عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 12:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون (8) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين (9) }
يقول تعالى آمرًا عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحثّ على التّمسّك بتوحيده، فإنّ الوالدين همّا سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق؛ ولهذا قال تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانًا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمًا، واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة وقل ربّي ارحمهما كما ربّياني صغيرًا} [الإسراء: 23، 24].
ومع هذه الوصيّة بالرّأفة والرّحمة والإحسان إليهما، في مقابلة إحسانهما المتقدّم، قال: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما} أي: وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإيّاك وإيّاهما، لا تطعهما في ذلك، فإنّ مرجعكم إليّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصّالحين لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب النّاس إليهما في الدّنيا، فإنّ المرء إنّما يحشر يوم القيامة مع من أحبّ، أي: حبًّا دينيًّا؛ ولهذا قال: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين}.
وقال التّرمذيّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ ومحمّد بن المثنّى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حربٍ قال: سمعت مصعب بن سعدٍ يحدّث عن أبيه سعدٍ، قال: نزلت فيّ أربع آياتٍ. فذكر قصّةً، وقالت أمّ سعدٍ: أليس قد أمرك اللّه بالبرّ؟ واللّه لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتّى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها، فأنزل اللّه {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك} الآية.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد، ومسلمٌ، وأبو داود، والنّسائيّ أيضًا، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 264-265]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10) وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين (11) }
يقول تعالى مخبرًا عن صفات قومٍ من [المكذّبين] الّذين يدّعون الإيمان بألسنتهم، ولم يثبت الإيمان في قلوبهم، بأنّهم إذا جاءتهم فتنةٌ ومحنةٌ في الدّنيا، اعتقدوا أنّ هذا من نقمة اللّه تعالى بهم، فارتدّوا عن الإسلام؛ ولهذا قال: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه}.
قال ابن عبّاسٍ: يعني فتنته أن يرتدّ عن دينه إذا أوذي في اللّه. وكذا قال غيره من علماء السّلف. وهذه الآية كقوله تعالى: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحجّ: 11].
ثمّ قال: {ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم} أي: ولئن جاء نصرٌ قريبٌ من ربّك -يا محمّد -وفتحٌ ومغانم، ليقولنّ هؤلاء لكم: إنّا كنّا معكم، أي [كنّا] إخوانكم في الدين، كما قال تعالى: {الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} [النّساء: 141]، وقال تعالى: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} [المائدة: 52].
وقال تعالى مخبرًا عنهم هاهنا: {ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم}، ثمّ قال تعالى: {أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين} أي: أوليس اللّه بأعلم بما في قلوبهم، وما تكنّه ضمائرهم، وإن أظهروا لكم الموافقة؟). [تفسير ابن كثير: 6/ 265-266]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين} أي: وليختبرنّ اللّه النّاس بالضّرّاء والسّرّاء، ليتميّز هؤلاء من هؤلاء، ومن يطيع اللّه في الضّرّاء والسّرّاء، إنّما يطيعه في حظّ نفسه، كما قال تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم} [محمّدٍ: 31]، وقال تعالى بعد وقعة أحدٍ، الّتي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} الآية [آل عمران: 179]، [واللّه أعلم]). [تفسير ابن كثير: 6/ 266]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ إنّهم لكاذبون (12) وليحملنّ أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون (13)}
يقول تعالى مخبرًا عن كفّار قريشٍ: أنّهم قالوا لمن آمن منهم واتّبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا، واتّبعوا سبيلنا، {ولنحمل خطاياكم} أي: وآثامكم -إن كانت لكم آثامٌ في ذلك- علينا وفي رقابنا، كما يقول القائل: "افعل هذا وخطيئتك في رقبتي". قال اللّه تكذيبًا لهم: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ إنّهم لكاذبون} أي: فيما قالوه: إنّهم يحملون عن أولئك خطاياهم، فإنّه لا يحمل أحدٌ وزر أحدٍ، {وإن تدع مثقلةٌ إلى حملها لا يحمل منه شيءٌ ولو كان ذا قربى} [فاطر: 18]، وقال تعالى: {ولا يسأل حميمٌ حميمًا. يبصّرونهم} [المعارج: 10، 11]). [تفسير ابن كثير: 6/ 266]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}: إخبارٌ عن الدّعاة إلى الكفر والضّلالة، أنّهم يوم القيامة يحملون أوزار أنفسهم، وأوزارًا أخر بسبب من أضلّوا من النّاس، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئًا، كما قال تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون} [النّحل: 25].
وفي الصّحيح: "من دعا إلى هديٍ كان له من الأجر مثل أجور من اتّبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من اتّبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من آثامهم شيئًا" وفي الصّحيح: "ما قتلت نفسٌ ظلمًا إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفلٌ من دمها؛ لأنّه أوّل من سنّ القتل".
وقوله: {وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون} أي: يكذبون ويختلقون من البهتان.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ هاهنا حديثًا فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا صدقة، حدّثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية، حدّثني سليمان بن حبيبٍ المحاربيّ عن أبي أمامة، رضي اللّه عنه، قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلّغ ما أرسل به، ثمّ قال: "إيّاكم والظّلم، فإنّ اللّه يعزم يوم القيامة فيقول: وعزّتي لا يجوزني اليوم ظلمٌ! ثمّ ينادي منادٍ فيقول: أين فلان ابن فلانٍ؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال، فيشخص النّاس إليها أبصارهم حتّى يقوم بين يدي اللّه الرّحمن عزّ وجلّ ثمّ يأمر المنادي فينادي من كانت له تباعة -أو: ظلامة -عند فلان ابن فلانٍ، فهلمّ. فيقبلون حتّى يجتمعوا قيامًا بين يدي الرّحمن، فيقول الرّحمن: اقضوا عن عبدي. فيقولون: كيف نقضي عنه؟ فيقول لهم: خذوا لهم من حسناته. فلا يزالون يأخذون منها حتّى لا يبقى له حسنةٌ، وقد بقي من أصحاب الظّلامات، فيقول: اقضوا عن عبدي. فيقولون: لم يبق له حسنةٌ. فيقول: خذوا من سيّئاتهم فاحملوها عليه". ثمّ نزع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الآية الكريمة: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون}.
وهذا الحديث له شاهدٌ في الصّحيح من غير هذا الوجه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن أبي الحواريّ، حدّثنا أبو بشرٍ الحذّاء، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن معاذ بن جبلٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا معاذ، إنّ المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه، حتّى عن كحل عينيه، وعن فتات الطّينة بأصبعيه، فلا ألفينّك تأتي يوم القيامة وأحدٌ أسعد بما آتاك اللّه منك"). [تفسير ابن كثير: 6/ 266-267]

رد مع اقتباس