عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2 محرم 1433هـ/27-11-2011م, 11:01 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) }

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) }

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) }

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وتقول فيما يكون معطوفاً على الاسم المضمر في النّية وما يكون صفة له في النّية كما تقول في المظهر.
أمّا المعطوف فكقولك رويدكم أنتم وعبد الله. كأنّك قلت افعلوا أنتم وعبد الله لأنّ المضمر في النيّة مرفوع فهو يجرى مجرى المضمر الذي يبيّن
[علامته في الفعل. فإن قلت رويدكم وعبد الله فهو أيضاً رفعٌ وفيه قبحٌ لأنّك لو قلت اذهب وعبد الله كان فيه قبحٌ فإذا قلت اذهب أنت وعبد الله حسن. ومثل ذلك في القرآن {فاذهب أنت وربّك فقٌاتلا} و: {اسكن أنت وزوجك الجنة} ). [الكتاب: 1/246-247]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قولك: رويدك زيدا فإن الكاف زائدة، وإنما زيدت للمخاطبة، وليست باسم، وإنما هي بمنزلة قولك: النجاءك يا فتى، وأريتك زيدا ما فعل?، وكقولك: أبصرك زيدا. إنما الكاف زائدة للمخاطبة، ولولا ذلك كان النجاءك محالاً؛ لأنك لا تضيف الاسم وفيه الألف واللام، وقوله عز وجل: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} قد أوضح لك أن الكاف زائدة. ولو كانت في رويدك علامةً للفاعلين لكان خطأ إذا قلت: رويدكم؛ لأن علامة الفاعلين الواو؛ كقولك: أرودوا.
واعلم أن هذه الأسماء ما كان منها مصدراً، أو موضوعاً موضع المصدر فإن فيه الفاعل مضمراً؛ لأنه كالفعل المأمور به. تقول: رويدك أنت وعبد الله زيدا، وعليك أنت وعبد الله أخاك. فإن حذفت التوكيد قبح، وإعرابه الرفع على كل حال؛ ألا ترى أنك لو قلت: قم وعبد الله كان جائزاً على قبح حتى تقول: قم أنت وعبد الله، و{فاذهب أنت وربك فقاتلا} و{اسكن أنت وزوجك الجنة}. فإن طال الكلام حسن حذف التوكيد؛ كما قال الله عز وجل: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} وقد مضى هذا مفسراً في موضعه. وكذلك ما نعته بالنفس في المرفوع. إنما يجري على توكيد فإن لم تؤكد جاز على قبح. وهو قولك: قم أنت نفسك. فإن قلت: قم نفسك جاز. وذلك قولك: رويدك أنت نفسك زيدا، وعليك أنت نفسك زيدا، والحذف جائز قبيح إذا قلت: رويدك نفسك زيدا.
واعلم أنك إذا قلت: عليك زيدا ففي عليك اسمان: أحدهما: المرفوع الفاعل. والآخر: هذه الكاف المخفوضة. تقول: عليكم أنفسكم أجمعون زيدا، فتجعل قولك أجمعون للفاعل: وتجعل قولك: أنفسكم للكاف. وإن شئت أجريتهما جميعاً على الكاف فخفضته، وإن شئت أكدت، ورفعتهما لما ذكرت لك من قبح مجرى النفس في المرفوع إلا بتوكيد، وإن شئت رفعت بغير توكيد على قبح. وإن قلت: رويد نفسك، أو رويدك. جعلت النفس مفعولة بمنزلة زيد؛ كما قال الله عز وجل: {عليكم أنفسكم}). [المقتضب: 3/209-211] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
فإني وقيارًا بها لغريب
أراد: فإني لغريب بها وقيارًا، ولو رفع لكان جيداٌ، تقول: إن زيداٌ منطلقٌ وعمراٌ وعمرو، فمن قال: "عمراٌ" فإنما رده على زيد، ومن قال: "عمرو" فله وجهان من الإعراب: أحدهما جيد، والآخر جائز، فأما الجيد فأن تحمل عمراٌ على الموضع، لأنك إذا قلت: إن زيداٌ منطلق فمعناه زيد منطلق فرددته على الموضع، ومثل هذا لست بقائم ولا قاعدًا، والباء زائدةٌ، لأن المعنى لست قائماٌ ولا قاعداٌ، ويقرأ على وجهين: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (وَرَسُولَهُ) والوجه الآخر لأن يكون معطوفًا على المضمر في الخبر، فإن قلت إن زيداٌ منطلق هو وعمرو حسن العطف لأن المضمر المرفوع إنما يحسن العطف عليه إذا أكدته، كما قال الله تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} و{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إنما قبح العطف عليه بغير تأكيد لأنه لا يخلو من أن يكون مستكنا في الفعل بغير علامة، أو في الاسم الذي يجري مجرى الفعل، نحو إن زيدًا ذهب وإن زيداٌ ذاهب فلا علامة له، أو تكون له علامة يتغير لها الفعل عما كان نحو ضربت، سكنت الباء التي هي لام الفعل من أجل الضمير لأن الفعل والفاعل لا ينفك أحدهما عن صاحبه فهما كالشيء الواحد، ولكن المنصوب يجوز العطف عليه، ويحسن بلا تأكيد، لأنه لا يغير الفعل إذ كان الفعل قد يقع ولا مفعول فيه، نحو ضربتك وزيدًا، فأما قول الله عز وجل: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} فإنما يحسن بغير توكيد لأن" لا" صارت عوضًا، والشاعر إذا احتاج أجراه بلا توكيد لاحتمال الشعر ما لا يحسن في الكلام. وقال عمر بن أبي ربيعة:


