عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 10:59 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: {قالت اليهود يد الله مغلولة} قالوا: لا ينفق شيئا [الآية: 64]). [تفسير الثوري: 104]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يمين الرّحمن ملأى سحّاء لا يغيضها اللّيل والنّهار قال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السّموات والأرض؟ فإنّه لم يغض ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يرفع ويخفض.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهذا الحديث في تفسير هذه الآية: {وقالت اليهود يد الله مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} ..
وهذا حديثٌ قد روته الأئمّة، نؤمن به كما جاء من غير أن يفسّر أو يتوهّم، هكذا قال غير واحدٍ من الأئمّة: الثّوريّ، ومالك بن أنسٍ، وابن عيينة، وابن المبارك أنّه تروى هذه الأشياء ويؤمن بها ولا يقال كيف). [سنن الترمذي: 5/100-101]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فسادًا واللّه لا يحبّ المفسدين}
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن جراءة اليهود على ربّهم ووصفهم إيّاه بما ليس من صفته، توبيخًا لهم بذلك وتعريفًا منه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم قديم جهلهم واغترارهم به وإنكارهم جميع جميل أياديه عندهم وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم إجرامهم، واحتجاجًا لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه له نبيّ مبعوثٌ ورسولٌ مرسلٌ أن كانت هذه الأنباء الّتي أنبأهم بها كانت من خفيّ علومهم ومكنونها الّتي لا يعلمها إلاّ أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من اليهود فضلاً فأطلع اللّه على ذلك نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم ليقرّر عندهم صدقه ويقطع بذلك حجّتهم.
يقول تعالى ذكره: {وقالت اليهود} من بني إسرائيل {يد اللّه مغلولةٌ} يعنون: أنّ خير اللّه ممسكٌ، وعطاءه محبوسٌ عن الاتّساع عليهم، كما قال تعالى ذكره في تأديب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا تجعل يدك مغلولةٌ إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط}
وإنّما وصف تعالى ذكره اليد بذلك، والمعنى: العطاء، لأنّ عطاء النّاس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم، فجرى استعمال النّاس في وصف بعضهم بعضًا إذا وصفوه بجودٍ وكرمٍ أو ببخلٍ وشحٍّ وضيقٍ، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه، كما قال الأعشى في مدح رجلٍ:
يداك يدا مجدٍ فكفٌّ مفيدةٌ = وكفٌّ إذا ما ضنّ بالزّاد تنفق
فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاقٍ وإفادةٍ إلى اليد؛ ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى. فخاطبهم اللّه بما يتعارفونه، ويتحاورونه بينهم في كلامهم، فقال: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} يعني بذلك أنّهم قالوا: إنّ اللّه يبخل علينا ويمنعنا فضله فلا يفضل، كالمغلولة يده الّذي لا يقدر أن يبسطها بعطاءٍ ولا بذلٍ معروفٍ. تعالى اللّه عمّا قالوا أعداء اللّه. فقال اللّه مكذّبهم ومخبرهم بسخطه عليهم: {غلّت أيديهم} يقول: أمسكت أيديهم عن الخيرات، وقبضت عن الانبساط بالعطيّات، ولعنوا بما قالوا، وأبعدوا من رحمة اللّه وفضله بالّذي قالوا من الكفر وافتروا على اللّه ووصفوه به من الكذب، والإفك {بل يداه مبسوطتان} يقول: بل يداه مبسوطتان بالبذل والاعطاء وأرزاق عباده وأقوات خلقه، غير مغلولتين ولا مقبوضتين {ينفق كيف يشاء} يقول: يعطي هذا ويمنع هذا فيقتّر عليه.
