عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 07:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين هاجروا في سبيل اللّه ثمّ قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا وإنّ اللّه لهو خير الرّازقين (58) ليدخلنّهم مدخلا يرضونه وإنّ اللّه لعليمٌ حليمٌ (59) ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه إنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ (60)}.
يخبر تعالى عمّن خرج مهاجرًا في سبيل اللّه ابتغاء مرضاته، وطلبًا لما عنده، وترك الأوطان والأهلين والخلان، وفارق بلاده في اللّه ورسوله، ونصرةً لدين اللّه {ثمّ قتلوا} أي: في الجهاد {أو ماتوا} أي: حتف أنفهم، أي: من غير قتالٍ على فرشهم، فقد حصلوا على الأجر الجزيل، والثّناء الجميل، كما قال تعالى {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه} [النّساء: 100].
وقوله: {ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا} أي: ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنّة ما تقرّ به أعينهم، {وإنّ اللّه لهو خير الرّازقين. ليدخلنّهم مدخلا يرضونه} أي: الجنّة. كما قال تعالى: {فأمّا إن كان من المقرّبين. فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيمٍ} [الواقعة: 88، 89] فأخبر أنّه يحصل له الرّاحة والرّزق وجنّة نعيمٍ، كما قال هاهنا: {ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا}، ثمّ قال: {ليدخلنّهم مدخلا يرضونه وإنّ اللّه لعليمٌ} أي: بمن يهاجر ويجاهد في سبيله، وبمن يستحقّ ذلك، {حليمٌ} أي: يحلم ويصفح ويغفر لهم الذّنوب ويكفّرها عنهم بهجرتهم إليه، وتوكّلهم عليه. فأمّا من قتل في سبيل اللّه من مهاجرٍ أو غير مهاجرٍ، فإنّه حيٌّ عند ربّه يرزق، كما قال تعالى: {ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتًا بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون} [آل عمران: 169]، والأحاديث في هذا كثيرةٌ، كما تقدّم وأمّا من توفي في سبيل اللّه من مهاجرٍ أو غير مهاجرٍ، فقد تضمّنت هذه الآية الكريمة مع الأحاديث الصّحيحة إجراء الرّزق عليه، وعظيم إحسان اللّه إليه.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا المسيّب بن واضحٍ، حدّثنا ابن المبارك، عن عبد الرّحمن بن شريح، عن ابن الحارث -يعني: عبد الكريم-عن ابن عقبة -يعني: أبا عبيدة بن عقبة-قال: حدّثنا شرحبيل بن السّمط: طال رباطنا وإقامتنا على حصنٍ بأرض الرّوم، فمرّ بي سلمان-يعني: الفارسيّ-رضي اللّه عنه، فقال: إنّي سمعت رسول اللّه يقول: "من مات مرابطًا، أجرى اللّه عليه مثل ذلك الأجر، وأجرى عليه الرّزق، وأمن من الفتّانين" واقرءوا إن شئتم: {والّذين هاجروا في سبيل اللّه ثمّ قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا وإنّ اللّه لهو خير الرّازقين ليدخلنّهم مدخلا يرضونه وإنّ اللّه لعليمٌ حليمٌ}
وقال أيضًا: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا زيد بن بشرٍ، أخبرني همّامٌ، أنّه سمع أبا قبيلٍ وربيعة بن سيفٍ المعافريّ يقولان: كنّا برودس، ومعنا فضالة بن عبيدٍ الأنصاريّ -صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم-فمرّ بجنازتين، إحداهما قتيلٌ والأخرى متوفًّى، فمال النّاس على القتيل، فقال فضالة: ما لي أرى النّاس مالوا مع هذا، وتركوا هذا؟! فقالوا: هذا قتيلٌ في سبيل اللّه تعالى. فقال: واللّه ما أبالي من أيّ حفرتيهما بعثت، اسمعوا كتاب اللّه: {والّذين هاجروا في سبيل اللّه ثمّ قتلوا أو ماتوا [ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا وإنّ اللّه لهو خير الرّازقين]}
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا عبدة بن سليمان، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا ابن لهيعة، حدّثنا سلامان بن عامرٍ الشّعبانيّ، أنّ عبد الرّحمن بن جحدم الخولانيّ حدّثه: أنّه حضر فضالة بن عبيدٍ في البحر مع جنازتين، أحدهما أصيب بمنجنيقٍ والآخر توفّي، فجلس فضالة بن عبيدٍ عند قبر المتوفّى، فقيل له: تركت الشّهيد فلم تجلس عنده؟ فقال: ما أبالي من أيّ حفرتيهما بعثت، إنّ اللّه يقول: {والّذين هاجروا في سبيل اللّه ثمّ قتلوا أو ماتوا [ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا وإنّ اللّه لهو خير الرّازقين. ليدخلنّهم مدخلا] يرضونه} فما تبتغي أيّها العبد إذا أدخلت مدخلًا ترضاه ورزقت رزقًا حسنًا، واللّه ما أبالي من أيّ حفرتيهما بعثت.
