عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 05:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلما استيأسوا منه} الآية. يقال: يئس واستيأس بمعنى واحد، كما يقال: سخر واستسخر، ومنه قوله تعالى: "يستسخرون"، وكما يقال: عجب واستعجب، ومنه قول أوس بن حجر:
[المحرر الوجيز: 5/128]
ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم
ومنه: نوك واستنوك، وعلى هذا يجيء قول الشاعر في بعض التأويلات:
... ... ... ....
واستنوكت وللشباب نوك.
وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير: "استايسوا" و"لا تايسوا" و"لا يايس" و"حتى إذا استايس الرسل"، أصله: استأيسوا "استفعلوا" من "أيس" على قلب الفعل من "يئس" إلى "أيس"، وليس هذا كجذب وجبذ، بل هذان أصلان والأول قلب، دل على ذلك أن المصدر من "يئس وأيس" واحد وهو "اليأس"، ولجذب وجبذ مصدران.
وقوله تعالى: {خلصوا نجيا} معناه: انفردوا عن غيرهم يناجي بعضهم بعضا، والنجي لفظ يوصف به من له نجوى، واحدا أو جماعة، أو مؤنثا أو مذكرا، فهو مثل عدو وعدل، وجمعه أنجية، قال لبيد:
[المحرر الوجيز: 5/129]
وشهدت أنجية الأفاقة عاليا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
و"كبيرهم" قال مجاهد: هو شمعون؛ لأنه كان كبيرهم رأيا وتدبيرا وعلما، وإن كان روبيل أسنهم، وقال قتادة: هو روبيل لأنه أسنهم، وهذا أظهر ورجحه الطبري، وقال السدي: معنى الآية: وقال كبيرهم في العلم، وذكرهم أخوهم الميثاق في قول يعقوب: لتأتنني به إلا أن يحاط بكم.
وقوله: {ما فرطتم}، يصح أن تكون "ما" صلة في الكلام لا موضع لها من الإعراب، ويصح أن تكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر قوله: {في يوسف}، كذا قال أبو علي، ولا يجوز أن يكون قوله: {من قبل} متعلقا بـ {ما فرطتم}، وإنما تكون -على هذا- مصدرية، التقدير: "من قبل تفريطكم في يوسف واقع أو مستقر"، وبهذا المقدر يتعلق قوله: {من قبل}. ويصح أن تكون في موضع نصب عطفا، على أن التقدير: "وتعلموا تفريطكم" أو "وتعلموا الذي فرطتم"، فيصح -على هذا الوجه- أن تكون بمعنى الذي، ويصح أن تكون مصدرية.
وقوله تعالى: {فلن أبرح الأرض}، أراد أرض القطر والموضع الذي ناله فيه المكروه المؤدي إلى سخط أبيه، والمقصد بهذا اللفظ التحريج على نفسه والتزام التضييق، كأنه سجن نفسه في ذلك القطر ليبلي عذرا.
وقوله: {أو يحكم الله لي} لفظ عام بجميع ما يمكن أن يرده من القدر كالموت أو
[المحرر الوجيز: 5/130]
النصرة وبلوغ الأمل، وغير ذلك، وقال أبو صالح: أو يحكم الله لي بالسيف، ونصب "يحكم" بالعطف على "يأذن"، ويجوز أن تكون "أو" في هذا الموضع بمعنى "إلا أن"، كما تقول: "لألزمنك أو تقضيني حقي"، فتنصب على هذا "يحكم" بـ"أو".
وروي أنهم لما وصلوا إلى يعقوب بكى وقال: "يا بني، ما تذهبون عني مرة إلا نقصتم، ذهبتم فنقصتم يوسف، ثم ذهبتم فنقصتم شمعون حيث ارتهن، ثم ذهبتم فنقصتم بنيامين وروبيل "). [المحرر الوجيز: 5/131]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم}
الأمر بالرجوع قيل: هو من قول كبيرهم، وقيل: بل هو من قول يوسف لهم، والأول أظهر، وقرأ الجمهور: "سرق" على تحقيق السرقة على "يامين" بحسب ظاهر الأمر، وقرأ ابن عباس، وأبو رزين: "سرق" بضم السين وكسر الراء وتشديدها، وكأن هذه القراءة لهم تحر ولم يقطعوا عليه بسرقة، وإنما أرادوا: جعل سارقا بما ظهر من الحال، ورويت هذه القراءة عن الكسائي، وقرأ الضحاك: "إن ابنك سارق" بالألف وتنوين القاف، ثم تحروا بعد -على القراءتين- في قولهم: {وما شهدنا إلا بما علمنا}، أي: وقولنا لك: {إن ابنك سرق} إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى، والعلم في الغيب إلى الله، ليس في ذلك حفظنا، هذا قول ابن إسحاق.
