخراج العبر، واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التذكر والاعتبار، فإذا سمع الآيات كانت له نورا على نور، وهؤلاء أكمل خلق الله، وأعظمهم إيمانا وبصيرة، حتى كأن الذي أخبرهم به الرسول مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه، حتى قيل: إن مثل حال الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم، كمثل رجلين دخلا دارا، فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئياته، والآخر وقعت يده على ما في الدار ولم ير تفاصيله ولا جزئياته، لكن علم أن فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها، ثم خرجا، فسأله عما رأى في الدار؟ فجعل كلما أخبره بشيء صدقه، لما عنده من شواهده، وهذه أعلى درجات الصديقية، ولا تستبعد أن يمن الله المنان على عبد بمثل هذا الإيمان، فإن فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان.
فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورا إلى نوره، فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التذكر أيضا {فإن لم يصبها وابل فطل} والوابل والطل في جميع الأعمال وآثارها وموجباتها. وأهل الجنة سابقون مقربون، وأصحاب يمين، وبينهما في درجات التفضيل ما بينهما، حتى إن شراب أحد النوعين الصرف يطيب به شراب النوع الآخر ويمزج به مزجا، قال الله تعالى {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} فكل مؤمن يرى هذا، ولكن رؤية أهل العلم له لون، ورؤية غيرهم له لون آخر)ا.هـ.
ثم انتقد عبد القاهر من اقتصر على تفسير القلب في هذه الآية بالعقل.
ثم قال: (ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم، أن يتوهموا أبدا في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل، أنها على ظواهرها، فيفسدوا المعنى بذلك، ويبطلوا الغرض، ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضع البلاغة، ومكان الشرف. وناهيك بهم إذا هم أخذوا في ذكر الوجوه، وجعلوا يكثرون في غير طائل، هناك ترى ما شئت من باب جهل قد فتحوه، وزند ضلالة قد قدحوا به، ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق)ا.هـ.
). [طرق التفسير:181 - 184]


رد مع اقتباس