وبمثل الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا} قال: ليس يعنون بذلك أنّ يد اللّه موثقةٌ، ولكنّهم يقولون: إنّه بخيلٌ أمسك ما عنده. تعالى اللّه عمّا يقولون علوًّا كبيرًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {يد اللّه مغلولةٌ} قال: لقد تجهدنا اللّه يا بني إسرائيل حتّى جعل اللّه يده إلى نحره. وكذبوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يد اللّه مغلولةٌ} قال: اليهود تقول: لقد تجهدنا اللّه يا بني إسرائيل ويا أهل الكتاب حتّى إنّ يده إلى نحره. بل يداه مبسوطتانٍ، ينفق كيف يشاء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا إلى: {واللّه لا يحبّ المفسدين} أمّا قوله {يد اللّه مغلولةٌ} قالوا: اللّه بخيلٌ غير جوادٍ، قال اللّه: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} قالوا: إنّ اللّه وضع يده على صدره فلا يبسطها حتّى يردّ علينا ملكنا وأمّا قوله: {ينفق كيف يشاء} يقول: يرزق كيف يشاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عكرمة: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} الآية، نزلت في فنحاصٍ اليهوديّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قوله: {يد اللّه مغلولةٌ} يقولون: إنّه بخيلٌ ليس بجوادٍ. قال اللّه: {غلّت أيديهم} أمسكت أيديهم عن النّفقة والخير. ثمّ قال يعني نفسه: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} وقال: {لا تجعل يدك مغلولةً}يقول: لا تمسك يدك عن النّفقة.
واختلف أهل الجدل في تأويل قوله: {بل يداه مبسوطتان} فقال بعضهم: عني بذلك نعمتاه، وقال: ذلك بمعنى: يد اللّه على خلقه، وذلك نعمه عليهم؛ وقال: إنّ العرب تقول: لك عندي يدٌ، يعنون بذلك: نعمةً.
وقال آخرون منهم: عنى بذلك القوّة، وقالوا: ذلك نظير قول اللّه تعالى ذكره: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي}.
وقال آخرون منهم: بل يده ملكه؛ وقال: معنى قوله: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} ملكه وخزائنه. قالوا: وذلك كقول العرب للمملوك: هو ملك يمينه، وفلانٌ بيده عقدة نكاح فلانة: أي يملك ذلك، وكقول اللّه تعالى ذكره: {فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً}.
وقال آخرون منهم: بل يد اللّه صفةٌ من صفاته هي يدٌ، غير أنّها ليست بجارحةٍ كجوارح بني آدم. قالوا: وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن خصوصيّة آدم بما خصّه به من خلقه إيّاه بيده.
قالوا: ولو كان معنى اليد في ذلك النعمة ماكان لخصوصيّة آدم بذلك وجهٌ مفهومٌ، إذ كان جميع خلقه مخلوقين بقدرته ومشيئته في خلقه تعمّه وهو لجميعهم مالكٌ.
قالوا: وإذا كان تعالى ذكره قد خصّ آدم بذكره خلقه إيّاه بيده دون غيره من عباده، كان معلومًا أنّه إنّما خصّه بذلك لمعنى به فارق غيره من سائر الخلق.
قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، بطل قول من قال: معنى اليد من اللّه القوّة والنّعمة أو الملك في هذا الموضع. قالوا: وأحرى أنّ ذلك لو كان كما قال الزّاعمون إنّ يد اللّه في قوله: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} هي نعمته، لقيل: بل يده مبسوطةٌ، ولم يقل: بل يداه، لأنّ نعمة اللّه لا تحصى بكثرةٍ؛ وبذلك جاء التّنزيل، يقول اللّه تعالى: {وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها} قالوا: ولو كانت نعمتين كانتا محصاتين
قالوا: فإن ظنّ ظانٌّ أنّ النّعمتين بمعنى النّعم الكثيرة، فذلك منه خطأٌ؛ وذلك أنّ العرب قد تخرج الجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه، وذلك كقول اللّه تعالى ذكره: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ}, وكقوله: {لقد خلقنا الإنسان} وقوله: {وكان الكافر على ربّه ظهيرًا} قال: فلم يرد بالإنسان والكافر في هذه الإماكن إنسانٌ بعينه، ولا كافرٌ مشارٌ إليه حاضرٌ، بل عني به جميع الإنس وجميع الكفّار، ولكنّ الواحد أدّى عن جنسه كما تقول العرب: ما أكثر الدّرهم في أيدي النّاس، وكذلك قوله: {وكان الكافر} معناه: وكان الّذين كفروا.
قالوا: فأمّا إذا ثنّي الاسم، فلا يؤدّي عن الجنس، ولا يؤدّي إلاّ عن اثنين بأعيانهما دون الجميع ودون غيرهما.
قالوا: وخطأٌ في كلام العرب أن يقال: ما أكثر الدّرهمين في أيدي النّاس. بمعنى: ما أكثر الدّراهم في أيديهم. قالوا: وذلك أنّ الدّرهم إذا ثنّي لا يؤدّي في كلامها إلاّ عن اثنين بأعيانهما. قالوا: وغير محالٍ: ما أكثر الدّرهم في أيدي النّاس.
وما أكثر الدّراهم في أيديهم. لأنّ الواحد يؤدّي عن الجميع.
قالوا: ففي قول اللّه تعالى: {بل يداه مبسوطتان} مع إعلامه عباده أنّ نعمه لا تحصى، ومع ما وصفنا من أنّه غير معقولٍ في كلام العرب أنّ اثنين يؤدّيان عن الجميع، ما ينبئ عن خطأ قول من قال: معنى اليد في هذا الموضع: النّعمة، وصحّة قول من قال: إنّ يد اللّه هي له صفةٌ.
قالوا: وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال به العلماء وأهل التّأويل). [جامع البيان: 8/552-557]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ هذا الّذي أطلعناك عليه من خفيّ أمور هؤلاء اليهود ممّا لا يعلمه إلاّ علماؤهم وأحبارهم، احتجاجًا عليهم لصحّة نبوّتك، وقطعًا لعذر قائلٍ منهم أن يقول: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ، ليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا، يعني بالطّغيان: الغلوّ في إنكار ما قد علموا صحّته من نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والتّمادي في ذلك {وكفرًا} يقول: ويزيدهم مع غلوّهم في إنكار ذلك جحودهم عظمة اللّه ووصفهم إيّاه بغير صفته، بأن ينسبوه إلى البخل، ويقولوا: {يد اللّه مغلولةٌ} وإنّما أعلم تعالى ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم أهل عتوٍّ وتمرّدٍ على ربّهم، وأنّهم لا يذعنون لحقٍّ وإن علموا صحّته، ولكنّهم يعاندونه؛ يسلّي بذلك نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم عن الموجدة بهم في ذهابهم عن اللّه وتكذيبهم إيّاه.
وقد بيّنت معنى الطّغيان فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} حملهم حسد محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم). [جامع البيان: 8/557-558]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة}
يعني تعالى ذكره بقوله: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} بين اليهود والنّصارى. كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} اليهود والنّصارى.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء} جعلت الهاء والميم في قوله {بينهم} كنايةً عن اليهود والنّصارى، ولم يجر لليهود والنّصارى ذكرٌ؟
قيل: قد جرى لهم ذكرٌ، وذلك قوله: {لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ} جرى الخبر في بعض الآي عن الفريقين وفي بعضٍ عن أحدهما، إلى أن انتهى إلى قوله: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء} ثمّ قصد بقوله: {ألقينا بينهم} الخبر عن الفريقين). [جامع البيان: 8/558-559]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه}
يقول تعالى ذكره: كلّما جمع أمرهم على شيءٍ فاستقام واستوى فأرادوا مناهضة من ناوأهم، شتّته اللّه عليهم وأفسده، لسوء فعالهم وخبث نيّاتهم. كالّذي:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوًّا كبيرًا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الدّيار وكان وعدًا مفعولاً ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم} قال: كان الفساد الأوّل، فبعث اللّه عليهم عدوًّا، فاستباحوا الدّيار واستنكحوا النّساء واستعبدوا الولدان وخرّبوا المسجد. فغبروا زمانًا، ثمّ بعث اللّه فيهم نبيًّا، وعاد أمرهم إلى أحسن ما كان. ثمّ كان الفساد الثّاني بقتلهم الأنبياء، حتّى قتلوا يحيى بن زكريّا، فبعث اللّه عليهم بختنصّر، قتل من قتل منهم وسبى من سبى وخرّب المسجد، فكان بختنصّر للفساد الثّاني. قال: والفساد: المعصية. ثمّ قال: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّةٍ} إلى قوله: {وإن عدتم عدنا} فبعث اللّه لهم عزيزًا، وقد كان علم التّوراة