وقال ابن زيد: قولهم: {وما شهدنا إلا بما علمنا} أرادوا به: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق في شرعك إلا بما علمنا من ذلك، وما كنا للغيب حافظين أن السرقة تخرج من رحل أحدنا، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة، فشهدنا عنده -حين سألنا- بعلمنا. وقرأ الحسن: "وما شهدنا عليه إلا بما علمنا" بزيادة "عليه".
[المحرر الوجيز: 5/131]
ويحتمل قوله: {وما كنا للغيب حافظين} أي حين واثقناك إنما قصدنا ألا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه، وروي أن معنى "للغيب" أي: لليل، والغيب: الليل بلغة حمير، فكأنهم قالوا: وما شهدنا عندك إلا بما علمناه من ظاهر حاله، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو أو التدليس عليه). [المحرر الوجيز: 5/132]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم استشهدوا بأهل القرية التي كانوا فيها، وهي مصر، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وهذا مجاز، والمراد أهلها، وكذلك قوله: "والعير"، هذا قول الجمهور وهو الصحيح، وحكى أبو المعالي في التلخيص عن بعض المتكلمين أنه قال: هذا من الحذف وليس من المجاز، وإنما المجاز لفظة تستعار لغير ما هي له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وحذف المضاف هو عين المجاز وعظمه، هذا مذهب سيبويه وغيره من أهل النظر، وليس كل حذف مجازا، ورجح أبو المعالي في هذه الآية أنه مجاز، وحكى أنه قول الجمهور أو نحو هذا، وقالت فرقة: بل أحالوه على سؤال الجمادات والبهائم حقيقة، ومن حيث هو نبي فلا يبعد أن تخبره بالحقيقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا وإن جوز فبعيد، والأول أقوى.
وهنا كلام مقدر يقتضيه الظاهر، تقديره: فلما قالوا هذه المقالة لأبيهم قال: بل سولت، وهذا على أن يتصل كلام كبيرهم إلى هنا، ومن يرى أن كلام كبيرهم تم في قوله: {إن ابنك سرق} فإنه يجعل الكلام هنالك تقديره: فلما رجعوا قالوا: إن ابنك سرق الآية، والظاهر أن قوله: {بل سولت لكم أنفسكم أمرا} إنما هو ظن سيئ بهم، كما كان في قصة يوسف قبل، فاتفق أن صدق ظنه هناك ولم يتحقق هنا). [المحرر الوجيز: 5/132]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و{سولت} معناه: زينت وخيلت وجعلته سولا، والسول: ما يتمناه الإنسان ويحرص عليه.
[المحرر الوجيز: 5/132]
وقوله: {فصبر جميل} إما ابتداء وخبره: أمثل أو أولى، وحسن الابتداء بالنكرة من حيث وصفت. وإما خبر ابتداء تقديره: فأمري، أو شأني، أو صبري صبر جميل، وهذا أليق بالنكرة، أن تكون خبرا، ومعنى وصفه بالجمال أنه ليس فيه شكوى إلى بشر ولا ضجر بقضاء الله تعالى.
ثم ترجى عليه السلام من الله أن يجبرهم عليه، وهم: يوسف ويامين وروبيل الذي لم يبرح الأرض، ورجاؤه هذا من جهات:
إحداها: الرؤيا التي رأى يوسف، فكان يعقوب ينتظرها. والثانية: حسن ظنه بالله تعالى في كل حال. والثالثة: ما أخبروه به عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه،فوقع له -من هنا- تحسس ورجاء، والوصف بالعلم والإحكام لائق بما يرجوه من لقاء بنيه، وفيها تسليم لحكمة الله تعالى في جميع ما جرى عليه). [المحرر الوجيز: 5/133]

رد مع اقتباس