ورواه ابن جريرٍ، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ، أخبرني عبد الرّحمن بن شريح، عن سلامان بن عامرٍ قال: كان فضالة برودس أميرًا على الأرباع، فخرج بجنازتي رجلين، أحدهما قتيلٌ والآخر متوفى = فذكر نحو ما تقدم).[تفسير ابن كثير: 5/ 447-448]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقوله: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه}، ذكر مقاتل بن حيّان وابن جريجٍ أنّها نزلت في سريّةٍ من الصّحابة، لقوا جمعًا من المشركين في شهر محرّمٍ، فناشدهم المسلمون لئلّا يقاتلوهم في الشّهر الحرام، فأبى المشركون إلّا قتالهم وبغوا عليهم، فقاتلهم المسلمون، فنصرهم اللّه عليهم، [و] {إنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ} ).[تفسير ابن كثير: 5/ 449]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلك بأنّ اللّه يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل وأنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ (61) ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل وأنّ اللّه هو العليّ الكبير (62)}.
يقول تعالى منبّهًا على أنّه الخالق المتصرّف في خلقه بما يشاء، كما قال: {قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيءٍ قديرٌ. تولج اللّيل في النّهار [وتولج النّهار في اللّيل وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ وترزق من تشاء بغير حسابٍ]} [آل عمران: 26، 27] ومعنى إيلاجه اللّيل في النّهار، والنّهار في اللّيل: إدخاله من هذا في هذا، ومن هذا في هذا، فتارةً يطوّل اللّيل ويقصّر النّهار، كما في الشّتاء، وتارةً يطوّل النّهار ويقصّر اللّيل، كما في الصّيف.
وقوله: {وأنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ} أي: سميعٌ بأقوال عباده، بصيرٌ بهم، لا يخفى عليه منهم خافيةٌ في أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم). [تفسير ابن كثير: 5/ 449]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (ولـمّا بيّن أنّه المتصرّف في الوجود، الحاكم الّذي لا معقّب لحكمه، قال: {ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ} أي: الإله الحقّ الّذي لا تنبغي العبادة إلّا له؛ لأنّه ذو السّلطان العظيم، الّذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وكلّ شيءٍ فقيرٌ إليه، ذليلٌ لديه، {وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل} أي: من الأصنام والأنداد والأوثان، وكلّ ما عبد من دونه تعالى فهو باطلٌ؛ لأنّه لا يملك ضرًّا ولا نفعًا.
وقوله: {وأنّ اللّه هو العليّ الكبير}، كما قال: {وهو العليّ العظيم} [البقرة: 255]، وقال: {الكبير المتعال} [الرّعد: 9] فكلّ شيءٍ تحت قهره وسلطانه وعظمته، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه؛ لأنّه العظيم الّذي لا أعظم منه، العليّ الّذي لا أعلى منه، الكبير الّذي لا أكبر منه، تعالى وتقدّس وتنزّه، وعزّ وجلّ عمّا يقول الظّالمون [المعتدون] علوًّا كبيرًا). [تفسير ابن كثير: 5/ 449]

رد مع اقتباس