عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 12:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما}
قرأت فرقة: "اتبع" بشد التاء، وقرأت فرقة بتخفيفها، وقد تقدم. وهذا يقتضي أنه لما بلغ مطلع الشمس أتبع بعد ذلك سببا، أي: طريقا آخر، فهو -والله أعلم- إما يمنة وإما يسرة من مطلع الشمس). [المحرر الوجيز: 5/658]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"السدان" فيما ذكر أهل التفسير-: جبلان سدا مسالك تلك الناحية من الأرض، وبين طريقي الجبلين فتح هو موضع الروم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الجبلان اللذان بينهما السد أرمينية وأذربيجان. وقالت فرقة: هما من وراء بلاد الترك، ذكره المهدوي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله غير متحقق، وإنما هما في طرف الأرض مما يلي المشرق، ويظهر من ألفاظ التواريخ أنهما إلى ناحية الشمال، وأما تعيين موضع فضعيف.
وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر: "السدين" بضم السين، وكذلك "سدا" حيث وقع، وقرأ حفص عن عاصم بفتح ذلك كله من جميع القراءات، وهي قراءة مجاهد، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، وقرأ ابن كثير: "السدين" بفتح السين، وضم "سدا" في (يس).
[المحرر الوجيز: 5/658]
واختلف بعد فقال الخليل وسيبويه: الضم هو الاسم، والفتح المصدر، وقال الكسائي: الضم والفتح لغتان بمعنى واحد، وقال عكرمة، وأبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيدة: ما كان من خلقة الله تعالى لم يشارك فيه أحد بعمل فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويلزم أهل هذه المقالة أن نقرأ: "بين السدين" بالضم، وبعد ذلك "سدا" بالفتح، وهي قراءة حمزة، والكسائي. وحكى أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة، وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو "سد" بضم السين، وما لا يرى فيه "سد" بالفتح. والضمير في "دونهما" عائد على الجبلين، أي: وجدهم في الناحية التي تأتي إلى المغرب. واختلف في "القوم"، فقيل: هم بشر، وقيل: جن، والأول أصح من وجوه. وقوله: {لا يكادون يفقهون قولا} عبارة عن بعد لسانهم عن ألسنة الناس، لكنهم فقهوا أو فهموا بالترجمة ونحوها. وقرأ حمزة، والكسائي: "يفقهون" من أفقه، وقرأ الباقون: "يفقهون" من فقه). [المحرر الوجيز: 5/659]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "قالوا" للقوم الذين من دون السدين، ويأجوج ومأجوج قبيلتان من بني آدم، لكنهم ينقسمون أنواعا كثيرة اختلف في عددها، فاختصرت ذكره لعدم الصحة، وفي خلقهم تشويه، منهم المفرط الطول، ومنهم المفرط القصر على قدر الشبر وأقل وأكثر، ومنهم صنف عظيم الآذان، الأذن الواحدة وبرة والأخرى زعراء، يصيف بالواحدة ويشتو في الأخرى وهي تعمه. واختلف القراء -فقرأ عاصم وحده: "يأجوج ومأجوج" بالهمز، وقرأ الباقون بغير همز، فأما من همز فاختلف فيه فقالت فرقة: هو أعجمي، علته في منع الصرف التعريف والتأنيث، وأما من لم يهمز فإما أن يراهما اسمين أعجميين، وإما أن يسهل من الهمز، وقرأ رؤبة بن العجاج: "آجوج ومأجوج" بهمزة بدل الياء.
واختلف الناس في إفسادهم الذي وصفوهم به -فقال سعيد بن عبد العزيز: إفسادهم أكل بني آدم، وقالت فرقة: إفسادهم إنما عندهم متوقعا، أي: سيفسدون فطلبوا وجه التحرز منهم، وقالت فرقة: إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر، وهذا أظهر الأقوال؛ لأن الطائفة الشاكية إنما
[المحرر الوجيز: 5/659]
شكت من ضر قد نالهم. وقولهم فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب.
و "الخرج": المجبى، وهو الخراج، وقال قوم: "الخرج": المال يخرج مرة، و"الخراج": المجبى المتكرر، فعرضوا عليه أن يجمعوا له أموالا يقيم بها أمر السد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "خرجا" أجرا. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: "خرجا"، وقرأ حمزة، والكسائي: "خراجا"، وهي قراءة طلحة بن مصرف، والأعمش، والحسن -بخلاف عنه-، وروي في أمر يأجوج ومأجوج أن أرزاقهم هي من التنين يرزقونها ويمطرونها، ونحو هذا مما لم يصح، وروي أيضا أن الذكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف ولد، والأنثى لا تموت حتى يخرج من بطنها ألف، فهم لذلك إذا بلغوا العدد ماتوا، وروي أيضا أنهم يتناكحون في الطرق كالبهائم، وأخبارهم تضيق بها الصحف فاختصرتها لضعف صحتها). [المحرر الوجيز: 5/660]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما}، المعنى: قال لهم ذو القرنين: ما بسط الله لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم، ولكن أعينوني بقوة الأبدان، وبعمل منكم بالأيدي. وقرأ ابن كثير وحده: "ما مكنني" بنونين، وقرأ الباقون "ما مكني" بإدغام النون الأولى في الثانية. وهذا: من تأييد الله تعالى لذي القرنين، فإنه تهدى في هذه المحاورة إلى الأنفع والأنزه، فإنهم لو جمعوا له خرجا ومالا لم يعنه منهم أحد ولوكلوه إلى البنيان، ومعونتهم بالقوة أجمل به، وأمر يطاول مدة العمل، وربما أربى على الخرج.