وحفظها في صدره، وكتبها لهم. فقام بها ذلك القرن، ولبثوا ونسوا. ومات عزيرٌ، وكانت أحداثٌ، ونسوا العهد، وبخّلوا ربّهم، وقالوا: {يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} وقالوا في عزيرٍ: إنّ اللّه اتّخذه ولدًا. وكانوا يعيبون ذلك على النّصارى في قولهم في المسيح، فخالفوا ما نهوا عنه وعملوا بما كانوا يكفرون عليه. فسبق من اللّه كلمةٌ عند ذلك أنّهم لم يظهروا على عدوٍّ آخر الدّهر، فقال: {كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فسادًا واللّه لا يحبّ المفسدين} فبعث اللّه عليهم المجوس الثّالثة أربابًا، فلم يزالوا كذلك والمجوس على رقابهم وهم يقولون: يا ليتنا أدركنا هذا النّبيّ الّذي نجده مكتوبًا عندنا، عسى اللّه أن يفكّنا به من المجوس والعذاب الهون، فبعث محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، واسمه محمّدٌ، واسمه في الإنجيل أحمد {فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به} قال: {فلعنة اللّه على الكافرين} وقال: {فباءوا بغضبٍ على غضبٍ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه} هم اليهود.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فسادًا} أولئك أعداء اللّه اليهود، كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه، فلن تلقى اليهود ببلدٍ إلاّ وجدتهم من أذلّ أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه إليه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه} قال: كلّما أجمعوا أمرهم على شيءٍ فرّقه اللّه، وأطفأ حدّهم ونارهم، وقذف في قلوبهم الرّعب.
وقال مجاهدٌ بما:
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه} قال: حرب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 8/559-561]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويسعون في الأرض فسادًا واللّه لا يحبّ المفسدين}.
يقول تعالى ذكره: ويعمل هؤلاء اليهود والنّصارى بمعصية اللّه، فيكفرون بآياته ويكذّبون رسله ويخالفون أمره ونهيه، وذلك سعيهم فيها بالفساد. {واللّه لا يحبّ المفسدين} يقول: واللّه لا يحبّ من كان عاملاً بمعاصيه في أرضه). [جامع البيان: 8/561]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فسادًا واللّه لا يحبّ المفسدين (64)
قوله تعالى: وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ
- حدّثنا أبو عبد اللّه الظهرانيّ، ثنا حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: ابن عبّاسٍ وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ أي: بخيلةٌ.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ قال: لا يعنون يدًا لكان يد اللّه موثقةٌ ولكن يقولون بخيلٌ أمسك ما عنده- تعالى اللّه عمّا يقولون علوًّا كثيرًا- وروي عن عكرمة والضّحّاك نحوه.
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ قالوا: لقد تحمّدنا اللّه بقوله: يا بني إسرائيل حتّى جعلوا يده إلى نحره وكذبوا.
قوله تعالى: غلّت أيديهم
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن شبيبٍ، ثنا أبو معاذٍ عن عبيد بن سليمان عن الضّحّاك في قوله: غلّت أيديهم يقول: أمسكت عن النّفقة والخير.
قوله تعالى: ولعنوا بما قالوا
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ولعنوا بما قالوا قال: قالوا إنّ اللّه وضع يده على صدره فلم يبسطها أبدًا حتّى يردّ علينا ملكنا.
قوله تعالى: بل يداه مبسوطتان
- ذكر عن الفضل بن موسقٍ، ثنا الحسين بن فائد عن يزيد النّحويّ عن عكرمة في قوله: بل يداه مبسوطتان قال: يعني اليدين.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: بل يداه مبسوطتان ينفق بهما كيف يشاء.
قوله تعالى: ينفق كيف يشاء
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ ينفق كيف يشاء قال: يرزق كيف يشاء.
قوله تعالى: وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله:
وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا حملهم حسد محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم.