قلت إذا أقبلت وزهرٌ تهادى = كنعاج الملا تعفسن رملا
وقال جرير:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه = ما لم يكن وأبٌ له لينالا
فهذا كثير. فأما النعت إذا قلت إن زيدًا يقوم العاقل فأنت مخير إن شئت قلت العاقل فجعلته نعتًا لزيد، أو نصبته على المدح وهو بإضمار أعني، وإن شئت رفعت على أن تبدله من المضمر في الفعل، وإن شئت كان على قطع وابتداءٍ، كأنك قلت إن زيدًا قام، فقيل من هو فقلت: العاقل، كما قال الله عز وجل: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ}، أي هو النار والآية تقرأ على وجهين على ما فسرنا: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} و {عَلَّامَ الْغُيُوبِ} ). [الكامل: 1/416-418] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن التشبيه المحمود قول الشاعر:

طليق الله لم يمنن عليه = أبو داود وابن أبي كثير
ولا الحجاج عيني بنت ماء = تقلب طرفها حذر الصقور
وهذا غاية في صفة الجبان.
ونصب عيني بنت ماء على الذم، وتأويله: إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث فليس يقوله إلا وقد عرفه بالفسق والخبث فنصبه أعني وما أشبهه من الأفعال، نحو أذكر، وهذا أبلغ في الذم، أن يقيم الصفة مقام الاسم، وكذلك المدح. وقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ}. إنما هو على هذا. ومن زعم أنه أراد: "ومن المقيمين الصلاة" فمخطئ في قول البصريين، لأنهم لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح، كالضرورة. والقرآن إنما يحمل على أشرف المذاهب. وقرأ حمزة: (الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ)، وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر، كما قال:

فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا = فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. أراد: وامرأته في جيدها حبل من مسد، فنصب حمالة على الذم. ومن قال إن امرأته مرتفعة بقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}: فهو يجوز. وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد، نحو: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24] و: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، فأما قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}. فإنه لما طال الكلام وزيدت فيه لا احتمل الحذف وهذا على قبحه جائز في الكلام، أعني: ذهبت وزيد، وأذهب وعمرو، قال جرير:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه = ما لم يكن وأب له لينالا
وقال ابن أبي ربيعة:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى = كنعاج الملا تعسفن رملا
ومما ينصب على الذم قول النابغة الذبياني:

لعمري وما عمري علي بهين = لقد نطقت بطلا علي الأقارع
أقارع عوف لا أحاول غيرها = وجوه قرود تبتغي من تجادع
وقال عروة بن الورد العبسي:

سقوني الخمر ثم تكنفوني = عداة الله من كذب وزور
والعرب تنشد قول حاتم الطائي رفعًا ونصبًا:

إن كنت كارهة معيشتنا = هاتا فحلي في بني بدر
الضربين، لدى أعنتهم = والطاعنين وخيلهم تجري
وإنما خفضوهما على النعت، وربما رفعوهما على القطع والابتداء.
وكذلك قول الخرنق بنت هفان القيسي، من بني قيس بن ثعلب:

لا يبعدن قومي الذين هم = سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيبين معاقد الأزر
وكل ما كان من هذا فعلى هذا الوجه.
وإن لم يرد مدحًا ولا ذمًا قد استقر له فوجهه النعت. وقرأ بعض القراء: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ).
وأكثر ما تنشد العرب بيت ذي الرمة نصبًا، لأنه لما ذكر ما يحن إليه ويصبو إلى قربه أشاد بذكر ما قد كان يبغي، فقال:
ديار مية إذ مي تساعفنا = ولا يرى مثلها عجم ولا عرب
وفي هذه القصيدة من التشبيه المصيب قوله:

بيضاء في دعج، صفراء في نعج = كأنها فضة قد مسها ذهب
وفيها من التشبيه المصيب قوله:
تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما = أن المريض إلى عاده الوصب).
تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) }
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (ويُرْوَى: واتَّسَى واتَّسَتْ به، وهو مِن الأَسَى وهو الْحُزْنُ، يُقالُ: أَسِيَ يَأْسَى أَسًى، ويُرْوَى: واتَّسَتْ واتَّسَى به). [شرح لامية العرب: --] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والأسى الحزن مقصور يكتب بالياء). [المقصور والممدود: 75]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

وذي إبل فجعته بخيارها = فأصبح منها وهو أسوان يائس
...
و(أسوان) من الحزن، وهو (الأسى) ). [شرح أشعار الهذليين: 2/645]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فلا تأس إن صدت سواك ولا تكن = جنيبا لخلات كذوب المواعد
(لا تأس) لا تحزن). [شرح أشعار الهذليين: 2/932]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وقوفنا بها صحبي علي مطيهم = يقولون لا تهلك أسىً وتجمل
...
أسىً: من أسِيَ يَأسَى أسىً). [شرح ديوان امرئ القيس: 172-173]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والأسى:
الحزن، يقال: أسي يأسى أسىً). [الأمالي: 2/317-318] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) }

