عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا (77) أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا (78) ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيدًا (79)}
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام -وهم بمكّة -مأمورين بالصّلاة والزّكاة وإن لم تكن ذات النّصب، لكن كانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصّفح والعفو عن المشركين والصّبر إلى حينٍ، وكانوا يتحرّقون ويودّون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبًا لأسبابٍ كثيرةٍ، منها: قلّة عددهم بالنّسبة إلى كثرة عدد عدّوهم، ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلدٌ حرامٌ وأشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداءً لائقًا. فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلّا بالمدينة، لمّا صارت لهم دارٌ ومنعةٌ وأنصارٌ، ومع هذا لمّا أمروا بما كانوا يودّونه جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة النّاس خوفًا شديدًا {وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} أي: لو ما أخّرت فرضه إلى مدّةٍ أخرى، فإنّ فيه سفك الدّماء، ويتم الأبناء، وتأيّم النّساء، وهذه الآية في معنى قوله تعالى {ويقول الّذين آمنوا لولا نزلت سورةٌ فإذا أنزلت سورة محكمةٌ وذكر فيها القتال [رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا اللّه لكان خيرًا لهم]} [محمّدٍ: 20، 21].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعليّ بن زنجة قالا حدّثنا عليّ بن الحسن، عن الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ وأصحابًا له أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فقالوا: يا نبيّ اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون، فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً: قال: "إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم". فلمّا حوّله اللّه إلى المدينة أمره بالقتال، فكفّوا. فأنزل اللّه: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم [وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية الله أو أشدّ خشيةً]} الآية.
ورواه النّسائيّ، والحاكم، وابن مردويه، من حديث عليّ بن الحسن بن شقيق، به.
وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ: لم يكن عليهم إلّا الصّلاة والزّكاة، فسألوا اللّه أن يفرض عليهم القتال، فلمّا كتب عليهم القتال: {إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} وهو الموت، قال اللّه تعالى: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى}
وعن مجاهدٍ: إنّ هذه الآيات نزلت في اليهود. رواه ابن جريرٍ.
وقوله: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى} أي: آخرة المتّقي خيرٌ من دنياه.
{ولا تظلمون فتيلا} أي: من أعمالكم بل توفّونها أتمّ الجزاء. وهذه تسليةٌ لهم عن الدّنيا. وترغيبٌ لهم في الآخرة، وتحريضٌ لهم على الجهاد.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدّورقي، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن هشام قال: قرأ الحسن: {قل متاع الدّنيا قليلٌ} قال: رحم اللّه عبدًا صحبها على حسب ذلك، ما الدّنيا كلّها أوّلها وآخرها إلّا كرجلٍ نام نومةً، فرأى في منامه بعض ما يحبّ، ثمّ انتبه.
وقال ابن معين: كان أبو مسهر ينشد:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له = من اللّه في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدّنيا رجالا فإنها = متاع قليلٌ والزّوال قريب). [تفسير القرآن العظيم: 2/359-360]

تفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} أي: أنتم صائرون إلى الموت لا محالة، ولا ينجو منه أحدٌ منكم، كما قال تعالى: {كلّ من عليها فانٍ [ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام]} [الرّحمن: 26، 27] وقال تعالى {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} [آل عمران: 185] وقال تعالى: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد} [الأنبياء: 34] والمقصود: أنّ كلّ أحدٍ صائرٌ إلى الموت لا محالة، ولا ينجيه من ذلك شيءٌ، وسواءٌ عليه جاهد أو لم يجاهد، فإنّ له أجلًا محتومًا، وأمدًا مقسومًا، كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه: لقد شهدت كذا وكذا موقفًا، وما من عضوٍ من أعضائي إلّا وفيه جرحٌ من طعنةٍ أو رميةٍ، وها أنا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء.
وقوله: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} أي: حصينةٍ منيعةٍ عاليةٍ رفيعةٍ. وقيل: هي بروجٌ في السّماء. قاله السّدّيّ، وهو ضعيفٌ. والصّحيح: أنّها المنيعة. أي: لا يغني حذرٌ وتحصّنٌ من الموت، كما قال زهير بن أبي سلمى:
ومن خاف أسباب المنيّة يلقها = ولو رام أسباب السّماء بسلّم
ثمّ قيل: "المشيّدة" هي المشيدة كما قال: "وقصرٍ مشيدٍ" [الحجّ: 45] وقيل: بل بينهما فرقٌ، وهو أنّ المشيّدة بالتّشديد، هي: المطوّلة، وبالتّخفيف هي: المزيّنة بالشّيد وهو الجصّ.
وقد ذكر ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ هاهنا حكايةً مطوّلةً عن مجاهدٍ: أنّه ذكر أنّ امرأةً فيمن كان قبلنا أخذها الطّلق، فأمرت أجيرها أن يأتيها بنارٍ، فخرج، فإذا هو برجلٍ واقفٍ على الباب، فقال: ما ولدت المرأة؟ فقال: جاريةً، فقال: أما إنّها ستزني بمائة رجلٍ، ثمّ يتزوّجها أجيرها، ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فكرّ راجعًا، فبعج الجارية بسكّينٍ في بطنها، فشقّه، ثمّ ذهب هاربًا، وظنّ أنّها قد ماتت، فخاطت أمّها بطنها، فبرئت وشبّت وترعرعت، ونشأت أحسن امرأةٍ ببلدتها فذهب ذاك [الأجير] ما ذهب، ودخل البحور فاقتنى أموالًا جزيلةً، ثمّ رجع إلى بلده وأراد التّزويج، فقال لعجوزٍ: أريد أن أتزوّج بأحسن امرأةٍ بهذه البلدة. فقالت له: ليس هنا أحسن من فلانةٍ. فقال: اخطبيها عليّ. فذهبت إليها فأجابت، فدخل بها فأعجبته إعجابًا شديدًا، فسألته عن أمره ومن أين مقدمه ؟ فأخبرها خبره، وما كان من أمره في هربه. فقالت: أنا هي. وأرته مكان السّكّين، فتحقّق ذلك فقال: لئن كنت إيّاها فلقد أخبرتني باثنتين لا بدّ منهما، إحداهما: أنّك قد زنيت بمائة رجلٍ. فقالت: لقد كان شيءٌ من ذلك، ولكن لا أدري ما عددهم؟ فقال: هم مائةٌ. والثّانية: أنّك تموتين بالعنكبوت. فاتّخذ لها قصرًا منيعًا شاهقًا، ليحرزها من ذلك، فبينا هم يومًا إذا بالعنكبوت في السّقف، فأراها إيّاها، فقالت: أهذه الّتي تحذرها عليّ، واللّه لا يقتلها إلّا أنا، فأنزلوها من السقف فعمدت إليها فوطئتا بإبهام رجلها فقتلتها، فطار من سمّها شيءٌ فوقع بين ظفرها ولحمها، فاسودّت رجلها وكان في ذلك أجلها.
ونذكر هاهنا قصّة صاحب الحضر، وهو "السّاطرون" لمّا احتال عليه "سابور" حتّى حصره فيه، وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين، وقالت العرب في ذلك أشعارًا منها:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـ = لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلّله كل = سًا فللطّير في ذراه وكور
لم تهبه أيدي المنون فباد الـ = ملك عنه فبابه مهجور
ولما دخل على عثمان جعل يقول: اللّهمّ اجمع أمّة محمّدٍ، ثمّ تمثّل بقول الشّاعر:
أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع = لعادٍ ملاذّا في البلاد ومربعا
يبيّت أهل الحصن والحصن مغلقٌ = ويأتي الجبال في شماريخها معا
وقوله: {وإن تصبهم حسنةٌ} أي: خصبٌ ورزقٌ من ثمارٍ وزروعٍ وأولادٍ ونحو ذلك هذا معنى قول ابن عبّاسٍ وأبي العالية والسّدّيّ {يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ} أي: قحطٌ وجدبٌ ونقصٌ في الثّمار والزّروع أو موت أولادٍ أو نتاجٍ أو غير ذلك. كما يقوله أبو العالية والسّدّيّ. {يقولوا هذه من عندك} أي: من قبلك وبسبب اتّباعنا لك واقتدائنا بدينك. كما قال تعالى عن قوم فرعون: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه} [الأعراف: 131] وكما قال تعالى: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ [فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة]} الآية [الحجّ: 11]. وهكذا قال هؤلاء المنافقون الّذين دخلوا في الإسلام ظاهرًا وهم كارهون له في نفس الأمر؛ ولهذا إذا أصابهم شرٌّ إنّما يسندونه إلى اتّباعهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال السّدّيّ: {وإن تصبهم حسنةٌ} قال: والحسنة الخصب، تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم، ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان قالوا: {هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ} والسّيّئة: الجدب والضّرر في أموالهم، تشاءموا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا: {هذه من عندك} يقولون: بتركنا ديننا واتّباعنا محمّدًا أصابنا هذا البلاء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل كلٌّ من عند اللّه} فقوله {قل كلٌّ من عند اللّه} أي الجميع بقضاء اللّه وقدره، وهو نافذٌ في البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {قل كلٌّ من عند اللّه} أي: الحسنة والسّيّئة. وكذا قال الحسن البصريّ.
ثمّ قال تعالى منكرًا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصّادرة عن شكٍّ وريبٍ. وقلّة فهمٍ وعلمٍ، وكثرة جهلٍ وظلمٍ: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا}
ذكر حديثٍ غريبٍ يتعلّق بقوله تعالى: {قل كلٌّ من عند اللّه}
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا السّكن بن سعيدٍ، حدّثنا عمر بن يونس، حدّثنا إسماعيل بن حمّادٍ، عن مقاتل بن حيّان، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: كنّا جلوسًا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فأقبل أبو بكرٍ وعمر في قبيلتين من النّاس، وقد ارتفعت أصواتهما، فجلس أبو بكرٍ قريبًا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ وجلس عمر قريبًا من أبي بكرٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم ارتفعت أصواتكما؟ " فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، قال أبو بكرٍ: الحسنات من اللّه والسّيّئات من أنفسنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فما قلت يا عمر؟ " قال: قلت: الحسنات والسّيّئات من اللّه. تعالى. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أوّل من تكلّم فيه جبريل وميكائيل، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكرٍ، وقال جبريل مقالتك يا عمر فقال: نختلف فيختلف أهل السّماء وإن يختلف أهل السّماء يختلف أهل الأرض. فتحاكما إلى إسرافيل، فقضى بينهم أنّ الحسنات والسّيّئات من اللّه". ثمّ أقبل على أبي بكرٍ وعمر فقال "احفظا قضائي بينكما، لو أراد اللّه ألّا يعصى لم يخلق إبليس".
قال شيخ الإسلام تقيّ الدّين أبو العبّاس ابن تيميّة: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة). [تفسير القرآن العظيم: 2/360-362]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى -مخاطبًا -للرّسول [صلّى اللّه عليه وسلّم] والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه} أي: من فضل اللّه ومنّه ولطفه ورحمته {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} أي: فمن قبلك، ومن عملك أنت كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ} [الشّورى: 30].
قال السّدّيّ، والحسن البصريّ، وابن جريج، وابن زيدٍ: {فمن نفسك} أي: بذنبك.
وقال قتادة: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} عقوبةً يا ابن آدم بذنبك. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "لا يصيب رجلًا خدش عودٍ، ولا عثرة قدمٍ، ولا اختلاج عرق، إلّا بذنبٍ، وما يعفو اللّه أكثر".
وهذا الّذي أرسله قتادة قد روي متّصلًا في الصّحيح: "والّذي نفسي بيده، لا يصيب المؤمن همٌّ ولا حزنٌ، ولا نصبٌ، حتّى الشّوكة يشاكها إلّا كفّر اللّه عنه بها من خطاياه".
وقال أبو صالحٍ: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} أي: بذنبك، وأنا الّذي قدّرتها عليك. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، حدّثنا سهلٌ -يعني ابن بكّار -حدّثنا الأسود بن شيبان، حدّثني عقبة بن واصل بن أخي مطرّف، عن مطرّف بن عبد اللّه قال: ما تريدون من القدر، أما تكفيكم الآية الّتي في سورة النّساء: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك} أي: من نفسك، واللّه ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليه يصيرون.
وهذا كلامٌ متينٌ قويٌّ في الرّدّ على القدريّة والجبريّة أيضًا، ولبسطه موضعٌ آخر.
وقوله تعالى: {وأرسلناك للنّاس رسولا} أي: تبلغهم شرائع اللّه، وما يحبّه ويرضاه، وما يكرهه ويأباه.
{وكفى باللّه شهيدًا} أي: على أنّه أرسلك، وهو شهيدٌ أيضًا بينك وبينهم، وعالمٌ بما تبلغهم إيّاه، وبما يردون عليك من الحق كفرا وعنادًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/363]

رد مع اقتباس