عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:53 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلصوا نجيّاً...}
و[نجوى] قال الله عزّ جلّ {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ} وقوله: {قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم مّوثقاً مّن اللّه ومن قبل ما فرّطتم} (ما) التي مع (فرّطتم) في موضع رفع كأنه قال: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف.
فإن شئت جعلتها نصباً، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبل تفريطكم في يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال: {ومن قبل فرّطتم في يوسف} ). [معاني القرآن: 2/53]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {استيئسوا منه} استفعلوا من يئست.
{خلصوا نجيّاً} أي اعتزلوا نجيّاً يتناجون، والنجى يقع لفظه على الواحد والجميع أيضاً وقد يجمع، فيقال: بجىٌ وأنجية، وقال لبيد:
وشهدت أبجية الأفاقة عالياً= كعبي وأرداف الملوك شهود).
[مجاز القرآن: 1/315]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّاً قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم مّوثقاً مّن اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}
وقال: {خلصوا نجيّاً} فجعل "النجيّ" للجماعة مثل قولك: "هم لي صديق".
وقال: {قال كبيرهم} فزعموا أنه أكبرهم في العقل لا في السن). [معاني القرآن: 2/53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {خلصوا نجيا}؛ أي خلوا وانفردوا؛ {وإذ هم نجوى} من ذلك؛ يقال: نجوت الرجل نجوى طويلة؛ أي ناجيته؛ وقالوا أيضًا: ناجيته نجاء، وأنجيته انتجاء؛ إذا خصصته بمناجاتك.
فيجوز أن يكون قوله {ما يكون من نجوى ثلاثة} يريد المصدر؛ أي ما يكون من مناجاة ثلاثة، على ما ذكرنا من نجوته نجوى.
ويجوز أن يكون "النجوى" هي الثلاثة أنفسها، وتكون الثلاثة عطفا عليها كالوصف؛ والعرب تقول: القوم نجوى، على هذا؛ والقوم أنجية وأنجياء: إذا تناجوا.
وقوله {قال كبيرهم} مثل قوله {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} يريد: معلمكم وإمامكم، ليس في السن؛ وكذلك قال ابن عباس في قوله {قال كبيرهم} في العقل لا في السن، مثله أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 748]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خلصوا نجيا}: اعتزلوا يتناجون يقال هم نجي وهم نجوى وجمع نجي أنجية). [غريب القرآن وتفسيره: 186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه} أي يئسوا. خلصوا نجيًّا أي اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم، يتناجون ويتناظرون ويتسارّون.
يقال: قوم نجيّ، والجميع أنجية.
قال الشاعر:
إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيه =واضطربت أعناقهم كالأرشية
{قال كبيرهم} أي أعقلهم. وهو: شمعون. وكأنه كان رئيسهم. وأما أكبرهم في السن: فروبيل. وهذا قول مجاهد.
وفي رواية الكلبي: كبيرهم في العقل، وهو: يهوذا)[تفسير غريب القرآن: 221-220]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقا من اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}
المعنى خلصوا يتناجون، أي خلصوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم، وليس معهم أخوهم، و " نجيّ " لفظ واحد في معنى جمع، وكذلك {وإذ هم نجوى}.
ويجوز قوم نجيّ وقوم نجوى وقوم أنجية.
قال الشاعر:
إني إذا ما القوم صاروا أنجيه
واختلف القول اختلاف الأرشية
هناك أوصيني ولا توصي بيه
ومعنى خلصوا انفردوا وليس معهم أخوهم.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن قبل ما فرّطتم في يوسف}.
أجود الأوجه أن يكون (ما) لغوا، فيكون المعنى: ومن قبل فرّطتم في يوسف - ويجوز أن يكون ما في موضع رفع، فيكون المعنى ومن قبل تفريطكم في يوسف، أي وقع تفريطكم في يوسف، ويجوز أن يكون (ما) في موضع نصب نسق على (أنّ)، المعنى ألم تعلموا أن أباكم، وتعلموا تفريطهم في يوسف.
(فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي) أي لن أبرح أرض مصر، وإلا فالناس كلهم على الأرض.