قوله تعالى: وألقينا بينهم العداوة والبغضاء
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا يزيد بن هارون عن العوّام بن حوشبٍ عن إبراهيم التّيميّ قوله: العداوة والبغضاء قال: الخصومات والجدال في الدّين.
قوله تعالى: كلّما أوقدوا نارًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ بن عبّادٍ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه يقول: كلّما مكروا مكرًا أطفأ اللّه النّار والمكر.
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله:
كلّما أوقدوا نارًا للحرب قال: اليهود.
قوله تعالى: للحرب
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: نارًا للحرب حرب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: أطفأها اللّه
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه يقول: كلّما أجمعوا أمرهم على شيءٍ فرّقه وأطفأ حسدهم ونارهم، وقذف في قلوبهم الرّعب.
- ذكر عن خارجة بن مصعبٍ عن يونس بن عبيدٍ عن الحسن في قوله: كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله قال: كلّما اجتمعت السّفلة على قتل العرب أذلّهم اللّه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه فلن تلق اليهود في بلدٍ إلا وجدتهم من أذلّ أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه نقمةً فاتّصفوا بأعمالهم أعمال السّوء.
قوله تعالى: ويسعون في الأرض فسادًا
- وبه عن قتادة قوله: ويسعون في الأرض فسادًا واللّه لا يحب المفسدين أولئك أعداء اللّه اليهود). [تفسير القرآن العظيم: 4/1167-1169]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا} قالوا لقد تحمدنا الله بقوله يا بني إسرائيل حتى جعل يده مغلولة إلى عنقه وكذب أعداء الله). [تفسير مجاهد: 199-200]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله يعني حرب محمد أطفأ الله نارهم). [تفسير مجاهد: 200]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {غلّت أيديهم ولعنوا} [المائدة: 64]
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - قال: «قال رجلٌ من اليهود يقال له النّبّاش بن قيسٍ: إنّ ربّك بخيلٌ لا ينفق، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [المائدة: 64]».
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين}.
أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير، وابن مردويه عن ابن عباس، قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس: أن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {وقالت اليهود يد الله مغلولة} نزلت في فنحاص رأس يهود قينقاع.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {وقالت اليهود يد الله مغلولة} الآية، قال: نزلت في فنحاص اليهودي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قال: أي بخيلة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قال: لا يعنون بذلك أن يد الله موثوقة ولكن يقولون: انه بخيل أمسك ما عنده تعالى عما الله يقولون علوا كبيرا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {مغلولة} يقولون: انه بخيل ليس بجواد، وفي قوله {غلت أيديهم} قال: أمسكت عن النفقة والخير.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن انس مرفوعا أن يحيى بن زكريا سأل ربه فقال: يا رب اجعلني ممن لا يقع الناس فيه، فأوحى الله: يا يحيى هذا شيء لم استخلصه لنفسي كيف أفعله بك اقرأ في المحكم تجد فيه {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} التوبة الآية 30 وقالوا {يد الله مغلولة} وقالوا وقالوا،.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال: إذا بلغك عن أخيك شيء يسوءك فلا تغتم فإنه أن كان كما يقول كانت عقوبة أجلت وإن كانت على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها، قال: وقال موسى: يا رب أسالك أن لا يذكرني أحد إلا بخير، قال ما فعلت ذلك لنفسي.
وأخرج أبو نعيم عن وهب قال: قال موسى: يا رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير، قال ما فعلت ذلك لنفسي.
وأخرج أبو نعيم عن وهب قال: قال موسى: يا رب احبس عني كلام الناس، فقال الله عز وجل لو فعلت هذا بأحد لفعلته بي.
قوله تعالى {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
أخرج أبو عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن أبي داود، وابن الأنباري معا في المصاحف، وابن المنذر عن ابن مسعود قرأ {بل يداه مبسوطتان}.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي، وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سخاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه، قال: وعرشه على الماء وفي يده الأخرى القبض يرفع ويخفض.
