الموضوع: سورة الأنبياء
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1433هـ/2-11-2012م, 07:44 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قال جلّ وعزّ: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين ففهّمناها سليمان وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا (78)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين ففهّمناها سليمان وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا}
قال أبو جعفرٍ جماعةٌ من الكوفيّين يذهبون إلى أنّ هذا الحكم منسوخٌ وأنّ البهائم إذا أفسدت زرعًا في ليلٍ أو نهارٍ أنّه لا يلزم صاحبها
شيءٌ وإن كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد حكم بغير هذا فخالفوا حكمه وزعموا أنّه منسوخٌ بقوله صلّى الله عليه وسلّم
"العجماء جبارٌ " ومنهم من يقول في الحديث "العجماء جرحها جبارٌ" والعجماء: البهيمة ، وأصله أنّه يقال: رجلٌ أعجم وامرأةٌ عجماء إذا كانا
لا يفصحان بالكلام ويقال : إنّه ما تقدّم أبا حنيفة أحدٌ بهذا القول حتّى قال بعض العلماء : هذا الحكم أصله من كتاب اللّه، وقد حكم به ثلاثةٌ من الأنبياء فلا تجوز مخالفته بتأويلٍ.
قال أبو جعفرٍ: وسنبيّن ذلك من الآية ومن حكم الأنبياء عليهم السّلام قال جلّ وعزّ: {وداود وسليمان} أي واذكر داود وسليمان {إذ يحكمان في الحرث} [الأنبياء: 78]
قال قتادة: «كان نبتًا»
وعن ابن مسعودٍ، «كان الحرث كرمًا قد أنبتت عناقيده»
{إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] والنّفش في كلام العرب لا يكون إلّا باللّيل أي دخلت الغنم باللّيل في حرث القوم الّذين ليسوا أصحابها فأفسدت العنب وأكلته .
{وكنّا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] أي لم يغب عنّا ذلك {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] أي القضيّة
قال ابن عبّاسٍ: دخلت الغنم فأفسدت الكرم فاختصموا إلى داود فقضى بالغنم لصاحب الكرم ؛ لأنّ ثمنها كان قريبًا منه فمرّوا على سليمان فأخبروه فقال : كان غير هذا الحكم أرفق بالجميع فدخل صاحب الغنم فأخبر داود ، فقال لسليمان: كيف الحكم عندك ؟ قال : يا نبيّ اللّه تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فيصيب من ألبانها وأصوافها وأولادها وتدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم به حتّى يرجع إلى حاله فإذا رجع إلى حاله سلّمت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبها، قال اللّه تعالى : {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79]
قال أبو جعفرٍ: ثمّ رجعنا إلى ما حكم به رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
كما قرئ على أبي عبد الرّحمن أحمد بن شعيبٍ، عن القاسم بن زكريّا بن دينارٍ، قال: حدّثني معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن إسماعيل بن أميّة، وعبد اللّه بن عيسى، عن الزّهريّ، عن حرام بن محيّصة، عن البراء،: «أنّ ناقةً، لآل البراء أفسدت نبتًا فقضى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ على أهل الثّمار حفظها بالنّهار وضمّن أصحاب الماشية ما أصابت ماشيتهم باللّيل»
قال أبو عبد الرّحمن، وأخبرني عمرو بن عثمان، قال: حدّثنا الوليد، عن الأوزاعيّ، عن الزّهريّ، عن حرام بن محيّصة،: أنّ البراء بن عازبٍ أخبره، أنّه كانت له ناقةٌ ضاريةٌ فدخلت حائطًا فأفسدت فيه فكلّم فيها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقضى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ على أهل الحوائط حفظها بالنّهار وعلى أهل المواشي حفظها باللّيل وأنّ على أهل الماشية ما أصابت باللّيل " فهذا حكم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بعد حكم نبيّين قبله بالتّضمين قال أبو حنيفة: «لا ضمان» والحديث صحيحٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
وإن كان مالكٌ قد رواه عن الزّهريّ، عن حرام بن محيّصة، أنّ ناقةً، لآل البراء ، فصار مقطوعًا فقد رواه من تقوم به الحجّة متّصلًا ؛ لأنّ إسماعيل بن أميّة، وعبد اللّه بن عيسى نبيلان جليلا المقدار وقد تابعهما الأوزاعيّ فلا معنى لمعارضة الأئمّة فيما رووا بغيره
وقد قال اللّه تعالى: {إذ يحكمان في الحرث} [الأنبياء: 78] وعلى ذلك القول لا حكم فيه وقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم «العجماء جبارٌ» ليس من هذا في شيءٍ ، لأنّه قد أجمع من تقوم به الحجّة من العلماء أنّ على راكب الدّابّة ما أصابت بيديها فقد صحّ أنّ المعنى العجماء جبارٌ إذا لم يكن على صاحبها حفظها فإذا كان عليه حفظها فليست بجبّارٍ وقد حكم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ على أهل الماشية حفظها باللّيل فليس ما أفسدته باللّيل إذن جبارًا والجبار الهدر الّذي لا شيء فيه وقد حكم داود وسليمان بما ذكرنا فمدحهما اللّه تعالى فقال جلّ وعزّ: {وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 79]
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان قال: حدّثني عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني مالك بن أنسٍ، عن زيد بن أسلم،
في قول اللّه تعالى: {وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 79] قال زيد بن أسلم: «الحكم أو الحكمة العقل» قال مالكٌ: «وإنّه ليقع بقلبي أنّ الحكمة هو الفقه في دين اللّه عزّ وجلّ»
قال أبو جعفرٍ: والّذي ذكرناه من تضمين أصحاب الماشية ما أصابت باللّيل مع ما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قول أكثر الفقهاء منهم مالكٌ والشّافعيّ).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/501-508] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} الآية:
أعلمنا الله جلّ ذكره في هذه الآية أن ما جنته البهائم في الليل فيه حكم، وأن داود حكم في ذلك بما رآه، وأن الله جلّ ذكره فهّم سليمان أن الحكم فيه عنده. - والنّفش: رعي البهائم بالليل -.
ومن قال من أجاز نسخ القرآن بالسّنّة: إن هذا منسوخٌ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((جرح العجماء جبار)) فما أفسدت البهائم في ليلٍ أو نهارٍ فلا شيء فيه
وأكثر العلماء على أن الآية محكمة، وقد بيّن ذلك النبيّ عليه السلام فحكم بضمان ما أفسدته البهائم باللّيل دون النهار لأن على أصحاب المواشي حفظها بالليل - وهو قول مالك والشافعي وغيرهما -.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((العجماء جبار)) إنما ذلك فيما ليس على صاحبها حفظها منه.
فأما ما على صاحبها حفظها منه وأصابته وأفسدته فليس بجبار، وهو ضامن لذلك. والجبار: الهدر الذي لا شيء فيه.
فالبيّن في هذا أنها محكمة). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:349 - 350]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس