عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ (25) أن لا تعبدوا إلاّ اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ أليمٍ (26) فقال الملأ الّذين كفروا من قومه ما نراك إلاّ بشراً مثلنا وما نراك اتّبعك إلاّ الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنّكم كاذبين (27)
هذه آية قصص فيه تمثيل لقريش وكفار العرب وإعلام محمد صلى الله عليه وسلم ببدع من الرسل.
وروي أن نوحا عليه السلام أول رسول إلى الناس. وروي أن إدريس نبي من بني آدم إلا أنه لم يرسل، فرسالة نوح إنما كانت إلى قومه كسائر الأنبياء، وأما الرسالة العامة فلم تكن إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة «إني» بكسر الألف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي «أني» بفتح الألف. فالكسر على إضمار القول، والمعنى: قال لهم: إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ، ثم يجيء قوله أن لا تعبدوا محمولا ل أرسلنا، أي أرسلنا نوحا بأن لا تعبدوا إلا الله، واعترض أثناء الكلام بقوله: إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ، وفتح الألف على إعمال أرسلنا في «أن» أي بأني لكم نذير. قال أبو علي:
وفي هذه القراءة خروج من الغيبة إلى المخاطبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا نظر، وإنما هي حكاية مخاطبته لقوله، وليس هذا حقيقة الخروج من غيبة إلى مخاطبة، ولو كان الكلام: أن أنذرهم ونحوه لصح ذلك.
و «النذير» المحفظ من المكاره بأن يعرفها وينبه عليها ومبينٌ من أبان يبين.
وقوله أن لا تعبدوا إلّا اللّه ظاهر في أنهم كانوا يعبدون الأوثان ونحوها، وذلك بين في غير هذه الآية.
وأليمٍ معناه مؤلم، ووصف به اليوم وحقه أن يوصف به العذاب تجوزا إذ العذاب في اليوم، فهو كقولهم: نهار صائم وليل قائم). [المحرر الوجيز: 4/ 560-561]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والملأ الجمع والأكثر من القبيلة والمدينة ونحوه، ويسمى الأشراف ملأ إذ هم عمدة الملأ والسادّون مسدّه في الآراء والأمور، وكل جماعة كبيرة ملأ.
ولما قال لهم نوح: إنّي لكم نذيرٌ = قالوا: ما نراك إلّا بشراً مثلنا = أي والله لا يبعث رسولا من البشر، فأحالوا الجائز على الله تعالى.
و «الأراذل» جمع أرذل، وقيل جمع أرذل وأرذال جمع رذل وكان اللازم على هذا أن يقال: أراذيل وإذا ثبتت الياء في جمع صيرف فأحرى ألا تزال في موضع استحقاقها. وهم سفلة الناس ومن لا أخلاق له، ولا يبالى ما يقول ولا ما يقال له.
وقرأ الجمهور «بادي الرأي» بياء دون همز، من بدا يبدو، ويحتمل أن يكون من بدأ مسهلا، وقرأ أبو عمرو وعيسى الثقفي «بادئ الرأي» بالهمز من بدأ يبدأ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبين القراءتين اختلاف في المعنى يعطيه التدبر، فتركت التطويل ببسطه، والعرب تقول: أما بادئ بدء فإني أحمد الله، وأما بادي بدي بغير همز فيهما، وقال الراجز: [الرجز]
أضحى لخالي شبهي بادي بدي = وصار للفحل لساني ويدي
وقال الآخر:
وقد علتني ذرأة بادي بدي.
وقرأ الجمهور بهمز «الرأي» وقرأ أبو عمرو بترك همزه. بادي نصب على الظرف وصح أن يكون اسم الفاعل ظرفا كما يصح في قريب ونحوه، وفعيل وفاعل متعاقبان أبدا على معنى واحد، وفي المصدر كقولك: جهد نفسي أحب كذا وكذا.
وتعلق قوله: بادي الرّأي يحتمل ستة أوجه:
أحدها: أن يتعلق ب نراك بأول نظر وأقل فكرة، وذلك هو بادي الرّأي، أي إلا ومتبعوك أراذلنا.