قوله تعالى: {وليزيدن كثيرا منهم} الآية
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا} قال: حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه وهم يجدونه عندهم مكتوبا.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع قال: قالت العلماء فيما حفظو وعلموا: انه ليس على الأرض قوم حكموا بغير ما أنزل الله إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء وقال: ذلك في اليهود حيث حكموا بغير ما أنزل الله {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} قال: اليهود والنصارى، وفي قوله {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} قال: حرب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} قال: كلما اجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله وأطفأ حدهم ونارهم وقذف في قلوبهم الرعب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} قال: أولئك أعداء الله اليهود كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله لقد جاء الإسلام حين جاء وهم تحت أيدي المجوس وهم أبغض خلق الله تعمية وتصغيرا بأعمالهم أعمال السوء.
وأخرج ابن أبي حاتم وفي قوله عن الحسن {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} قال: كلما اجتمعت السفلة على قتل العرب). [الدر المنثور: 5/374-378]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولأدخلناهم جنّات النّعيم}
يقول تعالى ذكره: {ولو أنّ أهل الكتاب} وهم اليهود والنّصارى {آمنوا} [البقرة] باللّه وبرسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فصدّقوه واتّبعوه وما أنزل عليه {واتّقوا} [البقرة] ما نهاهم اللّه عنه فاجتنبوه {لكفّرنا عنهم سيّئاتهم}. يقول: محونا عنهم ذنوبهم، فغطّينا عليها ولم نفضحهم بها {ولأدخلناهم جنّات النّعيم} يقول: ولأدخلناهم بساتين ينعمون فيها في الآخرة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولو أنّ أهل، الكتاب آمنوا واتّقوا} يقول: آمنوا بما أنزل اللّه، واتّقوا ما حرّم اللّه {لكفّرنا عنهم سيّئاتهم}). [جامع البيان: 8/561-562]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولأدخلناهم جنّات النّعيم (65)
قوله تعالى: ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا
- وبه ذكر عن قتادة ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا قال: آمنوا بما أنزل.
قوله تعالى: واتّقوا
- وبه عن عبادة ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا اتّقوا ما حرّم اللّه لكفّرنا عنهم سيّئاتهم.
قوله تعالى: لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولأدخلناهم جنّات النّعيم
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كثيرٍ النّكريّ الدّورقيّ، ثنا عبد اللّه بن عبد اللّه العبديّ، ثنا رباحٌ القيسيّ، قال: سمعت مالك بن دينارٍ يقول: جنّات النّعيم بين جنان الفردوس وبين جنّات عدنٍ، وفيها جواري خلقن من ورد الجنّة، قيل: فمن يسكنها؟ قال: الّذين عملوا بالمعاصي فلمّا ذكروا عظمتي راقبوني والّذين انثنت أصلابهم من خشيتي وعزّتي إنّي لأهمّ بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي صرفت عنهم العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 4/1169-1170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم}.
- أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا} قال: آمنوا بما أنزل الله واتقوا ما حرم الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار قال {جنات النعيم} بين جنات الفردوس وجنات عدن وفيها جوار خلقن من ورد الجنة، قيل فمن سكنها قال: الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا عظمة الله جل جلاله راقبوه). [الدر المنثور: 5/378-379]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمّةٌ مقتصدةٌ وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون}
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل} ولو أنّهم عملوا بما في التّوراة والإنجيل {وما أنزل إليهم من ربّهم} يقول: وعملوا بما أنزل إليهم من ربّهم من الفرقان الّذي جاءهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
فإن قال قائلٌ: وكيف يقيمون التّوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، مع اختلاف هذه الكتب ونسخ بعضها بعضًا؟
قيل: إنها وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها، فهي متّفقةٌ فيه الأمر بالإيمان برسل اللّه والتّصديق بما جاءت به من عند اللّه؛ فمعنى إقامتهم التّوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم تصديقهم بما فيها والعمل بما هي متّفقةٌ فيه وكلّ واحدٍ منها في الخبر الّذي فرض العمل به.
وأمّا معنى قوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} فإنّه يعني: لأنزل اللّه عليهم من السّماء قطرها، فأنبتت لهم به الأرض حبّها ونباتها فأخرج ثمارها.