تفسير قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) }

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال التغلبي:
ألا تنتهي عنا ملوكٌ وتتقي = محارمنا لا يبوء الدم بالدمِ
ويقال: باء فلانٌ بذنبهِ، أي. بخع به وأقر، قال الفرزدق لمعاوية:
فلو كان هذا الحكُ في غير ملككم = لبؤت به أو غص بالماء شاربهْ
ويقال: باء فلانٌ بالشيء، من قولٍ أو فعلٍ، أي احتمله فصارَ عليه.
وقال المفسرون في قول الله جل وعزَّ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ}، أي يجتمعا5 عليك فتحملهما). [الكامل: 2/776-777]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال الله عز وجل: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}، فمعناه: لئلا تميد بكم، فاكتفى بـ (أن) من (لا). وقال أيضا: {يبين الله لكم أن تضلوا}، فمعناه: ألا تضلوا، فاكتفى بـ (أنا) من (لا)، وقال عمرو بن كلثوم:
نزلتم منزل الأضياف منا = فعجلنا القرى أن تشتمونا
أراد ألا تشتمونا، فاكتفى بـ (أن) من (لا). وقال الراعي:
أيام قومي والجماعة كالذي = لزم الرحالة أن تميل مميلا
أراد لئلا تميل؛ فاكتفى بـ (أن) من (لا).
وقال بعض الناس: قول الله عز وجل: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك}، فمعناه: إني أريد ألا تبوء بإثمي فحذف (لا) على ما مضى من التفسير.
قال أبو بكر: وهذا القول خطأ عند الفراء، لأن (لا) لا تضمر من الإرادة، كما لا تضمر مع العلم والظن.
وفي المسألة غير قول:
أحدهن: إني أريد أن تبوء بإثمي إذا قتلتني، وما أحب أن تقتلني، فمتى قتلتني أحببت أن تنصرف بإثم قتلي وإثمك السالف الذي من أجله لم يتقبل الله قربانك.
وقال بعضهم: كان قابيل صاحب زرع، وهابيل صاحب غنم، وكان الله عز وجل أمر آدم عليه السلام أن يزوج هابيل أخت قابيل التي ولدت معه في بطن، وأن يزوج قابيل أخت هابيل التي ولدت معه في بطن، فقال هابيل: رضيت بأمر الله، وقال قابيل: والله لا يتزوج هابيل أختي الحسناء وأتزوج أخته القبيحة أبدا، فقال آدم لهما: قربا قربانا فأيكما قبل قربانه تزوج الحسناء، فقرب هابيل شاة سمينة وزبدا، وقرب قابيل سنبلا من شر
سنبله، وصعدا بالقربان إلى الجبل، فنزلت نار فأخذت قربان هابيل، ولم تعرض لقربان قابيل، وكانت علامة قبول القربان نزول النار عليه، وأخذها إياه، فانصرف هابيل وقابيل، وقد أضمر هابيل في نفسه الطاعة والرضا، وأضمر قابيل في نفسه البلاء والخلاف، فقصد هابيل في غنمه فقال: لم تقبل الله قربانك ولم يتقبل مني؟ فقال له هابيل بعد أن توعده قابيل بالقتل: {إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين}.
فرماه قابيل بالحجارة حتى قتله، ثم جزع بعد قتله إياه، وظهور عورته. ولم يدر ما يصنع به، فنظر إلى غرابين: أحدهما حي، والآخر ميت، والحي يحثي على الميت التراب، حتى واراه به، فقال قابيل: {يا وليتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}، فحمل هابيل ميتا فألقاه في غيضة.
وقال الآخرون: بل حثى التراب عليه على سبيل ما رأى من فعل أحد الغرابين بصاحبه.
وقال أصحاب القول المقدم: فدلت الآية والتفسير على أن قابيل لما قال لهابيل: {لأقتلنك} قال له هابيل بعد الموعظة: ما أحب أن أقتلك ولا أحب أن تقتلتني؛ فإن أبيت إلا قتلي كان انصرافك بإثم قتلي أعجب إلي من انصرافي بإثم قتلك، إذا لم يكن من أحد الفعلين بد.
وقال آخرون: معنى الآية: إني أريد بطلان أن تبوء بإثمي وإثمك، فحذف البطلان أو الزوال أو الدفع أو ما أشبههن وأقام (أن) مقام الساقط كما، قال: {واسأل القرية}.
قال أبو بكر: وفي هذا القول عندي بعد؛ لأن المحذوف ليس بمشهور ولا بين الموضع، فالقول الأول هو المختار عندنا لما مضى من الاحتجاج له وإقامة الدليل عليه. والله أعلم). [كتاب الأضداد: 311-314] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) }

تفسير قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) }

تفسير قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أبو اليقظان قال: بعث الحجاج إلي الفُضَيْل بن بَزَوَان العدواني، وكان خيرًا من أهل الكوفة، فقال: إني أريد أن أوليك. قال: أوَ يُعفيني الأمير؟ فأبى وكتب عهده، فأخذه وخرج من عنده فرمى بالعهد وهَرَب، فأخِذَ وأتِيَ به الحجاجُ، فقال: يا عدو الله؛ فقال: لستُ لله ولا للأمير بعدوّ؛ قال: ألم أكرمك! قال: بل أردتَ أن تُهينني. قال: ألم أستعملك! قال: بل أردت أن تستعبدني. قال: {إِنًمَا جَزَاءُ الًذِينَ يُحَارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ} الآية؛ قال: ما استوجب واحدةً منهن؛ قال: كل ذلك قد استوجبت بخلافك. وأمر رجلاً من أهل الشأم أن يضرب عُنقه). [عيون الأخبار: 5/210-211]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) }


رد مع اقتباس