عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:34 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ قال موسى} الآية ... ابتداء قصة ليست من الكلام الأول، والمعنى: اذكر أو اتل، و" موسى " هو موسى بن عمران بمقتضى الأحاديث والتواريخ، وبظاهر القرآن; إذ ليس في القرآن موسى غير واحد، وهو ابن عمران،ولو كان في هذه الآية غيره لبينه. وقالت فرقة منها نوف البكالي: إنه ليس ابن عمران، وهو موسى بن مثنى، ويقال: موسى ابن منشى، وأما فتاه فعلى قول من قال موسى بن عمران فهو يوشع بن نون بن إفراييل بن يوسف بن يعقوب، وأما من قال هو موسى بن مثنى فليس الفتى بيوشع بن نون، ولكنه قولا غير صحيح رده ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. و"الفتى" في كلام العرب: الشاب، ولما كان الخدمة -أكثر ما يكون- فتيانا قيل للخادم: فتى على جهة حسن الأدب، وإن أسن، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي، وليقل فتاي
[المحرر الوجيز: 5/628]
وفتاتي"، فهذا ندب إلى التواضع، و"الفتى" في الآية هو الخادم، ويوشع بن نون يقال: هو ابن أخت موسى عليه السلام.
وسبب هذه القصة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى جلس يوما في مجلس لبني إسرائيل وخطب فأبلغ، فقيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: لا، فأوحى الله تعالى إليه: بلى، عبدنا خضر، فقال: يا رب، دلني على السبيل إلى لقيه، فأوحى الله تعالى إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ مجمع البحرين، فإذا فقدت الحوت فإنه هنالك، وأمر أن يتزود ويرتقب زواله عنه، ففعل موسى ذلك، وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة: لا أبرح السير، أي: لا أزال، وإنما قال هذه المقالة وهو سائر، ومن هذا قول الفرزدق:
فما برحوا حتى تهادت نسؤهم ... ببطحاء ذي قار عياب اللطائم
وذكر الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما ظهر موسى عليه السلام وقومه على مصر أنزل قومه بمصر، فلما استقر الحال خطب يوما فذكر بآلاء الله وأيامه عند بني إسرائيل ثم ذكر نحو ما تقدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما مر بي قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلا في هذا الكلام، وما أراه يصح، بل المتظاهر أن موسى عليه السلام مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين،
[المحرر الوجيز: 5/629]
وفي هذه القصة من الفقه الرحلة في طلب العلم، والتواضع للعالم.
وقرأ الجمهور: "مجمع" بفتح الميمين، وقرأ الضحاك: "مجمع" بكسر الميم الثانية.
واختلف الناس في "مجمع البحرين"، أين هو؟ فقال مجاهد، وقتادة: هو مجمع بحر فارس وبحر الروم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام، هو "مجمع البحرين" على هذا القول، وقالت فرقة منهم محمد بن كعب: مجمع البحرين هو عند طنجة، وهو حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه السائر من دبور إلى صبا، وروي عن أبي بن كعب أنه قال: "مجمع البحرين" بإفريقية، وهذا يقرب من الذي قبله. وقال بعض أهل العلم: هو بحر الأندلس من البحر المحيط.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله واحد، حكاه النقاش، وهذا مما يذكر كثيرا. ويذكر أن القرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء، وقالت فرقة: "مجمع البحرين"، يريد بحرا ملحا وبحرا عذبا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذا إنما كان الخضر عند موقع نهر عظيم في البحر. وقالت فرقة: البحران إنما هما كناية عن موسى عليه السلام والخضر؛ لأنهما بحرا علم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول ضعيف، والأمر بين من الأحاديث أنه إنما رسم له بحر ما. وقوله: {أو أمضي حقبا} معناه: أو أمضي على وجهي زمانا، واختلف القراء -فقرأ الحسن، والأعمش، وعاصم: "حقبا" بسكون القاف، وقرأ الجمهور: "حقبا" بضمه، وهو
[المحرر الوجيز: 5/630]
تثقيل "حقب"، وجمع الحقب أحقاب. واختلف في الحقب، فقال عبد الله بن عمرو: ثمانون سنة، وقال مجاهد: سبعون سنة، وقال الفراء: "الحقب": سنة واحدة، وقال ابن عباس وقتادة: الحقب أزمان غير محدودة، وقالت فرقة: "الحقب" جمع حقبة وهي السنة). [المحرر الوجيز: 5/631]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}