وأمّا قوله: {ومن تحت أرجلهم} فإنّه يعني تعالى ذكره: لأكلوا من بركة ما تحت أقدامهم من الأرض، وذلك ما تخرجه الأرض من حبّها ونباتها وثمارها، وسائر ما يؤكل ممّا تخرجه الأرض.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم} يعني: لأرسل السّماء عليهم مدرارًا {ومن تحت أرجلهم} تخرج الأرض بركتها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقول: إذًا لأعطتهم السّماء بركتها والأرض نباتها.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقول: لو عملوا بما أنزل إليهم ممّا جاءهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، لأنزلنا عليهم المطر فأنبت الثّمر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم} أمّا إقامتهم التّوراة: فالعمل بها، وأمّا ما أنزل إليهم من ربّهم: فمحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وما أنزل عليه. يقول: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} أمّا من فوقهم: فأرسلت عليهم مطرًا، وأمّا من تحت أرجلهم، يقول: لأنبتّ لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} قال: بركاتٌ السّماء والأرض. قال ابن جريجٍ: لأكلوا من فوقهم المطر، ومن تحت أرجلهم من نبات الأرض.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقول: لأكلوا من الرّزق الّذي ينزل من السّماء {ومن تحت أرجلهم} يقول: من الأرض.
وكان بعضهم يقول: إنّما أريد بقوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} التّوسعة، كما يقول القائل: هو في خيرٍ من فرقه إلى قدمه.
وتأويل أهل التّأويل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول، وكفى بذلك شهيدًا على فساده). [جامع البيان: 8/561-562]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {منهم أمّةٌ مقتصدةٌ وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون}
يعني تعالى ذكره بقوله: {منهم أمّةٌ} منهم جماعةٌ {مقتصدةٌ} يقول: مقتصدةٌ في القول في عيسى ابن مريم قائلةٌ فيه الحقّ أنّه رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، لا غاليةً قائلةً إنّه ابن اللّه، تعالى عمّا قالوا من ذلك. ولا مقصّرةً قائلةً هو لغير رشدةٍ، {وكثيرٌ منهم} يعني من بني إسرائيل من أهل الكتاب اليهود والنّصارى {ساء ما يعملون} يقول: كثيرٌ منهم سيّئٌ عملهم، وذلك أنّهم يكفرون باللّه، فتكذّب النّصارى بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتزعم أنّ المسيح ابن اللّه، وتكذّب اليهود بعيسى وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليهما، فقال اللّه تعالى فيهم ذامًّا لهم: {ساء ما يعملون} في ذلك من فعلهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {منهم أمّةٌ مقتصدةٌ} وهم مسلمة أهل الكتاب {وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: تفرّقت بنو إسرائيل فرقًا، فقالت فرقةٌ: عيسى هو ابن اللّه، وقالت فرقةٌ: هو اللّه، وقالت فرقةٌ: هو عبد اللّه وروحه؛ وهي المقتصدة، وهي مسلمة أهل الكتاب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال اللّه: {منهم أمّةٌ مقتصدةٌ} يقول: على كتابه وأمره. ثمّ ذمّ أكثر القوم، فقال: {وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {منهم أمّةٌ مقتصدةٌ} يقول: مؤمنةٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {منهم أمّةٌ مقتصدةٌ وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون} قال: المقتصدة أهل طاعة اللّه. قال: وهؤلاء أهل الكتاب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {منهم أمّةٌ مقتصدةٌ وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون} قال: فهذه الأمّة المقتصدة الّذين لا هم فسقوا في الدّين ولا هم غلوا. قال: والغلوّ: الرّغبة، والفسق: التّقصير عنه). [جامع البيان: 8/565-566]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمّةٌ مقتصدةٌ وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون (66)
قوله تعالى: ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل
- ذكر عن صفوان بن عمرٍو عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يوشك أن يرفع العلم، فقال زياد بن لبيدٍ: يا رسول اللّه وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلّمنا أبناءنا، فقال: ثكلتك أمّك يا ابن لبيدٍ: إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، أوليست التّوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنّصارى، فما أغنى عنهم حين تركوا أمر اللّه. ثمّ قرأ ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم أمّا إقامتهم التّوراة والإنجيل فالعمل بهما.