و "الردم" أبلغ من "السد"؛ إذ السد كل ما يسد به، والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع، ومنه: ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاتفة بعضها فوق بعض، ومنه قول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم؟
أي: من قول يركب بعضه على بعض). [المحرر الوجيز: 5/660]

تفسير قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا}
قرأ عاصم، وحمزة: "إيتوني" بمعنى: جيئوني، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: "آتوني" بمعنى: أعطوني، وهذا كله متقارب، إنما هو استدعاء إلى المناولة لا استدعاء العطية والهبة؛ لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخرج، فلم يبق إلا استدعاء المناولة وأعمال القوة، و"إيتوني" أشبه بقوله: {فأعينوني بقوة}، ونصب "الزبر" على نحو قول الشاعر:
أمرتك الخير.
حذف الجار فنصب الفعل. وقرأ الجمهور: "زبر" بفتح الباء، وقرأ الحسن بضمها، وكل ذلك جمع "زبرة"، وهي القطعة العظيمة منه. والمعنى: فرصفه وبناه حتى إذا ساوى بين الصدفين، فاختصر ذلك لدلالة الظاهر عليه. وقرأ الجمهور: "ساوى"، وقرأ قتادة: "سوى"، و"الصدفان": الجبلان المتناوحان، ولا يقال للواحد: صدف، وإنما يقال "صدفان" لاثنين أحدهما يصادف الآخر. وقرأ نافع، وحمزة،
[المحرر الوجيز: 5/661]
والكسائي: "الصدفين" بفتح الصاد وشدها، وهي قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو: "الصدفين" بضم الصاد والدال، وهي قراءة مجاهد، والحسن، وقرأ عاصم -في رواية أبي بكر -: "الصدفين" بضم الصاد وسكون الدال، وقرأ قتادة: "بين الصدفين" بفتح الصاد وسكون الدال. وكل ذلك بمعنى واحد، هما الجانبان المتناوحان، وقيل: "الصدفان": السطحان الأعليان من الجبلين، وهذا نحو من الأول.
وقوله: {قال انفخوا} الآية، معناه أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة، ثم يوقد عليها حتى تحمى، ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو الرصاص أو بالحديد -بحسب الخلاف في "القطر"- فيفرغه على تلك الطاقة المنضدة، فإذا التأم واشتد استأنف رصف طاقة أخرى إلى أن استوى العمل، وقرأ بعض الصحابة: "بقطر أفرغ عليه".
وقال أكثر المفسرين: "القطر": النحاس المذاب، ويؤيد هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: كيف رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر، طريقة صفراء، وطريقة حمراء، وطريقة سوداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأيته، وقالت فرقة: "القطر": الرصاص المذاب، وقالت فرقة" القطر": الحديد الذائب. وهو مشتق من قطر يقطر). [المحرر الوجيز: 5/662]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: " فما استطاعوا" ليأجوج ومأجوج. وقرأت فرقة: "فما اسطاعوا" بسكون السين وتخفيف الطاء، وقرأت فرقة بشد الطاء، وفيها تكلف للجمع بين الساكنين. و"يظهروه" معناه: يعلوه بصعود فيه، ومنه قوله في الموطإ: "والشمس في حجرتها قبل أن تظهر". وما استطاعوا له نقبا لبعد عرضه وقوته، ولا سبيل
[المحرر الوجيز: 5/662]
سوى هذين، إما ارتقاء وإما نقب. وروي أن في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ وعرضه خمسون فرسخا، وروي غير هذا مما لا ثبوت له إذ لا غاية للتخرص، وقوله في هذه الآية: "انفخوا" أي بالأكوار. وقوله: "اسطاعوا" بتخفيف الطاء على قراءة الجمهور، قيل: هي لغة بمعنى: استطاعوا، وقيل: استطاعوا بعينه كثر في كلام العرب حتى حذف بعضهم منه التاء فقال: اسطاع، وحذف بعضهم الطاء فقال: استاع يستيع، بمعنى استطاع يستطيع، وهي لغة مشهورة. وقرأ حمزة وحده: "فما اسطاعوا" بتشديد الطاء، وهي قراءة ضعيفة الوجه. قال أبو علي: هي غير جائزة، وقرأ الأعمش: "فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا" بالتاء في الموضعين). [المحرر الوجيز: 5/663]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قال هذا رحمة من ربي} الآية. القائل هو ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به، وقرأ ابن أبي عبلة: "هذه رحمة". و"الوعد" يحتمل أن يريد به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد به وقت خروج يأجوج ومأجوج. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عمر: "دكا" مصدر دك يدك إذا هدم ورض، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "دكاء" بالمد، وهذا على التشبيه بالناقة الدكاء، هي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره: جعله مثل دكاء، وأما النصب في "دكا" فيحتمل أن يكون مفعولا ثانيا بـ "جعل"، ويحتمل أن يكون "جعل" بمعنى خلق وينصب "دكا" على الحال، وكذلك أيضا النصب في قراءة من مد يحتمل الوجهين). [المحرر الوجيز: 5/663]

رد مع اقتباس