{أو يحكم اللّه لي} نسق على {حتّى يأذن}، ويجوز أن يكون " أو " على جواب " لن " المعنى لن أبرح الأرض حتى يحكم اللّه لي). [معاني القرآن: 3/125-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا} أي يئسوا تركوا أخاهم وانفردوا يتناجون كيف يرجعون إلى يعقوب وليس معهم
ثم قال تعالى: {قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله} قيل كبيرهم يهوذا
قال مجاهد هو شمعون وليس بكبيرهم في السن لأن روبيل أكبر منه
يذهب مجاهد إلى أن المعنى قال كبيرهم في العقل ورئيسهم لا كبيرهم في السن وقال قتادة في قوله تعالى: {قال كبيرهم} هو روبيل ذهب إلى أنه كبيرهم في السن والله أعلم بحقيقة ذلك
وقوله تعالى: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي}
يعني أرض مصر لأن كل أحد على الأرض). [معاني القرآن: 3/451-450]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خلصوا نجيا} أي انفردوا، يتناجون ويتناظرون ويتشاورون في أمر أخيهم الذي حبس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اسْتَيْأَسُواْ}: من اليأس
{خَلَصُواْ}: اعتزلوا
{نَجِيًّا}: يتناجون). [العمدة في غريب القرآن: 163]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ ابنك سرق...}
ويقرأ (سر‍ّق) ولا أشتهيها؛ لأنها شاذّة. وكأنه ذهب إلى أنه لا يستحلّ أن يسرّق ولم يسرق: وذكر أن ميمون بن مهران لقي رجاء بن حيوة بمكّة، وكان رجاء يقول: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل. وكان ميمون يقول: ربّ كذبة هي خير من صدق كثير. قال فقال ميمون لرجاء: من كان زميلك؟ قال: رجل من قيس. قال: فلو أنك إذ مررت بالبشر قالت لك تغلب: أنت الغاية في الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كان من قيس قتلناه، فقد علمت ما قتلت قيسٌ منّا، أكنت تقول: من قيس أم من غير قيس؟ قال: بل من غير قيس. قال: فهي كانت أفضل أم الصدق؟ قال الفراء: قد جعل الله عزّ وجلّ للأنبياء من المكايد ما هو أكثر من هذا. والله أعلم بتأويل ذلك.
وقوله: {وما كنّا للغيب حافظين} يقول: لم نكن نحفظ غيب ابنك ولا ندري ما يصنع إذا غاب عنا.
ويقال: لو علمنا أن هذا يكون لم نخرجه معنا). [معاني القرآن: 2/53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وما كنا للغيب حافظين} الغيب: الليل في لغة حمير؛ وهو قول ابن عباس: الغيب الليل؛ لأنه يجن الأشياء ويغيبها بإظلامه؛ فالمعنى كله واحد). [معاني القرآن لقطرب: 748]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما كنّا للغيب حافظين} يريدون: حين أعطيناك الموثق لنأتينّك [به]، أي [لم] نعلم أنه يسرق، فيؤخذ).
[تفسير غريب القرآن: 221]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق وما شهدنا إلّا بما علمنا وما كنّا للغيب حافظين}
{إنّ ابنك سرق} ويجوز سرق، إلا أن سرق آكد في القراءة، وسرّق يكون على ضربين، " سرّق علم أنه سرق، وسرّق اتهم بالسرق). [معاني القرآن: 3/125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق}
وحكي أنه قرئ (سرق)
حدثني محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عثمان بن شبيب قال نا أبو جعفر أحمد بن أبي سريج قالا نا علي بن عاصم عن داو وهود ابن أبي هند عن سعيد بن جبير قال نا ابن عباس يقرؤها يا أبانا إن ابنك سرق
وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال نا ابن شاذان قال نا أحمد بن سريج البغدادي قال سمعت الكسائي يقرأ يا أبانا إن ابنك سرق مرفوعة بالسين
و سرق تحتمل معنيين
أحدهما اتهم بالسرقة
والآخر علم منه السرق
ومعنى بل سولت أي بل زينت). [معاني القرآن: 3/452-451]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وما كنا للغيب حافظين} أي لم نعلم حين أعطيناك العهد أنه يسرق فيؤخذ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكان، عامّ النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الرّيح والبرق والسماء والأرض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به، وأنها قد شملت وعمّت. وليس ذلك بكذب، لأنّهم جميعا متواطئون عليه، والسّامع له يعرف مذهب القائل فيه.
وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظّموه ويستقصوا صفته. ونيّتهم في قولهم: أظلمت الشمس، أي كادت تظلم، وكسف القمر، أي كاد يكسف.
ومعنى كاد: همّ أن يفعل ولم يفعل. وربما أظهروا كاد، قال ابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا:
الرِّيحُ تبكِي شَجْوَهُ = والبرق يَلْمَعُ في غَمَامَه
وقال آخر:
الشَّمسُ طالعةٌ ليست بكاسفةٍ = تبَكي عليكَ نُجومَ اللَّيلِ والقَمَرا
أراد: الشمس طالعة تبكي عليك، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر، لأنّها مظلمة، وإنما تكسف بضوئها، فنجوم الليل بادية بالنهار.
وهذا كقوله النابغة وذكر يوم حرب:
تبدوا كواكبه والشمس طالعة = لا النّور نورٌ ولا الإظلامُ إظلام
ونحوه قول طرفة في وصف امرأة:
إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَد تَمْنَعُهُ = وُتِرِيهِ النَّجْمَ يَجري بالظُّهُر
يقول: تشقّ عليه حتى يظلم نهاره فيرى الكواكب ظهرا.
والعامة تقول: أراني فلانّ الكواكب بالنّهار، إذا برَّح به.
وقال الأعشى:
رجعت لما رمت مستحسرا = ترى للكواكب ظُهْرًا وَبِيصَا
أي: رجعت كئيبا حسيرا، قد أظلم عليك نهارك، فأنت ترى الكواكب تعالي النّهار بريقا.
وقد اختلف الناس في قول الله عز وجل: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}.
فذهب به قوم مذاهب العرب في قولهم: بكته الريح والبرق. كأنه يريد أنّ الله عز وجل حين أهلك فرعون وقومه وغرّقهم وأورث منازلهم
وجنّاتهم غيرهم- لم يبك عليهم باك، ولم يجزع جازع، ولم يوجد لهم فقد.
وقال آخرون: أراد: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلهما، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، أراد أهل القرية.
وقال: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}، أي يضع أهل الحرب السّلاح.
وقال ابن عباس: لكل مؤمن باب في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه الباب، وبكت عليه آثاره في الأرض ومصلّاه. والكافر لا يصعد له عمل،
ولا يبكي له باب في السماء ولا أثره في الأرض). [تأويل مشكل القرآن: 167-170] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من الإنسان، يعني العجلة.
كذلك قال أبو عبيدة.
ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب،
ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم. وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية،
أو لاستقامة وزن البيت.
فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وحذف ومثلنا،
لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة،
كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون).
[تأويل مشكل القرآن: 205-197] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الحذف والاختصار
من ذلك: أن تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه وتجعل الفعل له.
كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} أي سل أهلها.
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حبّه.
و{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج.
وكقوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات). [تأويل مشكل القرآن: 210] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمراً فصبرٌ جميلٌ...}
الصبر الجميل مرفوع لأنه عزّى نفسه وقال: ما هو إلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل،
كما قال الشاعر:
يشكو إليّ جملي طول السّرى =صبراً جميلاً فكلانا مبتلى
وقوله: {فصبرٌ جميلٌ} يقول: لا شكوى فيه إلاّ إلى الله جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 2/54-53]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميلٌ عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعاً إنّه هو العليم الحكيم}
وإنما قال: {عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعاً} لأنه عنى الذي تخلف عنهم معهما وهو كبيرهم في العقل). [معاني القرآن: 2/53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا إنّه هو العليم الحكيم}
أي زيّنت لكم أنفسكم وحببت إليكم أنفسكم.
{فصبر جميل}.
المعنى فأمري صبر جميل أو فصبري صبر جميل، وقد فسرنا هذا فيما سبق من السور). [معاني القرآن: 3/125]


رد مع اقتباس