قوله تعالى: وما أنزل إليهم من ربّهم
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ وما أنزل إليهم من ربهم يعني ما أنزل إليهم الفرقان.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وما أنزل إليهم من ربهم يقول: لو عملوا بما أنزل إليهم ممّا جاءهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: لأكلوا من فوقهم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ لأكلوا من فوقهم يعني لأرسل السّماء عليهم مدرارًا- وروي عن سعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ والسّدّيّ وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: ومن تحت أرجلهم
[الوجه الأول]
- وبه عن ابن عبّاسٍ ومن تحت أرجلهم يعني تخرج الأرض بركاتها- وروي عن سعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ والسّدّيّ وقتادة نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن صالحٍ الوحاظيّ، ثنا محمّد بن عمر القبّانيّ، ثنا عبد الرّحمن بن ميسرة الحضرميّ في قوله: ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم قال: عين زاد عين ولا أشقياء.
قوله: منهم أمة مقتصدة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ عن عبد اللّه بن كثيرٍ أنّه سمع مجاهدًا يقول: تفرقت بنو إسرائيل على ثلاث فرقٍ في عيسى، فقالت فرقةٌ: هو اللّه، وقالت فرقةٌ هو ابن اللّه وقالت فرقةٌ هو عبد اللّه وروحه وهي المقتصدة وهي مسلمة أهل الكتاب.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا ابن مفضّلٌ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ منهم أمّةٌ مقتصدةٌ مؤمنةٌ.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمع عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله تعالى: أمّةٌ مقتصدةٌ قال: المقتصدة أهل طاعة اللّه وهؤلاء أهل الكتاب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة منهم أمّةٌ مقتصدةٌ يقول: على كتابه.
قوله تعالى: وكثيرٌ منهم
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وكثيرٌ منهم يهود ساء ما يعملون.
قوله تعالى: ساء ما يعملون
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قال: ثمّ ذمّ أكثر القوم فقال: وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1170-1172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} الآية، قال: أما اقامتهم التوراة والإنجيل فالعمل بهما وأما {وما أنزل إليهم من ربهم} فمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه وأما {لأكلوا من فوقهم} فارسلت عليه مطرا وأما {ومن تحت أرجلهم} يقول: لأنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم {منهم أمة مقتصدة} وهم مسلمة أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {لأكلوا من فوقهم} يعني لأرسل عليهم السماء مدرارا {ومن تحت أرجلهم} قال: تخرج الأرض من بركاتها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول: لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء والذي والذي ينبت من الأرض.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقول لأعطتهم السماء بركاتها والارض نباتها {منهم أمة مقتصدة} على كتاب الله قد آمنوا ثم ذم أكثر القوم فقال {وكثير منهم ساء ما يعملون}.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: الأمة المقتصدة، الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا، قال: والغلو الرغبة والفسق التقصير عنه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {أمة مقتصدة} يقول مؤمنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوشك أن يرفع العلم، قلت: كيف وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا فقال: ثكلتك أمك يا ابن نفير أن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله ثم قرأ {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} الآية.
وأخرج أحمد، وابن ماجة من طريق ابن أبي الجعد عن زياد بن لبيد قال ذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا فقال: وذلك عند ذهاب أبنائنا يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة قال: ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد، أن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء.
وأخرج ابن مردويه من طريق يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن اسلم عن انس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا قال: ثم حدثهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة سبعون منها في النار وواحدة منها في الجنة، وتفرقت أمة عيسى على اثنين وسبعين ملة واحدة منها في الجنة واحدى وسبعون في النار، وتعلوا انتم على الفريقين جميعا بملة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار قالوا: من هم يا رسول الله قال: الجماعات الجماعات، قال يعقوب بن زيد: كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآنا {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا} إلى قوله {ساء ما يعملون} وتلا أيضا {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} الأعراف الآية 181 يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 5/379-382]


رد مع اقتباس