والثاني: أن يتعلق بقوله: اتّبعك أي، وما نراك اتبعك بادي الرأي إلا الأراذل ثم يحتمل على هذا قوله: بادي الرّأي معنيين:
أحدهما: أن يريد اتبعك في ظاهر أمرهم وعسى أن بواطنهم ليست معك.
والثاني: أن يريد اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادي دون تعقب ولو تثبتوك لم يتبعوك. وفي هذا الوجه ذم الرأي الغير المروي.
والوجه الثالث: من تعلق قوله بادي الرّأي أن يتعلق بقوله: أراذلنا أي الذين هم أراذلنا بأول نظر فيهم، ويبادي الرأي يعلم ذلك منهم، ويحتمل أن يكون قولهم: بادي الرّأي وصفا منهم لنوح، أي تدعي عظيما وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك، ونصبه على الحال وعلى الصفة، ويحتمل أن يكون اعتراضا في الكلام مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم. ويجيء جميع هذا ستة معان، ويجوز التعلق في هذا الوجه «بقال».
ومعنى وما نرى لكم علينا من فضلٍ أي ما ثم شيء تستحقون به الاتباع والطاعة. ثم قال: بل نظنّكم كاذبين فيحتمل أنهم خاطبوا نوحا ومن آمن معه من قومه، أي أنتم كاذبون في تصديقكم هذا الكاذب، وقولكم إنه نبي مرسل). [المحرر الوجيز: 4/ 561-564]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني رحمةً من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (28) ويا قوم لا أسئلكم عليه مالاً إن أجري إلاّ على اللّه وما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقوا ربّهم ولكنّي أراكم قوماً تجهلون (29) ويا قوم من ينصرني من اللّه إن طردتهم أفلا تذكّرون (30)
هذه الآية كأنه قال: أرأيتم إن هداني الله وأضلكم أأجبركم على الهدى وأنتم كارهون له معرضون عنه، واستفهامه في هذه الآية أولا وثانيا على جهة التقرير. وعبارة نوح عليه السلام كانت بلغته دالة على المعنى القائم بنفسه، وهذا هو المفهوم من هذه العبارة العربية، فبهذا استقام أن يقال كذا وكذا، إذ القول ما أفاد المعنى القائم بنفسه.
وقوله على بيّنةٍ أي على أمر بيّن جلي، والهاء في بيّنةٍ للمبالغة كعلامة ونسابة، و «إيتاؤه الرحمة» هو هدايته للبيّنة، والمشار إليه بهذا كله النبوءة والشرع، وقوله من عنده تأكيد، كما قال: يطير بجناحيه [الأنعام: 38]، وفائدته رفع الاشتراك ولو بالاستعارة.
وقرأ جمهور الناس «فعميت» ولذلك وجهان من المعنى:
أحد هما: خفيت، ولذلك يقال للسحاب العماء لأنه يخفي ما فيه، كما يقال له: الغمام لأنه يغمه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «كان الله قبل أن يخلق الأشياء في عماء».
والمعنى الثاني: أن تكون الإرادة: فعميتم أنتم عنها، لكنه قلب، كما تقول العرب: أدخلت القلنسوة في رأسي، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
ترى النور فيها مدخل الظل رأسه = وسائره باد إلى الشمس أجمع
قال أبو علي: وهذا مما يقلب إذ ليس فيه إشكال وفي القرآن: فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله [إبراهيم: 47] وقرأ حفص وحمزة والكسائي «فعمّيت» بضم العين وشد الميم على بناء الفعل للمفعول وهذا إنما يكون من الإخفاء ويحتمل القلب المذكور.
وقرأ الأعمش وغيره «فعماها عليهم». قال أبو حاتم: روى الأعمش عن ابن وثاب «وعميت» بالواو خفيفة.
وقوله: أنلزمكموها يريد إلزام جبر كالقتال ونحوه، وأما إلزام الإيجاب فهو حاصل، وقال النحاس: معناه أن وجبها عليكم، وقوله في ذلك خطأ.
وفي قراءة أبي بن كعب: «أنلزمكموها من شطر أنفسنا»، ومعناه من تلقاء أنفسنا. وروي عن ابن عباس أنه قرأ ذلك «من شطر قلوبنا»). [المحرر الوجيز: 4/ 564-565]

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله يا قوم لا أسئلكم عليه مالًا = الآية الضمير في عليه عائد على التبليغ.
وقوله: وما أنا بطارد الّذين آمنوا يقتضي أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء الذين بادروا إلى الإيمان به نظير ما اقترحت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرد تباعه بمكة الذين لم يكونوا من قريش.
وقوله: إنّهم ملاقوا ربّهم تنبيه على العودة إلى الله ولقاء جزائه المعنى، فيوصلهم إلى حقهم عندي إن ظلمتهم بالطرد. ثم وصفهم بالجهل في مثل هذا الاقتراح ونحوه). [المحرر الوجيز: 4/ 565]

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله يا قوم من ينصرني من اللّه = الآية هو استفهام بمعنى تقرير وتوقيف، أي لا ناصر يدفع عني عقاب الله إن ظلمتهم بالطرد عن الخير الذي قبلوه، ثم وقفهم بقوله: أفلا تذكّرون وعرض عليهم النظر المؤدي إلى صحة هذا الاحتجاج). [المحرر الوجيز: 4/ 566]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول إنّي ملكٌ ولا أقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم اللّه خيراً اللّه أعلم بما في أنفسهم إنّي إذاً لمن الظّالمين (31) قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين (32)
قوله: ولا أقول عطف على قوله: لا أسئلكم عليه مالًا [هود: 29]، ومعنى هذه الآية: أني لا أموه عليكم ولا أتعاطى غير ما أهلني الله له، فلست أقول عندي خزائن اللّه، يريد القدرة التي يوجد بها الشيء بعد حال عدمه، وقد يمكن أن يكون من الموجودات كالرياح والماء، ونحوه ما هو كثير بإبداع الله تعالى له، فإن سمي ذلك- على جهة التجوز- مختزنا فيشبه. ألا ترى ما روي في أحمر ريح عاد أنه فتح عليهم من الريح قدر حلقة الخاتم، ولو كان على قدر منخر الثور لأهلك الأرض. وروي أن الريح عتت على الملائكة الموكلين بتقديرها فلذلك وصفها الله تعالى بالعتو، وقال ابن عباس وغيره: عتت على الخزان. فهذا ونحوه يقتضي أن ثم خزائن. ثم قال: ولا أعلم الغيب، ثم انحط على هاتين فقال ولا أقول إنّي ملكٌ، ظاهر هذه الآية فضل الملك على البشر وعلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي مسألة اختلاف. وظواهر القرآن على ما قلناه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإن أخذنا قوله ولا أقول إنّي ملكٌ على حد أن لو قال: ولا أقول إني كوكب أو نحوه- زالت طريقة التفضيل، ولكن الظاهر هو ما ذكرنا.
وتزدري أصله تزتري (تفتعل) من زرى يزري ومعنى تزدري: تحتقر. و «الخير» هنا يظهر فيه أنه خير الآخرة، اللهم إلا أن يكون ازدراؤهم من جهة الفقر، فيكون الخير المال وقد قال بعض المفسرين: حيثما ذكر الله الخير في القرآن فهو المال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا الكلام تحامل، والذي يشبه أن يقال: إنه حيثما ذكر الخير فإن المال يدخل فيه.
وقوله اللّه أعلم بما في أنفسهم تسليم لله تعالى، أي لست أحكم عليهم بشيء من هذا وإنما يحكم عليهم بذلك ويخرج حكمه إلى حيز الوجود، الله تعالى الذي يعلم ما في نفوسهم ويجازيهم بذلك، وقال بعض المتأولين: هي رد على قولهم: اتبعك أراذلنا على ما يظهر منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: حسبما تقدم في بعض تأويلات تلك الآية آنفا، فالمعنى لست أنا أحكم عليهم بأن لا يكون لهم خير بظنكم بهم أن بواطنهم ليست كظواهرهم، الله عز وجل أعلم بما في نفوسهم، ثم قال: إنّي إذاً لو فعلت ذلك لمن الظّالمين الذين يضعون الشيء في غير موضعه). [المحرر الوجيز: 4/ 566-567]


رد مع اقتباس