الضمير في قوله: "بينهما" للبحرين، قاله مجاهد، وقيل: هو لموسى والخضر، والأول أصوب. وقرأ عبيد الله بن مسلم: "مجمع" بكسر الميم الثانية: وقال: "نسيا" وإنما كان النسيان من الفتى وحده، نسي أن يعلم موسى عليه السلام بما رأى من حاله من حيث كان لهما زادا، وكان بسبب منه، فنسب فعل الواحد فيه إليهما، وهذا كما يقال: فعل بنو فلان الأمر، إنما فعله منهم بعض. وروي في الحديث أن يوشع رأى الحوت قد حشر من المكتل إلى البحر، فرآه قد اتخذ السرب، وكان موسى عليه السلام نائما، فأشفق أن يوقظه، وقال: أؤخر حتى يستيقظ، فلما استيقظ نسي يوشع أن يعلمه، ورحلا حتى جاوزا، و"السبيل": المسلك، و"السرب": المسلك في جوف الأرض، فشبه به مسلك الحوت في الماء حين لم ينطبق الماء بعده كالطاق وهذا الذي ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله جمهور المفسرين، إن الحوت بقي موضع سلوكه ماء جامدا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: صار موضع سلوكه
[المحرر الوجيز: 5/631]
حجرا صلدا، وقال ابن زيد: إنما اتخذ سبيله سربا في البر حتى وصل إلى البحر ثم عام على العادة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهؤلاء يتأولون "سربا" بمعنى: تصرفا وجولانا، من قولهم: فحل سارب أي مهمل يرعى حيث يشاء، ومنه قوله تعالى: {وسارب بالنهار}، أي متصرف. وقالت فرقة: اتخذ سربا في التراب من المكتل إلى البحر، وصادف في طريقه حجرا فنقبه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر الأمر أن السرب إنما كان في الماء، ومن غريب ما روي في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصص هذه الآية أن الحوت إنما حيي لأنه مسه ماء عين هناك تدعى عين الحياة، ما مست قط شيئا إلا حيي. ومن غريبه أيضا أن بعض المفسرين ذكر أن موضع سلوك الحوت عاد حجرا طريقا، وأن موسى عليه السلام مشى عليه متبعا للحوت حتى أفضى ذلك الطريق إلى الجزيرة في البحر، وفيها وجد الخضر عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمة الله:
وظاهر الكتاب والروايات أنه إنما وجد الخضر في ضفة البحر، يدل على ذلك قوله تعالى: {فارتدا على آثارهما قصصا}). [المحرر الوجيز: 5/632]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وروي في قوله تعالى: {فلما جاوزا} أن موسى عليه السلام نزل عند شجرة عظيمة في ضفة البحر فنسي يوشع الحوت هنالك، ثم استيقظ موسى، ورحلا مرحلة بقية الليل وصدر يومهما، فجاع موسى ولحقه تعب الطريق فاستدعى الغداء.
قال لي أبي رضي الله عنه: وسمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه: مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوما لم يحتج إلى طعام، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم. و"النصب": التعب والمشقة. وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير: "نصبا" بضم النون والصاد، ويشبه أن يكون جمع "نصب"، وهو تخفيف "نصب"). [المحرر الوجيز: 5/632]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قال أرأيت إذ أوينا} الآية. حكى الطبري عن فرقة أنها قالت: الصخرة
[المحرر الوجيز: 5/632]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد تقدم ذكر الخلاف في موضع هذه القصة.
وقوله تعالى: {نسيت الحوت}، يريد: نسيت ذكر ما جرى فيه لك، وأما الكسائي وحده "أنسانيه". وقرأ ابن كثير في الوصل: "أنسانيهي" بياء بعد الهاء، وفي مصحف عبد الله: "وما أنسانيه أن أذكر له إلا الشيطان". وقوله تعالى: {أن أذكره} بدل من الحوت بدل اشتمال. وقوله تعالى: {واتخذ سبيله في البحر عجبا} يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى عليه السلام أي: اتخذ الحوت سبيله عجبا للناس، ويحتمل أن يكون قوله: {واتخذ سبيله في البحر} تمام الخبر، فاستأنف التعجب فقال -من قبل نفسه-: "عجبا" لهذا الأمر، وموضع العجب أن يكون الحوت قد مات وأكل شقه الأيسر، ثم حيي بعد ذلك، قال أبو شجاع في كتاب الطبري: رأيته، أوتيت به فإذا هو شقه حوت وعين واحدة، وشق آخر ليس فيه شيء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأنا رأيته، والشق الذي فيه شيء عليه قشرة رقيقة يشف تحتها شوكه وشقه الآخر.
ويحتمل أن يكون قوله: {واتخذ سبيله في البحر عجبا} إخبار من الله تعالى، وذلك على وجهين: إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجبا، أي: تعجب منه، وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجبا للناس. وقرأ أبو حيوة: "واتخاذ سبيله"، فهذا مصدر معطوف على الضمير في "أن أذكره"). [المحرر الوجيز: 5/633]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قال ذلك ما كنا نبغ} الآية. المعنى: قال موسى لفتاه: أمر الحوت وفقده هو الذي كنا نطلب، فإن الرجل الذي جئنا له ثم، فرجعا يقصان أثرهما لئلا يخطئان طريقهما. وقرأ الجمهور: "نبغي" بثبوت الياء، وقرأ عاصم وقوم: "نبغ" دون ياء، وكان الحسن يثبتها إذا وصل ويحذفها إذا وقف. و"قص الأثر": اتباعه وتطلبه في موضع خفاية). [المحرر الوجيز: 5/633]

رد مع اقتباس